الحلقة التاسعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقفنا في تدبرنا في سورة الرحمن العظيمة عند تلك الآيات التي جاءت تبين مصير أولئك المحسنين،أولئك الذين أحسنوا في الدنيا، أولئك الذين كانوا يتنافسون في اكتساب أحسن المعارف والعلوم التي تقربهم إلى الله (جل شأنه)،وتطبيق ذلك عمليًا في واقع الحياة، إقامة الوزن بالقسط،دون طغيان ولا إخسار،تحقيق العدل،نشر القيم والمبادىء والمثل التي جاء بها هذا الدين العظيم. هم ثبتوا حين اختلف الناس وزاغوا،تمسكوا بالحق حين ابتعد وانفض الناس عنه،ثبتوا على الحق حين التبس الحق بالباطل،وهذا الكتاب العظيم كان مرجعًا وعاصمًا لهم،هؤلاء الذين أحسنوا،الذين جعلوا من عبادة الإحسان واقعًا يعيشونه،واقعًا يتمسكون فيه ولو شذَّ عنه من شذَّ،هؤلاء وعدهم ربي (جل شأنه) بأحسن الجزاء،وأعلى الدرجات،والجنة درجات ومنازل أعدها الله للسابقين المقربين،وأعد ما دون ذلك لأصحاب اليمين. وإذا بالآيات العظيمة وفي حضها ضمن ما تحض وتحث الناس على التنافس في الخير،وإقامة الوزن بالقسط،تأتي بالدرجة الأدنى من تلك الدرجة،قال:{وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)} أقل من تلك الجنان التي ذكر وصفهما،تلك جنان أصحاب الإحسان أما هذه فقال: { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63)} وهذه الأية في هذا الموضع تحث الإنسان على السباق،على التنافس في عمل الخيرات.وذكرنا فيما ذكرنا عجبًا لأمر الناس زهدوا في جنة عرضها السموات والأرض،وتنافسوا على دنيا فانية،إن جاءتهم وجاءهم منها شيء ذهب عنها أشياء.القرآن في هذه الأيات،وفي هذه المواضع يجدد الإيمان في النفوس،يحث الناس على التنافس على الآخرة ودرجاتها،يُقرِّب البعيد الذي بَعُدَ عن كثيرٍ من العقول والنفوس،وهذه الأية في هذا الموضع توجد الدافعية لدى البشر لأجل أن يتنافسوا في أعمال البر والخير،والمعروف عن البشر وعادتهم أنهم لا يتعلقون بما يغيب عن أبصارهم وحواسهم،ولذا فالقرآن العظيم في الحديث عن جزاء الآخرة،وجزاء المؤمنين والمحسنين قرَّب البعيد،ولشدة الوصف ودقته وجماله والألفاظ فيها إذا بذلك الغيب يصبح وكأنه حاضر في قلب وعقل الإنسان المؤمن المتدبر المتلقي لأيات الكتاب. قال:{مُدۡهَآمَّتَانِ (64)}وجاء في وصفهما،ومنذ البداية حتى في اختيار الألفاظ بأقل من أوصاف تلك الجنان التي وصفها للمحسنين، والأدهم هو:شديد الاخضرار لحد السواد،إذن قطعًا فيها جمال،ونحن ذكرنا أن كل هذه الأوصاف في مجملها تؤكد العديد من المبادىء،واحدة من تلك المبادىء حث الناس على توخي الجمال،الجمال بالوصف القرآني،الجمال الحقيقي الذي هو إبراز جمال الطبيعة،تجميل الطبيعة والاهتمام بالزراعة والرَّي الذي يعتبره القرآن أساسًا من أسس الجمال. قال:{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(65)} عجائب قدرة الله (سبحانه وتعالى) أن يجعل في الألوان درجات،وبعض الناس يمر على هذه الأيات هكذا مرورًا عابرًا ،والقرآن يؤصل لمبادىء الفن الأصيل،مبادىء الفن التشكيلي بالألوان،درجات الألوان في دقتها ووصفها كما جاءت في كتاب الله،هذه تفتح وتؤسس لعوالم وأبواب مختلفة في هذا الشكل من أشكال الفن التشكيلي وتركيب الألوان.قال: { مُدۡهَآمَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)} ونضاختان أقل درجة في ريّ الماء وكميته وكثافته من قوله (جل شأنه):{ فِيهِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ (50)} وهذا في جزاء المحسنين،وفي جزاء من هم أقل درجة،قال:{فِيهِمَا عَيۡنَانِ نَضَّاخَتَان (66)}وفي سياق الحث على التنافس لنيل هذا الجزاء قال في أية أخرى:{وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}. قال:{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(67)}وتدبروا معي مرةً أخرى كيف أن القرآن يؤسس لفن الجمال،فن تزيين وتنسيق الحدائق الذي أصبح الآن علم وفرع من فروع الهندسة المعمارية،القرآن يُعلِّم هذا،فالقرآن فيه مبادىء ،وقيم،وعلوم لو أن الناس تدبروا فيها لخرجوا بفتوحات حقيقية للبشرية.هذا الوصف الدقيق الذي يجمع بين كثافة الخضرة والزرع وبين وجود الماء،ومن هذا يتعلم الإنسان والمسلمون من تنسيق الحدائق،مثال ذلك ما تجده في الأندلس أن المسلمين فيهاوفي أماكن مختلفة حين كانوا يهتمون بفن المعمار ويضعون بصمتهم الخاصة بهم على فنون المعمار الإسلامي جاءت حدائقهم،وجنانهم،وبساتينهم التي أنشأوها في قصورهم،وفي بيوتهم، وفي ساحاتهم،وفي مساجدهم جاءت واضحة بهذا الفن العظيم البديع فن النافورات،ووجود المياة وسط الخضرة،ووسط البناء. قال:{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(67)} القادر (سبحانه وتعالى)على أن يجعل تلك العيون تجري في تلك الجنان وتنضخ،هذا التوازن، تدبروا معي.وتدبروا معي في القرآن كيف يقدم لك نماذج لإقامة الوزن بالقسط،نماذج حقيقية حين تتدبر فيها،ومن أعظم دلائل إقامة الوزن بالقسط أنك تكافىء المحسن على قدر إحسانه فتعطي الجزاء الكبير لصاحب العمل الكبير،والأقل لصاحب العمل الأقل وفي كل خير.ونحن ذكرنا فيما ذكرنا في المرة السابقة أن واحدة من إشكاليات طغيان وإخسار الوزن بالقسط في حياة الناس أنك تكافيء من لا يحسن،ولربما تعاقب أو لا تكافىء من يحسن.هذا الإخسار في الميزان أدى إلى فتور الهمم،وموت الدافعية في الشباب،وفي الناس أن يعملوا الأحسن،وأن يقدموا الأفضل،تجد أحدهم يقول لك:لما أقدم الأفضل وغيري لا يقدم شيئًا ويأخذ جزاءًا أوفر؟ تدبروا معي في القرآن كيف يقيم التوازن ويعطيك نماذج لإقامة الوزن بالقسط من خلال الحديث عن الجزاء يوم القيامة،يالها من أيات عظيمة {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}. قال:{فِيهِمَا فَٰكِهَةٌ وَنَخۡلٌ وَرُمَّانٌ (68)} يُسمِّي الفاكهة،وفي الحديث عن الجنان الأُول ذات المرتبة الرائعة السامقة قال:{ ذَوَاتَآ أَفۡنَانٍ (48) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِن كُلِّ فَٰكِهَةٍ زَوۡجَانِ (52)} وذلك دون الإتيان بذكر أشكال الفواكه،أما في الجنة الأقل،المرتبة الأقل قال:{ فِيهِمَا فَٰكِهَةٌ وَنَخۡلٌ وَرُمَّانٌ (68)} نص عليها نصًا.تدبروا معي في دقة مفردات القرآن وكيف يعلمك الضبط حتى في الألفاظ والمفردات.قال:{ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69)} ونحن ذكرنا ونذكر دومًا أن ما يذكره الخالق (جل شأنه) في أسماء الأشياء،ووجود تلك الأشياء في الجنة لا لأجل أن تقارن بما لديك في الدنيا،ليس هناك وجه للتشابه إلا في المسمى حتى يقرب لك المعنى،أمالا الشكل،ولا الطعم والذوق،ولاالتناسب ، لاشيء يشبهها،ففي الجنة ما لا عين رأت،ولا أذن سمعت،ولا خطر على قلب بشر،قال:{ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} هذا التعلُّق الذي يكبر،وذاك الرجاء الذي يعظم في نفس المؤمن،ولكنه ليس رجاء ولا طمع يدفع الإنسان إلى التكاسل،والتواني،والتقاعس عن القيام بالعمل الصالح أبدًا،رجاء يدعوك ويدفع بك إلى العمل،تدبر معي في القرآن كيف يحي الدوافع للعمل،كيف يجعل التعلُّق بالغيب حقيقة حاضرة في النفوس والقلوب. قال:{فِيهِنَّ خَيۡرَٰتٌ حِسَانٌ (70)فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(71)}خيرات الوجوه،خيرات الأفعال،حسان الأخلاق،حسان الأقوال، ليجعل الحسن لا يتعلق بشكل ولا بمظهر فحسب،يتعلق بالخلق،ويتعلق بالكلمة الحسنة،وجاء بمفردة في غاية الدقة {خَيۡرَٰتٌ حِسَانٌ} الحسن والجمال،المفردات والتي تدل على منظومة الحسن والإحسان في القرآن تعلِّم الناس كيف يكونوا محسنين،تعلِّم الناس كيف يكون هناك إحسان في القول،والفعل،والأخلاق،والعمل.تُعلِّم الناس أن الجمال ليس في شكل،ولا في مظهر فحسب كما يسوِّق ويروِّج له أصحاب المادية المعاصرة،ولكن جمال الخُلق،وحسن الأدب،وكمال الكلمة،وحسن ما يقول الإنسان ما يضفي عليه جمالًا فوق جمال المظهر،حتى يتبين لنا أن الآخرة لا تركز فقط على الجوانب المادية أو الحسية كما يتوهم البعض في الجزاء،والحديث عن الجزاء في الآخرة لا ينفك عن الحديث عن الخُلق،والحُسن الحقيقي هو الذي يجتمع فيه حسن الخلق مع حسن الصورة والشكل قال:{حُورٌ مَّقۡصُورَٰتٌ فِي ٱلۡخِيَامِ (72)} وفي واقع الأمر حين نتدبر في الأيات التي تكلمت عن الحور نجد أنها لم تذكر لنا الكثير من التفاصيل،ولذلك من قواعد التدبر أنك لاتغوص عميقًا في تلك الأيات التي جاءت بأوصاف محدودة مقتصرة على بعض الأوصاف فيما يتعلق ببعض الموضوعات كقضية الحور،جنس الحور،شكل الحور،هل هنَّ نساء الدنيا ثم يتحوَّرنَّ وينشأنَّ حورًا؟هل؟ هل؟ كل هذه التفاصيل لا داعي للخوض فيها،القرآن يريد أن يقدم لك شكل،طرف من أطراف الجزاء،إذن القاعدة أنك تمشي مع ما يُفصِّل فيه القرآن،وتقف عند ما يقف عنده القرآن دون إغراق في تفاصيل لا تستطيع أن تقيم دليلًا عليها خارج ما ذكره الله (جل شأنه) في كتابه،أو ما صح عن نبيه (صلى الله عليه وسلم) . قال:{ حُورٌ مَّقۡصُورَٰتٌ فِي ٱلۡخِيَامِ (72)}وتدبروا معي في ذكر قضية الخيام أيضًا،من قبل وفي سور أخرى ذكر قصور،بيوت،غرف، وهنا يذكر خيام فلماذا؟هذه التشكيلة المنوعة في البناء المعماري،وفي جمال المعمار،القرآن العظيم في هذه الآيات المباركة يلفت الأنظار إلى أن الجمال لا ينحصر في بناء وحسب،ولا ينحصر فقط في أشكال معينة،ولا في قصور،ولا في زجاج لا،أنت تستطيع أن تؤسس جماليات في مختلف الأشكال،وفي مختلف المواد الخام التي تستعملها،والناس يعرفون الخيام في الحضر وفي المدينة،يعرفونها جيدًا،فجاء القرآن العظيم ليبين طرفًا من ذلك في الجنة قال:{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73)لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٌ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنٌّ (74)} لماذا القرآن العظيم يأتي بهذه الجزئية،وبهذه القضية في سياق سورة الرحمن المباركة في الشعور بتلبية حاجات فطرية نفسية في داخل الإنسان؟نحن ذكرنا ونذكر دومًا أن القرآن حين يخاطب الإنسان يخاطبه بكل ما فيه من غرائز،حاجات الجسد،حاجات العقل، حاجات الروح،فجاء بتلك الحاجات،وتلبية لتلك الحاجات بأجمل وصف،وأكرم،وأرق،وأرفع مستوًى وسمةً من كل وصف آخر، كمال الجمال في الوصف،كمال الجمال في اللفظ وجمالياته الذي يحمل معنًى ومع ذلك المعنى يحمل الحياء،كل الحياء. قال:{ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} وذكرنا فيما ذكرنا أن الإنسان المؤمن في هذه الدنيا واحدة من قواعد إقامة الوزن بالقسط،وعدم الطغيان والخسران في الميزان أنه يقف عند حدود ماحرَّم الله فلا يتجاوزها ولايتعداها،تعرض له الفتن كماتعرض في زماننا،فتن الإعلام، وفتن مشاكل كثيرة تسبب للإنسان فوران وهيجان في غرائزه،وفي متطلباته،وفي ذاك التركيز المحموم المشئوم على متطلبات الجسد دونما حياء،كثير من وسائل الإعلام المختلفة خلعت برقع الحياء في طرحها ومعالجتها لتلك الحاجيات الإنسانية،وقدمت الإنسان وكأنه مجموعة محمومة من الغرائز،أطلقت عليها مسميات وأسماء جميلة مثل الحب،والجمال،وكذا،ولكنها في واقع الأمر سموم من الفواحش،سموم من المحرمات ألبستها لباسًا ولبوسًا ليس مناسبًا لها،لأجل أي شيء؟لأجل أن تروِّج و تسوِّق لتلك الفواحش، هذا المؤمن الذي استطاع في خضم تلك الفتن وبحورها،وطوفانها،وهيجانها أن يقف عند حدود ما حرَّم الله،فلا تمتد عينه،ولا يمتد بصره إلى ماحرَّم الله،رجلًا أو امرأة،هذا كيف الجزاء له يوم القيامة؟جاء بطرف من ذلك الجزاء،في أعظم وأجمل تعبير عن وجود هذه الحياة المختلفة،هذه الحياة التي يكون فيها حور عين،ويكون فيها رجال،ويكون فيها زوجة،ويكون فيها زوج،ولكن في سياج،وفي نسيج رائع من دقة الجمال ليجعل خلق الحياء من أجمل القيم الجمالية في الدنيا وفي الآخرة. قال:{ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75)مُتَّكِِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٍ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)} وهناك ذكر في الأيات قال:{ مُتَّكِِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۢ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٍۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٍ (54)} وما بينها وبين الأية التي ذكرناها يبين لك التفاوت في الدرجات { مُتَّكِِٔينَ} دليل على الرفاهية،والراحة موجودة ولكن التفاوت في المراتب،وفي المنازل،حتى في الوصف وفي دقته،وفي دقة المفردة. قال:{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(77)}هذه الأيات العظيمة التي جاءت تجعل الإنسان المؤمن يتعلق قلبه،وروحه،وسمعه،وبصره الذي قد ملىء بعشرات الصور الجمالية التي بثتها الأيات في نسيج خيالي سامق {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} هذه من عجائب صنع وقدرة الله (سبحانه وتعالى) في جعل عالم الغيب الذي قد غاب عن الحس حاضرًا كأنك تراه،ومن عجائب قدرته (جل شأنه) أن جعل للإنسان القدرة على الخيال والتخيُّل والربط بين مايتخيله ويرسم له صورةً في مخيلته وذهنه كأنه ينظرإليه،وبين مايسمعه،وبين ما يقرأه. تدبروا معي في هذه المعاني،هذه من عجائب قدرة الله (سبحانه وتعالى) قال:{ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} أن قرَّب لكم الغيب، جعلكم كأنكم تنظرون إليه،ترونه،وكأنكم تعاينونه،وكلما زاد المؤمن تصفحًا،وتدبرًا،وتأملًا في هذه الأيات العظيمة كلما زاد إقبالًا على هذه الدار الآخرة،كلما زاد سعيًا في طلبها،وجريًا وراء علياءها،وتنافسًا في خيراتها ودرجاتها،وزهدًا في تلك الدنيا الفانية التي أصبح الناس فيها يصطرعون.تدبروا معي في هذه الأيات التي هي ليست مجرد وصف حسيّ،وليست مجرد وصف لمراتب ومنازل الجنان،هذه الأيات تؤسس لحقائق وقيم أراد القرآن أن يبنيها في هذه السورة المباركة. قال:{ تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ (78)}تدبروا معي في الربط،في أول السورة قال:{ ٱلرَّحۡمَٰنُ (1)} فتبارك اسم ربك الرحمن،البركة،هذه البركة التي تفيض على نواحي وأطراف النفس البشرية،هذه المعاني العظيمة،يا لها من معانٍ مباركة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته