د.رقية العلواني

جميع البحوث

القرآنيون والسنة النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم

قراءة في أثر الظرفية التاريخية والفكرية في ظهور القرآنيين المعاصرين

د. رقية طه العلواني


ملخص البحث

يتناول هذا البحث قضية الكشف عن أثر الظرفية التاريخية والفكرية في بروز فئة القرآنيين في العصر الحاضر وانتشار فكرها. حيث أن طبيعة الظروف التاريخية والتيارات الفكرية السائدة تسهم في توليد توجهات فكرية معينة، الأمر الذي يقتضي دراسة تلك الظرفية للوقوف على كيفية معالجتها ومواجهة تداعياتها.

كما يتناول البحث محاولة وضع إطار منهجي لكيفية التعامل مع التحديات التي تواجه السنة النبوية من خلال استنباط بعض المعالم والضوابط لذلك. ويوظف البحث المنهج التحليلي التاريخي المقارن في استقراء وتقصي الظروف التاريخية والتيارات الفكرية المقارنة لظهور القرآنيين في العصر الحاضر.

ومن أهم النتائج التي كشف عنها البحث، تحديد أبرز الظروف والفلسفات التاريخية والفكرية المؤثرة في ظهور القرآنيين في العصر الحاضر وهي: فلسفة مناهج نقد النصوص الكتابية (Biblical Criticism)، أثر فلسفة تطور الأديان، وإساءة فهم مناهج التعامل مع السنة النبوية.

ومن أبرز المعالم التي كشف عنها البحث في التعامل مع القرآنيين: التصدي للأفكار، ضرورة التفرقة والتمييز في توجيه الخطاب بين من ينكر حجية السنة مطلقا وبين من ينظر في بعض الأحاديث وفق ضوابط ومعايير مقبولة لدى جماهير العلماء والمحدثين، وضرورة الاهتمام بتعديل مناهج التعامل مع السنة النبوية للخلاص من أزمة إساءة الفهم والتأويل.

كما يوضح البحث أهمية توظيف التحليل المقارن في الفكر الديني لتجاوز العديد من الإشكاليات الناجمة عن عدم الإفادة من عثرات الآخر مع أهمية استحضار الفوارق والحيثيات المتوقعة.

كما يقدم البحث مقترحا باستبدال مصطلح "منكري السنة" بمصطلح "القرآنيين" لما يحمله الأخير من إيحاءات إيجابية قد توقع في اللبس والتوهم.


مقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الأمين وبعد،

ازداد الحديث في الآونة الأخيرة عن فئة تعرف بـ "القرآنيين"، وتصاعدت حولها زوابع فكرية واسعة النطاق. وتناولت بعض الدراسات الحديثية في الوقت الحاضر أصولها وأقوالها وفصلت البحث في الشبهات المثارة من قبلها، كما تولت الرد عليها وتفنيد شبهاتها. بيد أن الجانب الذي خلت منه معظم الدراسات هو تبيان طبيعة الظروف التاريخية والفكرية التي أفرزت هذه الفئة وأسهمت في انتشار فكرها.

وتأتي هذه الدراسة في محاولة للكشف عن تلك الظرفية وأثرها في ظهور أفكار القرآنيين في الوقت الحاضر وتداعياتها.

أهمية الدراسة

تبرز الحاجة إلى مثل هذه الدراسة في الوقت الحاضر على وجه الخصوص، حيث تضافرت محاولات الكثير من المؤلفين والكتاب للرد على أقوال وأطروحات هذه الفئة وغيرها حول السنة النبوية دون الوقوف على عوامل نشأتها وظرفية انتشارها. الأمر الذي يمكن أن يسوق إلى مزيد من التكرار والدوران حول الظاهرة دون محاولة اجتثاث جذورها من خلال مواجهة عوامل نشأتها ومعالجة انتشار فكرها.

وتروم الدراسة من خلال ذلك محاولة تفكيك وإعادة تركيب بعض المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بهذه الفئة، ومن ثم رسم إطار منهجي عام لضبط وتقعيد عملية رد الشبهات المثارة حول مصادر التشريع بصفة عامة والسنة النبوية بصفة خاصة، من خلال تقديم بعض الضوابط في معالجة أقوال وأطروحات هذه الفئة كأنموذج تطبيقي.

الدراسات السابقة

احتل موضوع إنكار السنة حيزا واسعا ظهر في بروز عدد من المؤلفات المتناولة له قديما وحديثا. وازداد الحديث عن القائلين به في العصر الحاضر والشبهات التي أثيرت من قبلهم. وظهر عدد من المؤلفات التي تضمنت الحديث عن قضية إنكار السنة والقائلين بذلك كما تبنت الردود عليهم ضمن مباحثها الأخرى.¹

وتذهب معظم هذه الدراسات إلى أن موضوع إنكار السنة وما يتعلق به من شبهات، لم يختلف في أطروحاته عن أطروحات من أنكرها في السابق ممن تناول الرد عليهم الإمام الشافعي رحمه الله في رسالته.

وثمة مؤلفات أفردت الحديث عن هذه القضية وما يتعلق بها، وتأتي دراسة الدكتور خادم حسين إلهي بخش (۱۹۸۵م) في واحدة من أهم الدراسات المعاصرة في باب القرآنيين وشبهاتهم. فقد تناول دكتور بخش في رسالته الواقعة في ٤٨٢ صفحة بالتفصيل والعرض الدقيق موضوع وتاريخ فكرة إنكار السنة قديما وحديثا، وتاريخ فرقة القرآنيين في الهند وباكستان وتراجم رموزهم وفرقهم المعاصرة.² كما تناول الحديث عن القرآنيين في بعض البلاد العربية وذكر تراجم دعاتهم كذلك. وتمتاز هذه الدراسة عن غيرها بإفراد موضوع القرآنيين بالبحث وتتبع ظهورهم في العصر الحاضر تتبعا تاريخيا امتاز بالدقة والجدة.

يتضح من خلال العرض السابق لبعض ما تناوله العلماء والمفكرون المعاصرون في موضوع القرآنيين، غياب البحث في موضوع أثر الظرفية التاريخية والفكرية في ظهور هذه الفئة وأفكارها، والربط المباشر التطبيقي بين أطروحاتها وما قارنها من تيارات فكرية وتاريخية.

من هنا فإن الدراسة تتجه للبحث في مؤلفات أخرى يمكن أن يستقى ويستنبط منها أثر الظروف التاريخية والفكرية المقارنة لظهور القرآنيين المعاصرين في بروز أفكارهم وأطروحاتهم، التي نجدها متناثرة في كتابات القرآنيين أنفسهم من جهة وكتابات غيرهم من المستشرقين والمفكرين الغربيين الذين طرح العديد منهم ذات الأفكار والأقوال.

ولا تغفل الدراسة أهمية الوقوف على بعض البحوث والدراسات المعاصرة التي طرحها بعض النقاد والفلاسفة الغربيين في ثنايا نقدهم لكتبهم المقدسة والتي تأثر بها القرآنيون كثيرا كما ستوضح الدراسة ذلك.

يتضح من العرض السابق لبعض الدراسات التي تناولت قضية القرآنيين، أن الجانب الذي ستقف هذه الدراسة عليه لم تتم معالجته بدقة وعمق، رغم الحاجة الملحة إليه في الوقت الحاضر.

¹ من أشهر هذه الدراسات المعاصرة ما كتبه الأستاذ الدكتور مصطفى السباعي، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، المكتب الإسلامي بيروت الطبعة الرابعة، ١٤٠٥ / ١٩٨٥م. ² خادم حسين إلهي بخش، القرآنيون وشبهاتهم حول السنة، مكتبة الصديق السعودية، الطبعة الثانية، ١٤٢١هـ / ٢٠٠١م.

منهجية الدراسة وتقسيماتها

تقوم الدراسة على توظيف منهج الاستنباط والتحليل والمقارنة بين دوائر فكر فئة القرآنيين من جهة ودوائر فكرية أخرى ظهرت في فترات مقاربة للحقبة الزمنية الحديثة التي تم بروز فكر القرآنيين فيها في اليهودية والمسيحية كذلك.

وتنقسم الدراسة إلى عدة مباحث بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة. أما المبحث الأول فقد تم تخصيصه لتناول إشكالية مصطلح القرآنيين ومفهومه. أما المبحث الثاني فقد تم تخصيصه للبحث في توصيف طبيعة الظروف التاريخية والحالة الفكرية المقارنة لظهورها في العصر الحاضر واشتدادها في الوقت الراهن. أما المبحث الثالث فقد خصص للبحث في محاولة التوصل إلى صياغة قانون ضابط لكيفية معالجة هذه القضية ومثيلاتها من خلال عرض بعض المعالم المستنبطة حول ذلك.


المبحث الأول: القرآنيون.. إشكالية المفهوم والمصطلح

ظهر مصطلح "القرآنيين الجدد" وشاع استعماله بناءً على ما أطلقه رموزهم ودعاتهم على تلك الأطروحات والأفكار التي دارت رحاها حول إنكار السنة وثبوتها بطريقة أو بأخرى. ولعل بدايات إطلاق هذا المصطلح تعود إلى أصحاب حركة (أهل الذكر والقرآن) في لاهور، وهم الذين أطلقوا على أنفسهم ذلك المصطلح. ومن ثم شاعت تلك التسمية وانتقلت إلى غيرهم في أماكن أخرى.

ويرتبط هذا المصطلح بفكرة "منكري السنة الجدد" الذين لم يروا في السنة مصدرا للتشريع ودعوا إلى الاحتكام إلى القرآن وحده دون السنة.

ولا تذهب الدراسة إلى الاسترسال في إشاعة استعمال هذا المصطلح وإطلاقه على منكري السنة الجدد. فالمصطلحات تحتل أهمية بالغة، لما يترتب عليها من آثار تنعكس في البنية المعرفية لمستعمليها وفي السياق الفكري الذي توظف فيه، بل وفي تحديد طبيعة التعامل معها واتخاذ المواقف منها. الأمر الذي يستدعي التثبت فيها والتأكد من مطابقتها ومصداقيتها لواقع مفاهيمها. كما يتم الاعتماد على المصطلح في معرفة فكر قائله وهويته.³

من هنا كانت عملية إطلاق مصطلح ما على فكر معين أو توجه محدد، في غاية الأهمية والدقة. فكلما كانت مفاهيم الموضوع الذي تراد معالجته، صحيحة كان الموقف منه صحيحاً.

من هنا كان إطلاق مصطلح "القرآنيين" على منكري السنة وحجيتها الجدد، أمرا له محاذير عديدة، ليس أقلها ما يحدث من توهم ولبس وتشويش بأن أصحاب هذا التوجه، يعتمدون القرآن الكريم ولا يرومون سواه، وهو أمر مخالف لحقيقة الواقع ولطبيعة هذا التوجه الفكري لدى أصحابه.

فالاعتماد على القرآن الكريم لا يمكن أن يسوق بحال إلى إنكار السنة وحجيتها في حين أن دعامة أقوالهم، إنكار السنة من خلال التشكيك في ثبوتها وصحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

كما أن إطلاق مصطلح "القرآنيين" يحمل في طياته إيحاءات إيجابية، تغاير واقع هذا الفكر عند تفنيد عناصره وتفكيك أبجدياته كما ستقف الدراسة عليه لاحقا.

من هنا فإن الدراسة تؤكد أهمية وقف الاسترسال في استعمال هذا المصطلح لتمييز أصحاب هذا الاتجاه (سواء أكانوا هم من استعملوا هذه التسمية أم أن غيرهم أطلقها عليهم). وتذهب الدراسة إلى أهمية استبدال مصطلح "منكري السنة" بمصطلح "القرآنيين" للخروج من أزمة المفهوم والمصطلح ابتداء.

كما تركز الدراسة على حقبة زمنية محددة ظهرت فيها هذه الفئة وهي العصر الحاضر لما لها من صديات في الواقع الفكري للأمة حاليا.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن هذا التوجه الفكري قد ظهر كذلك في دوائر الفكر الديني في اليهودية قديما وحديثا. ويقوم مذهب أصحابه على التمسك بما جاء في العهد القديم وحده، وعدم الاعتراف بأحكام التلمود وتعاليم الربانيين والحاخامات. ومن ثم أطلق على فرقتهم اسم "القراءون" نسبة إلى "مقرا" (Karaism) الكلمة العبرية מקרא קראים التي تعني أتباع الطريق. من هنا فهم يتمسكون ويقرون بأسفار العهد القديم المنزل على موسى عليه السلام في سيناء فقط، ولا يقرون بشرعية التلمود. وعرف أتباعها كذلك بأبناء الكتاب الحرفيين. ولا تزال هذه الطائفة إلى اليوم تسير على هذه الأفكار والاعتقادات، وتذهب إلى مقولة "حسنا الكتاب" أي التوراة. فالتوراة في نظرهم حوت جميع المبادئ والتعاليم التي يحتاج اليها اليهود في مختلف الأزمنة والأمكنة ولا يحتاجون سواها. ولا يزالون يتمسكون بهذا المبدأ إلى اليوم:⁴

"Karaites differ from others in that we accept the Tanakh (TN'K, Hebrew Bible [old testament]) as giving us all the information we need to live a life in accord with the will of the Creator. We do not feel a need for teachings that are not included in TN'K thus we do not accept either the Talmud of the Rabbinics or the New Testament of the Christians".⁵

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن تعاليم القرائين في الأصل تمحورت حول رد الاعتراف بشرعية التلمود باعتباره تأويلات بشرية مزورة وعليه رأوا الالتزام التام بحرفية نصوص التوراة والتمسك بظواهرها هو المخرج لذلك.⁶ فقد نظر القراءون إلى التلمود باعتباره تأويلات وأقوال للحاخامات على مر العصور وعلى هذا فهي غير ملزمة.

³ حكمة على الأوسي، مفاهيم في الأدب والنقد، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، ١٩٨٤م، ص 3. راجع كذلك المفهوم معجم لالاند المجلد الأول ص ١٩٤ منشورات عويدات بيروت ١٩٩٦ت خليل أحمد خليل. ⁴ العهد القديم هو مجموعة الأسفار التي جمعها رجال المجمع الأكبر الذي تأسس عقب العودة من السبي البابلي وجمعها عزرا في عام ٤٤٤ ق. م. وهو يشكل الشريعة المدونة. أما التلمود فهو روايات شفوية نقلت عبر العصور عن طريق سلسلة من الثقات يضم شروحات علماء اليهود ويراد به عند الإطلاق تلمود بابل وهو الأكثر شهرة وتداولا. راجع في ذلك بحثنا المنشور بعنوان: "أحكام الأسرة بين الإسلام والتقاليد الغربية دراسة تحليلية ضمن المسار التاريخي"، مجلة الدراسات الإسلامية، مجمع البحوث الإسلامية، إسلام آباد ، العدد الثالث (يوليو سبتمبر ۲۰۰۰م)، ص ١٤١. ⁵ راجع موقع القرائين المعاصرين على الانترنت: http://www.karaites.org/who_are_we.htm (ملاحظة: الرابط الأصلي ذكر أنه مقطوع، تم استخدام الرابط المفترض). ⁶ عرفان عبد الحميد، "المنهج السلفي في الأديان وقواعد الفلسفة الدينية"، (التجديد)، السنة الثالثة، (العدد الخامس) ١٩٩٩م. وانظر كذلك: عرفان عبد الحميد فتاح، اليهودية عرض تاريخي، دار عمار، الأردن، ١٩٦٧م، ص ٩٥.

المبحث الثاني: أثر الظرفية التاريخية والفكرية في ظهور فكر القرآنيين

يصعب تفهم كيفية بروز ظاهرة (القرآنيين الجدد)⁷ واستمراريتها دون وضعها ضمن الإطار التاريخي والاجتماعي المقارن لظهورها. ويتضح ذلك من خلال التتبع التاريخي لظهورها وقراءة مختلف التيارات السائدة إبان ذلك الظهور. فقد نظر هؤلاء إلى السنة النبوية برمتها (كما نظر بعضهم إلى القرآن كذلك) من خلال ثقافات وفلسفات برزت وسادت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ومن ذلك:

أولا: فلسفة مناهج نقد النصوص الكتابية (Biblical Criticism)

بدأت هذه الفلسفة للتحقق من صدق مرويات العهدين القديم اليهودي والجديد المسيحي في مراكز البحوث في الجامعات الألمانية ثم انتشرت منها إلى دول أوروبا الغربية ومن بعدها إلى الولايات المتحدة. وقد انتهت هذه الجهود التي كانت تروم التصديق والإثبات ابتداء، إلى التشكيك والتكذيب لتلك المرويات واعتبارها صنعة بشرية مليئة بالتناقضات وصدى لوقائع تاريخية بادت وانقرضت وكان لها خصوصيتها الزمنية، وليست وحيا إلهيا على الإطلاق. ويعد باروخ سبينوزا (١٦٣٢ - ١٦٧٧م) مؤسس فلسفة نقد النصوص الكتابية.⁸

وهكذا يذهب الاتجاه العام السائد بين علماء نقد نصوص العهد القديم إلى أن أسفاره لم يدونها موسى عليه السلام، وإنما هي مجموعة من التقاليد المتراكمة التي تشكلت مادتها في أوقات متباينة. ويرى هؤلاء أن الزمن الطويل الذي مر على النقل الشفوي لهذه المرويات، فسح المجال لنفاذ أفكار وأحداث تاريخية وكثير من الشعر إلى متن التوراة إضافة إلى الميول الشخصية التي لعبت دورها في صياغة التوراة الحديثة.⁹

وما قام به رواد هذه الفلسفة من عمليات نقد وفحص لمرويات العهد القديم، قام به آخرون في العهد الجديد (الإنجيل)، فذهب رودولف بولتمان وصموئيل ساندميل وغيرهم إلى أن الإنجيل روايات مختلفة لا أصل لها وهي لا تعدو عن كونها أساطير ليس لها صدى في واقع التاريخ.¹⁰

بيد أن هؤلاء جميعا ذهبوا إلى ذلك بعد جهود علمية هائلة ودراسات مضنية في تلك الكتب، أدت إلى الوقوف على تناقضات حقيقية بين ما ورد في العهد القديم والجديد من مرويات تتعلق بالكون ونشأته والطوفان وبدء الخليقة، وما أثبته العلم الحديث على سبيل المثال. الأمر الذي ساق إلى قولهم بتاريخية تلك المرويات وأنها كانت بالفعل تصورات بشرية لأشخاص عكسوا ما ساد في عصورهم وانقضى بكل ما يحمل من تناقضات وآراء تناهض العقل والعلم.

وقد أشار إلى هذه الحقيقة عدد من المنصفين من مفكريهم ومنهم العالم الفرنسي الشهير موريس بوكاي في كتابه المترجم إلى الانكليزية "الإنجيل القرآن والعلم .. دراسة للكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة"، حيث يقول:

"..In the case of the of subjects such as the formation of the Universe (the description of the Creation), the date of man's appearance on earth, the Flood and its location in time, it is patently obvious that the biblical writers...have expressed ideas of their times which are incompatible with modern knowledge. Today it is impossible not to admit the existence of scientific errors in the Bible"¹¹

فقد أكد هذا الكاتب وغيره أن ما حواه القرآن من حقائق عن الكون ونشأته وغيرها من قضايا علمية، لا يمكن أن تكون صادرة عن بشر في عصر نزوله، فالعلم لم يتوصل إليها إلا مؤخرا مما يؤكد الفارق الهائل بين مرويات العهد القديم والجديد من جهة والقرآن من جهة أخرى.

ورغم ذلك كله ظهر ترديد لتلك الفلسفة في كتابات بعض المفكرين في المجتمعات المسلمة دون إدراك للتغاير الواضح بين نصوص العهدين القديم والجديد من جهة وبين نصوص القرآن الكريم من جهة أخرى.¹²

والمتفحص لمقولات من أطلق عليهم (قرآنيون) في العصر الحاضر، يلحظ التأثر المهول والتشابه الذي يبلغ حد التطابق بين آرائهم من جهة، وآراء علماء النقد التاريخي للنصوص الكتابية في الغرب، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التبشير بهذا في ساحات الفكر الإسلامي جاء من قبل المستشرقين ابتداء الذين صرحوا بتبني هذا النهج.

يقول المستشرق رودي بارت في هذا السياق: "ونحن بطبيعة الحال لا نأخذ كل شيء ترويه المصادر على عواهنه دون أن نعمل فيه النظر، بل نقيم وزنا فحسب لما يثبت أمام النقد التاريخي أو كأنه يثبت أمامه، ونحن في هذا نطبق على الإسلام وتاريخه وعلى المؤلفات العربية التي نشتغل بها المعيار النقدي نفسه الذي نطبقه عندنا على المصادر المدونة لعالمنا نحن...".¹³

إن القيام بترديد مقولات فلاسفة النقد التاريخي والأدبي حول كتبهم المقدسة، أمر مخالف للعلم مناقض للعقل السليم، مناهض لمناهج البحث العلمي التي لا تعترف إلا بالحقائق المثبتة المتيقن من صحتها، وهو أمر تفتقر إليه مقولات المقلدين في ساحة الفكر الإسلامي.

والمتأمل في أبجديات فلسفة نقد النصوص الكتابية، يلحظ أنها جاءت على مسارات متعددة منها: نقد الشكل الذي يبحث في كيفية وصول متن هذه المرويات وتناقلها شفاهيا عبر التاريخ. ويعترف فلاسفة هذا النوع من النقد أن مرويات العهد القديم استغرق جمعها وتدوينها فترة زمنية تربو على الألف سنة من ٢٠٠ قبل الميلاد إلى ۱۰۰۰م. ويرى علماء اليهود أنها نزلت على موسى والأنبياء من بعده ثم نقلت شفاها بالتواتر حتى تمكن رجال السنهدرين (المجمع الأكبر) من تدوينها. كما أن مرويات الإنجيل على سبيل المثال جاءت في فترة متأخرة عن حياة المسيح عليه السلام.¹⁴

لقد ذهب فلاسفة النقد التاريخي للنصوص إلى البحث في شخصيات رواة العهد القديم والجديد بسبب أن تلك المرويات دونت دون ذكر أسماء قائليها بالتحديد، فلا يعرف من قال ماذا. الأمر الذي حدا بهم إلى البحث في قائليها ومحاولة اكتشاف الرواة والبحث في سيرتهم. وحول ذلك جاء في قاموس الأديان:

"Historical Criticism is the fifth type to consider here. This area of study raises questions having to do with authorship, date, and place of composition of the documents. Most of the Bib-le would have little meaning for us unless we knew who wrote what when and where. Often we do not have all of this information....."¹⁵

وعلى الرغم من هذا التباين بين مرويات العهد القديم والجديد من جهة والسنة النبوية من جهة أخرى، إلا أن هذا النوع من الترديد لهذه الفلسفة، ظهر في صفوف بعض المفكرين في الساحة الإسلامية. فذهبوا إلى أن تدوين السنة النبوية جاء متأخرا في القرن الثالث الهجري مما قد يعرضها للحذف والإضافة والنسيان.

يقول في ذلك الدكتور أحمد صبحي منصور في مقال نشرته الرأي العام الكويتية في ١٠/٨/ ٢٠٠٤: "علماء الحديث يقررون أن الأحاديث تقوم على الظن، وليس على اليقين، وهم بهذا يؤكدون اعجاز القرآن، فيما نبأ بما سيفعله بعض المسلمين بعد نزول القرآن، حين ينسبون للنبي أحاديث بعد موته بقرون، ويسندون تلك الأحاديث الى الصحابة الذين ماتوا بعد انهماكهم في السياسة والفتوحات والفتنة الكبرى، ماتوا دون أن يعرفوا ماذا أسند اليهم الرواة بعد موتهم بقرون في العصر العباسي".

وواقع الأمر أن هذا القول يناقض الواقع التاريخي الشاهد على ما قام به المحدثون وجماهير العلماء من جهود مضنية في سبيل جمع الأحاديث والتأكد من صحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمر يضيق المقام بالوقوف عليه.

وقد شهد لهذه الدقة المنصفون من علماء الغرب. وأجرى هذه المقارنة بين مرويات العهد القديم والجديد من جهة وبين السنة النبوية من جهة أخرى الدكتور موريس بوكاي، منبهرا من عمق الاهتمام بالدقة والضبط في عملية جمع الأحاديث، والنص على أسماء الذين نقلوا أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله بالصعود إلى الإسناد إلى الأول من أسرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين نقلوها المعلومات مباشرة عنه، بعد الكشف عن حال الراوي في جميع سلسلة الرواية والابتعاد عن الرواة غير المشهود لهم بحسن السيرة وصدق الرواية. ويؤكد الدكتور موريس بوكاي أن هذا أمر انفرد به علماء الإسلام في الأحاديث دون سواهم.

"During Muhammad's life and after his death, complementary information of a legislative nature was indeed sought in the study of the words and deeds of the Prophet. These came from the oral tradition. Those who undertook to assemble them in collections made the kind of enquires which are always very taxing before recording accounts of past events. They nevertheless had a great regard for accuracy in their arduous task of collecting information. This is illustrated by the fact that for all of the Prophet's sayings, the most venerable collections bear the names of those responsible for the account, going right back to the person who first collected the information from members of Muhammad's family or his companions"¹⁶.

كما أن علماء المسلمين الذين اهتموا بجمع الحديث النبوي لم يفرطوا إطلاقا في ضرورة التدقيق الذي لا حد له في رواية الحقائق. فقد وضع القرآن أمامهم أهم قاعدة من قواعد النقد التاريخي في قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...) (الحجرات: 6). وتتمثل هذه القاعدة في أن أخلاق الراوي تعد عاملا هاما في الحكم على روايته. وقد أفاد المسلمون إفادة عظيمة من هذه القاعدة وطبقوها على رواة الأحاديث النبوية. وقد كان تطبيق هذا المنهج النقدي على رواة الأحاديث هو الذي تطورت عنه بالتدريج قواعد النقد التاريخي. ولعلماء الحديث باع طويل في نقد الرواة وبيان حالهم من صدق أو كذب. فقد وصلوا في هذا الباب إلى أبعد مدى، وأبلوا فيه بلاء حسنا، وتتبعوا الرواة ودرسوا حياتهم وتاريخهم وسيرتهم وما خفي من أمرهم وما ظهر، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولا منعهم عن تجريح الرواة والتشهير بهم ورع ولا حرج.¹⁷

ومما تجدر الإشارة إليه أن علماء النقد في الغرب لمرويات العهد القديم والجديد أكدوا غياب إمكانية وقوع التحريف المتعمد من قبل الرواة للنصوص الكتابية، فلم يقع الوضع المتعمد (في نظرهم) إلا نادرا على الرغم من التناقضات الهائلة التي أفصحت عنها تلك الدراسات النقدية. جاء في الموسوعة الكاثوليكية:

"Deliberate corruption of the Sacred Text has always been rather rare... Even among the unquestionably spurious readings of the New Testament there are no signs of deliberate falsification of the text for dogmatic purposes"¹⁸

وعلى النقيض من ذلك تماما يأتي بعض الكتاب ممن تبنوا هذه الفلسفة (دون حتى محاولة إجرائها وفق المعايير العلمية) الجزم بأن ما قام به البخاري ومسلم رحمهما الله وغيرهما كان محض تلفيق وتزوير وجريمة متعمدة لا يمكن السكوت عنها.

يقول الكاتب زيد نابلسي حول ذلك: "النتيجة الوحيدة أمامنا والتي لا ريب فيها هي أن يد مزور مغرض قد عبثت في أحاديث النبي وأضافت إليها افتراءا وكذبا ما لم يقله في حياته. والمصيبة هنا ليست مجرد اختلافات ثانوية في النص أو نقص أو زيادة غير ذات أهمية سببها ضعف في الرواية، بل قد تعدى الأمر ذلك إلى أخطر بكثير، فأمامنا هنا عملية اختلاق كاذب لأحاديث لا وجود لها من الأساس تروي أحداثا مختلقة وتناقض القرآن الكريم، وتلك هي الجريمة الكبرى التي لا يجوز السكوت عليها، ولهذا ينبغي أن نعيد النظر كليا في إطلاق وصف الصحة على جميع هذه الكتب وهذه الأحاديث التي طالما فرضت علينا رواياتها على أنها حقيقة واقعة.... كل محتويات تلك الكتب الصفراء وغيرها من كتب الأحاديث "الصحيحة" تصبح قابلة للنقض والتشكيك".¹⁹

ويقول الدكتور إسماعيل منصور في كتابه "تبصير الأمة بحقيقة السنة": "الأصل في رواية الحديث حينذاك – كان الكذب والخيانة، وأن الاستثناء من ذلك كان الصدق والأمانة".²⁰

ثم إنهم لما تطرقوا إلى النقد الخارجي، تطرق فلاسفة الغرب إلى مسألة النقد الداخلي للنصوص باعتبار أن الكتب المقدسة لديهم (العهد القديم والجديد) من الكتب التاريخية والنصوص الأدبية، فلا سبيل لفهمها وتحديد مقاصدها إلا من خلال النظر إليها كنصوص أدبية مفتوحة على النقد بكل صوره وأشكاله من نقد خارجي صوري إلى نقد باطني أو داخلي.

وهكذا تعد نظرية النقد التاريخي من أخطر الاتجاهات في مجال نقد النصوص، فقد تمخض عنها النظر إلى النصوص الكتابية باعتبارها صدى لتاريخ مضى وباد وانقرض. فالوحي ما هو إلا تراكم تاريخي خاضع لسنة الزمان والمكان والتحولات. وعلى هذا اعتبر رواة هذه النظرية العهدين القديم والجديد أعمال تاريخية خاضعة للتحقيق التاريخي ونتائج البحث التاريخي.²¹

وقد ظهر من يؤيد هذه الاتجاهات ويقوم بترديدها ومحاولة تنزيلها ليس على السنة النبوية فحسب بل على نصوص القرآن الكريم قاطبة. وقد ظهرت هذه الدعوى جلية في كتابات د. أحمد صبحي منصور حيث قال: "الخروج من هذا المأزق يحتم الغاء ذلك الإسناد، أي قطع الصلة بين تلك الأحاديث والنبي عليه السلام، رحمة بالاسلام وتماشيا مع المنطق والمنهج العقلي والعلمي ثم ننظر إلى متن الحديث وموضوعه في ضوء أنه ثقافة تعبر عن العصور التي تم تدوينها فيها. ثم نبحثها من خلال ثقافة عصرها تاريخيا وحضاريا بما فيها من خطأ أو صواب، اي تصبح تراثا معدوم التقديس، كأي تراث بشرى تنعكس عليه احوال البشر من ارتفاع وهبوط وصلاح وفساد".²²

وقد أغفل هؤلاء الكتاب أن عملية نقل وترجمة المناهج النقدية الغربية بحذافيرها لنصوصهم الكتابية، ومن ثم تنزيلها على نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، دون ثمة تمييز بين الفوارق الهائلة، كانت تحمل في طياتها العديد من الإشكاليات. كما أن محاولات إلقاء الرؤى الفكرية المعاصرة على الاسلام، منهج خطير. ومن الناحية العلمية لا يمكن قبوله لأنه مجرد إسقاط تاريخي لرؤية فكرية معاصرة.

والمناهج بطبيعتها لها بعدان: بعد اجتماعي وبعد ثقافي. وهي تعبير عن الحاجة والبيئة التي دعت إلى ظهورها. فعملية نقلها واستزراعها في الفكر الإسلامي، محاولة عبثية لا طائل من ورائها. إضافة لما تتسم به من مصادرات لأصالة مناهج النقد الإسلامية.

ثم إن هذا النوع من النقد للنصوص الكتابية، إن كانت الحاجة إليه ملحة في الفكر الغربي، لعدم حصوله في الأصل، الأمر الذي نجم عنه وقوع تناقضات مهولة في تلك النصوص، فالحاجة إليه منتفية في نصوص القرآن الكريم والسنة الصحيحة.

وبمقتضى هذا النقد الجديد فليس هناك ثمة مقياس محدد الهيئة وإنما كل متلق له الحرية في رد هذا الحديث ورفض ذاك. الأمر الذي يسوق إلى الدخول في دائرة التأويلات وسوء إعمال النصوص والأحاديث وإخضاعها للآراء الفردية والأحكام الشخصية.

وعلى الرغم من ذلك فقد وقع الكثيرون من أصحاب الاتجاهات النقدية الحديثة في هذه الإشكالية، فذهبوا إلى أن جماهير العلماء والمحدثين عبر التاريخ، اعتنوا بما يسمى "النقد الخارجي للسنة" أي نقد السند، وأغفلوا نقد المتن الذي يسمونه "النقد الداخلي للنصوص".²³

يقول في ذلك الكاتب أبو رية: "والمحدثون قلما يحكمون على الحديث بالاضطراب، إذا كان الاختلاف فيه واقعا في نفس المتن لأن ذلك ليس من شأنهم من جهة كونهم محدثين، وإنما هو من شأن المجتهدين وإنما يحكمون على الحديث بالاضطراب إذا كان الاختلاف فيه في نفس الإسناد لأنه من شأنهم".²⁴

ويقول الدكتور أحمد صبحي في هذا السياق: "علم ((الجرح والتعديل)) انصب أساسا على فحص الإسناد أو سلسلة الرواة، دون اهتمام يذكر بفحص المتن أو موضوع الحديث نفسه، وقام فحص الإسناد على أساس الهوى المذهبي والشخصي فلم يحدث إطلاقا أن اتفقوا على أن ذلك الراوي ثقة أو انه ضعيف، لأن من يمتدحه أهل السنة يهاجمه الشيعة وهكذا بين سائر الطوائف والفرق، ونتج عن ذلك الاختلاف في الحكم على كل راو في سلسلة الإسناد أن صارت الأحكام نسبية حتى داخل كل فرقة أو مذهب".²⁵

وواقع الأمر أن النقد الداخلي كان أول علوم الحديث ظهورا في الجيل الأول من الصحابة رضوان الله عليهم. فقد رد عمر رضي الله عنه حديث فاطمة بنت قيس في مسألة نفقة وسكنى المطلقة ثلاثا، حيث قالت: طلقني زوجي ثلاثا فأردت النقلة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم: فقال انتقلي إلى ابن عمك عمرو بن أم مكتوم فاعتدي عنده.²⁶ فقال عمر رضي الله عنه: "لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن".²⁷

كما استدركت عائشة رضي الله عنها على بعض الصحابة لذكر بعض الأحاديث دون الوقوف على مناسباتها، ومن ذلك ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم ولد الزنا شر الثلاثة وقال أبو هريرة لأن أمتع بسوط في سبيل الله عز وجل أحب إلي من أن أعتق ولد زنية".²⁸

فقد روى البيهقي عن عروة بن الزبير قال: بلغ عائشة رضي الله عنها أن أبا هريرة رضي الله عنه يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ثم لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولد الزنا شر الثلاثة. فقالت عائشة رضي الله عنها: رحم الله أبا هريرة أساء سمعا فأساء إجابة، لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا أنها لما نزلت: "فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة". قيل يا رسول الله: ما عندنا ما نعتق إلا أن أحدنا له الجارية السوداء تخدمه وتسعى عليه فلو أمرناهن فزنين فجئن بأولاد فأعتقناهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن أمر بالزنا ثم أعتق الولد. وأما قوله: ولد الزنا شر الثلاثة، فلم يكن الحديث على هذا إنما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من يعذرني من فلان قيل يا رسول الله إنه مع ما به ولد الزنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو شر الثلاثة والله تعالى يقول ولا تزر وازرة وزر أخرى.²⁹ وقد شاركها علماء آخرون في إنكار هذا التأويل وقالوا ليس عليه من وزر والديه شيء.³⁰

وفي ذلك تأكيد لاهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بمختلف مستويات النقد الداخلي في مراحل مبكرة جدا وفق معايير منضبطة بعيدة عن الأهواء.³¹

⁷ الدراسة تستعمل أحيانا هذا المصطلح باعتبار شيوعه حاليا. كما تحاول الدراسة الوقوف على عرض آراء المفكرين المتبنين لهذا الاتجاه في الوقت الراهن بالذات قدر الإمكان. ⁸ Britannica Encyclopedia, 1999. Inc CD-Rom. Judaism ⁹ لمزيد من التفاصيل حول هذه النقطة راجع عرفان عبد الحميد، اليهودية عرض تاريخي، مرجع سابق، ص ۸۱-۸۲. ¹⁰ Samuel Sandmel, A Jewish Understanding of the New Testament, Cincinati; Hebrew Union College 1957. p. 128. Marcus J. Borg, "Meeting Jesus Again for the First Time: The Historical Jesus and the Heart of Contemporary Faith," Harper Collins, (1994). R.E. Friedman, "Who Wrote the Bible?" Harper, San Francisco, (1987). ¹¹ Maurice Bucaille, The Bible the Qur'an and Science, translated, Alastair D. Pannell, pp 3. ¹² حول ذلك راجع ما كتبه محمد أحمد خلف الله في مجلة الفتح المصرية حول وجود تناقضات في القرآن الكريم للحقائق العلمية!!. نقلا عن بخش، مرجع سابق، ص ۱۳۹. ¹³ نقلا عن علي بن إبراهيم الحمد النملة، الاستشراق والدراسات الإسلامية مكتبة التوبة، الرياض، ١٤١٨/ ١٩٩٨م، ص ٤٩. ¹⁴ نقلا عن موريس بوكاي، مرجع سابق، ص ۱۸. ¹⁵ John R. Hinnells, The Penguin Dictionary of Religions, US: Penguin, 1995, pp 72-73. والمزيد من التفاصيل حول هذه النقطة، راجع المراجع التالية: Stacey, W. David Groundwork of Biblical Studies. UK: Epunth Press, 1979. The Abingdon Bible Commentary. US: Abingdon Press, 1929. Harper's Bible Dictionary. US: Harper & Row, 1985. ¹⁶ Maurice, Ibid, pp. 214 ¹⁷ في تفاصيل ذلك راجع نور الدين عتر، منهج النقد في علوم الحديث، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، ١٤٢٤هـ/٢٠٠٣م، ص ٤٥٩ وما بعدها. ¹⁸ راجع موقع الموسوعة الكاثوليكية على الانترنت على العنوان التالي: فقرة (Biblical Criticism (Textual)) http://www.newadvent.org/cathen ¹⁹ زيد نابلسي، "أكذوبة الأحاديث الصحيحة"، على موقع صحيفة عرب تايمز على الانترنت: http://www.arabtimes.com/Mixed7/kwc66.html ²⁰ نقلا عن كتاب جمال البنا، المرجع السابق، ص 8. ²¹ E. Krentz, The Historical Critical Method, Fortress Press, Carlisle, 1992, p. 126. ²² أحمد صبحي منصور، "الإسناد في الحديث"، شفاف الشرق الأوسط على موقعها على الانترنت: http://www.metransparent.com (ملاحظة: الرابط الأصلي كان meiransparent.com، تم تصحيحه إلى الأكثر شيوعًا). ²³ أنظر في ذلك ما كتبه أحمد أمين، ضحى الإسلام، مكتبة النهضة المصرية، مصر، الطبعة الثامنة، ج ۲، ص ١٣٠ وما بعدها. ²⁴ محمود أبو رية، أضواء على السنة النبوية، مطبعة دار التأليف، مصر، ١٣٧٧هـ/١٩٥٨م، ص ۳۰۰. ²⁵ أحمد صبحي منصور ، "الإسناد في الحديث"، مرجع سابق. ²⁶ أخرجه الإمام مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقیق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاریخ، ج ۲، ص ۱۱۱۰. ²⁷ راجع قول عمر في ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، ۱۳۷۹هـ، ج ۹، ص ٤٨١. أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، شرح النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٣٩٢هـ، ج ۱۰، ص ١٥. ²⁸ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، سنن الدارمي، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، خالد السبع العلمي، دار الكتاب العربي، بيروت، ١٤٠٧هـ، ج ۲، ص ۲۱۸. ²⁹ رواه أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر ، بيروت، بدون تاریخ، ج4، ص ٢٩. رواه النسائي، أحمد بن شعيب السنن الكبرى تحقيق عبد الغفار البنداري، سيد كسروي حسن دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤١١هـ/۱۹۹۱م، ج ۳، ص ۱۷۸. رواه البيهقي، سنن البيهقي الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطاء مكتبة دار الباز ، مكة المكرمة، ١٤١٤هـ/١٩٩٤م، ج ۱۰، ص ٥٧. ³⁰ رواه البيهقي، مرجع سابق، باب ما جاء في ولد الزنا، ج ۱۰، ص ٥٨. وانظر كذلك أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، ١٤٠٦هـ، حيث نقل قولها رضي الله عنها. كيف يصح ذلك وقد قال الله تعالى: " ولا تزر وازرة وزر أخرى". ج ۱، ص ٤١. أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، المغني، دار الفكر، بيروت، ١٤٠٥ه، ج ۱۰، ص ١٥. ³¹ للمزيد حول ذلك سعيد ، محمد رأفت أسباب ورود الحديث تحليل وتأسيس قطر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية جمادى الأولى ١٤١٤هـ.

ثانيا: أثر فلسفة تطور الأديان

من المتعارف عليه أن نظرية التطور العضوي في الكائنات لصاحبها تشارلز دارون (۱۸۰۹-۱۸۸۲) انتقلت تأثيراتها إلى حقل الدراسات الإنسانية. فذهب العديد من كتاب الغرب في القرن التاسع عشر إلى وقوع التشابه بين المجتمعات البشرية والتطور البيولوجي الذي ذهب إليه دارون حين صور الإنسان كائنا متطورا عن نوع من القردة العليا الشبيهة بالإنسان.

وقد ظهر ذلك التأثر بفكر التطور في مختلف دوائر الفكر الديني في اليهودية والمسيحية والإسلام كذلك في محاولة لإخضاع الدين للقول بالتطور بإعادة ما ذكره التطوريون. وبدا الاتجاه التطوري سمة غالبة على معظم الكتابات في القرن التاسع عشر، بصورة تتنافى مع كل ما جاء في الكتب الدينية التي تمثل المرجعية الدينية المعصومة لدى أصحاب تلك الديانات.³²

وقد أدت تلك الفلسفة في نهاية الأمر إلى إلغاء المرجعية الإلهية للنصوص الكتابية في العهد القديم والجديد. ونظر علماء الأديان إبان القرن التاسع عشر الميلادي إلى الدين باعتبارات ثلاثة: الأول: نفي مطلق لنظرية أن الدين مؤسس على الوحي. الثاني: الدين تطور شأنه شأن الكائنات التي تطورت من الأدنى والأبسط إلى الأعلى بناء على نظرية التطور الداروينية. الثالث: الدين وليد عملية مركبة وصنعة بشرية وتراكم كمي لعناصر ثلاثة ثقافية متوارثة عن الأمم والشعوب عبر التاريخ. بمعنى أن الدين تاريخ، وليس مفارقا خارجا عنه. وسوى أصحاب هذا الاتجاه بين الدين المعصوم والفكر الديني. مما ساق إلى النظر في الأحكام الشرعية الثابتة بالوحي على أنها ذات قيمة تاريخية نسبية تخضع لسنة التطور والتغير.

وعندما أخذ الإصلاحيون في اليهودية بهذا التوجه الفكري، تحتم في نظرهم إلغاء كل أحكام التوراة والتلمود، باعتبارها صديات لأوضاع بادت وانقرضت، ولبست الحركة الإصلاحية في اليهودية هذا الثوب حين أعلن زعماؤها إسقاط وإلغاء جميع الأحكام الشرعية الخاصة بالحلال والحرام.³³ ففي عام ۱۸۸۵، أعطت فلسفة الإصلاحيين صياغتها الأكثر شمولية وذلك في مؤتمر أحبار الإصلاح في باتسبيرغ، وأعلنت في بيانها العام، أن اليهودية لم تعد دين وطني، بل هو دين تطوري غربي. وعليه فينبغي اعتبار التلمود مجرد أدب ديني، لا قانون تشريعي. وقد بقيت تلك المبادئ والتعاليم لمؤتمر بيتسبيرج ممثلة الفلسفة الرسمية لحركة الإصلاح في أمريكا لأجيال تالية.³⁴

وقد تقمص أتباع هذا المنهج في المجتمعات المسلمة تلك الاتجاهات، وأنزلوها على تأويلاتهم لنصوص القرآن الكريم، ووجدوا في السنة ضالتهم. فالأحاديث في نظر هؤلاء تراكم لعناصر ثقافية متوارثة عن الأمم والشعوب عبر التاريخ بمعنى أنها تاريخ يقع في إطاره وليس بخارج عنه.

وظهرت تلك الفكرة ابتداء في كتابات بعض المستشرقين من أمثال كايتاني (١٨٦٩ - ١٩٢٦ م ) وميور (۱۹۰۵ م ) وشبرنجر (ت ۱۸۹۳ م ) حول تاريخية الحديث النبوي. ثم تبعهم اجناس جولد تسيهر (١٨٥٠ - ۱۹۲۱م) وهو مجري الجنسية يهودي الديانة، وقد اعتبره المستشرقون - ومن تأثر بهم - الرائد الأول في دراسة الحديث ونقده. وقد قام بالتبشير بفكرة تطور الأسانيد والمتون في الفكر الإسلامي، كما ذهب إلى أن وضع الحديث بدأ في جيل الصحابة المبكر، وأن التدوين للسنة لم يبدأ إلا في القرن الثاني. وأن معظم الأحاديث - في رأي جولد تسيهر - وضعتها الفرق السياسية الكلامية والمذهبية في القرنين الثاني والثالث، لذلك هي تعكس تطور المسلمين السياسي والفكري خلال القرنين ولا تمت غالبا إلى القرن الأول بصلة، فهي جزء اعتباطي نما وتطور على يد الأحزاب المختلفة التي كانت تريد أن تنسب نظرياتها إلى اشخاص مرموقين من القدماء.³⁵

وما قيل عن التأثر بفلسفة النقد التاريخي للنصوص، يقال هنا، فعن مثل هذه الأنظار طفت على ساحة الفكر الإسلامي ترديدات لمقولات تلك التوجهات وصدياتها في الغرب، دون أية محاولة علمية تذكر للتدقيق والتمحيص والبحث في الفوارق الهائلة بين تطبيقاتها على مختلف الكتب والنصوص المقدسة في الأديان.

يقول الأستاذ جمال البنا في هذا السياق: "واقعة الوضع لا تعود إلى ما بعد الفتنة الكبرى (سنة ٤٠ هـ تقريبا) ولكنها تعود إلى أيام الرسول نفسه من المنافقين واليهود وأعداء الإسلام الذين كان دأبهم أن يؤمنوا بهذا الحديث وجه النهار ويكفروا به آخره وأن يقولوا عن القرآن إنه أساطير الأولين، ولو شئنا لقلنا مثل هذا الخ.. وهو الأصل الذي نجد ثماره فيما يروى عن القرآن من ادعاءات وآيات منسوخة، أو سور منسية، أو اختلافات وضعها المنافقون واليهود في الأيام الأولى للإسلام ونسبوها إلى الصحابة وجازت على أسرى الإسناد من المحدثين ومفسري القرآن فحشوا بها كتبهم ونقلت منهم حتى اليوم".³⁶

إن القول بتاريخية السنة النبوية يسوق إلى القول بإلغاء الشرائع والأحكام التي جاءت بها تلك التعاليم والنصوص الواردة فيها. كما أن القول بأن أحكام السنة جاءت لمجتمع له خصوصيته ولعصر له ظروفه، قول يحكم على السنة بإقليميتها ويقوض عالمية رسالتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان. ويعتبر أحكامها صدى لقيم ومثل عليا مرتبطة بظروف تاريخية تجاوزها الزمن.

فلم يميز هؤلاء بين الشريعة الصادرة عن دين صحيح سماوي مصدره الوحي الإلهي، التي لا يمكن أن تخضع في أساسياتها وأصولها للتطور والتبدل والتغيير يحكم مرجعيتها الإلهية المعصومة، وبين الفروع والجزئيات التابعة لحياة الناس في المجتمعات المختلفة القابلة بطبيعتها للتغيير والتعديل والتطور وفق احتياجات الناس وأحوالهم. والقول بإمكانية وقوع التطوير في أساسيات الشريعة وأبجدياتها يستلزم وجود نقص أو خلل فيها في هذا الوقت مثلا وهذا بطبيعة الحال ينافي ذاتيتها وحقيقتها.

يقول أحدهم: "أحكام القرآن والحديث قابلة للتغيير بتغير الزمان والمكان، لأنها جاءت عن سبب وبزواله لزم زوال المسبب والقرآن الشريف والأحاديث النبوية مجموعة مبادئ خلقية وسلوكية مسببة، بحيث أن أحكامها عرضة للتبدل بتبدل الأحوال والأسباب، لا أحكام متزمتة لا تقبل التعديل وفقا لتبدل الأسباب والظروف".³⁷

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن صديات هذه الفلسفة، توجهت نحو نصوص القرآن الكريم كذلك. فقد ذهب عدد من المستشرقين³⁸ وتبعهم بعض المفكرين حين قالوا إن الكلام الإلهي فعل تاريخي تحقق في التاريخ وارتهن بعقل المخاطبين، وبطبيعة الواقع الاجتماعي والثقافي الذي تحقق فيه.³⁹

وعلى هذا فالدين أخذ في التطور والتدرج والحياة الاجتماعية كفيلة بإحداث التطور في كل المفاهيم الإسلامية.⁴⁰ وقد ظهرت هذه الدعوى جلية في كتابات د. أحمد صبحي منصور حيث يقول : "الخروج من هذا المأزق يحتم إلغاء ذلك الإسناد، أي قطع الصلة بين تلك الأحاديث والنبي عليه السلام رحمة بالاسلام وتماشيا مع المنطق والمنهج العقلي والعلمي ثم ننظر إلى متن الحديث وموضوعه في ضوء أنه ثقافة تعبر عن العصور التي تم تدوينها فيها. ثم نبحثها من خلال ثقافة عصرها تاريخيا وحضاريا بما فيها من خطأ أو صواب، أي تصبح تراثا معدوم التقديس، كأي تراث بشرى تنعكس عليه أحوال البشر من ارتفاع وهبوط وصلاح وفساد".⁴¹

³² للمزيد حول هذه النقطة راجع ما جاء في كتابنا أثر العرف في فهم النصوص قضايا المرأة أنموذجا، دار الفكر ، دمشق، ۲۰۰۳م، ص ۱۷۸. ³³ فيما سبق عرضه راجع كتابنا أثر العرف في فهم النصوص، مرجع سابق، ص ١٥٦. ³⁴ راجع ذلك مفصلا في المرجع السابق، ص ۱۷۸ وما بعدها. ³⁵ حول أراء المستشرقين في مسالة الإسناد وشبهاتهم والرد عليها انظر محمد مصطفى الأعظمي، دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، مطابع جامعة الرياض، الرياض، ١٣٩٦هـ، ص ۳۹۲ وما بعدها. ³⁶ جمال البنا، نحو فقه جديد، الجزء الثاني، "السنة ودورها في الفقه الجديد"، ص ٢٣-٢٤. موقع الانترنت: www.islamiccall.org ³⁷ نقلا عن بخش، مرجع سابق، ص ۱۷۷. ³⁸ راجع محمد أحمد دياب، أضواء على الاستشراق والمستشرقين، دار المنار، القاهرة، ۱۹۸۹م، ص ۱۰۷. ³⁹ راجع في ذلك كتابات نصر حامد أبو زيد، "القرآن نص تاريخي وثقافي"، ملحق النهار الثقافي الخميس ١٧ أكتوبر ۲۰۰۲. وللمؤلف: "قانون الأحوال الشخصية في تونس بين العلمانية المفترضة وجذور التراث الإسلامي"، فصل في كتاب المرأة، هاجر (تحریر)، مصر، دار سینا للنشر، ۱۹۹۲م، ص ٢٦٧. محمد شحرور، الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة الثانية، ١٩٩٠م ص ٢٠٦. وغير ذلك. ⁴⁰ محمد محمد حسين، الإسلام والحضارة الغربية ، مؤسسة الرسالة، بيروت: طه، ١٤٠٢هـ/١٩٨٢م، ١٤٧ وما بعدها. ⁴¹ أحمد صبحي منصور، "الإسناد في الحديث"، سبق الاستشهاد بهذا القول في ص ۱۳ (ملاحظة: في المخطوط الأصلي ص 16، يبدو أنه يشير إلى استشهاد سابق في نفس الوثيقة).

ثالثا: إساءة فهم مناهج التعامل مع السنة النبوية

أسهمت عمليات الفهم غير السليمة والتأويلات المنحرفة (بحسن نية أو سوء قصد) إلى توجيه بعض الكتاب، أصابع الاتهام واللوم إلى الأحاديث النبوية وأثرها في تكريس توجهات متطرفة وأساليب مناقضة لوسطية الإسلام.

ومرد ذلك وجود بعض الأحاديث الصحيحة التي لم يتم فهمها (من قبل البعض) بشكل صحيح يعكس مقاصد التشريع الإسلامي. الأمر الذي أدى إلى شيوع تصور أن السنة النبوية كانت وراء الخلاف الحاصل بين المسلمين وظهور التيارات المتطرفة بينهم.

وواقع الأمر أن غالب تلك الأحاديث قد تمت قراءتها، قراءة "عضين"⁴² مقتطعة عن بقية النصوص القرآنية والنبوية الواردة في الموضوع، أو تم النظر إليها بمنأى عن أسباب ورودها ومناسباتها، مما أسفر عنه الوقوع في إشكاليات إساءة الفهم ومن ثم إساءة التطبيق في الواقع.

فالحكم الشرعي في مسألة معينة لا يؤخذ من حديث مفصول عن غيره، وإنما يضم الحديث إلى الحديث، وتفهم الملابسات والظروف المحيطة به وأسباب وروده إلى النصوص الواردة في القرآن الكريم حول المسألة، ليتمكن المجتهد من استنباط الحكم من خلال نظرة شمولية، لا تقرأ نصا وتهمل نصوصا.

ويظهر أثر هذا العامل الفكري الخطير جليا في العصر الحاضر لدى عدد من الجماعات التي شهرت سلاح التكفير في وجه مخالفيها من خلال لي أعناق بعض نصوص الأحاديث والاستشهاد بها لتبرير مواقفهم من مخالفيهم.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الأحاديث الواردة في الولاء والبراء والفرقة الناجية وغيرها من نصوص⁴³، اقتطعت من سياقها وانحرف بها من تأولها عن ضوابط التأويل الصحيح في محاولة للي أعناق النصوص وإخضاعها للآراء الشخصية والتوجهات الفكرية وتطويعها لخدمة أفكار جاهزة وآراء مسبقة.

ولقد أسهم عامل إساءة الفهم وبتر الأحاديث من سياقها أو قراءة أحدها دون النظر إلى بقية النصوص الواردة من قرآن والسنة الصحيحة في الباب، إلى استعمال أحاديث في غير مواضعها حتى بات الحديث في بعض الأحيان (بسبب قلة الفهم وسوء التأويل) من أهم أسباب وقوع مزيد من الخلاف والشقاق بين المسلمين.⁴⁴

يقول الاستاذ البهنساوي في كتابه "السنة المفترى عليها": "ومن أفراد الجماعات الإسلامية من تبنى فهما للنصوص التي تقبل الخلاف، وفرض هذا الفهم على أفراد جماعتهم وقيل لهم ياثم من خالفه لأنه في نظرهم الفهم القاطع ... وهذا كله يخالف منهج النبي صلى الله عليه وسلم ...".⁴⁵

وهذا أمر إن وقع في بعض الأحاديث الصحيحة، فهو ممكن الوقوع كذلك في عدد من الآيات والنصوص القرآنية التي تحتمل أكثر من معنى، فهل يكمن الحل في الاستغناء عن تلك النصوص القرآنية كذلك !!.

كما أن البعض لم يفرق بين وجود أحاديث غير صحيحة وبين كون السنة (إذا ثبتت نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم) حجة. يقول الدكتور أحمد صبحي: "ثقافة التطرف تنشر عبر أحاديث مسندة أو منسوبة للنبي (صلى الله عليه وسلم) زوراء وهي تخالف القرآن والسنة الصحيحة للنبي عليه الصلاة والسلام...".⁴⁶

ولعل المخرج من ذلك كله يكون في إشاعة ضرورة الالتزام بضوابط التأويل وما يستتبع ذلك من تطبيق وتنفيذ لها. فالتطبيق السليم للنصوص (قرآنا أو سنة) على أرض الواقع هو المقصد الذي يرمي الشارع تحققه من التنزيل. والسير وفق ضوابط لتأويل النصوص، أمر ضروري له أهميته في تقعيد العملية الفكرية وتهذيب مسارها وتصحيح مناهج التعامل مع تلك النصوص فتكون بذلك حاكمة على الآراء والأفهام وليس العكس. إضافة إلى ما يترتب على ذلك من قطع الطريق على من يوظفون هذه التأويلات لشن مزيد من الهجمات على السنة ونصوصها.

ومن أبرز تلك الضوابط أن تصبح النصوص ذاتها (قرآنا وسنة) هي الفيصل بين التأويلات المقبولة من غيرها في إطار يتوافق وغاياتها ومقاصدها العامة. وأن يرد المتشابه منها إلى المحكم البين الذي يشكل الأصول والقواعد والأمهات للخروج من أزمة الوقوع في التأويلات الفاسدة والمنحرفة. وأن تتم مراعاة مقاصد النصوص وضبط عملية البحث عن تلك المقاصد. .. الخ ذلك من قواعد هامة لا ينبغي التصدي لتأويل نص دون الإحاطة بها وإتقانها والتقيد بأبجدياتها.

والحق أن الأسباب متشابكة ومتداخلة، وكلها تعمل بأقدار متفاوتة، مؤثرة آثارا مختلفة، قد يقوى أثرها في شخص ويضعف في آخر، ولكنها جميعا لها في النهاية أثرها الذي لا يجحد. فلا ينبغي لنا أن نقف عند سبب واحد. فظاهرة القول بإقصاء السنة ظاهرة مركبة، معقدة وأسبابها متضايفة. فمن هذه الأسباب ما هو ديني، وما هو سياسي، منها ما هو اجتماعي، وما هو فكري، وما هو خليط من هذا كله أو بعضه.

ولئن اهتمت الدراسة بأثر الظرفية التاريخية والفكرية، فإنها لا تستبعد وجود عوامل أخرى في بروز هذا الفكر وظهوره.

⁴² استعملت الكاتبة مصطلح "القراءة العضين" للأحاديث النبوية في بحث مقبول للنشر بعنوان "أثر القراءة العضين وتداعياتها في فهم السنة النبوية" في الندوة الدولية العلمية الثانية حول السنة وتحديات العصر ، دبي مارس ۲۰۰۵. وقد اصطلح فيه على تسمية هذا النوع من القراءة بالقراءة العضين. ⁴³ انظر على سبيل المثال ما جاء في عبد الرحمن بن عبد الحميد الأمين، نثر اللؤلؤ والياقوت لبيان أحكام الشرع في أعوان وأنصار الطاغوت، ١٤٢٣هـ، بدون مكان نشر. والكتاب برمته يذهب إلى تكفير المجتمع بأسره حكاما ومحكومين من خلال الاستناد إلى تأويله لبعض نصوص القرآن الكريم وعدد هائل من الاحاديث النبوية. ⁴⁴ راجع حول ذلك ما ذكره د. أحمد صبحي منصور من أن الأحاديث المنسوبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام هي السبب وراء وقوع الخلاف وغاب عنه إن ما يقوله عن الحديث ووقوع الخلاف بسببه، إنما ناجم في الأصل عن إساءة الفهم للحديث وهو أمر يحدث وقوعه حتى بالنسبة للقرآن. ⁴⁵ سالم علي البهنساوي، السنة المفترى عليها، دار البحوث العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠١هـ/١٩٨١م، ص ٢٧-٢٨. ⁴⁶ أحمد صبحي منصور ، "الإسناد في الحديث"، شفاف الشرق الأوسط.

المبحث الثالث: معالم وضوابط في التعامل مع منكري السنة المعاصرين

تمهيد

لا تختلف هذه الفئة التي تدعي الاحتكام والرجوع إلى القرآن وحده عن غيرها من فئات أخرى مخالفة، وعليه ينبغي أن يتسم الحوار معها بالنهج القرآني والنبوي في التعامل مع المخالف مطلقا.

ومن أبرز المعالم للتعامل مع القرآنيين:

أولا: التصدي للأفكار والتركيز عليها عوضا عن التصدي أو التعرض للأشخاص. وهو نهج رائده النصوص القرآنية والسنة النبوية العملية والقولية.⁴⁷ فالنصوص اعتمدت في الخطاب والحوار مع المخالف على الحجة العقلية ووجهت ابتداء للفئات الممارسة لفعل التعقل والتفكر ونتائجهما. فالتعامل بالحجة والمنطق وشواهد التاريخ وحقائقه المثبتة في مختلف مجالات التثاقف العامة، كفيلة بإظهار الحق ورد الأطراف الأخرى إلى جادة الصواب، ليس من باب إحداث الغلبة لطرف على حساب الآخر ولكن من أجل الحوار والتواصل وإيضاح الحقائق أمام الآخرين.

إن بعد المسلمين اليوم عن المنهج القرآني والنبوي للحوار مع الآخرين ومناقشتهم على أساس الحجة والبرهان، يعد من أبرز عوامل الانسياق في دهاليز الاتهامات والتكفير ونحوها. في حين أن نصوص القرآن والسنة الصحيحة لم تكن خطابا مفروضا على العقل والوجدان دون إعطاء المتلقي فرصة التفكر والاستدلال بالاستقراء والاستنباط، وإضافة إلى أن الآليات الاستدلالية التي انطوت عليها تلك النصوص هي في جوهرها تقنيات حجاجية تستدعي السير عليها.

وعليه ينبغي مقارعة الأفكار بالأفكار ومقاومة الشبهات بالحجة دون الاسترسال في المواعظ وإلقاء الاتهامات وإشهار سلاح التكفير والإخراج من الملة وتوهم أن ذلك كفيل بإنهاء هذه الفئة أو وأد أفكارها. فالدراسة المتأنية الهادفة إلى استنباط العلل الحقيقية الكامنة وراء ظهور هذه الأفكار أو تلك المقولات يعد الحل الأمثل لمواجهة هذه التحديات.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أهمية البعد عن الألفاظ التجريحية في ثنايا النقاش العلمي الجاد، فهو مسار لا يتفق والمنهج الموضوعي.⁴⁸

فالرد المناسب على تلك الأفكار ينبغي أن يتضمن عرضا لموقع تلك الأفكار وقائليها علميا حين يتم التظاهر بالدفاع عن النقد الموضوعي وتحري الحقيقة، وهو تظاهر يثبت الدليل القاطع أنه من أنصاف الحقائق التي يراد منها تضليل القراء من غير المختصين في هذا المجال.

والرد على الشبهات والأفكار لا يستدعي الانطواء على سرد تفصيلي لكل من ينكر السنة وبكل شيء كتبه ومن ثم تكديس ذلك واعتباره منهجا فكريا واحدا، بقدر ما يقتضي الوقوف عند الأفكار دون الاهتمام بتمييز وتصنيف قائليها تحت فئة معينة أو في زمرة محددة.

ويندرج تحت ذلك، ضرورة إجراء حوار علمي حضاري جاد بين رموز هذه الظاهرة في أجواء يسودها الأدب القرآني الفذ والهدي النبوي الراشد في الحوار مع المخالف وعرض الأفكار والأطروحات دون تهكم أو تهجم بغية التوصل إلى الحق وإظهار الصواب.

إن البعد عن أجواء الحوار الحضاري لن تولد إلا المزيد من التشنج الفكري والزج بمختلف الشرائح الفكرية إلى قعر الاتهامات والتفسيق والتكفير وهو أمر لن يسوق إلى ما يروم تحقيقه العلماء المخلصين من أبناء الأمة ممن لا يبتغون إلا حماية هذا الدين وشرائعه.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أهمية استحضار الظرفية التاريخية والفكرية المقارنة لبروز الأفكار المختلفة الدائرة حول السنة النبوية، ومحاولة التمييز عند مناقشتها بين ما قيل قبل عدة قرون وبين ما يقال اليوم وإن بدا ثمة تشابه كبير بين طبيعة تلك الأطروحات لأول وهلة. فالخطاب الموجه لمن أنكر السنة قديما لا ينبغي أن يبقى هو ذات الخطاب الموجه لمن ينكرها اليوم مع إغفال شبه تام لتغير المخاطبين وطبيعة الأفكار والشبهات المثارة اليوم.⁴⁹

ثانيا: التفرقة والتمييز في الخطاب بين من ينكر حجية السنة ويطالب بإلغائها وإقصائها عن التشريع فلا يراها دليلا شرعيا معتبرا في الأصل، وبين من ينظر في بعض الأحاديث فيذهب إلى عدم صحتها وفق معايير العلماء والمحدثين وليس تبعا لأهواء شخصية أو أفكار مسبقة بغية تطويع النصوص لها. مع التأكيد على أهمية عدم التسرع في الحكم على الأحاديث بعدم الصحة. يقول الشيخ يوسف القرضاوي في هذا السياق: "كم رأينا من الأئمة المتبوعين والمقبولين في الأمة من رد حديثا ثابتا عند غيره ولم يثبت عنده؛ لعلة رأها. وربما روي هذا الحديث بعد في أحد الصحيحين أو في كليهما. ولم ينقص هذا من قدر هؤلاء، ولم يخدش من إمامتهم شيئا. وقد رأينا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ترد بعض الأحاديث التي تسمعها من بعض الصحابة، حين رأتها تخالف القرآن في رأيها، أو تخالف ما سمعته هي من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يزدها هذا إلا فضلا ورفعة عند الأمة. ثم إنه لا يجوز أن يقال فيمن رد حديثا أو حديثين من البخاري أو مسلم أو كليهما: إنه رد أحاديث الصحيحين أو كذبهما، فهذا تصوير غير صحيح للقضية، واتهام في غير موضعه".⁵⁰

ثالثا: ضرورة الاهتمام بتعديل مناهج التعامل مع السنة النبوية للخلاص من أزمة إساءة الفهم والتأويل. ومن أبرز ملامح هذا التعديل، الاهتمام بالقراءة الشمولية التكاملية للأحاديث الصحيحة مع استحضار المناسبات وأسباب الورود لها إن وجدت. وتقوم هذه الدراسة على جمع النصوص القرآنية والنبوية الواردة في المسائل وعدم النظر للأمور والحكم عليها من خلال قراءة نص واحد منتزع من سياقه أو من سبب وروده. لأن عملية فهم السنة لا بد فيها، من فهم الملابسات التي أحاطت بالأحاديث، فإن أخذ الحديث مبتورا عن الظروف التي قيل فيها، وعمن قيل له، وعن المكان الذي قيل فيه، ظهر التناقض والتعارض مع غيره من نصوص واردة في القرآن أو أخرى في السنة. إضافة إلى ما يترتب على ذلك من تأويل بعيد أو فهم قد يتسم بالشذوذ، وهذا من أخطر مناهج التعامل مع السنة ومن أكثرها إساءة إليها. أما إذا عرفت هذه الملابسات، وظهرت هذه السياقات والظروف، من خلال القراءة التكاملية الشمولية ( التي نؤكد أهميتها)، سلمت النصوص من توهم التناقض والتعارض والفهم البعيد.

⁴⁷ راجع في تفاصيل ذلك كتابنا الفائز بجائزة الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية لخدمة السنة النبوية لهذا العام، والذي عنوانه: فقه الحوار مع المخالف في ضوء السنة النبوية. والكتاب تحت الطبع. ⁴⁸ ما يلاحظ على معظم النقاشات الدائرة في هذا المجال وغيره، بعدها عن المنهج القرآني والهدي النبوي في التعامل مع المخالف وأدب الحوار وطرح الأفكار فقد خاطب القرآن الكريم أعتى المشركين والكفار وساق أقوالهم دون تهكم أو تجريح أو إسفاف برأي أحد. انظر ما ذكره د. أحمد صبحي منصور المدير السابق لرواق ابن خلدون والمستشار الاسلامي السابق للمركز في الرد على شيخ الأزهر حول مقال نشرته صحيفة الرأي العام الكويتية ٢٠٠٤/١٠/٨. وانظر كذلك ما ذكره الكاتب زيد نابلسي في مقالته "أكذوبة الأحاديث الصحيحة" من تهجم وتهكم بالعلماء والمحدثين في أسلوب أبعد ما يكون عن الموضوعية والمنهج العلمي الرصين. راجع موقع الصحيفة على الانترنت: Arab times newspaper. October 21, 2004 وموقعها على الانترنت: http://www.arabtimes.com/Mixed7/doc66.html ⁴⁹ يؤكد كثير من المفكرين المعاصرين عند الرد على الشبهات المثارة حول السنة اليوم أنها هي ذات الشبهات التي أوردها منكرو السنة في زمن الشافعي رحمه الله في القرن الثاني الهجري وقام بالرد عليها في كتابه الرسالة. وعلى الرغم من التشابه الحاصل حول الشبهات إلا أن الظروف التاريخية والفكرية مختلفة وعليه لابد من استحضارها ليصبح الحوار مع تلك التوجهات أكثر واقعية ومواكبة للتيارات السائدة. والإمام الشافعي رحمه الله لم يغفل عند رده ومناقشته لآراء المنكرين السنة في عصره ظروف عصره والأحداث المقارنة لتلك الآراء الأمر الذي يؤكد أهمية الاهتمام بهذا الجانب. من أمثلة الدراسات المعاصرة التي ركزت على مسألة التشابه واعتبار الردود واحدة في كل زمان وعصر ما كتبه الأستاذ الدكتور عبد المهدي عبد القادر، دفع الشبهات عن السنة النبوية، مكتبة الإيمان، القاهرة، ۲۰۰۱م، ص ۲۸. ⁵⁰ يوسف القرضاوي، الاسلام على الانترنت: ٢٤ ابريل/ ٢٠٠٤م. www.islamonline.net (ملاحظة: الرابط الأصلي isinmouline.net، تم تصحيحه إلى الرابط الأكثر شيوعًا).

الخاتمة والنتائج

استهدفت هذه الدراسة محاولة الكشف عن أثر الظرفية التاريخية والفكرية في ظهور القرآنيين المعاصرين وبروز فكرهم. وقد أوضحت الدراسة تداعيات هذه الظرفية الخطيرة وآثارها في إساءة فهم السنة ومن ثم تشويهها والطعن فيها.

كما كشفت عن جوانب من تلك التداعيات المتمثلة في الغلو والإسراف في تطبيق المناهج النقدية الغربية الحديثة على السنة النبوية والقرآن الكريم دون إجراء أية محاولة علمية لتفهم الفوارق الشاسعة بين الجانبين. إضافة إلى خلو تلك المناهج المقلدة من الأمانة العلمية المطلوبة والموضوعية اللازمة.

ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، تحديد أبرز الظروف والفلسفات التاريخية والفكرية المؤثرة في ظهور القرآنيين في العصر الحاضر وهي:

  • فلسفة مناهج نقد النصوص الكتابية (Biblical Criticism).
  • أثر فلسفة تطور الأديان.
  • إساءة فهم مناهج التعامل مع السنة النبوية.

كما أوضحت الدراسة أبرز معالم التعامل مع هذه الفئة وغيرها مثل:

  • التصدي للأفكار.
  • ضرورة التفرقة والتمييز في توجيه الخطاب بين من ينكر حجية السنة مطلقا وبين من ينظر في بعض الأحاديث وفق ضوابط ومعايير مقبولة لدى جماهير العلماء والمحدثين.
  • ضرورة الاهتمام بتعديل مناهج التعامل مع السنة النبوية للخلاص من أزمة إساءة الفهم والتأويل.

ولم تقف الدراسة عند حد تناول تلك الآثار وتحليلها فحسب، بل قدمت تصورا لكيفية تناولها ومعالجتها والرد عليها في محاولة تستلزم المزيد من الدراسات المتأنية في هذا المجال.


قائمة المراجع

  • الأعظمي، محمد مصطفى. دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه. الرياض: مطابع جامعة الرياض. ١٣٩٦هـ.
  • أمين، أحمد. ضحى الإسلام. مصر: مكتبة النهضة المصرية. الطبعة الثامنة.
  • الأمين، عبد الرحمن بن عبد الحميد. نثر اللؤلؤ والياقوت لبيان أحكام الشرع في أعوان وأنصار الطاغوت. بدون مكان نشر: ١٤٢٣هـ.
  • الأوسي، حكمة علي. مفاهيم في الأدب والنقد. مصر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الطبعة الثانية. ١٩٨٤م.
  • بخش، خادم حسين إلهي. القرآنيون وشبهاتهم حول السنة. السعودية: مكتبة الصديق. الطبعة الثانية. ١٤٢١هـ / ٢٠٠١م.
  • البهنساوي، سالم علي. السنة المفترى عليها. بيروت: دار البحوث العلمية. الطبعة الثانية. ١٤٠١ هـ / ۱۹۸۱م.
  • البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين. سنن البيهقي الكبرى. تحقيق: محمد عبد القادر عطا. مكة المكرمة: مكتبة دار الباز. ١٤١٤هـ.
  • الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن. سنن الدارمي. تحقيق: فواز أحمد زمرلي و خالد السبع العلمي. بيروت: دار الكتاب العربي. ١٤٠٧هـ.
  • أبو داود، سليمان بن الأشعث. سنن أبي داود. تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد. بيروت: دار الفكر. بدون تاريخ.
  • دياب، محمد أحمد. أضواء على الاستشراق والمستشرقين. القاهرة: دار المنار، ۱۹۸۹م.
  • أبو رية، محمود. أضواء على السنة النبوية. مصر: مطبعة دار التأليف. ١٣٧٧هـ / ١٩٥٨م.
  • السباعي، مصطفى. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي. بيروت: المكتب الإسلامي. الطبعة الرابعة. ١٤٠٥هـ / ١٩٨٥م.
  • أبو زيد، نصر حامد. "القرآن نص تاريخي وثقافي". ملحق النهار الثقافي الخميس 17 أكتوبر ٢٠٠٢.
  • أبو زيد، نصر حامد. "قانون الأحوال الشخصية في تونس بين العلمانية المفترضة وجذور التراث الإسلامي". فصل في كتاب المرأة، هاجر (تحریر). مصر: دار سينا للنشر. ۱۹۹۲م.
  • السرخسي، أبو بكر محمد بن أبي سهل. المبسوط. بيروت: دار المعرفة. ١٤٠٦هـ.
  • سعید، محمد رأفت. أسباب ورود الحديث تحليل وتأسيس. قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. جمادى الأولى ١٤١٤هـ.
  • شحرور، محمد. الكتاب والقرآن قراءة معاصرة. دمشق: الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع. الطبعة الثانية. ١٩٩٠م.
  • عبد الحميد، عرفان. "المنهج السلفي في الأديان وقواعد الفلسفة الدينية". (التجديد). السنة الثالثة. (العدد الخامس). ۱۹۹۹م.
  • عبد الحميد، عرفان. اليهودية عرض تاريخي. الأردن: دار عمار. ۱۹۹۷م.
  • عبد القادر، عبد المهدى. دفع الشبهات عن السنة النبوية. القاهرة: مكتبة الإيمان. ۲۰۰۱م.
  • عتر، نور الدين. منهج النقد في علوم الحديث. سوريا: دار الفكر. الطبعة الثالثة. ١٤٢٤هـ / ۲۰۰۳م.
  • العسقلاني، ابن حجر. فتح الباري شرح صحيح البخاري. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي و محب الدين الخطيب. بيروت: دار المعرفة. ۱۳۷۹هـ.
  • العلواني، رقية طه جابر. أثر العرف في فهم النصوص. دمشق: دار الفكر. ۲۰۰۳م.
  • العلواني، رقية طه جابر. "أحكام الأسرة بين الإسلام والتقاليد الغربية دراسة تحليلية ضمن المسار التاريخي". (مجلة الدراسات الإسلامية). مجمع البحوث الإسلامية. إسلام آباد. العدد الثالث (يوليو سبتمبر ۲۰۰۰م).
  • القشيري، مسلم بن الحجاج. صحيح مسلم. تحقیق: محمد فؤاد عبد الباقي. بيروت: دار إحياء التراث العربي. بدون تاريخ.
  • المقدسي، محمد بن أحمد بن قدامة. المغني. بيروت: دار الفكر. ١٤٠٥هـ.
  • معجم لالاند. المجلد الأول. منشورات عويدات بيروت. ۱۹۹۶، ت: خليل أحمد خليل.
  • النسائي، أحمد بن شعيب. السنن الكبرى. تحقيق: عبد الغفار البنداري و سيد كسروي حسن. بيروت: دار الكتب العلمية. ١٤١١هـ / ١٩٩١م.
  • النملة، علي بن إبراهيم الحمد. الاستشراق والدراسات الإسلامية. الرياض: مكتبة التوبة. ١٤١٨ هـ / ۱۹۹۸م.
  • النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف. شرح النووي بصحيح مسلم. بيروت: دار إحياء التراث العربي. الطبعة الثانية. ١٣٩٢هـ.

المراجع باللغة الأنكليزية

  • Borg, J. Marcus. "Meeting Jesus Again for the First Time: The Historical Jesus and the Heart of Contemporary Faith." Harper Collins. 1994.
  • Bucaille, Maurice. The Bible the Qur'an and Science. trans; Alastair D. Pannell.
  • Friedman, R. Who Wrote the Bible?. Harper: SanFrancisco. 1987.
  • Hinnells, John R. The Penguin Dictionary of Religions. Penguin: USA. 1995.
  • Neusner, Jacob. Judaism in Modern Times. Blackwell Publishers: USA. 1995.
  • Sandmel, Samuel. A Jewish Understanding of the New Testament. Cincinati: Hebrew Union College. 1957.
  • Stacey, W. David. Groundwork of Biblical Studies. Epunth Press: UK. 1979.
  • The Abingdon Bible Commentary. USA: Abingdon Press, 1929.
  • Harper's Bible Dictionary. Harper & Row: USA. 1985.

عناوين الموسوعات والمواقع على الانترنت

  • Britannica Encyclopedia. 1999. Inc CD-Rom. Judaism
  • www.islamonline.net (تم تصحيح الرابط من www.islamonline.com بناءً على الاستخدام الشائع لـ islamonline.net سابقًا، وأيضًا تصحيح isinmouline.net من النص الأصلي).
  • http://www.metransparent.com (تم تصحيح الرابط من meiransparent.com بناءً على ملاحظة في النص الأصلي).
  • http://www.arabtimes.com/Mixed7/doc66.html (تم تصحيح doco6.html إلى doc66.html بناءً على السياق وملاحظة محتملة في النص الأصلي).
  • http://www.newadvent.org/cathen
  • http://www.karaites.org/who_are_we.htm (تم تضمين هذا الرابط بناءً على الافتراض المذكور في النص الأصلي).
  • www.islamiccall.org
القرآنيون والسنة النبوية
تنزيل البحث ←