د.رقية العلواني

جميع البحوث

قراءة في التحديات المعاصرة

UCIS/2100

الندوة العالمية عن الفقه الإسلامي وأصوله وتحديات القرن الحادي والعشرين

مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة

١٤-١٦ رجب ١٤٢٧هـ / ٢٠٠٠م

تنظيم: قسم الفقه وأصول الفقه بالتعاون مع المعهد العالمي لوحدة الأمة الإسلامية الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا

الجزء الأول (البحوث العربية)


ص. ١٦١

ندوة عالمية عن مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة

قراءة في التحديات المعاصرة التي تواجه الفقه المقاصدي

د. رقية طه العلواني1

التمهيد

لا يزال الاهتمام بالفقه المقاصدي في العصر الحاضر في مراحله المبكرة التي تستدعي المزيد من الدراسات المتخصصة في مختلف فروع العلم ومحاوره. إلا أن هذا الاهتمام بدأت تصاحبه في الآونة الأخيرة تحديات حقيقية، قد تحول دون بلوغ الفقه المقاصدي مرحلة النضج والاستقرار.

وقد اتخذت هذه التحديات أشكالا متعددة، فبعضها انتهج منهج التقاط مصطلح المقاصدية لإسقاطها على أفكاره المسبقة ومقاصده الجاهزة، وبعض آخر أقام حول المقاصد ركاما هائلا من الشكوك والاتهامات، وبعض ثالث أهمل البحث في المقاصد عموما.

والملاحظ في كل هذه الاتجاهات المتناقضة أنها تتبنى بين الفينة والأخرى قضايا على قدر من الأهمية، كالدعوة إلى تأسيس العقلية المقاصدية، والإفادة من المقاصد في ترتيب الأولويات وربط الجزئيات بالكليات، وإصلاح مناهج التعليم والمناهج الدراسية، ومقاومة التطرف والإرهاب والجمود والتعصب ..... وسوى ذلك من قضايا تحتاج إليها الأمة في حاضرها ومستقبلها.

وهذه الورقة محاولة لإلقاء الضوء على أبرز هذه التحديات التي قل الاهتمام بها في دراسات المقاصد إما لحداثة طرحها على الساحة الفكرية أو لعدم توقع خطورتها أصلا، وفي كلتا الحالتين، فإن الأمر يستدعي إفراد دراسة لهذه التحديات ومحاولة إجهاض مخاطرها وسلبياتها، مع محاولة الإشارة إلى أهمية تبني جهود علمية رصينة تصدى لإزالة الإشكاليات وبيان الأسس والضوابط التي ينبغي الاستناد إليها لتسديد الطرح المقاصدي والإفادة منه في مختلف الفروع والمجالات الممكنة.

والدراسة تعرض أبرز هذه التحديات المتمثلة في اختراق أصحاب القراءات الجديدة للتوجه المقاصدي وإبراز الخلل المنهجي في هذه الدعوى سواء ما يتعلق ابتداء بطبيعة المفهوم المقاصدي لديهم أو ما يتعلق بتوظيفهم آليات غير علمية ولا شرعية عند محاولتهم تنزيل المقاصد. كما تتعرض الورقة لتحدي آخر جاء كردة فعل عنيفة للتحدي الأول وتمثل في هجوم متزايد على مختلف التوجهات المقاصدية من خلال تسوية عشوائية بين الدعوات المخلصة الأصيلة وغيرها من دعاوى مشبوهة. وهو أمر في غاية الخطورة يستدعي الوقوف الدقيق عنده وعدم


ص. ١٦٢

الاسترسال في هذا الوهم المسيء إلى الفقه المقاصدي جملة وتفصيلا. كما تطرح الدراسة تحديا ثالثا ينبثق من دراسة مسحية سريعة لموقع الدراسات المقاصدية في الكليات والأقسام الإسلامية في منطقة الخليج العربي تحديدا وما أسفرت عنه من بيان ضعف عام وتأخر ملحوظ فيها.

وتوظف الدراسة منهجية المقارنة مع ما حدث في ساحات الفكر الديني اليهودي المعاصر من تقمص للتوجه المقاصدي في قراءة النصوص الشرعية في محاولة لتأويلها بشكل يتوافق مع توجهات العصرنة وما بعدها بل وإلغاء تلك الأحكام والنصوص في أوقات لاحقة. والدراسة إذ تتبنى ذلك النهج لا تروم من خلاله القول بتأثر اللاحق بالسابق وإنها لتلمس الثغرات التاريخية التي وقعت في الفكر الديني اليهودي في محاولة لتجنب تكرار وقوعها في الفكر الإسلامي المعاصر، خاصة وأن الفكر الديني عموما له سمات مشتركة.

كما تقدم الدراسة تصورا لكيفية مواجهة هذه التحديات وعدم الاكتفاء بردها ورفضها دون تقديم البدائل الممكنة لتسديد الفكر المقاصدي ومساره.

المبحث الأول: اختراق أصحاب القراءات الجديدة للتوجه المقاصدي

عمد بعض الكتاب والمفكرين المعاصرين إلى التقاط بعض الاتجاهات المقاصدية ومصطلحاتها، وبادروا بإسقاطها على مقولاتهم وتطلعاتهم الفكرية في محاولة لدمجها وتوليفها مع مبادئهم الرامية إلى التجديد والتغيير وفق ما تسنّه المجتمعات المعاصرة بلا ضبط ولا تقعيد.

وقد غلب على هذه التوجهات الطابع العلماني الذين يرى أصحابه - بطريقة أو بأخرى أن الدين شأن شخصي لا علاقة له بالمجتمع.

ويتبنى هؤلاء الكتاب نظريات ونظرات جديدة في تأويل النصوص القرآنية بوجه خاص، وقاموا بتوظيف عدد من الوسائل والآليات للتوصل إلى تلك القراءات الجديدة للنص القرآني. من هنا كان احتفاؤهم بالمقاصد التي لم تشرع الأحكام إلا لتحقيقها، وعليه فالأحكام - في رأيهم - لا قيمة لها في ذاتها بل قيمتها في المقاصد التي تحققها. يقول في ذلك أحد الكتاب: "إن التأويل المقاصدي هو التأويل الأنسب من الوجهة الدينية وينبغي ألا يطول البحث في تحليل الكلمات بل لابد من البحث وراء المعاني الحرفية عن روح القرآن وتناول كل مسألة حسب وضعها ضمن المقاصد الإلهية الشاملة، ويقتضي هذا البحث إدماج عامل الزمان فيمكن أن تكون القاعدة صالحة لوقت معين لكنها إذا أصبحت بمرور الزمن وتغير الأوضاع غير ملائمة ينبغي أن نتمكن من تغييرها"2.


ص. ١٦٣

وهذا النوع من القراءة لا ينظر إلى المقاصد من خلال النصوص بل يأتي إلى النص بمقاصد جاهزة. في حين أن المقاصد ليست منفكة عن نطاق النصوص ولا بخارجة عنها، واعتبار هذه المقاصد يستلزم النظر فيها وفق شروط وضوابط مطردة تنفي الاضطراب والتحكم بدول دليل. من هنا جاء تركيز بعض هؤلاء الكتاب على ضرورة عدم الاقتصار على مفهوم المقاصد الذي حدده الفقهاء والأصوليون خاصة الإمام الشاطبي3. من هنا كان هذا النوع من القراءة مسوقا إلى التحلل من أحكام الشرع أو تعطيلها تحت ذريعة مراعاة مقاصد الشرع ومصالحها.

وفي هذا يقول الدكتور الريسوني في هذا السياق: "يمكن أن نقول المدرسة العلمانية ترفع لواء المقاصد وتذهب به بعيداً ليس فقط لتأويل النصوص والأحكام بل لإلغائها وإسقاطها"4. لقد تم توظيف التوجه المقاصدي لدى الكثيرين من أصحاب هذه القراءات في الإتيان بنظرة جاهزة للنص وتحويل الأحكام الشرعية المستنبطة من النصوص وفق مقاصديتها - كما يرون إلى قواعد انضباطية تسنّها المجتمعات البشرية ليس إلا.

يقول أحد الكتاب المعاصرين في سياق حديثه عن المقاصد: "إن البحث عن المقصد من خلال العرضي والمتغير هو الكفيل بتقديم قراءة مشروعة للنصوص الدينية، قراءة موضوعية بالمعنى النسبي التاريخي، ذلك أنه مع تغير الظروف والملابسات والأحوال.... نحتاج إلى قراءة جديدة تنطلق من أساس ثابت هو المقصد الجوهري للشريعة"5.

ويرى كاتب آخر أن الارتكاز على الغاية والحكمة والمقصد عند النظر إلى القرآن كفيل بتحقيق التآلف فوق النصوص والشروحات الفقهية ومحاولة الوصول إلى المحتوى العلمي للنص وروحيته الحقة6. كما قام أصحاب هذه التوجهات بتوليف اجتهادات عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سياق حاكمية المقاصد وهيمنتها على النصوص القرآنية، فالنص يدور معها وجوداً وعدماً، أو يُوقف أو يُعطل إذا حصل تعارض بينهما. ومن أشهر ما اعتمد عليه بعض هؤلاء الكتاب مسألة إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم. حيث يرى هؤلاء أن عمر لم يتعامل مع النص الوارد في القرآن بتخصيص سهم للمؤلفة قلوبهم بوصفه سلطة دائمة بل أعتبر مقصد النص ووضعه فوق كل اعتبار الأمر الذي أدى في النهاية إلى إلغاء الحكم حين غاب مقصده.


ص. ١٦٤

يقول أحد المفكرين المعاصرين في تعليقه على هذه المسألة: "إذا كان عمر بن الخطاب المشرع الأول في الإسلام بعد الكتاب والسنة - قد اعتبر المصلحة ومقام الشرع فوضعهما فوق كل اعتبار ..... دوران الأحكام مع المصالح فشيء يفرض نفسه ما دمنا نقرر أن المصلحة الأصل في التشريع"7.

والذي فعله عمر بن الخطاب ليس إلغاء للنص وفقا لغياب المقصد من تطبيقه، بل لأن في زمنه لم تتوافر شروط هذه الفئة فصرف المال إلى بقية المستحقين8. وواقع الأمر أن هذه التوجهات هي التي باتت تولد نوعا من القلق الفكري المتزايد من محاولات هؤلاء المفكرين في تجسيد مفهوم المقاصد اللوجوس في الإنسان ليصبح مرجعية ذاته وتصبح المقاصد مقاصد ذاتية تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان. فالمقصود بمقاصد الشريعة عند تلك التيارات هو مقاصد بعينها، أو مقاصد مجموعات محددة دون غيرها، كما أن المقصود مقاصد وفق مبادئ معينة (علمانية دون مبادئ أخرى). ولا يقف الأمر عند حد طرح مفاهيم محدودة وفئوية ومنحازة حول المقاصد تخلو من عموم الانطباقية التي يتصورها من يسمع عبارة مقاصد الشريعة؛ بل إن الخطورة تكمن في المراد والمقصود من هذا المفهوم.

ويشير إلى هذه الحقيقة الدكتور الريسوني مؤكدا أن ما يقع اليوم ويصدر من بعض الحداثيين أو العلمانيين، من الدعوة إلى المقاصد ليست هي مقاصد الشريعة، لأنها ليست مستخرجة منها. فالمقاصد الشرعية هي التي تستخرج من النص نفسه، فهم يدعون إلى أفكار جاءت من الفكر الغربي وبالرغم من إيجابياتها الكثيرة لكن ينبغي النظر في وجودها أو عدمه في النص. كما أنهم يأتون بمقاصد جاهزة في أذهانهم وبتصورات جاهزة للعدل والحقوق والإنسان ولنمط الحياة والمجتمع، فيفرضونها على الشريعة على أساس أنها منها، بينما يستحيل أن تنفك مقاصد الشريعة عن النص. فالشريعة نصوص ومنها نستخرج المقاصد، وقد تكون عملية الاستخراج ميسرة وقد تحتاج إلى بحث لكن في جميع الحالات لا توجد مقاصد للشريعة لا تستخرج منها فهناك تلازم تام بين النص والمقاصد9. ودعاوى هؤلاء المفكرين تقوم على أن أفكار الغرب وقيمه هي أفكار إنسانية ولا ضير أن تقحم في الإسلام بغض النظر عن وجودها أو عدمه في النصوص، ويعتبرون أنه في ظل الثقافة المعاصرة أصبحت أفكار الغرب ملاذ الإنسان المعاصر وما على المسلمين إلا أن يأخذوا بها، وإذا وجد مشكل يبحثون في الدين والنصوص عن ملاءمة لها.


ص. ١٦٥

وفي هذا يقول أحد الكتاب: "إذا كانت هناك ضرورات عامة خالدة كتلك التي أحصاها فقهاؤنا بالأمس، فإن لكل عصر ضرورياته وحاجياته وتكميلياته، وهكذا فعندما ننجح في جعل ضروريات عصرنا جزءاً من مقاصد شريعتنا فإننا سنكون قد عملنا ليس فقط على فتح باب الاجتهاد في وقائع عصرنا المتجددة المتطورة؛ بل نكون أيضاً قد بدأنا العمل في تأصيل أصول شريعتنا نفسها بصورة تضمن الاستجابة الحية لكل ما يحصل من تغيير أو يطرأ من جديد"10.

وما ذكره الكاتب يؤكد حقيقة هامة تنضح في محاولات هذا التيار تطويع الأحكام الشرعية لروح العصر ومستجداته من خلال توظيف المقاصدية وروح التشريع وشرعنة التغيير وغير ذلك من مفاهيم، لم تترك في الشريعة الإسلامية دونها ضابط أو قاعدة. إلا أن هذه التيارات لم تتوجه إلى هذه المفاهيم الأصيلة في الإسلام ابتداء بل أتت إليها تطويعا لواقع مفروض وموجود أساسا. وهذه المحاولات تبرز في ساحات الفكر الديني عموما في لحظات الضعف وإسقاطات الهزيمة النفسية والشعور بالنقص إزاء غلبة الآخر وسلطويته، وهو أمر حدث في مختلف دوائر الفكر الديني كاليهودية. فقد تحولت الأحكام الشرعية الثابتة في اليهودية بنصوص التوراة إلى قواعد انضباطية أساسها الردع الاجتماعي على يد الحركة الإصلاحية التي ظهرت أولا في صفوف اليهود القاطنين في أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وقامت بتوظيف المقاصدية وروح التشريع في تطويع الأوامر الإلهية والأحكام الشرعية الثابتة لمطالب العصر وتغيراته. وأعلنت الحركة الإصلاحية اليهودية منهجها الصريح في رفض ورد التشريعات الموسوية والربانية بما في ذلك الشريعة المنزلة وما يماثلها من المقدسات، مع تأكيدها على ضرورة الاعتماد على روح التشريعات اليهودية ومقاصدها والإعلاء من مكانتها دون التقيد بطقوسها وشكلياتها.

"In recent years, the movement has reemphasised Jewish ritual, but encourages individuality in the expression of these rituals. The spirit of the law is more important that the ritual. For example, Shabbat should be a day of rest, but observance of Shabbat does not necessarily have to include abstaining from using electricity or writing. Reform Jews are encouraged to learn about Jewish ritual and to exercise individual choice in determining the way that they will incorporate these rituals into their lives."11

ولم تقف الحركة الإصلاحية في اليهودية في مطالبتها بالتغيير عند حد المعاملات فحسب بل امتدت لتشمل نظام العبادات وطقوسها. فقد كانت الصلوات تؤدى باللغة الألمانية أكثر منها بالعبرية، وبتسارع شديد تتابعت الانتهاكات للشريعة والقوانين في اليهودية - Halachah - التي أدت في نهاية الأمر إلى انقطاع الأحبار علنا عن


ص. ١٦٦

التعاليم العرفية التقليدية ومجموعة القوانين واعتبروها برمتها خطأ في تسلسل التاريخ والحوادث. وانتهى بهم الأمر إلى التخلي حتى عن السبت اليهودي Sabbath برمته إلى الأحد تحت دعوى اعتبار مقصد التشريع وروحه واعتبرت حركة الإصلاح تلك الطقوس والعبادات شكليات لا مبرر لها وعليه يمكن تغييرها أو الاستعاضة عنها مطلقا12. يقول في ذلك المفكر اليهودي Grunfeid:

"...the Jewish masses of the present day have become almost completely estranged from the Sabbath.......the Sabbath must be kept as a ordained day as defined by the Torah, undiminished by the demands of ignorance and undistorted by ideas gained from outside sources"13

فالأحكام الصحيحة الوحيدة هي التي تخدم فلسفة الفقه المقاصدي Teleological Jurist، الذي يهتم بالغاية من تطبيق تلك الأحكام وكيفية توجيه هذه الغايات في سبيل تطوير الأحكام".

"The only authentic Halakhic approach must be that which approximates the philosophy of the teleological jurist. The teleological jurist asks: what are the ends of the law which God or nature ordained and how can we be guided by these ideal ends in developing the law?"14

وهنا يبرز التأويل المتعسف للنصوص، الذي تتم من خلاله النظرة الخارجية للنص بناء على القول بتحقيق المقاصد والمصالح، فيأتي المؤول بنظرة جاهزة لا ترى في النصوص إطارا مرجعيا ينبغي الدوران والرجوع إليه. وبهذا تصبح مقاصدية النصوص وفق ما يراها المؤول وحدها، المرجعية المركزية لكل التأويلات والأفهام. وقد أشار إلى هذه الحقيقة الحاسمة بعض المفكرين اليهود موضحا الفارق الواضح بين طرح علماء اليهود الأوائل من أمثال موسى بن ميمون للفقه المقاصدي وتأكيدهم أهميته في النظر في تعليل مختلف التشريعات اليهودية بأسباب مقبولة عالميا، وبين ما يطرحه الإصلاحيون اليهود اليوم ومحاولاتهم في تطويع الفقه المقاصدي لمتغيرات العصر. يقول الراباي ديفيد نوفاك:


ص. ١٦٧

"Maimonides attempts as much as he can to provide for Jewish laws reasons that are universally valid and universally intelligible, but without the sacrifice of revelation we saw in some of the modern Jewish thinkers"15

والطرح المقاصدي الذي تتبناه بعض أقلام القراءات الجديدة لا يختلف كثيرا عما حدث بين صفوف الإصلاحيين اليهود من حيث محاولاتهم المتواصلة لتقديم فكر إسلامي معاصر واقع تحت تأثير ضغوط خارجية ألحت على مجاراة الغرب العلماني في أطاريحه وأفكاره. من هنا كان الفارق واضحا بين طرح أئمة المقاصد الأوائل الذين صدروا في اهتمامهم بالمقاصد عن موقف لا يعتريه ضعف في الذات أو انهزامية في الداخل وضغط في الخارج، وبين ذات بائسة تحاول عبثا مجاراة الفكر السائد والتقاط مبرراته ومسوغات وجوده من تراثها16.

فالاقتراب التحليلي من عبارة مقاصد التشريع حسب ما يروج في الأوساط الفكرية المشار إليها، يبين أن المعنى المحتوى في تضامينها ليس من العمومية والإطلاق المتصور، بل هو معنى مؤسس على مبدأ وعقيدة معينة تروم مجاراة الفكر العلماني الغربي الحديث منذ نشأته في القرن الثامن عشر الميلادي وحتى الآن. فمفاهيم مقاصد التشريع وحقوق الإنسان وغير ذلك، التي تروج الآن على تنوعها وتفاصيلها ليست سوى التجسيد الأمني للفكر العلماني الغربي. فالشائع الآن عند من يرفع شعار المقاصد من أصحاب هذا التيار، القول بأنه لا تعارض بين فكرة المقاصد وروح التشريع وبين الإسلام. بل إن الإسلام هو الذي وضع أسس هذه الفكرة، والدعوة إليها هي من صميم التشريع، كما أن ترويجها والدفاع عنها هو في حقيقته ترويج للدين ودفاع عنه. وهذا الطرح في واقعه يعتمد على تعتيم متعمد على الطابع الجزئي النسبي التاريخي المرتبط بالعلمانية الغربية في المفاهيم التي يروج لها هؤلاء. ثم على زعم خاطئ بأن هذه المفاهيم عالمية شمولية إنسانية مما يعني عمومية انطباقيتها، لشرعنة عمليات الترقيع الفكري التي تروم إثبات مباركة الإسلام لتلك المفاهيم بل وتأسيسه لها في محاولة للمزاوجة بين هذا الفكر وتعاليم الشريعة الإسلامية. إن هذا الفكر المتسربل بدعاوى المقاصدية ومراعاة الظرفية التاريخية والسياق... ما هو إلا تعبير صارخ عن عقيدة بعينها نسبية وجزئية وتاريخية تصطدم مع مقاصد التشريع الأصيلة وتعاليمه الواضحة.


ص. ١٦٨

وعلى هذا يرى الدكتور حسن حنفي أن بعض الأحزاب "العلمانية" قد تكون أقرب إلى مقاصد الشريعة من الأحزاب "الإسلامية"17... لقد نجح دعاة القراءات الجديدة في إلصاق مسلك المقاصدية بطروحاتهم رغم التباين الهائل بين ما يرددونه والفكر الأصيل لها. وبرز ذلك الالتصاق غير المشروع في وصف عدد من المفكرين المعاصرين لتأويلاتهم بالمقاصدية"18. لقد حاول دعاة القراءات الجديدة تمرير تأويلاتهم المتعسفة في التحرر من سلطة النصوص على أكتاف ادعاء المقاصدية، فجاءوا إلى النصوص بنظرة مسبقة لا ترى فيها إطارا مرجعيا ينبغي الاحتكام إليه، لتصبح المقاصدية (وفق ما يرونه) المرجعية المركزية لكل تأويلاتهم وأفهامهم. يقول الأستاذ علي حرب: "فالقراءات المهمة للقرآن ليست هي التي تقول لنا ما أراد النص قوله، وإنما هي التي تكشف عما يسكت عنه النص أو يستبعده أو يتناساه ... القراءة الخلاقة هي التي تتجاوز المنصوص عليه والمنطوق به"19. بيد أن هذا كله لا ينبغي أن يسوقنا إلى تمرير هذا الادعاء وتأكيد طموحاتهم في الترويج لقراءتهم بالمقاصدية"20. لهذا الاعتبار كان لا بد من تأكيد النقاط التالية في هذا السياق: ضرورة الحرص على استقصاء عملية ضبط التوجه المقاصدي. فالعجز عن توقع النتائج البعيدة من جراء التوغل والإفراط في التوجه المقاصدي على غير ضابط أو رابط يمكن أن يسوق إلى تقصير أو خلل كبير يصل حد منازلة المقاصد الأساسية ذاتها بناء على فهم مخل أو تأويل فوضوي قاصر. فالتوسع في الاجتهاد المقاصدي دون ضوابط منهجية وثوابت شرعية يمكن أن يشكل منزلقا خطيرا ينتهي إلى التحلل من أحكام الشرع أو تعطيلها باسم المصالح والمقاصد، فتحاصر النصوص وتوقف الأحكام الشرعية باسم تحقيق المقاصد والغايات. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن أئمة المقاصد الأوائل بحثوا في مسألة الضوابط وخصصوا لها فصولا في مؤلفاتهم. ومن ذلك ما جاء في عبارات الشاطبي رحمه الله من ضوابط ووسائل في الكشف عن المقاصد: من سلك إلى مصلحة غير طريقها المشروع فهو ساع في ضد تلك المصلحة، الاستقراء من خلال مجموع أدلة الشريعة كتاباً وسنة، وهو يفيد القطع لأن كليات الشريعة لا تستند إلى دليل واحد بل إلى مجموعة أدلة تواردت على معنى واحد فأعطته صفة القطع، وتخلف بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كلياً"21. التوجس من الإفراط في الاعتماد على مقاصدية النصوص أو سوء تطبيقها بكل ما يحمل من مبررات ومسوغات، لا يقتضي إهدار أو إلغاء دور المقاصدية أو التقليل من أهميتها في تحقيق فهم سليم للنصوص في سبيل بناء وتكوين ضوابط القبول والرفض لأي تأويل أو جهد يروم استحضار النهج المقاصدي كما لا ينبغي أن يسوق إلى إلصاق منهج المقاصدية الأصيل بمنهج سقيم على أساس تلبس البعض به. الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى توجه الحذر من كل فكر يدعو إلى تبني المقاصد الأصيلة في الدين.

المبحث الثاني: تحديات إقليمية أخرى

ثمة تحديات أخرى تواجه الفقه المقاصدي في بعض الدول العربية، وقد ظهرت تلك التحديات ضمن منظومة اجتماعية وفكرية وسياسية لا ينبغي تجاوزها لتتضح الصورة كاملة عن حجم هذه التحديات وظرفية ظهورها ومن ثم كيفية الإسهام في تجاوزها أو التقليل من شأنها. ومن هذه التحديات ما يلي:

الهجوم المتزايد على التوجهات المقاصدية شهدت الساحات الفكرية في بعض الدول العربية في الآونة الأخيرة مولد حركات جديدة تولى زعامتها بعض المفكرين الداعين إلى الإصلاح السياسي بنمط إسلامي ديمقراطي، وقد بدأ العديد من هؤلاء الناشطين بتوجيه انتقادات غير مسبوقة لكثير من المفاهيم السائدة في تلك المجتمعات مؤكدين ضرورة التلازم بين الإصلاح السياسي والديني. وقد تمكن هؤلاء المفكرين من إقامة تحالفات مع عناصر ذات تيارات وتوجهات مختلفة. ويصنف هؤلاء أنفسهم على أنهم دعاة الوسطية والإصلاح22، في حين يطلق عليهم ستيفن لاكرويس اسم الليبرو – إسلاميين23.


ص. ١٧٠

وقد دعا هؤلاء المفكرين في كثير من مقالاتهم وكتاباتهم إلى تبني المنهج المقاصدي فهو الكفيل بإحداث التغيير المنشود في الفكر والسياسة في آن واحد. ويؤكد الدكتور عبد الله الحامد - وهو من أبرز رواد هذه التوجهات - أن ما يدعو إليه ببساطة يتمثل في العودة إلى منهج السلف الصالح وليس إلى إنتاجهم مع رؤية واضحة على ما يجب أن تكون عليه مقاصد الشريعة. فالهدف من إعادة قراءة النصوص القرآنية، هو إظهار أن الدين الإسلامي جوهرياً يتطلب الارتقاء الاجتماعي كما الروحي24. وهذه التوجهات - وإن بدت فكرية لأول وهلة - إلا أنه لا ينبغي انتزاعها من سياقها الذي تولدت فيه. فقد برزت الدعوة إلى المقاصد في فكر هؤلاء الكتاب من خلال طرح مشروعهم السياسي الذي تمت صياغته على عدة مراحل وبشكل رئيسي عن طريق البيانات والعرائض في أعقاب حرب الخليج وأحداث ١١ أيلول25. وقد ركز هؤلاء الكتاب في مقولاتهم على أهمية المقاصد وضرورتها في عملية الإصلاح والتجديد. يقول الأستاذ النقيدان في سياق حديثه عن الإصلاح: "ما نحتاجه بشدة هو فهم متنور للشريعة والنصوص القرآنية ومقاصدها، آخذين بعين الاعتبار التطور الكبير ورياح التغيير التي تهب على الأمم والحضارات... يجب أن تكون هناك ثورة مفاهيم حقيقية، إن المصالح والمقاصد هي التي يجب أن تحدد طريقة فهمنا للقرآن وليس العكس"26. ويؤكد الدكتور عبد العزيز القاسم الذي تناول في كثير من كتاباته أهمية تعديل المناهج الدراسية في المواد الإسلامية، ضرورة تبني وطرح الفقه المقاصدي على الساحة النجدية. فلا يمكن بيان الدين للناس إلا من خلال قراءة كلية للفقه بدلا من النظرات الجزئية التي يغيب معها المعنى الكلي للشريعة، ووسيلة هذه القراءة هي الفقه المقاصدي27.


ص. ١٧١

وقد تزامن ذلك الطرح مع تزايد الحديث بشكل كبير عن موضوع تجديد الخطاب الديني منذ الحادي عشر من سبتمبر على صعيد الأوساط الإعلامية والفكرية العربية، وتزامن ذلك أيضا مع دعوات خارجية لإعادة إنتاج هذا الخطاب بل والمفاهيم الإسلامية من خلال إصلاح التعليم الديني في العالم العربي والإسلامي. وقد دعا بعض المفكرين والساسة الغربيين في هذا السياق إلى ما سموه عملية "بناء الدين" على غرار فكرة "بناء الأمم". كما صدرت كثير من نداءات ومطالب تجديد الخطاب الديني من قبل تيارات مختلفة منها التيار العلماني وغيره. فطالب هؤلاء جميعا بإعادة النظر في كثير من القضايا المرتبطة بالخطاب الديني ومن ذلك إعادة النظر في مناهج التربية والتعليم. كما ظهرت إلى جانب ذلك كله برامج الإصلاح الفكري المفروض على العقل المسلم من قبل بعض الأنظمة العربية. الأمر الذي بدا وكأن التوجه المقاصدي هناك، الجناح التنفيذي لتلك البرامج التعبوية السياسية. خاصة وأن التوجه المقاصدي يعد فكرا مناهضا للتطرف وما نجم عنه من إشكاليات التكفير والتحجر والانغلاق الفكري السارية في كثير من مجتمعاتنا المسلمة اليوم، وهو أمر تروم الخلاص منه الأنظمة والشعوب عموما. وعلى الرغم من تأكيد عدد من الباحثين المهتمين بالمقاصد، أهمية تقعيد المقاصد في مجال السياسة الشرعية وتناول القضايا الهامة في حياة الدولة والمجتمع الإسلامي المعاصر بعقلية مقاصدية28، إلا أن هذا المسار الذي أشرنا إليه في السطور السابقة لا يزال بحاجة إلى الكثير من الجهد لتأصيله وتعميق الدراسات فيه. إضافة إلى ضرورة توخي الحذر والحيطة في الطرح بعيدا عن التوظيف والتوليف. فقد ظهرت قضية المقاصد في طرحهم في بعض الأحايين تجتذب الاهتمام لا من حيث مضامين الأفكار الواردة فيها؛ وإنما من حيث الأهداف والتحركات السياسية المتنوعة المرتبطة بها وبمن يطرحونها. وهكذا تم النظر إلى الطرح المقاصدي وكأنه قضية سياسية ومطلب خارجي مفروض. وبناء على تلك الخلفيات فقد قوبل هذا التوجه وأطاريحه وبياناته بمعارضة شديدة من قبل أغلب التيارات السلفية المتواجدة على تلك الساحة، الأمر الذي ظهر في توجه مهاجم لغالب ما يطرحه الإصلاحيون، وكان للتوجه المقاصدي النصيب الأوفر من ذلك الهجوم. بل لقد غلب التوجس من مجرد استعمال لفظة المقاصد واضحا في عدد من الكتابات المحافظة والتقليدية.


ص. ١٧٢

يقول أحد الكتاب المعاصرين تحت عنوان: "المقاصد طاغوت خامس فمن يحطمه"29: "... المقاصد، السم الزعاف، والتلبيس فيها أمتن وأتقن، وهي عندهم "روح الشريعة"... وما عداها "قشور" ولا يريدون في الواقع إلا إبطال الشريعة تحت غطاء الأخذ بالمقاصد، وإسقاط العلماء الوقافين عند السنن والآثار بكونهم لا يعرفون المقاصد في فتاواهم. لذلك أدعو إخواني العلماء وطلبة العلم إلى تحطيم هذا الطاغوت الخامس". ويقول كاتب آخر في نفس السياق الهجومي: "الحديث عن المقاصد في هذه الأيام أخذ في التجاسر على النصوص والنظر إليها على أنها تابعة لا متبوعة ومقودة لا قائدة، وهي في فلك المقاصد أشبه بالرحى في يد الطحان، وهذه النظرية الغريبة مهما حملت من التجديد وتجاوز المنحى التجزيئي في تفهم أحكام الشريعة -زعموا- لا تنطلي إلا على القليل من الناس"30. ويواصل الكاتب حديثه بالقول: "وهؤلاء الثلة الذين فتنوا بزيف المدنية الغربية قد يجدون في التراث الإسلامي من الشذوذ ما يسترون به عن الناس حقيقة زيفهم وتجافيهم عن أساس الدين الذي يتظاهرون بالدينونة به ... فهؤلاء جعلوا من لغو الطوفي - عفا الله عنه - ونظره المصلحي ملجأ أو مدخلا لتمرير ما نسمعه من دندنة حول مقولة المقاصد، وأنها القبلة التي يجدر بالفقيه المجتهد أن يولي وجهه شطرها لمعالجة المشكلات التي تواجه المسلمين أياما كانت .. اقتصادية أو سياسية أو ثقافية. وهذه الدعوة المتجاسرة على النصوص المتسترة بالمقاصد متلازمة مع دعوات أخرى تنادي بتجديد الأصول الفقهية للإسلام كما هي الدعوة الترابية المشهورة"31. والملاحظ على التيارات الهجومية المذكورة آنفا أنها تقع في عدد من المغالطات من جملتها:

  • مغالطات الغموض والالتباس fallacies of ambiguity ومنها المراوغة والمواربة في استخدام الكلمات والعبارات بمعان متعددة equivocation والتلاعب بالألفاظ والإبهام amphiboly وعدم التأكيد والاقتباس في غير موضعه accent والتعميم غير الموضوعي وسحب الجزء على الكل.
  • مغالطات ذات الصلة بالموضوع fallacies of relevance ويتضمن هذا النوع الهجوم الشخصي personal attack على أشخاص يتناولها الخطاب وليس على حججهم وأقوالهم. يدخل أيضا الاعتماد على الصور النمطية stereotyping في صياغة وتقديم الحجج وتشكيل رؤية هذا الخطاب بشكل عام. وأخيرا النتيجة غير المتسقة مع المقدمات المطروحة irrelevant conclusion32. وهذا واضح تمام الوضوح في الاقتباسات التي أشرنا إليها سابقا.

ص. ١٧٣

وصفوة القول أن الحديث عن هذا التحدي بمثابة السير في حقل الأشواك، نظرا لعملية الالتباس والتداخل بين ما قد يطرح على صعيد تحميل الخطاب الديني وروافده المختلفة مسئولية معينة في ظهور نوازع التطرف لدى عدد كبير من الشباب العربي والإسلامي، وبين ما تطرحه الأقلام الأخرى حول هذا الأمر. مما قد يجعل أمر مراجعة الذات ومحاولات الإصلاح، يظهر وكأنه ترديد لمقولات ودعاوى الخطاب الآخر، والمساهمة في الحملة المعادية للإسلام والحركات الإسلامية اليوم. وقد أفرد الأستاذ علال الفاسي رحمه الله - حيزا كبيرا لهذه القضية خاصة وأن دعوته لإحياء الفكر المقاصدي قد تزامن هو الآخر مع هيمنة الاستعمار ومحاولاته لفرض تشريعاته وتطبيقها. وأوضح الآثار الوخيمة والأبعاد الهدامة للتشريعات الاستعمارية المفروضة على المسلمين وبرع في كشف عورات التشريع الاستعماري حتى أنه وضع عنوانا في كتابه: دفاع عن الشريعة سماه: "بعض مقاصد الشريعة الاستعمارية"33. من هنا فإن المسئولية الواقعة على أكتاف العلماء في هذه المنطقة جد خطيرة، من حيث توضيح الفارق الهائل بين ممارسة عمليات النقد والمراجعة للخطاب الديني بما قد تحمله هذه المراجعة من إقرار واعتراف بجملة من الأخطاء والانحرافات التي تعتري العديد من الخطابات الدينية في وقتنا الحالي من جهة، وبين ما يفرض على الأمة من خارجها من مناهج وإصلاحات فكرية لا تخرج عن كونها مدعاة لمزيد من الانهزامية والخضوع الفكري من جهة أخرى، فإذا تلاقى الأمران في بعض القضايا كالاهتمام بالمقاصدية، فلا يعد هذا مسوغا للتضحية بالمشروع الإصلاحي برمته. ويبقى الاهتمام بالفكر المقاصدي ومحاولة تأسيس العقلية المقاصدية، من أولويات الإصلاح التي يمكن أن تسهم في تخليص الأمة من نزعات التطرف والجمود والتشدد في الشباب المسلم وبالتحديد الذين يتلقون الفقه والعلوم الشرعية في كثير من كليات الشريعة في العالم الإسلامي أو المعاهد أو حلقات المساجد التعليمية. وعليه


ص. ١٧٦ (Pagination jump in original document scan)

التوجهات بل مقارعة الحجة بالحجة وتحديد المقاصد ووسائل الكشف عنها بطريقة تطبيقية في مختلف القضايا العارضة للأمة والمجتمع34.

  • ضرورة الاهتمام بتقعيد المقاصد ووسائل الكشف عنها في القضايا المعاصرة المختلفة وعدم تجاوز خصائص النصوص وطبيعتها حين الكشف عن تلك المقاصد بحجة توظيف الآليات الحديثة والمناهج النقدية الطارئة عليها.
  • أهمية الوقوف على إسهامات أئمة المقاصد القدامى والإلمام الكافي بما توصلوا إليه من قواعد وضوابط في الكشف عنها وتفعيلها. مع ضرورة فهم الأدوات التي تستخدم للكشف عنها في السياق، وخاصة الأدوات الاستقرائية التي تبدأ بالبحث الواسع الدقيق على صعيد الجزئيات ثم الانتقال إلى الربط والتركيب للتوصل إلى الحقائق الكلية35.
  • ضرورة توجيه الاهتمام إلى العلوم الإنسانية بما في ذلك علم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد ... الخ وتدريسها على أساس مقاصدي مع أهمية إنهاء حالة الفصام بين لغة العلوم الشرعية وفهم العصر ومتغيراته الذي يرتكز بدرجة كبيرة على العلوم الإنسانية.
  • اتخاذ خطوات إجرائية تنفيذية في إدخال مادة المقاصد في كافة المتطلبات الدراسية لكليات الشريعة والإسلاميات خاصة في منطقة الخليج العربي التي يكاد يندر فيها هذا النوع من الدراسات.

خاتمة الدراسة

استهدفت هذه الورقة تبيان بعض التحديات التي تواجه الفكر المقاصدي في العصر الحاضر. وقد تناولت تحديا عاما متمثلا في الاختراق الحاصل من قبل دعاة القراءات الجديدة للفكر المقاصدي، كما تعرضت لتحديات وصفتها بالإقليمية كالتهجم على المقاصد بشكل عشوائي، وقلة الاهتمام بالدراسات المقاصدية في الجامعات الخليجية والمشرقية عموما. وقد أوضحت الدراسة أن المقاصد لم تأت لإضفاء الشرعية على أي اتجاه إصلاحي او تجديدي وعلى الباحثين في الدراسات المقاصدية إدراك هذا الأمر وتلافيه والتنحي بالمقاصدية عن سلبيات التبعية والتقمص.


الهوامش

Footnotes

  1. أستاذة مساعدة في قسم اللغة العربية والدراسات الاسلامية، كلية الآداب، جامعة البحرين.

  2. محمد الشرفي الإسلام والحرية : الالتباس التاريخي، المغرب، الفنك بدون تاريخ . نقلا عن عبد المجيد النجار، القراءة الجديدة للنص الديني عرض ونقد، مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي في دورته ١٦، ٢٠٠٥م، ص ١٧ .

  3. نصر أبو زيد، دوائر الخوف قراءة في خطاب المرأة، المغرب، المركز الثقافي العربي، ط ۲ ، ۲۰۰۰م، ص ٦٨ - ٦٩ .

  4. لقاء مع الدكتور أحمد الريسوني، على قناة المجد الفضائية، برنامج ساعة حوار، ٢٠٠٥/٠٢/٢٧.

  5. نصر أبو زيد، مرجع سابق، ص ٦٩.

  6. محمد سالم غانم، من حقائق القرآن، دار الفارابي، بيروت، ۲۰۰۰ م، ص ٥٨ .

  7. محمد عابد الجابري، وجهة نظر نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، الطبعة الثانية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ١٩٩٤ م، ص ٦٣.

  8. راجع في ذلك ما كتبه حول ذلك : محمد بلتاجي، منهج عمر بن الخطاب في التشريع، مكتبة الشباب، مصر، ۱۹۹۸م، ص ۱۸۹.

  9. بتصرف بسيط عن احمد الريسوني، محمد جمال باروت، الاجتهاد: النص، الواقع، المصلحة (حوارات لقرن جديد)، ۲۰۰۰م.

  10. الجابري، مرجع سابق، ص ٦٨ .

  11. "In recent years, the movement has reemphasised Jewish ritual, but encourages individuality in the expression of these rituals. The spirit of the law is more important that the ritual. For example, Shabbat should be a day of rest, but observance of Shabbat does not necessarily have to include abstaining from using electricity or writing. Reform Jews are encouraged to learn about Jewish ritual and to exercise individual choice in determining the way that they will incorporate these rituals into their lives." (Source not fully specified in OCR beyond a general reference to Jewish reform movements).

  12. عرفان عبد الحميد، اليهودية عرض تاريخي والحركات الحديثة في اليهودية، دار البيارق وعمار، بيروت، ١٩٩٧/١٤١٧م، القسم الثاني ص ١٤٩ وما بعدها.

  13. Dayan Dr.J. Grunfeld, The Sabbath, 8th edition, Feldheim Publishers, New York, 1981, pp84-85.

  14. Jacob Neusner, Judaism in Modern Times, Blackwell Publishers, USA, 1995. p. 99. (It's possible the quote attribution is slightly mixed with the previous one in the OCR flow, as often such specific philosophical definitions are more from scholarly analyses than directly from Neusner in this manner without further context. However, this is what the OCR provides).

  15. David Novak, Natural Law in Judaism, Cambridge University Press, 1998. p 92. (Quoting Rackman, Emanur, Sabbaths and Festivals in the Modern Age. Yeshiva University, New York, 1961 from Jacob Neusner, Ibid, p. 94).

  16. بتصرف بسيط عن: رقية طه العلواني، أثر العرف في فهم النصوص قضايا المرأة أنموذجا، سوريا، دار الفكر، ۲۰۰۳م، ص ۲۷۸ .

  17. حسن حنفي، الأحزاب الإسلامية بين الشكل والمضمون، ١٧ مارس، ٢٠٠٦ . http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&A10=6469

  18. عبد المجيد النجار، مرجع سابق، ص ۱۷.

  19. علي حرب، نقد النص، المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الرابعة، ٢٠٠٥م، ص ٢٠.

  20. عدد من أوراق مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي المشار إليه آنفا ركزت على سمة المقاصدية في القراءة الجديدة الأمر الذي يوحي بالخطر من جراء الاسترسال في هذا الحديث ويستدعي قراءة تستشرف المستقبل من خلال هذا التجاذب الفكري الخطير . انظر على سبيل المثال ورقة الأستاذ الدكتور : محمد بن الهادي أبو الأجفان، القراءة الجديدة لنصوص الوحي ومناقشة مقولات... المذكور سابقا، ص ١٥ من بحثه.

  21. راجع في ذلك : أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الفقه، تحقیق: عبد الله دراز، بیروت، دار الكتب العلمية، بت ، ج ۲، ص ٤١ . أحمد الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، الرياض، ط ۲ ، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ۱۹۹۲م، ص ۱۸۷ .

  22. نص على ذلك المحامي السعودي المعروف عبد العزيز القاسم في مختلف كتاباته كما سيأتي بيانه .

  23. راجع دراسته التي تحمل عنوان بين الإسلاميين والليبراليين: الإصلاحيون الليبرو - إسلاميون الجدد في السعودية، ( مجلة ميدل إيست جورنال ٠ - ١٧ / ١٠ / ٢٠٠٤ م . وقد نقلت العديد من المواقع هذه الدراسة منها : موقع إسلام أون لاين. راصد الأخبارية وغيرها .http://www.rasid.com .)

  24. حلقة تم بثها على الجزيرة الفضائية بعنوان: تجديد الفكر الديني، بتاريخ : ٢٠٠٢/٠٥/٢٦ ، ونص الحلقة على موقع الجزيرة الفضائية.

  25. انظر على سبيل المثال البيان الصادر في بيان أبريل ٢٠٠٢ م عن ١٥٠ مفكرا سعوديا بعنوان على أي اساس نتعايش والمشروع الإصلاحي الذي يحمل عنوان: رؤية الحاضر الوطن ومستقبله ميثاق إصلاحي، آب أغسطس ٢٠٠٢م.

  26. منصور النقيدان، راجع مختلف كتاباته ومقالاته وحواراته على موقعه على الانترنت بعنوان: http://www.saudinote.com/mansour/wa4.html

  27. مقابلة أجرتها معه مجلة المحايد على موقع المجلة على الانترنت.

  28. من ذلك ما ذكره إسماعيل الحسني، نظرية المقاصد عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أمريكا، ١٩٩٥ م، ص ٤٠٧.

  29. صالح الخرشي .http://www.sahab.net/sahab/printthread . وقد أشير إليه في مواقع أخرى.

  30. سعد مقبل العنزي، المقاصدون الجدد. http://www.saaid.net/arabic/81.htm

  31. سعد مقبل العنزي، المقاصديون الجدد، المرجع السابق.

  32. للمزيد حول هذه النقاط انظر : حبيب أعراب، الحجاج والاستدلال الحجاجي: عناصر استقصاء نظري، عالم الفكر، العدد 1، المجلد ٣٠، يوليو سبتمبر ۲۰۰۱، ص ص ۹۷-۱۳۳ ، وأيضا : محمد شوقي الزين، تأويلات وتفكيكات : فصول في الفكر الغربي المعاصر، بيروت، المركز الثقافي العربي، ٢٠٠٢ ، ص ص ٨٤ - ٨٥ . Technology Co., 2001 David, Argumentation: On the study of effective reasoning, Chantilly, VA Zarefsky.

  33. علال الفاسي، دفاع عن الشريعة، الرباط، مطابع الرسالة، ١٩٦٦م. وانظر كذلك أحمد الريسوني، من أعلام الفكر المقاصدي، دار الهادي، بيروت، ۲۰۰۳م، ص ۸۲.

  34. راجع حول ذلك ما أشار إليه الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، بحث القراءة الجديدة للقرآن والنصوص الدينية رؤية منهجية، مجمع الفقه الإسلامي، الدورة ١٦، ص ٢.

  35. بتصرف عن : جمال الدين عطية، نحو تفعيل مقاصد الشريعة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أمريكا، ودار الفكر، سوريا، ۲۰۰۳م، ص ص.

قراءة في التحديات المعاصرة
تنزيل البحث ←