بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ونحن في بدايات تدبرنا لسورة المجادلة العظيمة، تبين لنا من خلال وقفنا على الآية الأولى في السورة المباركة عشرات الآداب والتعاليم والأحكام التي يمكن أن تنظم علاقة الإنسان في بيته وأسرته. وذكرنا فيما ذكرنا أن هذا الاهتمام المتواصل في القرآن الكريم بمؤسسة الأسرة، وبنائها، وتأسيسها، وصيانتها، وحمايتها، وتعزيز الثوابت والقيم فيها مقصود، إنما يرمي لحماية المجتمع والأمة بأسرها. ذاك أنك لا تستطيع أبداً أن تبني أمة ومجتمعاً قوياً راسخاً، ولديك أسرٌ مُتحطمة.
من خلال الإنتاجات والصناعات، والتقدم، والتطور التقني، هذا وهم، هذا سراب، لأن الأسرة تُشكل اللبنة الوحيدة، والأولى، والحقيقية في بناء المجتمع والحضارة. ولذلك حين تتوجه الأنظار إلى الأسرة بتحطيمها من خلال ضخ تلك السموم والآفات التي باتت تسري في المجتمعات المعاصرة، هذا لا يُمكن أبداً أن يعود على الإنسانية بخير.
وذكرنا فيما ذكرنا أن القرآن حين جاء في خضم التحديات التي يُواجهها المسلمون آنذاك، بتناول قضية أسرية مجتمعية، والبت فيها، ووضع الحدود، والأحكام، والتشريعات، جاء ليؤكد هذه الحقيقة: أن يا أمة، ويا مجتمع، وحضارة إنسانية، إياكم أن تشتغلوا بالتحديات الخارجية عن أسركم، عن بيوتكم، عن زوجاتكم، عن أبنائكم، عن أسركم، لأنكم تكونون بذلك قد فقدتم كل شيء.
أدى بالشكوى إلى الله سبحانه وتعالى، إنسان في المعنى العام للشكوى، هو يُظهر ما قد ألم به، ما قد ضاق به صدره، ما قد وقع، ونزل، وحل به.
واحدة من أكبر إشكالياتنا اليوم في الأسرة، أن الزوجة، والزوج، والأخ، والأخوة، والأبناء، في كثير من الأحيان يشتكون إلى كل أحد، وينسون في خضم ذلك أن يشتكوا إلى الواحد الأحد. القرآن في سورة المجادلة جاء ليُعدل هذه المعادلة: أنت ترفع شكايتك إلى من يملك أن يُغير، أن يُعدل، أن يُصحح الوضع القائم، أن يكون أوناً لك، ولكنك لا ترمي بتلك الشكوى في كل منزل، وفي كل أذن، وتُصبح هناك شائعات اجتماعية تُحطم كيان الأسرة، أنت تعرف إلى أين تتوجه.
وقلنا فيما قلنا: إن كما أن التكتم، والتستر على المشاكل الأسرية لا يُسهم في كثير من الأحيان في معالجتها، لابد من الحكمة في اختيار من تتوجه إليه كذلك برفع الشكاية، من تتوجه إليه بطلب العون والنصح؟
ما يؤسف له أن الكثير من شبابنا وشاباتنا، خاصة في السنوات الأولى من الزواج، يتوجهون إلى عناصر لا فائدة ولا جدوى من وراء استشارتهم.
ذاك يُشير، فيقول لها: أنت لست لديه بجارية، ولكن هذا صحيح، ولكن هذا نصف الحقيقة، ويُحثها على التعنت، ويُحثها على التزمت، والتمسك بالأخطاء، والدفاع عن العثرات، وجعل، وتحويل ساحة الزواج إلى ساحة سجال، وصراع، ومعركة لا ربح فيها على وجه الحقيقة، الزواج ليس بمعركة، ولكن كثير من الأبواق، وكذا الزوج، ما النتيجة؟ تحطم الأسرة.
ولذلك ارتفعت نسب الطلاق بشكل مُخيف مُفزع في مجتمعاتنا العربية والمسلمة، وخاصة في السنوات الأولى من الزواج، لماذا؟ صُورت، وقدمت الحياة الزوجية على أنها معركة، على أنها صراع بين الرجل والمرأة، واقع الحقيقة…
ولو كان خطأ على المرأة بالقوة، بل بالتشاور، بل بالتعاون، للوصول إلى الرأي الأصوب، والأرجح، والأحسن، لصالح البيت، والأسرة التي يعيشون فيها. وعلى أساس أي شيء؟ المحبة، الألفة، التعاون، الرجل والمرأة كلاهما يستطيعان أن يصلا إلى ما يُريدان من الصواب، ومصلحة الأسرة، ولكن ليس بالقوة، ولا بالعنف، ولا بالصراخ، ولا بالتسلط، وإنما بشيء آخر تغافل عنه الكثيرون في خضم الصراعات المبثوثة في عالم المعاصر: الحب، العطف، المودة، التكاتف، الكلمة الحلوة، الحسنة، الطيبة التي تخرج بصدق، وليس بزيف، ولا خداع، ولا غرور، ولا غش.
هذا الشكل من أشكال الحياة الأسرية، لا يُمكن أبداً لأي صراع، أو خلاف، أو نزاع طبيعي جداً يتأتى من التعايش بين طرفين مختلفين، كلاهما جاء من بيئة مختلفة، الزوج والزوجة، أعراء خلفية عقلية، طريقة تفكير مختلفة…
من هنا جاءت الآيات القرآنية لتهذب تلك النفوس. وعلينا أن نستحضر أن هذه النفوس في غالبها عاشت في بيئات قاسية، بيئة قتال، وبيئة جاهلية، وبيئة حرب، وبيئة شظف، وبيئة بداوة، مختلف الأمزجة، مختلف الأهواء. ورغم كل ذلك استطاعت هذه الآيات البينات أن تُسقل تلك النفوس، تُهدئ من روعها، تُهذبها، تجعلها طيعة، خيرة، قادرة على البذل والعطاء. وأعظم ما يُعطيه الإنسان، ويبذله في محيط الأسرة ما بين الزوج والزوجة، وما بين الأب والأبناء، والأخوة والأخوات، والأهل والأحباب، والأقارب، والأصدقاء، والجيران، أعظم أشكال الجود والعطاء.
اشتحت السورة بهذه الآية العظيمة، وبتقرير حقيقة لا بد أن تكون راسخة ثابتة في قلب الرجل، والمرأة، والمجتمع المسلم، أولاً: أن الله جل شأنه يسمع، يسمع قول من يقول. فلما يُدرك الإنسان ويستحضر أن الله سميع بصير، يُراقب أقواله، ويُراقب ما يتكلم ويتلفظ به، ما يلفظه…
[continue]# الفصل السادس: قضية الظهار وحقيقتها
ولا قضية بيت واحد من بيوت المسلمين قضية عامة. كل قضية يكون فيها ظهار، ويقول فيها الزوج لزوجته: أنتِ عليّ كظهر أمي، أول حقيقة يُقررها القرآن أن هذا القول لا يُغير من الحقيقة والواقع شيء، زوجتك ليست هي أمك، الذين يُظاهرون منكم من نسائهم ما هنَّ أمهاتهم، هذا حقيقة. وهذا القول الزائف، المنكر، المُغاير للحقيقة والواقع الذي يقوله الإنسان في حالة ضعف، وغضب، واستحواذ من قبل الشيطان ووساوسه على عقله وفكره، مُتسولاً بذلك، ومتوسلاً إلى فرض سيطرته على المرأة، وإذلالها، وإهانتها، لا يُغير من الحقيقة في شيء، ما هنَّ أمهاتهم، هذه ليست أم، ولن يتغير ذلك بقول المنكر، ولا بالتزوير، ولا بالتبديل، انتبه لما تقول. والآية العظيمة في هذا السياق تُقرر حقيقة أخرى، كما في قضية التبني التي ذُكرت في سورة الأحزاب، مُجرد أن تُنسب ابن هو ليس بابن صلبي لك إلى اسمك، وتُعطيه اسم الأسرة والعائلة، لا يعني أنه قد صار ابناً لك بالنسب، لأن في حقائق، والقرآن العظيم يُعلم الإنسان، والأسرة، والمجتمع، أن تُقيم أحكامها، وتؤسس قيمها على الواقع، لا على مُنكر، ولا على تزوير، ولا على تغيير، ولا على تزييف، ولا على تبديل الحقيقة، طبيعة التعامل يعكس هذه الحقيقة.
قال: إن حَصْراً وقصراً، والإتيان بابن ليس بصلبي، ولم تلده هذه المرأة، ويعيش في وسط الأسرة، ومع البنات، ومع الأم، هي ليست أمه. وما قصة يوسف عليه السلام من نابي بعيد، مع امرأة العزيز، امرأة العزيز تربى يوسف في بيتها عليه السلام، ولكن ما غيّر ذلك من الحقيقة شيء، من وجود…
أليس اللطيف الخبير؟ أليس الذي خلق الرجل والمرأة بما أوجد، ووضع فيهما من مشاعر، عواطف، غرائز، طبائع؟ فهو أعلم بما يُصلحها، وهو أعلم بما يُمكن أن يُطرأ عليها. فحين شرع، شرع وهو اللطيف الخبير، فارق شاسع بين تشريع اللطيف الخبير العالم بخفايا النفوس، وطبائعها، والتغيرات التي تُطرأ عليها، وبين من يُشرع لفترة، أو لحقبة، أو لمجتمع، أو لأمر تُطرأ عليه عشرات المتغيرات، من تلقاء نفسه إن وقف على شيء غفل عن أشياء، إن أحاط علماً بشيء راحت عنه أشياء. وما حالة هذه الكلمات التي قالها هؤلاء، وتلفظ بها، وصفها القرآن بالوصف الحقيقي المُناسب لها، قال: وإنهم ليقولون مُنكراً من القول، أعطى الحقائق صفاتها الحقيقية، فصل، فكك قبل أن يأتي بالحكم، تدبروا في عظمة القرآن…
فريد من نوعه، قد أو غالباً لا تجده في تشريعات، ولا في قوانين البشر، قبل ما يُصدر الحكم، بعد ما يُصدر حكم، قبل ما يُصدر الحكم يُجل الحقيقة، لماذا يُجل الحقيقة؟ حتى يُعالج النفس البشرية، لأنه الخطأ، والذنب، والجرم، يصدر من الإنسان متى؟ تدبروا معي، الناس في زماننا يفرحون، يتكلمون عن علم النفس الجنائي، ويقولون الإنسان، والغرب، والمدارس الفلسفية، وكذا وكذا، هم الذين جاءوا به، واخترعوا، وأسسوا، ونحن نقول لهم: أخطأتم، أخطأتم فيما ذهبتم إليه، الرب الذي أنزل هذا القرآن العظيم أعطى نماذج للمسلمين، والله لو أنهم ساروا عليها، وتمسكوا بها، وبدأوا ببناء علومهم، وفلسفتهم في ضوئها، لنتج عن ذلك خير كثير نعمت به البشرية، وما تزال تنعم به…
هذا الجاني، وليس بالضرورة أن يكون مُجرماً على طول الخط مئة في المئة، لا أمل في إصلاحه، لا، وقع منه خطأ، صدرت منه حتى جريمة، أو جناية في ساعة ضعف، لا يكفي فقط أن تُزرع العقوبة عليه، ولكن ينبغي أن تفهم كيف تُعالج الخطأ الذي حصل، وأنت بذلك تُحقق عدة غايات، مقاصد، واحدة منها: أنك تُعالج الجرم، والذنب في الإنسان الجاني، وتُبين له الخطأ، والإنسان لما يُظهر له خطأ، شيء طبيعي أنه يقتنع، شيء طبيعي أنه لن يشعر بالظلم، ولا بوقوع الاعتداء عليه حين أصدرت عليه الحكم، فتهدأ النفس، وتنطفئ شعلة الرغبة في الانتقام. وتعزيز الانتقام شيء آخر: أنك بذلك تردع من تُسول له نفسه، تُسجر من يُمكن أن تُسول له نفسه، لأنك وضحت الجوانب المختلفة للجريمة، أو الجناية، أو الخطأ، يا لعظمة القرآن، ويا لجلال وجمال آياته…
شكل من أشكال الإصلاح، ولا يُمكن لأي تشريع بشري، أو وضعي أن يقوم بهذا الدور، بس القرآن فقط، القرآن، ولا شيء غير القرآن، قال: وإنهم ليقولون مُنكراً من القول، أول شيء: يا من قلت لزوجتك أنتِ عليكِ كظهر أمي، ما قلت مُنكراً من القول، والمنكر هو المُستقبح، شيء قبيح. طبعاً هذا الإنسان الذي قال لزوجته: أنتِ عليكِ كظهر أمي، في ساعة غضب، لمن يسمع الآية العظيمة القرآنية سيعود إلى رُجده، سيثوب، كيف أقول لزوجتي؟ ويا زوجة، أنتِ عليكِ كظهر أمي؟ أمي هي أمي، هي صاحبة المكانة، أمي هي التي ولدت، أمي هي التي حملت، أمي، أمي، تدخل معها عشرات الصور العاطفية، والنفسية، والذهنية، والعقلية، لتمحو معها كل أشكال ما يُمكن أن يعلق بين صورة زوجة وصورة الأم. وهنا…# الفصل الحادي عشر: أثر القرآن على النفس البشرية
التي أنا معها، وقضيت ذكريات، ولدينا مواقف مختلفة، وعلاقات خاصة مُعينة لا تكون إلا بين الزوج والزوجة، كيف أنا أنتقل بها إلى أمي؟ كيف يثوب إلى رُجلي بهذه الكلمة؟ لفظة واحدة، مُنكراً من القول، فالأملية، اللفظة في ذاتها، المُفردة القرآنية مُنكر، حين قدمها القرآن على الزور، قدمها لمقصد، لغاية، يستذكر معها ذلك الإنسان كل ما يُمكن أن يلتصق من قبح بهذه الكلمة، عشرات الصور الذهنية، استقر قبح الكلمة، يأتي إلى ما بعدها، الوصف الذي بعدها: والزور، أشد أشكال الكذب، فيه تزييف، فيه تغيير، فيه طمس لحقيقة واقعة، تزوير يأتي على شيء حاصل صحيح، وواقع، ومُطابق للواقع، فيُغيره مُتعمداً، فيه نية التعمد…
ويا أصحاب الاختصاص في علم النفس الاجتماعي، وعلم الاجتماع النفسي، وإلى آخر، تعلموا من آيات القرآن، حين تُريد أن تُغير عرفاً سائداً، وتجتث عادة مُستقبحة، استأصلتها، وتمكنت، وتأصلت في النفوس، كيف تستأصلها؟ قضية صعبة جداً، تدبر القرآن كيف يُعطيك، كيف يُعطيك تلك الومضات التي تُعلمك كيف تُؤسس لهذا العلم، هذا فتح في علم النفس الاجتماعي، وفتح في علم الاجتماع، وفتح في قضايا الأسرة، ومعالجات مشاكلها. أول شيء تُقبح هذا العمل، وهذا التصرف.
قبل أيام كنتُ أتابع برنامجاً، أرض، على إحدى القنوات، في بحث، ودراسات جديدة تتعلق بمعالجة الإدمان على المخدرات، القضية التي تطرحها الدراسة: أنه في السابق، لحد الآن…
وفيه صعوبة، وفيه شدة، ويتعرض فيها المدمن لا شك إلى حالات عصبية شديدة، فمُمكن أن بذلك يُعالج عن طريق المُهدئات، المُسكنات، إلى أن يقل مستوى المادة المخدرة في جسدي، وفي حياتي، طريقة مك هكذا يعرفها المُتخصصون في العلم. الشاهد هذه الدراسة الحديثة تقوم بشيء آخر، ما هو الشيء؟ قال لك: يُدخلون المدمن في جهاز، أعتقد القياس، أو الأشعة المقطعية، أو مُشابه، ليُراقبوا ما يحدث في الدماغ من تغيرات، أو مُشابه، أو مُؤشرات، أو نبضات، أو كذا، ويتكلمون في ذات الوقت مع هذا المدمن. فأولاً يُطلب من المدمن أن يستحضر الرغبة كاملة في تناول المخدر، حتى تستحوذ عليه، وهم يُراقبون من خلال الأجهزة، يُراقبون الصور، والكذا، وما يحصل في عقلك، ثم بعد ذلك…
ويطلبون من المدمن أن يُفكر بطريقة مختلفة تماماً، الآن فكر بالمادة المخدرة، فكر بسلبياتها، فكر، واستحضر ما تُحدثه في العقل، في النفس، في الجسم، في الدم، ما تبثه من سموم، فكر في نفسك كيف ستُصبح، فكر، تخيل نفسك، يطلبون من المدمن أن يتخيل طريقة اللباس، طريقة التصرف، كيف مُمكن أن يتعدى على الآخرين، على أقرب الناس إليه، أحب الناس إليه، كيف يُحطم، كيف يكسر، كيف مُمكن يسرق، كيف مُمكن يعتدي لأجل الحصول، كل الصور، عشرات الصور تستحضر في ذهن المدمن في تلك اللحظة. ثم بعد ذلك ذكروا في الدراسة بأن هذا الشكل من أشكال المعالجات يُبقي على المدمن حُراً طليقاً، هو ليس بمحبوس، ولا محجوز في غرفة، ولا بقيود، ولا بأسلاك، ولا بأي شيء، ولكن أثبتت تلك الدراسة على النسبة التي قاموا بإجرائها، وتجريبها على المدمنين أنها ذات نتائج فعالة، تأخذ طبعاً وقتاً، ولكن أثبتت تحسن في حالة المدمنين بنسبة كبيرة جداً…
وحالك التي ينبغي أن تكون، وكيف ستنتقل بعد ذلك إلى تصحيح تلك الحالة، هذا الشخص المدمن الذي نذكره على سبيل المثال، من جملة ما طُلب منه أن يتذكر كل الأشياء الجميلة في حياته، وأسرته التي يرغب بالحفاظ عليها، وسيُحول الإدمان بينه وبينها، أولاد، زوج، أسرى، أخوة، أهل، أصدقاء، مال، وظيفة، عمل، استحضر كل هذا، فيزداد تمسكاً بتلك القيم الموجودة لديه، ويبدأ يستشعر، ويُقنع فعلاً عقله الباطن أن الوصول إلى هذه المادة المخدرة، على الرغم من كل ما فيه من لمسة، أو لحظة خاطفة تُحقق له شيئاً من الانتعاش، لكنها ستأخذ منه كل ما يُريد أن يُبقي عليه في حياته، فتنتزع من نفسه تلك الرغبة شيئاً فشيئاً. ولله المثل العالم، لا يقولون مُنكراً من القول، وزور، وإن الله لعفوٌ غفور، الزور لماذا؟ حتى يُقارن لك بينما أنت قلت…
فأنت تُجلها، كيف لا يُمكن، وأنت تحمل في أعماق قلبك ذلك الحب الجياش اتجاه أمك، لا يُمكن أن يُخامر ذلك الحب أي شكل من أشكال العلاقة التي تقول عنها تربطك بينك وبين زوجتك، فتنتزع ذلك من النفس. وأقول، وأزعم أن هذه العملية النفسية، الذهنية، البرمجة العصبية، لو أن من يُقدم على قضية الإيلاء، أو الظهار استحضرها في نفسه، وهو يقول، لشك بأن عشرات الأشياء ستتغير في حياته، ولا يُمكن أن يعود إلى ما قال مُطلقاً، لأن آيات القرآن بمعالجتها لبرمجته العصبية اجتثت منه الجذور التي تُعيد إليه تلك الكلمة الجائرة التي لا ينبغي لرجل أن يقولها لزوجته. ثم ختمت بالمقطع العظيم: وإن الله لعفوٌ غفور، فتح أبواب الدوبة…# الفصل السابع عشر: التوبة والإصلاح
يُعد للإنسان الثقة بنفسه، يُخلصه من الرجوع إلى جريمته وجنايته، يُخلصه من الوقوع في براثن المزيد من ارتكاب الجرائم والجنايات. أما أنت إذا آيست ذلك الإنسان، وقلت له: لا توبة لك، أقدمت على عمل لا أمل في مغفرة ذلك العمل، ماذا سيحصل له؟ سيعود إلى حقل الجريمة مرة أخرى، بل قد يعود أكثر إجراماً، يقول لك: أنا لا فائدة مني، ولا أمل في عودتي، ولا في إصلاحي، فانتهى الموضوع. تدبروا معي في هذه المعاني العظيمة، في نفس الوقت، في نفس الوقت القرآن حين يُقدم منهج، وعلاج التوبة، والعفو، والمغفرة من الله جل شأنه، يحمل الإنسان الذي ارتكب خطأ، أو جناية، أو جرماً المسؤولية كاملة لمواجهة أخطائه، وما ارتكب، في عفو، في مغفرة، صح، ولكن في تحمل مسؤولية، أنت أخطأت، تتحمل مسؤولية الخطأ، كيف؟…
في ساعة الضعف، ولكن هذه الكلمة التي قلت أفسدت بها أشياء كثيرة، صحح ما أفسدت، لا يكفي فقط أن الله سبحانه وتعالى سيعفو عنك، وتتوب أنت، وتعود الأمور إلى مجاريها، صحح، حتى يكون هناك تأكيد واضح، وراسخ على عُمق منهج التربوي الإصلاحي الذي يُقدمه القرآن العظيم في هذا السياق. تحرير رقبة، السؤال يطرح نفسه: هذا كفارة الظهار، طيب كفارة الظهار، كفارة الظهار، هذه أول ما تبدأ بتحرير رقبة، حتى يسمع العالم، ويُدرك تماماً، ويكتفي قد قاله، وما أشاعه حول قضية الرق في الإسلام، ويفهم، يستوعب بعدالة، وإنصاف، وموضوعية، وحيادية، أن الإسلام ليس بمسؤول عن إنشاء نظام الرق، هذا نظام موجود، الرق المشروع عن طريق الحروب، وما شابه…
غير مؤمن، رقبته، انظر إلى عظمة القرآن حين ينظر إلى النفس الإنسانية بآدميتها، ويستنقدها من أسر الاسترقاق والعبودية. هذا كل الكفارات في القرآن جاءت لأجل تحقيق مقصد من المقاصد العظيمة، ما هو؟ تحرير الرقيق، بل إنها تقول لي: إذن لماذا لم يُنهيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ كان الأمر سائر بهذا الاتجاه، التدرج الذي سارت به الأحكام الشرعية فيما يتعلق بالرق، المكاتبة، على الكفارات، على تحرير الرقيق، على تضييق الخناق على المنافذ، والمنابع اللي يأتي منها الرقيق، هذه كلها أحكام، وتشريعات كانت تسير في سبيل إنهاء الرق. لماذا لم يُنهي؟ ما كان المجتمع في ذلك الوقت لديه القدرة على التوقف، لأن الأمم الأخرى كان سائر فيها الرق والرقيق، فكيف يأتي الإسلام، ويوقف الرق من جانب، الاسترقاق من جانب المسلمين، ويسمح للآخرين بأن يأخذوا المسلمين رقيقاً وعبيداً؟ ليس من الحكمة، ما هي إذن الحكمة؟ الحكمة أن تجتمع أمم الأرض على كلمة سواء، إنهاء حالة الاسترقاق والعبودية. وهذا ما حصل في العصور اللاحقة، هو إنهاء العبودية، وتحريم الاتجار بالبشر، ووضع القوانين العالمية، وموافقة أمم الأرض على هذه القوانين، والتوقيع على تلك المعاهدات، هذا تعزيز، تكريس للمبدأ الذي وضع أسسه القرآن العظيم، وقام بتنفيذه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته. تحرير رقبة، قد يقول قائل: ما علاقة تحرير رقبة بقضية الظهار؟ وما علاقة بقضية، ليس فقط الظهار، بالكفارة بشكل عام، هذا يتعلق كشكل من أشكال الربط، والوسط بفلسفة مفهوم الذنب، والجناية في الإسلام والقرآن، القرآن العظيم لو تتبعنا كيفية إعطائه، ونظرته لقضية الذنب، وارتكاب الخطأ، والجناية، العمد، وغير العمد، إلى آخر، سواء كان القتل الخطأ، أو كان القتل كذا، أو شبه العمد، أو ما شاء، أو أشياء مختلفة ذُكرت في القرآن، وكانت الكفارة فيها تحرير الرقبة، الذنب…
في كراهية، في مشاعر سلبية، هذه المشاعر السلبية لم يتمكن ذلك الجاني ساعة حصول الجريمة من التحكم فيها، والسيطرة عليها، فتحكمت هي فيه، فكأنها أوقعته في الأسر، أوقعته في أسرها، الزاني حين يزني، والعياذ بالله، لا يزني وهو مؤمن، كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ لأنه وقع في أسر الشهوة العارمة الطاغية ساعة الوقوع الجريمة، القاتل حين يقتل، وهذا الذي يُظاهر من زوجته حين قال: أنتِ عليكِ كظهر أمي، استولى عليه الغضب، استحوذ عليه الغضب، والشيطان، والعز بالإثم، والسلطة، والقهر، والرغبة في قهر المرأة، وإذلالها، فتسلط عليها، فوقع في الأسر. أما وقد فك الله أسره بالعفو والمغفرة، فكان من الكفارة التي هي الجزاء من جنس العمل، أن يعتق رقبته، ويُحرر تلك الرقبة من أسر العبودية، من دنس الذنوب، ومعتقة من رق الجنايات، والأخطاء، والمعاصي. تدبروا معي في هذه القضية، هذه ليست عقوبة، هذا فك، هذا فك لك من الوقوع في أسر الأخطاء، والذنوب، والجنايات، تحرير رقبة، من قبل أن يتماس، تدبر معي، لماذا من قبل أن يتماس؟ حتى تُدرك أن الحياة الزوجية حيالها قيمة، وليس كلمة تأتي بها، وكلمة تذهب بها، لا، في حدود، الأمر ليس بيديك، لست أنت صاحب الكلمة في هذا الموقف، من إذاً صاحب الكلمة؟ الرب سبحانه الذي أحل لك هذه المرأة بكلمة الله في عقد الزواج، ويُحرمها عليك بكلمة الطلاق، وهنا أنت حرمت شيئاً على نفسك، فلن تعود إليها إلا برفع ما قد أوقعت من ذنب وخطأ، من قبل أن يتماس، تدبر في النص القرآني، ما في تماس إلى أن تُحسم القضية، إلى أن تُحل، إلى أن يُصحح الذنب، شكل من أشكال التأديب، والتهذيب للنفس البشرية، وكبح لجماحها. تدبروا في بقية الآية: قال: ذلكم تُوعظون به، والله بما تعملون خبير، تدبر في الوعظ، لأنه ما هو الوعظ؟ الوعظ صحيح، وكلمة صحيح، ولكن هذه الكلمة ينبغي أن تحمل فيما تحمل تطبيق وعمل، ولذلك القرآن في آية أخرى يقول: ولو أنهم فعلوا ما يُوعظون به، لكان خيراً لهم، وأشد تثبيتاً، الموعظة كلمة، ما يُثبت تلك الكلمة الصحيحة، السوية، النقية التي تُعيد القلب إلى صفائه، وإيمانه، ورقته، وتقواه، أن يأتي معها عمل. قال: ذلكم تُوعظون به، فتحرير الرقبة مُرتبط بالموعظة، الله يعظك، ويعذك أن تعود لمثله، ولأجل أن لا تعود إلى مثله، لابد أن يُصاحب تلك الموعظة عمل سلوكي تقوم به، حتى تذكر الخطأ، وتذكر ما يترتب عليه. قال: فتحرير رقبة، وختم بأي شيء؟ قال: والله بما تعملون خبير، الخبير المُطلع على خفايا الأمر، تدبر معي كيف القرآن يربط بين النية والعمل، لماذا بين النية والعمل؟ افرض أنك حررت رقبة، وكنت في غاية التضايق، والانزعاج، والضيق، والتأفف من إيقاع هذه العقوبة عليك، لن تُحقق تلك العقوبة قصدها الحقيقي الذي ينبغي أن تُحققه في النفس. طيب ما المطلوب منك؟ تدبر معي في الربط بينما تُوعظون به، والله بما تعملون خبير، الوعظ جانب من جوانبه أنه يُبين لك قيمة هذه الكفارة التي أنت تؤديها حين تقع في الخطأ، حتى تتخلص من الشعور بمعنى الغرامة، كثير من الناس اليوم حين يدفع الغرامة، سواء كانت غرامة مرور، أو وقوف في مكان غير مخصص للوقوف، يتأفف، ويتألم، وكأن هذه الدنانير والدراهم التي دفعها قد تساوي كل الثروة، وكل المال الذي يمتلكه، على الرغم من أنه هي مُجرد بضعة دنانير أو دراهم، لماذا؟ يستشعر أنه كثيرة جداً، وأنا أخطأت، وانتهى الموضوع، ويجد لنفسه مُبررات، القرآن يُواجه النفس البشرية، هذه الجناية التي فعلت، كفر عنها بهذا، ستدفع نعم، ستكلفك مالاً نعم، ولكن وهي تُكلفك المال…# الفصل الحادي والعشرون: ستر الخطأ والتكفير عنه
تستر، وتُغطي ما قد بدر من الإنسان من خطأ، وما ارتكبه من جناية، تدبر معي في عظمة هذه الآيات المباركة. فحين يستشعر الإنسان وهو يأتي بهذه الكفارة كل هذه المقاصد والمعاني، مقاصد الكفارات في القرآن، يُقدمها عن طيب نفسه. ولذلك على فكرة كثير من المسلمين، خاص أو عدد من المسلمين، لأن لم تُرتكب جرائم كثيرة في العصر النبوي، في عصر الرسالة، النفوس كانت، ضمائر فيها حية، يُقضى، ولكن ما وقع من بعض الجرائم والجنايات، كان يأتي الجاني برجله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعترف بين يديه: يا رسول الله فعلت كذا، فطهرني بإقامة الحد. طيب لماذا؟ لأنهم كانوا يرون في تلك الحدود التي هي شكل آخر من أشكال الكفارات تطهير، تنقية، تصفية، فك أسر الوقوع في الجناية أو الجريمة، الجريمة أسر، والجناية أسر، والأخطاء أسر، الأسر ليس بالضرورة فقط أن يكون حسياً، من أعظم وأخطر أشكال الأسر والاسترقاق، الأسر المعنوي، النفسي، أن يُصبح الإنسان أسيراً لشهوة عارمة، أو لفكرة ظالمة، أو لعمل جبان خسيس لا يليق بإنسانية، أو يُصبح أسيراً لعبد مثله نتيجة لتسلط، أو نتيجة لتوهم بأنه يمتلك له ضر، أو نفع، أو مال، أو عطاء، أو وظيفة، أو مُشابه. تدبر معي في القرآن، وعظمة آيات القرآن، كيف حررت الإنسان من كل أشكال الأسر، ليس شكلاً واحداً، والرق ليس شكلاً واحداً، ربما تمكنت المادية، والحضارة المعاصرة من تجفيف منابع مُعينة من الرق، من الرق الجسدي، والاتجار بالبشر، ولو أنها لم تنجح في كثير من الأحيان، صحيح حرمت صوراً مُعينة، وسنت قوانين مُعينة، ولكنها كذلك تفننت، وأبدعت بشتى أشكال الصور الجديدة للاسترقاق، والاستعباد للبشر، والتجار بالبشر، وطرق مختلفة، ليس هذا مجال الحديث عنها، ولكن ما نُريد أن نقول: أنه من أخطر أشكال الأسر والاسترقاق الذي يتعرض له الإنسان المعاصر اليوم، الاسترقاق المعنوي، الاسترقاق الروحي الذي أسر نفس الإنسان، وأقل الإنسان، وفكر الإنسان، وروح الإنسان، سيطر عليه، بات يتحرك في فلكه، بات لا يُفكر إلا بما يُملي عليه من يُريد أن يُفكر به، من يملكون زمام الأمور، لا يقول إلا ما يقولون، لا يرى إلا ما يرون، بل لا يرى الجمال إلا ما يُصورون له أنه جميل، والقبح ما قبحوه، والجميل ما جملوه، لو كان قبيحاً، حتى غُسل دماغه، وغُسل عقله، وبات يرى في بعض الأحيان القبيح جميلاً، وحُرية، وعدالة، ومساواة، فقل لي بالله عليك، إن لم يكن هذا هو الأسر بعينه والاسترقاق، فماذا يكون الأسر؟ الأسر ليس فقط أن يكون الإنسان مُكبلاً بقيود من حديد، هسير، الأسر كذلك أن يكون عقل الإنسان، وفكره، وروحه، وقلبه مُكبلاً بقيود جديدة من الاسترقاق المعنوي، والفكري، والنفسي. اللهم فك أسرنا، السلام عليكم ورحمة الله.# الفصل الثاني والعشرون: صيام شهرين متتابعين
قال: أو إطعام ستين مسكيناً، جانب من جوانب التكافل الاجتماعي، جانب من جوانب التراحم بين الناس، جانب من جوانب التكافل الاجتماعي، من جوانب حل مشاكل الفقر، مشكلة الفقر مشكلة كبيرة جداً، صحيح، الفقر، الفقر، الفقر، الفقر، أربع مرات، الفقر، الفقر، الفقر، الفقر، الفقر أربع مرات، هذه تدل على خطورة ما يُمكن أن يُؤدي إليه الفقر في المجتمع، مشاكل أمنية، اقتصادية، اجتماعية، أسرية، نفسية، صحية، مشاكل كثيرة جداً، ماذا تقول لك النصوص القرآنية؟ إطعام ستين مسكيناً، لماذا؟ لأنك حين تُطعم ستين مسكيناً ستُشعرهم بالرحمة، تُشعرهم بأنك معهم، تُشعرهم بأنك جزء منهم، تُشعرهم بأنك واحد منهم، وأنك تتألم بآلامهم، وتشعر بجوعهم، وبعوزهم، فتعلم قيمة هذه الكفارة، وكيف أن الإسلام يُواجه مشكلة الفقر في المجتمع الإسلامي بالتراحم والتكافل. قال: أو صيام شهرين متتابعين، قبل ما أقول: أو صيام شهرين متتابعين، صيام شهرين مُتتابعين لماذا رُبط بالظهار؟ الظهار فيه معنى الحرمان، حرمت زوجتك على نفسك، حرمت نفسك من زوجتك، صيام شهرين مُتتابعين فيه معنى التحمل، فيه معنى الصبر، فيه معنى كبح جماح النفس، فيه معنى التحكم في النفس، هذا هو معنى الصوم في القرآن، هذه هي حكمة الصيام في القرآن، ليس التعب، ولا الجوع، ولا العطش هو المطلوب، التعب والجوع والعطش وسيلة لغاية من الغايات، وهي التحكم في النفس، وكبح جماح النفس، وتهذيب النفس، والسيطرة على النفس، النفس أمارة بالسوء، والنفس تُزين للإنسان…
ما لا ينبغي أن يقدم عليه، وما لا ينبغي أن يقوله، ما لا ينبغي أن يُفكر فيه، حين يصوم شهرين مُتتابعين، هذه الشهرين المُتتابعين تُعلمه الصبر، تُعلمه ضبط النفس، تُعلمه كبح جماح النفس، تُعلمه أن لا يتسرع في إطلاق الأحكام، تُعلمه أن لا يُطلق كلمات جارحة، كلمات مُهينة، كلمات قبيحة مُستقبحة. قال: فمن لم يجد، فإطعام ستين مسكيناً، هذا تكرار لهذه الكفارة، وهذا التكرار موجود، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، هنا صيام شهرين مُتتابعين، أو صيام ثلاثة أيام، لماذا صيام ثلاثة أيام؟ لعله أن يكون هذا الذي لا يجد الرقبة، ولا يجد ما يُطعم ستين مسكيناً، يكون من الفقراء، من المُعسرين، ليس لديه القدرة، صيام ثلاثة أيام، ليست بالكثيرة، ولكنها كافية جداً لتعطيه معنى الصبر، وكبح جماح النفس، وضبط النفس، قبل أن يعود مرة أخرى إلى زوجته، قبل أن تُحل له زوجته، صيام ثلاثة أيام مُتتابعين، هذا كله من قبل أن يتماسا، قبل أن تعود إليهما الحياة، إلى أن يكتمل التكفير عن الذنب، عظم الذنب، أو عظمه القرآن، ونتج عنه ضرر، هذا الضرر لابد أن يُزال، كيف يُزال؟ بأن يقوم بما يُكفر عن ذنبه. قال: ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله، ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله، هذا إيمان، هذا تدريب على الإيمان، هذا تقوية للإيمان، هذا تقوية للصلة بين العبد وربه، هذا تقوية للصلة بين العبد وبين رسوله، بين العبد وبين دينه، بين العبد وبين قيمه ومبادئه، ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله، وهنا يتأكد معنى الإيمان…
أوامر الله سبحانه وتعالى، ونواهيه، أوامره سبحانه وتعالى حدود، قال: وتلك حدود الله، حدود الله، إما أن تكون حدود، أحكام، أوامر، نواه، قرآن، سنة نبوية، معصوم، أهل بيت، أو حدود جغرافية، حدود الله، تلك حدود الله، والله عليم حكيم، من الذي يعلم الحكمة من هذه الحدود؟ الله سبحانه وتعالى. ثم انتقل إلى قضية أخرى، قال: والذين يُظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا، فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، هذه تكررت، وهذا التكرار للتأكيد على عظمة هذا الحكم، وعلى عظمة هذه الأحكام، وعلى وجوب الالتزام والتمسك بهذه الأحكام والتشريعات الإلهية، من قبل أن يتماسا، تلكم تُوعظون به، والله بما تعملون خبير، كررها مرة ثانية، لماذا؟ للتأكيد على وجوب التزام الإنسان، والتمسك بهذه الأحكام والتشريعات الإلهية، والله بما تعملون خبير، هذه كلها قضايا تتعلق بجانب، ثم بعد ذلك انتقل إلى قضية ثانية، قال: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، هنا قضية جديدة، من لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، هذا تكرر، فمن لم يجد فإطعام ستين مسكيناً، هذا تكرر، هنا لماذا تكررت؟ لماذا هذا التكرار؟ تأكيد على وجوب الالتزام بتلك الأحكام والتشريعات الإلهية، والله بما تعملون خبير، كررها، لماذا؟ للتأكيد. قال: ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله، كررها مرة أخرى، لماذا؟ للتأكيد، تلك حدود الله، كررها مرة ثانية، لماذا؟ للتأكيد، وللفاسقين عذاب أليم. تدبر معي، وللفاسقين عذاب أليم، من هو الفاسق هنا؟ من خالف أوامر الله ونواهيه، من خالف حدود الله، من لم يلتزم بأوامر الله ونواهيه، من لم يلتزم بتلك الحدود التي شرعها الله لعباده المؤمنين. قال: ويعفو عن كثير، انظر إلى عظمة القرآن، كيف يجمع بين الحكمة والرحمة؟ يجمع بين العدالة والرحمة، يجمع بين الحزم والرحمة، يجمع بين التشريع والرحمة، ويعفو عن كثير، يعني أنت حين تخطئ، حين تذنب، حين تجترئ على حدود الله، صح عليك العذاب، ولكن هذا العذاب مُقترن برحمة، هذه الرحمة تتمثل في أشياء كثيرة، منها الستر، منها إمهال الله لك، منها تأخير الله للعقوبة عنك، منها إعطاؤك أنت الفُرص الكثيرة لكي تُراجع نفسك، لكي تتوب وتؤوب، لكي تُصحح من سلوكك، لكي تُغير من أسلوب حياتك، لكي تعود إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال: ويعفو عن كثير.
قال: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن، وأحصوا العدة، واتقوا الله ربكم، لا تُخرجوهن من بيوتهن، ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مُبين، تلك حدود الله، هنا قضية الطلاق، قضية أخرى، قضية مُختلفة، قضية الطلاق، إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن، الطلاق قضية خطيرة جداً، على الرغم من أنها حلال، إلا أنها أبغض الحلال إلى الله سبحانه وتعالى، قضية حساسة جداً، فيها جوانب كثيرة جداً، لماذا؟ لأنها تمس كيان الأسرة، كيان المجتمع، كيان الأطفال، كيان الأبناء، كيان الزوج والزوجة، كل هذه القضايا تمسها قضية الطلاق، ولذلك القرآن العظيم أعطى لها حكماً واضحاً جلياً بيناً، قال: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن، يعني في فترة العدة، وأحصوا العدة، يعني احفظوها، لا تضيعوها، التزموا بها، احفظوا حدودها، احفظوا أحكامها، احفظوا شروطها، التزموا، اتقوا الله ربكم، اتقوا الله، كلمة عظيمة جداً، فيها معنى الخوف، فيها معنى الرجاء، فيها معنى التوكل، فيها معنى الاستقامة، فيها معنى الالتزام بأوامر الله ونواهيه. قال: لا تُخرجوهن من بيوتهن، تدبر معي، لا تُخرجوهن من بيوتهن، لماذا؟ من باب صيانة كرامة المرأة، ومن باب صيانة حقوق المرأة، من باب إعطاء المرأة حقوقها كاملة غير منقوصة. قال: ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مُبين، هنا استثناء، يعني إذا ارتكبت المرأة فاحشة مُبين، يعني زنى، أو مُشابه، يجوز إخراجها من البيت، تلك حدود الله، تلك حدود الله، كررها مرة ثانية، لماذا؟ للتأكيد على وجوب الالتزام والتمسك بتلك الحدود. قال: ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، هذا تأكيد آخر، هذا حسم للقضية، هذا إنهاء للنقاش، لا مجال للنقاش في حدود الله سبحانه وتعالى، من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، هذه قاعدة عامة في كل أوامر الله ونواهيه، في كل حدود الله سبحانه وتعالى، من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه. قال: لا تدري لعل الله يُحدث بعد ذلك أمراً، لا تدري لعل الله يُحدث بعد ذلك أمراً، يعني لا تستعجل الأمور، لا تستعجل الأحداث، اصبر، انتظر، لا تدري لعل الله يُحدث بعد ذلك أمراً، هذا فيه معنى الأمل، فيه معنى الرجاء، فيه معنى التفاؤل، فيه معنى حسن الظن بالله سبحانه وتعالى.# الفصل السادس والعشرون: العدة وحقوق المرأة
فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، وأشهدوا ذوي عدل منكم، وأقيموا الشهادة لله، ذلكم يُوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، هنا الحديث عن العدة، إذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، يعني إذا انتهت العدة إما أن تُراجعها، أو تُفارقها بالمعروف، بمعنى أن تُعطيها كل حقوقها الشرعية والقانونية، وأشهدوا ذوي عدل منكم، يعني كونوا شهوداً على هذا الأمر، وأقيموا الشهادة لله، يعني الشهادة لله، لله، لله، لوجه الله، ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، ذلكم يُوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، هذا موعظة للمؤمنين بالله واليوم الآخر، من يتق الله يجعل له مخرجاً، من يتقي الله، يعني من يلتزم بأوامر الله ونواهيه، يجعل له مخرجاً من كل ضيق، من كل شدة، من كل كرب، من كل مُشكلة.
ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدراً، هنا قضية الرزق، قضية الرزق من القضايا المهمة جداً في حياة الإنسان، ويرزقه من حيث لا يحتسب، يعني الرزق بيد الله سبحانه وتعالى، وليس بيد أحد من خلقه، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، يعني من يُوكل أمره إلى الله سبحانه وتعالى، الله يتولى أمره، يكفيه، يحميه، يرعاه، إن الله بالغ أمره، يعني أمر الله نافذ، لا يُرده أحد، قد جعل الله لكل شيء قدراً، يعني كل شيء بقدر، كل شيء بمقدار، كل شيء بحساب.
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر، وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة، والله عزيز حكيم، هنا الحديث عن المُطلقات، المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، يعني ثلاثة أشهر، ثلاثة دورات شهرية، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر، يعني لا يجوز للمرأة أن تُخفي حملها، وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً، يعني الزوج أحق بزوجته في فترة العدة إذا أراد الرجعة، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، يعني للمرأة حقوق على الرجل، وللرجل حقوق على المرأة، وللرجال عليهن درجة، يعني للرجل درجة على المرأة، والله عزيز حكيم، يعني الله عزيز في أمره، حكيم في تدبيره.
الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يُقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يُقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به، تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، هنا الحديث عن الطلاق، الطلاق مرتان، يعني الطلاق مرتين، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، يعني إما أن تُراجعها بالمعروف، أو تُطلقها بالإحسان، ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يُقيما حدود الله، يعني لا يجوز للرجل أن يأخذ من مهر زوجته شيئاً إلا إذا خافا ألا يُقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يُقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به، يعني إذا خافا ألا يُقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به، تلك حدود الله فلا تعتدوها، يعني هذه حدود الله فلا تتجاوزوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، يعني من يتجاوز حدود الله فهو ظالم.