بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقفنا في لقائنا في تدبر سورة الإسراء عند أظمة قيمة التوحيد في حياة الإنسان المؤمن. هذه القيمة وهذه الشهادة الكريمة التي ينبغي للمؤمن أن يشهد بها في قلبه وعقله وفكره وسلوكه وفعله الإنسان في واقع الحياة.
حتى أن الله سبحانه وتعالى جعل قضية التوحيد حاضرة في مختلف آيات هذه السورة الكريمة قبل الحديث عن الواجبات والأوامر في الواقع الإنساني وبعد الحديث كذلك عن هذه الواجبات.
ثم أعطى حيزاً واسعاً لمناقشة قضية التوحيد بطريقة عقلية منطقية بالإتيان بالحجج المختلفة، تلك الحجج والأدلة العقلية التي تجعل الإنسان حين يكون عقله سليماً واعياً مدركاً راغباً في قبول الحق لا يستطيع إلا أن يسلم بهذه الحقيقة، حقيقة التوحيد.
وفي هذا الموضع من السورة القرآن العظيم فند مختلف الأكاذيب التي كانت تدعيها قريش وقد يدعيها كثيرون في مختلف الأزمنة والمجتمعات من ادعاء اتخاذ الولد لله سبحانه من الشركيات في العقيدة من أشياء مختلفة فندها القرآن وأتى بها واحدة تلو الأخرى ليؤكد العديد من الحقائق.
واحدة من تلك الحقائق أن الإيمان حين يكون واضحا في عقل وقلب الإنسان المؤمن لا يضره أبدا أن يناقش أو يحاور أو يحاجج الدليل بالدليل وبالمنطق وبالحجة. هذا الدين وهذا الإيمان قوي ولذلك لا ينبغي لمؤمن يتبع هذا الدين العظيم أن يتراجع من هذه المحاورات ومن البحث عن الأدلة العقلية لمن أراد فعلا أن يتصدى ويريد أن يعرف الحقيقة.
آخر كلمة كنا قد وصلنا عندها قول الله سبحانه وتعالى "ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما متحورا" الخسران الخذلان المرتبط كذلك بالخذلان في الدنيا وفي المجتمعات. ثم انتقلت الآيات "أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما".
حين يأتي القرآن بأعظم الأقاويل التي افتراها قريش على الله سبحانه وتعالى يبين لي ويؤدبني ويعلمني أن كل الأقاويل كل الافتراءات قابلة لأن تدرس على طاولة الحوار، أن توضع على هذه الطاولة، أن يأتي بها المحاور ويأتي بالأدلة على دحظها ورد تلك المزاعم والأباطل والأكاذيب.
القرآن حين يسجل هذه الأقاويل ويأتي بها في صلب آياته وسوره يعلم الإنسان أن يحاور، يعلم الإنسان كيف يدافع عن هذا الذي يؤمن به، يعلم الإنسان كذلك أن قضية العقيدة والإيمان بالله سبحانه وتعالى قضية قبلها المنطق والعقل السليم وأن الاحتجاج بأن أنا إنسان عقلي وعقلاني ومنطقي وكذا وبالتالي لا أؤمن بوجود إله قضية لا قيمة لها أبداً حيث أن القرآن يأتيني هنا بالحجاج المنطقي والأدلة العقلية.
"أفأصفاكم ربكم بالبنين" مستنكراً على قريش ما كانت تزعمه وتدعيه وتقول بأن الملائكة من الإناث وأنهم حاشا لله بنات لله سبحانه وتعالى قال "إنكم لتقولون قولا عظيما" على أي أساس تقسمون هذه القسمة تريدون البنين وتفضلون أن يأتيكم وأن يرزقكم بالبنين وأنتم تزعمون أن لله الإناث على أي أساس على الرغم من أن هذه الحجة وهذه القضية قضية باطلة.
قال "إنكم لتقولون قولا عظيما" علهم يرجعون عن ما في داخلهم من سفاهة وتفاهة في التفكير.< والتصريف في القرآن بمعنى أن يأتي بالقضية ومختلف جزئياتها تصريف، أنت حين تقول صرف لي هذه العملة أو هذا الدينار إلى أجزاء أصغر أصغر أصغر عملات أصغر أصغر ولكن القرآن العظيم وهي كلمة ومفهوم واضح ومستعمل كثيرا في كتاب الله عز وجل حين يقول "ولقد صرفنا في هذا القرآن" وفي آيات أخر يقول صرفنا في هذا القرآن صرفنا للناس من كل مثل.
إذن أعطانا جزئيات الموضوعات المختلفة وهذا تأكيد لذات المعنى الذي كان في بدايات السورة حين وقفنا على صفة القرآن في السورة "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوى" ثم جاء بعدها ببضع آيات بقوله سبحانه "وكل شيء فصلناه تفصيلا" وهنا "ولقد صرفنا في هذا القرآن" إذن القرآن فيه جزئيات مطروحة فيه مسائل فيه أمثال لأجل أي شيء قال ليذكروا.
وما يزيدهم إلا نفورا من صفة هذا القرآن أنه يذكر الإنسان ذكر الإنسان بأي شيء يذكر الإنسان بكل الحقائق التي لا ينبغي أن يشغل عنها ولا أن يشغل بأمرٍ من أمور الدنيا عن هذه الحقائق حقيقة وجوده على الأرض محدودية فترة بقائه على الأرض حقيقة عمله على هذه الأرض كخليفة حقيقة ما أوكل الله إليه من عمل حقيقة ما يدور حوله في واقعه وفي مجتمعه حقيقة طبيعة النفس البشرية وكيف يقوم الإنسان بإصلاحها وتجاوز عيوبها وأخطائها وعثراتها هذا حقائق حقيقة المصير والمآل إلى الله سبحانه وتعالى.
ما في شيء نحن في سورة واحدة من سور القرآن سورة الإسراء وتدبر معي كم قضية عالجها القرآن كم قضية وقضية محورية في حياة الإنسان والمجتمع وليست قضية هامشية قرآن يعالج واقع وحين يعالج ذلك الواقع يأتي لك كذلك بالتفاصيل تفاصيل التي تشكل الإطار العام الذي من خلاله أنت تستطيع أن تفصل هذا الإطار وفق ما أنت تعيش فيه وفق المواقف التي تتعرض إليها قضية المصير قضية في غاية الأهمية قرآن عالجها وعالج مختلف القضايا.
قال "ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا" لأن طبيعة الإنسان أنه ينسى طبيعة الإنسان أن هناك العديد من الأمور قد تغيب عن ذهنه وباله وهو يصارع ويواجه مختلف المواقف الحياتية القرآن يذكره ولذلك القرآن وصف بأنه تذكر ولكن تذكر لمن؟ هل كل النفوس حين تقرأ القرآن أو تستمع إلى القرآن يحدث معها ذاك الانفعال الذي يؤدي إلى التذكر؟ الذي يؤدي إلى استدراك ما فات.
قال "وما يزيدهم إلا نفورا" النفوس التي وقفت موقفا معارضا غير راغبا أبدا في الاستماع إلى القرآن العظيم حاجز نفسي القرآن فصله في سورة الإسراء بعد بعض الآيات الآن ستأتينا الآن تبين لنا لماذا لم يحدث القرآن فعله في حياة وفي قلوب أولئك الكافرين المعاندين الجاحدين وليس فقط كفار قرش في كل زمان بعض المستشرقين على سبيل المثال يقرأ القرآن البعض منهم حتى يحفظ من القرآن أجزاء كثيرة ولكن ما حدث في قلوبهم ولا عقولهم لا تذكر ولا تفطن ولا إيمان ما السبب الإنسان حين يضع حاجزا أقلياً ونفسياً بينه وبين هذا الكتاب القرآن لا يأتي لأنه هو منذ البداية بعناده وجحوده وإصراره وضع ذلك الحاجز الذي أطلق عليه القرآن حجاب أكن كلها حواجز حواجز نفسية حواجز فكرية حواجز أقلية حواجز معنوية أدت إلى أن هذا الإنسان قد يستمع إلى القرآن ممكن يستمع للقرآن بأكمله من الفاتحة إلى سورة الناس ولا يحدث فيه تغير ولا يتأثر فيه وقد يزعم ويقول ويحاجج بالباطل فيقول لماذا أنتم تقولون أن القرآن له تأثير عجيب على نفس من يسمع لماذا أنا لا يؤثر فيه السبب منك السبب من تلقاء نفسك التي آثرت أن لا تستمع آثرت أن لا تقبل على القرآن آثرت أن لا تستفيد من القرآن ولن يحدث فيها القرآن تغيرا.
قال "وما يزيدهم إلا نفورا" لماذا؟ لأنهم نفروا الآيات العظيمة بعدها بكم آية قال "ولوا على أدبارهم نفورا" تدبروا في الآية قال "وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا" وتدبروا في الربط في الآية هذه التي نقول "وما يزيدهم إلا نفورا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا" النفور منهم النفور من تلقاء أنفسهم استحبوا العمى على الهدى استحبوا الضلالة على الهدى استحبوا النفور والإعراض والصد عن الاستماع إلى القرآن استحبوه على أي شيء على الإقبال على القرآن وإحداث التغيير في نفوسهم.
وما يزيدهم إلا نفورا كلما قرأوا كلما استمعوا كلما انتبهوا إلى آيات القرآن لم تحدث فيهم إلا مزيد من النفور مزيد من الأعراض النفور أكثر من الأعراض النفور فيه كراهية الإعراض ممكن يكون فعل إعراض فقط بجسد الإنسان بسمعه ببصره ولكن هؤلاء نفور في فرق بين الإعراض والنفور النفور في شيء نفسي في فعل نفسي في مشاعر نفسية فيها كراهية لما يسمعون إليه من القرآن.
ثم عادت الآيات من جديد لتأتي بالحجاج معهم "قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى أما يقولون علوا كبير" تزعمون أن معه آلهة وأن هذه الآلهة ممكن أن تقربكم إلى الله دعوا هذه الآلهة واتخذوا طرق ووسائل وسبل تتقربون بها إلى الله وهم قد فعلوا هم زعموا في آيات أخر وفي سور ذكرت الآيات "ولا إن سألتهم من خلق السماوات والأرض لا يقولن الله" هم يعترفون بأن الله هو الذي خلقهن إذن ما هذه الأصلام التي تعبدونها قالوا ما نتخذها إلى أصلام إلا لتقربنا إلى الله زلفة تريد أن نتقرب بها إلى الله هي عندها واسطة بيننا هي واسطة بيننا وبين الله عز وجل.
"سبحانه وتعالى أما يقولون علوا كبيرا تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا" وهنا القرآن مع الحديث العقل الذي جاء بصيغة الاستنكار والتوبيخ والاستنكار الشديد على هؤلاء القوم في زعمهم أن مع الله آلهة أخرى في زعمهم باتخاذ الولد مع الله سبحانه وتعالى والشريك معها جاء بنداء الفطر الذي يولد عند الإنسان الإحساس بما حوله النظر فيما حوله ومن أعظم ما يحيط بالإنسان من كل جانب السماوات والأرض.
قال "تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن" وهذه الآية ذكرت كذلك في سور أخرى في كتاب الله عز وجل "وإن من شيء إلا يسبح بحمد" إذن الله سبحانه وتعالى حين يلفت الأنظار إلى خلق السماوات والأرض ومن فيهن من مخلوقات كل شيء من حولنا يسبح الله سبحانه الطير وهي صافة الطير وهي فاردة لأجنحتها في جو السماء الهواء الشجر كل شيء يسبح بحمده سبحانه كل شيء أدرك قدرة الله سبحانه وتعالى مما حولنا إلا هذا الإنسان "ولكن لا تفقهون تسبيحهم" أنتم لا تفهمون كيف تسبح هذه المخلوقات لله سبحانه وتعالى بما علمها الله وبما أوحى إليها "وإذ أوحى ربك إلى النحل أن اتخذ من الجبال بيوتا" ألهمها ألهمها كيف تسبح ألهمها كيف تمشي في حياتها وفق ما أمر الله سبحانه وتعالى بما يقيم الحياة التي تتطلبها وتحتاج إليها من متطلبات بسيطة تتوافق مع ما خلقها الله له ولكن أنتم.
قال "إنه كان حليما غفورا" أعطاكم المهلة أعطاكم الوقت أمدكم بكل شيء لحلمه سبحانه أبواب التوبة مفتوحة أبواب الأوبة والرجوع إليه مفتوحة ما العلاقة بين هذا الربط كلما نظر الإنسان وتفكر في خلق السماوات والأرض وفي الطبيعة من حوله كلما تولد في قلبه إحساسا فطريا يقوده ذلك الإحساس للرجوع إلى خالقه ففتح الباب سبحانه وتعالى قال "إنه كان حليما غفورا" من حلمه ومن حلمه ورحمته ومغفرة أنكم إذا عدتم إليه عاد إليكم بالمغفرة عدتم إليه بالتوبة والإيمان عاد عليكم بالمغفرة سبحانه وتعالى.
تدبروا معي في هذه الآيات حتى في خضم الحديث عن ما يزعمونه من أباطيل وأكاذيب يبقى الله عز وجل برحمته لأنه رب سبحانه وتعالى يبقي الأبواب مفتوحة أمام هؤلاء من العبيد الآبقين.
قال "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا" تدبروا كم مرة ذكر القرآن في سورة الإسراء "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا" تدبروا في الآيات حجاب حاجز يمنعهم من أن يفهموا كلمات القرآن يمنعهم من أن ينفذ نور القرآن إلى قلوبهم ويبقى السؤال مطروحا لماذا؟ ولماذا جعلنا؟ عقوبة الإجابة في نفس الآية قال "الذين لا يؤمنون بالآخرة" أولئك الذين أسقطوا الآخرة من حساباتهم وهم ابتغوا الكفر على الإيمان هم أرادوا الكفر هم ما آمنوا بالآخرة ما العلاقة بين الإيمان بالآخرة والحب في الاستماع لكتاب الله عز وجل أنت؟
كلما حضرت الآخرة في قلبك أكثر كلما زدت تعلقا بكتاب الله لماذا؟ هذا الكتاب هو الذي يعلمك ويحكي لك عن الآخرة هذا الكتاب العظيم يحكي لك عن كل التفاصيل المتعلقة بالآخرة يحكي لك عن مواقفها يحكي لك عن حسابها، يحكي لك عن موازينها، يحكي لك عن كل شيء، يحكي لك عن الصراط، يحكي لك عن الأعمال، يحكي لك عن جنانها، يحكي لك عن صحبتها، عن أسواقها، عن بيوتها، عن قصورها، عن ناسها، عن أهلها، عن درجاتها.
تدبروا كم مرة في سورة الإسراء ذكرة الآخرة. لماذا؟ لأن الإيمان بالآخرة يجدد في قلبك حب هذا القرآن والإقبال عليه وأنت كلما تجدد في قلبك ذاك الحب كلما دعاك إليه أكثر وكلما دعاك الحب للقرآن أكثر إلي كلما زدت تمسكا به قضي ليست فقط نفسية وعاطفية وكلما بدأت تتمسك بهذا القرآن بآياته وتنفذ الآيات إلى قلبك ومسامعك كلما ما استطعت إلا أن تنفذها وتطبقها في واقع الحياة أصبحت تعيش مع القرآن أصبحت تعيش في أجواء القرآن العظيمة فإذا بالقرآن واقعا في حياتك حجابا مستورا أنت بعدم إيمانك بالآخرة هؤلاء الذين لا يؤمنون هم بعدم إيمانهم بالآخرة ماذا حدث جعلوا حجابا بينهم وبين هذا القرآن استحقوا تلك العقوبة للقرآن من أعظم نعم الله عز وجل على العبد أن يعطيه حظا من القرآن ومن أعظم أشكال الخسران في الحياة أن القرآن الكريم المصحف يكون موجودا في بيتك في منزلك على رف المكتب التي أمام عينيك ولا تمتد يدك إليه بالأيام وربما بالأشهر هذا أعظم خسران ليست الخسارة فقط أنك تخسر مالا في تجارة خسارة المال والتجارة والعمل ومشابة ممكن أن تعوض كل فقد ممكن أن يعوض إلا حين تفقد حبك لهذا الكتاب العظيم هذه خسارة كبيرة هذه لا يمكن أبدا أن يعوضها إلا استغفارك وتوبتك وإقبالك مرة أخرى على القرآن العظيم ما ممكن في أي شيء يعوضها إلا أن تستغفر أن تتوب أن ترجع أن تقبل بنفسك وكلك على هذا القرآن العظيم.
قال "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا" عقوبة ضربهم بعقوبة لأجل أي شيء عدم إيمانهم بالآخرة هذا فقط أبدا قال "وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا" يا لها من عقوبة جسيمة ما ذكر أي عقوبة من عدم إقبال الدنيا عليهم ولا من أي شيء من هذه العقوبات التي يضيع الإنسان ويتيه في التفكري فيها كثير من الناس ينظر في قضية العقوبات فقط إلى الجوانب أو النواحي المادية القرآن يذكرني بعقوبات من نوعنا آخر قال "وَجَعَنَّا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً" القرآن يفقه بالقلب ولذلك قال "وَجَعَنَّا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أن يفقهوه" لم يتمكنوا بعد ما بات في قلوبهم شيء للتفكر القلب هو الذي يفقه ويتفكر في كتاب الله عز وجل لهم قلوب لا يفقهون بها لماذا الفقه؟ الفقه دقة الفهم ودقة الفهم ترتبط بالتدبر في كتاب الله بمعنى آخر أنك تريد أن تبحث ما هو الذي يريده ويطلبه القرآن منك حين يخاطبك بهذه الآيات وعاذل بالتدبر أنك تبحث عن مقصد الآيات ماذا تريد هذه الآية أو تلك أن تبني في نفسك ماذا تريد منك أن تفعل ماذا تريد منك أن تحقق "وجعلنا على قلوبهم أكنة" الأكنة الغطاء الغطاء الثخين الغليظ وليس أي غطاء ليس غشاوة غشاوة أقل الأكنة نتيجة لتراكم تلك الغشاوات مرة بعد مرة أصبحت أكن هذه الأكن حالت بينهم وبين أن يفقهوا معاني القرآن العظيم وما فيه من منافع.
تذكروا حين قلنا أو تكلمنا في بدايات السورة قلنا أن السورة تبني مجتمع السورة تحذر وتبين لك السنن والقوانين التي إذا تواجدت أو تواجد البعض منها عليك أن تحذر تدق جرس الإنذار وتفهم أن العذاب والدمار ممكن أن يحل بالمجتمع. فتأخذ حسابك وتعود وتراجع نفسك مرة وعشرة إلى أن تصحح الأخطاء وتستدرك ما فات منك. هذه منفعة. منفعة حقيقية بكل معاني المنفع. فردية ومجتمعية وأسرية واقتصادية. المعاني التي تكلمنا عنها في الحلقة السابقة. حين تكلمنا عن قضية الإنفاق. أنت حين تتكلم تعمل بهذه المنطلقات في حياتك بهذه الآيات ماذا سيحدث في حياتك؟ سيحدث تغيير إيجابي كبير إذن الإنسان حين لا ينتفع بقلبه بالقرآن الكريم هذه عقوبة أنت حين تعيش في مأزل عن النور نور القرآن أنت تعيش في ظلام أنت حكمت على نفسك في أن تعيش بقية العمر في الظلام النور موجود نور القرآن موجود في كل مكان نور القرآن موجود في كل آية من آياته أنت أغلقت العين وأغلقت القلب وأغلقت السمع وأغلقت الفؤاد أنت الذي وقفت حائلا بينك وبين وصول ذلك النور هذه عقوبة شديدة.
قال "وفي آذانهم وقرا" وتدبروا في الربط القلب عليه من الأكنة ما عليه ولذان اللي تسمع بها القرآن أول ما تلتقط كلمات القرآن وقرأ غطاء صمم ما عدت تستمع شيئاً وقر وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده هم يستمعون الالتقاط الأصوات واقع ولكن القرآن هنا لا يحدثني عن الاسماع اللي بالتقاط الكلمات فقط يحدثني عما يوقعه ذلك الاسماء من تذكر وتأثر سماع الإجابة فلأنه لم يقع لأن القلوب عليها أكنة ولأن الآذان فيها وقر ماذا حدث؟
قال "وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدباره النفور" القلب عليه الأكنة والسمع عليه الوقر ماذا حدث بعد ذلك؟ كانت الردة الفعل الطبيعية أنك حين تذكر ربك في القرآن وحده سبحان التوحيد "ولوا على أدبارهم نفورا" هذا مؤشر خطير جدا ولذلك أنت في حياتك تستطيع أن تعرف إذا كان في قلبك شيء من الأكن وفي أذنيك شيء من الوقر أم لا حين تسمع إلى آيات القرآن ماذا تحدث فيك؟ تنفر؟
على سبيل المثال حين تستمع إلى آية تحذرك من الربا وتقول لك بأن أكل الربا وأن من يأخذ الربا ويتعاطى بالربا "فأذنوا بحرب من الله ورسوله" ثم بعد ذلك أنت ترى نفسك لا تقبل على هذه الآية لا تريد أن تستمع لأن واقعك مغاير لهذه الآية فتنفر من القراءة تقول حول حول لو سمعت بعض الأشخاص في زماننا أو بعض الناس إذا جاءت الآيات تتحدث عن الموت على سبيل المثال "قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم" لا شعوريا يقوم من مكانه ينفر لا يريد أن يسمع لماذا لا يريد أن يسمع خرب ما بينه وبين الله عز وجل فأنت تستطيع أن تختبر نفسك أنت تستطيع أن تختبر طبيعة علاقتك مع القرآن من خلال النظر في ما يحدث لك وأنت تنظر وأنت تسمع إلى كتاب الله.
نحن أعلم بما يسمعون به إذ يسمعون إليك وإذ هم نجوة إذ يقول الظالمون "إن تتبعون إلا رجلا مسحورا" لماذا قالوا هذا القول؟ لماذا اعتبروا أن القرآن سحرا وهم يتناجون فيما بينهم يتهامسون فيما بينهم وهم يسمعون إليك شيء عجيب شيء عجيب القرآن وهو يصف دقائق موقف الكفار من هذا القرآن العظيم تفاصيل لأن النجوة يسرون بها ما يبيحون بها ما يجهرون بها ولكن الله سبحانه وتعالى عالم السر والنجوة يسمع سرهم ونجواهم السر عنده علانية سبحانه إذا ليست المسألة أنه مستمعوا مستمعوا إلى الآيات ولكن ما أحدثت إلا النفور وما أحدثت إلا أنهم تقولوا بالأكاذيب على هذا القرآن وقالوا "إن تتبعون إلا رجلا مسحور" هذا السحر.
انظر كيف ضربوا لك الأمثال تدبروا معي كيف القرآن العظيم يطلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على واقع هؤلاء المكذبين بدعوتك انظر كيف ضربوا لك الأمثال "فظلوا فلا يستطيعون سبيلا" تدبروا في الرغض يعطيه قوة ودفع إلى الأمام هؤلاء في ظلال ظلوا فلا يستطيعون سبيلا والإنسان حين لا يجد له في القرآن بصيص هدى قل لي من الذي سيهديه؟ إن لم يكن كلام الخالق الذي خلقه يهديه وينير طريقه وينير بصره وبصيرته فأي نور في الأرض ممكن أن يهديه؟ أي قوانين وأي تشريعات ممكن أن تصلح حاله؟ الإنسان الذي لا تصلحه شريعة الله عز وجل التي جعلها في كتابه وأنزلها في آياته أي شرع يصلحه؟ شرع الناس؟ شرع الناس من أمثاله؟ من أصحاب المصالح والأهواء والشهوات؟ أنت إن لم يصلحك القرآن ما الذي سيصلحه؟ إن لم توقذك آيات القرآن ومواعظ القرآن ما الذي سيوقذك؟ إن لم تحرك فيك ما سكن من مشاعر وعواطف ومحبة لله سبحانه وتعالى فتسبح وتسجد له ما الذي سيحركك؟ إن لم تحركك هذه الآيات العظيمة إن لم يحركك تسبيح السماوات والأرض ومن فيهن ما الذي سيحركك؟ إن لم تحركك هذه الآيات بما حملت من مواعد وتذكرة فما الذي سيذكرك؟ ما الذي سيذكرك؟ تدبروا في القرآن كيف يطلب ويدعوا الناس إلى القدوم إليه والإقبال عليه؟ بطريقة غير مباشرة كيف ضربوا لك الأمثال؟ "فظلوا فلا يستطيعون سبيلا" وليس بعد الهدى إلا الظلال الطريق واضح؟ ولكن عندما لا يبتغي الإنسان طريق الهدى ظل في دروب الحياة وظل على فكرة هنا ليس فقط متعلقة بالآخرة أبدا الظلال الذي يحدثني عنه القرآن هنا في هذه الآيات ظلال في كل سبل الحياة ظلوا في الاقتصاد ظلوا في الأسرة ظلوا في الإعلام خُربت نفوسهم خُربت بيوتهم خُربت أسرهم خربت مجتمعاتهم خربت لماذا خربت؟ بسبب الظلال "فظلوا فلا يستطيعون سبيلا" لا يستطيعون طريقا للهدى إنسان حين يظل حين يظل عن الله سبحانه وتعالى يتخبط في كل شيء في حياته ولا قرار من قرارات حياته ممكن أن يتخذه ويكون صائبا ويصب في مصلحته إنسان إذا لا يعرف مصلحته إذا ما كان يعرف ما الذي يصلح دنياه وآخرته فأي مصلحة بقيت له؟ إذا ما عرف كيف يصلح الآخرة التي هي مستقبل حياته مستقبل هذا المستقبل فكيف له أن يكون مهديا بهذا الشكل؟
ثم بعد ذلك انتقل القرآن إلى شيء آخر من أكاذيبهم وأباطيلهم وقالوا "أإذا كنا أظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا" مستنكرين متعجبين كيف الله سبحانه وتعالى بعد أن يكون هؤلاء أظام رفات وبعض منهم فت جاء بعض من يابس وفته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له يا محمد أتزعم أن ربك سبحانه وتعالى قادر على أن يحيي هذا بعد الموت بعد أن صار تراب "أئنا لمبعوثون خلقا جديدا".
"قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم" تحدي ماذا تريدون أن تكونوا؟ كونوا حجارة كونوا حديد كونوا أي شيء تريدون أن تكون "فسيقولون من يعيدنا؟" متعجبين مستغربين ما الذي سيعيدنا من جديد؟ الذي فطركم أول مرة الذي خلقك من تراب الذي خلقك من نطفة من ماء مهين هو على الإعادة أقدر الذي خلقك من العدم قادر على أن يعيدك قال "فسينغضون إليك رؤوسهم" تدبروا في الكلمة وتدبروا في الإيحاء باختيار اللفظة والكلمة "فسينغضون إليك رؤوسهم" خدلانا ومذلة لأن العقل لو فكر بهذا الطالق القرآن يسوق العقل كلام سياق عقلي سياق منطقي أنت تستكثر على الله سبحانه وتعالى أن يعيدك بعد الموت أيهما أقوى وأشد أن يعيدك بعد الموت أم أن يخلقك أول مرة.
"فسينغضون إليك رؤوسهم" لا جواب لديهم لا جواب وليست هذا فقط هذه المواقف ليست مواقف قريش فقط في وقته وزمانه هذا مواقف أي واحد مكذب أو معاند أو جاحد سل ماذا يحدث لك بعد الموت سل واجهه بالحقائق إذا كنت تقول أنه لا خالق أنت تقول بأنه لا خالق في ناس يقولون اليوم لا خالق ما الذي صورك ما الذي أبدعك أنت الآن طاولة تراها أمام عينيك من خشب ولا من حديد تسأل أين صنعت وكيف صنعت ومن الذي صنعها تسأل عن بلد المنشأ وأنت بكل قواك بكل أحاسيسك بكل تعقيداتك بكل أجهزتك المعقدة المنظمة التي تسير وفقه نظام محدد متوازن يعجز الإنسان عن وصفه بل ينفق الإنسان من الطبيب إلى الكيمياء إلى الفيزياء إلى الأحياء إلى كذا أمره وهو يفصل ويبحث واصفا فقط لك الأجهزة المختلفة في الجسم فقط وصف وكيف تعمل ولماذا تعمل وماذا يحدث إذا توقف هذا وما يحدث وصف فقط فما بالك بالخلق كيف الذي فطركم أول مرة "فسينغضون إليك رؤوسهم" ولكن هل هذا سيجعلهم ويقودهم إلى الإيمان لا "ويقولون متاه" قل عسى أن يكون قريبا في نوع من أنواع التمادي في نوع من أنواع عدم الرغبة في قبول الحق يرونه بعيدا يوم القيامة ونراه قريبا فالشيء طبيعي يقولون متاهو قل عسى أن يكون قريبا واقع وكل ما هو آت قريب ويوم القيامة آت نحن شئنا أم أبينا كل صباح وكل مساء وكل ساعة نحن نقترب من يوم القيامة أعمارنا تقربنا من يوم الأيام التي نمضيها ونقضيها على هذه الأرض سوقا رويدا رويدا نحو يوم القيام.
"يوم يدعوكم فتسجبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليل" تدبروا في الكلمة اليوم لا تسجبون إنه يدعوكم ولكنكم ما استجبتم في الدنيا يوم القيام لا تملكون إلا أن تسجبوا "يوم يدعوكم فتسجبون بحمده" وأين الحياة التي قضيتموها؟ وتقولون وتظنون إن لبثتم إلا قليلا كل الدنيا التي عشتموها كل الأيام والسنوات التي قضيتموها على الأرض قليلا في حساب الزمن قليلا في حساب يوم القيامة لماذا القرآن العظيم يأتيني بهذه الكلمة هنا؟ ليبين مرة أخرى ويستجيش مشاعر هؤلاء وعواطفهم أن ما تمر به أنت من أحداث في الحياة قليلة في عمر الزمن قصيرة محدودة الدنيا بكل المقاييس محدودة محدودة الأجل قياسا بالآخرة فإذا كانت هي محدودة ومصيرها إلى الزوال كيف أنت تترك الباقي غير المحدود وتتمسك بهذا الفاني العاجل المحدود كيف تريدون العاجلة وتنسون الآخرة كيف؟ كلام غير منطقي الدنيا في حسابات الزمن محدودة كم سنة ستعيش فيها؟ مئة سنة؟ حتى لو فرضنا أنها مئة سنة قليلة محدودة "إلا بثتم إلا قليلة" وتدبر في اختيار اللفظة لماذا؟ لأن الدنيا رحلة سفر لبثت مكثت فيها أنت ما أقمت الآخرة هي دار الإقامة أنت ما أقمت الدنيا ليست دار إقامة ولذلك القرآن العظيم يستعمل معها كلمة لبثة لأن أجل محدود قصير في حسابات الزمن الفعل لبثة لأن لبث قليل هذه المعاني العظيمة التي تؤسس السورة لأجل أي شيء لأجل أن تعلم كيف تستقيم الحياة لأجل أن تكون هذه القيم وهذه المبادئ من الإيمان بالآخرة دافعا لك لأن تقبل على القرآن ولا شيء كالقرآن يهديك ويصلح حالك ويغير معالات أفعالك ويجعل من الحياة ومن نظرتك الحياة نظر مختلفة تماما ومغايرة لكل ما يمكن أن يكون عليه الإنسان فيصلح واقعه ويستدرك ما فات من عمره وأيامه ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويرجع إليه ويصحح واقعه الذي يعيش فيه مستذكرا مستيقنا مستحضرا أن دار إقامته في الآخرة وليس في الدنيا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته