د.رقية العلواني

حلقة ٢ من ٤
تدبّر سورة العاديات: الحلقة الثانية {آية ١ - آية ٥}

تدبر سورة العاديات

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ما زلنا ونحن في بداية تدبرنا في سورة العاديات المباركة، نقف عند تلك الآيات بأصوات حروف الكلمات والمفردات فيها، لنجد أنفسنا أمام حقول دلالية متداخلة بأسلوب إعجازي فريد من نوعه، تميز فيه القرآن، الرسم فيه، ونقل الصورة، وتحميل الصورة للمعاني. وللحظ تنقل فيه بالكلمات والمفردات، والفعل وزمن الفعل، وبالصوت كذلك الذي تحدثه هذه الكلمة، لتنقل صوتًا وتبعث صوتًا في ذلك الموقف والحدث. شيء آخر، أثر ذلك الفعل، كل ذلك بأسلوب فريد، ما جاء مطلقًا لأجل فقط أن يصل بالمتلقي أو القارئ لهذه الآيات عند حد الشعور بالعجز والتحدي، وإدراك أن هذا الأسلوب الفريد لا يمكن إلا أن يكون من كلام رب البشر سبحانه. ولكن في ذات الوقت، ليحقق ذلك الاتساق في نقل المعاني والمقاصد لمقتضيات الحال ومقتضيات السياق دون أن يخرج عنها مطلقًا، يؤدي المعاني بأبلغ عبارة وأعمق أثر وأكثر إفصاح وبيان للمعاني المحملة والمقاصد في تلك الآيات.

القسم في القرآن الكريم

ذكرنا في مرات سابقة أن القرآن العظيم، واحد من أعظم أساليبه القسم، وأن واحدة من مقاصد ذلك القسم ليس للدلالة أو للإشارة والبيان بشرف ما أقسم القرآن به، ولكن واحدة من أعظم مقاصد القسم في القرآن، وأسلوب القسم الذي جاء كثيرًا في كتاب الله، إقامة الحجة والاستدلال على هؤلاء، هؤلاء الذين يجادلون في كتاب الله بغير علم عبر الأزمنة المختلفة والعصور المتباينة. والقرآن حين يأتي بأسلوب القسم، يقسم بأشياء هم يرونها، ويعاينون، ويعايشون، وعهدوا، ويعرفونها، ويألفونها، ليقيم الحجة بذلك القَسَم على ما جادلوا فيه وحاجّوا فيه، بل وأنكروا، قضية البعث، قضية الحساب، قضية وقوع يوم القيامة الذي أسقطوه تمامًا من حساباتهم.

أحداث يوم القيامة في سورة العاديات

قرآن بدأ السورة المباركة العظيمة سورة العاديات بتلك المفردات والفرائد التي جاءت فيها ليجعل الإنسان المتلقي كأنه يعيش في قلب الحدث، وقلب الحدث المتناسب المتسق تمامًا مع ما جاء قبلها من سورة الزلزلة، وما سيأتي بعدها في ترتيب المصحف من سورة القارعة، كلها سور متكاملة تنقل الحدث، تنقل الحدث أبان وقوع يوم القيامة. قال: والعاديات ضبحًا. وذكرنا فيما ذكرنا في مرات سابقة أن العديد من كتب التفاسير رأت بأن العاديات هي الخيل المسرعة التي يعرفونها، وأن الله جل شأنه حين أقسم بها أقسم ليبين شرف هذه المخلوقات التي خلقها الخالق جل شأنه، واستعملها الناس في الجهاد في سبيل الله، وهذا ما دعاهم لأن يقولوا إن السورة مدنية، أو ما تُستعمل فيه الخيول. والعرب أمة اعتزت بالخيول، وما تزال. ونحن نقول إن القرآن العظيم جاء على ذكر الخيل في أكثر من آية، في سور سابقة: قال: والخيل والبغال والحمير لتركبوها. قال: زُيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحَرث، ليبين أن ذلك متاع الحياة الدنيا. قال في قصة سليمان عليه السلام: عُرِضَت عليه صافنات الجياد. إذًا الخيل ذكرت في كتاب الله صراحةً وليس كنايةً.

لكن القسم الذي افتتحت به السورة المباركة لا يُفهم إلا حين تنظر إلى قاعدة التناسب التي أشرنا إليها في المرة السابقة، واحدة من أعظم قواعد التدبر، تناسب بين السور في نظام القرآن، ما قبلها وما بعدها، فواتح السور، أو فواتح السور وخواتمها، إضافة إلى محور السورة ومقصدها العظيم. السورة تتحدث عن أبعاد، أبعاد الإنسان ليوم القيامة من حساباته، والناس يبعدون يوم القيامة من حساباتهم لأسباب، البعض منها أنهم يجادلون وينكرون، والبعض الآخر قد يؤمن بها ولا ينكر وقوعها، ولكنه استبعدها تمامًا من مخيلته، أبعدها عن واقعه، فكانت النتيجة أن الإنسان فردًا أو مجتمعًا وأمةً، حين يسقط يوم القيامة والحساب من حساباته، يتخبط خبط عشواء، لا ردع ولا زجر يمنعه عن فعل ما لا ينبغي أن يفعل في الواقع، ولا هناك ثمة دوافع تشجعه لأن يفعل شيئًا إلا ما كان في عالم الحس ومحكومًا بمنطق الحس. والقرآن العظيم أكد في أكثر من موضع أن هذا العالم المشهود الذي نعيشه، ويطلق القرآن عليه في بعض الأوقات عالم الشهادة، هو ليس العالم الوحيد، هناك عالم الغيب، بل جعل الإيمان بالغيب ركنًا من الأركان التي ينبغي أن تكون: إيمان بالله، أسماء الله وصفاته، إيمان بالملائكة، إيمان بالأنبياء والرسل، إيمان بالكتب التي أُنزلت، الإيمان بالقدر، الإيمان باليوم الآخر، هذه كلها تقع في طائلة الغيبيات. فالإيمان بالغيب يُشكل جزءًا لا يتجزأ من إيمانك الحقيقي. ولذلك القرآن العظيم، واحدة من أعظم أساليبه أنه ينتقل بالعقل والوجدان من عالم مشهود يدركه الإنسان بحواسه إلى عالم غيبي لا يدركه الإنسان بحواسه، ليستدل من خلال الاستدلال بالعالم المشهود المحسوس على العالم غير المشهود غير المحسوس الغيبي.

من هنا نفهم لماذا أقسم جل شأنه بالعاديات، سواء كانت تلك العاديات خيول، أو كانت هذه العاديات كما يمكن أن يكون في زماننا طائرات، مسيرات، كواكب، نيازك، ما تكون. ليس الغرض أنك تقف عند هذه الجزئية وتتعلق بها، أو تُخضع النص وظاهر النص لمعنى قد لا يكون هو المقصود، وإنما تقف مع ما أراد القرآن أن تقف عنده. هو أقسم بها، أقسم بالعاديات، وهذه العاديات التي تجري بسرعة كما ذكرنا، مباغتة، مفاجئة، تحدث فعلًا في واقع الحياة. فالمغيرات قد... قال: والعاديات ضبحًا. صحيح الكثير من المفسرين قالوا الضبح هو صوت أنفاس الخيل التي تعدو وتجري مسرعةً، هذا ما عرفوه، هذا ما فهموه، الخيول التي كانت تُغير ويُغير العرب بعضهم على بعض بها، أنفاسها تتسارع عدوًا، ونحن نقول كما ذكرنا: فلان عدّاء يجري بسرعة، الإنسان أو الخيول أو أي شيء آخر لمن يجري بسرعة ويلهه، أنفاسه تتسارع فتصدر صوتًا. هل القصد أن تقف عند تلك التفصيلة والجزئية وتحمل، وتحمل القرآن والنص في القرآن تفاصيل لا ما قصد من القسم أن يستدل بهذا الذي تراه أنت وتشهده، الزمان الذي نزل فيه القرآن العظيم ما كان زمان فيه مسيرات وطائرات وما شابه، الزمان الذي الآن نعيشه، التي باتت تُغير على بعضها البعض، ويُغير بها الإنسان على أخيه الإنسان، ما عاد خيلًا ولا إبلا، وإنما أصبح مسيرات لا سوت لها، طائرات أحيانًا بالريموت وعن بُعد، أشكال مُتنو... ليس القصد أن تقف عند الأداة أو الآلة، ولكن ما يُحدثه ذلك الفعل الذي ترى أنت أثره في واقع الحياة.

قال: والعاديات ضبحًا. تدبروا معي كيف حين يُفسر ويُدرك الإنسان العاقل المتلقي الذي يريد أن يفهم النص، أن واحدة من أعظم أغراض القسم في القرآن الاستدلال، إقامة الحجة على المتلقي، ليس شرف ما أقسم به جل شأنه، ولله أن يقسم بما شاء على ما شاء، وليس للعبد أن يقسم إلا بالله. تدبر معي في هذه المعاني، ولكن هذا الغرض من القسم واضح، يريدك أن تستدل وأن تفهم. أنت تُجادل في قضية البعث، والقوم كما ذكرنا، واحدة من أعظم القضايا التي أنكروها على الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، قضية البعث، الحياة بعد الموت، أَرِني كيف تُحيي الموتى، هذا جاء في القرآن على لسان إبراهيم عليه السلام من باب الاستدلال وليس من باب التشكيك كما كان هؤلاء يفعلون. تدبروا معي في المعاني، أَإِذا كنا تُرابًا وعظامًا أَإِنا لمبعوثون؟ جادلوا في المسألة، فكيف القرآن يستدل بهذه المسائل والقضايا؟ أن يا قوم أنتم تُجادلون في وقوع يوم القيامة، بل وتسألون متى هو، وترونه بعيدًا، إن كنتم حتى ترون أنه سيقع، فكيف يكون الاستدلال عليهم بالعالم الذي تشهدون، بعالم الحس وما يحدث فيه؟ أنتم ترون العاديات ضبحًا، فالموريات قدحًا، فالموريات قدحًا التي بطبيعة الحال تُبرم، ترى فيها توري النار أثناء القدح، ليس بالضرورة أن تكون هي الخيول، ولكن شيء نظرًا لسرعته وتسارع، وتسارع عدوه ومسيره يُحدث نارًا، وهذا حاصل في مختلف الآلات والمحركات التي يعهدها البشر اليوم. فأنت لا تُخضع القرآن لمنطق واحد ولا لصورة واحدة.

قال: فالموريات قدحًا، فالمغيرات صبحًا. تدبروا معي في التسارع، التسارع الذي جاء به بحرف الفاء بلا فاصل، ليأتي ويُحدث معنى ما يمكن أن تُحدثه المباغتة والمفاجأة. طيب، لماذا هو القرآن يأتي ب... عنصر المفاجأة والمباغتة مقصود لذاته؟ ليريد أن يوصل لك رسالة أن يوم القيامة الذي تُجادلون في وقوعه لن يأتي إلا بغتةً، لن يأتي إلا مفاجأةً، وأنتم في حياتكم تتعرضون للإغارة فيما بينكم وبين بعضكم البعض، قبائل العربية التي كانت تعرف معنى الغارة، يُغيرون صبحًا، يُغيرون ليلًا، كانوا يُغيرون على بعضهم البعض. قال: فالمغيرات صبحًا. هل ممكن أن يكون هذا ما نراه اليوم من الغارات؟ كانت في السابق وقت تنزل القرآن الغارات غارات خيول وإبل، الآن تغيرت الغارات، أصبحت غارات مسيرات، وغارات جوية، وغارات عن بُعد، وغارات مختلفة، وأثر الفعل واحد. وتدبر معي في القرآن كيف ينقل بالكلمة وبالنص المعنى. قال: فالمغيرات صبحًا، فقضين الصبح. والتي أيضًا كذلك ذهب فيها البعض مذاهب مُتنوعة، وأن الغارة حين تكون صباحًا تأتي من عدو مُقتدر مُتمكن، من إلى آخر ذلك. الصبح لو تتبعته في كتاب الله لوجدت فيه أمرًا آخر. قرآن يقول لك: فسَاءَ صباح المنذرين. أليس الصبح بقريب؟ صبحهم عذاب، الصبح ليس القضية فيه عند تتبع الكلمات، ليس المراد منه فقط تحول الوقت أو الزمن من كثافة الظلام والليل إلى إسفار الصبح كما في قوله جل شأنه: والصبح إذا تنفس. لا، الصبح بكل ما يحمله من معاني التحول والتغير. أليس الصبح بقريب؟ لمن يقول القرآن: فسَاءَ صباح المنذرين. قضية تحول، ممكن يكون التحول مادي، ممكن يكون التحول معنوي، ممكن تحول، انقلاب، اختلال في نظام الكون. قال: فالمغيرات صبحًا. هذه الغارة التي تحصل هي في واقع الأمر ستُغير كل شيء في حياة الإنسان. هل القرآن يُحدثني عن حدث مُستقبلي يكون أبان وقوع يوم القيامة؟ كما كان في الزلزلة حين قال: إذا زلزلت الأرض زلزالها، أو في حال القارعة حين قال: يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش. ليست القضية أن تقف عند التفاصيل، قضية ما يريدك القرآن أنت فعنده من مقصد أو معنى. القرآن لما يقول في سورة الزلزلة: إذا زلزلت الأرض زلزالها، إنسان يعرف معنى الزلزلة، والإنسان يشهد في الطبيعة أماكن تتعرض لزلازل مختلفة بدرجات متفاوتة، لكن الزلزال الحاصل للأرض يوم القيامة لا يُشبه زلازل الدنيا، ولكن أراد من خلال ما يعهده الناس ويرونه أن يمر ويعبر إلى ما لا يرونه ليوصل المعنى والقصد. بمعنى أن يوم القيامة الذي تكذبون فيه، كما أنكم تعيشون في حياتكم وترون الغارات المختلفة التي تباغتكم وتفاجئ بما لم تعهدوا، فتقلب وتغير الموازين، وتغير الحياة، يوم القيامة ويوم البعث سيحصل فيه ما هو أعظم من ذلك، ستأتي فجأةً بغتةً. وحين تأتي بهذه المباغتة، وعنصر المفاجأة والمباغتة، بأي ساعة يأتي، على أي حالة كان الناس عليها، ممكن يمشون في الأسواق، ممكن ينامون، ممكن أشياء مختلفة. ليس الغرض أنك أنت تقف عند تلك التفاصيل، ولكن الغرض أن تفهم لماذا؟ وماذا؟ ماذا يكون الأثر؟ قال: فأثرن به نقعًا. ما حصل من خلال هذه الغارة، وما أحدث في ذلك الموقع، وفي تلك الغارة، لأن هذا التصوير لأعنف إغارة بكل مراحلها، سورة العاديات جاءت تنقل لك بخلال الكلمات والمفردات صورة كأنك تعيش في قلبها، لأعنف إغارة بكل مراحلها. وهذا يحمل معاني كما ذكرنا، تصوير وتقريب لمعاني ومفهوم يوم القيامة الذي سماه القرآن في آيات أخرى يوم الجمع، ذلك يوم مجموع له الناس، وذلك يوم مشهود، فجمعناهم جمعًا. ولكن ما معنى فأثرن به نقعًا؟ شدة الإغارة تحدث آثارًا، تحدث انتشارًا في الأفق، انتشارًا للغبار، انتشارًا لذرات الهواء، انتشارًا لأشياء مختلفة ممكن. ونحن نشهد في هذا الوقت العصيب الذي يتعرض فيه أهلنا في غزة لأعنف وأشد الغارات، شهدنا بأم أعيننا على شاشات، وشهد العالم على شاشات التلفزة، كيف يكون النقع وانتشار الدخان الأسود الكثيف الذي يحول السماء إلى ليل مُظلم في ضوء النهار تتحول، وكأن الدخان الأسود والانتشار الحاصل بالنقع فيها إلى دخان كثيف كأنه ظلام ليل دامس لا يتخلله أي بصيص من النور.

قال: فأثرن به نقعًا، فوسطن به جمعًا. يدخل في وسط الجموع لأجل أن يحول ذلك الجمع إلى أشياء متناثرة فيما بينها، يفرق ما كان مجتمعًا من... من لم يشهد في مثل هذه الأيام العصيبة ما يحصل؟ وكيف تتنزل تلك الغارات والمسيرات والغارات الجوية لتفرق تلك الجموع في الوسط، وتقع في الوسط؟ فوسطن به جمعًا. أنا لا أقول أن هذا تفسير لهذه الغارات الجو... أبدًا، لأني لن أحمل النص القرآني، ولا ينبغي أن يُحمل النص القرآني أي معانٍ لا يحتملها ظاهر الآية، لكن القصد أن تقف عند ما هو أبعد. لماذا ذكر الغارات؟ ولماذا ذكر الإغارة؟ وما القصد من وقوف القرآن عند هذه المظاهر التي تكون مواكبة للغارات المختلفة؟ سواء كان ما كان بالخيل منها، أو ما كان بغارات جوية، أو ربما غير ذلك في المستقبل، الأثر الذي تحدثه، بمعنى يا هذه أشياء ومظاهر أنت تراها في عمق حياتك، وتحصل لك، وترى الآثار المختلفة التي تحدثها تلك الغارات. حتى الغارات حين كان بها بالخيول كانت تُحدث دمارًا، تحدث تفرقةً، تحدث بعثرةً، تحدث... كل تلك البيوت أو الخيام أو ما شابه، وتتساقط أمام الأعين، وتتناثر، وتغير مجرى الحياة المالوف المعهود من السكن والاستقرار إلى بعثرة وعدم استقرار، هذا شيء حقيقي. بمعنى أن القرآن يريدك أن تلتفت، الحياة التي تراها أنت الآن هادئة مستقرة، لا بعثر فيها ولا نثر فيها، وتعيش كما تعيش بهدوء، هذه الحياة التي اعتدت ستتغير، وهذا التغير ممكن يكون صباحًا، ممكن يكون مساءً، ممكن يكون في أي وقت، مفاجئ، مباغت، فترى أعددت لهذه العدة؟ تدبر معي في هذه المعاني. نحن في الأرصاد الجوية على سبيل المثال، يخرجون لك في الأرصاد فيقول: خذ الحذر والحيطة وكذا، لأنه ستكون هناك عاصفة، سيكون هناك إعصار، سيكون هناك غبار، سيكون هناك... الزموا بيوتكم لا تخرجوا منها، لأنه سيكون هناك كذا، خذ الحذر والحيطة، هذه اللي... ظواهر جوية مختلفة مررنا بها ونمر بها في أوقات متعددة. ما بالك بإغارة مفاجئة، مباغتة؟ قرآن ينقل أحداث يوم القيامة بالكلمة والفريدة والمفردة، يجعل الإنسان يعيش في قلب الحدث، يعاينها. ولذلك ذكرنا في مرات سابقة وقلنا: واحدة من أعظم أساليب الإعجاز في القرآن، إعجاز الكلمات والمفردات، القرآن يرسم بالحرف، ولذلك جاء حرف الفاء حاضرًا بقوة في سورة العاديات: فَ، فَ، فَ، سرعة التعاقب والتوالي في الأحداث، حتى لا تترك أمامك أي فرصة أن تُفكر، أو تستجمع قواك، أو تحاول أن تلملم وعيك لتدرك ما يدور حولك، لأن ما يحصل حولك أسرع بكثير من التفكير الذي يكون في عقلك ووعيك. أحداث متسارعة لا تترك للإنسان مجالًا للتفكير، ولا تترك مجالًا للإنسان لأجل أن يُعيد حساباته، حساباته، أو يستدرك ما فات، أبدًا. تدبروا معي في هذه المعاني. وهذا الذي يحصل يوم القيامة، تقع فجأةً، لا يستطيع الإنسان أن يقول: انتظر لعل دقيقة أو دقيقتين، أرجع وأتصد... أبدًا، كل شيء سيتم بسرعة هائلة، كل شيء سيحدث بسرعة لا يتخيلها الإنسان، كل شيء سيحدث بشكل مباغت ومفاجئ، حتى ولو كنت في وسط أهلك أو أسرتك أو مجموع من حولك، والناس من حولك سيحدث الأثر. هذه الصور العظيمة تنقل بالكلمة وبالحرف، نقلها القرآن بالحرف والكلمة، لذلك نقول: الحضارة التي صنعها القرآن حضارة حرف، حضارة كلمة.

الحضارة القرآنية مقابل الحضارة الغربية

<\