د.رقية العلواني

جميع البحوث

ولاية الشراكة في الزواج

السراج المنير

مجلة علمية محكمة نصف سنوية تصدر عن رابطة علماء ليبيا

العدد (3)

شوال 1437 هـ يوليو 2017م www.Liyaolama.org الهاتف: 00218925014821

المشرف العام أ.د. عمر مولود عبد الحميد

رئيس التحرير د. علي سليمان الزوبي

رقم الإيداع (2017/57 دار الكتب الوطنية)


قراءة تحليلية مقاصدية في ولاية الشركة في عقد الزواج

د/ رقية طه العلواني أستاذ مشارك بجامعة البحرين

مقدمة

تحتل الأعراف والظرفية الزمانية والمكانية حيزا واسع النطاق في مجال الأحكام والتنظيمات البشرية. وعلى هذا راعت الشريعة الإسلامية أعراف الناس وظروف معيشتهم وتغير أحوالهم وبيئاتهم، كما راعت ظروف المكلفين وأحوالهم، فجاءت أحكامها بعيدة عن المثالية والتنظير، أقرب ما تكون إلى الواقعية والتوازن.

إلا أنها حددت الإطار العام الذي لا ينبغي أن تتجاوزه تلك الأعراف البشرية مهما بلغت درجة قوتها في النفوس والمجتمعات. فأبقت على الأعراف الموافقة لتعاليم الشرع وابتنت على بعضها الأحكام، وأبت على ما خالف الشرع بحكمة وروية وتبصر.

كما ترك الشارع الحكيم للناس الحرية في الحكم على الكثير من عاداتهم وأعرافهم في إطار ما وضع من ضوابط وشروط لقبول أي عرف أو رده، ومن هذا القبيل ما تعارف عليه العلماء فيما بينهم من الشروط العامة لقبول الأعراف من عدم مخالفتها للنصوص الشرعية القطعية، وأن تكون منشئة قبل ورود حكم الشارع... الخ ذلك من شروط بسطها العلماء في مؤلفاتهم عن العرف.

وتعد مسألة الولاية في عقد النكاح (التي تتناولها هذه الدراسة) من قبيل القضايا التي تدخل فيها وتتباين أعراف المجتمعات وظروف الناس وأحوالهم ومجتمعاتهم بدرجات متفاوتة. الأمر الذي يستدعي من المجتهدين المعاصرين والباحثين اليوم، الاهتمام بذلك ودراسته بتجرد وواقعية لتفهم مناط الحكم في الولاية والتأكد من كيفية تحقيقه في الواقع ضمن الفهم المقاصدي والمالي للولاية في مؤسسة الأسرة. كما يستدعي الأمر الاهتمام بمآلات تلك الأحكام وتطبيقاتها كما كان يفعل كثير من الفقهاء الأفذاذ في عصورهم ومجتمعاتهم.

وتتجلى أهمية هذا النوع من القراءة والتحليل من ناحية تأثر الكثير من الأحكام الاجتهادية والآراء الفقهية بمقتضيات الخلفيات العرفية والإسقاطات البيئية، بما يحتم إعادة النظر والتمييز بين ما يقوم من أحكام على العرف وما يكون ثابتا غير قابل للتغير وفق تغير الأعراف من جهة وبين مآلات ذلك كله ضمن المناخ العام والمستجدات المتسارعة وعلى بصيرة من مقاصد التشريع فيما يتعلق بأحكام الأسرة وفقهها.

إذ إن إغفال النظر في ذلك أو التساهل في شيء منه، يمكن أن يسوق إلى الوقوع في إشكاليات اجتماعية ومفاسد أسرية تصادم مقاصد التشريع وطبيعتها المبنية على فهم الواقع.

من هنا تأتي أهمية هذه الورقة فمسألة الولاية في عقد النكاح يتم طرحها اليوم في خضم مستجدات واسعة النطاق؛ منها ما يتعلق بطبيعة العلاقات الأسرية، ومنها ما يتعلق بظرفية البيئة والمجتمع الذي يعيش فيه المكلف إلى غير ذلك من أمور ومستجدات.

الأمر الذي يضع على كاهل الباحث في هذه المسألة ومثيلاتها محاولة الخروج بقراءة تحليلية مقاصدية تروم الوقوف على المآلات والنتائج المتوقعة التي يمكن أن تترتب على تنزيل هذا الحكم الفقهي أو ذاك في ضوء فهم تحقيق مناط الحكم في الواقع المتنوع المتعدد الإشكاليات والاحتياجات وكيفية تنزيله ومقاصد التشريع في ضوء الأدلة الواردة في المسائل من الكتاب والسنة الصحيحة وفهمها.

حيث إن تغييب هذه الأبعاد عند النظر في ذلك يمكن أن يصبح مدعاة للعبث بالأحكام الشرعية من قبيل سوء الفهم أو خلل التنزيل وزيغ التطبيق ومن ثم إقصاء وتغييب مقاصد الشرع فيها.

فالفقه جهد بشري يروم معالجة الواقع المختلف إحداثياته وأبعاده المتشعبة، لا تقديم قوالب نمطية جاهزة يتم تطبيقها وتنزيلها في مختلف البيئات والأحوال وواقع المكلفين وأحوالهم والمآلات المترتبة على تركيبها في هذا المجتمع أو ذاك دون استيعاب ذلك بالدراسة الواقعية والمعالجات التطبيقية الجماعية.

وقد تناولت الورقة ولاية الشركة في عقد النكاح ضمن الإطار المصطلحي المفاهيمي، والإطار الفقهي ومناط الحكم فيه، والإطار المقاصدي المالي للخروج بمقترح للمعالجة وفق المحصلة النهائية لذلك التقصي والتتبع. والله من وراء القصد.

أولا: الإطار المصطلحي والمفاهيمي للولاية:

الولاية في اللغة: مأخوذة من الفعل الثلاثي (ولي) يقال: ولي الشيء وولي عليه ولايةً ووِلاية، والواو واللام والياء: أصل صحيح يدل على القرب والدنو، يقال: تباعد بعد وَلْي، أي: قُرْب، وجلس مما يليني، أي: يقاربني.²

والوَلاية بفتح الواو، بمعنى النصرة، والتولي، ومنه قوله تعالى: ﴿مَا لَكُم مِّن وَلَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ﴾³، وبكسرها: السلطان والخطة والإمارة والملك والبلاد التي يتسلط عليها الوالي، أو الفتح للمصدر، والكسر للاسم؛ لأنه اسم لما توليته وقمت به في الأمور.⁴

يقول ابن الأثير رحمه الله: "وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي".⁵

والولي – فعيل- بمعنى فاعل، من ولِيه: إذا قام به، وتولى أمره، وأعانه، ونصره وأحبه، ومنه قوله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ أي: نصيرهم وظهيرهم ويتولاهم بعونه وتوفيقه.⁶

يتبين مما سبق أن مصطلح الولاية في اللغة يرجع إلى معان كثيرة، من أهمها: الحب، والنصرة، والسيادة، والقدرة، والتدبير، فهي كلمة تستعمل فيما يحتاج إلى تدبير وقدرة وعمل ناشئ عن نصرة سببها معتبر، كالقرب والمحبة والحلف ونحو ذلك.

أما في الاصطلاح: فقد اختلفت التعاريف ولعل من أشهرها ما جاء في موسوعة المفاهيم: القدرة على مباشرة التصرف من غير توقف على إجازة أحد. وهي سلطة شرعية تجعل لمن تثبت له القدرة على إنشاء العقود والتصرفات وتنفيذها بحيث تترتب آثارها الشرعية عليها بمجرد صدورها.⁷

والولاية على نوعين؛ ولاية قاصرة، وولاية متعدية. فالولاية القاصرة هي: قدرة الشخص شرعا على إنشاء التصرف الصحيح النافذ على نفسه. والولاية المتعدية هي قدرة الشخص شرعا على إنشاء التصرف الصحيح النافذ لغيره. والولاية المتعدية أيضا قسمان: ولاية على المال، وولاية على النفس. والولاية على الزواج هي من باب الولاية على النفس.

والولاية على النفس: سلطة يملكها الولي على المولى عليه؛ تخوله الحق في تزويجه، وتأديبه، وتعليمه، وتطبيبه، والعناية به في كل ما تحتاجه نفسه مادام تحت الولاية شاء المولى عليه ذلك أم أبي، وذلك توفيرا لمصلحة المولى عليه نفسه.⁸ فيدخل فيها الولاية الخاصة بالزواج.

ومن الملاحظ على كثير من التعاريف استعمال لفظة سلطة، والبعض يؤكد أنها سلطة شرعية والبعض يكتفي بالقول بأنها سلطة تمكن صاحبها من مباشرة العقود وترتب آثارها عليها دون توقف على إجازة أحد.

في حين أن القرآن الكريم يقف موقفا حاسما ضد التسلط بكل أنواعه وأشكاله وعلى هذا جاءت لفظة الولاية بخلاف مصطلح السلطة، لما يضفيه من إسقاطات لمعاني التسلط واستعمال القوة، فالأشبه بروح الإسلام هو اصطلاح الولاية؛ لما فيها من معاني الرعاية والاهتمام والتوجيه.

وهذا المعنى المتقدم ينسحب انسحابا كليا على مقصود الولاية الخاصة، إذ هي في الحقيقة أشد حاجة – من الوظيفة العامة – إلى معاني الاهتمام والرعاية والتوجيه لأجل قوة سببها، إذ أن "الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة".⁹ وعلى هذا تنبه العديد من المعاصرين لضرورة التفرقة والدقة في استعمال اللفظة، فمصطلح الولاية يتضمن القدرة والتدبير على نحو يشمل النصح لها وتحقيق مصالحها وحاجاتها والرفق بها.¹⁰

من هنا تؤكد الدراسة أهمية الاهتمام بمعاني الرعاية والنصح والمشورة وتضمينها في تعريف الولايات الخاصة تحديدا ومنها الولاية في عقد الزواج وكذا العامة.

أما مفهوم الولاية في القرآن فهو من المفاهيم الشائعة في القرآن الكريم وتدور معانيه حول:

  • الصاحب من غير قرابة كما في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا﴾ سورة الكهف / 17. يعني صاحبا مرشدا.
  • الولي يعني القرابة كما في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ سورة فصلت/ 34. يعني قريبا.
  • الولي يعني العون والنصير كما في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ سورة محمد / 11.
  • الولي يعني الناصح كما في قوله تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ آل عمران: 28. يعني في النصيحة.

وهنا يتضح أن الولاية ترتبط بسلسلة من المفاهيم الإيجابية الأخرى: إيمان، نصرة، محبة، قرب، عون، نصح، حماية، كفاية. من هنا جاء قوله ﷺ: «ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الأعظم الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم والخادم راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»¹¹.

والحديث استعمل مصطلح الرعاية الواسع الذي يتضمن الولاية والمسئولية بأبعادهما المتعددة بحسب الموقع المناط بالفرد وفق فهم معنى الجماعية المأمور به شرعا لا وفق مفهوم الفردية والاستبداد بالرأي المرفوض شرعا وعرفا. فدل الحديث دلالة ظاهرة على وجوب قيام كل فرد من أفراد المجتمع بالأعمال المنوطة بعنقه، وأنه مسؤول عن ذلك – حفظ أم ضيع – سواء أكانت مسؤوليته عامة أم خاصة، كبيرة أم صغيرة. والسبب – في كل ما تقدم – أن المقصود من الولايات جميعا، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحكيم كتاب الله وسنة رسوله ﷺ في الأمور كلها صغيرها وكبيرها، وإيجاد مجتمع يكون فيه أصحاب الولايات – مهما كبرت أو صغرت – أسوة حسنة لمن ولاهم الله أمرهم، فتراهم يحرصون على أن يؤدوا واجبهم أكثر مما يحرصون على طلب حقوقهم. ينظرون إلى الولاية على أنها تكليف لا تشريف، ويبتهلون إلى الله أن يسددهم ويعينهم على تحمل العبء الملقى على عاتقهم، وهكذا يتكون المجتمع الصالح، الذي ينشده الإسلام¹².

وعن معقل بن يسار قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» رواه البخاري. وهو أمر يشير إلى مسألة في غاية الأهمية أن الولاية في القرآن سلسلة من الالتزامات والوظائف والواجبات وليست مجرد سلطة أو قدرة على تنفيذ أو نفاذ أمر معين. الأمر الذي يترتب عليه أهمية تضمين تعريف الولاية لتلك المعاني من خلال دورها الوظيفي أولا ومن ثم تضمينه صلاحيات بحكم الدور وعلى أساس اعتباره والقيام به.

ومن الأولى أن تظهر تلك المعاني في تعريف الولاية في عقد النكاح لئلا يقع اللبس والتوهم بأن تلك الولاية تشريع لانفراد الولي بالرأي في عقد الزواج وإنفاذه، لما لهذا الفهم من مغايرة لواقع الحكم الشرعي ومقاصده.

وهنا يأتي دور التنشئة الاجتماعية تلك العملية التي يتحول بها الإنسان من فرد إلى شخص يكتسب الصفات الحضارية والاجتماعية ويفهم الأدوار الاجتماعية المطلوبة ويتكيف مع ثقافته وبيئته¹³. إذ ينبغي الاهتمام بتوجيه مفاهيم الولاية والرعاية والتواصل داخل الأسرة منذ فترات الطفولة المبكرة من خلال التنشئة الاجتماعية السليمة، فالأسرة هي المحضن الأول الكفيل بنقل الأوامر والقواعد المثالية للضبط الاجتماعي إلى الأبناء وتعليمهم ما يتوقع منهم في المواقف الاجتماعية المختلفة وتشكيل علاقاتهم الاجتماعية¹⁴، حتى تصبح الولاية في الأسرة مكونا وظيفيا أساسيا يقوم به الأفراد ويحكم علاقاتهم الأسرية كافة، فكل يرعى الآخر لتصبح الأسرة أول وأهم دار رعاية في المجتمع والأمة، يمارس الأفراد من خلالها كافة أشكال التكافل والتكامل في ظل غياب مفاهيم التسلط والصراع والأثرة المنهي عنها شرعا.

والولاية عند الفقهاء على نوعين؛ ولاية اختيار وولاية إجبار. أ - ولاية الإجبار: وهي الولاية الكاملة لأن الولي يقوم بإنشاء عقد الزواج دون أن يشاركه فيه أحد وهي تثبت كما اتفق عليه جمهور الفقهاء على الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة وزاد على ذلك الشافعي والإمام مالك وأحمد بن حنبل على أن البكر حتى ولو كانت بالغة فتكون عليها ولاية الإجبار مادامت لا تزال بكرا ويسميها البعض ولاية الاستبداد¹⁵. وهي خارج محل هذه الدراسة لما سيأتي بيانه فيما بعد.

ب - ولاية الاختيار (الاستحباب): وهي الولاية التي تثبت على المرأة البالغة، العاقلة الثيب لما ذهب إليه الجمهور. في حين الحنفية ذهبت إلى أن المرأة البالغة الراشدة العاقلة لا ولاية عليها وتبرم عقد زواجها بنفسها وبعباراتها ويستحب أن يتولى وليها ذلك فقط وأن يكون راضيا بذلك واستبدلت الولاية بشرطين يجب أن تراعيهما الفتاة البالغة العاقلة التي تريد التزوج وهما الكفاءة ومهر المثل وأعطى للولي حق المطالبة بفسخ العقد إذا تزوجت الفتاة بمن هو غير كفء لها وإذا كان العقد بأقل من مهر المثل جاز له المطالبة برفع المهر إلى غاية مهر المثل وإلا طالب بفسخ العقد. وتعني هذه الولاية اشتراك الولي وموليته في الرضا بالزواج. فلا ينفرد الولي ولا يستبد بتزويج موليته كما في ولاية الإجبار، بل لابد من رضا موليته وإذنها في الزواج، ولا تنفرد هي بالعقد، بل الولي هو الذي ينشئ بعبارته عقد الزواج عليها على أساس التراضي بينهما¹⁶. وولاية الاشتراك الأخيرة هذه هي محل هذه الدراسة.

ثانيا: الإطار الفقهي للولاية في عقد النكاح وتحقيق المناط

اختلف الفقهاء قديما وحديثا في مسألة الولاية في عقد النكاح. ولن تقف الدراسة عند تفاصيل ومناقشة الآراء المختلفة والردود عليها ما بين القائلين بركنية أو اشتراط إذن الولي والقائلين بجواز مباشرة المرأة لعقد النكاح بنفسها. فقد وقفت العديد من الدراسات السابقة عند ذلك لتنتهي بترجيح أحد القولين على الآخر. ولم تقف الورقة عند هذه الجزئية التي أُشبعت بحثا وتأليفا لتنتهي بترجيح أحد القولين على الآخر. فالدراسة تروم محاولة الخروج برؤية تحليلية للمسألة من غير إعادة تدوير ما أشبع سابقا دراسة ومراجعة¹⁷. ولذا سيتم الاكتفاء بطرح خلاصة تلك الأقوال كما أوردها ابن رشد الحفيد حين ذهب إلى القول أن سبب الاختلاف في الولاية راجع إلى أنه لم تأت آية ولا سنة هي ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح فضلا عن أن يكون في ذلك نص. بل الآيات والسنن التي جرت العادة بالاحتجاج بها عند من يشترطها هي كلها محتملة. وكذلك الآيات والسنن التي يحتج بها من يشترط إسقاطها هي أيضا محتملة في ذلك والأحاديث مع كونها محتملة في ألفاظها مختلف في صحتها إلا حديث ابن عباس وإن كان المسقط لها ليس عليه دليل – أي لا يحتاج إلى دليل – لأن الأصل براءة الذمة.

ثم بدأ ابن رشد في سرد أشهر ما احتج به القائلون باشتراطها وهم الجمهور ومن خالفهم من الحنفية في عدم اشتراطها. فمن أظهر ما يحتج به من الكتاب من اشترط الولاية قوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ سورة البقرة: 232. قالوا: وهذا خطاب للأولياء ولو لم يكن لهم حق في الولاية لما نهوا عن العضل، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ سورة البقرة: 221. قالوا وهذا خطاب للأولياء أيضا. ومن أشهر ما احتج به هؤلاء من الأحاديث ما رواه الزهري عن عروة عن عائشة  قالت قال رسول الله ﷺ: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاث مرات، وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له»¹⁸.

ثم يواصل ابن رشد في الحديث عن أدلة المخالفين لهم بقوله: وأما ما احتج به من لم يشترط الولاية فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ سورة البقرة: 240، قالوا وهذا دليل على جواز تصرفها في العقد على نفسها. قالوا وقد أضاف إليهن في غير ما آية من الكتاب الفعل فقال: "أن ينكحن أزواجهن" وقال "حتى تنكح زوجا غيره" ومن السنة حديث ابن عباس  المتفق على صحته وهو قوله عليه الصلاة والسلام «الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها»، وبهذا الحديث احتج داود في الفرق عنده بين الثيب والبكر في هذا المعنى فهذا مشهور ما احتج به الفريقان من السماع.

ثم خلص ابن رشد بعد أن ساق مختلف الأدلة للفريقين وناقشها أن: (الذي يغلب على الظن أنه لو قصد الشارع اشتراط الولاية لبين جنس الأولياء وأصنافهم ومراتبهم، فإن تأخر البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فإذا كان لا يجوز عليه، عليه الصلاة والسلام تأخير البيان عن وقت الحاجة وكان عموم البلوى في هذه المسألة يقتضي أن تنقل اشتراط الولاية عنه ﷺ تواترا أو قريبا من التواتر ثم لم ينقل، فقد يجب أن يعتقد أحد أمرين: إما أنه ليست الولاية شرطا في صحة النكاح وإنما للأولياء الحسبة في ذلك، وأما إن كان شرطا فليس من صحتها تمييز صفات الولي وأصنافهم ومراتبهم، ولذلك يضعف قول من يبطل عقد الولي الأبعد مع وجوب الأقرب)¹⁹.

وللحنفية في استقلال المرأة بالولاية سبع روايات: روايتان عن أبي حنيفة: تجوز مباشرة البالغة العاقلة عقد نكاحها ونكاح غيرها مطلقا إلا أنه خلاف المستحب، وهو ظاهر المذهب، رواية الحسن عنه: إن عقدت مع كفء جاز ومع غيره لا يصح، واختيرت للفتوى لما ذكر أن كم من واقع لا يرفع وليس كل ولي يحسن المرافعة والخصومة ولا كل قاض يعدل، ولو أحسن الولي وعدل القاضي فقد يترك أنفة للتردد على أبواب الحكام واستثقالا لنفس الخصومات فيتقرر الضرر فكان منعه دفعا له. وعن أبي يوسف ثلاث روايات: لا يجوز مطلقا إذا كان لها ولي، ثم رجع إلى الجواز من الكفء لا من غيره، ثم رجع إلى الجواز مطلقا من الكفء وغيره. وروايتان عن محمد: انعقاده موقوفا على إجازة الولي إن أجازه نفذ وإلا بطل إلا أنه إذا كان كفئا وامتنع الولي يجدد القاضي العقد ولا يلتفت إليه، ورواية رجوعه إلى ظاهر الرواية. فانتهى الخلاف إلى اتفاق الثلاثة على الجواز مطلقا من الكفء وغيره، وهو ما ذكره السرخسي²⁰.

ولابن تيمية رحمه الله كلام نفيس في المسألة، قام من خلاله بتحليل الأبعاد الاجتماعية في مسألة إجبار المرأة على الزواج بمن لا تريد وفق رغبة الولي وهوى نفسه ومصالحه الشخصية، بقوله: "وإذا رضيت رجلا – أي المرأة –، وكان كفؤا لها، وجب على وليها – كالأخ ثم العم – أن يزوجها به، فإن عضلها أو امتنع عن تزويجها زوجها الولي الأبعد منه أو الحاكم بغير إذنه باتفاق العلماء، فليس للولي أن يجبرها على نكاح من لا ترضاه، ولا يعضلها عن نكاح من ترضاه إذا كان كفؤا باتفاق الأئمة، وإنما يجبرها ويعضلها أهل الجاهلية والظلمة الذين يزوجون نساءهم لمن يختارونه لغرض، لا لمصلحة المرأة، ويكرهونها على ذلك، أو يخجلونها حتى تفعل، ويعضلونها عن نكاح من يكون كفؤا لها لعداوة أو غرض، وهذا كله من عمل الجاهلية، والظلم والعدوان، وهو مما حرمه الله ورسوله ﷺ، واتفق المسلمون على تحريمه، وأوجب الله على أولياء النساء أن ينظروا في مصلحة المرأة، لا في أهوائهم كسائر الأولياء والوكلاء ممن تصرف لغيره، فإنه يقصد مصلحة من تصرف له، لا يقصد هواه، فإن هذا من الأمانة التي أمر الله أن تؤدى إلى أهلها فقال: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)²¹.

والناظر في كلام ابن تيمية رحمه الله، يدرك كيفية فهمه للاجتهاد في المسألة في ضوء فهم عميق لمقاصد التشريع فيها، وقراءة لواقع ما يحدث من قبل بعض الأولياء وتأثرهم بعوامل نفسية واجتماعية مختلفة. ثم غلب حفظه لمصلحة المرأة والأسرة – فهي الأساس – من خلال تأكيد قيمة التراضي في الزواج، وضرورة بناء الأسرة على أساس من التفاهم والمشورة لا الإجبار من قبل بعض الأولياء لمصالح شخصية. كما أضاف رحمه الله فهما ثاقبا لصفة الأمانة التي ينبغي أن يتحلى بها الولي. تلك الصفة التي تسلب منه الولاية والقيام بها في حال انعدامها أو تخلفها لديه.. كل ذلك في سياق قراءة فقهية واقعية مقاصدية، تعالج المسألة ببعدها الأسري الاجتماعي.

أما ابن قيم الجوزية فقد خلص بعد أن ساق الأدلة لكلا الفريقين – في سياق ذكر أحكام وأقضية النبي ﷺ في النكاح وتوابعه – إلى أن: (موجب هذا الحكم أنه لا تجبر البكر البالغ على النكاح، ولا تزوج إلا برضاها، وهذا قول جمهور السلف، ومذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه، وهو القول الذي ندين الله به، ولا نعتقد سواه، وهو الموافق لحكم رسول الله ﷺ وأمره ونهيه، وقواعد شريعته، ومصالح أمته. أما موافقته لحكمه، فإنه حكم بتخيير البكر الكارهة، وليس رواية هذا الحديث مرسلة بعلة فيه، فإنه قد روى مسندًا ومرسلًا. فإن قلنا بقول الفقهاء: إن الاتصال زيادة، ومن وصله مقدم على من أرسله، فظاهر وهذا تصرفهم في غالب الأحاديث، فما بال هذا خرج عن حكم أمثاله، وإن حكمنا بالإرسال كقول كثير من المحدثين فهذا مرسل قوى قد عضدته الآثار الصحيحة الصريحة، والقياس، وقواعد الشرع كما سنذكره، فيتعين القول به. وأما موافقة هذا القول لأمره، فإنه قال: (والبكر تُستأذن، وهذا أمر مؤكد، لأنه ورد بصيغة الخبر الدال على تحقق المخبر به وثبوته ولزومه، والأصل في أوامره ﷺ أن تكون للوجوب ما لم يقم إجماع على خلافه، وأما موافقته لنهيه، فلقوله: «لا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ»، فأمر ونهي، وحكم بالتخيير، وهذا إثبات للحكم بأبلغ الطرق. وأما موافقته لقواعد شرعه، فإن البكر البالغة العاقلة الرشيدة لا يتصرف أبوها في أقل شيء من مالها إلا برضاها، ولا يُجبرها على إخراج اليسير منه بدون رضاها، فكيف يجوز أن يُرِقها، ويُخرجَ يُضعها منها بغير رضاها إلى من يريد هو، وهي من أكره الناس فيه، وهو من أبغض شيء إليها؟ ومع هذا فينكحها إياه قهرا بغير رضاها إلى من يريده، ويجعلها أسيرة عنده، كما قال النبي ﷺ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ» أي: أسرى، ومعلوم أن إخراج مالها كله بغير رضاها أسهل عليها من تزويجها بمن لا تختاره بغير رضاها، ولقد أبطل من قال: إنها عينت كُفْنًا تُحبه، وعين أبوها كفنا، فالعبرة بتعيينه، ولو كان بغيضا إليها، قبيح الخلقة. وأما موافقته لمصالح الأمة، فلا يخفى مصلحة البنت في تزويجها بمن تختاره وترضاه، وحصول مقاصد النكاح لها به، وحصول ضد ذلك بمن تُبغِضُه وتنفر عنه، فلو لم تأت السنة الصريحة بهذا القول، لكان القياس الصحيح، وقواعد الشريعة لا تقتضى غيره، وبالله التوفيق). ثم يقول: (وتأمل قوله ﷺ: «والبكر يستأذنها أبوها» عقيب قوله: «الأيم أحق بنفسها من وليها»، قطعا لتوهم هذا القول، وأن البكر تزوج بغير رضاها ولا إذنها، فلا حق لها في نفسها البتة، فوصل إحدى الجملتين بالأخرى دفعا لهذا التوهم. ومن المعلوم أنه لا يلزم من كون الثيب أحق بنفسها من وليها أن لا يكون للبكر في نفسها حق البتة)²².

والمتأمل في قوله رحمه الله، يتضح له تبصره فيما أشار إليه في فهم مقاصد الشرع في قيام الزواج على الرضى والقبول وأن المصلحة التي ينبغي تغليبها تبدأ بالنظر في مصلحة الفتاة. من هنا كان سَبَبَ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ هُوَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ لأَنهَا حَامِلَةٌ عَلَى الشَّفَقَةِ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا²³. كما يتضح رفضه لفكرة الإجبار في الزواج ومناقضته لمقاصد التشريع فيه ومخالفته لقواعد الشرع والمصلحة التي راعتها في سائر أحكامها.

كما أشار بعض العلماء المعاصرين إلى مسألة سلطان العرف الذي قد يتحكم في قرار الولي فيدفع به إلى الاستبداد باتخاذ قرار يخالف مصلحة الفتاة نظرا لسلطوية الأعراف الحاكمة: "ليس ببعيد، أن يفهم من قوله تعالى: ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ نقيض ما ذهب إليه الجمهور، وهو أن لا "حق" للأولياء في الولاية على عقد زواج مولياتهم، فيكون النهي هنا، مناهضة تشريعية حاسمة، لما كان سائدا من "العرف" الجاهلي الذي كان يخول الأولياء العصبات سلطة التحكم في زواج مولياتهم ومصيرهن، بحيث يحول الولي بين المرأة وبين الزواج ممن ترضاه وتختاره، ولو كان كفؤا، يحول بينهما وفق رغبته وهواه، والعرف يؤيده، دون أن يكون لذلك سبب معقول، غير الأنفة، والكبر، وأخذ العزة بالإثم، وقد يجبرها على الزواج ممن تكرهه، لمصلحة عائدة إليه هو، لا إلى موليته على التحقيق. فاقتلع الإسلام هذا "العرف الجائر" من جذوره، بهذا التشريع العام الملزم الذي يتوجه الخطاب فيه إلى المسلمين عامة، بالنهي أن يكون بينهم "عَضْلُ" أو "منع" للنساء، أن يتزوجن ممن يرغبن في التزوج منه من الرجال، ويرشح هذا المعنى، إسناد النكاح إليهن، لا إلى خصوص أوليائهن، في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم﴾ والأصل في الإسناد – كما أشرنا – أن يكون إلى الفاعل الحقيقي، وبذلك استأصل الإسلام، بهذا التشريع العام الملزم – كما أشرنا – ما كان "مألوفًا" في الجاهلية، أو عرفًا مهيمنا سائدا فيما بينهم، من تحكم الأولياء في مولياتهم، والحجر عليهن في أن يباشرن عقد زواجهن بأنفسهن ممن يرضينه ويخترنه من الأكفاء²⁴.

فالعرف والإسقاطات البيئية وعوامل التنشئة الاجتماعية غير الصحيحة (لبعض الأولياء) البعيدة عن مقاصد التشريع، يمكن أن تلعب دورا خطيرا في مسألة الإخلال بوظائف الولاية من الرعاية والحفاظ على مصلحة المرأة والأسرة. فهنا يأتي دور المجتهد لفهم هذه المعاني الظرفية ومعالجتها بواقع تطبيق الحكم الشرعي القائم على ترشيد الواقع الإنساني والعرف المخالف لتعاليم الإسلام بكل حكمة وتبصر. من هنا كان الحديث في هذه الورقة عن ولاية الشراكة باعتبار كل ما سبق ذكره من أمور تبين أن المراد بالولاية الشركة بين الولي والمرأة لا الإجبار. ولنا أن نتساءل بعد هذا العرض لأقوال بعض العلماء الفقهية في المسألة عن كيفية النظر في ولاية الشركة أو الشراكة في عقد الزواج اليوم، وما هي المستجدات التي تطرح على المجتهدين والباحثين اليوم التعامل مع هذه المسألة ومثيلاتها من القضايا المتعلقة بالمرأة؟.

ثالثا: الإطار الواقعي في تناول مسألة الولاية

يصعب على الناظر في أي قضية تتعلق بوضع المرأة قراءة واقع كافة المجتمعات المسلمة وغيرها من مجتمعات يعيش فيها عدد من المسلمين، من خلال نظرة أحادية – تستبعد أو تُسقط من حساباتها تغير علاقة كثير من المسلمين بأحكام دينهم وطبيعة ممارساتهم الواقعية، وتأثير طبيعة بيئاتهم ومجتمعاتهم على ذلك كله. فواقع المرأة في بعض المجتمعات المسلمة تحكمه العادات والتقاليد التي فقدت مشروعيتها التاريخية على حساب القيم والمبادئ التي جاء الإسلام لتثبيتها وإرسائها. ومما يستدعي الانتباه أن تلك العادات تمارس وتفرض على المرأة باسم الدين والشرع²⁵. وهنا يقع اللبس والخلط بين أحكام الدين من جهة وأعراف الناس من جهة أخرى ولا يعد ثمة فارق واضح بينهما، فالدين هو العرف والعرف هو الدين!. وازدادت الفجوة بين التقاليد والأعراف الاجتماعية من جهة، وبين تعاليم الإسلام الأصيلة المتمثلة في نصوص القرآن الكريم والسنة وممارسات العهد النبوي والراشد من جهة أخرى. وهنا ظهرت كتابات دفاعية قامت بدورها كأغلفة حافظة واقية لتقاليد وأعراف اجتماعية جاء الإسلام أساسا لتهذيبها وترشيدها وإصلاحها. واعتبرت تلك الكتابات أن ذلك الحفظ لهذه التقاليد من قبيل الحفاظ على البقية الباقية من مقومات الهوية الإسلامية المهددة بالضياع. خاصة وأن التيار الوافد استعمل سلاح الهجوم على تلك التقاليد والأعراف باعتبارها جزءا من تعاليم الدين، وأغفل تماما – سهوا أو عمدا – البون الشاسع بين الدين والتقاليد والأعراف السائدة. وإن عملية تبرير هذا الواقع الجائر والأعراف البالية، أمر لا يقره الشرع ولا العقل ولا الواقع، ولن يسهم في تغيير أو تحسين حالة المرأة في مثل تلك المجتمعات. ولا تزال العديد من مظاهر الظلم والهوان تجري على المرأة في مجتمعاتنا باسم الدين، من خلال فهم البعض له فهما مقتطعا – mincing methodology – يناقض أصوله ومبادئه العامة. وإن عملية تغيير وإصلاح تلك الأعراف لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا من خلال الاعتراف بالوجود والواقع الإنساني، وتحكيم منطق القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة في واقع مجتمعاتنا وإصلاحها وفقا لمطالبهما ومقاصدهما العامة. إذ أن الكثير من مظاهر الظلم والإجحاف التي لحقت بالمرأة في المجتمعات المسلمة، كانت من قبيل عادات غريبة دخيلة على المجتمع المسلم، أو من قبيل سوء فهم وتطبيق المسلمين لكثير من نصوص القرآن الكريم والسنة²⁶.

وقد اتخذت مسألة الولاية في عقد النكاح وغيرها كمؤشر على التخلف الذي وصلت إليه وضعية المرأة المسلمة في المجتمعات المسلمة. في حين أن الأمر لم يكن من جراء تعاليم الدين الإسلامي، بل كان من قبيل سوء فهم وتفسير تعاليم الدين لدى البعض، والتراكمات الناجمة عن ذلك. وهنا يظهر لنا واقع آخر للمرأة في بعض المجتمعات لا يقل خطورة عن الأول، جاء في شكل ردود أفعال وتهجم في بعض الأحيان، طالب بمساواة المرأة للرجل في كل الميادين وفقا للنمط الغربي حصرا، وجاء اتهام الدين الإسلامي وتعاليمه بتكريس فكرة الأبوية²⁷ الذي قام في أصل نشأته في الغرب، بدور مضاد للكنيسة ورجالاتها²⁸. فالدعوة إلى المساواة بالمفهوم الغربي حلقة مفرغة، لم يدرك أبعاد الدعوة إليها وتقمصها الداعون إليها في أوساط المجتمعات المسلمة اليوم²⁹. يقول الدكتور أبو سليمان في سياق توصيف هذا الواقع: من المؤسف أن العديد من الكتاب من أبناء الأمة الإسلامية بسبب تلوث ثقافة الأمة وتشوه عقائدها – أخذوا يولون وجوههم نحو الغرب ونمط حياته وعلاقاته المادية الاجتماعية والأخلاقية التي لا مرجعية لها إلا هوى النفس ومن أهم قضايا هذه التبعية هي التبعية بشأن الأسرة، رغم ما يرونه من انفراط عقد الأسرة الغربية، والانحرافات الخطيرة التي تدمرها، حتى أن فوكياما، وهو أحد كبار مفكري الغرب، والذي أصدر كتاب "نهاية التاريخ" نجده يصدر كتابا آخر، وهو كتاب رأس المال البشري الذي ينذر ويحذر فيه كيف أن الأسرة الأمريكية قد انهارت. حتى أن الصبي أمسى يقتل نفسه، ويقتل سواه، وأن العنف في المجتمع ينمو ويزداد بشكل خطير، وزادت الحاجة إلى استيراد المهاجرين لحمل عبء المسنين بسبب تناقص المواليد. وإذا أمعن المفكر في مصدر هذه الأمراض الاجتماعية والأخلاقية المتزايدة يجده في اعتقاد الغربيين أن الذكر والأنثى متماثلان وليسا متكاملين، بمعنى أن اختلاف الجنسين ذكرا وأنثى، إنما هو عبث في الخلق³⁰.

فمنذ أمد وغالب الأدبيات والكتابات المتعلقة بالمرأة تدور حول قضايا متشابهة لا تخرج عن شهادة المرأة، ونصيبها في الميراث، توليها القضاء، مشاركتها في الأعمال العامة والسياسية بشكل خاص، الولاية.. إلى آخر ذلك من أمور استقطبت ولا تزال تستقطب جهود وأقلام الكثيرين من الباحثين المسلمين والمستشرقين. ولم تخرج معظم الأدبيات التي تناولت هذه القضايا، عن زوايا المقارنات والمقاربات وأدبيات الدفاع والتبرير لوجهة نظر الإسلام فيها، مع التركيز على موقع المرأة في الإسلام وحقوقها، وحجم التغيرات العلمية والثقافية الطارئة لإدارة دفة الحوار حولها من جديد، رغبة في التقريب وزيادة في إيضاح منزلة المرأة في الإسلام، ومحاولة رد سيل الشبهات المثارة حولها من قبل الكثيرين. وكانت الممارسات البعيدة عن تعاليم الدين (التي يقع فيها عدد من أولياء المرأة) مدلفا سائغا للطعن في مصداقية وشرعية تلك التعاليم دون أدنى تفرقة أو تمييز بين عرف ودين، وبين تعاليم وتطبيق، وباتت تلك الإساءات شاهد عيان على إهانة الإسلام للمرأة وإهداره لأدميتها وحقوقها، وفرضه للوصاية عليها. يقول السباعي رحمه الله في ذلك: "لا تزال التقاليد في مجتمعنا – وبخاصة في الريف – تكاد تسلب الفتاة حريتها في اختيار الزوج، والأغلب أن يفرض عليها من يريده الأب، أو ترضاه الأم وهي بواقعها كفتاة عذراء تستحي أن تبدي رأيها، وبواقع المجتمع الذي تعيش فيه لا يحق لها أن تعترض على إرادة أبيها وأوليائها وكثيرا ما أخفق الزواج في مثل هذه الحالات، وجر وراءه مآسي كثيرة"³¹. من هنا نجد أن المرأة المسلمة اليوم تقف بين واقعين: الأول؛ يمثل تجاوبا مقيتا مع تحديات المستجدات العالمية في النظام العالمي الجديد سياسيا، وفي العولمة فكريا وثقافيا، وفي تنظيم التجارة العالمية اقتصاديا وصناعيا، وفي ثورة المعلومات والاتصالات بكل الأبعاد السابقة ظهر في تقمص الدعوة إلى مساواة التماثل والتطابق³². الأمر الذي نتج عنه الخلط المتواصل وعدم التمييز بين ممارسات البعض من المسلمين وطروحات بعض الكتاب المسلمين وبين قيم الإسلام وتعاليمه المستمدة من نصوص القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة. وقد أشارت العديد من الرموز النسائية إلى الدين بوصفه مسؤولا عن تردي أوضاع المرأة في العالم العربي الإسلامي. فقد أكد بعض الكتاب المعاصرين أن الإسلام أحد عوامل تخلف المرأة وعدم إسهامها في التنمية بما يفرضه على المرأة من عزلة وحجاب يجعل المرأة في جيتو – على حد قولها – داخل العائلة³³. كما تسبب النظام الأبوي والدين جزء منه لقهر المرأة وتقليص مشاركتها³⁴. والثاني؛ يمثل أعراف وتقاليد بعيدة عن تعاليم الشرع الحنيف فرضت على المرأة نوعا من العزلة الفكرية والاجتماعية، وحالت بينها وبين القيام بدورها الحضاري الواجب. وإن الانصياع لأي من هذين الاتجاهين بشكل أو بآخر يقود إلى التخبط في مناهج أبعد ما تكون عن أحكام الشريعة ومبادئها، ومن هنا يتحتم القيام بمحاولة استنباط منهج أصيل يستنطق نصوص القرآن الكريم والسنة، ويستحضر مقاصد الشريعة ويستلهم فهم الواقع وأزماته ومتطلباته ومآلات القرارات المتخذة. كما تتأكد الحاجة اليوم إلى دراسة كافة تلك المتغيرات والمستجدات على مختلف الأصعدة واستيعابها وتمييزها وتقديم التصورات النظرية والحلول العملية لاستثمار إيجابياتها، والمرونة المنهجية السليمة مع متطلباتها، والمدافعة والمعالجة لسلبياتها. فهناك واقع تشهده بعض المجتمعات تبرز فيه ظاهرة طمع الأولياء في راتب الفتاة الأمر الذي يدفع به إلى عضل الفتاة. وقد أشار ابن تيمية رحمه الله – بما سبق وأن ذكرناه من قوله – إلى هذا وضرورة أمانة الولي في التحقق من مصلحة المرأة ومراعاتها في الولاية لا مصلحة نفسه وهواه: (وأوجب الله على أولياء النساء أن ينظروا في مصلحة المرأة، لا في أهوائهم كسائر الأولياء والوكلاء، فلا يقصد هواه، فإن هذا من الأمانة التي أمر الله أن تؤدى إلى أهلها). ولا تخفى الآثار السلبية المترتبة على ذلك، ومن أبرزها ظاهرة العنوسة وتزايدها في غالب المجتمعات العربية³⁵، كما أن هناك ظواهر في بعض المجتمعات لابد للمجتهد من تفهمها والوقوف عليها قبل الذهاب إلى هذا الرأي أو ذاك، كمسألة الزواج العرفي³⁶. فقد كشفت إحصائيات خطيرة عن تزايد نسبة الزواج العرفي في بعض المجتمعات بشكل مخيف وهو أمر يستند إلى انفراد المرأة بمباشرة عقد الزواج والتمسك بشكل عقد الزواج لا بالتأكد من صحته ومراعاة تحقق مقاصد التشريع فيه، بعيدا عن معرفة الأولياء والأهل³⁷. وقد لوحظ في تلك المجتمعات أن انتشار هذه الظاهرة لا ينحصر في أوساط غير المتعلمين بل ذهب بعضهم إلى أنها أكثر انتشارا في أوساط المتعلمين³⁸. الأمر الذي يشير إلى أن مسألة الولاية في عقد النكاح ترتبط بالمنظومة الأسرية وشبكة العلاقات الاجتماعية أكثر بكثير من مسألة اعتمادها على مستوى الفتاة وتحصيلها التعليمي وما شابه. وقد أكدت ذلك دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في إحدى الدول العربية مبينة غياب دور الأسرة وأثره في انتشار تلك الظاهرة³⁹. وقد وصلت خطورة الأمر إلى حد أن بعض العلماء المعاصرين دعا إلى المطالبة بتجريم هذا النوع من الزواج⁴⁰.

رابعا: الإطار المقاصدي والمالي في الولاية:

للشارع حكم ملحوظة ومقاصد معروفة في جميع أحوال التشريع أو معظمها، ومنها مسألة ولاية الشراكة. ولئن تنبه العلماء السابقون إلى ضرورة النظر في مآلات الأفعال والفتاوى، فإن هذه الضرورة اليوم تزداد تأكيدا في ظل المناخ الذي يعيشه المسلمون من مستجدات وتطورات متسارعة. وهنا يتحتم على المجتهدين المعاصرين النظر في مآلات ما يفتون الناس به وكيفية تطبيقه، فلا يتم التسرع وفق النظر إلى زاوية واحدة في المسألة حتى يتم بمعرفة ما يمكن أن يؤول إليه القول في المسألة من أضرار أو مصالح وعلى أساسها يتم الحكم. يقول الشاطبي رحمه الله في ذلك: "النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل فقد يكون مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوى أو تزيد فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغب جار على مقاصد الشريعة"⁴¹.

وثمة ترابط هنا بين التأكد من مآلات الحكم أو الترجيح في مسألة الولاية وتحقيق المقاصد التي لأجلها شرعت الولاية. وهذا يستدعي من المجتهدين التعرف على الحكم والمعاني في المسألة التي يجري البحث فيها، وكذا التحقق من مديات تفعيل واستيفاء تلك المعاني في الواقع المعاش. فمما لاشك فيه أن الشريعة منعت الإكراه والإجبار على وقوع الارتباط بين الرجل والمرأة لما فيه من مناقضة صريحة لمقاصد التشريع في الزواج ومصادرة حرية المرأة في الاختيار. ولا يخفى على أحد ما يمكن أن يترتب على إنشاء مثل هذا النوع من الروابط من آثار سلبية لا تنحصر في الإشكاليات النفسية التي تنعكس على الأبناء وتقوض كيان الأسرة وما ينبغي أن يبنى عليه من سكن ورحمة ومودة لكل أفراد الأسرة، إضافة إلى ما راعته الشريعة في سائر أحكامها للمشاعر الإنسانية. كما يظهر مقصد تأكيد الطبيعة التربوية الاجتماعية للأسرة، فلا يُتصور البحث في موضوع الولاية بمعزل عن فهم التكوين المقاصدي للأسرة لا على أساس فردي ينظر إلى المرأة باعتبارها فردا بل باعتبارها فردا منتميا إلى أسرة وجماعة صغيرة ممثلة في عائلتها من جهة وباعتبار انتمائها إلى جماعة كبيرة ممثلة في المجتمع والأمة، يقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [التوبة: 71]. فالمرأة والرجل في مفهوم رسالة الإسلام يوالي بعضهم بعضا، ولاء عقائديا، يقومون بإصلاح المجتمع، ومحاربة الفساد والجريمة والانحطاط، ويحملون رسالة الخير والسلام والأعمار في الأرض من خلال كافة شبكات العلاقات الأسرية والاجتماعية. ولابد من تأكيد الاهتمام بطبيعة الحياة داخل الأسرة لضمان إقامة علاقات اجتماعية سوية أساسها تأمين الحاجات الأساسية بأشكالها الوجدانية والمادية لكافة أعضائها ذكورا وإناثا، من خلال عملية التنشئة الأسرية وأساليبها المتنوعة. إذ تعد هذه الأساليب الاجتماعية بمثابة موجهات تربوية تحدد الأنماط السلوكية لأفرادها. وهنا تبرز أهمية استعمال أسلوب التشاور فيتعامل الوالدين مع أبنائهم الذي يستند إلى التحاور والتفاهم في تربيتهم ومن ثم بناء شخصياتهم وتوافقهم النفسي والاجتماعي مع الابتعاد عن أسلوب القسوة والشدة في تعامل الآباء مع الأبناء، الذي يولد بطبيعته التفكك داخل الأسرة ومن ثم يظهر بصور متعددة منها؛ الرغبة في التمرد على ما يتصوره الأبناء وصاية وقهرا من قبل الوالدين.

وهنا يحتاج المجتهد إلى استحضار هذه المفاهيم عند تعاطيه مع مسألة الولاية ومحاولات تفهم آثارها وأبعادها الأسرية والاجتماعية ودورها في تشكيل علاقات الأفراد مع بعضهم البعض، مع ضرورة التأكد من مدى إنجاز وتحقق تلك الأهداف والغايات في واقع الفرد والجماعة، وذلك باعتبار أن المقصد الأعلى النهائي لجميع تشريعات الشارع هو تحقيق مصالح العباد. كما تظهر أهمية فهم المجتهد لمقاصد الولاية في عقد النكاح وعدم حصرها في أوصاف محددة لا تعكس اهتمام التشريعات الإسلامية بأبعاد الوظائف الأسرية وآثارها على الأفراد والمجتمع. يقول ابن تيمية رحمه الله في سياق الحديث عن تقصي العلة في مسألة الولاية في عقد النكاح: (وأما جعل البكارة موجبة للحجر فهذا مخالف لأصول الإسلام، فإن الشارع لم يجعل البكارة سببا للحجر في موضع من المواضع المجمع عليها، فتعليل الحجر بذلك تعليل بوصف لا تأثير له في الشرع. وأيضا الذين قالوا بالإجبار اضطربوا فيما إذا عينت كفؤا، وعين الأب كفء آخر، هل يؤخذ بتعيينها أو بتعيين الأب على وجهين في مذهب الشافعي وأحمد، فمن جعل العبرة بتعيينها نقض أصله، ومن جعل العبرة بتعيين الأب كان في قوله من الفساد، والضرر، والشر ما لا يخفى والنبي ﷺ فرق بين البكر والثيب، كما قال في الحديث: «لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر». فذكر في هذه لفظ الإذن، وفي هذه لفظ الأمر، وجعل إذن هذه الصمات كما أن إذن تلك النطق، فهذان هما الفرقان اللذان، فرق بهما النبي ﷺ، ولم يفرق بينهما في الإجبار وعدم الإجبار. فالولي مأمور من جهة الثيب، مستأذن للبكر، فهذا هو الذي دل عليه كلام النبي ﷺ. وأما تزويجها مع كراهتها للنكاح، فهذا مخالف للأصول والعقول، والله لم يسوغ لوليها أن يكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها، ولا على طعام أو شراب أو لباس لا تريده، فكيف يكرهها على مباضعة ومعاشرة من تكره مباضعته ومعاشرته. والله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة فإذا لا يحصل إلا مع بغضها له ونفورها عنه فأي مودة ورحمة في ذلك)⁴².

وقد تنبه العديد من العلماء لتلك المقاصد في الولاية وأكدوها ضمن المنظومة الأسرية وهي التي ينبغي الاهتمام بها في تناول المسألة. فهذا الشيخ محمد الطاهر بن عاشور يشير إلى مقاصد العون والحرص والرعاية في الولاية في الزواج التي لا ينبغي أن تنقطع بعد الزواج بقوله: "من الواجب أن يتولى عقد المرأة ولي لها خاص، إن كان أو عام، ليظهر أن المرأة لم تتول الركون إلى الرجل وحدها دون علم ذويها، لأن ذلك أول الفروق بين النكاح والزني والمخادعة والبغاء و... والاستبضاع، فإنها لا يرضى بها الأولياء في عرف الناس الغالب عليهم، ولأن تولي الولي عقد مولاته يهيئه إلى أن يكون عونا على حراسة حالها وحضانتها، وأن يكون عشيرته وأنصاره أو غاشيته وخيرته عونا له في الذب عن ذلك"⁴³. فالولاية القائمة على الرعاية والمحبة والمعونة والحماية تشكل منظومة قيم أسرية لا تنقطع عن الفتاة بعد خروجها من بيت العائلة إلى بيت الزوجية، بل تستمر لتصنع الجو الأسري الممتد الفريد من نوعه في المجتمع المسلم. ولا يمكن حينها أن تفهم الولاية على أنها تشريع لتسلط أو قهر ذكوري على المرأة. ويؤكد هذا المقاصد الدكتور عمر الأشقر ويضيف إليها مقصد الاهتمام بشبكة العلاقات الاجتماعية حيث يفرّق بين الولاية بسبب عدم الأهلية، وبين الولاية كنوع من الوظائف الأسرية التي يقصد بها الحفاظ على المرأة والعلاقات الأسرية حيث يقول: "شرعت الولاية على الصغار والمجانين لأنهم ليسوا بأهل للتصرف في أمورهم، فيحتاجون إلى من يقوم بمصالحهم ومنه الزواج. أما الولاية على المرأة البالغة العاقلة فليس المقصود منه قهر المرأة وإذلالها والتحكم فيها، بل وراء ذلك حكم كثيرة منها: صيانة المرأة عما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال. فالمرأة تجد غضاضة في مباشرة ذلك، وحياؤها – وقد طبعت على الحياء – يمنعها من ذلك، كما أن الرجال أقدر على البحث عن أحوال الخاطب من النساء، ولو تركت المرأة وحدها تقرر مصيرها بلا معونة من أهلها وأقاربها، فقد لا توفق إلى اختيار الرجل المناسب. اشتراط الولي فيه مزيد من الإعلان عن النكاح، والشريعة تدعو إلى إعلان النكاح وإشهاره، من أجل ذلك شرع الولي والشهود والوليمة والتهنئة. ارتباط المرأة بالرجل الذي تختاره ليس شأنا خاصا بالمرأة دون سواها، الزواج يربط بين الأسر ويوجد شبكة من العلاقات، والآباء والأخوة يهمهم أن تكون الأسرة التي يرتبطون بها على مستوى من الفضل والخلق، وارتباط المرأة بالزوج الصالح يريح أسرتها وتعثرها في حياتها الزوجية يقلقهم ويتعبهم. والأولياء يصيبهم العناء والبلاء إذا لم توفق المرأة في زواجها وسيقعون في بلاء أعظم وأشد إذا وصل الشقاق بين المرأة وزوجها إلى الطلاق وعادت إليهم تحمل في رحمها جنينا. وتمسك بيدها أولادها أفيكون عليهم الغرم. ولا يشاركون في قرار له انعكاساته على حياتهم كلهم!"⁴⁴. ومع كل تلك المراعاة لمقاصد الشرع في الولاية من رعاية وحماية وما شابه، لا ينبغي أن يسوق إلى تشجيع منحى سلب الإرادة ومحاصرتها. فالحفاظ على تلك المقاصد والترابط في شبكة العلاقات الأسرية بين أفراد الأسرة ممثلين في الولي وبين المرأة، لا ينبغي أن يصبح مدعاة إلى سلب المرأة حريتها في اختيار الزوج ومصادرته وتسلط بعض الأولياء وتغليب مصالحهم المادية على مصلحة المرأة. وقد أدرك العديد من العلماء السابقين هذه الفروقات. يقول العز بن عبد السلام في قواعده: "فكل من تولى أمر غيره، سواء أكان هذا الأمر عاما أو خاصا، فواجب عليه أن يتصرف بما فيه نفع من تحت يده، بل لا يصح تصرفه إلا إذا تضمن جلب مصلحة أو دفع مفسدة ثم يقول: "ولا يقتصر على الصلاح مع القدرة على الأصلح إلا أن يؤدي إلى مشقة شديدة". وقاعدة الشرع أنه يقدم في كل موطن وكل ولاية من هو أقوم بمصالحها"⁴⁵. فالولي الذي يحرص على مصلحته ولا يعير اهتماما لمصلحة موليته يحسن أن ينزع منه حق الولاية ولو كان أبا، وتسند إلى غيره من الأولياء حسب ترتيبهم، فإن فقدوا أو كانوا من نفس المنزلة فإلى قاضي المسلمين كما نص الفقهاء على ذلك⁴⁶. وبهذا ينتفي زعم من يزعم أن الولاية تسلط مطلق وأنها ضد مصلحة المولي عليه إلى غير ذلك مما يقال في هذا المجال، وقد رأينا الشروط القاسية التي اشترطها الفقهاء في الولي مما يضمن سلامة تصرفه بما يحصل المنفعة للمولي عليه ويقيه المساوئ والمفاسد⁴⁷. إذ أن فكرة الصراع بين الرجل (ممثلا في الولي) وبين المرأة (ممثلة في الفتاة) فكرة دخيلة على المجتمع المسلم، فالولاية لا تعني الأبوية. ومن ثم تختلف طبيعة النظرة المتأثرة بالفكرة الغربية عن واقع الأمر ليس فقط في الولاية بل في طبيعة العلاقات الأسرية الحاكمة في الإسلام. فالرأسمالية الفاعلة في واقع الغرب قائمة على أساس فردية الإنسان وتوسيعها على حساب الأسرة والجماعة، حتى تركت له حرية التصرف في كثير من الأمر إلى حد إيذاء نفسه وإيذاء الآخرين تحت ستار الحرية الشخصية. من هنا بدأت فكرة الصراع الاجتماعي الذي يرى أن المؤسسة العائلية هي أول مؤسسة اضطهادية يختبرها الفرد في حياته الاجتماعية، حيث تمثل سيطرة الرجل على المرأة في النظام العائلي، أخطر الأمثلة التي تقدمها نظرية الصراع. فإلى حد الستينيات من القرن العشرين لم تكن المرأة في النظام الأمريكي والأوروبي قادرة من الناحية القانونية على المشاركة في إنشاء أي عقد من العقود التجارية دون إذن زوجها. وفي النصف من القرن نفسه وصلت حالة العنف بين الزوج والزوجة في المجتمع الأمريكي إلى درجة، بحيث وضعت المؤسسة العائلية على قمة المؤسسات الاجتماعية الأمريكية التي تمارس العنف والإجرام. وهو أمر في غاية الخطورة حين تتم قراءة ومراجعة أحكام الأسرة والعلاقات الاجتماعية في الإسلام في إطار التأثر به. إلا أنه لابد من تأكيد ابتعاد العديد من الآباء عن تعاليم وأساليب التربية الإسلامية لأبنائهم، الذي نجم عنه في كثير من الأحيان ممارسات أقرب ما تكون إلى التعسف والقهر الذي نهت عنه تعاليم الشرع وحاربته. فقد أكدت العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية التي تناولت العلاقات الأسرية على أن أهم عوامل اكتساب القيم والاتجاهات هي نتاج ممارسة الآباء لأدوارهم داخل الأسرة. فتسلط الأب وتعسفه قد يؤدي إلى تكوين نظرة إلى العالم محورها القهر والتعسف وهذه النظرة تترجم سلوكيا في التعصب والتفكير المقفل والتمسك بالعادات والتقاليد بشكل أعمى يؤدي بالأبناء إلى اكتساب شخصيات سلطوية لا تقبل النقد أو الاعتراض بل وحتى مجرد التشاور وتبادل الآراء. وهذا ما أكدته بعض الدراسات النفسية والاجتماعية التي ذهبت إلى أن من أخطر ما يواجه بعض الشباب طبيعة السلطة الأبوية الناجمة عن سوء العلاقات الاجتماعية بين الآباء والأبناء⁴⁸. الأمر الذي ينعكس حتما على وظائف الأسرة ومسئولياتها وظهور سلوكيات سلطوية من قبل بعض الأولياء. إلا أن تلك الأعراض الخطرة لا يمكن معالجتها بمزيد من الانحراف القائم على تكريس مبدأ الفردية والصراع لما يترتب عليه من مخاطر كارثية على شبكة العلاقات الاجتماعية وعلى الأمة بأسرها. فلابد من الاهتمام بمقصد الشارع في ولاية الشراكة في تحقيق الحفاظ على البنية الأسرية ودورها الممتد. فأي خلل في تحقيق الانسجام في الأسرة، ينذر بخطورة التفكك والتحلل. يقول الأستاذ مالك بن نبي في ذلك: "فقبل أن يتحلل المجتمع تحللا كليا، يحتل المرض جسده الاجتماعي في هيئة انفصالات في شبكته الاجتماعية .... وهذه الحالة المرضية قد تستمر قليلا أو كثيرا، قبل أن تبلغ نهايتها في صورة انحلال تام. وتلك هي مرحلة التحلل البطيء الذي يسري في الجسد الاجتماعي. بيد أن جميع أسباب هذا التحلل كامنة في شبكة العلاقات، فلقد يبدو المجتمع في ظاهره ميسورا ناميا، بينما شبكة علاقاته مريضة، ويتجلى هذا المرض الاجتماعي في العلاقات بين الأفراد. وأكبر دليل على وجوده يتمثل فيما يصيب (الأنا) عند الفرد من (تضخم) ينتهي إلى تحلل الجسد الاجتماعي لصالح الفردية، عندما يختفي (الشخص) أو خاصة عندما يسترد (الفرد) استقلاله وسلطته في داخل الجسد الاجتماعي فالعلاقات الاجتماعية تكون فاسدة عندما تصاب الذوات بالتضخم فيصبح العمل الجماعي المشترك صعبا أو مستحيلا، إذ يدور النقاش حينئذ لا لإيجاد حلول للمشكلات، بل للعثور على أدلة وبراهين. في حالة الصحة يكون تناول المشكلات من أجل علاجها هي، أما في الحالة المرضية فإن تناولها يصبح فرصة لتورم (الذات) وانتفاشها، وحينئذ يكون حلها مستحيلا، لا لفقر في الأفكار أو في الأشياء، ولكن لأن شبكة العلاقات لم تعد أمورها تجري على طبيعتها"⁴⁹. وعلى هذا يمكننا فهم خطورة استبعاد الجانب التربوي الأسري الاجتماعي عند تناول الولاية في النكاح. فالولاية لا تبدأ عند مباشرة الولي ممثلا في الأب (على سبيل المثال) لعقد النكاح، بل هي لبنة ومرحلة في البناء التكويني لمنظومة العلاقات الأسرية والاجتماعية. من هنا جاء دور العائلة (التي تم في الشرع تنصيب الولي ممثلا لها) في أمر مثل الزواج، والمرأة كفرد لها مصلحة واضحة في مثل هذا الأمر لا يمكن تغييب دورها ولا حاجتها الوجدانية (مهما بلغ مستواها التعليمي والثقافي) إلى ذلك. يقول الأستاذ أبو شقة في سياق تفهم دور العائلة في قرار الزواج: "وإن وجوب إذن الولي أو ندبه فيه مزيد رعاية للفتى والفتاة من إنسان صاحب خبرة يكون بجانبهما ساعة تأسيس أسرة صغيرة جديدة. والرعاية لا تعني إلغاء إرادة الفتى والفتاة واختيارهما، إنما تعنى الترشيد والمشورة"⁵⁰. فقرار الزواج محصلة نهائية لتوافق أسري مبني على التشاور مع كافة أفراد الأسرة المعنيين ممثلين في الولي الذي لا يمكن له بحال إجبار المرأة على الزواج فالعقود مبناها على الرضا. وممارسة التشاور في الأسرة أمر في غاية الأهمية، لتنسحب ويمتد أثرها إلى مختلف نشاطات الأفراد الاجتماعية والسياسية في مؤسسات الأمة. من هنا فإن خطورة إلغائها، لا تنحصر في جانب شخصي. ولنا أن نتخيل تبعات فشل التشاور في محيط الأسرة على المجتمع والأمة بأسرها. فالأفراد إذا عجزوا عن معالجة مشاكلهم داخل مؤسستهم الأسرية، أنى لهم أن يعالجوا غيرها في دوائر المجتمع وحلقات الأمة المختلفة!. يقول مالك بن نبي تحت عنوان المرض الاجتماعي: "وعندما يرتخي التوتر في خيوط الشبكة فتصبح عاجزة عن القيام بالنشاط المشترك بصورة فعالة فذلك أمارة على أن المجتمع مريض وأنه ماض إلى نهايته"⁵¹.

من هنا يتضح أن مقصد الشارع في الولاية لم يتهم المرأة في قدراتها أو تجاربها أو أهليتها وخبراتها – كما يتصور ذلك البعض – بقدر ما يرتبط الأمر بالحفاظ على شبكة العلاقات الاجتماعية داخل مؤسسة الأسرة التي تمثل في حقيقتها نموذجا مصغرا للأمة، وأثر ذلك على موقع المرأة الأسري والاجتماعي. يقول الأستاذ أبو شقة في هذا السياق: "إن حضور الولي عقد الزواج كما يثبت إقرار العائلة لهذا الزواج، يساعد على تأكيد أن رابطة الزواج لا تقتصر على علاقة حميمة بين شخصين رجل وامرأة، بل هي كذلك صلة وثيقة بين عائلتين أو عشيرتين، وكما يحضر ولي المرأة، فيندب حضور والد الرجل فضلا عن أقارب الزوجين، حتى يكون هذا الزواج بداية التحام بين العائلتين"⁵². وهنا تقع على المجتهد المعاصر مسئولية تقصي وتتبع الأسباب الاجتماعية والنفسية الكامنة وراء مظاهر الرغبة في تجاوز بعض النساء (في بعض المجتمعات) لأوليائهن في مسألة الزواج في الحالة المعتادة التي لا يثبت فيها إساءة التصرف من قبل أوليائهن⁵³. فللزواج مقاصد متعددة للمرأة والرجل والأسرة والمجتمع بأسره، ولتحقيقها على الوجه الأكمل، كان وجود الولي ومباشرته للعقد هو الأقرب لتحقيق تلك المقاصد، ولذلك يشترط في الولي أن يكون أهلا لممارسة هذه المهمة⁵⁴. فإذا كانت الولاية هي المحبة والقرب والصداقة والنصرة لغة، فإن الملحوظ أن تتحقق هذه المعاني في واقع الناس كمقاصد لمضامين الألفاظ. فإن كانت عداوة ونفرة وخذلان، فليست هذه ولاية، والمقصود من الولي أن يكون في ولايته موافقا محبة من يليه إذا كان معقولا وسديدا ما ذهب إليه، فيسارع في نصرته، ويعاضده ويكون قريبا منه. من هنا كان لابد من التأكد من تحقق هذه المعاني في الولي من خلال فهمه لدوره ومسئولياته. فإذا ظهر خلاف ذلك، كان الأولى انتقال الولاية إلى من هو أصلح وأظهر أمانة منه قبل الشروع في رفع الأمر وإخراجه من إطار الأسرة والعائلة إلى إطار القضاء. فالأسرة هي المحضن الذي ينبغي أن يحل الأفراد خلافاتهم الأسرية في محيطه، ولا يتم اللجوء إلى القضاء إلا في ظروف استثنائية خاصة. يقول ابن تيمية رحمه الله في ذلك: "وإذا رضيت رجلا – أي المرأة –، وكان كفؤا لها، وجب على وليها – كالأخ ثم العم – أن يزوجها به، فإن عضلها أو امتنع عن تزويجها زوجها الولي الأبعد منه أو الحاكم بغير إذنه باتفاق العلماء، فليس للولي أن يجبرها على نكاح من لا ترضاه، ولا يعضلها عن نكاح من ترضاه إذا كان كفوا باتفاق الأئمة، وإنما يجبرها ويعضلها أهل الجاهلية والظلمة الذين يزوجون نساءهم لمن يختارونه لغرض، لا لمصلحة المرأة، ويكرهونها على ذلك، أو يخجلونها حتى تفعل، ويعضلونها عن نكاح من يكون كفوا لها لعداوة أو غرض، وهذا كله من عمل الجاهلية، والظلم والعدوان، وهو مما حرمه الله ورسوله ﷺ، واتفق المسلمون على تحريمه، وأوجب الله على أولياء النساء أن ينظروا في مصلحة المرأة، لا في أهوائهم كسائر الأولياء والوكلاء ممن تصرف لغيره، فإنه يقصد مصلحة من تصرف له، لا يقصد هواه، فإن هذا من الأمانة التي أمر الله أن تؤدى إلى أهلها فقال: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)⁵⁵. فدور الولي والأسرة رعاية واحتضان الزواج الجديد وتسديده والتدخل عند الضرورة لإصلاح ذات البين وغير ذلك مما يشهد الواقع الاجتماعي بمسيس الحاجة إليه، ولعل المرأة أحوج من الرجل لهذه الرعاية، خاصة حين تقع المشاكل⁵⁶. الأمر الذي يشير إلى ضرورة إبقاء الولاية في الزواج في إطار العائلة قدر الإمكان. فالشارع جعل الإصلاح من قبل الحكمين، حلاً قبل استفحال الخلاف بين الزوجين ورفعه إلى القضاء للحفاظ على وظائف الأسرة وصيانتها من التفكك والتمزق. وهذا يؤكد أن الولاية وظيفة اجتماعية؛ فإذا ما حدث تعسف في استعمالها من قبل الولي بما يخالف مقاصدها في تحقيق المصلحة وجلبها أو دفع المفسدة عن المرأة والأسرة، أو استدعت الظروف الاستثنائية إلى تقييده، فإن الشريعة هنا أعطت المجال لتقييدها بل إحالتها إلى ولي آخر أكثر أمانة ولو كان أبعد لتحقيق مناط الحكم في الولاية ومقاصدها، وعلى اعتبار النظر في ذلك كله ومآلاته. وهنا يمكن معالجة الإشكال في حال وقوع خلاف بين الولي والمرأة، فتحال المسألة إلى ولي آخر ضمن نطاق الأسرة والعائلة ولا ترفع إلى القضاء مباشرة. وإذا تعذر ذلك كله (ضمن ظروف استثنائية) ولم يتمكن الأطراف المتنازعة من حل الخلافات الأسرية في هذا السياق وأنذر الأمر بفوضى أسرية، رفع الأمر إلى القضاء لمباشرة المرأة للعقد بنفسها مع تأكيد ضرورة إعلام الأولياء والتأكد من ذلك. فيزال الضرر الأشد بالضرر الأخف. وهكذا يتضح أن الأمر لا علاقة له بانتقاص أهلية المرأة أو النيل منها أو إهدار حريتها أو ما شابه من أمور أثيرت خارج محل مقاصد الولاية، فلا يقعن المجتهد المعاصر في الدوران في فلك المقاربات والدفاع والتبريرات.

كما أنه من المعلوم أن ليس كل قريب للمرأة يصلح للقيام بهذا الدور بل من توفرت فيه مجموع الشروط المعتبرة، وأهمها أن يكون تصرف الولي نافعا للمرأة لا ضارا بها، فتصرفات الولي منوطة بشرط المصلحة للمولى عليه لأنها لمصلحته وجبت وليس لمصلحة الولي فهي نعمة للمولى عليه مسئولية للولي. فإذا تصرف الولي على غير وفق مصلحة المولى عليه كان متعديا. ووجوه المصلحة وشروطها تختلف باختلاف نوع التصرف فيختلف الحكم وفقا لذلك كما يختلف باختلاف درجة الولي قربا وبعدا. قال البهوتي رحمه الله: "لأن مبنى الولاية على الشفقة والنظر، وذلك معتبر بمظنته وهو القرابة"⁵⁷. فَإِنْ عَضَلَ الأَقْرَبُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا، أَوْ غَابَ غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ لا تُقْطَعُ إِلَّا بِكُلْفَةٍ، وَمَشَقَّةٍ زَوَّجَ الأَبْعَدُ. من هنا ثمة شروط وضعت في الولي، فإن تخلف واحد منها سقطت ولايته وانتقلت إلى من بعده في الدرجة. ومن ذلك؛ كمال الأهلية، وذلك بالعقل والبلوغ والرشد، لأن القاصر مميزا كان أو غير مميز، وكذلك المجنون والمعتوه والسفيه كلهم لا ولاية لأي منهم على نفسه فأولى أن لا يلي على غيره، وهذا الشرط محل اتفاق الفقهاء، وأضاف إليها ابن تيمية شرط الأمانة كما سبق ذكره، وهو في غاية الأهمية بما يضمن تحقق المصلحة لجميع الأطراف، وينفي تحفظ من رأى انتقاصا في الأمر. وثمة أمور لابد من تأكيدها في سياق طرحنا لولاية الشركة هذه ضمن الشروط السابقة التي ذكرت: 1- ضرورة مراعاة الفروقات والموازنة بين أحوال المجتمعات قبل الانسياق في دعم هذا الرأي الفقهي أو ذاك. فالحاجة هنا ماسة إلى مستويين من الفقه فقه شرعي قائم على فقه النصوص ومقاصدها وفقه واقعي قائم على دراسة الواقع المعاش دراسة تستوعب كل جوانب الموضوعات المطروحة وتعتمد أصح المعلومات وأدق البيانات والإحصاءات خاصة فيما يتعلق بكيفية القياس والموازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة على الاجتهادات الفقهية المختلفة. فلابد أن يتكامل فقه الشرع وفقه الواقع حتى يمكن الوصول إلى الموازنة العلمية السليمة البعيدة عن الغلو والتفريط⁵⁸. من هنا كان يراعى الناظر في النوازل عند اجتهاده تغير الواقع المحيط بالنازلة سواء كان تغيرا زمانيا أو مكانيًا أو تغيرا في الأحوال والظروف، وعلى الناظر تبعا لذلك مراعاة هذا التغير في فتواه وحكمه. ذلك أن كثيرا من الأحكام الشرعية الاجتهادية تتأثر بتغير الأوضاع والأحوال الزمنية والبيئية؛ فالأحكام تنظيم أوجبه الشرع يهدف إلى إقامة العدل وجلب المصالح ودرء المفاسد، فهي ذات ارتباط وثيق بالأوضاع والوسائل الزمنية وبالأخلاق العامة، فكم من حكم كان تدبيرا أو علاجا ناجحا لبيئة في زمن معين، فأصبح بعد جيل أو أجيال لا يوصل إلى المقصود منه، أو أصبح يفضي إلى عكسه بتغير الأوضاع والوسائل والأخلاق. والمتأمل في واقع المرأة المعاصر يلحظ التغيرات التي اعترت حياتها والتبدل الذي أصاب واقعها الراهن. فالجمود على فتاوى وقعت في زمن تغير حاله دون تغيير هذه الفتوى غلط على الشريعة وتعد على صلاحيتها في كل زمان ومكان. ومن أجل هذا أفتى الفقهاء المتأخرون من شتى المذاهب الفقهية في كثير من المسائل بعكس ما أفتى به أئمة مذاهبهم وفقهاؤهم الأولون، وصرح هؤلاء المتأخرون بأن سبب اختلاف فتاواهم عمن سبقهم هو اختلاف الزمان وفساد الأخلاق في المجتمعات، فليسوا في الحقيقة مخالفين للسابقين من فقهاء مذاهبهم، بل لو وُجد الأئمة الأولون في عصر المتأخرين وعايشوا اختلاف الزمان وأوضاع الناس لعدلوا إلى ما قال المتأخرون⁵⁹. إلا أنه لابد من التنبه في هذا السياق كذلك إلى خطورة الانسياق وراء مبادئ الفلسفة النسبية الأخلاقية – Ethical Relativism – التي ترى أن صواب أي فعل أو حكم إنما يكون بالنسبة للظروف أو المواقف التي جرى فيها الفعل. وهي فلسفة ترجع الاختلافات الأساسية بين القيم والمبادئ الأخلاقية بين الأفراد، إلى اختلافات الأطر والتقاليد الحضارية التي يستمد منها هؤلاء الأفراد قيمهم وتقاليدهم الأخلاقية. فالشيء قد يكون خطأ أو صوابا إذا كان كذلك بالنسبة لآخرين فلو كان المجتمع الذي يتبعه الشخص يعتبر فعلا معينا في ظروف معينة خطأ، فإنه يتعين على الشخص فيه عدم القيام بهذا الفعل، فعلى الأفراد التكيف ومسايرة قيم مجتمعاتهم، بمعنى آخر يكون المجتمع هو الحاكم المشرع⁶⁰. 2- ضرورة الاهتمام باعتبار عوامل الزمان والبيئة والأفراد في تطبيق الأحكام الفقهية الأسرية وغيرها. وقد فهم المجتهدون هذه المراعاة والموازنة حين كانوا ينزلون حكم الكتاب والسنة على ظروف بيئاتهم وزمانهم ومكانهم. إذ أن الواقع الذي يراعيه المجتهد حال التنزيل يدخل فيه أعراف الناس وعاداتهم ونظم حياتهم المستقرة عليها في معاملاتهم. وعلى هذا كان العرف والاستصحاب وغيرها من مصادر الاجتهاد وعلى الشروط المعروفة بينهم⁶¹. فدراسة الواقع والتعرف عليه قبل إبداء المجتهد رأيه في الموازنة بين فعل وآخر يعد أمرًا ضروريا. وعلى المجتهد التمييز بين مستوى الواقع الثابت المتمثل في سنن الله في الكون والأنفس والآفاق، و الواقع المتغير المتمثل في أعراف الناس وبيئاتهم وظروفهم المتبدلة من مكان لآخر والمصالح والمفاسد المترتبة على الأحكام الاجتهادية وما شابه. وهذا ما راعاه الأئمة المجتهدون في إصدار أحكامهم على الوقائع المتغيرة. كما يقول ابن عابدين في رسالة نشر العرف: "كثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله أو لحدوث ضرورة، أو لفساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولا للزم منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد ولهذا نرى مشايخ المذهب خالفوا ما نص عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمانهم لقال بما قالوا به أخذا من قواعد مذهبه"⁶². وتغير أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم من سنن الله التي قد خلت في عباده⁶³. ومراعاة الشارع لأعراف الناس المتغيرة المبنية على تحقيق مصالح لهم إنما يشير إلى مرونة الشريعة واتساع واستيعاب أحكامها لكل جديد ولكل بيئة وأهمية الأخذ بعين الاعتبار مسألة تغير الأزمان والأمكنة والبيئات. وفي ذلك إشارة واضحة إلى عالمية الشريعة الإسلامية فهي ليست لقوم دون غيرهم وأحكام الشريعة صالحة وقابلة للتطبيق في القرية والمدينة، في الغرب والشرق والسفر والحضر... وهكذا أينما التفت المرء ألفي شرع الله حاكما منظما لحياته، وما ذلك إلا لأنها شريعة معصومة خالدة اشتملت على المواقف المرنة التي تتغير تبعا لتغير البلدان والأشخاص والأقوام⁶⁴. يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في سياق الحديث عن الكيفية: "فعموم الشريعة لسائر البشر في سائر العصور مما أجمع عليه المسلمون، وقد أجمعوا على أنها مع عمومها صالحة للناس في كل زمان ومكان، ولم يبينوا كيفية هذه الصلوحية، وهي عندي تحتمل أن تتصور بكيفيتين: الكيفية الأولى: أن هذه الشريعة قابلة بأصولها وكلياتها للانطباق على مختلف الأحوال، بحيث تساير أحكامها مختلف الأحوال دون حرج ولا مشقة ولا عسر. الكيفية الثانية: أن يكون مختلف أحوال العصور والأمم قابلا للتشكيل على نحو أحكام الإسلام دون حرج ولا مشقة ولا عسر، كما أمكن تغيير الإسلام لبعض أحوال العرب والفرس والقبط والبربر والروم والتتار والهنود والصين والترك من غير أن يجدوا حرجا ولا عسرا في الإقلاع عما نزعوه من قديم أحوالهم الباطلة"⁶⁵. من هنا كان على المجتهدين مراعاة هذه الجوانب الحياتية حال الأخذ بها والتنزيل والتطبيق. وهذا الأمر يتطلب الخبرة والتجربة اليومية القادرة على استيعاب كل متغيرات الزمان والمكان والأشخاص كذلك، يقول الشاطبي في هذا السياق: "دراسة نفسية المستفتي والمجتمع الذي يعيش فيه لتكون الفتوى جدية والاجتهاد مفيد يعالج الواقع القائم"⁶⁶. فالنزول إلى الميدان وإبصار الواقع الذي عليه الناس، ومعرفة مشكلاتهم ومعاناتهم واستطاعاتهم وما يعرض لهم، والأحكام التي تتنزل عليهم في واقعهم، في مرحلة معينة، وما يؤجل من التكاليف لتوفير الاستطاعة، إنما هو فقه الواقع إلى جانب فقه النص. وإن تغير الزمان والمكان أو أحدهما يعني تغير الواقع. وما يكون محققا لمصلحة في زمن ما قد لا يحققها في آخر، وما يحقق مفسدة في زمن ما قد لا يحققها في زمن آخر⁶⁷. وهنا تظهر ضرورة وقوف المجتهد على واقعه والتفرقة بين أحوال مجتمع وآخر وهو فهم دقيق يحتاج استنهاض جهود المجامع الفقهية وذوي الاختصاصات المختلفة لمراعاة تلك الفروقات. فما قد يحقق مصلحة في مجتمع، قد يحقق مفسدة في مجتمع آخر. ولعل فهم واقع النساء وتغيره ما بين مجتمع وآخر، كان ما دعا المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقد في (دبلن 23- 27 فبراير 2005م) إلى إصدار قراره حول مسألة الولاية المتضمن: "الحرص على موافقة الولي عند إجراء عقد الزواج مطلوب دينيا واجتماعيا، لكن إن اقتضى الحال تزويج المرأة بدون ولي لظروف معينة كتعذر إذنه أو كعضله، فلا بأس من العمل بقول من لا يشترط الولي لابتداء العقد، وأما إذا تم العقد دون ولي فإنه عقد صحيح، مراعاة لقول المخالف. ومما ينبه عليه المجلس أنه ليس كل قريب يصلح أن يكون وليا للمرأة لعقد نكاحها، بل من توفرت فيه مجموعة الشروط المعتبرة، ومن أهمها أن يكون تصرفه نافعا لها لا ضارا بها"⁶⁸. وقد ذكر المجلس في توصيف واقع بعض الفتيات في أوروبا أنه قد يحصل نزاع بين أب الفتاة وأمها حيث يكون أبوها وعد بها بعض أقربائه وأمها وعدت بعض أقربائها فتحسم البنت هذا النزاع فلا تقبل هذا ولا ذاك، تحسم النزاع حسما مؤلما فتهرب منهما معا وتلوذ بأحد بيوت الرعاية الاجتماعية، أو إلى حيث لا يعلمون، أو إلى بيوت الدعارة. وهنا تظهر ضرورة تفهم المجتهد لواقعه ودراسته قبل الإفتاء أو الترجيح لرأي على آخر. وهنا ليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيما ذهب إليه هذا المجتهد أو ذاك، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه⁶⁹. وهنا لابد من التنبه إلى المآلات إذ أن العلماء والفقهاء القدامى لما فصلوا في فقه الواقع وابتناء الأحكام الاجتهادية عليه، كانوا يصدرون عن موقف عزيز لا يعتريه ضعف في الذات المسلمة وانهزام من الداخل، فكان جهد الذات في تنمية ذاتها، باستقلال عن الضغط الخارجي. أما في العصر الراهن فإننا قد ننساق – بحسن نية وقصد – بذات أنهكتها مواجهة زخم الحضارة الغربية وتقدمها العلمي المذهل، فهي واقعة بذلك تحت ضغط خارجي. وإما عن محاولة مجاراة عبثية للغرب العلماني الذي أسقط القدسية عن وجهة النظر الكلية للكون والإنسان والوجود والأخلاق والسياسة عموما. وإما عن محاولة جادة للتخلص من رواسب التبعية والتقليد الذي منيت به العقلية المسلمة في العصور المتأخرة، وتصور إمكانية الحل الكامنة في التشبث بالمقاصدية مطلقا. وعلى هذا فالفارق شاسع بين حوار وطرح الأمس من قبل ذات مالكة لوعيها، مدركة لدورها الرسالي في الوجود، وبين ذات يائسة. إلا أن النظر في الواقع والاهتمام بما بات يعرف بفقه الواقع لا يعني بحال الخضوع لضغوطه والانسياق نحو التحلل من أحكام الشريعة وثوابتها والدخول في دواعي الحكم بالأهواء تحت شعار فقه الواقع أو الموازنات⁷⁰. 3- الواقع المعاصر بات واقعا معقدا مركبا، تتشعب فيه نواحي عديدة إن ظهر منها البعض خفي البعض الآخر. إضافة إلى قلة أو ندرة الإحصائيات المتوفرة في بلاد العالم الإسلامي اليوم في مختلف نواحي الحياة اليومية ومفرزاتها. والعالم اليوم يغص بمشاكل اقتصادية واجتماعية وطبية وأخلاقية... كلها تشكل تحديات متواصلة تضع على كاهل المجتهدين أعباء ومسئوليات متزايدة ينبغي مراعاتها حال النظر والتنزيل. ويتطلب تحقيق هذه الضوابط زيادة الاستيعاب الاجتهادي للواقع الإنساني والتزود بآليات فهم هذا الواقع من العلوم الاجتماعية التي توقفت في حياة المسلمين منذ زمن⁷¹. وهذا يتطلب الإلمام ولو بجزء يسير بمعطيات العلوم الإنسانية ونحوها من آليات لا يمكن الاستغناء عنها في حكمه على المصالح والمفاسد والموازنة بينها وما تؤول إليه⁷². فكيف له أن يحكم على فعل إنساني وهو يجهل المؤثرات النفسية على سلوك الإنسان مثلا!. وثمة آلية أخرى يمكن الإفادة منها هنا ألا وهي الاستقراء الذي استعمله المجتهد في عصور سابقة وعليه اليوم أن يستعيد دوره بمفهوم العصر ومقتضاه. وهذا يستدعي استعمال آليات الإحصاء والبيانات ونحوها من وسائل متاحة، تقتضي عملاً جماعيا لا فرديا مبعثر⁷³. إن هذه الشواهد وغيرها كثير تؤكد مدى الحاجة الماسة لقيام مجمعات للعلماء تضم طاقاتها من المجتهدين المعاصرين ومعهم المتخصصين في مختلف الميادين لتناول تلك الأحكام وتبادل الخبرات في الميادين المختلفة، ومن ثم تقديم فقه متوازن واقعي. ومن نظر في فتاوى دور الإفتاء المعاصرة، أو في قرارات مجامع الفقه المتعددة رأى اهتماما كبيرا بهذه الجوانب إلى حد كبير. 4- ضرورة الاهتمام بالتنشئة الصحيحة للأفراد ذكورا وإناثا. إذ أن الجيل الجديد من الأبناء الذين يعيشون في ظل أوضاع حديثة ينظرون إلى جيل الآباء بأنهم غير ملائمين لروح العصر، فهو يريد أن يتحرر من بعض الولاءات والسلطات التي يمارسها الكبار داخل الأسرة⁷⁴. وهنا تظهر أهمية الاهتمام بتحقيق المناط الخاص في نطاق الأفراد. وكيفية التعامل معه بغرض المعالجة لا الانسياق التام والخضوع لمتطلباته بما قد يكون فيها من تجاوزات. فأخذ الظروف المحتفة بالواقعة المعروضة، أو التي تلابس الشخص، بعين الاعتبار، وما يمكن أن يطلق عليها الخصوصيات تمييزا لها عن الكليات التي لا تراعي ذلك، تستلزم النظر فيما يؤول إليه حال الشخص المستفتي قبل إجابته عن سؤاله، فيما لو طبق مقتضى النصوص عليه، في ضوء ظروفه الخاصة، وهو ما عد الشاطبي أعلى أنواع الاجتهاد وأصعبها⁷⁵. 5- الاهتمام بالاجتهاد الجماعي والتشاوري وتداول الرأي بين ذوي الخبرة في مختلف المجالات الخاصة بالمشكلات الإنسانية المطروحة من علماء اجتماع ونفس.. الأمر الذي يمكن أن يخرج بالاجتهاد من الإطار الفردي الضيق إلى إطار أكثر اتساعا وأعمق أثرا. خاصة في ظل المرحلة الراهنة التي تمر بها مختلف المجتمعات المسلمة أو تلك التي تحتضن جاليات مسلمة. فالأمر يقتضي الروية والتأني قبل إصدار فتاوى فردية يمكن أن تؤدي إلى التضارب في الآراء والاجتهادات ولا يخفى على أحد الأضرار المهولة المترتبة على مثل تلك الفوضى. ومن ثم تؤكد الدراسة ضرورة تولي المجامع الفقهية الكبرى المعروفة زمام الأمور لتحقيق ما يمكن أن نتعارف عليه بالمرجعية الجماعية للأمة. 6- الاهتمام بتحقيق التواصل بين المجامع الفقهية الكبرى في العالم الإسلامي ومختلف الكليات والمعاهد والجامعات والمراكز البحثية المعنية لتقديم دراسات فقهية واقعية حول أبرز القضايا الإنسانية العالقة وطرحها كموضوعات للبحث والإعداد لرسائل الماجستير والدكتوراه. 7- العمل على توعية النساء بكافة مستوياتهن ومن خلال مختلف الوسائل والشبكات الاجتماعية المهتمة بقضايا المرأة والأسرة والمجتمع بأهمية فهم ما لهن وما عليهن والتدرب على تحقق المناط فيما ينزل بهن من أحوال وأوضاع وفق الرؤية الإسلامية المتكاملة لا وفق أهواء البشر ومصالحهم المتغيرة.


الخاتمة والنتائج

حاولت هذه الورقة تقديم مسألة ولاية الشركة في عقد الزواج من خلال رؤية تحليلية مقاصدية، وقفت من خلالها على الإطار المفاهيمي للولاية، والإطار الفقهي بأبعاده الواقعية والتوقعية، والإطار المقاصدي المالي. ولم تتوقف الدراسة طويلا في عرض الأدلة للقائلين باشتراط الولاية والمخالفين لهم في عدم اشتراطها بقدر ما حاولت تلمس الجوانب المقاصدية للولاية وأبعادها الأسرية والاجتماعية ومآلات تطبيقاتها على مؤسسة الأسرة وشبكة العلاقات الاجتماعية في ظل مختلف المستجدات والتطورات الراهنة.

وقد خرجت الدراسة إجمالا بالنتائج التالية:

  • الولاية مفهوم وظيفي بنائي في تكوين الأسرة ومنظومة علاقاتها يرتبط بسلسلة من المفاهيم الإيجابية من نصرة، محبة، قرب، عون، نصح، حماية، كفاية، ولا ينفك عنها بحال. وهذا المفهوم القرآني بظلاله الفقهية والاجتماعية يغاير تماما مفاهيم السلطوية والأبوية والذكورية والوصاية والقهر.....
  • سوء التطبيق وإساءة الاستعمال للولاية من قبل بعض الأولياء البعيدين عن أصالة تعاليم الشرع، لا ينبغي أن يسوق إلى القول بإلغائه أو مصادرته لما له من ارتباطات وخيوط أسرية هامة في بنية شبكة العلاقات الاجتماعية.
  • قرار الزواج هو محصلة نهائية لتوافق أسري مبني على التشاور مع كافة أفراد الأسرة المعنيين ممثلين في الولي الذي لا يمكن له بحال إجبار الفتاة على الزواج بمن لا تريد، فالعقود مبناها على الرضا. وممارسة التشاور في الأسرة أمر في غاية الأهمية له انعكاساته على مستوى المجتمع والأمة، ولا علاقة له بنقصان أهلية المرأة أو ضعف قدراتها بل هي الرعاية الأسرية الاجتماعية بكافة أبعادها التي تشمل كافة الأفراد في الأسرة.
  • الممارسات البعيدة عن تعاليم الدين (التي يقع فيها عدد من أولياء المرأة) أدت إلى الطعن في مصداقية وشرعية تلك التعاليم دون أدنى تفرقة أو تمييز بين عرف ودين، وبين تعاليم وتطبيق، وباتت تلك الإساءات شاهد عيان على إهانة الإسلام للمرأة وإهداره لأدميتها وحقوقها، وفرضه للوصاية عليها، وهذا خلط وتزييف للحقائق لا تُنكر.
  • ترى الدراسة أن الولاية في عقد الزواج شراكة ووظيفة أسرية اجتماعية تشاورية بين ولي رشيد أمين قادر على تحقيق مقاصد الولاية من رعاية وحماية ونصرة ومعونة للمرأة، وبين فتاة رشيدة حريصة متفهمة لدورها كفرد داخل أسرة صغيرة وممتدة لتصل بعمقها للمجتمع والأمة.
  • في حال حدوث تعسف أو إساءة تطبيق من قبل الولي بما يخالف مقاصد الولاية في تحقيق المصلحة وجلبها أو دفع المفسدة عن المرأة والأسرة، يمكن إحالتها إلى ولي آخر أمين حريص على تحقيق مصلحة الفتاة والأسرة، ولو كان أبعد لتحقيق مناط الحكم في الولاية ومقاصدها على أن يبقى أمر معالجة المسألة ضمن نطاق الأسرة والعائلة قدر الإمكان، ولا يُرفع الأمر إلى القضاء مباشرة. فإذا تعذر ذلك كله (ضمن ظروف استثنائية) ولم تتمكن الأطراف المتنازعة من حل الخلافات الأسرية في هذا السياق، رفع الأمر إلى القضاء لمباشرة المرأة للعقد بنفسها مع تأكيد ضرورة إعلام الأولياء والتأكد من ذلك، فيزال الضرر الأشد بالضرر الأخف. ليس لقصور في المرأة وما شابه، بل حرصا على تحقيق مناط الحكم في تطبيق مقاصد تشريعها الأسرية والاجتماعية، وبعدا عما يمكن أن يؤول إليه الأمر من الوقوع في أشكال زواج تخالف مقاصد التشريع فيه.
  • ضرورة مراعاة الفروقات والموازنة بين أحوال المجتمعات قبل الانسياق في دعم هذا الرأي الفقهي أو ذاك بشكل عام. فالحاجة ماسة إلى مستويين من الفقه: فقه شرعي قائم على فقه النصوص ومقاصدها وفقه واقعي قائم على دراسة الواقع المعاش بكل إحداثياته. وهو أمر ينبغي الاهتمام فيه بالجهود الجماعية الفقهية الاجتماعية المقاصدية المتنوعة للتوصل إليه والتأكد من تحققه.
  • ضرورة الاهتمام باعتبار عوامل الزمان والبيئة والأفراد في تطبيق الأحكام الفقهية الأسرية وغيرها، ولا يعني ذلك الخضوع لضغوطه والانسياق نحو التحلل من أحكام الشريعة وثوابتها والدخول في دواعي الحكم بالأهواء تحت شعار فقه الواقع أو الموازنات.
  • ضرورة الإلمام ولو بجزء يسير بمعطيات العلوم الإنسانية ونحوها من آليات لا يمكن الاستغناء عنها في حكم المجتهدين على المصالح والمفاسد والموازنة بينها ومآلاتها.
  • ضرورة الاهتمام بالتنشئة الأسرية والاجتماعية الصحيحة للأفراد ذكورا وإناثا ضمن مؤسسات التنشئة وعلى رأسها الأسرة. الأمر الذي يتطلب إدخال قيم التشاور والحوار وما شابه إلى مناخات التربية للحفاظ على الاستقطاب الأسري للأبناء في ظل التحديات الراهنة.
  • الاهتمام بالاجتهاد الجماعي والتشاوري وتداول الرأي بين ذوي الخبرة في مختلف المجالات الخاصة بالمشكلات الإنسانية المطروحة، والخروج قدر الإمكان عن إطار القوالب الجاهزة في المعالجات. مع الاهتمام بالتواصل بين الجامعات ومراكز البحوث والمجامع الفقهية على مستوى العالم الإسلامي، وتوظيف البحث العلمي في معالجة القضايا الراهنة والإشكاليات المعقدة بأبعادها الإنسانية والفقهية ليعود الفقه من جديد إلى إطار الواقعية.

هوامش البحث

1- رقية طه العلواني، أثر العرف في فهم النصوص.. قضايا المرأة أنموذجا، دار الفكر، دمشق، 2003م. 2- انظر: معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق: عبدالسلام هارون، دار الجيل، بيروت بيروت: دار الجيل، 1411هـ، مادة ولي، 141/6. مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1407، مادة "ولي"، ص 1732. 3- سورة الأنفال، 72. 4- محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، دار المعارف، بيروت، بدون تاريخ، مادة ولي، ج8، ص 4290. 5- ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، ت: طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، دار الباز، مكة المكرمة، بدون تاريخ، مادة "ولي 5/227). 6- انظر المراجع التالية: أبو عبدالله محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار الكتب العلمية، 1408هـ، ج 184/3. أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: محمود شاكر، دار التربية والتراث، مكة المكرمة، بدون، ج424/5. وانظر أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي، البحر المحيط، اعتنى به: زهير جعيد، المكتبة التجارية، مكة المكرمة، بدون تاريخ، ج2/ 618. 7- http://www.elazhar.com/mafaheemux/28/14.asp 8- انظر: الأحوال الشخصية للدكتور أحمد الحجي الكردي، منشورات جامعة دمشق، دمشق، ط 7، ص 72. 9- انظر: نمر بن محمد الحميداني، ولاية الشرطة في الإسلام دراسة فقهية تطبيقية، دار عالم الكتب للطباعة والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية، 1994م، ص 16. 10- فؤاد عبد المنعم أحمد، شيخ الإسلام ابن تيمية والولاية السياسية الكبرى، دار الوطن، الرياض، 1417ه، ص 98. وابن تيمية رحمه الله من أبرز من استعمل الولاية بمعنى الوظيفة ذات المسئوليات. 11- رواه البخاري في «صحيحه» كتاب النكاح. باب ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾. 12- الحميداني، مرجع سابق، ص 141. 13- خالد الجابري والدكتور يونس التكريتي، الأمن الاجتماعي، ندوة فكرية، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1997م، ص 207. 14- علاء الدين جاسم، ملامح التنشئة الاجتماعية للطفل في الخليج العربي، بحث منشور في مجلة العلوم الاجتماعية العراقية، العدد الثالث، مطابع العمال المركزية، 1979م، ص 11-12. 15- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، على الرابط الالكتروني: ج 2، http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=1145&idto=1145&bk_no=12&ID=304 16- الكردي، مرجع سابق: http://www.al-eman.com http://www.islamicfatwa.net/index.jsp?inc=17&id=143&type=3&cat=8 17- من أمثلة هذه الدراسات: شوقي علام، الولاية في عقد النكاح "دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي"، مكتبة الوفاء القانونية، 2012م. رشدي شحاتة، الاشتراط في وثيقة الزواج في الفقه الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية "دراسة مقارنة"، مكتبة الوفاء القانونية، 2011م. عبدالعزيز عامر، الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية فقها وقضاء، دار الفكر العربي، 1976م وغيرها كثير. 18- ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق وتخريج: عبدالله العبادي، دار السلام، 1414ه، ج2، ص 809. 19- ابن رشد، المرجع السابق، ج2، ص 810 وما بعدها. 20- أبو سهل محمد بن أحمد السرخسي، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، 1993م، ج5، ص 10. 21- تقي الدين ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد، المملكة العربية السعودية، 1995م، كتاب النكاح، ج 32، ص 52. 22- ابن قيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1998م، ج5، على الموقع الالكتروني: http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom 23- الكاساني، مرجع سابق، كتاب النكاح، على الرابط: http://www.al-eman.com 24- محمد فتحي الدريني، الخطبة والولاية في عقد الزواج ومدى صلتهما بقانون الإعفاف العام، بحث منشور على الموقع الالكتروني: http://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?id=26725 25- أنظر حول هذه النقطة عمر عبيد حسنة، حتى يتحقق الشهود الحضاري، المكتب الإسلامي، دمشق، 1991/1412م، 166 وما بعدها. 26- تنبه العديد من الكتاب المعاصرين إلى هذا الخلط بين الأعراف والدين، ومنهم على سبيل المثال: محمد الغزالي، قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، دار الشروق، بيروت والقاهرة، 1990/1410م). مروان إبراهيم القيسي، المرأة المسلمة بين اجتهادات الفقهاء وممارسات المسلمين، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو، المغرب، 1411/ 1991م، 19. عبد الله فهد النفيسي، على صهوة الكلمة، كويت، 1411 / 1990م، 164 وما بعدها. وفي هذه النقطة أنظر كذلك: Amira El AzharySonbol, Women, the Family, and Divorce Laws in Islam in History, Syracuse University Prss, New York, 1996, p. 34. 27- أنظر في تحليل هذا المفهوم: هشام شرابي، النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي، ترجمة: محمود شريح، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 1993م، 33 وما بعدها. 28- تفجرت العديد من الممارسات الممقوتة تجاه المرأة الغربية بناءً على قواعد راسخة في العقلية الغربية وطدت دعائمها وغرست جذورها الأساطير اليونانية والتقاليد الرومانية من جهة، وما تضمنته أقوال وتعليمات العهد القديم وأقوال بولص المعروفة في الخطيئة المتوارثة ودور حواء وبناتها من بعدها في توريث البشر لها. وقد ظهرت مظاهر تلك النظرة العدوانية المتوارثة ضد المرأة في أشكال بالغة الوحشية، ولعل أبرزها حملات القمع التي وقعت في نهاية القرن الخامس عشر واستمرت إلى عام 1680م، بدعوى حرب الساحرات والمتشيطنات وراح ضحيتها بقدر ما راح في حروب أوروبا قاطبة حتى عام 1914م. للمزيد حول هذه النقطة، أنظر: Alvin J. Schmidt, Ibid, 51-54. Danise Lardner Carmody, Women & World religions, Prentice Hall Inc, New Jersy, 1989, p. 174. وبرز التيار النسوي تاريخيا في المجتمع الليبرالي الرأسمالي كحركة تحرير المرأة في القرن التاسع عشر نتيجة لتردي وتدهور أوضاع المرأة في ظل الثورة الصناعية وما تلاها. وفي عام 1966م تم. إنشاء الجمعية الوطنية للمرأة the National Organization for Women في الولايات المتحدة للمطالبة بحقوق المساواة للمرأة. أنظر في تاريخ النسوية في أوروبا: Judith A. Sabroskuy, From Rationality to Liberation; The Evaluation of Feminist Ideology, Greenwood Press, London, 1979, pp. 13-19. وانظر كذلك: هبة عبد الرؤوف، المرأة والعمل السياسي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أمريكا، 1416/ 1995م، ص 50 وما بعدها. وكذا كتابنا: أثر العرف في فهم النصوص، مرجع سابق. 29- عبد الوهاب المسيري، 1995م، هاتان تفاحتان حمراوتان، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أمريكا، دراسة في التحيز وعلاقة الدال بالمدلول، إشكالية التحيز رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد، ج 1، 174-175. 30- عبدالحميد أبو سليمان، مقال بعنوان: المساواة لا تعني التماثل.. ليس الذكر كالأنثى، صحيفة عكاظ، العدد 4253، نشر بتاريخ: 7 فبراير/ 2013م. المملكة العربية السعودية. 31- مصطفى السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، دار الوراق للطباعة والنشر، 1999م، ص 203-204. 32- حول هذه النقطة راجع: محمد عبد العليم مرسي، التربية ومشكلات المجتمع في دول الخليج العربية. مشكلة العمالة الأجنبية – مشكلة الطاقة، مع نموذج للتطبيق (معالجة إسلامية)، دار الإبداع الثقافي للنشر والتوزيع، 1415هـ / 1995م. 33- Fatima Mernissi, The Muslim World; Women Excluded from Development: USA: Overseas Development Council, 1976.p.p.1-5. 34- ثريا التركي، القيم الاجتماعية ودور المرأة في التنمية، تحرير: هبة نصار وصلاح سالم، مركز دراسات وبحوث الدول النامية، القاهرة، 1999م، ص 39. 35- هالة الدسوقي، العنوسة ناقوس خطر يهدد الأسر العربية، مقال منشور بتاريخ 7/ 8/ 2009م، الرابط: https://sites.google.com/site/socioalgeri/Am-alajtma/drasat-msryte/Inwste-naqws-khtr-yhdd-alasr-alrbyte 36- انظر في ذلك دراسة الدكتور عبد الملك المطلق في المملكة العربية السعودية حول الزواج العرفي ومفاسده على الرابط: http://www.islammemo.cc/2006/11/11/18846.html 37- انظر بعض المراجع حول الزواج العرفي: هلال يوسف، أحكام الزواج العرفي، الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، 1995. وحول إحصائيات الزواج العرفي وتزايده انظر مركز أمان على الرابط: http://www.amanjordan.org/a-news/wmview.php?ArtID=7122 وفي آثاره ومديات انتشاره: ياسمين خليل، الآثار الاجتماعية للزواج العرفي والمشكلات التي تترتب عليه على الرابط: https://sites.google.com/site/socioalgeri/Am-alajtma/drasat-msryte/alathar-alajtmayte-llzwaj-alrfy 38- علي عبدالرزاق جلبي، الزواج العرفي على الرابط الالكتروني: https://sites.google.com/site/socioalgeri/Am-alajtma/drasat-msryte 39- أسامة بن عمر الأشقر، دراسة شرعية وقانونية واجتماعية للزواج العرفي، على الرابط الالكتروني: https://sites.google.com/site/socioalgeri/lm-alajtma/drasat-msryte/draste-shryte-wqanwnyte-wajtmayte-llzwaj-alrfy 40- http://www.amanjordan.org/a-news/wmview.php?ArtID=9092 41- الشاطبي، مرجع سابق، ج 5، ص 177. 42- ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج32، كتاب النكاح. 43- محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق ودراسة: محمد الطاهر الميساوي، ص 435-436. 44- عمر الأشقر، أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة، دار النفائس للنشر والتوزيع، 1997م، ص 119-120. 45- أحمد بن إدريس القرافي، الفروق، دار الكتب العلمية، بيروت، 1998م، ج 3، ص 206. 46- محمد الكدي العمراني، فقه الأسرة المسلمة في المهاجر هولندا نموذجا، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001م، المجلد الأول، صفحة 314. 47- الخمار البقالي، عضل الولي في بلاد الغرب صوره وأحكامه ومواقف أئمة المساجد والمراكز الإسلامية والقاضي منه، بحث مقدم إلى الدورة الثانية عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة بتاريخ: 07-07-2004م. 48- حسن، محمود، الأسرة ومشكلاتها، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1981، ص 284. 49- مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، ترجمة: عبدالصبور شاهين، ص 93. 50- عبدالحليم أبو شقة، تحرير المرأة في عصر الرسالة، دار القلم، الكويت، ط4، 1995م، ج5، ص 74. 51- مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، ترجمة: عبدالصبور شاهين، ص 93. 52- أبو شقة، مرجع سابق، ج 5، ص 76. 53- بتصرف عن: سعاد إبراهيم صالح، قضايا المرأة المعاصرة، رؤية شرعية ونظرة واقعية، ص 64. 54- بتصرف شديد عن: "حقيقة موقف الشريعة الإسلامية من القضية النسائية"، يعقوبي خبيرة، جامعة الصحوة الإسلامية، الدورة الخامسة "حقوق المرأة وواجباتها في الإسلام" الرباط 8-9 رجب 1419 هـ / 29-30 أكتوبر 1998م، منشورات وزارة الأوقاف 1420 هـ - 1990، 1/203-204، نقلا عن: رشيد كهوس أبو اليسر، روضة المحتاج في مقاصد ولاية الزواج على الرابط: http://www.islamfeqh.com/News/NewsItem.aspx?NewsItemID=1631 55- تقي الدين ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد، المملكة العربية السعودية، 1995م، كتاب النكاح، ج 32، ص 52. 56- بتصرف عن: مصطفى بنان، مدونة الأسرة أية مآلات، مجلة الفرقان المغربية - العدد 50 1425 هـ - 2004م، ص 20. 57- منصور بن يونس البهوتي، الروض المربع شرح زاد المستقنع، النكاح، على الرابط الالكتروني: http://islamport.com/w/hnb/Web/832/126.htm 58- يوسف القرضاوي، أولويات الحركة الإسلامية، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط12، 1411ه/ 1991م، ص 30 وما بعدها. 59- ابن عابدين، محمد أمين، مجموع الرسائل، السعودية، مكتبة المتنبي للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1998م، ج 2 ص 123؛ الزرقا، مصطفى أحمد، المدخل الفقهي العام، دمشق، دار القلم، ط2، 2002م، ج 2 ص 923,924. 60- حول تلك الفلسفة: عبد المنعم الحفني، الموسوعة الفلسفية، دار ابن زيدون، بيروت، بدون تاريخ، ص 482. 61- جمال الدين عطية، كيف نتعامل مع الواقع، المسلم المعاصر، العدد 75، فبراير-يوليو 1995م، ص 190، وانظر كذلك حول الموضوع: عبدالمجيد النجار، فقه التدين فهما وتنزيلا، كتاب الأمة، الصادر عن مركز البحوث والدراسات، في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة قطر، العدد 22، 23. وكذلك: وورقية عبدالرزاق، ضوابط الاجتهاد التنزيلي في ضوء الكليات المقاصدية، دار لبنان للطباعة والنشر، 2003م. وانظر كذلك: بشير بن مولود جحيش، الاجتهاد التنزيلي، كتاب الأمة الصادر عن مركز البحوث والدراسات، في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة قطر، الرقم 93 وغير ذلك. 62- ابن عابدين، مجموعة الرسائل، دار إحياء التراث العربي، 1980م، ج 2، ص 125 وما بعدها. 63- ابن خلدون، المقدمة، تمهيد: علي عبد الواحد وافي، مطبعة نهضة مصر، د.ت، ص 320. 64- صبحي الصالح، معالم الشريعة الإسلامية، دار العلم للملايين، بيروت، ص 68 وما بعدها. 65- محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص92، 93. 66- الشاطبي، مرجع سابق، ج 4، ص 71. 67- أحمد بوعود، فقه الواقع أصول وضوابط، كتاب الأمة رقم 75، مركز البحوث والدراسات بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر. 68- على موقع المجلس الالكتروني: http://www.e-cfr.org/ar 69- بتصرف عن: ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 30، ص 80. 70- انظر على سبيل المثال: الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط، يوسف القرضاوي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1418. 71- عمر عبيد حسنة، تأملات في الواقع الإسلامي، المكتب الإسلامي، دمشق، 1411هـ/ 1990م، ص 22. 72- في أهمية الاجتهاد الجماعي ومقوماته: محمد فاضل الجمالي، رأي في تكوين المجتهد في عصرنا الحاضر. مجلة المسلم المعاصر. 1404هـ / 1984م، ص 129 وما بعدها. 73- انظر على سبيل المثال: محمد سلام مدكور، الاجتهاد في التشريع الإسلامي، دار النهضة العربية، بيروت، 1404 / 1984م، ص99. محمد مصطفى شلبي، المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي، بيروت، دار النهضة العربية، 1403ء/ 1983م، ص 267. 74- مليحة عوني، وصبيح عبد المنعم احمد، علم اجتماع العائلة، بغداد، 1984م، ص 127. 75- الشاطبي، مرجع سابق، ج4، ص 191.


ولاية الشراكة في الزواج
تنزيل البحث ←