دراسة تحليلية لواقع تدبر القرآن الكريم عبر المسار التاريخي
حولية كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة
العدد (۳۲) ۲۰۲۰/۲۰۱۹ - المجلد الثاني
دراسة تحليلية لواقع تدبّر القرآن الكريم عبر المسار التاريخي
أ. د. رقية طه العلواني كلية الآداب - جامعة البحرين [email protected]
ملخص الدراسة
تناولت هذا الدراسة تدبّر القرآن الكريم من حيث المفهوم والتمييز بينه وبين بعض المصطلحات المقاربة له كالتفسير والبيان. كما تناولت الدراسة المراحل التاريخية التي مرّ بها التدبّر في حياة المجتمعات المسلمة من عصر التنزيل وإلى أواخر عهود التقليد والركود. وخلصت الدراسة إلى أن العصور الخيرية الأولى شهدت أعلى مستويات التدبّر لكتاب الله العزيز، فلم يتم الفصل بين التلاوة والتدبّر والعمل، فظهر ذلك في سلوكياتهم وأخلاقياتهم. إلا أن ذلك بدأ بالتراجع في فترات زمنية مختلفة ولعوامل متعددة. ومن أهم الأسباب وراء ذلك ضعف الصلة مع اللغة العربية، التكالب على الدنيا والركون إليها، التقليد والتعصب وغير ذلك. وكلما زاد المرء تدبّرًا في كتاب الله تعالى، أحسن تدبير معيشته وحياته في الواقع المعاش بمختلف جوانبه.
الكلمات المفتاحية: التدبّر، المراحل التاريخية، البيان والتفسير
Abstract
This study examined the contemplation of the Holy Qur'an in terms of concept and distinction between Tadbu `ur and other related terms such as Tafsier and Bayan. The study also examined the historical stages influenced the reality of contemplation in life of Muslim societies, starting from the era of Prophethood till the age of Taqleid (Imitation). The study concluded that the first stage during the life of Prophet, witnessed the highest levels of reflection on the Quran. However, this began to decline in different periods. Among the most important factors behind this are: the weak link with the Arabic language, involvement in temporary world (Duniya), fanaticism and other factors. The highest level of contemplation was achieved during the time of Prophet (PBUH).The more the individual is involved in contemplating of the Quran, the better life, he will enjoy in various aspects.
Key words: Contemplation of the Quran, Historical Context, Interpretation of the Quran and explanation.
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَنَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدين، أما بعد:
فإن تدبر القرآن الكريم من أعظم غايات نزول هذا الكتاب المرتبطة بالتطبيق لآياته في واقع الحياة الإنسانية، وإظهاره على الدين كله عبر العصور والأزمنة المختلفة.
وقد تلقى الجيل الأول الذي نزل فيهم القرآن الكريم هذه المهمة بقلوب واعية ، فحفظوا القرآن في حياتهم وسلوكهم قبل أن يحفظوه في صدورهم. ولم تكن تلاوة الكتاب العظيم منفصلة عن تدبّره وفهمه، ولا عن العمل بأحكامه والتطبيق لآدابه وشرائعه في الواقع والسلوك.
إلا أن ثمة ظروف تاريخية (على المستوى الفردي والجماعي) برزت في حياة المجتمعات المسلمة، أدت بمجموعها إلى تغير في أساليب التعامل مع القرآن الكريم والقدرة على الجمع بين التلاوة والتدبر والتطبيق في آن واحد.
ومن تلك العوامل؛ ما هو فكري عقلي، ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو اجتماعي يرتبط بتحولات جذريّة في الأوضاع التي مرت بها المجتمعات المسلمة، ومنها ما يدخل ضمن ما أثير حول القرآن من شبهات وأباطيل، استقبلها الكثير من المسلمين بالتسليم التام دون مراجعة لأبجديات التعامل مع هذا الكتاب العظيم والوقوف على خصائصه.
من هنا تأتي هذه الدراسة في محاولة لإلقاء الضوء على المراحل التاريخية التي مرّ بها تدبّر القرآن الكريم في حياة المسلمين، منذ عصر التنزيل إلى أواخر عصور التقليد والركود، للكشف عن جوانب من العوامل التاريخية المؤثرة في علاقة المسلمين بتدبّر كتاب الله.
ولا تخفى أهمية الوقوف على هذه العوامل في تصحيح واقع المسلمين مع تدبّر كتاب الله سبحانه وتعالى والإفادة منها في تعلّم الدروس وأخذ العبر والاهتمام بتحصيل الشروط التي يمكن أن تسهم في تحقق فريضة التدبّر في حياة المسلمين.
وتتبنى الدراسة "المنهج التحليلي الاستنباطي" للكشف عن أثر الظرفية التاريخية والاجتماعية في تدبّر القرآن الكريم في المجتمعات المسلمة؛ عبر العصور التاريخية منذ عصر التنزيل إلى نهاية عصور التقليد والركود المتأخرة. وتأتي هذه الدراسة في مبحثين، خصص الأول لمفهوم التدبر وتحريره والثاني للمراحل التاريخية التي مرّ بها التدبّر في حياة المسلمين والعوامل المؤثرة في ذلك.
المبحث الأول: مفهوم التدبر والمصطلحات المقاربة له
والتدبّر في الآيات القرآنية والنظر في آيات الله في الأنفس والآفاق، ليس مجرّد نشاط فكري عقلي محض، بل يصاحبه انفعال وتأثر وجداني بالقرآن العظيم، الأمر الذي يدفع الإنسان إلى تغيير إيجابي في حياته وفق ما تأتي به الآيات القرآنية وتدعو إليه . فالتدبّر مغاير للتفكّر ودرجة أكثر تقدما منه، وأكثر شمولية وعمقا.
ومن المصطلحات التي اشتبكت مع مصطلح التدبّر ؛ مصطلح البيان. الأمر الذي يستلزم ضرورة التفرقة والتمييز بينهما، لما يترتب على ذلك من أثر في تتبع مسار التدبّر لكتاب الله في المجتمعات المسلمة (الذي هو موضوع هذه الدراسة).
فالبيان في اللغة يأتي بمعان تدور حول الوصل والفراق والظهور والكشف والوضوح. يقول ابن فارس: "وبان الشيء إذا اتضح وانكشف. والبيان الكشف عن الشيء".[ ^1]
والبيان في الاصطلاح العام تطور واشتهر في علم البلاغة وعلم أصول الفقه. يقول التهانوني في تعريفه: "البيان عبارة عن أمر يتعلق بالتعريف والإعلام، وإنما يحصل الإعلام بدليل محصل للعلم فهاهنا أمور ثلاثة: إعلام وتبيين ودليل يحصل به الإعلام أو علم يحصل من الدليل".[ ^2]
وقد تتبعت د. سلامة مصطلح البيان ومشتقاته في القرآن فخلصت إلى "أن أكثر ورود البيان فعلا في الآيات والسور المدنية . مما يعني أن القرآن الكريم خصص مجالًا واسعًا لعرض مفهوم في بناء الأمة الإسلامية وإعدادها للبذل والعطاء وهذا لا يحصل مرة واحدة أو ينتهي في زمن معين بل يتجدد مع تجدد الواقع".[ ^3]
وفي واقع الأمر إن وقوع البيان في السور المدنية له دلالة على ارتباط البيان بالتطبيق فمن جوانب البيان وإظهار معنى النصوص القرآنية؛ تطبييقاتها وذلكم من أعلى درجات البيان وأدقها. فالنصوص القرآنية العظيمة تتضح وتظهر جلية حين تتحول إلى تطبيق وعمل ومنهج حياة في سلوكيات الخلق. من هنا أسند فعل البيان إلى الله عزّ وجلّ أو الرسول صلى الله عليه وسلم.
فبيانه صلى الله عليه وسلم لإقامة الصلاة وكل ما يتعلق بها من أحكام جاء بأدائه للصلاة أداءً بيّن فيه أركانها وواجباتها وشروطها وآدابها فعليا، وقد نصّ على بيانه بقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي».[ ^4]
وبيانه لآيات الحج في قوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: ١٩٦] بأدائه لمناسك الحج عمليًا، فقال لهم في الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله رضي الله عَنْهُمَا : أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) قال: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ".[ ^5]
ولا يخفى أن من أعظم وسائل البيان؛ عمله وفعله (صلى الله عليه وسلم) وسيرته العطرة التي تعد تفسيرًا تطبيقيًا لآيات الكتاب المبين. والعناية بالبيان في القرآن من قبيل الهداية إلى الحق، وإرشاد الخلق إلى طاعة الله وعبادته، أكثر منها من قبيل ما يُفهم من مُراد الشارع من أحكام ودلائل كما يستعمله الأصوليون، ولا بطرق إيصال المعنى كما يستعمله البلاغيون.[ ^6] من هنا لزم التمييز بين البيان والتدبّر، فالبيان (إيضاح للمعاني والمراد من النص)، الأمر الذي يستلزم أن يكون المبيّن هو الشارع نفسه ولهذا أُسند فعل البيان إلى النبي (صلى الله عليه وسلم). ومن المصطلحات التي تشتبك مع التدبّر كذلك؛ التفسير. وتدلُّ مادَّةُ «فَسَرَ» في لُغةِ العرب على معنى البيان والكشف والوضوح، وفي الاصطلاح عرفه الزرقاني بأنه: "علم يُبْحَثُ فيه عن القرآن الكريم؛ من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية، وعرَّفوا علم التفسير أيضًا بأنَّه: علمٌ يُبْحَثُ فيه عن أحوال الكتاب العزيز ؛ من جهة نزوله ،وسنده ، وأدائه وألفاظه، ومعانيه المتعلقة بالألفاظ والمتعلقة بالأحكام، وعرَّفوا التفسير تعريفا ثالثًا بأنه: علم يُبْحَثُ فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تُحمل عليها حال التركيب، وغير ذلك؛ كمعرفة النسخ وسبب النزول، وما به توضيح المقام؛ كالقصة والمثل".[ ^7]
والفارق واضح بين التدبّر والتفسير، فالتدبّر موجه للمكلف تعيينا، فهو تذكّر واعتبار لكل من يقرأ القرآن، قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ (القمر: ١٧) ، وفي التدبّر انتفاع القلب بما في القرآن العظيم، من خلال تنزيل ما يقرأ من آيات على نفسه وذاته وواقعه وحياته. ولهذا فهو تكليف عيني بحسب قدرته وطاقته، حتى يتحقق انتفاع كل قارئ به.
أما التفسير : (فهو علم يُكشف به عن المعنى المراد من كلام الله عزّ وجل بطرقه المبسوطة في علم التفسير والتي وضعها أصحاب الفنّ)، قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً﴾ (النساء : ۸۳) ، وقال سبحانه : ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة: ۱۲۲).
والحديث الوارد هنا يوضح الفوارق بين التدبّر والتفسير، سَأَلَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عائشةَ (رضي الله عنها)، قَالَ: «أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ! قال: فَسَكَتَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ صلى الله عليه وسلم: يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي " قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ.. قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ فَجَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ : أَفَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً؟ .. لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا !. ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ !﴾.[ ^8] (آل عمران: ۱۹۰-۱۹۱).
فهذا مثال واضح على معنى التدبّر الذي كان يمارسه النبي الكريم (عليه الصلاة والسلام ) المتمثل في الانتفاع بالآيات والتذكّر والتبصر بها وما تروم تحقيقه في النفس، من تزكية وتنقية وصفاء وخشوع و توجه خالص الله سبحانه، وكلها أعمال قلبية ينبغي على قارئ القرآن الحرص على تحصيلها والانتفاع بها. وهو أمر يختلف عن حدود التفسير المعروف. فالنبي عليه الصلاة والسلام) هنا لم يشرح لها معاني الآيات ولكنه، تدبّرها فظهرت في فعله وما تولّد عن ذلك من خشوع وخضوع وبكاء من خشية الله.. وهي أعمال قلبية قد لا تأتي مع الشرح والتوضيح والتفسير ولكنها تأتي بالتدبر والتفكّر بالآيات، والوقوف عند مراميها في تحصيل الإنسان للخشوع. يتضح مما سبق أن مفهوم التدبّر يختلف عن غيره من المفاهيم وأن الخلط والتداخل الحاصل بينه وبين غيره من مصطلحات ومفاهيم، أدى إلى تَهيب الكثيرين من ممارسة تدبّرهم لكتاب الله، ظنا منهم أن هذا مجال يختص به علماء التفسير وذوي الاختصاص فحسب. والجدير بالذكر هنا أن مفهوم تشتد الحاجة إليه في سياق الحديث عن التدبّر، لابد من الاهتمام به ألا وهو: التدبير.
وقد عرف الجرجاني التدبير بأنه : استعمال الرأي بفعل شاق، وقيل: النظر في العواقب بمعرفة الخير وقيل التدبير : إجراء الأمور على علم العواقب وهي لله تعالى حقيقة وللعبد مجازًا.[ ^9] من هنا يقال يُدبّر الإنسان أمره بأن ينظر إلى ما تؤول إليه عاقبته وآخرته. والتَّدَبُّر : التفكّر في الأمر. فالتدبير في هذا السياق يقتضي أن يسير الإنسان في حياته ومعيشته وفق ما تدعو إليه مقاصد الآيات في كتاب الله، فيُرتّب حياته وفق مقاصد الآيات القرآنية وأغراضها ، فيأتي تدبيره لمعاشه، محققًا لتدبّره في كتاب الله سبحانه. وبهذا يمكننا القول: إنّ الإنسان كلما زاد تدبّرا في كتاب الله تعالى، أحسن تدبير معيشته وحياته في الواقع بمختلف جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والأسرية وغيرها. ومما لا شك فيه أن تدبير الإنسان لماله، ومعاشه، وحياته لا ينبغي أن يقوم على العبث وعدم التفكّر والتدبّر في الأمور وعواقبها وتقليب النظر في جوانبها، الأمر الذي يبين الترابط بين التدبّر والتدبير. يقول في ذلك الأستاذ الدكتور طه العلواني (يرحمه الله): "عرفت علومنا في فترات توسعها وامتدادها علمًا أطلقوا عليه "علم التدبير" وأرادوا به «علم التخطيط» القائم على التفكير في أدبار الأمور أي في عواقبها ومآلاتها، والتفكير في المآلات والعواقب من شأنه أن يجعل الإنسان قادرًا على تحليل وفهم ماضيه وحاضره وحسن الإعداد . بناءً على ذلك . لما يستقبله".[ ^10] من هنا فإن من أسباب حلول العذاب العاجل في الدنيا الإعراض عن آيات الله وعدم تدبّرها والعمل بما جاء فيها. قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾.[ ^11]
فعدم تدبر القرآن الكريم من الأسباب التي تعجّل العقوبة للأمم في الدنيا. وقد جاء في تفسير الشيخ السعدي لهذه الآية: " أفلا يتفكرون في القرآن ويتأملونه ويتدبّرونه أي فإنهم لو تدبّروه لأوجب لهم الإيمان ولمنعهم من الكفر ولكن المصيبة التي أصابتهم بسبب إعراضهم عنه . ودلّ هذا على أن تدبر القرآن يدعو إلى كل خير، ويعصم من كل شر والذي منعهم من تدبره أن على قلوبهم أقفالها ".[ ^12]
ومما يُفهم من كلام السعدي (رحمه الله ( أن التوجيه القرآني للتدبّر في هذا الكتاب لا ينحصر في المؤمنين به، بل يمتد ليشمل الخطاب بالتدبّر كافة الناس حتى المشركين والمنافقين، ليبين أن الإعراض عن التدبّر سبب في الوقوع في الضلال، فإذا استنكر القرآن الكريم على الكفار والمنافقين إعراضهم عن التدبّر فيه، فكيف لا يُنكر على المؤمنين به.
المبحث الثاني: المراحل التاريخية التي مر بها تدبر القرآن الكريم
على الرغم من ضرورة تدبر القرآن في حياة المسلمين (أفرادًا ومجتمعات وما ثبت من أهميته وفرضيته عليهم، إلا أن اهتمام المسلمين بالتدبّر وممارستهم له، لم يكن على درجة سواء خلال العصور المختلفة. فقد مرت فريضة تدبّر المسلمين لكتاب الله عزّ وجلّ ( في حياة المسلمين بالعديد من المراحل التي أثرت فيها الكثير من العوامل الفكرية والاجتماعية والسياسية...... من هنا كان من الضروري الوقوف على تلك المراحل في هذا المبحث.
المرحلة الأولى: التدبر في عصر النبوة والصحابة
أدرك الصحابة رضوان الله عليهم "الجيل الأول الذي نزل عليه القرآن" منزلة التدبّر ، وعدّوها ضرورة من الضرورات الدينية والعقلية التي لا يمكن الفصل بينها وبين العمل بالكتاب العظيم. روى الطبري بسنده عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه ) قال :" كان الرجل منا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن".[ ^13] . والقرآن نزل بلغتهم، فما كانوا يحتاجون إلى كثير بيان عند كل آية وسورة ، اللهم إلا ما يكون فيها من الأحكام.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : " إنما أُنزل القرآن بلسان عربي مبين ... فلم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يسألوا عن معانيه، لأنهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعلمهم به عن المسألة عن معانيه".[ ^14]
ومن المعلوم أن واحدة من أبرز المهام التي أُوكلت للنبي (صلى الله عليه وسلم هي بيان القرآن للناس : ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (سورة النحل / ٤٤).
والبيان يأتي في اللغة بمعان عدّة، من أهمها: الإيضاح والكشف. فالبيان: هو الكشف عن الشيء . وقد ورد في كتاب الله الكريم في ٢٥٨ موضعًا. ومعانيه تدور حول الإظهار والظهور وما يتم به الإظهار.
وكان البيان النبوي للقرآن على قسمين ما جاء منقولا عنه (صلى الله عليه وسلم في شرحه لبعض الآيات في كتاب الله، وهذا قليل. وأما النوع الثاني فهو المتمثل في عموم سنته (صلى الله عليه وسلم) الشارحة في قول أو فعل أو تقرير. و قد ذكر الشاطبي قريبًا من هذا في الموافقات، فقال: وهو يتحدث عن علاقة السنة بالقرآن "إن السنّة إنما جاءت مبينة للكتاب شارحة لمعانيه، ولذلك قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل : ٤٤]. وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: ٦٧] ، وذلك التبليغ من وجهين تبليغ الرسالة، وهو الكتاب، وبيان معانيه، وكذلك فعل (صلى الله عليه وسلم ، فأنت إذا تأملت موارد السنّة وجدتها بيانًا للكتاب، هذا هو الأمر العام فيها."
وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله "أنه يجب أن يُعلم أن النبي (صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ لأصحابه معاني القرآن كما بيّن لهم ألفاظه، فقوله تعالى: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل : ٤٤] يتناول هذا وهذا، وقد قال أَبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : قَالَ حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) عَشْرَ آيَاتٍ فَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالُوا فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ".[ ^15]
إلا أن ذلك لا يعني أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) فسر كل لفظة في القرآن؛ لأنَّ في القرآن ما هو بين المعنى، فلا يحتاج إلى بيان، وفيه ما هو بلغة القوم، فلم يحتاجوا بمعرفتهم لغتهم إلى أن يسألوا عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لكن إذا استشكلوا شيئًا من القرآن سألوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهذا ظاهر في المواضع التي استفسروا فيها عما أشكل عليهم.
يقول الله (عز وجل) في سورة آل عمران: ﴿لَقَد مَنَّ اللَّهَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِن أَنفُسِهِم يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾. [آل عمران: ١٦٤]، فالبلاغ النبوي لألفاظ القرآن الكريم هو المقصود بقوله تعالى: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ).
وبعد أن قال تعالى: ﴿رَسُولاً مِن أَنفُسِهِم يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾. [آل عمران : ١٦٤ ] ، قال : (وَيُزَكِّيهِم)، والتزكية التربية على القرآن الكريم. جاء في تفسير الآية في "الوسيط" لقد أعطى - الله تعالى - المؤمنين من النعم ما أعطى، لأنه قد بعث فيهم رسولا من جنسهم يقرأ عليهم آيات الله التي أنزلها لهدايتهم وسعادتهم، وَيُزَكِّيهِمْ أي يطهرهم من الكفر والذنوب. أو يدعوهم إلى ما يكونون بهزاكين طاهرين مما كانوا عليه من دنس الجاهلية والاعتقادات الفاسدة. وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ بأن يبين لهم المقاصد التي من أجلها نزل القرآن الكريم، ويشرح لهم أحكامه، ويفسر لهم ما خفي عليهم من ألفاظه ومعانيه التي قد تخفى على مداركهم. فتعليم الكتاب غير تلاوته لأن تلاوته قراءته مرتلاً مفهوما أما تعليمه فمعناه بيان أحكامه وما اشتمل عليه من تشريعات وآداب. ويعلمهم كذلك الْحِكْمَةَ أي الفقه في الدين ومعرفة أسراره وحكمه ومقاصده التي يكمل بها العلم بالكتاب".[ ^16]
وعلى هذا لم يفصل الصحابة بين التلاوة والتدبّر والعمل، فكان الكتاب مؤدبا لهم مزكّيًا لأخلاقهم. وفي الأثر عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا".[ ^17]
ولم يكن الصحابة رضوان الله عليهم يقفون عند كل آية من القرآن الكريم حتى يعرفوا معناها، بل كانوا يكتفون بالمعنى العام للآية إن لم يترتب على معرفة المفردات أحكام مهمة، فلم يقف أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - عند معنى الأب الوارد في قوله تعالى: ﴿وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾. [عبس: ٣٠، ٣١].
ولهذا كانوا يبقون مدّة في حفظ السورة. وقال أنس: "كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَلَّ في أعيننا". وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدّة سنين، قيل: ثماني سنين، ذكره مالك . وذلك أن الله تعالى قال: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِه﴾ [ ص: ۲۹] ، وقال : ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾. [النساء : ٨٢،محمد : ٢٤]، وقال: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ [المؤمنون: ٦٨] ، وتدبّر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن، وكذلك قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: ٢] وعقل الكلام متضمن لفهمه.[ ^18]
والصحابة الكرام كانوا يتدبّرون ويتدارسون القرآن فيما بينهم . فكانت حاجتهم إلى شرح معانيه محدودة، وتعود إلى تفاوتهم في الفهم. فقد كان يسأل بعض الصحابة عن المراد ببعض الألفاظ، وكانوا إذا التبس عليهم فهم آية من الآيات سألوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم عنها، فيوضح لهم ما أشكل عليهم. ومن أمثلة ذلك ما ورد عن ابن مسعود : لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبَسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ سورة الأنعام، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم)، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:" لَيسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ.. إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ : ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ، إِنَّ الشَّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾.
ويظهر أن مدارسة القرآن الكريم شاعت بينهم ،فقد ورد عن ابن عمر (رضي الله عنهما ( قوله : "لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَإِنَّ أَحْدَنَا يُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلمفَيَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ فِيهَا كَمَا تَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْقُرْآنَ"، ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِي مَا أَمْرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهُ يَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ".[ ^19]
من هنا أصبح القرآن العظيم مصدر المعرفة والفهم والعمل والتطبيق في حياتهم. جاء عن صاحب نظام الحكومة النبوية قوله: "أوسع دائرة للمعارف تناولها البشر هي القرآن الكريم الذي ﴿لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢] ذلك الديوان العظيم، أول من قرأ في مدرسته وتربى بهديه واتخذه هجيرا واهتدى بتربيته الصحابة الكرام ".
ولم يتطلب هذا التطبيق الواسع لتعاليم القرآن الكريم في المجتمع المسلم الأول، تفسيرا كاملاً لمعاني القرآن الكريم، نظراً لممارسة المسلمين لتدبّر آيات الكتاب في حياتهم على أوسع نطاق وأتمه ، أكثر من أي عامل سواه.
فالصحابة كانوا غالبًا ما يكتفون بالمعنى الإجمالي، ولا يلزمون أنفسهم بتفهم معانيه آية آية. وكان التركيز على التطبيق والعمل المبني على التدبّر. ومما لاشك فيه أن الصحابة كانوا يتفاوتون في القدرة على فهم القرآن وبيانه نظراً للتفاوت الطبيعي في أدوات الفهم والعلم باللغة إلى جانب اختلافهم في ملازمة النبي (صلى الله عليه وسلم).[ ^20] . إلا أن ذلك كله لم يقف حائلا بينهم وبين تدبّر القرآن العظيم وتطبيق أحكامه في حياتهم، حتى أصبح الناظر في سلوكياتهم وتعاملهم ، كأنه ينظر في شرح الآيات ومعانيها. وعلى هذا وافق الذهبي في سفره (التفسير والمفسرون) جولد زيهر على ما قاله في كتابه "المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن" من أن: "المرحلة الأولى لتفسير القرآن والنّواة التي بدأبها، تتركز في القرآن نفسه وفي نصوصه نفسها. وبعبارة أوضح في قراءته على معنى رد متشابهه إلى محكمه، وحمل مجمله على مبينه، وعامه على خاصه، ومطلقه على مقيده.. إلخ".[ ^21]
يقول غانم قدورة:" ويمكن للدارس أن يلحظ أن تفسير القرآن في عصر النبوة لم يكن شاملاً لكل القرآن الكريم، ولعلّ ذلك يرجع من جانب إلى فصاحة الصحابة التي مكنتهم من إدراك معان كثيرة من آي القرآن من غير حاجة إلى سؤال النبي (صلى الله عليه وسلم عنها، وإلى أن التطبيق العملي لأحكام القرآن الذي كانوا يشاهدونه ويشاركون فيه قد أغناهم من جانب آخر عن السؤال عن معاني الآيات الكريمة. ولعل هناك عاملاً آخر أسهم في تقليل مسائل الصحابة عن معاني آي القرآن، هو قوة إيمانهم، وصفاء عقيدتهم، وعمق يقينهم، فكرهوا لذلك السؤال عما تشابه من آي القرآن مما استأثر الله بعلمه، فلم يرو أنهم سألوا عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم ، بل كانوا يقولون: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، واتجهوا إلى الجانب العملي من القرآن والسنّة النبوية فسألوا عما خفي عنهم منه واشتغلوا بتعلّمه وروايته لمن جاء بعدهم من أجيال المسلمين، (رضي الله عنهم أجمعين)".[ ^22]
وبناءً على كل ما سبق يمكننا فهم خلفية عدم ترك النبي (صلى الله عليه وسلم) تفسيرا كاملا لكل آيات القرآن الكريم - بالمفهوم الاصطلاحي للتفسير - كما ذهب البعض من العلماء.
وهنا شاع التدبّر في حياة المسلمين ونظروا إليه بأنه تكليف عيني على كل واحد منهم ، فقلت الحاجة إلى التفسير والسؤال عن المعاني التفصيلية. ومما لاشك فيه أن هذا الأنموذج هو الأمثل الذي ينبغي للمسلم توخي الوصول إليه.
من هنا يرى الفاضل بن عاشور أنّ النص القرآني كلاماً مكتفياً بذاته، والمعنى فيه واضح لا يحتاج إلى تفسير إلا باعتبار خارجي وليس ذاتيا، وذلك لحاجة المفسر وليس لحاجة النص، ولعله لهذا السبب لم يذكر الحاجة اللغوية إذ هي مشكلة القارئ وضعفه في اللغة ، وليست حاجة متصلة بالنص، ولعله بتعليله هذا يفسر قلّة الحاجة إلى التفسير في العهد الأول، إذ محور الحاجة لم يكن موجوداً فمعرفة ملابسات النزول ما تزال قائمة، وكذلك مبهمات النص ومجملاته.
ولم يُعرف من الصحابة بالتفسير إلا عدد محدود منهم؛ عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما حبر الأمة، وترجمان القرآن [ ^23] ، الذي دعا له النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال: "اللهم فقهه في الدين، وعلّمه التأويل"[ ^24]، وهو من الذين جمعوا القرآن في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وكان من قراء الصحابة، وسيد الحفاظ.[ ^25] ومنهم؛ عبد الله بن مسعود(رضي الله عنه).
ولم تُحفظ أقوال هؤلاء المفسرين من الصحابة ولم تدون وبقيت تلك الأقوال شفوية، ولم تتجاوز أقوالهم شرح بعض المفردات والتراكيب، وبيان المناسبات مما له علاقة بالأماكن والوقائع وأسباب النزول.
وكان لاستقرار بعض الصحابة المشهورين بالتفسير في مكة والمدينة والعراق أثر في نشأة حركة تفسيرية أوسع من سابقتها. ويأتي على رأسهم؛ عبدالله بن عباس (ت: ٦٨) ، الذي استقر في مكة، ونُسبت له "مدرسة التفسير" فيها، التي تتلمذ فيها عدد من التابعين منهم مجاهد بن جبر (ت: ١٠٤)، وسعيد بن جبير (ت: ٩٥) ، وطاووس بن كيسان اليماني (ت: ١٠٦)، وعكرمة البربري (ت: ١٠٤ ) ، وعطاء بن أبي رباح (ت: ١١٤)، وأبو الشعثاء بن زيد الأزدي (ت: ۹۳). أما عبدالله بن مسعود (ت: ٣٥) ، الذي استقر بالكوفة في العراق، ونُسبت له "مدرسة التفسير" فيها، فكان تلاميذه من التابعين منهم: علقمة بن قيس النخعي (ت: ٦١) ، ومسروق بن الأجدع (ت: ٦٣)، وزر بن حبيش (ت: ۸۲)، وعبد الله بن حبيب السلمي (ت: ۷۳)، والأسود بن يزيد النخعي (ت: ٧٤)، وعامر الشعبي(ت: ۱۰۹)، والحسن البصري (ت: ۱۱۰)، وأبي بن كعب، الذي استقر في المدينة، ونُسبت له "مدرسة التفسير" فيها، ومن تلاميذه: أبو العالية رافع بن مهران (ت ۹۰) ، ومحمد بن كعب القرظي (ت: ۱۱۸)، وسعيد بن المسيب (ت: ۹۵) ، وزيد بن أسلم (ت: ١٣٦).
ولم يكن اللحن قد شاع بين الناس، فلم يذكر في ذلك إلا حوادث قليلة. وكان اللحن في هذا العصر ظاهرة تنفر منها الطباع، ولا تستريح إليها النفوس؛ لأنها إخلال بسلامة اللغة؛ وتحطيم لمقاييسها. وقد امتد أثره إلى القراءات القرآنية. ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم قرأ رجل فلحن حيث قال: "أرشدوا أخاكم، وفي رواية فقد ضل".[ ^26]
ولما اتسعت رقعة الفتوحات الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، زاد اللحن حتى روي عن عمر (رضي الله عنه) أنه شدّد في ذلك كثيرا، حين ورد إليه كتاب أوله: (من أبو موسى الأشعري). فكتب (رضي الله عنه إلى أبي موسى: "السلام عليك .أما بعد، فأضرب كاتبك سوطًا وأخر عطاءه سنة". ولا يعتبر اللحن في هذا العصر ظاهرة عامة تسربت إلى كل الطبقات في المجتمع ولم تمتد إلى ألسنة العوام والخواص. ولكن من الطبيعي أن تنحرف ألسنة البعض ممن دخل الإسلام عن الصواب في بعض المواقف الكلامية.[ ^27]
ولم يكن اللحن وحده الذي دخل إلى المجتمع المسلم في أواخر عهد الصحابة، بل شهد كذلك دخول بعض العناصر الفارسية والبيزنطية وغيرها في المجتمع الإسلامي خاصة في عهد الفتوحات، إلا أن تأثيرها في مسيرة وحركة المجتمع كان محدودًا . خاصة وأن الغالبية من هؤلاء أصبحوا مسلمين بفضل تسامح المسلمين وحسن رعايتهم لهم، والتي بلغت حدّ إجراء القوت والعطاء على المجذومين والمرضى منهم.[ ^28]
وحافظ المجتمع المسلم الأول على استقرار عاداته وتقاليده الإسلامية إلى حد كبير، كما لم يشهد انفتاحًا واسعًا ما شهده في عصور لاحقة. وقد تميز ذلك العصر باستمرارية المنهج العلمي الذي اختطه الرسول (صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الكتاب العظيم بالتدبّر والعمل، والصحابة (رضوان الله عليهم ( بما أوتوا من فهم واضح وإطلاع قريب على منهج القرآن الكريم والسنة النبوية في ذلك، ساروا على هذا النهج وبقيت المشروعية العليا للقرآن والسنّة ومن ثم اجتهاداتهم المبني على النظر في تلك الأصول. كما أن التغيرات الاجتماعية كانت محدودة في هذا العصر. جاء في ((الفكر السامي)): "حالة الإسلام الاجتماعية زمن الخلفاء لم يدخلها رفه كبير ، ولا ميل إلى الشمم والبذخ والملاذ والسفاسف؛ التي ينشأ عنها تشغيب الأحكام وكثرة النوازل التي هي منشوء التأويلات، ولا سيما في زمن الخلفاء الأربعة، وبالخصوص زمن الاثنين الأولين".[ ^29]
المرحلة الثانية: التدبر في عصر التابعين وتابعيهم
شهد هذا العصر تحولا كبيرًا في التوجه السياسي والإداري للمجتمع المسلم، ولعب الانفتاح الواسع على الأمم وأصحاب الحضارات والأديان السابقة، دورًا مهما في تسريع عملية التغير في بنى المجتمع المسلم في ذلك العهد.كما شهد هذا العصر حركة تنقلات واسعة، فقد انتشر الصحابة رضوان الله عليهم ) في الأمصار، والتف حولهم أعداد هائلة من طبقات المجتمع المختلفة للنهل من علمهم وفهمهم لكتاب الله العزيز. وفي نهاية عهد الصحابة، حمل جيل التابعين تلك الثروة العلمية عنهم.
وصاحب تلك التغيرات، ظواهر أخرى منها ؛ شيوع ظاهرة اللحن ذات الأثر الكبير في فهم القرآن الكريم وتدبره وتفسيره يقول أبو بكر الزبيدي: "فاختلط العربي بالنبطي والتقي، والحجازي بالفارسي ودخل الدين أخلاط الأمم وسواقط البلدان، فوقع الخلل في الكلام وبدأ اللحن في ألسنة العوام".[ ^30]
ولم ينحصر اللحن في مقامات الكلام المختلفة، بل تجاوز ذلك إلى القرآن الكريم نفسه. ولم يقع اللحن في القراءة من الأعاجم وحدهم بل شاركهم في ذلك من ولدوا في بيئة عربية ونشأوا في أحضان العرب وألفوا لحنهم، فكان الخطب جللا والمصيبة بالغة ، حيث وقع الفصحاء والبلغاء في شركه، وانحرفت ألسنتهم في مجال قراءة القرآن الكريم.[ ^31] من هنا جاء عن الحسن البصري قوله: "إنما أهلكتهم العُجْمة".[ ^32]
وقد ذكر ابن خلدون : "أن العرب لما خالطوا العجم تغيرت تلك الملكة بما ألقى إليها السمع من المخالفات التي للمتعرّبين من العجم. والسمع أبو الملكات اللسانية ففسدت بما ألقي إليها مما يغايرها لجنوحها إليه باعتياد السمع. وخشي أهل العلوم منهم أن تفسد تلك الملكة رأساً ويطول العهد بها فينغلق القرآن والحديث على المفهوم ، فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردة شبه الكليات والقواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام ويلحقون الأشباه بالأشباه".[ ^33]
ومعاني كتاب الله تعالى موافقة لمعاني كلام العرب، كما أن ألفاظه موافقة لألفاظها، ولهذا كان لا يمكن لأحد أن يفهم كلام الله ورسوله إلا من هذه الجهة، جهة كونه عربياً في ألفاظه وتراكيب تلك الألفاظ، عربياً في أساليبه ومعانيه، قال الشاطبي (رحمه الله): "فعلى الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أصولاً وفروعاً، أمران: أحدهما: أن لا يتكلم في شيء من ذلك حتى يكون عربياً، أو كالعربي في كونه عارفا بلسان العرب، بالغاً فيه مبالغ العرب، أو مبالغ الأئمة المتقدمين كالخليل وسيبويه والكسائي والفراء ومن أشبههم وداناهم، وليس المراد أن يكون حافظاً كحفظهم، وجامعاً كجمعهم، وإنما المراد أن يصير فهمه عربياً في الجملة...".[ ^34]
وهنا بدأ التفسير والشرح لمعاني الكتاب العظيم يزداد لإيصال فهم النص القرآني، واتخذ التابعون من القرآن وبيانه إلى جانب أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم في تفسير بعض الآيات منهجا لكشف دلالات هذا النص وأبعاده، وفهم غريبه، ومعانيه.
وقد اعتمد التابعون على ما أخذوه عن الصحابة من التفسير، ومن المعروف أن الصحابة فسروا ما غمض فهمه على معاصريهم. وكان من التابعين أئمة أحسنوا الاتباع ؛ فكانوا في تعلمهم التفسير وتعليمه على الطريقة التي أخذوها عن الصحابة رضي الله عنهم)، وكانوا يعظمون شأن القرآن ويعظمون أهله، ويحذرون ويحذرون من القول في التفسير بغير علم . قال الشعبي : "أدركت أصحاب عبد الله، وأصحاب علي وليس هم لشيء من العلم أكره منهم لتفسير القرآن".[ ^35] وقد ذكر ابن أبي شيبة طائفة من أقوالهم في كراهية التوسع في تفسير القرآن الكريم.
إلا أن حركة التفسير في عصر التابعين اتسعت عن عصر من قبلهم، وقد جاء ذلك استجابة لازدياد حاجة الناس إليه لفهم آيات القرآن الكريم، خاصة بعد أن ضعفت ملكة اللغة وبعد أن دخل في الدين أمم متنوعة اللغات والثقافات.
قال عبيدة بن زيد النميري : "سمعت الحسن يقول: أهلكتهم العجمة يتأولون القرآن على غير تأويله ". (رواه ابن وهب وابن أبي شيبة).
فنشأت في الأمصار الإسلامية جماعة من العلماء اشتغلوا بتفسير القرآن، معتمدين في ذلك على ما تلقوه عن الصحابة، وعلى ما وصل إليه علمهم في فهم آيات الكتاب الحكيم. واشتهر من علماء التابعين في كل مصر من الأمصار الإسلامية مدارس للتفسير، أشهرها في مكة والمدينة والكوفة والبصرة.[ ^36]
ويبدو أن التدبّر في كتاب الله بدأ بالتراجع في ظل تلك التغيرات، وظاهرة الغموض بدأت بالتزايد وعلى تدرج، فكلما بَعد الناس عن عصر النبي (صلى الله عليه وسلم والصحابة، زادت الحاجة إلى التفسير.
ولم يكن اللحن وحده العامل المؤثر في تراجع علاقة المسلمين بتدبّر الكتاب العظيم، بل برزت ظواهر أخرى في المجتمع مثل: إسلام بعض أحبار اليهود، ونشرهم ما قرأوه من كتب أهل الكتاب من الإسرائيليات التي كثر التحدّث بها في عصرهم، وكان من التابعين من يأخذ عن هؤلاء ويروي عنهم، وكان من التابعين من يقرأ في كتب أهل الكتاب، ويحدث منها.
ومنها كذلك: تبوأ النصارى مناصب في البلاط ،وانتشار كتابات تحاول بعث الشك في النفوس في العديد من القضايا ؛ كمسائل القدرة الإلهية وحرية الاختيار وغيرها من قضايا فلسفية.[ ^37]
ومنها كذلك كثرة القصاص والإخباريين الذين يعقدون مجالس للوعظ والتذكير والقصص والحكايات التي يدخل في كثير منها أخطاء في الرواية والدراية، ومنهم من تروج قصصه وأخباره ومواعظه حتى يدوّنها بعض المعتنين بالتفسير . وخرج من أولئك القصاص والإخباريين من تكلّم في التفسير؛ فأدخل في كتب التفسير من ذلك ما أدخل؛ كالسدي والكلبي.
ولما فطن الصحابة وكبار التابعين لأغلاط هؤلاء القصاص تجنبوا مجالسهم ، وحذروا منهم . قال الإمام مالك: " كان عبد الله بن عمر يقول لبعض من كان يقص : أخرجوه من بيتي . ( رواه ابن وهب في جامعه)، وقال حماد بن زید: "حدثنا عاصم، قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ونحن غلمة أيفاع، فكان يقول لنا : لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص".[ ^38]
وهنا شهد المجتمع بدايات ظهور الخلاف المذهبي، فظهرت بعض التفسيرات تحمل في طياتها هذه المذاهب، ولا شك أن هذا أثر على مسارات التفسير لكتاب الله واتجاهاته.
وبدأ العلماء بتدوين شروح الْقُرْآن في عصر الدولة الأموية، فظهرت مصنفات عدة منها (مجاز القرآن لأبي عبيدة) و (مشكل القرآن لابن قتيبة) وتلتهم (أسباب النزول لابن المديني، وفي الناسخ والمنسوخ لابن سلام، وفي غريب الْقُرْآن للسجستاني....).
وازدادت حدة التغيرات الاجتماعية التي طرأت على حياة المجتمعات المسلمة ، ولم يكن لهم عهد بها في العصور السابقة. وظهر أثر تلك التغيرات في عدد من الممارسات العملية التي اتسمت بالبعد عن تعاليم القرآن الكريم ، وما شهده عصر النبوة والعصر الراشد. ومن ذلك؛ بدايات شيوع ظواهر الترف وانتشار الغناء والموسيقى ... يقول ابن خلدون في بداية شيوع تلك الظواهر في المجتمع المسلم : " فلما جاءهم – أي العرب المسلمون - الترف وغلب عليهم الرفه بما حصل لهم من غنائم الأمم صاروا إلى نضارة العيش ، ورقة الحاشية ، واستحلاء الفراغ، وافترق المغنون من الفرس والروم فوصلوا إلى الحجاز وصاروا موالي للعرب، وغنوا جميعاً بالعيدان والطنابير والمعازف والزمامير ، وسمع العرب تلحينهم للأصوات فلحنوا عليها أشعارهم ، وظهر بالمدينة عدد من المغنيين من أمثال طويس وسائب خاثر مولى عبيد الله بن جعفر وما زالت صناعة الغناء تتدرج إلى أن كملت أيام بني العباس".[ ^39]
وهذا هو الطور الثالث في مصطلح ابن خلدون وتفسيره للتاريخ، طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك مما تنزع طبائع البشر إليه، وإذا فسد الإنسان في قدرته على أخلاقه ودينه فقد فسدت إنسانيته وصار مسخًا على الحقيقة.[ ^40]
ومما لاشك فيه أن تلك التغيرات أثّرت في علاقة المسلمين بتدبّر الكتاب العظيم، بل هي انعكاس لتراجع التدبّر في الحياة على المستوى الفردي والمجتمعي بشكل عام. فتدبر القرآن الكريم يعصم الإنسان من مواطن الزلل والانسياق وراء الانغماس في الملذات والشهوات. وثمة عوامل أخرى أسهمت في تسيير الحركة الفكرية آنذاك لعل من أهمها ؛ التدوين خاصة وأن الورق قد ظهر بصورة واضحة في القرن الثاني للهجرة.[ ^41]
المرحلة الثالثة: التدبّر في عصور التدوين
بدأت مرحلة التدوين في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني ،وكان ابتداء التدوين للتفسير والحديث في نفس الوقت.
وفي العهد الأموي: اتسعت دائرة التدوين والتأليف عن ذي قبل، وفي هذا العهد رأى الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) أن يجمع الأحاديث؛ فأمر علماء الأمصار بجمع أحاديث الرسول مخافة أن يذهب شيء منها بذهاب العلماء ، وحتى يتميّز الصحيح من السقيم، والمقبول من المردود.
وفي العصر العباسي الأول : اتسعت دائرة التأليف، واتسعت حتى شملت معظم علوم الدين واللغة العربية بل وغير علومها كالفلسفة وفروعها، فقد ترجم كثير من كتب الفلسفة في هذا العصر. وهكذا نرى أن حركة التأليف والتدوين نشطت نشاطاً قويا في هذا العصر، وكان لعلوم القرآن من هذا النشاط حظ غير قليل . شهد هذا العصر حركة علمية وفقهية واسعة، خاصة في العهد العباسي حين وجه الخلفاء اهتمامًا خاصًا للعلم والمعرفة، ورفعوا منزلة العلماء وقرّبوهم وخصصوا مجالس للعلم والمناظرة، فازدهرت الحركة العلمية خلال العصر العباسي الأول بشكل واسع النطاق.
ووصلت الحضارة الإسلامية ذروتها ونبغ العديد من العلماء في مختلف الحقول والمعارف، وظهر الأئمة المجتهدون وازدهرت حركة تدوين السنة و العلوم.[ ^42]
كما اتسم المجتمع المسلم آنذاك بمظاهر الترف الواسعة[ ^43]، التي نجم عنها العديد من الأمراض، منها الإقبال المتزايد على الدنيا والانكباب على لذاتها، وتفنن الناس في ضروب اللذة والاستمتاع وسرت روح العبث والمجون والزندقة بين العديد من طبقات المجتمع المختلفة. وحفلت كتب الأدب بالحديث عن الجواري والغلمان وطرفهم، ومجالس اللهو والشراب والسمر التي كانت تلك الفئة عمادها وأساسها.[ ^44]
وتعكس تلك المظاهر طبيعة الاهتمامات التي كانت تغلب على الكثيرين من الناس آنذاك. وما يهتم به الناس يعكس مستوياتهم العلمية والإدراكية، كما تعكس طبيعة العلاقة بكتاب الله عزّ وجلّ) . فالتدبّر دليل وهادي نحو الأقوم والأفضل في كل ميدان من ميادين الحياة، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.[ ^45] فالقرآن ﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ في كل صغيرة وكبيرة.
والقرآن يقدم الأصوب والأفضل في تهذيب السلوك والمشاعر الإنسانية والعلاقات الاجتماعية. فالتدبّر محور الارتقاء بالروح وتزكية النفس وتنقيتها من كل ما يبعدها عن الله عزّ وجلّ) . فإذا ضعفت دواعيه وممارسته على المستوى الفردي والمجتمعي، ظهرت تلك الممارسات السلبية على مختلف الأصعدة. والمتأمل في طبيعة الظرفية التاريخية التي كانت تعيشها المجتمعات المسلمة آنذاك، أدرك حجم التأثيرات على تدبّر الناس لكتاب الله (عز وجل). ولقائل أن يتساءل كيف يمكن الحكم على مستويات التدبّر لكتاب الله في ذلك العصر أو في أي عصر !
ويمكننا القول : إن واحدًا من أهم مقاييس مستويات التدبّر لكتاب الله في حياة المجتمعات المسلمين؛ النظر في الواقع وظواهره المختلفة. فكلما كان المجتمع أقرب إلى تطبيق تعاليم القرآن وأحكامه وآدابه في الواقع، كلما فهم من ذلك حسن تدبّره واهتمامه بكتاب الله العظيم، فالتدبّر والتفكر فيه، أساس العمل والتطبيق الصائب في واقع الحياة الإنسانية.
والذي يمكن أن نستنتجه من مختلف المؤشرات المذكورة وغيرها أن تلك المظاهر من التدهور والانحسار الأخلاقي في المجتمع، تشير إلى ابتعاد الكثير من المسلمين عن تعاليم القرآن الكريم وسنّة نبيه ( عليه الصلاة والسلام). وهذا لا يكون في ظل تدبّر الناس لكتاب الله وآياته. إذ أن التدبر الأمثل للقرآن يولد فهماً واضحاً لتعاليم الإسلام ومبادئه، وهو الذي يفتح الطريق أمام المسلمين في اللاحق لتأسيس نهضة وبناء حضارة شامخة، ظهرت آثارها في العصور الأموية والعباسية، من خلال تدبّر الجيل الأول لكتاب الله وأثر ذلك.
كما أن التدهور الأخلاقي ، والفساد الاجتماعي لا يمكن أن يقع إلا في غياب التدبّر لكتاب الله في حياة الأفراد والمجتمعات، مما ينجم عنه أفول شمس الحضارة الإسلامية وانكماشها فيما بعد. وقد لعبت تلك الأمراض الاجتماعية والعادات الغريبة عن تعاليم الإسلام دوراً مهما في تقويض عرى الحضارة الإسلامية. تلك العادات والأعراف التي لم تزل تنتشر وتنمو في المجتمع إلى حد التغلب على مبادئ الدين وتعاليمه.[ ^46]
وقد أشار القرآن الكريم في غير من موضع إلى قوانين بناء وسقوط الحضارات والأمم ، وهي قوانين وسنن ثابتة لا تتخلف. كما أشار في العديد من الآيات إلى أسباب السقوط والانحدار، ومنها الترف والبطر والاستعلاء في الأرض بغير الحق ، والظلم والانغماس في الملذات والشهوات.[ ^47] وواقع الأمر أن تفشي الضعف والأمراض الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع، لا يمكن أن يحدث إلا في ظلال البعد عن آيات الكتاب العظيم، فالمجتمعات الإنسانية عندما تصاب بالضعف والركود والمرض تسري تلك المظاهر إلى مختلف الوحدات الاجتماعية والمؤسسات لتشمل الأفراد وتصبح تيارا اجتماعيًا وسلوكًا عامًا يلف المجتمع بأسره.[ ^48]
ومما لاشك فيه أن تدوين العلوم وتشعّب مذاهب الخلاف الفقهي، وعلم الكلام، وظهور التعصب المذهبي، برز بشكل أوضح وأعمق في هذا العصر. وهنا قامت الفرق الإسلامية بنشر مذاهبها والدعوة إليها، وتأثر التفسير بكل هذا واتجهت الكتب المؤلفة فيه اتجاهات متنوعة، وتحكمت الاصطلاحات العلمية، والعقائد المذهبية في عبارات القرآن الكريم، فظهرت آثار الثقافة الفلسفية والعلمية للمسلمين في تفسير القرآن، كما ظهرت آثار التصوّف واضحة فيه، وكما ظهرت آثار النحل والأهواء فيه ظهورا جليا.[ ^49]
وواقع الأمر أن المتأمل في انتشار ظاهرة التعصب المذهبي آنذاك والفرقة والنزاعات التي امتدت لتجعل من آيات الكتاب العظيم شواهد تستدل بها على صحة رأي أو مذهب على آخر، هي من قبيل آثار ضعف التدبّر في حياة المسلمين كذلك.
فقد انبرى أتباع الفرق الإسلامية المتعددة باللجوء إلى النصوص الدينية المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية لتدعيم آرائهم في الغالب أو للرد على آراء مخالفيهم. فكل يلتمس الشرعية بربط اجتهاداته بالمتقدّم والجيل الأول. إلا أن تلك الظاهرة نجم عن التوسع فيها في كثير من الأحيان - التأويلات الفاسدة البعيدة عن مرامي النصوص ومقاصدها. ولقد كرّس ذلك كله حِدّة الخلافات والنزاعات والتشرذمات في المجتمعات المسلمة ، على المستوى الفكري والاجتماعي والسياسي .. وما هي إلا نتاج ضعف التدبّر في كتاب الله الذي يجعل من القرآن الكريم مصدر الهداية، فالعبد يأتي إليه ليهتدي بآياته وليس ليعضد رأيًا أو يُعزز توجها.
وقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم العلاقة بين تدبّر الكتاب العظيم وتأليف القلوب، والنزوع عن التدبّر ووقوع الخصام والنزاع. ومن ذلك ما روي عن ابن عباس (رضي الله عنهما قال: " قدم رجل يسأله عن الناس فقال يا أمير المؤمنين قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا فقلت (يعني قال ابن عباس والله ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة. قال ثمّ قال : مه . فانطلقتُ إلى منزلي مكتئباً حزيناً ، فقلت قد كنت نزلتُ من هذا بمنزلة ولا أراني إلا قد سقطت من نفسه، فاضطجعت على فراشي حتى عادني نسوة أهلي وما بي وجع فبين أنا على ذلك قيل لي : أجب أمير المؤمنين فخرجت فإذا هو قائم على الباب ينتظرني ، فأخذ بيدي ثم خلا بي فقال: ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفا؟ قلت: يا أمير المؤمنين إن كنت أسأت فإني أستغفر الله وأتوب إليه وأنزل حيث أحببت، قال: لتخبرني، قلت: متى ما يسارعوا هذه المسارعة يحتفوا ومتى ما يحتفوا يختصموا ؛ ومتى ما اختصموا يختلفوا ومتى ما يختلفوا يقتتلوا، قال: الله بلى لقد كنت أكتمها الناس حتى جئت بها ".[ ^50]
لقد أدرك عمر وابن عباس (رضي الله عنهما، أن المسارعة في التلاوة دون تدبّر وتأمل مدعاة للبعد عن الفهم السليم، الذي يجرّ إلى وقوع الخلاف والخصام والسلوك المنحرف عن جادة الصواب. وشيوع ظاهرة التفرق والنزاعات والخصومات من أظهر الأدلة على غياب وتراجع فريضة التدبّر في حياة المسلمين آنذاك.
كما انتشرت في هذا العصر على وجه الخصوص ظاهرة تسرّب الروايات الإسرائيلية إلى كتب التفسير ومدوناته، عن طريق من دخل من اليهود والنصارى إلى الإسلام.[ ^51]
وقد توسع التابعون في النقل عن أهل الكتاب، فقد انتشرت مرويات بني إسرائيل في زمنهم انتشارا واسعًا. وكان الداخلون في الإسلام من اليهود خاصة يروون للمسلمين ما يجدونه في كتبهم عن القضايا الغيبية وقصص الأمم السابقة، التي وردت مختصرة في القرآن الكريم. ونقل المسلمون العديد من تلك الروايات، ودخلت كتب التفاسير في عصر تدوينها، واعتمد العديد من المفسرين القدامى (رحمهم الله) على تلك التأويلات والإسرائيليات.
ولم تخلُ الساحة الفكرية - خاصة في العهود المبكرة - من اعتراضات وردود فعل عنيفة تجاه الإسرائيليات بشكل عام. وكان إطلاق تسمية (إسرائيليات) على أي رواية سبب كاف لردها ورفضها مطلقاً. وقد تم رفض تلك الروايات خاصة ما تعارض منها وناقض أصول ومبادئ الشريعة وتعاليمها. بيد أن العديد من الإسرائيليات تسربت إلى كتب التفاسير المختلفة. وقد لعبت تلك الإسرائيليات دورًا خطيرًا في إفساد المعنى ، الذي يبدو بادي الرأي من الآيات الكريمة . إضافة إلى أن بعض كتب التفاسير القديمة التي أخذت بالإكثار من الإسرائيليات وضعت بذلك ستارا كثيفا بين الآيات ونورانياتها المشرقة.[ ^52]
الأمر الذي نجم عنه وعن غيره من عوامل شيوع فكرة صعوبة فهم القرآن الكريم، خاصة مع فشو اللحن. وعلى الرغم من جهود الغيورين على اللغة والدين واستخراجهم من كلام العرب قواعد وكُليّات، تعين على وقف زحف اللحن في اللغة، إلا أن الأمر كان قد استفحل . وشاع توهم صعوبة فهم الكتاب العزيز وتدبّره، على الرغم من خلو القرآن العظيم من الإشارة إلى ذلك، وعلى النقيض هناك العشرات من النصوص القرآنية أكّدت سهولة فهم الكتاب العظيم.
المرحلة الرابعة: التدبّر في عصور التقليد والركود
فالله (عز وجل ) يقول في كتابه الكريم : ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾.[ ^53] يقول القرطبي في تفسيره: " أي القرآن يعني بيناه بلسانك العربي وجعلناه سهلا على من تدبّره وتأمله وقيل أنزلناه عليك بلسان العرب ليسهل عليهم فهمه".[ ^54]
بحلول المائة الرابعة ظهرت بوادر الآثار والنتائج المترتبة على تلك التغيرات الهائلة، التي وقعت في المجتمع الإسلامي . وتعرضت بغداد حاضرة الخلافة العباسية إلى واحدة من أقسى المحن في تاريخها. فقد أتى المغول على معالم الحضارة والثقافة والعلوم فيها ، وقاموا بإهدار وتحطيم مختلف القوى البشرية والثقافية والحضارية. ولم يكن المجتمع المسلم عشية الغزو إلا مسرحًا للنزاعات ؛ وحالات التشرذم السياسي والاجتماعي والمذهبي . وورثت المجتمعات المسلمة تركة ثقيلة من مخلّفات تلك العصور ،كل معاناتها وإفرازاتها السياسية وتراكماتها الاجتماعية المتدهورة. فشاع التقليد حتى بات ديدنا علميًا واجتماعيًا، وعكف الناس على ما كتبه السلف من العلماء، وساد الجمود والركود مختلف النواحي الفكرية والحضارية والاجتماعية.[ ^55]
وقد استمرت الحالة على ما كانت عليه في القرن الرابع وما تلاه، حتى استفحل أمر التقليد وخطره. ويشير الأمير الصنعاني (۱۲۸۲هـ) إلى انتشار التقليد بقوله: "كان" الفقه الإسلامي في القرون المشهود لها بالخير في ازدهار مستمر ونمو متواصل وتقدم دائم وكانت اجتهادات الأئمة بين الأخذ والعطاء والرد والقبول، حتى في أوساط أصحابهم إلى أن فشا التقليد في نصف القرن الرابع وبدأ التعصب المذهبي يبيض ويفرخ. ولم يأت قرن بعد ذلك إلا وهو أكثر فتنة، وأوفر تقليدا وأشد، انتزاعًا للأمانة من صدور الرجال حتى اطمأنوا بترك الخوض في أمر الدين وبأن يقولوا: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾.[ ^56]
ولم ينحصر التقليد في الجانب الفقهي فحسب، بل ساد الركود مختلف النواحي العلمية والثقافية، وإن ظهر في بعض الأحيان عدد من العلماء المجددين، إلا أن السمة الغالبة على هذا العصر، الركود والجمود.
وإن المتأمل في شيوع تلك الظواهر في المجتمع، يلحظ أنها لم تأت وليدة يوم وليلة، بل جاءت وليدة تراكمات عصور من الجهل والبعد المتزايد عن تعاليم القرآن الكريم والسنّة النبوية، والتشبث بأعراف وتقاليد دخيلة. فقد أقامت تلك التراكمات المتزايدة حاجزاً كثيفاً بين تلك التعاليم الصافية، وبين الممارسات التي ألفها الناس واعتادوها . وبات الانفصام بين التعاليم القرآنية والأعراف السائدة في حياة المسلمين واقعاً لابد من معايشته ومعالجته. وقد أسهمت تلك الأجواء في ضعف تدبّر المسلمين لكتاب ربهم بشكل عام. ونجم عن ظاهرة التقليد آثار لا تقل خطورة عنه، فقد وصل الخلاف والتعصب المذهبي بين المقلدين. من هنا وردت أقوال عدد من العلماء ممن عاصروا ذلك الواقع وحاولوا معالجته، تحذّر من الانزلاق في هذا السبيل. يقول ابن تيمية (رحمه الله) في ذلك:" من المعلوم أن كل كلام المقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه فالقرآن أولى بذلك، وأيضًا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً في فنّ من العلم ؛ كالطب والحساب ولا يستشرحوه فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم".[ ^57]
ويقول ابن القيم رحمه الله : "من قال إن له ) أي للقرآن) تأولا لا نفهمه؛ ولا نعلمه وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه، ففي قلبه منه حرج".[ ^58] ورغم تحذير هؤلاء العلماء من خطورة إهمال التدبّر في كتاب الله، إلا أنه ذلك الإهمال استشرى حتى أدى إلى ظهور العقلية التقليدية، التي لا تنمو ولا تترعرع إلا في أجواء الجهل والتخلّف الحضاري. ولم يعرفها المجتمع المسلم إلا في عصور التأخر وهجر الكتاب وتدبّره. وفي القرآن الكريم دعوة متواصلة لتحرير عقلية الفرد والوصول به إلى العقلية الناضجة العلمية التي تبحث وتفكر وتستنبط بحرية وموضوعية. واستمرت تلك الأجواء فترات ممتدة في تاريخ المجتمعات المسلمة، وغاب الفصل والتمييز بين مقاصد القرآن العظيم وآياته وأغراضه في بناء الأنفس والمجتمعات وتغييرها من جهة، وبين المتراكمات التاريخية التي فقدت مشروعية بقائها ودوامها، وتحوّلت إلى صدفة متحجرة تحجز مقاصد القرآن الكريم وتعاليمه النقية.
كما أثرت تلك الأجواء على مسار التفسير كذلك، فاكتفى المتأخرون بتدوين ما دوّن من كتب في التفسير ، ومنهم من أخذ كلام غيره وزاد عليه، ومنهم من اختصر، ومنهم من علق الحواشى وتتبع كلام من سبقه وهكذا.[ ^59]
وبلغ أثر التقليد مديات حرجة في التفاسير، حين تناقلت العديد من كتب التفاسير بعض القضايا الكلامية ؛ والسياقات الجدلية التي تباعد الزمن بها حتى ضمرت واختفت، فتجد بعض مفسري القرن الثالث عشر الهجري يعيدون إثارتها من جديد.[ ^60]
وأضحت علاقة الكثير من المسلمين بكتاب الله، مرتهنة بالاستناد إلى منظومة من المعارف والقيم الموروثة عن التفاسير في العصور السابقة، دون إدراك لعظمة الكتاب العزيز وغاية تنزيله، ولا للواقع الإنساني الذي تعيش فيه. والحقيقة أنه لابد من النظر إلى بشرية تلك الجهود التي بذلها السابقون رحمهم الله ضمن سياقاتها البيئية، مع التفرقة والتمييز بين الدين المعصوم المطلق الثابت بالوحي الإلهي وبين التفسير النسبي المحدود بأطر الزمان والمكان والبيئة المتولد فيها. ولو نظرنا إلى ما كان عليه الأمر في العصور الخيرية الأولى، لأدركنا البون الشاسع في موقع القرآن الكريم في الحياة الإنسانية للمسلمين. فقد كان المسلمون الأوائل أشد حرصًا على الانشغال بكتاب الله تعالى، وصرف الأوقات والجهود في تدارسه عما سواه.
وقد ساق ابن عبد البرّ ( ت ٤٦٣هـ) في كتابه (جامع بيان العلم) تحت عنوان باب "ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف" جملة من أقوال الصحابة والتابعين وشدة كراهيتهم للإفراط في الكتابة والتدوين لآرائهم خشية الانشغال بها والانصراف عن كتاب الله. فعن جابر بن عبد الله بن يسار قال: سمعت علياً يخطب يقول: أعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث يتبعون أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم.[ ^61] وعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيّ قَالَ : "بَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ عِنْدَ نَاسٍ كِتَابًا يَعْجَبُونَ بِهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى أَتَوْهُ بِهِ فَمَحَاهُ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ أَقْبَلُوا عَلَى كُتُبِ عُلَمَائِهِمْ وَتَرَكُوا كِتَابَ رَبِّهِمْ." وروى ابن عبد البر قول الضحاك : "يأتي على الناس زمان يكثر فيه الأحاديث، حتى يبقى المصحف بغباره لا يُنظر فيه". وعن ابن عباس (رضي الله عنهما قال: "إنما ضلّ من كان قبلكم بالكتب".[ ^62]
ويتضح من تلك الأقوال إنّ الكراهية تعود أصلاً إلى الخوف من أن تتخذ تلك الكتب منزلة تضاهي القرآن الكريم؛ من حيث الانشغال بها وانصراف الناس إليها، فالعقل مطالب بالاحتكام إلى آيات القرآن الكريم وعرض الآراء البشرية على القرآن الكريم فما وافقه أخذنا به وما خالفه أعرضنا عنه.
وتنبه عدد من العلماء إلى خطورة هذا الإهمال في حياة المسلمين، وتعرضوا لتفنيد الشبهات والحجج الواهية المثارة حول تدبّر القرآن العظيم. فمعظم القرآن واضح ظاهر ، يدرك معناه العالم والأمي، أما الاكتفاء بقراءة ألفاظه دون فهمه وفقه معانيه، فهذا يناقض أعظم غايات تنزيله ويخالفها.
ومن هؤلاء العلماء المجددين، ابن تيمية رحمه الله) حيث يقول في ذلك:" في باب فهم القرآن فهو دائم التفكر في معانيه والتدبر لألفاظه واستغنائه بمعاني القرآن وحكمه عن غيره من كلام الناس، وإذا سمع شيئًا من كلام الناس وعلومهم عرضه على القرآن . فإن شهد له بالتزكية قبله وإلا رده وإن لم يشهد له بقبول ولا رد وقفه، وهمته عاكفة على مراد ربه من كلامه ولا يجعل همته فيما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن".[ ^63]
ويقول ابن القيم (رحمه الله حول ذلك : " لو علم الناس ما في قراء القرآن بالتدبّر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية هو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبّر وتفهم ، وأنفع للقلب، وادعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن . وهذه كانت عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصباح. وقد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم أنه قام بآية يرددها حتى الصباح، و هي قوله تعالى:" إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم".[ ^64]
وقد نقل ابن رجب الحنبلي ( توفي ٧٩٥ ) (رحمه الله) أقوال طائفة من العلماء في ذلك، ممن تنبهوا إلى خطورة إهمال التدبّر في كتاب الله، ومن ذلك ما قاله ابن هبيرة ( ٥٦٠هـ ) (رحمه الله): "ومن مكايد الشيطان تنفيره عباد الله من تدبر القرآن، لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر، فيقول: هذه مخاطرة حتى يقول الإنسان: أنا لا أتكلم في القرآن تورعا".[ ^65]
وازداد بعد المسلمين عن تدبّر كتابهم ربهم في ظل تزايد أجواء التقليد، والعكوف على مدونات التفسير والاعتماد عليها أكثر فأكثر.
وشهد العالم الإسلامي نوعًا جديدًا من الاتصال بالأجنبي خلال فترة قرنين من الزمن. أسفر عن وقوف الغرب المسيحي على أصول الحضارة الإسلامية ومنابعها. وبهذا مهّدت تلك الحقبة التاريخية لعهود استعمار مقبلة، وخرج الصليبيون على أمل العودة من جديد. " فقد أخذ الصليبيون من العالم الإسلامي العربي أكثر مما أعطوا. فعلى الرغم من كل الكراهية الدّينية التي شعروا بها تجاه المسلمين، إلا أنهم شعروا بتراثهم العربي وحضارتهم السائدة، المستحقة للتقليد والاقتباس. وتأثر الصليبين سواء في طريقة معيشتهم ، أو تقاليدهم بالمجتمع آنذاك من الحقائق المؤكدة. إلا أنه بالمقابل، لم يتمكن الشرق من اكتساب شيء من ذلك التلاقي إلا الدمار والدموع والدم. فلم يحصل على بضائع مادية، ولا معرفة علمية، ولا معاملة تقوم على التسامح والعطف، بل على العكس من ذلك كله، فقد لقي كل قساوة وعداوة من تلك الجموع، والحضارة الأجنبية التي حاولت تقديم ذاتها للمجال الإسلامي. ولم تكن الحياة العلمية أو الثقافية بمعزل عن تلك الأحداث السياسية القاسية، والصراعات المريرة التي أصيبت بها الأمة آنذاك، مما نجم عنه تراجع وانحدار واضح في النواحي الثقافية والعلمية والاجتماعية".[ ^66]
وقد ظهر أثر ذلك على التدبّر في كتاب الله وتراجعه في حياة كثير من المسلمين، يقول الصنعاني (۱۱۸۲هـ) في ذلك:" حفظ تعالى كتابه وسنة رسوله إلى يوم التناد؛ بأن كثيراً من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لا يحتاج في معناها إلى علم النحو وإلى علم الأصول، بل في الأفهام والطباع والعقول، ما سارع به إلى معرفة المراد منها ثم قرعها الأسماع من دون نظر إلى شيء من تلك القواعد الأصولية والأصول النحوية فإن من قرع سمعه قوله تعالى: "وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ" يفهم معناه من دون أن يعرف أن (ما ) كلمة شرط، و (تقدموا) مجزوم بها لأنه شرطها، و (تجدوه) مجزوم بها لأنه جزاؤه .... ولذا ترى العامة ... يسمعون القرآن فيفهمون معناه ويبكون لقوارعه وما حواه، ولا يعرفون إعراباً ولا غيره مما سقناه، بل ربما كان موقع ما يسمعون في قلوبهم أعظم من موقعه في قلوب من حقق قواعد الاجتهاد، وبلغ غاية الذكاء والانتقاد ... فليت شعري ما الذي خص الكتاب والسنة بالمنع عن معرفة معانيها ، وفهم تراكيبها ومبانيها والإعراض عن استخراج ما فيها حتى جعلت معانيها كالمقصورات في الخيام.. ولم يبق لنا إليها إلا ترديد ألفاظها والحروف".[ ^67]
واستشرى الأمر في العصور المتأخرة أكثر فأكثر، تارة بحجة صعوبة فهم القرآن العظيم، وأخرى بدعوى عدم القول في القرآن بالرأي وثالثة بدعوى الاكتفاء بما كتبه العلماء السابقون رحمهم الله. ولم يزل العلماء المجددون في كل عصر يدافعون عن هذا الفريضة العظيمة التي تراجعت في حياة المسلمين ويفندون الشبهات المثارة حولها. ويعتبرونها من المنكرات التي ينبغي التصدي لها ومحاربتها، ولو كانت بزعم حماية القرآن الكريم والسنة النبوية من التقول فيهما بغير علم.
كما جاء في أضواء البيان : "إِعْرَاضُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَقْطَارِ عَنِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَتَفَهُمِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَبِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الْمُبِيِّنَةِ لَهُ ، مَنْ أَعْظَمِ الْمُنَاكِرِ وَأَشْنَعِهَا، وَإِنْ ظَنَّ فَاعِلُوهُ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى ، وَلَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِمَنْعِ الْعَمَلِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - اكْتِفَاءً عَنْهُمَا بِالْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَانْتِفَاءِ الْحَاجَةِ إِلَى تَعَلُّمِهِمَا: لِوُجُودِ مَا يَكْفِي عَنْهُمَا مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ - مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ . وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَمُخَالِفٌ لِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، فَمُرْتَكِبُهُ مُخَالِفٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَصْحَابِ رَسُولِهِ جَمِيعًا وَلِلْأَئِمَّةِ رَحِمهم الله".[ ^68]
وقد ردّ ((الشنقيطي)) على من ذهب إلى أن تدبّر هذا القرآن العظيم، وتفهمه والعمل به لا يجوز إلا للمجتهدين خاصة، وبيّن أن المخاطبين الأولين الذين نزل فيهم القرآن هم المنافقون والكفار ، وليس أحد منهم مستكملا لشروط الاجتهاد المقررة عند أهل الأصول، بل ليس عندهم شيء منها أصلاً. فلو كان القرآن لا يجوز أن ينتفع بالعمل به والاهتداء بهديه إلا المجتهدون بالإصلاح الأصولي، لما وبنّ الله الكفار وأنكر عليهم عدم الاهتداء بهداه، ولما أقام عليهم الحجة به حتى يحصلوا شروط الاجتهاد المقررة عند متأخري الأصوليين. ولو كان لا يصح الانتفاع بهدي القرآن إلا لخصوص المجتهدين لما أنكر الله على الكفار عدم تدبرهم كتاب الله، وعدم عملهم به. يقول في ذلك : " يجب على كل مسلم يخاف العرض على ربه يوم القيامة، أن يتأمل فيه - أي القرآن - ليرى لنفسه المخرج من هذه الورطة العظمى ، والطامة الكبرى ، التي عمّت جُل بلاد المسلمين من المعمورة . وهي ادعاء الاستغناء عن كتاب الله وسنّة رسوله، استغناءً تامًا في جميع الأحكام من عبادات ومعاملات، وحدود وغير ذلك، بالمذاهب المدونة".[ ^69]
والذي نخلص إليه من هذا كله أن ما آل إليه حال المسلمين في العصور الحديثة مع تدبّر كتاب الله، لم يأت وليد يوم وليلة بل جاء عبر فترات تاريخية ممتدة وظروف اجتماعية وفكرية وسياسية متضايفة، وهو ما سنخصه بدراسة معمقة في المستقبل بإذن الله، نظراً لتشعب الموضوع وحيثيات ظروفه المتداخلة.
الخاتمة
تناولت هذا الدراسة واحدة من أبرز الحلقات في علاقة المسلمين بكتاب الله عزّ وجلّ) ، متمثلة في تدبّره، الذي هو الغاية من إنزاله. ولئن اعتنت الكثير من الدراسات السابقة بتعريف التدبّر وبيان أهميته وقواعده... فقد جاءت هذه الدراسة في مبحثين : الأول : خُصص لتحرير مفهوم التدبر والمصطلحات المتداخلة معه، والثاني للوقوف على المسارات التاريخية والظرفية التي مر بها التدبّر في حياة المجتمعات المسلمة عبر العصور، من عصر التنزيل وإلى أواخر عهود التقليد والركود.
وخلصت الدراسة إلى النتائج التالية:
- العصور الخيرية الأولى شهدت أعلى مستويات التدبّر لكتاب الله العزيز، فلم يتم الفصل بين التلاوة والتدبّر والعمل، الأمر الذي انعكس في سلوكياتهم وأخلاقياتهم وسائر تعاملاتهم.
- التلاوة الشمولية التي شهدها عصر النبوة والعصر الراشد لم تستمر طويلا، فقد بدأت بالتراجع شيئًا فشيئًا، وبدأت بوادر الفصل بين التلاوة والتدبر والعمل بالظهور على مستويات متباينة وفي فترات زمنية متراكمة.
- من أبرز العوامل المؤثرة التي وقفت عليها الدراسة في ضعف تدبّر المسلمين لكتاب الله؛ ضعف اللغة العربية، التكالب على الدنيا والركون إليها، التقليد والتعصب ...
- كلما قوي التدبّر في الواقع، كلما اختفت المظاهر السلبية في حياة المسلمين الاجتماعية والفكرية والسياسية كذلك، والعكس صحيح.
- ثمة علاقة وثيقة بين التدبّر والتدبير، فكلما زاد المرء تدبّرا في كتاب الله تعالى، أحسن تدبير معيشته وحياته في الواقع بمختلف جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والأسرية والسياسية.
- ومما لا شك فيه أن تدبير الإنسان لماله ومعاشه وحياته لا ينبغي أن يقوم على العبث، وعدم التفكر والتدبّر في الأمور وعواقبها وتقليب النظر في جوانبها، الأمر الذي يبين الترابط بين التدبّر والتدبير.
- تزايد التفاسير وأعدادها ، لا يعني تزايد الاهتمام بالتدبّر أو تعزيزه، بل حصل معه تراجع في مستويات التدبّر في العصور التاريخية السابقة.
- لا تلازم بالضرورة بين زيادة الاهتمام بالتفسير وضعف التدبّر في حياة المسلمين إذا ما أدرك المسلمون فرضية التدبّر على الأفراد المكلفين مع ضرورة النظر إلى نسبية الدراسات والجهود التفسيرية وقراءتها ضمن سياقات ظرفيتها التاريخية والفكرية.
- ما آل إليه حال المسلمين في العصور الحديثة مع تدبّر كتاب الله، لم يأت وليد يوم وليلة، بل جاء عبر فترات تاريخية ممتدة، وظروف اجتماعية وفكرية وسياسية متضايفة . وتوصي الدراسة بضرورة مواصلة البحث للوقوف على صيرورة التدبّر في العصور الحديثة والواقع الراهن مع العناية بالظروف والسياقات المزامنة لذلك.
قائمة المراجع
- أرنولد، توماس. الدعوة إلى الإسلام، ترجمة: حسن إبراهيم وآخرون، مكتبة النهضة المصرية، مصر، ط۳، ۱۹۷۰م.
- البخاري، محمد بن إسماعيل. التاريخ الكبير . طبع تحت مراقبة: محمد عبد المعيد خان. دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد – الدكن.
- ابن بسام، أبو الحسن. الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق: إحسان عباس، الثقافة، بيروت، ۱۹۷۹م.
- التهانوني، محمد علي الفاروقي. كشاف اصطلاحات الفنون، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ.
- ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد. مجموع فتاوى ابن تيمية. تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية. المملكة العربية السعودية. ١٩٩٥م.
- الجاحظ، البيان والتبيين. تحقيق: عبد السلام هارون. مكتبة الخانجي. القاهرة. ۱۹۹۸م.
- الجرجاني، علي بن محمد بن علي. التعريفات، ضبط وتعليق: محمد علي أبو العباس، دار الطلائع للنشر والتوزيع، القاهرة، ٢٠١٣م.
- الجنان، مأمون. أبو حيان ومنهجه التفسيري، دار الكتب العلمية، بيروت، ۱۹۹۳م.
- الجوزية، ابن قيم. التبيان في أقسام القرآن، دار الفكر، دمشق.
- الحجوي، محمد بن الحسن بن العربي بن محمد. الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي. دار الكتب العلمية، بيروت، ١٩٩٥م.
- الحشماوي، رشيد الطيف إبراهيم. العوامل المساعدة لظهور التدوين التاريخي التحريري في العصر العباسي : دراسة تاريخية تحليلية. دورية كان التاريخية. مصر . المجلد ۹. العدد ٣١ . ٣١ مارس ٢٠١٦م.
- ابن حنبل، أحمد. مسند الإمام أحمد، تحقيق: أحمد شاكر. دار إحياء التراث العربي، بيروت، ۱۹۹۳م.
- الحنبلي، ابن رجب. ذيل طبقات الحنابلة، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، بدون تاریخ.
- ابن خلدون، عبدالرحمن بن محمد. العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. تحقيق: مصطفى شيخ مصطفى. مؤسسة الرسالة ناشرون. بيروت.
- دومنيك وجانين سورديل، الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي. دار الحقيقة للطباعة والنشر، بيروت. ۱۹۸۰م.
- الذهبي، محمد السيد حسين. التفسير والمفسرون. مكتبة وهبة. القاهرة. ۲۰۰۰ م.
- الذهبي، محمد بن أحمد. سير أعلام النبلاء، ت: شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٤١٣هـ.
- الرومي ، فهد . اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، السعودية، 1407هـ/1986م.
- الزبيدي، أبو بكر محمد بن الحسن. طبقات النحويين واللغويين تحقيق : محمد الفضل ، دار المعارف، مصر، الطبعة الثانية، ١٩٧٤م.
- الزرقاني، محمد عبد العظيم. مناهل العرفان في علوم القرآن، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، دار الكتاب العربي ،بيروت، 1415هـ، ١٩٩٥م.
- زمرد، فريدة. أزمة التقليد في علم التفسير التشخيص وسبل العلاج، مجلة الإحياء، http://www.alihyaa.ma/Article.aspx?C=5۹۲۷
- السعدي، عبدالرحمن بن ناصر. تفسير السعدي، تحقيق: محمد بن عثيمين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٤٢١ / ٢٠٠٠م.
- سلام، محمد زغلول. الأدب في عصر العباسيين، منشأة المعارف، مصر.
- سلامة، فاطمة. مفهوم البيان في القرآن الكريم، https://platform.almanhal.com/Files/٢/٢٦
- السندي، أبو الحسن. حاشية السندي على ابن ماجه، دار الجيل، بيروت.
- الشاطبي، إبراهيم بن موسى. الاعتصام، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي. دار ابن عفان. السعودية. ١٩٩٢م.
- الشنقيطي، حمد الأمين بن محمد بن المختار الجنكي. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، دار الفكر، بيروت، ١٩٩٥م.
- ابن أبي شيبة، عبدالله بن محمد. المصنف، دار الفكر، ١٩٩٤م.
- الصنعاني، محمد بن إسماعيل. إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد، تحقيق: صلاح الدين مقبول أحمد ، الدار السلفية، الكويت، ١٤٠٥هـ.
- الطبري، محمد بن جرير . جامع البيان عن تأويل آي القرآن. تحقيق: عبدالله بن عبدالمحسن التركي. دار هجر للطباعة والنشر. ٢٠٠١م.
- طنطاوي ، محمد سيد. التفسير الوسيط للقرآن الكريم، دار نهضة مصر، القاهرة، http://www.greattafsirs.com/Tafsir_Library.aspx?SoraNo=3&AyahNo=164&MadhabNo=7&TafsirNo=57
- ابن عاشور، محمد الفاضل. روح الحضارة الإسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أمريكا، ١٤٠١هـ / ١٩٨١م.
- ابن عثيمين، محمد بن صالح. شرح مقدمة التفسير لابن تيمية، http://shamela.ws/browse.php/book-21521/page-18
- العلواني، طه جابر. أفلا يتدبرون القرآن: معالم منهجية في التدبر والتدبير، دار السلام، ۲۰۱۰م، على الرابط الإلكتروني: http://www.epistemeg.com/pix/pdf_138.pdf
- العلواني، رقية طه جابر . أثر العرف في فهم النصوص..قضايا المرأة أنموذجا، دار الفكر، دمشق، ۲۰۰۳م.
- العلواني، رقية. تدبر القرآن بين النظرية والتطبيق، مطبعة الاتحاد، مملكة البحرين، ٢٠٠٦م.
- العمري، أحمد . دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني، مكتبة الخانجي، القاهرة، ١٤٠٦هـ/١٩٨٦م.
- الفقيه، محمد جواد. نظرة في كتاب الله، دار الأضواء، بيروت، 1413هـ/1993م.
- قدوری، غانم. محاضرات منشورة على موقع الشاملة: http://shamela.ws/browse.php/book-12917/page-160
- القزويني، أحمد بن فارس. مجمل اللغة، تحقيق: زهير سلطان، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط٢، ١٩٨٦م.
- المثنى، أبو عبيدة معمر. مجاز القرآن، تحقيق: محمد فواد سزگین ، مكتبة الخانجي – القاهرة ، ١٣٨١هـ.
- موسی، محمد العزب. دراسات إسلامية في التفسير والتاريخ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بیروت، ۱۹۸۰م.
- النبهان، محمد فاروق. المدخل للتشريع الإسلامي، وكالة المطبوعات، کویت، ط۲، ۱۹۸۱م.
- النمري، يوسف بن عبدالبر . جامع بيان العلم وفضله، دار الكتب العلمية، بيروت، ۱۳۹۸هـ.
- النيسابوري، أبو عبدالله محمد. المستدرك على الصحيحين، دار المعرفة، بيروت، ۱۹۸۹م.
- Gabriel, Frncesco. The Arabs a Compact History, Trans: Salvator Attanasio, GreenWood Press, Publishers, USA,۱۹۸۱,pp. ١٧٢ - ١٦٧.
Footnotes: