تنطلق هذه المنهجية من رؤية شمولية تجعل الوحدة البنائية للقرآن العظيم محوراً مركزياً في الفهم والتدبر؛ فالقرآن بنية متكاملة، لا يُفصل فيه بين السور أو الآيات، بل يُقرأ باعتباره بناءً مترابطاً، حيث لكل سورة موقعها التوقيفي في المصحف، وكل ترتيب أو مناسبة بين السور والآيات يحمل دلالة مقصودة تعزز وحدة القرآن الموضوعية والبنائية.
القرآن العظيم مفارق للزمان والمكان والبيئة والأعراف، فهو كتاب هداية عالمي يخاطب الإنسان في كل عصر ومكان، ويقدّم رسالة تتجاوز حدود اللغة والثقافة، فلا يُحصر في سياق تاريخي أو جغرافي معين، بل يحمل خطاباً شاملاً للإنسانية جمعاء. هذا المفهوم يجسد مركزية "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" في فهم النص القرآني، ويجعل من القرآن كتاباً متجدداً في عطائه، صالحاً لكل زمان ومكان.
تهدف هذه المنهجية إلى تحقيق جملة من المقاصد العلمية الجليلة:
تتمحور المنهجية حول ثلاثة مقاصد كبرى تشكل الأسس الراسخة لفهم القرآن:
محور تدور حوله جميع سور القرآن، راسخ في كل سورة وآية، يشكل القاعدة الأساسية لبناء المعرفة القرآنية.
تطهير النفس وتنميتها، كما أبرزته تدبراتها في سور مثل النور والحجرات، حيث تتجلى دعوة القرآن لبناء الإنسان أخلاقياً وروحياً.
القيام بمهمة الخلافة في الأرض وإصلاحها بالعمل الصالح، كما يظهر جلياً في تدبرها لسورة البقرة وآل عمران.
تؤسس هذه المنهجية على مبدأ الترابط الوثيق بين السور والآيات، واعتبار موقع كل سورة في المصحف أمراً توقيفياً ذا دلالة عميقة، كما يتضح في الربط بين خواتيم الفاتحة ومطلع البقرة، أو بين خواتيم الأنفال ومطلع سورة التوبة وغيرها. وتقوم على قراءة الآية في سياق السورة، مع مراعاة كونها مكية أو مدنية، وإبراز التناسب بين السور وترابطها في بناء متكامل.
تسعى المنهجية إلى الكشف عن الأهداف الكبرى والمقاصد العميقة لكل سورة، مثل إبراز مقصد الهداية في سورة الفاتحة، أو مقصد الصبر والثبات والإحسان في سورة يوسف. وتعمل على ربط مقاصد السور بمقاصد القرآن الكلية، وإبراز كيف تخدم هذه المقاصد بناء الإنسان والمجتمع على أسس التقوى والإيمان.
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب: التحذير من التشويش بالروايات الضعيفة، وتأكيد عالمية الخطاب القرآني وصلاحيته لكل زمان ومكان.
أولوية التطبيق والتنزيل: تحويل التعاليم القرآنية إلى سلوك عملي وممارسات يومية، وربطها بالواقع المعاصر، كما يتجلى في تدبرها لآيات الإنفاق أو الإصلاح الاجتماعي.
الحوار مع القرآن: اعتبار أن القرآن يحاور القارئ، ويخاطبه في كل زمان ومكان، وأن التدبر عملية مستمرة تحتاج إلى المثابرة والتعاهد والاستمرارية.
تؤكد الدكتورة العلواني أن أعلى درجات الفهم لكتاب الله تتحقق من خلال تفسير القرآن بالقرآن، حيث يفسر القرآن بعضه بعضاً، وتتكامل دلالاته في ضوء الوحدة البنائية والموضوعية للسور. ففي تدبرها لسورة الإخلاص، تربط مدلول التوحيد بما ورد في آيات التوحيد في سائر القرآن، وتستخرج من ذلك منظومة عقائدية متكاملة.
تؤكد المنهجية أن القرآن الكريم هو المرجع الأعلى والمهيمن على جميع الأفهام البشرية والتأويلات، مهما اختلفت السياقات الزمانية والمكانية والثقافية. فلا يُقدَّم عليه فهم أو تفسير، ولا يُخضع لمناهج أو تصورات بشرية تُعطِّل دلالاته أو تحصرها في أطر تاريخية أو بيئية ضيقة أو مناهج لسانية معاصرة. بل يُحتكم إليه في كل قضية، ويُعاد إليه كل تأويل، ليبقى القرآن هو الحاكم والمهيمن:
﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾
سورة المائدة: 48
وهذا المبدأ يضمن بقاء التدبر في دائرة الانضباط العلمي، ويمنع الانحراف بالتأويلات أو إسقاط الواقع على النص دون ضوابط.
تؤسس المنهجية على أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم جسّد القرآن عملياً في سلوكه وتعاملاته وتطبيقاته اليومية، فكان خلقه القرآن، وكل تصرفاته تمثّل التطبيق الأمثل لمعاني القرآن ومقاصده. لذا، فإن العناية بما صحّ من السنة النبوية، وفهمها في ضوء مقاصد القرآن العظيم، يمثل ضرورة منهجية لفهم رسالة القرآن على وجهها الأكمل.
تقوم المنهجية على دراسة المفردة القرآنية بتحليل جذورها اللغوية، وتتبع ورودها في السياقات المختلفة، وربطها بمحور السورة ومقاصدها، كما يتجلى في تدبرها لمصطلحات مثل "التقوى"، "الرحمة"، و"العمران". وتعمل على تنويع آليات الفهم، والاستفادة من علوم اللغة العربية وحقول الدلالة القرآنية، مع استحضار السياق القرآني واللغوي.
تعمل الدكتورة العلواني على إنجاز مقدمة منهجية موسوعية، ترفدها بأمثلة تطبيقية من تدبرها لسور القرآن الكريم.
تضع الأستاذة الدكتورة رقية العلواني من خلال موسوعتها التدبرية خارطة علمية لتدبّر سور القرآن الكريم، وتفتح أمام الباحثين والمهتمين آفاقاً جديدة لفهم القرآن العظيم وتطبيقه في الواقع المعاصر.
لمشاهدة هذه المنهجية في التطبيق العملي، تفضل بزيارة قسم تدبر القرآن حيث ستجد تدبرات مفصلة لسور القرآن الكريم وفق هذا المنهج العلمي.
انتقل إلى تدبر القرآن ←