د.رقية العلواني

جميع البحوث

منهج ابن خلدون في إصلاح العملية التعليمية

منهج ابن خلدون في إصلاح العملية التعليمية

د. رقية طه جابر العلواني كلية الآداب جامعة البحرين

مقدمة

شهدت الأعوام الأخيرة جهوداً واسعة لإصلاح التعليم، وتضافرت الدعوات في مختلف الدول لإصلاح النظم التعليمية، وضرورة استناد العملية التعليمية إلى تقويم يكشف عن عناصر القوة والضعف في النظم المطبقة. والتراث العربي والإسلامي لم يخل من الاهتمام المتواصل بالعملية التعليمية وإصلاحها في القديم والحديث.

وقد برز في هذا المضمار عدد من الأعلام من أمثال الغزالي وابن سينا وغيرهما، ويُعد ابن خلدون واحداً من أبرز العلماء العرب الذين قدموا للفكر التعليمي الإصلاحي مقدمات منهجية لا غنى للباحث في إصلاح العملية التعليمية عنها، خاصة أنها جاءت متسمة بالواقعية، والبعد عن التصورات النظرية، والاهتمام بالربط بين التعليم والدور الوظيفي له في الحياة.

ولم تنحصر إسهامات ابن خلدون في توصيف الطريقة المتبعة أو المنهج فحسب، بل تعرض إلى أبجديات المنهج والممارسات التربوية المختلفة بفكر نقدي واقعي متجاوز الأطر معارف زمانه وعصره. فالتعليم في الفكر الخلدوني عملية اجتماعية في مضمونها وجوهرها وأهدافها ووظيفتها، ولا يمكن فصلها عن المجتمع، وهي تعبر عن حاجة الأفراد وحاجة المجتمع.

ولسنا نعهد للادعاء أن ابن خلدون هو مؤسس علم التربية، أو علم التدريس بقدر ما نريد الكشف عن الارتقاء الذي وصل إليه المنهج الخلدوني في التعليم، ونقاط الالتقاء بين الأفكار الخلدونية ومعطيات وأسس التعليم الحديث.

وهذه الورقة تروم الوقوف على أبرز معالم ومفردات المنهج الخلدوني في إصلاح العملية التعليمية، كما تحاول تقديم مقترحات المراجعة واقع العملية التعليمية اليوم من خلال النظر والإفادة من منهج ابن خلدون، بالمقارنة مع المعطيات التربوية الحديثة عن القيم والأهداف ومحتوى التعليم وجودته وطرائقه.


171

مقدمات معرفية

تتناول هذه الدراسة قضية الإصلاح في العملية التعليمية ويُراد بالإصلاح: العمل على تصحيح الأخطاء وحل المشكلات المتعلقة بمسيرة العملية التعليمية في محاولة للوصول إلى أحسن المستويات. والناظر في مختلف الأيديولوجيات والنظريات التعليمية التي وجدت في التاريخ البشري، يلحظ أنها تمثل تصوراً لإصلاح التعليم وتعمل على تطبيق ذلك التصور إن تسنى لها ذلك.

ومما لاشك فيه أن هناك حاجة حقيقية في كل منهج بشري إلى إعادة النظر فيه بين الحين والآخر، لتقويمه مرحليًّا (Initial Evaluation) أو ختامياً (Summative Evaluation) بحسبانه منهجا وضعه بشر، وتم تقديمه في ظرف معين، لمعالجة مشكلات محددة، أو توجيه تعاليم، أو زرع سلوكيات. والتعليم ليس بدعاً من تلك المناهج التي تحتاج إلى المراجعة والإصلاح والتغيير بين الفينة والأخرى، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها العالم.

وهذه حقيقة دعا إليها أهل الفكر والذكر من علماء الأمة مؤكدين أن لا صلاح للتعليم إلا بإحداث تغييرات جذرية في بناء هيكل التعليم واعتماد خطة الإصلاح على تنمية مختلف المهارات للمتعلم والاهتمام بإعداد المعلم وتكثيف الإنفاق على التعليم.1

فالإنسان هو المورد البشري الأهم في عملية التنمية اللازمة، والإنسان له مصادر ومؤثرات ومقومات لنشأته وتربيته، والتعليم يقع في قلب تلك المؤثرات. ومن هنا كانت أهمية الاهتمام بتعليم الإنسان وبتنمية كل طاقاته بكل ما فيها من ابتكار وقدرة على التجديد... وليست الطاقة الذهنية في حدودها الضيقة القائمة على مجرد حفظ المعلومات والمعارف.

والناظر في التاريخ الإسلامي القديم والحديث يجد كماً هائلاً من الأدبيات التي تناولت هذه المسألة من زوايا متعددة. وتزداد أهمية الرجوع إلى هذه الأدبيات في الوقت الراهن إذ إن عملية الإصلاح ينبغي أن تنبثق من داخل المنظومة القيمية للأمة وواقعها لا من خارجها، مع إمكانية الاستعانة ببعض الآليات اللازمة في المسائل الفنية والتكنولوجية من الخارج.

فالاعتماد على الخبرات الأجنبية في إصلاح التعليم واستزراعها دون تقييم أو تحليل ونقد لما فيها، أمر له محاذير عدة؛ فمناهجهم وخبراتهم نتاج بحث لواقعهم المغاير لواقعنا وأصوله وقيمه. ويبقى التعليم في أساسه صناعة وطنية قومية، وهذه الصناعة تستفيد من منجزات الحضارة الإنسانية لتحسين إنتاجها الوطني القومي، وليس لغرسها لكي تنتج صناعة جديدة في بيئة غير مواتية.2

المبحث الأول: سمات المنهج الخلدوني في إصلاح العملية التعليمية

أولاً: الواقعية

يتسم المنهج الخلدوني بالواقعية والبعد عن المثالية المبنية على تصورات نظرية، وعناية ابن خلدون بموضوع التربية ليست عناية الباحث المنظر، الذي لا شأن له بالتطبيق العملي، بل كان يمارس ذلك كل يوم في حلقات الدروس في الكتاتيب والمدارس. فقد عمل بالتدريس في تونس ثم رحل إلى القاهرة عام 784هـ بعد متاعب صادفته في تونس. واشتغل بالتدريس مرات كثيرة حتى توفي في مصر عام 808هـ. يقول في ذلك: «ولما دخلتها أقمت أياماً وانثال على طلبة العلم بها يلتمسون الإفادة مع قلة البضاعة ولم يوسعوني عذراً فجلست للتدريس بالجامع الأزهر منها».3

ومما أسهم في تكريس واقعيته في مسألة الإصلاح التعليمي، تنقله في عدد من بلدان المغرب والأندلس واحتكاكه بالعلماء والأدباء في مختلف الفنون والعلوم. فقد أكسبته هذه الرحلات والجولات فرصة الاطلاع على التعليم وأحواله في بلدان مختلفة، كما وفرت له سبل الاتصال بعدد من العلماء؛ مما أسهم في وقوفه على الكثير من مناهج التعليم وأساليبه في مختلف الأقطار التي عاش فيها وتنقل بينها. وقد اتضح ذلك في ملاحظاته ومقارناته بين مذاهب التعليم في الأمصار الإسلامية.4

ثانياً: الأصالة

لاحظ ابن خلدون أن المناهج والبرامج المتبعة في زمانه، ليست في حالة اعتدال، سواء في صورتها أو مادتها، لإهمالها كثيرا من المبادئ الخالدة التي جاء بها الإسلام، فهو يرى أن تبدأ العملية التعليمية بتعليم القرآن؛ وفي ذلك دلالة واضحة على أصالة المنهج الإصلاحي في الفكر الخلدوني، فهو فكر منبثق من مناهج القرآن والسنة.

يقول في ذلك: «اعلم أن تعليم الولدان للقرآن، شعار الدين، أخذ به أهل الملة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي يبني عليه ما يحصل بعد من الملكات، وسبب ذلك أن التعلم في الصغر أشد رسوخاً، وهو أصل لما بعده؛ لأن السابق الأول للقلوب كالأساس للملكات، وعلى الأساس وأساليبه يكون حال من يبنى عليه».5 وأما طريقتهم في تعليم الصبيان في الكتاتيب، فيصفها العلامة ابن خلدون بقوله: «فأما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه، لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم، لا من حديث، ولا من فقه، ولا من شعر، ولا من كلام العرب، إلى أن يحذق فيه أو ينقطع دونه».6

وتتضح أهمية هذه السمة في إصلاح العملية التعليمية اليوم، حيث تعددت الدعوات المطالبة بإصلاح التعليم في بلادنا، الأمر الذي يستدعي ضرورة الالتزام بالأصالة والانبثاق من القيم الأصيلة للدين المتمثلة في الكتاب والسنة الصحيحة في عمليات الإصلاح والتغيير، حيث إن استزراع المناهج الإصلاحية المختلفة دون الاهتمام بالفوارق الجوهرية والأسس البنيوية لها، أمر لا يخلو من مخاطر عديدة كما سبقت الإشارة إليه.

المبحث الثاني: إصلاح المنهج التعليمي في الفكر الخلدوني ومقارباته الحديثة

التمهيد

يراد بالمنهج التعليمي: الأداة الفاعلة في تحقيق أهداف التربية الرامية لبناء الإنسان وتنمية قدراته المختلفة ومهاراته واكتسابه طرق التفكير؛ ولذا عُد المنهج الترجمة الفعلية لأهداف التربية وتوجهاتها في المجتمع.

فالمنهج بمعناه الحديث: مجموعة الخبرات المتنوعة التي تقدمها المؤسسة التعليمية إلى الطلبة داخلها وخارجها لتحقيق النمو الشامل المتكامل في بناء الفرد، وفق أهداف تربوية محددة، وخطة علمية مرسومة جسمياً وعقلياً ونفسياً واجتماعياً ودينياً.7

وهذا التعريف - الذي تتبناه هذه الدراسة - يتخذ مجالاً أوسع من الاتجاهات التقليدية التي ترى المنهج مبنياً على المعرفة فقط.8 الأمر الذي يجعل من المنهج مرادفاً في مفهومه للمقررات الدراسية، ويحدد دور المعلم بنقل المعلومات والشرح والتفسير والتوضيح فحسب.

فالمفهوم الضيق للمنهج التعليمي يهمل النشاطات المختلفة التي تتم خارج قاعة التدريس، ويحصر المتعلم بين دفتي الكتاب المقرر دون الاهتمام بمحاولة مساعدة المتعلم على تفهم بيئته ومشكلاتها، أو تنمية توجهاته القيمية والاجتماعية المسايرة لمجتمعه وواقعه المعاش.9

من هنا كان النظر في المنهج التعليمي يشمل قدرة المنهج على تحقيق أهداف التعليم التي ينبغي أن تكون سابقة لعملية وضع المناهج وتوصيفها، واستراتيجيات التعليم، ودور المعلمين والمتعلمين. وابن خلدون تعرض لهذه المستويات بأسلوب اتسم بالإيجاز والعمق في آن واحد.

وقد خصص ابن خلدون الباب السادس من مقدمته المشهورة، للبحث في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه، وسائر وجوهه وتعرض لاختلاف الأمصار الإسلامية في طرق التعليم.

ويمكن تقسيم المنهج الخلدوني في إصلاح العملية التعليمية على النحو الآتي:

أولاً: أهداف العملية التعليمية

لا ينبغي أن تنصرف أهداف العملية التعليمية إلى تكوين المعرفة فحسب، بل ينبغي أن تمتد لتشمل جميع جوانب السلوك الإنساني. وتتأكد هذه الأهمية لأهداف التعليم في عصرنا الحاضر المتسم بالانفتاح على ثورات المعلومات والاتصالات، والتقنية، والإعلام... الأمر الذي يستلزم من العملية التعليمية الإسهام في تكوين شخصية ثقافية مؤهلة، تحسن وتتقن التعامل مع أدوات العصر الراهن، مؤهلة اختصاصياً وتربوياً وتقنياً.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن إشكالية تحديد أهداف التربية العامة لا تزال حاضرة في مدارس التربية الحديثة. وقد استعرض العالم (رونالد كوروين) تفاصيل الخلاف حول تحديد هذه الأهداف عند علماء التربية والاجتماع. فبعضهم يرى حصرها في مجرد التحصيل الذهني، ويرى آخرون ضرورة تركيزها على الارتباط بين فاعلية التربية والنجاح الوظيفي، ويرى فريق ثالث أنها ينبغي أن تنصرف إلى تطوير استقلال الشخصية والدقة في العمل والتكيف مع متطلبات التغير التكنولوجي والبراغماتية النفعية.10

إلا أن ابن خلدون في منهجه التعليمي يقدم أهدافاً واضحة تنشأ من صميم حاجة الفرد والمجتمع؛ فقد اهتم ابن خلدون بالنواحي الاجتماعية في كتاباته، واعتبرها مصدراً تشتق في ضوئه الأهداف التربوية للتعليم.

وهذه اللفتة المنهجية الخلدونية تتأكد الحاجة إليها في مجتمعاتنا التي يخضع النشء فيها لمؤثرات عقلية وذهنية وقيمية تتعلق جميعها بنمط تربوي بعيد عن هويتها الأم. فالتدخل السافر في تشكيل العقلية الشبابية في مجتمعاتنا، يفرض على المؤسسات التعليمية والتربوية بناء تربية مستقلة تحافظ على هوية النشء ونمطية تفكيرها.

ويمكن إجمال أهداف العملية التعليمية في المنهج الخلدوني فيما يلي:

  • الإعداد الأخلاقي يؤكد ابن خلدون أهمية التربية الدينية التي هي أصل الإعداد الأخلاقي للمتعلم، ويرى ابن خلدون أنها ينبغي أن تبدأ منذ مرحلة الطفولة، ويرى أن تعليم الأطفال للقرآن الكريم من أولويات التربية، فالقرآن هو أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات، باعتبار أن تعليم الصغر أشد رسوخاً. ويهتم ابن خلدون بتكوين العادات السلوكية والقيم الفاضلة؛ ليكون الخلق جبلة وطبيعة لدى الفرد. يقول في ذلك: «إن الإنسان ابن عوائده ومألوفه لا ابن طبيعته ومزاجه، فالذي ألفه في الأحوال صار خلقاً وملكة وعادة تنزل منزلة الطبيعة والجبلة».11 وقد تناولت الفلسفات التربوية الحديثة هذه الناحية وأشبعتها دراسة ما بين اتجاهين: تمثل الأول في الفلسفة البراغماتية التي رأت أن رغبات الفرد فضائل في حد ذاتها، وله الفرصة في ممارسة ما يشاء منها، والثاني الذي رأى في الفضيلة إبداعات عقلية تترك للفرد نفسه. ويواجه المختصون أزمة في تحديد الحد الأدنى للأخلاق، ويرى (جون وايت) أن يترك للفرد تحديد مستوى الأخلاق التي يمارسها، فإذا تعارضت المصلحة الفردية مع الحد الأدنى للأخلاق، فللفرد أن يهبط بالحد الأدنى إلى درجة الصفر، ويرى وايت أن هذه التربية الأخلاقية ستكون عند قطاع كبير من سكان الأرض.12

  • الإعداد العقلي من أبرز مهام المؤسسة التعليمية في الوقت الحاضر إعداد الفرد فكرياً وعقلياً، وتنمية قدرات المتعلم العقلية على التفكير العلمي، بحيث يصبح قادراً على حل المشكلات التي تواجهه والربط بين الظواهر واستخلاص القوانين التي تحكمها. وتعد تنمية العقل من أبرز وسائل التنمية البشرية والفارق بين المنهج الخلدوني والمناهج الحديثة واضح تماماً، فالمؤسسات التربوية الحديثة لم تحفل بإفراز الإنسان المتصف بالضوابط الأخلاقية القيمية بقدر ما ركزت على تعامله وفق مصالحه ورغباته بصرف النظر عن المنظومة القيمية الأخلاقية. والملاحظ أن هذه الإفرازات قد تسربت إلى كثير من البلدان العربية اليوم. يقول في ذلك الدكتور عمار: «ارتبط التعليم بالشهادة التي تقيس ما حصله الإنسان من معلومات، وأصبحت الشهادة هي صاحبة الحق في منح المواطن عملاً معيناً. واقتصرت الشهادة كذلك على أن قدراً معيناً من المعرفة يحفظه الإنسان يجيز له الالتحاق بعمل معين، على حين أن الإنتاج لهذا العمل يحتاج إلى قيم منها المثابرة والبذل والتضحية، وكل هذه القيم غير واردة في مناهج تعليمنا بالوطن العربي... بل تقتصر عملية التعليم على حفظ المعلومات ومنح شهادات تقوم المواطن بما حصل من معلومات، ومن ثم فإن الجوانب الأخرى مهملة تماماً، ولا بد أن تأخذ مكانها في نظمنا التعليمية سواء كانت رياضية بدنية، أو تربية روحية واجتماعية، أو تربية سياسية وثقافية، وبدون ذلك فإن جهود تعليمنا في التكوين السليم والصحيح لشخصية المواطن العربي لن تؤدي إلى النجاح المطلوب».13 ومن الإنصاف القول بأن المؤسسات التعليمية في الغرب تقدمت تقدماً ملحوظاً في ميدان دراسة القدرات العقلية ومجالات تنميتها، وقطعت شوطاً هائلاً في توظيف القدرات العقلية للمتعلمين بما يناسب الثورة العلمية والتفجر المعلوماتي المعرفي المهول. ومن الاتجاهات التربوية الحديثة في هذا، تنمية الإعداد العقلي عن طريق:

    • تبني مبدأ التعلم الذاتي والتعلم المستمر، لملاحقة تحديات عصر انفجار المعلومات والتطور السريع الملازم له.
    • تنمية قدرة المتعلم على الربط بين ما يتعلمه داخل المؤسسة التعليمية ومشكلات واقعه الحقيقي خارجها، وهو ما يعرف اليوم بالتعلم الواقعي Authentic Learning. ويظهر المنهج الخلدوني متقدماً من خلال ملاءمته لأحدث الإسهامات التربوية في الإعداد العقلي للمتعلم، بل وسبقه لها، ولكن دون الدخول في تفصيلات كبيرة كما هو الشأن بالنسبة لعصرنا الحالي الذي تشعبت فيه التخصصات. فقد ذهب ابن خلدون إلى أهمية الحوار والجدل والمناظرة بين المعلم والمتعلم. فالحوار يساعد على تفتق الذهن واتساع المدارك وفك عقال اللسان الذي يكون بواسطته نقل العلم. كما اهتم ابن خلدون ببيان أدوات المعرفة كالحواس والتجربة ودورها في تنمية القدرات العقلية، كالتأمل العقلي والتجربة والمشاهدة. بل إن ابن خلدون اهتم بتحديد مستويات العقل البشري بالتمييزي والتجريبي والنظري. فليس المهم عند ابن خلدون معرفة القواعد والقوانين والاصطلاحات في حد ذاتها، وإنما المهم المقدرة على استخدامها والاستفادة منها عملياً أي التطبيق. من هنا كان تفريقه بين صناعة اللغة المتمثلة في قواعدها وقوانينها واصطلاحاتها وبين ملكة اللغة. وتعد عملية الإعداد العقلي في غاية الأهمية في تكوين الجدية التي تنافي التشدد، فالعقلانية تجعل الإنسان يتروى ويصبر ولا يستعجل في اتخاذ القرار. كما أن معرفة دور العقل واتخاذ الجدية التي تنافي التشدد، من الأمور المهمة في الجوانب التربوية. وهذه اللفتة التربوية في غاية الأهمية اليوم حيث تحول التعليم ومؤسساته في كثير من الأحيان إلى مواقع خلفية تنعدم فيها الحرية، وتقتل فيها روح المبادرة والإبداع والتدريب وتشكيل المهارات. فالنظام التعليمي لا ينبغي أن يكون قائماً على حفظ المعلومات وتخزينها، بل ينبغي أن يسعى إلى تشجيع المهارات التفكيرية، التحليلية والتركيبية، وتوجيه هذه المهارات باتجاه البحث الفردي، مراعياً للفروقات الفردية كل حسب قدراته وإمكاناته. فالتعليم ليس تحفيظاً كما أن التعلم ليس حفظاً. وإنما هو على جانبيه إعمال للقدرات العقلية وكسب للزمن من أجل التمكن من المعرفة في هذا الحقل أو ذاك. إن وقوف مؤسسات التعليم بمختلف مستوياتها عند القدرة على الحفظ والاستظهار، وقصورها عن العمليات العقلية، يفرز آثاراً سلبية منها:
    • عجز الخريجين عن التفاعل والتفاهم والحوار مع أطراف المجتمع وشرائحه المختلفة. فالنقاش والتحليل والحوار يتطلب مهارات عقلية لا يمكن تنميتها من خلال الاكتفاء بقدرة الحفظ فحسب.
    • عجز الخريجين عن الاحتفاظ بهويتهم أمام التيارات الوافدة ورياح العولمة العاتية.
    • عجز الخريجين عن مد الجسور بين الأصالة والمعاصرة والتفاعل بين الماضي والحاضر.14 لقد طرح ابن خلدون نماذج عملية لتكريس القدرات العقلية وتنميتها، ومن ذلك تركيزه على الاهتمام بالكتابة والحساب، بوصفها مقومات للتربية العقلية وتنمية القدرات الفكرية. ويؤكد ابن خلدون أهمية تعليم هاتين الصنعتين لكونهما مفيدتين للعقل، فالكتابة تتضمن انتقالاً من الحروف الخطية إلى الكلمات اللفظية في الخيال ومن الكلمات اللفظية في الخيال إلى المعاني التي في النفس ويكون ذلك دائماً فيحصل لها ملكة الانتقال من الأدلة إلى المدلولات، وهو معنى النظر العقلي الذي يكتسب به العلوم المجهولة فتكسب بذلك ملكة من التعقل تكون زيادة عقل، ويحصل به مزيد فطنة وكيس في الأمور لما تعودوه من ذلك الانتقال.15 إن تكرار هذه العملية الذهنية المتضمنة في الكتابة من الحروف المرسومة إلى منطوق الحروف المرسومة، ومن منطوق الحروف المرسومة إلى الصورة الذهنية أو المعنى والعكس صحيح يكون ملكة الانتقال السريع بين الدوال والمدلولات. هذه الملكة تزيد العقل تعقلاً وفطنة وذكاء. وما طرحه ابن خلدون قبل عدة قرون، يقارب إلى حد كبير ما أشار إليه التربوي العالمي (مورتيمر ج. أدلر)16 وأكده في مقالاته ومؤلفاته حول تطوير تعليم القراءة والكتابة وقوانين ذلك وآثارها في المتعلم، ومنها قوله:

    One learns to write and read only by performing these acts, but since reading and writing are intellectual arts, the habits must be formed under the discipline of rules of art, moreover, intellectual habits cannot be formed intelligently unless the rules themselves are understood.17 كما ركز ابن خلدون على وسيلة تعلم الحساب ففي صنعته «تصرف في العدد بالضم والتفريق، وصنعة تحتاج إلى الكثير من البراهين والاستدلالات». من هذا التحليل يستنتج ابن خلدون أن الكتابة تقوي النظر العقلي، وأن الحساب يقوي العقل (العمليات الذهنية الصورية أو الشكلية أو المنطقية) لهذا يجب الاهتمام بتعليمهما.18 ويمكننا التأسيس على هذا بأن كل علم أو مهارة يمكن أن تنمي القدرات العقلية لدى المتعلمين، ينبغي الاهتمام بها والحرص على تهيئتها لهم في إطار المؤسسات التعليمية المختلفة كدراسة الحاسوب في عصرنا وغيرها من آليات حديثة.

ثانيا: استراتيجيات العملية التعليمية

  • الاستراتيجية الأولى: الطريقة التعليمية نمى ابن خلدون على طريقة التلقين والاعتماد على التعليم الكمي والتركيز على حجم المعلومات التي تنساب في أذهان المتعلمين. ويرى ابن خلدون أن التركيز ينبغي أن ينصرف إلى بناء التفكير الصحيح ولو مع علم قليل. يقول في ذلك: «اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيداً، إذا كان على التدريج شيئاً فشيئاً وقليلاً قليلاً، يلقى عليه أولاً مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب، ويقرب له في شرحها على سبيل الإجمال، ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه حتى ينتهى إلى آخر الفن، وعند ذلك يحصل له ملكة في ذلك العلم إلا أنها جزئية وضعيفة، وغايتها أنها هيأته لفهم الفن وتحصيل مسائله. ثم يرجع به إلى الفن ثانية فيرفعه في التلقين عن تلك الرتبة إلى أعلى منها، ويستوفى الشرح والبيان، ويخرج عن الإجمال، ويذكر له ما هنالك من خلاف ووجهه، إلى أن ينتهى إلى آخر الفن فتجود ملكته. ثم يرجع به وقد شدا فلا يترك عويصاً ولا مبهماً ولا مغلقاً إلا وضحه وفتح له مقفله؛ فيخلص من الفن وقد استولى على ملكته».19 من هنا كان اهتمامه بالتركيز على الفهم وإعمال الذهن وتشغيل قوى المخيلة، أكثر من شحن الذاكرة. وواقع التعليم عندنا اليوم يقوم في كثير من الأحيان على التكديس والحشو والتقليد والدوران في عقل السابق، بعيداً عن تنمية روح الإبداع والكشف والملاحظة والتجربة والتبصر واكتشاف الخطأ وبناء الشخصية الاستقلالية، فالتعليم عندنا يدور حول التلقين والحفظ وشحذ الذاكرة بعيداً عن التفكر والمقارنة والتمييز وتنمية التفكير، على حين أن الذاكرة والحفظ أولى وظائف العقل، والتفكير والمقايسة والمقارنة أعلى مراتب التفكير، فالإصرار على الحفظ والذاكرة يعني الوقوف عند أولى مراتب العقل، وعائقاً يساهم في طرد أصحاب العقل والتفكير. الأمر الذي يستدعي أهمية مراجعة كافة الوسائل التعليمية والمقررات ذات الصبغة الاستظهارية في محاولة لحل هذه الأزمة تدريجياً.

  • الاستراتيجية الثانية: محتوى المقرر التعليمي يعتبر ابن خلدون التعليم من (جملة الصنائع)، وهو فن لابد من الإلمام بأصوله وقواعده؛ لكي يتمكن المعلم الذي يمارسه من تأدية مهمته على الوجه المطلوب. وابن خلدون يعرف كيف يرتبط بين ما يبلغه فن التعليم من مستوى وبين البيئة الحضارية التي ينشط فيها، فالعلاقة بينهما طردية، وحيثما بلغت جماعة ما شأواً متقدماً في المضمار الحضاري تقدم معها فن التعليم ونفق سوقه. ويرى ابن خلدون أن التعليم يعني توصيل الحقائق المعرفية بين طرفين، ولا يقف بعض الوقت عند نوعين من صيغ التوصيل: الصيغة الشفافية التي تتم مباشرة بين العلم والمتعلم، والصيغة الكتابية التي تتم بشكل غير مباشر بينهما من خلال الكتب والمؤلفات. وهذه الصيغة هي أكثر ذيوعاً وانتشاراً؛ فالكتاب المنهجي أكثر دواماً وأكثر قدرة على الانتشار. ويتخذ ابن خلدون طريقاً وسطاً إزاء الكتاب التعليمي يتميز بالمرونة، ويهتم بما يعرف اليوم بسايكولوجية التعلم، والقدرات النفسية للمتعلم. وعلى هذا رفض ابن خلدون مفهوم الإكثار من التأليف وتحميل المناهج التعليمية المزيد من الكتب التي تعالج موضوعاً واحداً، لما يترتب عليه من إرباك ذهن الطالب وتضييع الوقت فيما لا مبرر له. ويرقى ابن خلدون بهذا الطرح إلى المستويات الحديثة التي تفرض على مصممي المنهاج ضرورة التفريق بين الضروريات والكماليات العلمية، وهو ما يعبر عنه ابن خلدون بالبسيط وبالمركب، وذلك بقوله: «ثم إن الصنائع منها البسيط ومنها المركب، والبسيط هو الذي يختص بالضروريات، والمركب هو الذي يختص بالكماليات. والمتقدم منها في التعليم هو البسيط، لبساطته أولاً، ولأنه مختص بالضروري الذي تتوافر الدواعي على نقله».20 ويواصل ابن خلدون نقده لعمليات الحشو والتكديس في التعليم حيث يقول: «هذا وجه التعليم المفيد وهو – كما رأيت – إنما يحصل في ثلاثة تكرارات. وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما يخلق ويتيسر له، وقد شاهدنا كثيراً من المتعلمين لهذا العهد الذي أدركنا يجهلون طرق التعليم وإفادته، ويحضرون للمتعلم في أول تعليمه المسائل المقفلة من العلم، ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلها، ويحسبون ذلك مراناً على التعليم وصواباً فيه، ويكلفونه رعى ذلك وتحصيله، فيخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها، وقبل أن يستعد لفهمها، إلى أن يقول: لا ينبغي للمعلم أن يزيد متعلمه على فهم كتابه الذي أكب على تعليم منه بحسب طاقته وعلى نسبة قبوله للتعليم، مبتدئاً كان أو منتهياً، ولا يخلط مسائل الكتاب بغيرها حتى يعيه من أوله إلى آخره ويحصل أغراضه، ويستولى منه على ملكة بها ينفذ في غيره: لأن المتعلم إذا حصل ملكة ما في علم من العلوم استعد بها لقبول ما بقي».21 وما يشير إليه ابن خلدون هو ما يمكن تسميته بترتيب الأولويات في العملية التعليمية، ومعرفة ما ينبغي منحه أولوية للتدريس في مرحلة معينة، مما ينبغي تأجيله إلى مراحل لاحقة وفق أهداف العملية التعليمية، وهو أمر ينبغي مراعاته والاهتمام به عند وضع المقررات المختلفة. وقد تنبهت نظريات التعلم الحديثة إلى هذه الحقيقة العلمية فاعتبرت المدخل الهرمي (Hierarchical Approach) الذي وضعه (روبرت جانييه) من أبرز وأهم مداخل تنظيم المحتوى؛ حيث يتم تنظيم محتوى المقرر على شكل هرمي تدرجي يبدأ بالمستوى الأبسط إلى الأكثر تركيباً وتعقيداً.22 ويقسم ابن خلدون العلوم السائدة في عصره إلى قسمين رئيسين:

    • القسم الأول: علوم مقصودة لذاتها، ويُعبر عنها بالعلوم النقلية كالعلوم الشرعية.
    • القسم الثاني: علوم غير مقصودة لذاتها ويُعبر عنه بالعلوم العقلية، كاللغة العربية والحساب والمنطق، وهي آلات لغيرها من العلوم المقصودة لذاتها. ويرى ابن خلدون أن التوسع ينبغي أن يكون في القسم الأول، يقول في ذلك: «وهكذا كما فعل المتأخرون في صناعة النحو...». وهكذا ينتقد ابن خلدون بشدة الوسائل السائدة في عصره التي تم فيها التركيز على العلوم الآلية وفروعها دون مراعاة لاستعداد المتعلم وقدرته. فهو ينظر إلى التعليم نظرة نفعية تصبو إلى تحقيق الملكة في أقصر وقت، وبأقل العلوم الضرورية دون الإبحار في عمق العلوم الأداتية.23 ويطرح ابن خلدون في هذا السياق أهمية تحديد الأصول والإجراءات التي تتطلبها المرحلة التعليمية من خلال استنباط العلم بموضوعه، وتقسيم أبوابه وفصوله، وتتبع مسائله، أو استنباط مسائل ومباحث تعرض للعالم المحقق، ويحرص على إيصاله بغيره، لتتم المنفعة به. وهذه المراجعة تعد من أهم إشكاليات إصلاح العملية التعليمية التي تفرض نفسها بشدة في الوقت الحاضر المتمثلة في الانفجار المعرفي الحاصل والتحديات الكبرى الناجمة عنه. من هنا جاء وصف ابن خلدون لمن يتصدى لهذا العمل بـ«العالم»، فاستنباط علم ما من معارف كثيرة يتطلب عملاً مضنياً وفكراً متقداً. ويرى ابن خلدون أن ذلك الاستنباط يستدعي مراحل أخرى كثيرة، منها التقسيم والتبويب. وابن خلدون من خلال هذا التوصيف العميق الموجز إنما يتحدث عن مرحلة إعداد المقررات التي ينبغي أن تبدأ من القاعدة وصولاً إلى القمة. فهي ليست عملية تقليد أو نقل أو استزراع المقررات من بيئات مختلفة. من هنا يتحتم على مصممي المقررات في كل عصر، القيام بعمليات مراجعة وتدقيق في محاولة لتدارك ما وقع في المقررات من أخطاء، أو تجاوزات. وهذا أمر واضح المعالم حاضر الأهمية في كثير من مقرراتنا الدراسية. الأمر الذي يستدعي اتخاذ إجراءات عدة للمراجعة والتصحيح، ويعبر عنه ابن خلدون بمصطلح دقيق وهو «نظم تلك العلوم»، حيث يقول: «أن تكون مسائل العلم مفرقة في أبوابها من علوم أخرى، فيتنبه بعض الفضلاء إلى موضوع ذلك الفن وجميع مسائله، فيفعل ذلك، ويظهر به من ينظمه في جملة العلوم التي ينتحلها البشر بأفكارهم».24 ويطرح ابن خلدون آلية التلخيص والاختصار في المقررات التعليمية، من خلال ربط الأصول المنتخبة بعضها ببعض، فبدون ذلك، تظل الأصول متفرقة، ومفتقرة إلى صياغة مضامينها، بما يجعلها كلاً واحداً ذا انسجام علمي وترتيب معرفي، لتناسب مرحلة توظيفها وظروف استعمالها، وهذا ما يعبر عنه ابن خلدون بالتلخيص. وهو يعني إلقاء مسائل ذات صبغة عامة ومجملة من كل باب تكون هي الأصول مع أخذ المستوى العقلي للمتعلم بعين الاعتبار ومراعاة استعداداته لقبول ذلك العلم. والهدف من هذا الإلقاء الأولي هو تحصيل المتعلم لملكة جزئية وضعيفة تساعده على ولوج العلم أو الفن المدروس وتحصيل مسائله. وهذا الأمر ينبغي مراعاته عند وضع المناهج والمقررات وتصميمها، فلكل مقرر مراجعه المختلفة، المتباينة في مستوياتها من حيث المادة العلمية وبساطتها. والسبيل الأمثل للإفادة منها هو تلخيص ما فيها دون إخلال بمادتها العلمية: «أن يكون الشيء من التأليف التي هي أمهات للفنون مطولاً مسهباً، فيقصد بالتأليف تلخيص ذلك، بالاختصار والإيجاز وحذف المتكرر، إن وقع، مع الحذر من حذف الضروري لئلا يخل بمقصد المؤلف الأول». ويرى ابن خلدون أن إغفال ذلك، يمكن أن يفضي إلى مزالق تعليمية خطرة، ينتج عنها مطولات أخرى لا تتناسب مع طبيعة المرحلة المرادة، أو الحشو الذي لا طائل من ورائه، مما ينتج عنه ضرورة المراجعة الدائمة للمقررات وتقويمها. ومن الإشكاليات التي تعاني منها المقررات التعليمية اليوم كثرة المؤلفات وتعدد طرق وأساليب المصممين لها وتكرار الجهود. فعلى الرغم من أهمية المعرفة الموسوعية والغزارة المعرفية، لا تتناسب في واقع الأمر مع جميع المراحل والمستويات. ويشير ابن خلدون إلى ذلك بقوله: «اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التأليف، واختلاف الاصطلاحات في التعليم، وتعدد طرقها، ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باستحضار ذلك. وحينئذ يسلم له منصب التحصيل، فيحتاج المتعلم إلى حفظها كلها أو أكثرها ومراعاة طرقها. ولا يفي عمره بما كتب في صناعة واحدة إذا تجرد لها، فيقع القصور».25 وحري بنا أن نتبنى مقولة ابن خلدون هذه في تصميم مناهجنا ومقرراتنا اليوم. فمن كابد اختلاف المؤلفات والمقررات، يدرك أهمية كلام ابن خلدون. من هنا كانت مهمة مصمم المقرر لا تقتصر على مرحلة الإعداد، والاكتفاء بتصميم الأطر الكبرى لتأليف المادة العلمية أو تنقيح المصطلحات، أو إبانة بعضها أو الشرح والتفسير، بل تتعداها إلى مرحلة التقويم، من خلال التدقيق والتمحيص وتحلية المعارف التي يتضمنها. يقول ابن خلدون في ذلك: «يعثر المتأخر على غلط أو خطأ في كلام المتقدمين ممن اشتهر فضله، وبعد في الإفادة صيته، ويستوثق في ذلك بالبرهان الواضح الذي لا مدخل للشك فيه، فيحرص على إيصال ذلك لمن بعده، إذ قد تعذر محوه ونزعه بانتشار التأليف في الآفاق والأعصار، وشهرة المؤلف ووثوق الناس بمعارفه، فيودع ذلك ليقف على بيان ذلك». وفي المقابل لا يعتبر ابن خلدون أن التعليم القائم على الاختصارات هو البديل، بل يرى أن كثرة الاختصارات مخلة بالتعليم، ويعزو ذلك إلى أنها تخل بالتبليغ (البلاغة: العلاقة التواصلية بين المرسل والمتلقي، المعلم والمتعلم)، وتجعل الفهم أعسر، فضلاً عن أنها تستبق المراحل المنهجية، وتلقي الغايات على المبتدئ في التعلم قبل أن ينضج لتلقيها وفهمها. والنتيجة أن الملكة الخاصة من التعليم في تلك المختصرات، إذا تم على سداده ولم تعقبه آفة، فهي ملكة قاصرة على الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة».26 نستنتج من كلام ابن خلدون ثلاث مراحل للتعلم: مرحلة الابتداء، ومرحلة التعمق، ثم مرحلة استكمال الخبرة. ونشير هنا إلى أن ابن خلدون لم يفته أن ينبه إلى أن تحصيل ملكة قوية ليس بالضرورة مرتبطاً بهذا الترتيب (التسلسل)، بل يمكن تحصيل ملكة قوية دون حاجة إلى هذه المراحل.
  • الاستراتيجية الثالثة: إعداد المعلمين ويقترب البروفيسور (أدلر) من أفكار ابن خلدون في هذه النقطة بالتحديد، ويمكن إيجاز موقفه في هذا بتأكيده أن التربية مستمرة وليست جرعة تعطى مرة واحدة وإلى الأبد، بل هي بحاجة إلى الاستمرار؛ لأن العلم لديه دائماً شيء جديد يوافينا به وأن طريقة التدريس الملائمة هي التي تعتمد على الحوار وحل المشكلات والتعلم الذاتي. ويرى البروفيسور أن المناهج المدرسية يجب أن تواكب التغييرات التي تحصل في الحياة. فالمنهاج يتغير والأهداف تتغير والطرائق تتغير.27 يقدم ابن خلدون مادة طيبة في هذا المجال، مؤكداً حتمية وجود (المعلم) كطرف أساسي في العملية التعليمية، سواء استهدفت تخريج العلماء أو الصناع.28 فليس المعلم فحسب ولكنه المعلم الحاذق القادر هو المطلوب لتحقيق النتيجة الفضلى، ونجد ابن خلدون يركز المسألة بمبدأ واضح بسيط، ولكنه ضروري، إنه على قدر جودة التعليم وملكة المعلم يكون المتعلم، وهكذا يحتل المعلم مكانه المناسب. ويذهب ابن خلدون إلى أن المهمة التي يمارسها المعلم ليست عملاً مستقلاً بذاته، فهو يحتاج إلى عوامل مساعدة كما يحتاج إلى زمن. ولا تنحصر مهمة المعلم في تعليم هذا الجانب أو ذاك فحسب من أمور المعرفة، بل تمتد لكي تشمل الجوانب كافة، أي ما هو علمي وما هو عملي في الوقت نفسه. وقد تعرض ابن خلدون لعدد من القضايا المتعلقة بالمعلمين ودورهم في العملية التربوية، ويمكن إجمالها في النقاط الآتية:

    • أولاً: تأهيل وتطوير المربين بما يتناسب مع الطرح المقدم؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولأن هناك خللاً في هذا الجانب، كان لابد من العمل على إقامة مؤسسات تأهيل تخرج، أو تعيد تأهيل أو تطور المربين والمربيات والمعلمين والمعلمات الذين يقومون على العملية التربوية.
    • لقد أدرك ابن خلدون أهمية المعلم في إنجاح العملية التربوية، وأن إصلاح المناهج يفتقد أهميته إذا لم يتوافر المدرس الكفء الذي يشترط فيه: أن يكون المعلم متمكناً من العلوم والفنون التي يتصدر لتدريسها، مستوعباً لتفاصيلها وفروعها، وأن يكون ملماً بمبادئ من التعليم، حتى يتمكن من التأثير في طلبته ومعاملتهم بحسب ما يلائمهم في الجوانب المعرفية والسلوكية.
    • ومن أهم ما يحتاج إليه في ذلك معرفة أساليب التفهيم، وفهم نفسية المتعلمين، وحسن التنزل لهم، والأخذ بأفهامهم إلى حيث يريد بهم، حسب درجتهم واستعدادهم.
    • وقد سبق ابن خلدون في ذلك النظريات التربوية الحديثة التي أكدت أهمية مراعاة المتعلم وظروفه ومقدرته.
    • ثانياً: انتقد ابن خلدون عدداً من الممارسات التربوية الخاطئة التي يقوم بها بعض المربين والمدرسين وممارستهم للتسلط وتكريس السلبية في أذهان المتعلمين. ومن القضايا التي تنتج من نبذ التسلط من قبل المربي تعليم وتربية الأجيال على نبذ التسلط والتخفف من قيود التشدد المنبوذ، ويكون ذلك باتخاذ التوسط والاعتدال منهجاً للحياة العلمية والثقافية والعملية أيضاً.
    • وعقد في مقدمته فصلاً في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم، أشار فيه إلى الأضرار الخطيرة التي تعود على الفرد في مرحلة الرشد، وعلى المجتمع بأسره نتيجة الشدة والتعنيف في تأديب الولدان في الصغر، وما ينجر عنها من فساد وسوء خلق وتعود على الكذب والخبث والمكر والخديعة.29 ويحلل ابن خلدون بأسلوب يرقى إلى التحليل النفسي الدقيق ظاهرة العنف وسلبياتها بقوله: «ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه ذلك إلى الكسل، وحمله على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقاً، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله، وصار عيالاً على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين».30 ولا يقل الطرح الخلدوني الجريء لدور المعلم وأهمية ابتعاده عن ممارسات التسلط والقهر الفكري عما طرحه البروفيسور (أدلر) حين انتقد مختلف الممارسات القهرية التي يمارسها بعض المدرسين على تلامذتهم من خلال فرض الحقيقة الأحادية التي لا تقبل نوعاً ما من الحوار والنقاش، كما أشار إلى آثار تلك الممارسات السلبية في وأد الحريات الفكرية.

    "teachers who expect students to accept what they tell them simply because they occupy the position of teachers"31

  • الاستراتيجية الرابعة: التعليم المهني اهتم ابن خلدون في منهجه التعليمي بالعلوم الصناعية، مؤكداً أنها لابد أن ترتكز على الفكر. فالعلم شيء أساسي للتقدم الصناعي وازدهاره، والعلوم الصناعية في الفكر الخلدوني تعتبر من أمهات الصنائع، وهو ما يعبر عنه في وقتنا الحاضر بالعلوم التطبيقية والمهنية. ويشير ابن خلدون في مقدمته إلى نوعين من الصنائع: البسيط والمركب. فالبسيط وهو الضروري كالفلاحة والبناء والنجارة، والمركب وهو الجانب الكمالي كالوراقة ونحوها.32 والجدير بالذكر أن منظمة اليونسكو دعت إلى عقد مؤتمر دولي حول التعليم الفني والتدريب، يهدف إلى معالجة المسائل المطروحة. وقد عقد المؤتمر في برلين - ألمانيا، حيث اتفقت الدول الأعضاء على وضع خطة عمل دولية للنهوض بالتعليم الفني والمهني وتطوير أسس التعاون الدولي في هذا المجال بحيث تضطلع بهذه المهمة وكالة جديدة أطلق عليها برنامج الأمم المتحدة للتعليم المهني يونيفوك (UNEVOC). ومن أبرز ما دعا إليه المؤتمر ضرورة ابتكار الطرق والأساليب، وتحسين نظام التعليم الفني والمهني في الدول المعنية. كما أكد أهمية توفير التعليم المهني للقوى العاملة المؤهلة ضمن سوق العمل دائمة التغير، نتيجة للتطور التقني المستمر. لقد كانت سياسات التعليم الفني والتدريب في السابق تهدف إلى تطوير كفاءات ومؤهلات الخريجين حتى يتمكنوا من الالتحاق بالوظائف. وهم أكثر قدرة على الإنتاج، ولكي يصبح مواكباً للتقدم التقني ومنافساً للآخرين في مجالات العمل ينبغي أن يكون متابعاً وعلى اتصال دائم بحقول التعليم والتدريب. علاوة على ذلك، يجب أن يسعى بصفة مستمرة إلى البحث وتقصي المعلومات، واستيعاب المعارف الجديدة والإمكانات الحديثة التي تندرج تحت دائرة تخصصه، إضافة إلى التدريب الذي أصبح يمثل عنصراً حيوياً في سياسات توظيف العاملين، بل إن هناك مؤسسات تستثمر في تدريب الموظفين، حيث إن عملية تطوير مواردها البشرية يتيح لها فرصة أكبر للمنافسة.33 وما طرحه المؤتمر المذكور يقارب ما أشار إليه ابن خلدون منذ عدة قرون حين طرح أهمية تعلم الصناعات وكيفية تعلمها، مبيناً أن الحذق والمهارة في الصناعة لا يمكن أن يتم إلا بالمزاولة والممارسة الفعلية أو ما يعرف بالتدريب اليوم. يقول في ذلك: «ونقل المعاينة أوعب وأتم من نقل الخبر، والعلم والملكة الحاصلة عنه أكمل وأرسخ من الملكة الحاصلة عن الخبر».34

ويمكن إيجاز خطوات إصلاح العملية التعليمية في منهج ابن خلدون على النحو الآتي:

  • إجراء عمليات المراجعة والتدقيق والتصحيح باستمرار للتعرف على مناطق القوة والضعف في مسار التعليم.
  • إصلاح المعلم والاهتمام بإعداده من أهم الخطوات الإصلاحية، فالتعليم لا ينبغي النظر إليه كمصدر للرزق أو الكسب فحسب، بل هو بالدرجة الأولى رسالة لابد أن يستشعر أهميتها القائمون بها. من هنا كانت مواصفات المعلم ينبغي ألا تحصر في الشهادات الجامعية فحسب، بل لابد أن تمتد لتشمل كافة قدراته العلمية وقدراته الأخلاقية والروحية والثقافية، وقدر من الوعي الكافي بما يدور في مجتمعه والعالم من حوله.
  • الاهتمام بالتعليم الأولي، وهو ما يعبر عنه في وقتنا الحاضر بالابتدائي، فهو قاعدة الهرم التعليمي وأساس البناء التعليمي. من هنا كان اهتمام ابن خلدون بتعليم الصبيان وتركيزه عليهم في غاية الذكاء والعمق الواقعي، فالاهتمام بالتعليم الابتدائي تنعكس آثاره على التعليم الثانوي والإعدادي والجامعي كذلك.
  • الاهتمام بالتعليم المهني والتدريب والربط المتواصل بين التعليم التطبيقي والفكري.

خاتمة الدراسة

حاولت هذه الدراسة الكشف عن أبرز معالم ومفردات المنهج الخلدوني في إصلاح العملية التعليمية، كما حاولت تقديم مقترحات لمراجعة واقع العملية التعليمية اليوم من خلال النظر والإفادة من منهج ابن خلدون، بالمقارنة مع بعض المعطيات التربوية الحديثة عن القيم والأهداف، ومحتوى التعليم وجودته وطرائقه وأساليبه وخصائص المعلم ومؤهلاته.

وقد أسفرت الدراسة عن جملة من النتائج من أبرزها:

  • تأكيد اشتمال المنظور التعليمي الخلدوني على أفكار أصيلة ومتقدمة قياساً بالحقبة التاريخية التي ظهر فيها (1332-1406م). فعندما كتب ابن خلدون ما كتبه لم تكن قد ظهرت للوجود لا سوسيولوجيا ولا سيكولوجيا ولا ديالكتيك ولا أهداف سلوكية ولا غيرها لكنه على الرغم من ذلك كله، انتقد الكثير من وقائع التعليم الخاصة في عصره بروح نقدية فريدة في طرحها وسبقها المعرفي.
  • نظريات ابن خلدون في التربية والتعليم شملت جانباً كبيراً من النظريات المعاصرة، فما ذكره ابن خلدون يصلح ليكون محوراً لفلسفة تربوية عربية مشتركة، لأنه انطلق في نظرياته من بيئة عربية إسلامية تحتكم إلى العقل والمنطق وعلوم النفس في مناقشة ومعالجة قضاياها.
  • ابن خلدون أعطى للعلم والتعليم الدور الوظيفي الذي يؤديه في الحياة. فهو يقوم بدور بنائي تكويني عن طريق اكتساب العقل الفريد، وتكوين الملكة عن طريق «الربط بين التعليم والممارسة»، وهو أمر تزداد الحاجة إليه اليوم.
  • موضوع التعليم عند ابن خلدون لم ينل الاهتمام الكبير من قبل الكثير من الباحثين التربويين على الرغم من أهمية الأفكار التعليمية الواردة في المقدمة، وذلك بالنظر إلى قوتها وتماسكها المنطقي، وكذا بالنظر إلى تميزها وأسبقيتها وفاعليتها في الوقت الحاضر. الأمر الذي يتطلب إجراء المزيد من الدراسات والبحوث في هذا الميدان.
  • المقارنة بين المنظور التعليمي الخلدوني ونماذج الوسائل التعليمية الحديثة تكشف عن تناظر قوي في المفاهيم يكاد يصل إلى حد الزعم بأن المنهج الخلدوني كان رائد النسق الإصلاحي التعليمي.
  • إعادة النظر في المناهج والعملية التعليمية من أهم أسباب التطور الفكري لدى الأجيال، وتعد من ضرورات المرحلة الراهنة. وهي عملية تراكمية في غاية الأهمية والضرورة، تستدعي تشكيل عدد من اللجان المختصة في مختلف الكليات والأقسام المختلفة.

الهوامش

Footnotes

  1. انظر ما كتبه على سبيل المثال: حامد عمار، شيخ التربويين العرب في لقاء هموم التعليم في الوطن، مجلة المعرفة، عدد (11)، شعبان 1419هـ - ديسمبر 1998م.

  2. بتصرف بسيط عن حامد عمار، مرجع سابق، ص 7. وعبد الرحمن بن خلدون، التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً، تحقيق: محمد بن تاويت الطنجي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1951م، ص ؟، نقلاً عن عبد الله الأمين، المناهج وطرق التعليم عند القابسي وابن خلدون، مركز جهاد، 1980م، ص 24. (رقم الصفحة غير واضح في الأصل للنقل الثاني).

  3. المصدر السابق (مقدمة ابن خلدون)، ص 248 (من المفترض أن يكون هذا هو رقم الصفحة في طبعة التعريف بابن خلدون ورحلته، وليس في المقدمة ذاتها، ولكن هكذا ورد).

  4. عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، المقدمة، دار القلم، بيروت، الطبعة الخامسة، 1984م، ج1، ص 537.

  5. المقدمة، مصدر سابق، ج1، ص 527.

  6. مصدر سابق، ج1، ص 538.

  7. بتصرف عن فتحي يونس وآخرين، المناهج: الأسس، المكونات، التنظيمات، التطوير، دار الفكر، الأردن، 2004م، ص 17.

  8. يعد المنهج في الاتجاهات التقليدية مقتصراً على المعلومات والمعارف التي يتلقاها المتعلمون داخل القاعات الدراسية، أما ما عدا ذلك من أوجه النشاطات المختلفة الضرورية لتنمية المهارات، فلم تعد ضمن المنهج. انظر: سرحان الدمرداش ومفيد كامل، المناهج، دار الهنا للطباعة، مصر، الطبعة الثانية، 1969م، ص 4-8.

  9. حول الانتقادات الموجهة للتعريفات التقليدية للمنهج، انظر: المرجع السابق، ص 16.

  10. Ronald G. Corwin, Education in Crisis, John Wiley & Sons Inc., New York, 1974, p. 13.

  11. المقدمة، مرجع سابق، ج1، ص 125.

  12. John While, The Aims of Education, Routledge and Kegan Paul, London, 1982, p. 80-86.

  13. حامد عمار، مرجع سابق، ص 5.

  14. بتصرف كبير من ماجد عرسان الكيلاني، أهداف التربية الإسلامية في تربية الفرد، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أمريكا، 1997م، ص 106.

  15. المقدمة، مصدر سابق، ج1، ص 429.

  16. عالم أمريكي موسوعي مشهور في مجال تطوير التعليم والفلسفة، ولد عام 1902م وتوفي عام 2000م. ويعد من أبرز التربويين الذين كان لهم أكبر الأثر في تطوير التعليم وإصلاحه في أمريكا في القرن العشرين. اشتغل بالتدريس في كثير من جامعات أمريكا وعمل إدارياً فيها، الأمر الذي جعل كتاباته تتسم بالواقعية في تناوله قضايا إصلاح التعليم. عمل في تحرير ومراجعة الموسوعة البريطانية الشهيرة. ألف عدداً هاماً من الكتب والمقالات في مجال تطوير التعليم، منها: أزمة التعليم، إصلاح التعليم، انفتاح العقل الأمريكي، كيف تتكلم وكيف تستمع، كيف تقرأ كتاباً، فكرة الحرية، وغيرها كثير. انظر ترجمته في الموسوعة البريطانية على موقعها الإلكتروني.

  17. Adler, Mortimer J., "Britannica Student Encyclopedia" 2006. Encyclopedia Britannica Premium. Also quoted or paraphrased in: Social - Mortimer J. Adler, THE CRISIS IN CONTEMPORARY EDUCATION, The Frontier, February, 1939, Vol. V, No. 42, pp. 140.

  18. المقدمة، مصدر سابق، ج1، ص 179.

  19. المقدمة، مصدر سابق، ج1، ص 532.

  20. المقدمة، مرجع سابق، ج1، ص 100.

  21. المصدر السابق، ج1، ص 522.

  22. فتحي يونس وآخرون، مرجع سابق، ص 103-104.

  23. المقدمة، مصدر سابق، ج1، ص 401.

  24. المقدمة، مصدر سابق، ص 20. (رقم الصفحة يبدو غير متناسب مع السياق، قد يكون هناك خطأ في الأصل أو هو إشارة عامة لمفهوم).

  25. المقدمة، مصدر سابق، ج1، ص 531.

  26. المقدمة، المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

  27. Mortimer J. Adler, THE CRISIS IN CONTEMPORARY Education, The Social Frontier, February 1939, vol. V, no. 42, pp. 140-145.

  28. المقدمة، ص 431.

  29. المقدمة، مصدر سابق، ج1، ص 430.

  30. المقدمة، المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

  31. Mortimer J. Adler, Teaching, Learning, and Their Counterfeits. (http://www.dilext.com/adler/llc.html).

  32. المقدمة، مرجع سابق، ج1، ص 400.

  33. تقرير عن التعليم والتدريب المهني في أوروبا مع بداية القرن الحادي والعشرين، الألفية، مجموعة من الباحثين والمختصين، الناشر برنامج الأمم المتحدة للتعليم المهني، إصدار عام 1998م، عرض وتقديم: عبد الله بن محمد الهويشل، نائب مدير إدارة البحوث في المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني بالرياض.

  34. المقدمة، مصدر سابق، ج1، ص 100.

منهج ابن خلدون في إصلاح العملية التعليمية
تنزيل البحث ←