تدبر سورة البقرة – 3- د. رقية العلواني
تفريغ سمر الأرناؤوط لموقع إسلاميات حصريًا
بسم الله الرحمن الرحيم. في الجزء الأول من سورة البقرة جاءت معالم الهداية في تحديد الاعتقاد الذي ينبغي أن يكون في قلوب الأمة المسلمة، الأمة التي أذن الله لها عز وجل أن تتولى قيادة الأمم التي ورثت الكتاب التي ورثت التوحيد بعد قصص ومواقف بني إسرائيل المتكررة الأمة التي أقامت الاعتقاد في قلوب أصحابها على الحنيفية السمحة أقامت دعائم التوحيد في معتقداتها. اليوم ومع بداية الجزء الثاني من سورة البقرة ذلك الجزء الذي اختص بحشد من التشريعات والتعاليم القرطبي في تفسيره يقول بأن سورة البقرة حوت ألف أمر وألف نهي وألف خبر. سورة البقرة في جزئها الثاني تأتي بحشد من هذه التعاليم أوامر ونواهي أشياء وتنظيمات متعلقة بالأسرة، متعلقة بالاقتصاد، متعلقة بالوصايا، متعلقة بأبسط وأدق تفاصيل الحياة الأسرية، أقامت تلك الدعائم على بناء قوي من التوحيد والاعتقاد. وبدأ الجزء الثاني بتحديد أمر في غاية الأهمية ألا وهو القبلة، القبلة ذلك المكان الذي يتوجه إليه المسلمون في كل يوم على الأقل خمس مرات على مدار الـأربع وعشرين ساعة يتوجه المسلمون بقلوبهم وأبدانهم باتجاه القبلة وقد كان المسلمون في مكة يتوجهون حين فرضت الصلاة إلى بيت المقدس، في ذلك الوقت الذي كان العرب في الجاهلية يقدّسون البيت الحرام ويعظّمونه وقد رأوا في توجه المسلمون آنذاك باتجاه بيت المقدس فيه شيء من الإساءة ولو بطريقة غير متعمدة وغير مباشرة إلى عظمة البيت الحرام هذا الأمر كان في الجاهلية، وحين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وبعد عدد من الأشهر كان اليهود يعتبرون أن هذا نوع من أنواع التفوق الذي جاءوا به على المسلمين أن المسلمين يتوجهون نحو قبلتهم نحو بيت المقدس. وهنا جاءت مسألة تحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام وبدأ الكلام في سورة البقرة في جزئها الثاني بقوله عز وجل (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ) السفهاء من اليهود، (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)) معالم الهداية التي أذن الله بها لهذه الأمة في أدق تفاصيل حياتها وشعائرها وعباداتها. ورب العالمين سبحانه وتعالى في الآية الثانية يبين الحقيقة الواضحة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) هذه الأمة المسلمة التي بني اعتقادها في الجزء الأول من سورة البقرة هذه الأمة التي أبان الله لها معالم الهداية في سورة البقرة العظيمة وفي كتابه الكريم معالم المنهج أراد الله لها أن تكون أمة وسطا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) إذاً هي الوسطية فلا إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا تفريط في شيء من الأشياء، أمة وسط في اعتقادها أمة وسط في شعورها أمة وسط في معالم مناهجها أمة وسط في أخلاقياتها وتوجهاتها الوسطية هي الصبغة التي أراد الله لهذه الأمة أن تكون فيها والوسطية ليست شعارًا الوسطية في هذه الأمة ليست إدعاء وإنما هي لب تشريعاتها ولب قدرتها على التفاهم في المنهج الرباني وتنفيذه في واقع الحياة، إذن هي الوسطية. وأراد الله لهذه الأمة وحدد في الجزء الثاني ومنذ بدايته أن هذه الأمة يقع على عاتقها مهمة عظيمة مهمة الشهادة على الأمم (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) والشهادة هنا تكليف وتشريف. الشهادة على الأمم هنا مرحلة تحضير لهذه الأمة أن تكون بمستوى التكليف الذي أراد الله لها عز وجل أن يكون لها التكاليف والتشريعات الشهادة على الأمم تقتضي من هذه الأمة الجديدة الأمة المسلمة الفتية التي بنيت دعائمها في المجتمع المدني ومع بدايات نزول سورة البقرة إلى نهاياتها. هذه الأمة لها خصائص من أعظم خصائصها ومنذ البداية أن تستشعر بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقها وهذا ما حدث في بداية هذا الجزء. أما تحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام ففيه وقفات عديدة جداً: واحدة من أهم هذه الوقفات أن تحول وتوجه المسلمين في مكة من البيت الحرام إلى بيت المقدس إنما كان لنزع فتيل القومية والتعصب إلى نعرة مهما كانت تلك النعرة، العرب في الجاهلية كانوا يرون عظمتهم ومجدهم في البيت الحرام وفي ذلك الوقت كان توجه المسلمين في الصلاة نحو بيت المقدس لماذا؟ لينتزع فتيل النعرات والتعصبات القومية، ليجعل التعصب الوحيد والولاء والانتماء الوحيد للدين وليس لقوم ولا لجنس ولا لأرض فانتزع ذلك من هذه الأمة وهي لا تزال مجرد مجموعة من الأفراد المستضعفين في مكة ولنا أن نتخيل حجم التحدي الذي واجهه المسلمون المستشعفون في مكة وهم يديرون وجوههم في اتجاه بيت المقدس في الوقت الذي هم فيه في مكة وبين ظهراني قريش. ولكن هذه الأمة أريد لها ومنذ أول كلمة أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أن تكون متميزة في كل شيء أن تكون قوية ومختلفة في كل تصوراتها واعتقاداتها ليست لأجل الاختلاف والتميز في حد ذاته ولكن لكي تصلح وتوضح ما قد فسد في الأمة السابقة. ثم لما انتقلت تلك الأمة المسلمة الجديدة إلى المجتمع المدني حيث يهود وقوة يهود بسلطانها الاقتصادي والاجتماعي والديني الذي كانت وحدثتنا سورة البقرة في جزئها الأول كيف كانت تتفاخر على العرب بأنها هي الأمة التي جاء فيها الأنبياء هي الأمة التي ظهرت فيها الرسالات وهي الأمة التي كذلك سيظهر فيها نبي آخر الزمان هذا كان ادعاء اليهود، في ذلك الوقت أمر الله عز وجل نبيه أن يتحول إلى البيت الحرام في القبلة. وسواء أكانت القبلة نحو البيت الحرام أو نحو المقدس كل الأمر محض ابتلاء واختبار وتربية لهذه الأمة المسلمة ولذا ربي عز وجل ذكر ذلك وقال (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) اختبار، لا بد أن تكون هذه الأمة بمكوناتها بأفرادها ميممة بإخلاص وصدق نحو الله سبحانه وتعالى ورضاه لا تبتغي شيئًا آخر (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) موضوع تحول القبلة كان موضوعًا في غاية الأهمية بالنسبة للمسلمين وبالنسبة لتعاملهم مع اليهود ومع غيرهم (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) لماذا هي ليست كبيرة على الذين هدى الله؟ لأن من هداه الله سبحانه وتعالى هو يتبين معالم المنهج الرباني، هو منقاد، هو خاضع في كل جزئيات حياته واعتقاده وتصوره باتجاه المنهج الرباني، لا يكبر عليه شيء ولا يعظُم عليه شيء ولا يقف أمامه تحدي لأنه يبتغي الهداية ويرى الهداية في ذلك المنهج الرباني فكل ما يأتي من الله سبحانه وتعالى هو يرى فيه الهداية، تستسلم نفسه وروحه تنقاد إلى ذلك المنهج الرباني بمنتهى رحابة الصدر. ثم تأتي الآيات وتبين من جديد طبيعة المعركة التي اصطنعها اليهود مع الأمة المسلمة وليس هناك معركة والمعركة لم تكن في يوم من الأيام بناء على دين، الأديان السماوية لا تصطرع فيما بينها فالرسالة فيها واحدة رسالة التوحيد، ولكن أتباع الأديان من أصحاب الأهواء والمصالح الشخصية هم الذين يختلقون تلك الصراعات ويرفعون الشعارات باسم الأديان ولذلك جاءت الآية وإن الذين أوتوا الكتاب ممن واجهوك ومن اختلقوا تلك المعركة الواهية بعد تحول القبلة وبدأوا في بث الضعف في نفوس المسلمين بأن الله قد أضاع صلاتكم التي كنتم تصلون باتجاه بيت المقدس، ما هذا التخلخل والتذبذب في الأحكام فتارة تصلون تجاه بيت المقدس وتارة تصلون تجاه البيت الحرام؟!! أرادوا أن يبثوا التذبذب في نفوس المسلمين ولكن هذه الأمة التي تتلقى آيات الكتاب فنعزز الإيمان والاعتقاد والتصور في نفوسها ما كان لها أن تكون متذبذبة ولذلك ربي قال (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)) هم يعلمون أن الحق في المنهج الذي قد أتيتَ به، هم يعلمون تماماً أن الحق في هذا القرآن العظيم فقد أوتوا الكتاب أوتوا التوراة من قبلك ويعلمون أين الحق وأين الباطل ولكن الفارق كبير بين من يعلم الحق فيتبعه وبين من يعلم الحق ولكنه ينكره لأنه يخالف هوى نفسه! ولذلك جاءت القاعدة الحاسمة مبينة للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)) أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة المسلمة الجديدة أنتم أمة متميزة أنتم أمة أصبحت في موقع القيادة لغيرها من الأمم، عليك أن تشعر بهذا في أعماق نفسك عليك أن تكون مؤمناً بأنك فعلاً على الحق وأن المنهج الذي أُنزل في هذا القرآن هو الحق ولا حق سواه، وأن ما حدث من تحريف في الديانات السابقة من يهودية ونصرانية أتت على تلك الديانات وجعلت تلك الديانات والتعاليم المحرّفة مجرد أهواء شخصية ومصالح شخصية ما عادت أديانًا! ولذلك قال ربي (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) إذاً ما عادت ديانة يهودية ولا نصرانية عادت أهواء ومصالح شخصية (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) اشعُر بالتميز وبالنعمة التي أنعم الله بها عليك وفي هذا شيء عظيم جداً أن هذه الأمة المسلمة التي أنزل الله سبحانه وتعالى عليها القرآن لا بد أن يكون لديها قناعة بالحق الذي نزل عليها، اِعلم أن كل تلك المعارك المصطنعة ليست معارك دينية، ترفع باسم الدين ولكنها معارك أهواء ومطامع ومصالح شخصية. قيادة الأمة الإسلامية للأمم من بعدها وشهادتها على تلك الأمم ليست قيادة إجبارية فالأمة المسلمة ما أريد لها أن تقود الأمم وتشهد عليها بالقوة ولا بالإكراه ولا بالإجبار ولا بمصادرة حقوق الشعوب بالحرية على الإطلاق وإنما هذه الأمة المسلمة ما يميزها أن المنهج الرباني الذي أنزل عليها حين تطبقه في واقع الحياة كما ستأتي علينا التشريعات في سورة البقرة في جزئها الثاني والثالث وفي سائر القرآن حين تكون مؤهلة من خلال تطبيق تلك التشريعات تصبح أهلًا للقيادة. الأمم الأخرى تسير على منهجها لأنها ترى من خلال الواقع لا من خلال الشعارات والإدعاء أن السير على المنهج الرباني في تفاصيل وجزئيات الحياة يجعل هذه الأمة محطّ أن تكون أمة قيادية. القائد الحق لا يقول للناس أنا قائد وعليكم أن تتبعوني وتسيروا خلفي، القائد الحق يقود الأمم ويقود الآخرين بتصرفاته بأفعاله بسلوكياته التي تقول للناس فعلاً لا قولًا أن الاتباع والسير على هذا المنهج فيه الخير وفيه الصلاح. فقيادة الأمة المسلمة في اتباع المنهج وتشريعاته وحين لا تسير على ذلك المنهج الرباني في تفاصيل الحياة لا تصبح مؤهلة لتلك القيادة ولا للشهادة على الأمم والأمم الأخرى مطلوب منها أن تسير وراء تلك القيادة ليس لأنها مجرد سائرة هكذا فالسير هنا ليس مجرد تقليد أعمى وإنما هو سير على الحق الذي يظهر نور الهداية فيه في كل تعاليم وتشريعات المنهج الذي جاء لتلك الأمة، إذاً (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ). وهنا تواصل الآيات العظيمة لتبين للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة باسرها أن الحق في المنهج الرباني وأن من آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى يعرفون ذلك الحق تماماً فلا تذهب نفسك حسرات ولا يذهب وقتك وجهدك عبثاً هكذا في معارك مصطنعة لكي تحاول أن تدخل معهم في نقاشات لتقنعهم بأن هذا هو الحق وذاك هو الباطل فهم يعرفون أين الحق وأين الباطل فالمسألة ليست معرفة، (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) إذاً أين المشكلة؟ (وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) فالمشكلة في النفوس التي ارتضت أن تكتم الحق حين لا يكون في جانبها حين لا يكون لا في صالحها حين لا يكون في صف مصالحها وأطماعها الشخصية الذاتية الحق يُكتم في مثل تلك الأحوال ولكن سياق الآيات هنا ليحذر الأمة الإسلامية من خطر عظيم خطر كتمان الحق فالحق لا بد أن يظهر سواء كان يتماشى مع المصالح الشخصية للأفراد أو كان على عكس توجهاتهم ومصالحهم وأطماعهم الحق أحق أن يتبع والباطل أحق أن يزهق ويدمغ حتى ولو كان ذاك الباطل يسير وفق أهواء شخصية أو مصالح ذاتية. الحق جاء ليحق الحق بتعاليمه في الواقع ولم يأتِ لكي يخضع لأهواء الناس ومصالحهم (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)) القضية ليست في مكان القضية ليست في زمان القبلة ما أريد لها لمجرد أن تكون مكان يتوجه إليه المسلمين وهنا وقفة عظيمة من الوقفات التي نحتاج وتحتاج الأمة المسلمة أن تستذكرها وتستحضرها في الوقت الحاضر: التوجه للقبلة من أعظم الأشياء التي تجمع قلوب المسلمين، التوجه نحو القبلة، أنتم تتوجهون باتجاه قبلة واحدة وبالتالي عليكم أن تلتفتوا إلى توجه القلوب باتجاه واحد نحو هدف واحد ولذا جاءت الآية (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) وحدة القبلة تحيي في قلوبنا وحدة الهدف ووحدة العمل الصالح مهما اختلفتم ومهما تباينت أماكن وجود هذه الأمة وأفراد الأمة على الأرض الهدف واحد العمل الصالح واستباق الخيرات أما فيما عدا ذلك (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (149)) والتركيز على الحق (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) البقرة). وتأتي الآيات لتقدم حقيقة جديدة للنبي صلى الله عليه وسلم ولهذه الأمة في مختلف عصورها وليس فقط في المجتمع المدني الأول الذي كان يواجه مختلف التحديات من يهود ومن منافقين ومن مشركين كما سيأتي عليه الحديث في سياق الآيات والتشريعات التي جاءت في هذه السورة العظيمة. ولكن القاعدة واضحة فالله سبحانه وتعالى أعطى العلاج في المنهج الرباني (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)) أيّ نعمة؟ نعمة إنزال المنهج الرباني، نعمة أن يكون لك منهج في واقع حياتك تسير عليه (ولعلكم تهتدون) الهداية، المنظومة الكاملة لسورة البقرة الهداية إذاً القاعدة (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) لماذا الحديث هنا عن الخشية؟ الأمة والفرد الذي يتصدى لأن يكون قائداً ليس لمجرد القيادة فالقيادة كما ذكرنا ليست مجرد شيء أنا أسعى إليه القيادة مسؤولية أنا مستعد أن أتحمل تبعاتها وهذا ما أرادت سورة البقرة أن تبنيه في الجزء الثاني. ولكن هذا النوع من الشعور والإحساس ينبغي أن يقوم على أساس القوة والاعتداد بالمنهج الرباني والذي يناهض الخوف ويناهض الخشية من البشر، لا تستقيم القيادة في نفس تخشى أحد سوى الله عز وجل، لا يمكن أن تكون قيادياً ناجحاً فرداً أو شعباً كالأمة المسلمة وأنت تخشى أحداً سوى الله سبحانه وتعالى! وتأملوا الربط بين الأصل في الاعتقاد الذي أقامته السورة في الجزء الأول وبين التذكير به مرة بعد مرة في الجزء الثاني وهي تتحدث عن التشريعات الربانية (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) اجعل خشيتك من الله وحده، حدد الغاية والوجهة واجعل الوجهة واحدة نحو رضى الله سبحانه وتعالى لكي تتم عليك النعمة. ويذكِّر ربي سبحانه وتعالى الأمة مرة بعد مرة كما كان من قبل يذكّر بني إسرائيل لكن في بني إسرائيل كان يخاطبهم فيقول لهم (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)) ومع الأمة المسلمة يؤكد على هذه الحقيقة (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)) ولنا أن نقف طويلاً عند قوله عز وجل (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) التعليم. النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يقرأ على المسلمين القرآن قراءة فحسب ما كان يقرأها قراءة كان يعلّم والفارق كبير بين القراءة المجرّدة وبين التعليم! فالتعليم يعني خطوات يعني كيفية يعني متابعة للسير في المنهج وعلى المنهج، النبي صلى الله عليه وسلم صنع الأمة الإسلامية الأولى المجتمع المدني على عينه، على عين التشريعات الإلهية، على عين الآيات القرآنية التي كانت تتنزل عليه صلى الله عليه وسلم، كان المعلِّم الأول النبي صلى الله عليه وسلم. وهنا لفتة رائعة لكل من يتصدى لتعليم الناس القرآن العظيم أن يكون معلمًأ لا يكون مجرد قارئ فالفارق بين القارئ والمعلم كبير المعلم هو الذي يربي ويوضح الكيفية هو الذي يوضح كيفية السير على المنهج وفي ذلك خير عظيم أراد الله عز وجل أن يضعه أمام الأمة المسلمة. ثم تأتي الوصية التي تليها ونحن إلى الآن لم نبدأ في التشريعات وتفاصيلها (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)) الشكر مقابل الجحود والكفران ونكران النعمة ولا تزال الأمة المسلمة وهي تتلقى التعاليم في الجزء الثاني في سورة البقرة قريبة عهد بما حدث مع بني إسرائيل من جحود وكفران نعمة الهداية ونعمة أن يكون لها منهج. الفريق من بين إسرائيل ممن حرّف الكتاب وتعامل معه ذلك التعامل السلبي الذي تحدثنا عنه فريق أراد الله سبحانه أن يحذر الأمة من الوقوع فيما وقعت فيه بني إسرائيل، تعامل مع المنهج الرباني بشكر، تعامل مع المنهج الرباني على أنه نعمة وليس تقييد تعامل مع التعاليم الرباني التي ستأتي تباعاً في سورة البقرة على أنها نعمة لأنها تحقق لك الهداية والطمأنينة والسعادة في حياتك في الدنيا والآخرة في مجتمعك في أسرتك في نفسك في اقتصادك، تعامل معه على أساس أنه نعمة ولا تتعامل معه على أساس أنه تعاليم تريد أن تتخلص من قيودها ومن تبعاتها. ولأن الحديث سيأتي عن المنهج وعن التعليمات وعن التشريعات والأوامر والنواهي أعطى ربي سبحانه وتعالى الوصفة من جديد الوصفة التي ذُكرت في الجزء الأول في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)) الصبر والصلاة للمرة الثانية في سورة البقرة. السير على المنهج الرباني والتعليمات والأوامر الربانية تحتاج إلى صبر تحتاج إلى ثبات تحتاج صبر على الطاعة تحتاج إلى نفس طويل يعلمني أن أكون ثابتاً مهما بلغت التضحيات. الآيات تؤهل النفسية المسلمة فرداً كان أو جماعة تؤهل النفسية المسلمة أنك حين تسير على المنهج ضع في حسبانك أنك ستمر بمواقف شديدة وبمحن وخطوب ومواقف صعبة قد تقتضي منك أن تبذل وأن تقدم التضحيات. والعلاج لتقديم ذلك كله برحابة صدر وبطمأنينة الاستعانة بأمرين: الصبر والصلاة التي تحدثنا عنها، صبر وصلاة بدون صبر ولا صلاة لا تستطيع الأمة أن تمارس تعاليم المنهج الرباني، لا تستطيع أن تحقق تعاليم ذلك المنهج في حياتك بل نحن كأفراد في حياتنا لكي أسير على المنهج الرباني أنا أحتاج إلى صبر أحتاج إلى مجاهدة النفس أحتاج أن أخرج نفسي من داعية هواها إلى ما يدعو إليه الله ورسوله أحتاج أن أُخرج من نفسي الهوى أحتاج أن أُخرج من نفسي الأسر للشهوات وللأطماع هذا كله يحتاج إلى صبر بدون صبر ولا صلاة المحافظة على الصلاة بخشوعها وقيامها الذي يعطيني دفعة إيجابية إلى الأمام الذي يعطيني على مدى خمس أوقات في اليوم والليلة يعطيني القدرة على المواصلة، على مواجهة التحديات، على مواجهة الصعاب. وتأملوا معي دقة الوصف القرآني وتسلسل الآيات وترابطها (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)) مباشرة انتقلت الآيات إلى الحديث عن التضحية والبذل، الآيات الأول أهّلت الأفراد والمجتمع إلى تقديم التضحيات وقدّمت بين أيديهم المنهج الشافي الدواء الشافي صبر وصلاة لكي تستطيع أن تبذل وتواجه التحديات والصعاب ثم جاءت في الآيات التي تليها مباشرة لتؤكد أنك في خضم تطبيقك المنهج الرباني قد تحتاج أن تبذل روحك وحياتك ثمنًا لذلك التطبيق ولكنك حين تبذل لا تغب عن ذهنك أبداً تلك الحقيقة أنك حين تُقتل في سبيل الله لست بميت بل أنت حيّ لست بميت بل هذه هي الحياة الحقيقية (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) في سبيل الله وليس في سبيل سلطة أو شهوة أو استيلاء على منصب أو جاه ولكن في سبيل الله وحده، في سبيل تطبيق منهجه في واقع الحياة في سبيل تنفيذ أوامره وما جاء في هذا الكتاب العظيم لا تقولوا لمن يقتل في سبيل تلك الغاية العظيمة أموات هم ليسوا أموات بل أحياء الحياة الحقيقية بل أحياء ولكن لا تشعرون وربي سبحانه وتعالى هو الذي وهبني الحياة الأولى الحياة الدنيا الأولى التي أحياها في الدنيا هذه هو الذي وهب ولكني حين أقدمها في سبيله هو فإنه يهبني حياة من نوع آخر حياة جديدة والذي سبحانه الذي كان قادراً ولا يزال على أن يهبني الحياة الأولى هو سبحانه الوحيد القادر على أن يهبني الحياة الثانية. (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)) الحديث عن الصبر متواصل ولا زلنا لم نبدأ بأيّ تشريع ولا توجيه من التوجيهات لا زلنا في البداية لكن التأهيل لهذه الأمة مستمر منذ البداية. الابتلاء سنة من السنن في هذا الكون العظيم سنة من سنن الحياة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) سلسلة من الابتلاءات، الإنسان قد يصاب في ماله بنقص، قد يصاب في صحته قد يصاب في تجارته قد يصاب في أولاده أو وطنه في بيته كما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم حين ابتلي وأصحابه وكانت النتيجة أن هجر الوطن والعشيرة والأقارب. إذاً المؤمن في طريق الحياة وفي سبيل الله معرّض لكل ذلك وعليه أن يضع في حسبانه ذلك حتى يكون مستعداً لديه استعداد وفي ذلك شيء من أعظم اللفتات الاستراتيجية والتربوية في التعليم: أنت حين تؤهل الشخص لشيء عظيم عليك أن تقف معه وتعطيه فكرة عن ما يمكن أن يتعرض له، والقرآن يعلمنا ويعلم الأمة أفراداً وشعوباً أن يا أمة كوني مؤهلة لأن تتعرضي للمحن والابتلاءات فحين يأتي الابتلاء تكون النفسية مستعدة لهذا الابتلاء لأنها مسبقاً قد أُعطيت لها الفكرة عن نوع وحجم ذلك الابتلاء فتكون مستعدة تماماً فما هو الاستعداد الذي تتلقى به الأمة تلك الابتلاءات والمحن؟ (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ) الدواء في الصبر (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)) مهما كان نوع المصيبة فردية أو مجتمعية قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ودعونا نقف عند تلك الكلمة (إنا لله) نحن وأموالنا وأرواحنا وأنفسنا نحن لله نحن لسنا ملكاً لأنفسنا نحن لا نمتلك من أنفسنا شيئاً أنا حين ابتلى بنقص من المال أو في الصحة أنا لا يحق لي ابتداءً أن أعترض على ذلك، لماذا؟ لأن نفسي وصحتي وكل ما أنا فيه هو ليس ملك لي هو ملك لله (إنا لله) أنا لست لنفسي أنا لله لا يحق لي أن أعترض على شيء، أنا ملك لله أنا عبد تأملوا دقة التعبير ولذلك المفروض إذا أصيب بمصيبة لا قدر الله المفروض أول كلمة يقولها (إنا لله وإنا إليه راجعون). وتأملوا في الشطر الثاني من العبارة (وإنا إليه راجعون) أنا سأعود إلى ربي سبحانه وتعالى بكلّي بصحتي بمرضي بابتلائي بنقصي أنا عائده إليه إذاً فلأرجع إليه رجعة صادقة رجعة بنفس مطمئنة راضية مستشعرة لقدرة الله سبحانه وتعالى وحكمته ورحمته في الابتلاء ورحمته سبحانه في الأخذ كما في العطاء وحكمته في الأخذ كما في العطاء وحكمته ورحمته في الزيادة وفي النقصان في الصحة وفي المرض الآيات تشكل دعامة قوية لكل من يتعرض لابتلاء والمؤمن والكافر يتعرضون هذه قضية محسومة المؤمن والكافر يتعرضون للابتلاء ولكن المؤمن تؤهله سورة البقرة لكيفية مواجهة الابتلاءات، أعطته الحصانة: صبر وصلاة واستذكار دائمًا أنك لله وأنك ستعود إليه, ما هي النتيجة والثمرة المترتبة على ذلك التأهيل النفسي والشعوري في قلب المؤمن؟ (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)) تأملوا الهداية حاضرة في آيات سورة البقرة فالمنظومة كاملة هي منظومة الهداية أنا أدعو وأقول (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) الفاتحة) حين أصبح على هذا القدر من المسؤولية والشعور أصبحت من المهتدين (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) الصلوات والسكينة والطمأنينة والرحمة تتنزل كالغيث على تلك القلوب المؤمنة القلوب التي آمنت بأنها لله. وطالما أنني أنا في الأصل بكلّي لله عز وجل فحين يطلب مني ربي التضحية والبذل ألا أعطيه؟ ألا أقدّم؟ تأملوا اللفتة الإيمانية الرائعة، شيء طبيعي أنا لله إذن لا بأس أن أقدم فأنا في الأصل لست لنفسي أنا لله فحين يطلب مني أن أضحي وأبذل سأبذل لأني لله ولست لنفسي. وهنا وبعد تلك الآية التأهيلية والآيات التأهيلية تبدأ التعاليم والتشريعات الربانية تباعاً (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)) والآيات هنا حين تبدأ من جديد بدأت بأول آية وما وجه المناسبة بينها أنها جعلت للحق قيمة في قلبي وفي نفسي، بنت للحق قيمة عظيمة في نفسي يستحق أن أبذل في سبيله الغالي والنفيس وطالما أن الحق هو أعلى قيمة في نفوس المؤمنين إذاً على الإنسان أن يخرج من داعية الهوى. وقضية تشريع السعي بين الصفا والمروة له سبب أن الصفا والمروة كانت في ذلك الوقت ومكة كما نعلم في أيدي المشركين عليها أصنام على الصفا وعلى المروة فكان المسلمون يتحرّجون في الطواف بينهما أو السعي بينهما وعليها تلك الأصنام فجاءت الآية لتبين بأن القلب الذي مُلئ بالتوحيد والإيمان والإدراك والشعور بأن الله واحد لا يضره إن كان ثمة صنم على ذلك الجبل أو ذاك لا يضره الأمر، الأصنام كانت واقعًا كانت جزء مكة كانت تحت سيطرة المشركين (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) لا جناح عليك طالما أن القلب قد عَمُر بالإيمان والتوحيد لا جناح عليك المهم التوحيد والحق الذي في قلبك. ثم تتوالى الآيات في الحديث عن عن كارثة كتمان الحق، الحق الذي بنته سورة البقرة في الجزء الأول وفي الجزء الثاني في بداياته هذا الحق لا ينبغي أن يكتم ليس ثمة ما يبرر أن تكتم حقاً أبداً الحق لا بد أن يظهر لا بد أن يسار عليه في الواقع لا يُكتم وأكبر جريمة يرتكبها الإنسان في حق نفسه وفي حق الآخرين أن يكتم الحق ولذا جاءت الآيات لتبين (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)) والحديث وإن كان عن فريق من اليهود الذين كتموا ما جاء في التوراة ولكنه عام أولئك مستحقين للعن (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) البقرة). إذاً القضية محسومة الحق الذي في قلبك لا بد أن يظهر ولا بد أن يكون أكبر قيمة تسعى في حياتك لإحقاقها مهما كان حجم التضحيات والبذل وفي ذلك إشارة واضحة أن ما حال بين هذا الفريق الذي كتم الحق من بني إسرائيل وبين إظهار الحق إنما هي النفس، الأطماع البشرية ذاك الفريق ما كان مستعداً لأن يضحي بشيء ما كان مستعداً أن يتخلص من أسر الشهوات والأطماع والمصالح الشخصية ما استطاع أن يفعل ذلك فكانت النتيجة أنه ضحى بالحق لأجل مصالحه الشخصية! وفي ذلك تأكيد للأمة المسلمة أن الحق أعظم ما ينبغي أن تدافع عنه وأن تتبناه في حياتها وفي تشريعاتها ولكي يصبح الحق هو أعظم حقيقة في نفوس أتباعه ولكي يصبح الحق ذلك الحق الذي لأجله تُضحى الأرواح وتبذل الأموال والنفوس لكي يصبح الحق بهذه المنزلة العظيمة سورة البقرة تبني ذلك الحق على أسس متينة، أسس التعرف على الله سبحانه وتعالى. أنا لا يمكن أن أعظِّم الحق دون أن أستشعر بعظمة من حقّ الحق عليّ وذلك يقتضي مني أن أتعرف على الله سبحانه وتعالى ويتطلب مني أن أتعرف عليه سبحانه وتعالى من خلال آياته المبثوثة في الكون من أمامي كما هي مقروءة أمامي في ذلك المنهج العظيم في القرآن الكريم (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)) فأنا في الكون الذي أعيش بين نوعين من الآيات آيات مرئية أمام عيني أراها محسوسة معجزات، صحيح هي ليست كتلك المعجزات المادية الحسية التي نزلت على بني إسرائيل من قضية البحر ومن تفجير الماء ومن ومن… ولكن الأمة المسلمة والعقل البشري هنا يحدثه ويخاطبه القرآن عن معجزات هو يراها تتحدث أمام عينيه، تتحدث عن عظمة الخالق الذي أمر. وربما نتساءل لماذا الحديث عن آيات كونية في بدايات الحديث عن تشريعات أُسرية واقتصادية وسياسية لماذا؟ كما ذكرنا قبل قليل التشريعات الربانية والتوجيهات والأوامر والنواهي من عند الله سبحانه وتعالى ولكي تسير على تلك التشريعات في قلبك وفي حياتك بطمأنينة وثبات ورسوخ ويقين يحتاج الإيمان أن يكون ثابتاً في قلبك، تحتاج إلى دفعة من الإيمان تولد لديك الرغبة والقدرة على أن تسير على تلك التشريعات والتوجيهات وهو ما تأتي به هذه الآيات تحديداً (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) والآية في صور متعددة جاءت بمزيج من آيات الله عز وجل في الكون: الماء السماء الأرض اختلاف الليل والنهار الفلك التي تجري في البحر من أجراه؟ الماء الذي ينزل من السماء من أنزله؟، الجبال من أرساها؟ السموات من ثبتها بغير أعمدة؟ الأرض من الذي أقامها؟ الليل من الذي يجعله ليلًا؟ من الذي يأذن لليل أن يأتي من؟ من الذي يأذن للظلام أن يحل؟ ومن الذي يأذن للنهار أن يذهب؟ من؟؟ من الذي يأذن للسفن أن تسير على البحر من؟ من الذي أوجد تلك القوانين؟ من الذي أرسى دعائم هذا الملك العظيم؟ من الذي أوجد كل تلك المعجزات الحسية أمام عيني من؟ هو الله الواحد القهار (لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ولماذا جاء بالعقل؟ يا سبحان الله العظيم! كل كلمة في كتاب الله عز وجل لها موقعها ولها مقصد وحكمة في ذلك الموقع، هذه الآيات المحسوسة هذا الزخم والحشد من الآيات المرئية تحتاج مني إلى تعقل وأن أتوصل إلى نتائج، ما هي النتيجة التي ينبغي أن أتوصل إليها؟ النتيجة أن لا أقدّم على حب الله شيئًا ولا أحد، النتيجة المتوقعة بعد أن رأيت كل ذلك الحشد وأراه ليل نهار أمام عيني أن أصل إلى هذه الحقيقة: أن لا أتخذ من دون الله نداً، التوحيد بكل أبعاده وبكل أنواعه ولذلك جاءت مباشرة الآية التي تليها تعيب على أصحاب العقول المختلة الضعيفة ممن ذهبت عقولهم فاتخذوا من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)) لا يمكن لعاقل أن يتخذ نداً من دون الله، لا يمكن لعاقل عاين تلك الآيات ويعاينها أن يتخذ من دون الله نداً لأن تلك الآيات كفيلة بأن تهديه إلى خالقه سبحانه، كفيلة بأن تهديه إلى عظمة ذلك الخالق الرب الذي خلق، الرب الذي أوجد، الرب الذي سوّى كفيلة بأن تهديه فإن لم تهده تلك الآيات إذن قطعًا هناك خلل في تفكيره وفي عقله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا) يجعلون لله نداً نظيراً مثيلاً (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) وتأملوا معي موقع الحديث عن الإيمان والمحبة قبيل الحديث عن التوجيهات والتشريعات لماذا؟ الأوامر والنواهي والتشريعات التي ستأتي تباعاً في سورة البقرة هي ليست مبنية فقط على الأمر والنهي المجرد أبداً، هي مبنية على علاقة قوية تصنعها سورة البقرة بين الله سبحانه وتعالى وبين العبد الذي يتلقى المنهج الرباني، علاقة حب، علاقة إيمان والفارق شاسع بين أن تتبع من تحب وتنفذ أوامره وبين أن تتبع من لا تحب ولا تعرف كيف تحبّ، النفس جُبلت على اتباع من تحب لأنها تحبه والقرآن وسورة البقرة العظيمة في هذا الموقع من الآية تريد أن تبني علاقة الإيمان والحب لله سبحانه وتعالى حتى حين أقوم باتباع الأوامر وتنفيذها في واقع حياتي يكون التنفيذ منبثقًا عن حب وعن رغبة في العطاء حتى حين تأتي التضحية ولو كانت بالروح أو بالنفس أو بالمال تصبح تضحية ليست قائمة على المنّ على الله عز وجل وإنما تضحية برغبة تضحية بشغف أنا أضحي وأنا مستعد لأن أحضي أنا أضحي وأنا وراغب أشد الرغبة بالتضحية وهذا لا يكون وفق علاقة الأوامر والنواهي فحسب فلا بد أن تسبقها علاقة الإيمان والمحبة التي تبنيها هذه الآيات. (وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) نقطة مهمة جداً قبل أن تنفذ الأوامر عليك أن تكون أشد حبًا لله، لا تقدم على محبة الله شيئًا وإذا أردت أن تصل إلى تلك المرحلة ما عليك إلا أن تتأمل في ذاك الكون الفسيح الآيات أمام عينيك تأمل وحاول أن يشهد قلبك آثار رحمة الله عز وجل المبثوثة في كل شيء ليس فقط في الكون ولكن (وفي أنفسكم ألا تبصرون) تأمل إلى آثار رحمة الله عز وجل في يدك، تأمل إلى آثار رحمة الله وحكمته في عينك التي تبصر بها في قدميك التي تسير عليها، في قلبك الذي ينبض، في الرئة التي تستنشق وتتنفس بها أنفاس الحياة، في كل شيء كل هذه الآيات تنبئ وتقول بأن لك ربًا يحبك ويرحمك، بأن لك رباً ما يريد لك إلا الخير والهداية، بأن لك رباً أقام الكون كله لأجلك وسخّر كل ما في هذا الكون لأجلك والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ربٌ بهذه الأوصاف العظيمة الجليلة ألا يستحق أن يُحَبّ أشد الحب؟ ألا يستحق أن تقدم المحبة له دون سواه؟ بلا شك، هذه المحبة التي تبنيها آيات سورة البقرة. (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) ظلموا أنفسهم أولاً حين قدّموا محبة على ربهم عز وجل محبة أي أحد آخر أو أي شيء آخر (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) عاينوا العذاب مشاهد يوم القيامة (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) رحيم ولكنه قوي سبحانه، رحمته وسعت كل شيء وشديد العذاب لمن عصاه وخالف منهجه ثم أنني حين اتبع أحدًا سوى الله سبحانه وتعالى وتأملوا في الكلمات هنا جاءتني كلمات الاتباع لماذا؟ كما ذكرنا التمهيد للأوامر للتشريعات اتباع، أنا ديني يقوم على اتباع المنهج كيف يولّد ذلك الاتباع؟ والقاعدة واضحة إن لم تتبع المنهج الرباني قطعاً ستتبع المنهج الشيطاني ستتبع هوى النفس، ستتبع طواغيت ستتبع مناهج وضعية ستتبع أحكام وضعها بشر لا يملكون لأنفسه نفعاً ولا ضراً ولذلك جاءت الآيات (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)) الآيات عظيمة، الآيات تقدم لي منهجًا تقدم لي مشهدًا أنا أراه في واقعي أرى أناسًا ضعفاء ليس لأن الله قد خلقهم ضعفاء، ضعفاء لأنهم ما استطاعوا أن يتحرروا من سلطان الخوف من الآخرين، من سلطان الشهوات من سلطان المطامع والمصالح الشخصية وهوى النفس وخطوات الشيطان، هؤلاء ضعفاء هؤلاء كانوا لقمة سائغة لمن استولوا عليهم، سيطروا عليهم، تحكموا في قراراتهم وتحكموا في تصرفاتهم اخترعوا لهم منهجًا من عند أنفسهم اخترعوا لهم أحكام وقوانين وتشريعات من دون ما شرّع الله عز وجل في الاقتصاد وفي الأسرة وفي الحياة وفي الميراث وفي كل شيء في كل ميادين الحياة فكانت النتيجة أن تلك الفئة المستضعَفة كانت لديها القابلية لأن تُستعبَد لبشر كانت لديها القابلية أن تتخذ من دون الله نداً يشرّع لها، يتحكم في حياتها في مقدراتها في تصرفاتها فالقرآن يقدم لي المشهد الأخير في يوم القيامة (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ) انتهى الموضوع رأوا الحقيقة التي كان ينبغي للعاقل أن يراها مسبقًا أن القوة لله جميعاً أن لا أحد يملك القوة لا سلطان ولا طاغوت ولا بشر ولا نظام استبدادي ولا قانون ولا أيّ أحد القوة لله جميعاً في الدنيا والآخرة القوة لله جميعاً. هذه الحقيقة إذا لم تستقر في النفوس ستقع في خطوات الشيطان، ستقع في اتباع القوانين المضللة، ستقع أسيراً لتحكيمات وتشريعات البشر الظالمة المستبدة ستصبح أسيرة وأن لم يكن هنالك قيود ولا أغلال في أيديها ولكن القيود والأغلال في عقولها وفي قلوبها حين سُلبت نعمة التعقل والتفكير والتوصل إلى حقيقة التوحيد وحقيقة أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب لمن خالف منهجه في واقع الحياة، لمن بدّل منهجه وتشريعاته في الواقع وقدّم التشريعات البشرية المضلّلة المزيفة. ولذلك الآية التي تليها مباشرة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)) مرة أخرى تتبعوا تأملوا معي كم مرة ذكرت في هذه الآيات تتبعوا إما أن تتبع المنهج الرباني فتفوز وتسعد وهذا هو طريق الهداية وإما أن تتبع المنهج الشيطاني فتضل وتشقى (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ويا ترى المنهج الشيطاني بأيّ شيء يأمر؟! تأملوا كل هذه مقدمات للتعاليم والمناهج (إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)) إذاً المنهج الشيطاني من مزاياه أنه يقود الإنسان إلى السوء والفحشاء المنهج الشيطاني من مزاياه أنه يضلل ويذهب بالإنسان بعيدًا عن خالقه عز وجل وتأملوا في العبارة (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ونحن نقرأ ونسمع في واقعنا من يقول بأن شريعة الله عز وجل لا تصلح للتطبيق في هذا الزمن! العالم تطور، العالم تغير، الدنيا أصبحت غير الدنيا والأحكام التي جاءت في سورة البقرة والقرآن ما عادت تصلح لأن تُطبَّق في هذا الزمن الذي نحن فيه عصر الانترنت والكمبيوتر والفضاء و..و.. (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) لأن القول على منهجه والتقول على منهجه سبحانه هو من هذا القبيل، خطوات الشيطان. الشيطان يزيّن الشيطان يجعلك تتصور أن المنهج الذي جاء في القرآن غير صالح للتطبيق، قديم، الأحكام التي فيه لا تصلح لشيء!. ثم تستمر الآيات لتقدم لي بتسلسل رائع نماذج لأنواع التبعية لغير الله لا زلنا في نفس السياق التبعية الأولى التبعية للأقوياء، التبعية بشكل آخر تبعية المحبة أن أحب شيئًا فاتبعه وأسير عليه ولو كان على ضلال ثم تبعية الشيطان بكل أشكاله وأنواعه ويأتي في المقابل الحوار الذي تقدمه سورة البقرة وحين يقال لهؤلاء الذين يتقولون على الله بغير علم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ) اتبع المنهج الرباني الذي أنزله الله أنزل الكتاب أنزل القرآن والتشريعات (قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)) تبعية للقديم والمألوف، للآباء، للأجداد، لما سبق لشيء قد اعتدته عليه النفس تألف ما اعتادت عليه ويصعب عليها أن تنسل وتنسلخ من عاداتها وتقاليدها وأعرافها وبيئاتها وأحكام آبائها وأجدادها تشعر بأن القضية بالنسبة لها قضية عار كما كان يتصور هذا الوهم المشركون وكل الأمم الضالة من قبل ومن بعد، نفس المعتقد، نفس التصور (بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا) واضحة العبارة. ولكن القرآن يقدّم الحقيقة أمام الأعين (أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) النفس تألف الشيء ولكن ماذا لو كان في ذلك الشيء الخراب والدمار؟! ماذا لو كان في ذلتدبر سورة البقرة – 3- د. رقية العلواني