بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما زلنا ونحن في تدبر سورة الفلق العظيمة، نقف عند تلك الآيات المباركات التي جاءت تبني وتعزز منهج الاستعاذة، الاستعاذة بالله جل شأنه من مختلف الشرور، من كل أشكال الشرور التي قد يقف الإنسان على طرف منها وقد لا يقف، قد يعلم بحقيقة البعض منها وقد لا يعلم، محدودًا بإنسانيته ونسبته البشرية، لائذًا عائذًا، ملتجئًا محتميًا بالاستعاذة بالله جل شأنه، الذي له العلم المطلق الشامل الذي يحيط بكل شيء ويعلم كل شيء وبيده كل شيء.
هذا المنهج الذي إن وضعه الإنسان في حياته وسار عليه في سائر تصرفاته وأقواله ومشاعره ودواخل نفسه، حقق المعنى الذي ينبغي أن يكون في حياة الإنسان المؤمن للتوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة، منعكسًا على سائر تصرفاته كمن استخلفه الله في هذه الأرض ليصلح لا ليفسد، ليعمر لا ليهدم ويخرب. هذه المعاني العظيمة، وذكرنا ونؤكد أن السورة حين جاءت بهذه المفردات وهذه المعاني، ليس لأجل أن يقف الناس عند جزئيات المعاني دون الانطلاق من تلك الجزئيات والألفاظ والمفردات إلى المقاصد والمعاني التي نزلت السورة المباركة لتأسيسها وتعزيزها.
مطلوب منك ألا تنشغل بهذه الشرور وماهيتها وتحديد كيفيتها قدر ما تشتغل بالانصراف عنها من خلال الاستعاذة، وعدم الالتفات إلى الوقوع في فخها. تقول لي: لماذا لا يقع للإنسان؟ أن يطلق لنفسه ولخياله وللتفكير المحدود، "الأنا" في تقدير هذه الشرور، سواءً التقليل من حجمها أو التفخيم من حجمها، وقع في إشكاليات خطيرة لن يخرج منها إلا بالتوحيد والاستعاذة بالله سبحانه وتعالى.
بمعنى أن القرآن العظيم، وخاصة ونحن نتدبر في ختام هذا الجزء العظيم من رسالته، يقدم لك الحل. أنت لا تقف فقط لأجل أن تعرف ماهية الشرور، قلنا في مرة سابقة: أنت تعرف الشر لأجل أن تجتنبه وتحاربه وتقوي عناصر الخير فيك وفي غيرك، وتعين غيرك على التغلب على هذه الشرور ومحاصرتها، ولكن ليس لأجل أن تشتغل بها وكيف تعمل ولماذا وكيف، لا. التفاصيل تبعدك عن المقصد والمعنى والمغزى.
من هنا حين جاء قوله جل شأنه: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ"، الآيات ذكرت في الأربع آيات التي تليها مفرد "من شر"، وذكرنا وأكدنا في المرات السابقة أن فيها كذلك توضيحًا وبيانًا أنه في الكثير من الأحوال في الدنيا قد يختلط الشر بالخير، ولكن المطلوب منك يا مؤمن أن تستعيذ بالله من الشر الموجود. ليس كل دابة على الأرض فيها شر محض، فيها شر وفيها خير، أنت تستعيذ بالله من شرها. قال: "مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ"، "وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ"، قال: "وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ".
وهنا القرآن العظيم لم يحدد بالضبط، خاصة وأننا نتعامل في هذه المفردة، مفردة "النفاثات"، كفري في القرآن لم تذكر في موضع آخر من القرآن. القرآن كعادته لمن يأتيك بالمفرد ولا يبين ويفصل في جزئياتها، فمعنى ذلك أنك مطلوب منك أن تنظر إلى الأمر بشمول، بسعة أفق، وليس بضيق أفق. قال: "وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ"، والعقد ذكرت مفردة "عقدة" في جوانب حسية ومعنوية. ربي جل شأنه قال: "عَلَىٰ عُقْدَةِ النِّكَاحِ"، عقدة سماها عقدة، عقد عقد الزواج والنكاح سماه عقدة النكاح. "وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ" في قضية العدة وانتظار انتهاء العدة. قال: "أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ". وأصل الكلام عن العقدة حسية أو معنوية التي هي موضع الربط والإبرام والعقد بين شيئين أو بين أمرين حسيًا أو معنويًا، فيه توكيد لمعنى العلاقة والربط بين هذا الأمر، بين الأمرين أو الطرفين. ولذلك نحن نقول في حياتنا: "عقد الحبل" في الأشياء الحسية، يعني عملت فيه عقدة، ربطت، أريد أن أبرمه، أريد أن أربط بين شيئين. هذا الربط وموضع الربط بين شيئين حسيًا أو معنويًا هو مكان العقد الذي يسمى العقدة.
فلما القرآن العظيم يأتيني بهذا المصطلح ممكن أن تتعدد المعاني فيه، هناك من أخذه بالمعنى الحرفي للكلمة قال: بأن السحر، والسحر رجالًا وإناثًا، وليس تأنيث هذه المفردة فيه دلالة على أنه السواحر أو الساحرات كما قال البعض، وإنما هي ممكن تكون الأنفس اللي تنفذ وتقوم بهذه العملية. هذا فيه تفسير حرفي لأنه بالفعل من يزاول مهمة السحر الذي فيه أشكال وفيه أنواع، وشكل من أشكال ادعاء القدرة على التأثير في الغير، الادعاء القدرة على التأثير إيجابًا أو سلبًا في الغير، ادعاء القدرة على الإتيان بأشياء خارقة للطبيعة من خلال تعاويذ، من خلال رقى، من خلال طلاسم، من خلال استعمال أدوية أو مواد فيها شيء من السموم، تشرب، تؤكل، توضع في أماكن معينة، كل هذه الأنواع وكل هذه الأشكال من الصور والتعامل فيها القرآن ذكره في مواضع أخرى دون تفصيل ولا بيان لجزئيات إبرام هذه العملية. ولكن ما تعارف عليه الناس شيء طبيعي جدًا أن المفسر، ومن يتدبر في القرآن شيء طبيعي جدًا أنه يتأثر بطبيعة البيئة التي يعيش فيها سواءً في فهمه أو في تنزيله للمفردة أو في ربطه بتلك المفردات والكلمات. ومن آي القرآن أن المفردات والألفاظ فيه والمصطلحات لها القابلية على الاتساع والشمول والتخصيص في ذات الوقت في بعض الأوقات والمواضع بحسب السياق.
فلما القرآن قال: "وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ"، ذهب البعض إلى أن عملية النفث في العقد التي يزاولها عبر العصور المختلفة على اعتبار أن ظاهرة السحر ظاهرة قديمة عرفها الإنسان منذ القدم، في، كانت موجودة في الحضارة البابلية، موجودة كثير في الحضارة الفرعونية، والقرآن ذكر في الحديث عن سحرة موسى، بل عن استعانة فرعون، هذا الطاغية المتجبر المتكبر المستعلي في الأرض، القرآن ذكر وفصل استعانته بالسحرة والسحر في سبيل أي شيء؟ في سبيل توطيد دعائم ملكه وسيطرته على الآخرين، وإظهار قوته على الآخرين، واستعلاء، بل في واقع الأمر أن فرعون استعان بالسحرة ضد من؟ ضد النبي موسى عليه السلام، وأراد أن يوهم، وجمع الناس والدنيا والملا لأجل أن يبين لهم السحر والشعوذة والدجل والخرافة والضحك على الناس والتلاعب بمعتقداتهم وأفكارهم والسيطرة على مشاعرهم والسيطرة على الرأي العام، مقابل أي شيء؟ مقابل موسى صاحب الرسالة الذي جاء بالوحي من الله. رب جل شأنه أوحى إليّ، تدبر معي في هذه المعاني، يعني السحر مقابل أي شيء؟ والخرافة والدجل مقابل النبوة والحق والوحي. ولذلك كان هناك صراع واضح في الموقف الذي حكاه القرآن عن سحرة فرعون، ولذلك حصل ما حصل، وسجد السحرة وقالوا: "آمَنَّا بِرَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ"، تصريح، بل صرحوا بأكثر من ذلك في أكثر من موضع ذكره القرآن حين قال حين قال على لسان السحرة: "وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ"، تدبر معي: "أكرهتنا عليه من السحر"، لتؤكد أن واحدة من أعظم أساليب الطغاة عبر الأزمنة السيطرة على مشاعر الآخرين، التلاعب بأفكار الرأي العام، تظليل الرأي العام، وهذا التظليل لا يأخذ شكلًا واحدًا ولا وسيلة واحدة، في ذلك العصر كان سحر، في هذا الوقت سحر وإعلام، وأشكال مختلفة متنوعة.
بعض العلماء والمفسرين قالوا: ممكن تكون النميمة. لماذا قالوا؟ لأن النمام بشكل معنوي دون أن يستخدم قضية النف الذي أبسط وشيء أقل من النفخ مع شيء من الريق هذا المعنى في اللغة نف، والقرآن ذكر نفخ ونفح، وهنا نفس. قالوا: في ذات الوقت ممكن يكون هذا الإنسان النمام الذي يمشي بالنميمة وينقل الأخبار السيئة بين الناس، ويعكر صفو المتحابين، ويقطع أواصر المحبين، ويمزق العلاقات الأسرية والاجتماعية بنميم وكلام السوء، ويأتي على تلك العقود الاجتماعية، الأبوة، الأخوة، الأمومة، الزوجية، الجيرة، الصداقة، هذه كلها عقود بين أطراف، في نوع من أنواع العقد، تدبروا معي في هذه المعاني. ولذلك نحن حين نتكلم عن العلاقات نتكلم عن أشكال من العقود تجمع أطراف، هذه معاني معنوية للكلمة وللمفردة. قالوا: هذا النمام الذي يمشي بالنميمة يقطع في العقد، كأنه ينفث في العقد. كذلك استنادًا إلى ما جاء وما هو معروف أن الحية والأفعى تنفث سمها، تنفث فتفسد وتؤثر وتؤذي، إلى آخره. كذلك استعمل في نفس الدم، الكلمة مستعملة موجودة. فالقرآن العظيم حين لم يقف بي عند معنى من هذه المعاني معناه يريد أن يوصل لي شيء، الشيء واضح تمامًا في بداية الآية في قوله جل شأنه: "وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ"، تدبروا معي في هذا، لماذا؟ حتى تصبح هذه الكلمة وهذا المفهوم ممكن أن تدخل فيه أشياء كثيرة، وفي ذات الوقت علينا أن نتعامل بتوازن مع سياق الآيات والكلام التي جاء، الذي جاء فيها، خاصة حين نربط ما بين هذه الآية ما جاء بعدها: "وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ". الحسد هو كذلك فيه شكل من أشكال التخريب، بل الضرب والتدمير للعلاقات الإنسانية والاجتماعية. إذًا القرآن في هذه اللفظة العظيمة وفي هذه الآية الكريمة لا يأتي بمعان يريد أن يستغرق الناس في تفاصيلها، ومن ثم البناء عليها بأنه الساحر والسحرة وهذه الأعمال لها قدرة خارقة تخرب البيوت، تدمر العلاقات، تفعل الأفاعيل، استنادًا إلى بعض النصوص والآيات في كتاب الله كما في قوله جل شأنه: "فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ"، قطع للآيات من سياقاتها، قطع للكلمات، لأن وسائل التفريق بين الأزواج لا تنحصر في سحر وحسد وعمل ومشابه. اليوم على سبيل المثال هناك العديد من الماكنات والمؤسسات التي تعمل عملها في إيجاد أشكال وأسباب للفرقة بين الزوجين، في وسائل تواصل اجتماعي، في وسائل الإعلام المختلفة التي تذكي المقارنات الاجتماعية التي تذكي حتى الأدوار التي يقوم بها الرجل والمرأة في الأسرة، وتجعل ثمة نوع من أنواع الازدواجية بل التفرقة بينهما، ودفع كل القيم التي يمكن أن تحطم الأسرة، والدفع بها، وتجييبها بمسميات مختلفة، تارة يسمونها حقوق مرأة، تارة يسمونها حقوق الكذا، تارة يسمونها حرية، أخرى يسمونها عدالة، ثالثة يسمونها توزيع الأدوار، كلها تصب في اتجاه واحد، فكرة الصراع بين الرجل والمرأة في الأسرة خاصة. فكرة الصراع غير موجودة في القرآن، غير موجودة في قيم القرآن، بالعكس القرآن جعل العلاقة بين الزوجين علاقة تكامل، علاقة تعاون، علاقة أصر محبة، أواصر اجتماعية أسرية، روابط. من هنا سمى الزواج ميثاقًا غليظًا، جعله ميثاق، ارتقى به بمفاهيمه، وما عاد يحصرها فقط في مسؤوليات جسد أو نفسية أو معنوية أو مالية أو مشابه، تدبروا معي في هذه المعاني.
ومما يؤسف له حقًا أننا في العديد من مجتمعاتنا العربية والمسلمة اليوم أصبحنا نلقي باللائمة، تبرئة أنفسنا من كل أشكال الفشل، فشل في العلاقات الزوجية، فشل في استقرار العلاقات الاجتماعية، فشل حتى في التعليم وفي التحصيل العلمي، فشل فردي أو مجتمعي، نعزوه إلى أي شيء، سحر، فلان عمل لعمل. وقد رأيت بكل تأكيد، أنتم سمعتم كذلك في حياتكم، كثير من الناس اليوم تسأل فلانة يا فلانة لماذا حصل الطلاق؟ تقول لي: عمل لي عمل. يا فلان لماذا حصل؟ لا أدري ما الذي حصل، لا أدري، كل شيء خارج عن إرادتي، كيف حصل اللي حصل؟ هذه إشكالية خطيرة في مجتمعات عربية مسلمة تؤمن بأن الله جل شأنه هو الذي ينبغي أن تستعيذ به من كل شر، وكفى به معيدًا لمن استعاذ به. تقول لي: والحل؟ تسمية الأشياء بمسمياتها، "وما أبرئ نفسي"، هذا مبدأ لابد أن يطبق على مختلف المستويات. لماذا؟ لأن أصل هذا المبدأ تحمل المسؤولية، مسؤولية الفشل، مسؤولية وقوع الخطأ، مسؤولية صدور الخلل، تدبروا معي في هذه المعاني، ليس لأجل أن تجلد الذات، لا، لأجل أن تقوم من من من عثرتك، لأجل أن تقف من جديد، لأجل أن تدرك مواطن الخلل والخطأ والزلل ف تعدل وتصحح، وتحاول أن تعدل ذلك الانحراف وتسويه، لأن واحدة من أعظم وأولى أساليب التعامل مع الفشل والخطأ أولًا الاعتراف بوجود الخلل، فإذا أنت لا تعترف بوجود خلل في الأصل كيف ستعالجه؟ كيف ستعالج؟ هناك دراسات علمية وميدانية أجريت في عدد من المجتمعات العربية تنذر بزيادة معدلات الطلاق، البعض منها ذهب إلى أبعد من ذلك فبين وحاول أن يدرس ما هي أسباب زيادة الطلاق، وجد أن عدد ليس بالقليل حتى من بين المثقفين والمتعلمين، نساء ورجالًا، يعزو الفشل في العلاقة الأسرية الناجحة التي لا تنتهي بطلاق، لا نقول على الخلافات، الخلافات أمر حاصل، كل اجتماع إنساني بين اثنين فأكثر لابد أن يتولد عنه نوع من أنواع الاختلافات، لكن المهم كيف تعالج هذه الاختلافات حتى لا تتفاقم وتزداد سوءًا وتنتهي بحل هذه العلاقة والميثاق الغليظ لما يترتب عليه من نتائج على الفرد، على الرجل، على المرأة، على الأسرة، على الأولاد إن كان هناك أولاد، على المجتمع بأكمله، تدبروا معي في هذه المعاني. وجدوا أن العديد من هؤلاء، أصحاب العلاقات التي انتهت بالطلاق، وما استطاعوا أن يحلوا مشاكلهم بالطرق التي وصفها وبينها وأوضحها القرآن العظيم والسنة النبوية، تبين بأنهم يقولوا في النهاية: عمل لي عمل. لماذا يقول بها: عمل لي عمل؟ هذه الشماعة فيها نوع من أنواع التراضِ لذلك الضمير الذي يمكن أن يؤرق الإنسان، فيحمله مسؤولية الأخطاء، ولا يريد أن يشعر بمرارة مسؤولية الخطأ، كل إنسان صعب عليه أن يعترف، لكن الفرق أن المؤمن الذي رباه القرآن لا يجد غضاضة في أن يبين أنه قد أخطأ ويحتاج الأمر إلى تصحيح الخطأ، تدبروا معي في هذه المعاني. ولذلك القرآن لم، في سورة آل عمران وسور كثيرة: "أَصَابَكُمْ شَرٌّ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ"، "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ"، تحميل الإنسان المسؤولية، الفعل والعمل، أخطاؤك لا تحل من خلال التنصل من مسؤولية تحملها أو حتى رفض فكرة وقوعها بسبب منك أو بسبب من الطرف الآخر، أخطاؤك ومشاكلك تحل حينما تكون لديك الشجاعة أن تعترف بها بدءًا، تدبر معي في هذا، وتعيها، وتدرك أسبابها، وتفهم، وتحلل، وتبدأ بمعالجتها، هذه إشكالية خطيرة.
شيء آخر من المشاكل المتفاقمة التي نتجت عن سوء التعامل مع هذه المسألة، وكل كلمة والثانية ويقول لك: رب العالمين جل شأنه قال: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ" إلى أن يقول: "مِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ"، أنت من الذي قال لك أن الرب جل شأنه حين أنزل هذه السورة كان من مقاصد تنزيل هذه السورة أن تصبح مدعاة لأجل أن تتنصل من مسؤولية تحمل الأخطاء؟ من قال لك هذا؟ قال لك: "قُلْ أَعُوذُ"، استعدت بالله جل شأنه، الشر موجود سواءً أنت أدركت أو لم تدرك مصدر الشر أو منبع الشر، عوضًا عن أنك تنفق الأيام والأموال والطاقة وتبدد لأجل أن تعرف من هذا الذي عمل لك عملًا، وبعض الناس اليوم يفسد رابطه ودائرته من العلاقات الاجتماعية مع أقرب الناس إليه من ذوي الأرحام لمجرد أوهام أو شكوك بأن فلان عمل ليعمل، ويزداد الأمر سوءًا حين يأتي ذلك الإنسان بما حرم الله قطعًا، عرافًا أو مشعوذًا أو فلانًا لكي يكشف له عن هوية ذلك الذي عمل العمل، هذه ممارسات تناقض أصل التوحيد.
والسؤال الذي ينبغي أن يطرح: لابد، وماذا فعلنا لأجل، لأنه حاصرة هذه الظواهر السلبية في مجتمعاتنا، دور التوعية، دور الوعي، دور النصيحة، عوضًا عن الاستسلام. إشكالية الخطيرة أيضًا أن الاستسلام لهذه الممارسات السلبية المحرمة أدى إلى نوع من أنواع ما يعرف ومعروف جدًا في علم النفس ما يسمى ويطلق عليه العجز المكتسب والعجز المتعلم، عبارة عن سلوك، سلوك طبقه وطبق في ستينيات القرن الماضي، طبقه بعض العلماء وأشهرهم مارتن، يعرف مارتن سلمان، هذا طبقه على مجموعة من الكلاب، يعرضها لمحفزات ومنبهات ومؤثرات مؤلمة متكررة، ولا يستطيع هذا الحيوان أو الكائن الحي أن يتفاداها أو يتجنبها على مدى مرات، ثم بعد ذلك يجرب ويعطيه مساحة وقدرة على أن يتجنب هذه الممارسات المؤلمة، ورغم كل ذلك يستسلم في النهاية هذا الكائن الحي، كائن من يكون، كلبًا أو قطة أو كذا، لأنه جربت هذه على مختلف الكائنات، حتى على الإنسان، حتى حين يجد سبيل النجاة والتخلص من الألم لا يأتي ويقوم ويحاول أن يخلص نفسه من الألم، استسلم، فيسمى ويعرف بالعجز المتعلم أو المكتسب، بمعنى أن طرفًا من الأطراف يوهم الطرف الآخر من خلال هذه العمليات المتكررة أنه عاجز عن الدفاع عن نفسه أو تجنب هذه الممارسات الخطأ، كارثة، الإنسان بمرور الوقت يتحول إلى إنسان عاجز سلبي مشلول الحركة والفكر والإرادة، لا حول له ولا قوة، ويشعر بفقدان السيطرة وعدم القدرة على تغيير الواقع الذي يعيش فيه، تمامًا يناقض قيم القرآن. قيم القرآن العظيمة ورسالة جميع الأنبياء، كل الأنبياء جاؤوا لأجل أن يغيروا واقعًا فاسدًا منحرفًا، وهذا العجز المكتسب المتعلم يأتي بهذه القيمة السلبية، نوع من أنواع النفث للعجز والشعور بالعجز في نفوس الناس حتى يشعر الإنسان أنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا، يرى الجهل لا يحاربه بالعلم، يرى الفساد لا يواجهه بالصلاح، يرى المنكر لا يحاول أن يصححه بالمعروف، يرى المعروف يهضم فلا يحاول أن ينصره، يرى الظالم كيف يسطو ويقهر المظلوم ويدوس عليه وقلبه يتألم ويتحرق لنصرته ورغم ذلك لا يحرك ساكنًا لأجل أن يرفع الظلم عن مظلوم، هذا ماذا تسمي؟ ألا عجز مكتسب ومتعلم؟ بمعنى توهمنا أننا لا نملك من أمرنا شيئًا، تدبر معي في هذه المعاني.
أنا أتكلم هنا عن ظاهرة، ظاهرة السحر التي قلنا وسنعيد ونكرر عليها، على ظاهرة الحسد كذلك، هذا على مستويات أسرية وفردية واجتماعية، مما يؤسف له أن العديد من الناس، رجالًا و ونساء، أصبحوا يرون الأشياء ويرون الأحداث السلبية وكأنها غير قابلة لأن تتبدل أو تعالج أو تتغير، إشكالية خطيرة جدًا، وممكن أن تراها مبثوثة في عشرات الأشياء. بعض الناس في مجتمعات عربية ومسلمة يرى بأن قدره الذي قدر له وتعب عليه أن يعيش فقيرًا ويمت فقيرًا، وأن يشئ كذلك أولاده فقراء ويموتوا فقراء، ولا سبيل لفرار من الفقر. هل هذه القيم التي جاء القرآن يدعمها؟ تدبر معي، تدبر معي في موضع السورة في ختام رسالة القرآن تعطيك ماذا؟ تعطيك هذه الدفعة القوية لأجل أن تنهض من جديد، وأن تدرك بأنك أنت، وأنت كفرد صالح مصلح مؤمن موحد مخلص في توحيدك لله، لديك الوعي بمسؤوليته في الاستخلاف على هذه الأرض وإعمارها، قادر على أن تواجه الفساد، قادر على أن توقف الشر بما مكنك الله جل شأنه، قادر على أن تحدث تغييرًا في الحياة التي تعيش فيها، تدبر معي في الفرق، هذا الإحساس والتعلم، تدبر معي وأرى ما يمكن أن أنصح التعبير أن أطلق عليه نحن قلنا وتكلمنا قبل قليل عن العجز المتعلم أو المكتسب، لما لا نتكلم عن القدرة المكتسبة والمتعلمة، القدرة على التغيير والتبديل، القدرة على التحسين، القدرة على الإنجاز، القدرة على الإبداع، القدرة على تصحيح الأخطاء، هذه متعلمة مكتسبة، القرآن يغرسها من بداية الفاتحة إلى آخر سورة الناس، يخاطب الإنسان المؤمن: أنت قادر على تصحيح أوضاعك، والشر وقد كما ذكرنا قبل قليل ماذا؟ والشر واللي فعل واللي، لابد أن يكون لديك من الإيمان واليقين بالله سبحانه ما يمكنك أن تواجه شرور الأرض كلها وبقلب واثق راسخ الإيمان واليقين بالله بأنه يستعيذ بحمى الخالق جل شأنه الذي يقول للشيء كن فيكون، ولا يعجزه شيء، شيء في الأرض ولا في السماء.
من هنا من هنا لا بد أن ندرك أن هذه الجريمة، مزاولة الشعوذة والسحر ومشابه والدجل بكل أشكاله وصوره، لأن نبتلي في هذا الزمن والوقت الذي نعيش فيه بأن هناك من ينفق أموال طائلة حتى في مجتمعات متوسطة الدخل أو حتى محدودة الدخل لأجل أن يذهب إلى كاهن أو لأحد يفك عنه سحر أو لفلان يعمل له كذا، لابد من تجريم هذا الفعل قانونيًا، لابد من توعية الناس بجريمة السحر والشعوذة، لابد من توعية الناس بأن هذا النوع من أنواع الممارسات يناقض أصل التوحيد، توعية حقيقية، عوض أن، والضخ في عقول الناس بالاستثناء والتفويض لتأثير هؤلاء في حياتهم، أنت أمام مشاكل، لديك أناس يشعرون بالعجز إزاء الممارسات بكل تصوراتها وأشكالها وألوانها، قدرة بعض البشر على التأثير في الآخرين. ولذلك بعض المعاصرين ذهب بأنه "النفاثات في العقد" قال لك وسائل الإعلام، تنفث، المضللة، تنفث سمومها أو الشبهات أو الذي يروج للشبهات ضد القرآن والإسلام، ينفث في العقد، وينفث في العلاقات الاجتماعية بما فيها علاقة الإنسان بخالقه. ونحن ذكرنا ونؤكد أنه سياق الآيات في واقع الأمر ليس فيه ما يمنعني القول بهذا، وفي ذات الوقت لابد من الحذر ونحن نتعامل مع هذا من خلال الربط بالمعنى والمقصد الذي جاء في السورة، المقصد ما يريدك أن تدخل في تفاصيل، ونحن قلنا أنه الآيات التي سبقت حين قال جل شأنه: "وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ" بدون تفاصيل، لدينا إشكاليات، لدينا كذا، هو القرآن يقول لك: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ" من شر ما خلق، وانتهى الموضوع، لا تدخل في التفاصيل، المهم أنت لديك سلاح زودك به القرآن، سورة الفلق، ونحن قلنا ونؤكد ما قاله في مرات ابن القيم: السلاح ليس فقط في قوته من ذاته، ولكن في اليد التي تحمله، والقلب الذي يتفاعل مع اليد التي تحمله، تدبر معي في في هذه المعاني. استعاذة والدعاء والصلاة واللجوء إلى الله سبحانه جل شأنه هذه أسلحة، ولكن ما يعول عليه، أسلحة، فاه، ما يعول عليه ما سكن واستقر في قلبك من اليقين والإيمان بهذه الآيات إيمانًا لا يخالجه شك ولا يخالطه وهم ولا يزلزله ولا يضعفه لا مكر ماكر ولا كيد ساحر.
شيء آخر، ما يفعل بالعالم الإسلامي والعالم بشكل عام اليوم من شرور ليست في الخفاء، لا هي عمل ساحر ولا شيء من هذا، أكبر بكثير مما يتخيله أي أحد، لأن معروف أنه عمل هؤلاء من سحرة لا يتم إلا في الخفاء، ولكن ما يحاك ويعمل ضد كل القيم التي أنزلها الله جل شأنه ليس فقط في القرآن ولكن في الكتب السماوية، هذا ليس عمل ساحر، هذا عمل إنسان شرير في العلن، ليس في الخفاء، ما دورك إزاءه؟ هذا أيضًا عمل ساحر، هذا الجهل الذي حل بكثير من المستويات والمؤسسات عمل ساحر، هذا الواقع من الظلم والتدهور في القيم وفي المعاملات وفي الأمانة هذا عمل ساحر، إنها عشرات الأسباب والعوامل التي لم يلتفت إليها كثير، تدبر معي في هذه المعاني العظيمة. يا لها من كلمات، يعني أعظم ما، أعظم ما نواجه به كل الشرور يقينًا، ونحن نتلو هذه السور والآيات لا يزعزعه شك، مع إيماننا بأن الابتلاء والاختبار وتعرض الإنسان المؤمن لأشكال من المواقف والابتلاءات والاختبارات والمحن ممكن، كيف يواجهها؟ يواجهها بما أمر الله به من أسباب شرعها، من دعاء وإيمان وثقة ويقين بالله سبحانه وتعالى، عندها فقط ستندحر هذه الشرور أمام هذا اليقين الذي لا يزاوله شك، وهذا التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.