الأعراف الحلقة التاسعة
وقفنا في لقائنا السابق عن قصة نوح عليه السلام وقلنا أن قصص الأنبياء في سورة الأعراف جاءت ليست فقط لتسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما يواجهه من تحديات مع قومه، وإنما جاءت لكل أولئك الذين لديهم مشاريع، أصحاب المشاريع الكبيرة أو الصغيرة. المشروع لا يكبر ولا يصغر بحجمه وطبيعته ولكن في واقع الأمر هو كبير طالما هو في خير وصلاح وفيه نفع للبشر وهو صغير لاشيء ان كان في عكس ذلك أو ضده، فالدعوه والكلام في قصص الأنبياء لكل أولئك الذين يريدون الخير في مسيرة الإنسان على هذه الأرض، يريدون الصلاح يريدون اعمار الأرض يريدون العطاء يريدون أن يقومون شيئاً ليحققوا رسالة التوحيد، لأن التوحيد كما ذكرنا في المرة السابقة ليست كلمة فقط، ليست أن يشهد الإنسان أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإنما في واقع الأمر هي منهج حياة، منهج عمل، منهج تفاني في تقديم النفع والخير للإنسانية. ولذلك الآيات انتقلت بعد الحديث عن قصة نوح إلى قصة عاد ومرة اخرى “إلى عاد اخاهم هوداً”. هود عليه السلام، هؤلاء القوم هم قومه هم عشيرته و أهله ليس عنهم بغريب يعرفونه حق المعرفة وجاء كذلك بتلك الكلمة كلمة التوحيد، قال يا قومي اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون، ومرة اخرى كذلك والكلمات في كتاب الله عز وجل كتاب الله عزوجل ليس فيها تكرار وإنما تأكيد لمعاني حقيقية، معاني جديدة، عندما ذكر في قصة نوح عليه السلام ” قال الملأ الذين كفروا من قومه” إذن القضية مقصودة ولّدت معاني جديدة، هذه المعاني تبين وتؤكد الحقيقة التي ذكرناها فيما سبق. دائما وابدا في كل مشروع كبير أو صغير هناك فئه من الناس هؤلاء الذين ربما المظهر الخارجي يوحي بشيء يوحي بأنهم قوة، قوة حقيقية وممكن أن يفرضون احترام الآخرين لهم بناء على ذلك المظهر الخارجي أو الشكل الخارجي ولكن في واقع الأمر هؤلاء الملأ تحديداً هم الذين يقفون عائقاً بين المشاريع الإصلاحية وبين من يقوم بالإصلاح وبين الناس وبين القوم وبين المؤسسة وبين المجتمع فلابد للإنسان أن ينتبه لأن المسألة ليست مسألة مظاهر وليست المسألة تتعلق بالشكل الخارجي، المسألة تتعلق بالمحتوى، رسالة في حد ذاتها. ولكن المرة هذه الملأ ماذا قالوا؟ قالوا” إنا لنراك في سفاهه وإنا لنظنك من الكاذبين” تدبروا معي في قصة نوح عليه السلام قالوا” إنا لنراك في ضلال مبين” وفي قصة هود عليه السلام قالوا له” إنا لنراك في سفاهه وانا لنظنك من الكاذبين” الأنبياء صفوة الخلق هم أولئك الناس الذين توجه إليهم أصعب التهم تدبروا معي في هذا المعنى، صحيح فيه تسلية واضحة للنبي صلى الله عليه وسلم لأن صعب على النفس مما يوقفها في الحرج والضيق أن تتهم في شيء هي منه بريئه بل في أمر هي أكثر ما تكون بعداً عنه وهم قومه يعرفونه حق المعرفة وقالوا عنه معلم مجنون قالوا عنه كان يقول اساطير الأولين اشكال مختلفه من الاتهامات وكانت تلك الاتهامات بدون شك مصدر لازعاج النبي صلى الله عليه وسلم وصدر لكل انسان يسير على الحق في رحلة الحياة فإذا به بدل من المتصور أو المتوقع أن يواجه بالشكر أن يواجه بالتقدير والاحترام لما يقوله، ليس فقط لشخصه هو كإنسان وإنما لعظمة ما يقدمه. يعني هذا الرجل المتمثل في شخصية النبي أي نبي من الأنبياء عليهم السلام، هو إنسام مبلغ، مبلغ لمن؟ لرسالات الله سبحانه وتعالى، إذن هو شُرّف بأن حمل هذه الرسالة، فالمتوقع أن العبيد الخلق يعظمون تلك الرسالة وبالتالي في نفس الوقت يحترمون من حمل هذه الرسالة. نحن في حياتنا اليومية المتعارف عليه حينما يستلم شخص رسالة من شخص له مكانه مرموقة، له مودة خاصة منزلة في نفوسنا، نحتفي بذلك الشخص بالرسول الذي ارسلت معه الرسالة، بناء على احترامنا وتقديرنا لتلك الشخصية، نقدر الرسول الذي ارسلت معه الرسالة بناء على احترامنا وتقديرنا لذلك الشخص الذي ارشل الرسالة ولله المثل الأعلى، ولككن هؤلاء القوم ما قدروا الله حق قدره هؤلاء القوم أرسل رب العزة سبحانه وتعالى إليهم الرسل فبدل من أن يستقبلوا الرسل بالحفاوة والتقدير والاحترام استقبلوهم بعكس ذلك فكان من جملة ذلك أنهم قالو له ” إنا لنراك في سفاهه” والسفاهه خفة العقل عندما يكون الإنسان طائش خفيف العقل بعيداً عن موازين الحكمة، كل هذه الأوصاف لأجل أنه قال لهم ” اعبدوا الله مالكم من إله غيره” كانوا يرون أن دعوة التوحيد خفة عقل وبعد عن المنهج الصحيح وإن عبادة تلك الأصنام والأوثان التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم هي محض العقل والحكمة. تدبروا معي، هي تقلب الأمور من أصعب الأشياء على الانسان المصلح أن يرى الناس من حوله وهم يرون الأشياء مقلوبة كمن بالضبط يرى الليل نهار ويرى النهار ليل ويرى النور ظلمة والظلمة نور شيء صعب جداً أن تتحمل هذا العناء ولكن قال ” ليس بي سفاهه وإنما أنا رسول من رب العالمين ” رد صريح ومباشر يتناسب مع طبيعة الدعوة ، لم يرد عليهم فيقول لهم بل أنتم السفهاء كما يتوقع الإنسان حين يتهم ويقال له وهو نبي مرسل ” إنا لنراك في سفاهه” هذا النوع من الردود العنيفة التي جاءت من قبل قومه لم تخرجه عن جادة الصواب لم تخرجه عن أدب النبوة أدب الدعوة أدب الإنسان حين يحاور ويخاطب بناء على تلك الرسالة العظيمة التي يحملها، هذا رسول .. فالرسول شيء طبيعي أنه يعكس المكانة والمنزلة للرسالة التي يحملها، فهو في غاية التهذيب والخلق الرفيع ” ليس بي سفاهه ولكني رسول من رب العالمين ” . وتدبروا معي مرة أخرى “أبلغكم رسالات ربي” تحديد لمهمته كنبي تبليغ فقط ولكن ليس فقط لتوصيل رسالة ” وإنما أنا لكم ناصح أمين” هذه المرة أضاف إلى قوله في موقف نوح عليه السلام النصح وقال وأنا لكم ناصح أمين ، الدافع له هنا هي النصيحة وابلاغ الرسالة ولكن في نفس الوقت امين في تبليغ هذه الرسالة ، أمين في النصح والأمانة مفهومها واسع جداً من الأمانة أن يبلغ الإنسان ما قد اُرسل به ومن أمانة هؤلاء الرسل انهم كانوا فعلاً أمناء على رسالاتهم أمناء مع أقوامهم ، أمناء في الثبات على ما أرسلوا به وفي نصحهم لأقوامهم ، ثم بدأ في الحوار معهم وقال ” أو عجبتم أن جائكم ذكرا من ربكم ” أنا رجل لست بغريب عنكم ، منكم لينذركم وأضاف عليها ربط بواقع ، ربط بقضيه تاريخية، وانظروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ، تذكروا أن التاريخ ليس مجرد أن يمر عليه ذكر وسرد في الحوادث. لاء، الذكر هنا لقضية تاريخية لأجل تستخلصوا المواقف والعبر ،من الذي جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ؟ من الذي زادكم في الخلق بسطة؟ من؟ الله سبحانه وتعالى ولذلك قال لعلكم تفلحون ” اذكروا آلاء الله ” من أعظم أسباب الغلفة وضعف الإيمان في النفوس وضعف ثمرة التوحيد في القلب هو أن الإنسان يألف نعم الله سبحانه فلما تتجدد عليه النعم وهي في كل لحظه تتجدد عليه لا يستشعر بقيمتها لا يذكرها جتى ان بعض الناس اليوم في حياتنا تسأله ما أخبارك؟ يقول مافي جديد هي كلمة عابرة أكيد لا يقصد بها شيء سيئا ولكنها غير لائقة في واقع الأمر ، أنت في كل نفس من أنفاس الحياة لك نعمة تتجدد في كل خفقة قلب في كل طرفة عين هناك جديد وجديد من نعم الله سبحانه وتعالى. في كل خطوة تخطوها وتتمكن من أن فعلاً تخطوها هذا تجدد للنعم وتجدد النعم يستدعي تجدد الشكر للخالق المنعم تجدد الإيمان بالله سبحانه وتعالى ولكن هؤلاء القوم كل هذه النعم والآلاء لم تجدد فيها معاني الإيمان والرجوع الى الله سبحانه وتعالى، تدبروا معي، نحن قلنا أن جميع قصص الأنبياء التي ستأتي أنبائهم في الآيات مرتبطة بقوله تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، الآلاء والنعم كان ممكن أن لما تنزل على تلك القلوب تجدد فيها الرجوع والإيمان بالله سبحانه وتعالى . ولكن هذا ما حدث مع هؤلاء القوم ولذلك قالوا هكذا كانت ردة الفعل. قالو أجأتنا لنعبد الله وحده؟ استغربوا جداً أنت جئتنا لكي تقول لنا اعبدوا الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا شيء غريب جداً. تدبروا معي، نحن قلنا في أكثر من مرة سورة الأعراف تخلّص الإنسان من أن يتولى شئونه غير الله سبحانه وتعالى ولا تتخذوا من دوني أولياء. الإنسان حين يتوجه بالولاء لأي جهة من الجهات يضيع أولئك القوم من أكثر ما منعهم من التوحيد ومن الإيمان برسالة التوحيد قالوا ونذر ما كان يعبد آبائنا، تدبروا ف الآية. الشيء الذي يألفه الإنسان الشيء الذي جاء به الآباء والأجداد، بمعنى آخر الخروج عن التيار السائد من أصعب الأشياء، أن يخرج الإنسان عن ما هو سائد في المجتمع وكل هؤلاء الأنبياء بما فيه نبينا صلى الله عليه وآله خرجوا عن المألوف، خرجوا عما ألفه أقوامهم ، لماذا؟ لأن الإنسان قد يألف شيئا وهو غير صالح فمجرد أن يألف الإنسان شيئا هذا لا يعطيه الشرعية ولا يكسبه أي نوع من أنواع الشرعية أو الأحقية أو الأفضلية ثم إن الأسبقية بالمعلومات لا تجعل الشيء حقاً وكثرة الناس الذين يقولون ذلك الشيء لا تغير منه ولا تجعله حقاً ، الباطل باطل والحق حق ليس لأن الأب أو الأجداد أو الأهل قالوا بهذا أو ذاك ، لا. قول الآباء والأجداد لشي لا يعطيه شرعية، الذي يعطي الشرعية فعلا الشيء ما أن يكون هو ذلك الشيء في نفسه وبذاته حقاً. وهذه رسالة التوحيد حق والذي أرسل بها الأنبياء والذي أرسلهم بها هو الله سبحانه وتعالى. فكان لابد من أن تكون حقا وصدقا وكان هي التي ينبغي أن تقدم في قلوب وعقول هؤلاء لو أرادوا فعلاً الحق.فماذا قالوا؟ فأتنا بما تعدنا أن كنت من الصادقين ، نحن لا نريد أن نسمع أنت تتوعدنا بهلاك كما حدث في قوم نوح آتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين. وهنا تتضح حالة الغرور في الإنسان، الإنسان في كثير من الأحيان حين يقع في مواطن الضلال والبعد عن الله سبحانه وتعالى يصبح منتشياً بالباطل. الباطل له نشوة ولكن نشوته باطلة، نشوة كاذبه. هؤلاء القوم كانوا في نشوة فارغة. قالوا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ولكن هذا النبي الكريم الناصح الأمين لم يتوقف عن الرسالة أبداً. قال قد وقع عليكم من ربكم رجز وغضب اتجادلونني في اسماء سميتموها انتم وآبائكم ما نزل الله بها من سلطان ، الشيء يصبح مشروعا و مقبولا حين ينزل من الله سبحانه وتعالى به دليل وغير ذلك لا يعطيه شرعية ابداً فانتظروا إني معكم من المنتظرين . لماذا؟ لأن الرسول ليس أي رسول بوسعه ابداً ان يأتي القوم بعذاب ابداً. هو مجرد مبلغ ، أما الذي يأتهم بذلك العذاب فهو الله سبحانه وتعالى، الرسول لا يملك شيئا من تلقاء نفسه ، الذي يأتي به من؟ الله سبحانه وتعالى فماذا كانت العاقبة قال ” فانجيناه والذين معه برحمه منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وماكانوا مؤمنين” تدبروا معي، عدم الإيمان بالله سبحانه وتعالى مرة أخرى في نفس السياق قال عن قوم نوح كذبوا بآياتنا، قال عن عاد كذبوا بآياتنا ، أخطر شيء أن يقع فيه الإنسان أن يكذب بآيات الله سبحانه ، لا نجاة كم هذه القضية، القضية قضية مصيرية قضية الإيمان بالله سبحانه وتعالى أو عدم الإيمان قضية مصيرية وربي عز وجل في سورة الأعراف حكى لنا عن النهايات والمصائر يوم القيامة هذه المصائر التي قال عنها في القرآن في سورة الأعراف ما جاءت من فراغ جاءت مرتبطة بأعمال بسوابق بما قدمه الإنسان، فربي سبحانه حين عرض لنا المصير والآن يعرض لنا الأعمال لأي شيء؟ لأجل أن يرى الإنسان رؤي العين أن هذا العمل سيؤدي إلى هذا المصير، هذه المسيرة في حياتك ستؤدي بك إلى ذلك المصير قطعاً ليس هناك شك ، الأمور واضحة وفي غاية الوضوح، تؤمن بالله وتمشي على منهجه وطريقه ” فانجيناه في الدنيا والآخرة” ما يؤمن بالله ويكذب بآياته فله الهلاك ف الدنيا والآخرة وأن ربي سبحانه وتعالى في هذه القصص ذكر لنا نماذج من هلاك الأمم السابقة فقد يكون الهلاك متنوع وقد يقع وقد لا يقع في الدنيا لكن في الآخرة محتوم، لماذا؟ ربي سبحانه وتعالى مرة أخرى يقدم لنا أن ما يحدث مع النبي صلى الله عليه وآله قد تظهر نتيجته وقد لا تظهر في الدنيا، قومك قد يهلكون وقد لا يهلكون لا تظهر هلاك كما ظهر في الأمم السابقة ولكن النتيجة واحدة بما فيه الكفر والتكذيب بآيات الله سبحانه وتعالى واحدة كما أن عاقبة الإيمان بتلك الآيات هي النجاة في الدنيا والآخرة