بسم الله الرحمن الرحيم
تدبر في سورة الأعراف الكريمة الحلقة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وقفنا في الحلقة السابقة عند قصة سيدنا آدم وأمنا حواء عليهما السلام وقد قلنا أن في تلك القصة الدروس والعبر التي ينبغي أن يتوقف عندها الإنسان ويستحضر منها العظات والعبر عندما يسير في طريقه في الحياة. والقصة وما مر فيها لأبينا وأمنا حواء أحداث يمكن أن تقع لكل واحد منا في كل وقت وفي كل مكان وفي كل زمان. ولكن من الوقفات التي تحتاج أن تتوقف عندها هو تلك المساحات الواسعة من المباح. إن الله عز وجل حينما أعطى لآدم وحواء الحرية في أن يأكلا من الجنة ما يشاءا، إنما دل ذلك على أن دائرة المباح، ما هو غير ممنوع ، دائرة واسعة جدا وكذلك المجال الذي أعطاه الله للإنسان في مسيرته في الحياة على هذه الأرض. ولذلك جاء العلماء بتلك القاعدة : الأصل في الأشياء الإباحة. فالمباح واسع ، ولكن الحق سبحانه وتعالى حينما منع عنهما وهذا تكليف بالمنع قال ” ولا تقربا هذه الشجرة” (1) . إن دائرة الممنوع ضيقة، وعلى الرغم من كبر دائرة المباح وصغر دائرة الممنوع إلا أن الإنسان مع وسوسة الشياطين الذين هم ليس فقط شياطين الجن ولكن كذلك من يتولونهم من شياطين الإنس يوسع على نفسه من دائرة الممنوع ولا ينظر إلى تلك الدائرة الواسعة التي حباه بها الحق سبحانه وتعالى وأتاحها له من المباحات.
وهذه قاعدة في واقع الأمر تقودنا إلى كثير من الإشكاليات التي نمر بها في حياتنا في كل شيئ ، في الطعام والشراب ، في التعامل في الإقتصاد في الأقوال والأفعال. إن دائرة المباح واسعة ولكن الكثيرين منا تتعلق أنظارهم وقلوبهم بتلك الدائرة الضيقة المحصورة ولو أننا تسائلنا في أنفسنا وحاولنا أن نحل هذه القضية لوجدنا أن المسئلة ليست لأن المباح ضيق أو قليل، ولكن أحيانا لأن النفس قد جبلة بناءا على تلك الوسوسة أحيانا من الشياطين على النظر في ذلك المجال الضيق الممنوع المحظور وتركت الواسع المباح الذي فيه قطعا غنا عن كل ما هو محظور ممنوع. هنالك الكثير في دائرة المباح الإقتصادية الواسعة جدا، ولكن تجد أن الكثير من الناس في زماننا وعصرنا هذا لا يبحثون عن وسائل الربح والنفع المشروع المباح بقدر ما تتعلق أنظارهم وقلوبهم وتفكيرهم في كثير من الأحيان بالوسائل الممنوعة أو على أقل تقدير الوسائل التي فيها شبهة. وقصة أبينا آدم وأمنا حواء تنبه إلى أن البشرية على هذا المزلق الخطير.
ووقفنا عند قول الحق سبحانه وتعالى ” فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون” (2) ، هي الأرض التي تشهد مسيرة البشرية ، مسيرة الخير والشر، مسيرة إمتثال الأوامر الإلهية أو عدم إمتثالها، هي الأرض التي نعيش عليها وهي التي تمثل مسرح الأحداث. هذا المسرح هو في واقع الأمرتصنيف للمشاريع المختلفة التي أوكل الله عز وجل للبشر، إلينا ، إعمارها والقيام بها، مهام. أذكر أنني في مرة سئلت : ما الحكمة من طلب الله إلينا إعمار الأرض؟ ثم يأتي يوم على الأرض فتصبح صعيدا جرزا؟ وهباءا منثورا؟ كما ذكر في القرءان الكريم. سألت السائل : هل لديك مشاريع تقوم بها؟ قال نعم، قلت : هذه المشاريع أي كان نوعها ألا تستخدم فيها مواد خام؟ تستخدمها في المشاريع لإكمالها ثم تختبر هذه المشاريع ثم تستخدم، وقد يهدر بعض هذه المواد وقد يعاد تدوير بعضها بعد الاستهلاك. قلت ، ولله المثل الأعلى ، إن هذه الأرض التي نعيش عليها إن كل ما فيها من مواد سخرها الله عز وجل للإنسان ليستعملها وليعمر بها الأرض ، قال الله ” إني جاعل في الأرض خليفة ” (3) فإذا انتهت مدة المشروع وطلب من كل إنسان ومن كل البشر أن يقدموا مشاريعهم أو أعمالهم أو ما قاموا به على وجه الأرض أمام الله عز وجل وزنت تلك المشاريع تلك الأعمال وأصبحت في موازين أصحابها إما ثوابا وإما عقابا وأصبح ما في الأرض صعيدا جرزا ، إنتهت المشاريع وانتهت القصة بأكملها. إن فترة البقاء على الأرض محدودة وقد لخصت آية واحدة في كتاب الله مصير الإنسان قال سبحانه وتعالى ” فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ” (2). ولكن لا ننسى أن هذا البقاء كل البقاء على وجه هذه الأرض إنما هو لهذه اللحظة، لذلك المشروع الذي عليك القيام به عليك إنجازه.
وبعدها أتت سياق الآيات بالخطاب للبشرية فقال سبحانه وتعالى ” يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون “ (4). هو أول خطاب يخاطب الله به بني آدم بعد تلك القصة لأبيهم ، خطاب عن اللباس ؟؟ وتدبروا معي، عادة ما يخاطب الحق سبحانه وتعالى عباده ، كعادة القرءان ، بخطاب التوحيد ولكن هنا ذكرهم بقضية اللباس ! ونلاحظ في هذه الآية العظيمة العديد من الأمور : أول أمر قال عز وجل ” يا بني آدم ” ، وفي أكثر من مرة يؤكد القرءان عملية الخطاب القرءاني ، فالقرءان ليس للمسلمين فحسب، إن القرءان ليس مجرد رسالة أو مجرد كلام للمسلمين يخاطب به من يؤمن فحسب، لا. هذا فهم قاصر جدا، وكان على من يؤمن به ، وذلك من واجبات ومقتضيات الإيمان أن يقوم بإيصال تلك الرسالة العالمية للبشر وأن يكون لديه من العلم والحكمة والكفاية ما يكتشف به أفضل الوسائل و الطرق لإيصال تلك الرسالة العالمية قال سبحانه وتعالى ” يا بني آدم ” . وحين يتكلم ويحدثني القرءان هنا قال ” قد أنزلنا عليكم لباسا ” ، أول ما ذكر قال ” يواري سوءاتكم” ، وفي قصة آدم قال ” ينزع عنهما لباسهما ليوريهما ما وري عنهما من سوءاتهما ” (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الآية 19 ، سورة الأعراف ، الجزء الثامن ، صفحة 152
- الآية 25، سورة الأعراف ، الجزء الثامن ، صفحة 153
- الآية 30 ، سورة البقرة ، الجزء الأول ، صفحة 6
- الآية 26 ، سورة الأعراف ، الجزء الثامن ، صفحة 153
- الآية 27 ، سورة الأعراف ، الجزء الثامن ، صفحة 153
إذن القضية المتعلقة جدا بقضية اللباس هي قضية الستر، القضية في قضية اللباس هي الستر أولا ثم تأتي أغراض أخرى من مهمة اللباس. وقضية اللباس والتي تتناولها سورة الأعراف بأولوية مطلقة إذ تعد السورة بحق الوحيدة في كتاب الله عز وجل والتي تناولت قضية اللباس بدقة وعمق وقيمة جعلت ذلك التصرف ، اللباس ، تصرفا فطريا قام به أبينا آدم وأمنا حواء مباشرة بعد ما نزع عنهما لباسهما. إن القرءان الكريم يجعل من ذلك التصرف قيمة أخلاقية، قيمة أخلاقية إنسانية بل يربط إنسانية الإنسان بذلك الستر وبتلك القيمة من الرغبة في الاحتشام ومواراة العوارات والسوءات عن الآخرين، لماذا؟ لأنها وببساطة شديدة لا تليق بإنسانية الإنسان المكرم هذا التكريم الذي كرمه به ربه جل وعلا عن باقي المخلوقات. وهذا الخطاب خطاب عالمي وأأكد على عالمية الخطاب هنا، لماذا؟ لأننا اليوم في الواقع الذي نعيش فيه اكتسحت بيوتات الآزياء والموضات المعروفة، اكتسحت العالم وأصبحت عالمية لا تفرق بين المجتمعات، أصبح خطاب الموضة والأزياء والموديلات كما يطلق عليها خطاب عالمي لا يفرق بين من سيأخذ هذه الأزياء من الشرق أو الغرب، ويجب إن نلاحظ أن من يقوم على هذا الأمر ثلة أو شرذمة قليلون، وهم يقدمون هذه الأزياء للكل مسلم أو غير مسلم لأن العالم صار فيه من وسائل الإتصلات الإعلامية والتجارية والاقتصادية الكثير مما يوحده ويجعله يكاد يكون نقطة واحدة.
إذن القضية أصبحت خطاب عالمي وفي القرءان الكريم وفي سورة الأعراف تقدم السورة للبشرية خطابا عالميا بقيمة الستر بعكس القيمة التي يروج لها اليوم دعاة ما يعرف بالأزياء! ما هي هذه القيمة التي حث عليها الله جل وعلا وطلب من الإنسان المكرم أن يوليها إعتبار في حياته، هي قيمة الستر والاحتشام بصرف النظر أنت تؤمن ، أنت لا تؤمن، أنت مسلم أو غير مسلم، أنت تلتزم بالباس الشرعي أو لا تلتزم، الستر والاحتشام هي قيمة إنسانية في ذاتها. وتدبروا معي، لذلك المسلين اليوم عليهم وهم يقدمون ، ونعني بكلمة المسلمين بالتحديد المرأة ، يجب أن يقدموا اللباس الشرعي المعروف المتعارف عليه، ونحن حين نقدم ذلك الأمر إنما يجب أن نقدمه ضمن وفي إطار الحشمة والستر والذي جيئ به للإنسانية كقيمة إنسانية وليس فقط قضية أنه شيئا متعلقا بأتباع ديانة معينة. وتدبروا معي في هذا المعنى العظيم، والتاريخ يشهد في أوروبا ، على سبيل المثال ، في كل عصورها ما كانت تعرف من أزياءها إلا اللباس الساتر المحتشم إلا في حالات نادرة جدا وإلى أن إجتاحتها تلك الموجة من العري وكشف السوءات والعورات من اللباس الفاضح تحت رداء وغطاء الأزياء والموضة. هذه الموجة حدثت في عشرينيات القرن الماضي ولها قصة البعض يرجعها إلى ثلة من أفراد الماسونية العالمية الذين سيطروا على دور الأزياء في العالم بأسره وبدأوا يبثون عن طريق الإعلام وغيره هذه الأزياء على أنها هي ما يناسب المرأة العصرية الأنيقة فكانت هذه الأزياء كالسموم من القيم الضالة والفساد والانحلال.
وسورة الأعراف الكريمة حين تؤكد أول ما تؤكد في رسالتها للبشرية بعد قصة آدم عليه السلام على قضية اللباس ذ لك لأن اللباس ليس بمجرد قطعة قماش، اللباس له قيمة تتعلق بما يقوم به الإنسان في واقع الأمر في الحياة. الإنسان الخليفة الذي أوكل له الحق جل وعلا مهمة عمارة الأرض وبنائها إنسان محترم له قيمة وقيمته ليس في قضية نوعية اللباس الذي يلبس، حرير أم قماش فاخر أم نوعية رديئة أو بسيطة أو متواضعة ، لا ، إن القيمة الحقيقية للباس في الستر، في الاحتشام ، في إنسانية الإنسان. وتدبروا معي وقارنوا، وهكذا يعلمني التدبر، النظر، النظر في واقع الحياة ومقارنة ما يحدث حولي من أحداث مقارنته بما يجب أن يكون كما جاء في منهج الله عز وجل. تدبروا معي في القيم التي يحرص عليها اليوم الناس في لباسهم، الحرص الأول والأكبر على قيم قام القرءان العظيم في الحقيقة لمعالجتها والنهي عنها وعدم الإلتفات إليها : التفاخر، التكاثر، التباهي والزهو، أن يزهو الإنسان بما يملك أو يلبس وحتى في بعض الأحيان يزهو بما لا يملك. إن القرءان يحب الجمال وقد ذكرت قضية الزينة في هذا السياق ليؤكد لي أن قيمة الجمال قيمة أساسية في القرءان الكريم وليست بقيمة مستوردة على كتاب الله ، لا، هي قيمة موجودة في الخلق، فخلق السماوات والأرض قائم على نفع الإنسان، صحيح ولكن مع ذلك الانتفاع هنالك جمال. جعل الله عز وجل في السماء النجوم لماذا؟ بلى هي فيها فوائد ينتفع بها ولكن أيضا فيها زينة وجمال. ولأن قيمة الجمال في القرءان الكريم فيمة مهمة وضرورية فهو مبثوث في كل خلق الله : في الإنسان، في السماء، في الأشجار، في الحيوانات، في الطير، في البحار والأنهار وفي كل ما خلق الحق جل في علاه وبرأ وذرأ نجد فيه الجمال، ولكن حين يرسل القرءان رسالة الجمال يعلم بني آدم أجمعين أن الجمال كقيمة لابد وأن تتماشى تماما مع إنسانية الإنسان. تدبروا معي في هذا الخطاب الرائع، فنحن اليوم ، كل البشر، أحوج ما نكون ، وتدبروا قول الحق سبحانه وتعالى ” أنزلنا لكم ” مادة اللباس سواءا من الريش أو الجلد أو من أي مادة أخرى، من الذي أعطى؟ ومن الذي أنزل ؟ ربي عز وجل هو الذي أنزل. أنزل سبحانه وتعالى كل ما يخطر وما لا يخطر على بالنا من المواد كلها مسخرة لبني آدم، وهذا فيه ربط واضح بما جاء في أوائل السورة الكريمة ” ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش “(1).
إذن هذا التمكين من جملته ومن مقتضياته أنه جل في علاه أنزل لك هذه المواد يا أيها الإنسان. يا أيها الإنسان المكلف الخليفة على ظهر هذه الأرض، فكيف ستستعمل ما أنزل لك الحق وسخر لك؟ كيف ستستعمل ما مكنك فيه؟ ستستعملها في معصيته سبحانه وتعالى؟ في إيذاء نفسك والناس من حولك؟ وتدبروا معي في هذه المعاني العظيمة : أنت حين تستعمل هذه المواد الخام كما تستعملها بعض دور الأزياء اليوم في إفساد للذوق العام، الذوق البشري والذي يميز الإنسان من سائر الخلوقات. فترى الواحد من هؤلاء رجلا كان أو إمراة يلبس أشياءا ممزقة حقيقة وليس مجازا وقد يدفع أضعاف الأسعار لذلك الثوب الممزق وحين يدفع يدفع بفخر لأنه مواكب لأحدث صيحات الموضة ولو تدبرنا في هذا المعنى لوجدنا أن هنالك إفسادا متعمدا للذوق العام للإنسان بحيث يلبس ما لا يليق بإنسانيته! وحين نتدبر في الآية الكريمة فإن أول ما ذكر الله سبحانه وتعالى فيها أن هذا اللباس يواري سوءاتكم وهذا هو الحد الأدني في فائدة اللباس أن يواري السوءات أن يستر عورة الإنسان. ثم بعد ذلك قال والأكمل من ذلك اللباس أن يكون لباس تقوى وخشية لله فهو خير من الأول الذي هو فقط يعيد الإنسان لإنسانيته لأن الحق يريد من بني آدم أن يرتقوا إلى ما كرمهم به ، حمل الأمانة وأداء العهد الذي بينه سبحانه وتعالى وبينهم، فقال ” ولباس التقوى ذلك خير “(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الآية 10 ، سورة الأعراف ، الجزء الثامن ، صفحة 151 (2) الآية 26 ، سورة الأعراف ، الجزء الثامن ، صفحة 153
إن جمهور المفسرين يقولون أن لباس التقوى لباس معنوي مجازي هو ما تقتضيه قضية التقوى، ولكن حين نتدبر فيه نجد أن ذلك التقابل بين اللباس الظاهري الذي يستر العورات الظاهرة المادية واللباس المعنوي لباس التقوي والذي هو أيضا يستر عورات معنوية لا ينبغي أبدا أن تكون في الإنسان الخليفة وهي كل السلبيات في الأخلاق والتي هي تصده عن التقوى.
وما هي التقوى ؟ هي ببساطة شديدة واختصار هي ما يقيك مما لا ينبغي من تصرفات. إن الله عز وجل قال عن اللباس في آيات أخرى ” وسرابيل تقيكم “ (1) ، فالسرابيل أو الملابس أو ما شابه تقي وتحمي الإنسان من الحر ومن البرد، وفي عصرنا مثلا رجال الإطفاء يلبسون ملابس واقية من الحريق والدخان ، ورجال الفضاء أيضا يلبسون ملابس معينة واقيه، والذي يتعامل مع المواد الخطرة في المعامل كذلك يلبس ملابس تقيه. إذن ما تلبسه يقيك مما حولك مما هو ظاهر أما التقوى القلبيه أو لباس التقوى فهو لباس يقيك من أخطار أخرى معنوية ومادية في نفس الوقت مثل أمراض القلب : الحسد، الكبر ، الغل ، الشهوات، الشبهات وغيرها . فكلما كان اهتمامك بلباس التقوى قويا بارزا واضحا كلما كان نصيبك من التقوى أكبر، وكلما ازداد عندك ذلك اللباس، لباس التقوى، وهو لا يظهر للعيان كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ” التقوى هاهنا، التقوى هاهنا “(2) وقد أشار لقلبه الشريف ، هي ليست ظاهرة للعيان ، هي شيئ بينك وبين الله عز وجل هو يطلع على قلبك فيجده قد تزيى بزي التقوى، قد ارتدى ذلك اللباس والزي حتى بات لباسا يحفظه و يقيه. وكلما اهتممت بذلك الزي من باب اهتمامك لما ينظر الله إليه من قلبك، الناس تنظر إلى الملابس إلى ما ترتديه، ولكن الله جل وعلا ينظر إلى قلبك إلى داخلك ، ينظر إلى تلك الصدور إلى السرائر فاصلح السريرة . فإذا ما أصلحت ذلك اللباس وقاك من كل الشرور المختلفة ولابد أن يظهر ذلك اللباس وذلك الرداء الجميل برونقه وبهائه ونوره على ظاهر الإنسان على سلوكه وأخلاقه ومعاملاته.
ولذلك فإن الأصل في التعامل مع الإنسان، صحيح أن يكون في التعامل اهتمام بما يظهر من الإنسان من نظافة ثياب وهيئة وأناقة وعشرات الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين تربي فينا ذلك الحس، حس الذوق والنظافة والجمال في كل شيء، ليس فينا فقط كبشر ولكن أيضا فيما حولنا من طريق ، منزل ، مدرسة ، سوق أو المدينه التي نسكن فيها. وما تلك الأحاديث التي تحث على إماطة الأذى عن الطريق وما شابه إلا لتصب في تلك القيم الجمالية الرائعة. ولكن اهتمام الإنسان والنظر عند الإنسان في تعامله مع الآخرين فيما يرتدون وما يلبسون لا ينبغي أن يحيد أبدا عن القيم وما هو لائق ببشريته ولا ينبغي أن تتحول قيمة اللباس في حياتنا كما هو حاصل لمادة للتفاخر والتكاثر قال الله جل وعلا ” ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ” (3). سواءا كنت تمتلك أو لا تمتلك القدرة ، اللباس ليس للتفاخر والتكاثر هذه القيمة نهى عنها القرءان الكريم، ولماذا نهى عنها؟ لأن العمل الحقيقي والخلق الحقيقي الذي يتعامل به الإنسان هو الذي ينبغي أن يتركز الاهتمام عليه وليس ما يلبس أو يمتلك، قد يكون الإنسان متواضعا في لباسه عظيما في أخلاقه وتعامله وسلوكه، وقد يكون الإنسان يرتدي أجمل الحلل وأفخم الملابس ومن أكبر دور الأزياء وقد بذل الغالي والنفيس للحصول على هذه القطعة، ولكن في داخله في واقع الأمر هذه القطعة لا تغني عنه شيئا، لماذا ؟ لأن الداخل خرب وليس له حظ من لباس التقوى، وليس هنالك في الأصل تعارض بين اللبس الخارجي واحتشامه وستره وأناقته وبين التقوى، بل بالعكس التقوى تحرك الإنسان نحو الستر والأناقة والجمال ولكن من قال أن الأناقة تعني عدم الستر؟؟ تعني الملابس الفاضحة ؟؟ إن الذي قال ذلك هو الذي أفسد الذوق العام في حياتنا، ولماذا يفسدون الذوق العام؟ لأن المسلمين حين تخلوا عن إيصال رسالة القرءان العالمية وما بلغوا حين قال الحق جل وعلا مخاطبا البشرية جمعاء ” يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون “ (4) حينها تخلوا وما قاموا بالمهمة التي أوكلت إليهم. وحتى اليوم فهم حين يقومون بتقديم ملابس الاحتشام أو اللباس الشرعي يقدمونه من زاوية أن هذا لباسنا نحن المسلون، هذا ما نرتديه، وفي واقع الأمر هذا ليس بالتوجه الذي يريده القرءان، القرءان يبني توجه الستر الاحتشام بمعنى أن تقدم هذا الخطاب كخطاب عالمي خطاب للإنسانية ” يا بني آدم ” ، فحين تخلى المسلمون عن ذلك سلموا قياد الأمور لأولئك الذين سيكلمني عنهم القرءان بعد قليل .. أولياء الشيطان.
يقول الله سبحانه وتعالى ” يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون”(5) . فأنت حين تسلم قيادك لأولياء الشيطان يحدث ما قد حدث. الآن وقد أصبحت قضية التعري والانحلال قضية مهمة جدا في الأناقة والأزياء نعم هكذا ولكن لماذا ؟ لأن من تسلم قياد الأمور في واقعنا وفي مجتمعات العالم اليوم وفي البشرية جمعاء هم أولئك الذين تولوا الشيطان أو إن الشيطان قد تولاهم، والذين عرفوا الحق وعندهم دليله وأمروا بأن يقوموا بالمهمة ما قاموا بها وتخلوا عن قيادتهم وتدبروا في نهاية الآية الكريمة ” ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ” (4). آيات الله جل وعلا الغرض منها أن تحدث التذكرة في نفس الإنسان ومن ثم العمل الصالح المصلح لما حولك، هي تذكرة للمسلم فهو في مهمة عظيمة مكلف بها أمر عظيم أمر به خالق السماوات والأرض عليك القيام به إمتثالا لأمره جل وعلا، عليك أن تدرك هذه الرسالة وتقوم بها فورا فالوقت محدود ، إن ربي عز وجل قد حدد الوقت قال سبحانه وتعالى ” فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ” (6) فماذا أنت فاعل ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الآية 81 ، سورة النحل، الجزء الرابع عشر ، صفحة 276
- حديث شريف ……………………
- الآية 1 ، 2 ، سورة التكاثر، الجزء الثلاثون ، صفحة 600
- الآية 26، سورة الأعراف، الجزء الثامن ، صفحة 153 (5) الآية 27، سورة الأعراف ، الجزء الثامن ، صفحة153 (6) الآية25 سورة الأعراف ج 8
ومرة أخرى نعود لعالمية القرءان الكريم خطاب ” يا بني آدم ” ، أنت وأنا وجميعنا مطالبون بإيصال هذه القيم والحديث عنها، والحديث ليس بالضرورة أن يكون خطبة أو رسالة شفوية أو كتب وترجمات ، لا ، لا ولكن الحديث الذي يعلمني القرءان في أكثر من موضع عنه هو أن يتجلى هذا الحديث عن القرءان في أفعالى وسلوكي وتصرفاتي كما وصفت امنا عائشة رضي الله عنها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين بأنه كان ( قرءانا يمشي) (1)، يجب أن يتجلى حديثي عن القرءان في تقديمي أنموذجا يستحق أن تنظر إليه الأمم والشعوب. إن جانبا من جوانب ما نراه ونعيشه اليوم من الجري وراء الأزياء المختلفة التي أشرنا إليها أن من تسلم زمام الأمور في هذه الأشياء المختلفة في الاقتصاد وفي العلوم وفي الإدارة في العالم بأسره هم أولئك الذين ما عادوا يحملون قيمة من القيم التي يدعوا إليها القرءان الكريم، لا يؤمنون به، فطبيعي أنهم لا يحملون هذه القيم، ولكن الذنب الأكبر على من يؤمن بالقرءان العظيم وقيمه ولم يتمكن ولم يقم بإيصال تلك الرسالة والقيم إلى العالم من خلال تحضره وتقدمه وسلوكياته، من خلال تقديمه أنموذجا فعلا يقتدى به في كل شيئ، في اقتصاده وفي عمرانه وفي أسرته وفي تعامله وفي تجارته وفي أزيائه وفي ملابسه. فما عاد ما نلبس وهو في الواقع مجرد قطعه، ولكننا في واقع الأمر لا نقوم بصناعتها! نحن نلبس ما لا نصنع ! وإنما ما يصنعه غيرنا لنا، وهذه كارثة في الحقيقة تضاف إلى ما أشرنا إليه.
قال الحق عز وجل ” يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ” (2) . إذن هي فتنة وابتلاء، ونحن اليوم ونحن نسير في طريقنا في الحياة لابد وأن نتذكرهذه المعاني العظيمة ، أن المسألة فيها ابتلاء وأن هنالك إختبار وأن الشيطان له وساوس يدخل بها على بني آدم ليفتنه !! وتدبروا في الآية الكريمة قال ” كما أخرج أبويكم من الجنة “، وما ذكر شيء عن الجنة سوى أنه ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما، وتدبروا، إن الجنة فيها أشياء كثيرة وآدم وحواء حينما خرجا من الجنة خرجا من نعيم كبير في كل شيء ليس فقط في اللباس ولكن الآية ما ذكرت إلا قضية اللباس قال” ينزع عنهما لباسهما”. إن سورة الأعراف كما ذكرت سابقا هي السورة الوحيدة في القرءان الكريم التي تقف بهذا الوضوح القيمي تجاه قضية اللباس، وارتباطه بقصة أبينا آدم وأمنا حواء عليهما السلام، بل بوجود الإنسان الخليفة على هذه الأرض، إنسانية الإنسان، فمن جملة إنسانيته أن يكون ساترا لتلك السوءات، وقد يقول قائل : ولماذا خلقت هذه السوءات إذا كان يجب عليه أن يسترها؟ هذا الابتلاء فتنة. أنت لا تبتلى بما هو غير موجود، أنت تبتلى بما هو موجود وبما هو غير موجود، أنت تبتلى بالمنع والعطاء. إن الأسئلة التي قد تثار متنوعة والاختبار متنوع والرب جل وعلا هو الذي يسأل ولا يُسأل سبحانه وتعالى عما يفعل ونحن نُسأل.
وتدبروا معي، قال سبحانه وتعالى كما أخرج أبويكم من الجنة، وهنا نلفت النظر أنه ليس في آية أخرى في كتاب الله عز وجل قال أخرج الشيطان أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما، ولكنها لا تقرأ أبدا منفصلة عن بقية الآية الكريمة، ربط بين أخراج آدم وحواء من الجنة وبين نزع اللباس، أعظم خطيئة، ومن أعظم الخطايا بعد الشرك والتي يرتكبها الإنسان وتصب به كذلك في مهاوي الرذيلة والمعاصي المختلفة والفواحش والتي سيأتي القرءان بعد ذلك بذكرها في السورة الكريمة. إن قضية ينزع عنهما لباسهما ، نزع اللباس، قضية مهمة جدا، قضية قيمية، قضية مرتبطة بأشياء أخرى. ولذلك في واقعنا اليوم نجد أن المشاكل الأمنية، والاعتداءات الجسدية، والمشاكل الأسرية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها هي بكل صدق وأمانة ترتبط بهذه القيمة التي فقدت في المجتمعات البشرية إلى حد كبير، قيمة الستر. ونجد أن دعاة الشهوات وأولياء الشهوات يريدون أن تمحى هذه القيمة تماما عن البشر، فأصبحت اليوم في بعض البلدان الأوروبية المطالبة بحقوق البشر على أشياء لها قيمة حقيقية ، مثلا حقوق إنسان أو ما شابه ، يتم عن طريق التعري، وتدبروا في هذا المعنى، أهكذا، أهكذا تؤخذ الحقوق؟ أهكذا يقتل الإنسان في إنسانيته؟ ثم قال عز وجل ” إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ” (2)وفي نهاية الآية قال سبحانه وتعالى ” إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ” (2).
إذن أصبحت القضية ولاية الشيطان، وتدبروا معي في أوائل السورة قال الحق ” إتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون” (3). إن إتباع الأولياء، إتباع أولياء الشيطان ، حين يصبح الشيطان وليا للإنسان من دون الله ماذا سيحدث؟ سيحدث ما حدث ، ينزع عنه لباسه ويفعل كل ما يفعله اليوم من تشوهات في إنسانية الإنسان. ولكن هذه الولاية ما جاءت من فراغ لأن الله سبحانه وتعالى قال ” جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون “. إن خروجك من واحة الإيمان ودائرة الحق إلى دنيا فيها المعصية والكفر وإلى صحراء جدباء من القيم والفضيلة والبعد عن الله عز وجل تجعل منك إنسانا معرضا لولاية الشياطين من الأنس والجن قطعا. إن إيمانك بالله درع لك وحصانة حقيقية لأن الذي سيتولى شئون حياتك، لباسك، طعامك، شرابك، ما تخرجه ما تنفقه عطاؤك ومنعك زواجك وإنجابك للأبناء كل هذا سيتولاه الحق سبحانه وتعالى، هو الذي سوف يسير ويدبر لك حياتك، بينما حين يخرج الإنسان من دائرة الإيمان وواحته سيصبح معرضا لأي ولاية في كل شئون حياته؟ وكما ذكرنا من قبل في قضية اللباس من الذي يتحكم فيما ألبس ويفرض علي ما ألبسه ما أرتديه من لباس؟ أولياء الشيطان. ما السبب ؟ أنا قد أعطيتهم ذلك الحق من خلال عدم إيماني بالله عز وجل. إن إيماني بالله يقتضي أن يتولى الله حياتي كلها تصريفا بكل ما للكلمة من نواحي أمرا ونهيا تكليفا وإلزاما ، إن الإيمان ليس مجرد كلمة الإيمان عقيدة بيني وبين الله عز وجل وهو الذي يتولاني بالرعاية وبالحماية وبالرحمة من خلال تشريعاته وتوجيهاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- حديث شريف…………………………..
- الآية 27، سورة الأعراف، الجزء الثامن، صفحة 153
- الآية 3، سورة الأعراف، الجزء الثامن ، صفحة 151
إن البشرية اليوم تدفع أثمانا باهظة نتيجة خروجها عن أي شيء ؟ خروجها عن تلك الدائرة ، دائرة الإيمان ، دائرة العلاقة بالله وإن العلاقة بالله ليست شعار ولا جماعة وليست تحزب يرفع باسم، لا، العلاقة بالله أخلاقيات وسلوكيات وتعامل ، دين ، تصرفات : مالية واجتماعية وأسرية تحكم الحياة تحكم الإنسان في قلبه وحياته قبل أن تخرج إلى محيط قلبه وحياته. هذه الحقيقة ، ولذا ما أعظم الآية الكريمة ” إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ” (1) إن كل كلمة في آيات الله في هذا الكتاب العظيم الحكيم لها معنى ولها مقصد تحققه.
ثم تدبروا معي في ذلك التناسب الرائع بين الآية وما بعدها، قال الله عز وجل ” وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آبائنا والله أمرنا بها” (2) ، والآيات هنا لها مناسبة في حقيقة الأمر وذلك بأن الناس كانوا في الجاهلية قد ورثوا عادة سلبية لا تليق بآدمية الإنسان قالوا وجدنا آبائنا كذلك يفعلون، كانوا يطوفون حول الكعبة الحرام عراة دون ملابس رجالا ونساءا ويدعون أن ذلك العمل يتقربون به إلى الله عز وجل بزعم أنهم سيطوفون بالبيت بدون تلك الملابس التي عصوا الله سبحانه وتعالى فيها. ملابسهم التي عصوا الله فيها ينزعونها ليقوموا بالطواف بالبيت الحرام ليغفر لهم !! انظروا إلى وهن وتفاهة هذا الإدعاء والزعم منهم. ولكن من جعل هذا القول الواهن والذي لا قيمة له ، هذا الإدعاء السخيف، من الذي أعطاه شرعية في الجاهلية؟ ولكن انظروا ماذا قالوا ، قالوا وجدنا آبائنا على هذا الأمر وأن الله قد أمرنا بهذا حتى يعطوا شرعية لما يقومون به تقربا إلى الله، ولكن العقل والمنطق يقول ليست الملابس الظاهرة هي التي يعصي بها الإنسان خالقه، إذا جئت فعلا للتفكر في هذا الأمر، إنما هو ذلك القلب و الجوارح هي التي إغترفت الذنب والمعصية والإثم. فهل على سبيل المثال إن سرق السارق، وحتى إذا سرق مالا بسيطا لا يصل إلى حد السرقة هل سيعني ذلك أنه سيقوم بقطع يده لأنها ارتكبت معصية؟ نظرت بعينك إلى صورة محرمة هل ستقتلع عينك لأنها ارتكبت معصية ؟ أهكذا ؟ إن الملابس ليست هي التي تنزع وإنما تلك ا لجوارح القلب والعقل التي عصت أمرا هي التي تعاقب، الملابس مجرد رداء خارجي، ظاهري وهو في نفسه لا يعقل ولكنه يؤدي مهمة فقط، ولكن الجوارح هي التي إنفعلت وأثارت الأرجل التي مشت والأيدي التي بطشت واقترفت واللسان هو الذي كلم، كل هذه الجوارح تقطع لينتهي الأمر وحتى يتخلص الإنسان من المعصية ؟ لا .
إن ربي سبحانه وتعالى قدم لي العلاج حين أعطاني وقص علي قصة آدم عليه السلام وحواء قال ” قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ” (3) ، التوبة ، التوبة هي التي تجعل الإنسان يعود كيوم ولدته أمه، التوبة هي التي تطهرك، لباس التقوى هو الذي يسترك بالعمل الصالح ويقربك إلى ربك عز وجل. أنت لست بحاجة إلى نزع ملابس عصيت الله فيها، أنت بحاجة لنزع ذلك الإصرار والبعد عن الله سبحانه وتعالى، يكفيك أن تقترب منه وتقول ربي اغفر لي ، يكفيك أن تعلم يقينا أن لك ربا يغفر الذنوب جميعا. أنت إن تبت إلى الله عز وجل واستغفرته يغفر لك ما كان منك وما بدر عنك دون أن تكون لك حاجة في أن تنزع لباسا ظاهريا، إنما جعل لك ذلك اللباس ليستر ما أراد الله أن يستر لك. ولذلك نهاهم القرءان بطبيعة الحال وبين لهم أن هذا العمل جاهلي وهو يخالف الإيمان الذي يقتضي من المسلم أن يأتي المسجد وهو في أجمل صورة تليق بإنسانيته وآدميته، فقال الحق عز وجل ” يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد” (4) والزينة هنا ليست فقط معنى أجمل لباس كما يتبادر للذهن ، لا ، إن القرءان يجعل الستر، ستر العورات، والاحتشام زينة، قيمة جمالية عظيمة ، الستر جمال، ولذلك ما يشاع اليوم من أن التعري والملابس الفاضحة وهذه الأزياء هي من التحضر، فهو قطعا غير صحيح بل العكس هذا هو عنوان التخلف والجاهلية. فكلما ازداد الإنسان رقيا وتحضرا ازداد تسترا واحتشاما كقيمة حقيقية للإنسان كقيمة تليق به. ولذلك يؤلمني اليوم ما نحن عليه كمسلمين لم نقدم ما هو كاف في رسالة الحشمة والستر ولم نبادر في الحقيقة ولم نستثمر في رحلة الحياة وإعمار الأرض، ولم يكن لنا قصب السبق في ريادة دور الأزياء العالمية، الدور التي تعلم الناس إنسانية الإنسان في حشمته وفي تغطيته لتلك العورات. ولن ننجح في واقع الأمر إلا إذا أدركنا وفهمنا رسالة القرءان الحقيقية، تدبروا معي في قول الله عز وجل ” قل إن الله لا يأمر بالفحشاء” (5)، وهنا جاء الكلام عن الفحشاء بعد أن كان الكلام عن قضية التعري ونزع اللباس لماذا ؟ الفحشاء ؟ أنها كلمة جامعة لكل أنواع المنكرات القولية والفعلية كل أنواع الجرائم والاعتداءات ولكل الأفعال القبيحة، وهذه كلها مصدرها واحد هو ذلك الانتكاس الحقيقي عن إنسانية الإنسان. ذلك التعري في هذا المجال، ذلك السلب لآدمية الإنسان الذي هو مصدر ومفتاح لكل أزمة ولكل فاحشة ولذا قال الله سبحانه وتعالى ” إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون “(5). بما أمر ربي ؟ إن ربي أمر بالقسط، والقسط أن تضع الأشياء في محلها أن تكون فعلا واضحا في قضية الألبسة وغيرها وفي كل شيء، يجب أن يكون كل شيء في موضعه ومكانه.
إن هذه السورة العظيمة ، سورة الأعراف، جاءت بكل هذه الآيات المحكمات لتأكيد قيمة اللباس المعنوي، قيمة التوحيد والتقوى حينما يتجلى في ما يلبس الإنسان وفيما يأكل وما يشرب وفي كل مسجد، وفي الدعاء ” أدعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون” (6) . إن التوحيد ليس كلمة ، وليس شعار فحسب، هو الإخلاص والإيمان الخالص بالله سبحانه وتعالى والذي يجب أن ينعكس على كل أعمال الإنسان على ما يرتديه وعلى ما يقول وعلى كل أفعاله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الآية 27، سورة الأعراف، الجزء الثامن، صفحة 153
- الآية 28، سورة الأعراف، الجزء الثامن، صفحة 153
- الآية 23، سورة الأعراف، الجزء الثامن، صفحة 153
- الآية 31، سورة الأعراف، الجزء الثامن، صفحة 154
- الآية 28، سورة الأعراف، الجزء الثامن، صفحة 153
- الآية 29، سورة الأعراف، الجزء الثامن ، صفحة 153