(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2))
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بين أيدينا اليوم سورة الحشر تلك السورة المدنية التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة من الهجرة تعالج قضية شائكة متعلقة بأمن المجتمع الذي كان يعيش فيه النبي صلى الله عليه وسلم مجتمع المدينة. ذلك المجتمع الذي وصل إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدرك تماماً أنه مجتمع متعدد الأعراق متنوع الديانات أدمته الصراعات والنزاعات والخلافات التي كانت تدور رحاها على مدى سنوات طويلة واحدة منها كانت بين قبيلتي الخزرج والأوس. وصل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن ينشر الأمن والأمان والسلام في ربوع المدينة صاحبة الأعراق المتنوعة والاتجاهات المتعددة. وصل النبي صلى الله عليه وسلم وهو على أكثر تصميم وإرادة وعزم مؤيداً بالوحي من عند الله عز وجل أن يحقق الأمن وأن يرفع شعار السلام وأن يجمع تلك القلوب المشتتة وأن يوقف الصراع الدامي بين تلك القبائل وأن يوحِّد صف المدينة وأن يجعل ذلك المجتمع أسوة وقدوة لكل المجتمعات ليس فقط في وقته أو في زكانه بل في كل وقت وحين. لكن قبل أن نبدأ بالخوض في تفاصيل سورة الحشر وتدبر آياتها والبدء في الأحداث التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذه السورة نحتاج أن نقف ونلتفت لبداية السورة ولختام السورة. سورة الحشر افتتحها الله سبحانه وتعالى بالتسبيح واختتمها بالتسبيح. افتتحها معلناً أن ما في الكون من أرض ولا سماء من أرض ولا طير ولا شجر ولا مخلوق إلا يسبح بحمده سبحانه ينزهه يقدسه يعظمه عن كل ما لا يليق به سبحانه. واختتمها الله سبحانه وتعالى بالتسبيح وما بين الافتتاح وما بين الختم بها جاءت صفات الكمال والجلال والجمال لله وحده ليؤكد لهذا الإنسان المخلوق على هذه الأرض أن عبادة التسبيح تلك العبادة العظيمة لا ينبغي لها أن تتوقف عند حدود لسانه بل ينبغي لها أن تذهب به إلى خلجات نفسه فتصبح النفس تسبح بحمد خالقها ويصبح القلب مسبحاً بحمد خالقه وينعكس ذلك على سلوكه وفعله على هذه الأرض ليسبّح بأفعاله ليسبّح بأعماله الصالحة ويترك التسبيح مع كل ذرة من ذرات هذا الكون معلناً أن لا خالق يستحق التسبيح والتنزيه والتعظيم والتمجيد إلا هو سبحانه.
النبي صلى الله عليه وسلم حين وصل إلى المدينة بدأ بأول عمل لجمع تلك القلوب القلوب المختلفة فكان ميثاق المدينة ذلك الميثاق الذي أجمع المفسرون والمنصفون من العلماء على أنه أول وثيقة مواطنة تجمع المواطنين من يهود ونصارى ووثنيين على هدف واحد وغاية واحدة الاتفاق على العيش في حدود الوطن بأمن وسلام واحترام للاختلافات الموجودة بينهم فالاختلاف أمر قد فطر عليه البشر لكن ما لم يفطروا وما لا ينبغي أن يكون هذا الاختلاف مشرّعاً للنزاع وللتفرقة وللصراع ولتحريم العيش في وكن يتشاركون فيه تحت أرض واحدة وسماء واحدة. جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن ميثاق المدينة وقام اليهود وغير اليهود من القبائل الموجودة في المدينة بالاتفاق على هذا الميثاق وعلى هذه البنود الواردة في هذا الميثاق. وكان من ضمن البنود أن يقوم كل طرف من الأطراف بحماية المدينة حماية الوطن والدفاع عنه وبذل الغالي والنفيس لصدّ أي عدوان داخلي أو خارجي يهدد أمن المدينة المباركة وكان ذلك بالفعل. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم واجه اعتداءات مختلفة لم تنحصر فقط في اعتداءات المشركين المتكررة وخاصة بعد أن خرج من غزوة أُحد كما نعلم ولكن كان هناك اعتداءات داخلية متمثلة في قبائل اليهود البعض منها وكذلك في اعتداءات المنافقين وما كان يُحاك في الظلام من مؤامرات ودسائس ضد استقرار المدينة وأمنها وسلامها. وذات يوم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى بني النضير يطالبونهم بالتعاون في دفع دية القتيلين اللذين قتلهما أحد المسلمين وتلك كانت واحدة من الالتزامات التي تفرض على من قام بالموافقة على ميثاق المدينة “التعاون في دفع الديات”. وبالفعل استقبل بنو النضير القبيلة اليهودية النبي صلى الله عليه وسلم استقبالاً حافلاً ورحبوا به ووعدوه خيراً وطلبوا منه أن يجلس في مكان لكي يقوموا هم بالتجهيز لدفع الدية كما وعدوه بذلك ولكن سوّلت لهم أنفسهم أمراً آخر، سوّلأت لهم أنفسهم أن تلك فرصة مواتية لضرب النبي صلى الله عليه وسلم ولضرب ذلك الدين الذي كانوا يستشعرون بأنه يعادي اليهودية وإن كان الأمر على غير ذلك تماماً، فالإسلام هو ذلك الدين الذي لا يعرف عنصر العداء ولا عنصر الخلاف مع دين مهما كان ذلك الدين ولم يأتي بعداء فطري تجاه اليهودية أو النصرانية بل على العكس من ذلك تماماً. ولكن هذه الفئة من اليهود أرادت إما أن تضرب هذا الدين حسداً من عند أنفسهم أرسلوا إلى واحد منهم أن قم إلى مكان النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه صخرة من إحدى السطوح، غاب عن أذهان هؤلاء أن النبي الكريم كان مؤيداً بالوحي من عند الله عز وجل وأن الوحي سيخبره وينبئه بذلك وقد كان ذلك الأمر وقام النبي صلى الله عليه وسلم من مكانه راجعاً إلى المدينة لم يتكلم بكلمة واحدة ولكنه كان مدركاً تماماً أن في ذلك نقض واضح وصريح وخروج سافر على ميثاق المدينة وأن محاولة الاغتيال التي أراد أن يقوم بها هؤلاء اليهود كان نقضاً واضحاً ومباشراً لبنود هذه المعاهدة التي كانت بينه وبينهم. أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم رسالة واضحة أن لا تساكنونني في المدينة وأن الغدر والخيانة ونقض العهود والمواثيق ليس له جزاء إلا الخروج من هذا الوطن. فمن أراد أن يعيش ويشاطرني في هذا الوطن عليه أن يحترم الآخرين عليه أن يحترم الاختلاف عليه أن يحترم ما وجد بينه وبينهم من عهود ومن مواثيق ومن أراد الغدر ومن أراد الخيانة ومن أراد نقض العهود فليس له أي جزاء سوى الإخراج من ذلك البلد الآمن المستقر. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الحسّ الواعي وقدّم رسالة ليس فقط لأمته وإنما لكل أمة عبر العصور والأزمنة أن الغدر والخيانة ليس له جزاء إلا الإخراج من المجتمع الذي يعيش فيه هؤلاء الثلة لما له من مخاطر جسيمة متعددة مهددة لأمن واستقرار مجتمع المدينة وأي مجتمع توجد فيه الخيانة أو يوجد فيه الغدر. أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى يهود بني النضير وأمهلهم عشرة أيام للخروج من ديارهم ومن قلاعهم ومن حصونهم ببعض ما يمتلكون من أمتعة ومن عتاد على أن يتركوا الأسلحة ويخرجوا خارج المدينة. في بداية الأمر وافق بنو النضير على ذلك، لماذا وافق بنو النضير؟ بنو النضير كانوا على قوة مادية عظيمة لا تدانى كانوا يمتلكون الأسلحة كانوا يمتلكون الذخيرة كانوا يمتلكون الطعام في حصونهم مخزّناً لشهور طويلة تكفيهم المؤونة ولكنهم كانوا يدركون أن النبي صلى الله عليه وسلم بالقوة المعنوية والتأييد والنصر والثبات على مبادئه وعلى الحق أقوى من أي قوة مادية وأن القوة التي كان يحملها في رسالته ومبادئه لن تقف أمامها القوة المادية التي كانوا يمتلكونها! قرروا الخروج وبدأوا بإعداد العدة للخروج من المدينة ولكن سرعان ما جاء غليهم رأس المنافقين والنفاق عبد الله بن أبيّ يغريهم ويبين لهم ويعطي لهم المواثيق والتحالفات بأننا معكم وأننا على خط واحد وأننا على مسيرة واحدة نواجه هذا النبي ةننتهي من هذا الدين الذي شكل تهديداً حقيقياً لمصالحنا الفردية والشخصية فقد كان لهذا المناقق والشلة التي معه كذلك مصالح فردية مصالح شخصية وكان هؤلاء مع اليهود من بني النضير وغيرهم من القبائل لا ينظرون إلى مصلحة الوطن الواحد ولا ينظرون إلى مصلحة مجتمع يتقاسمون معه العيش المشترك ولكن ينظرون إلى مصالحهم الشخصية ومصالحهم الآنية وما أكثر هؤلاء في كل عصر وفي كل وقت وفي كل زمان يجازفون بمصلحة الوطن لأجل مصالح شخصية!. أعطاهم العهود وبيّن لهم أن أرسلوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم وقولوا له كلمة واحدة: لن نخرج من المدينة، معلنين عليه الحرب وأننا -أي المنافقين- سنقف معكم صفاً واحداً وليس هذا فحسب ولكننا سنقوم بدعوة ومراسلة حلفائنا من المشركين وغيرهم ونعد العدة ونجمع الجمع ونعلنها مدوّية ضد محمد وضد دينه عليها الصلاة والسلام. وهنا تبدأ الآيات القرآنية في سورة الحشر لتبين لنا الأحداث وتوضح ما وراء الأحداث. خرج النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن معه الكثير من القوة المادية وبكل الأحوال قطعاً لم يكن ما يمتلكه من القوة المادية توازي ولو حتى جزءاً يسيراً مما كان يمتلكه بنو النضير ولكنه خرج، خرج وهو يمتلك سلاحاً من نوع آخر خرج وهو يمتلك سلاحاً لم يكن في حساب بني النضير ولا في حساب المنافقين أن له تلك القوة وتلك المنعة وتلك الغلبة ذلك هو سلاح الإيمان سلاح الثبات سلاح القوة المعنوية الذي يبقى سلاحاً صارماً لا يصنّع في أقوى مصانع الأسلحة في العالم ليس فقط في وقت بني النضير ولكن في كل وقت وكل زمان.
ولذا جاءت الآية الثانية من سورة الحشر مذكِّرة المؤمنين ليس فقط في عهد النبي عليه الصلاة ولكن في كل عهد أن الذي ينصر والذي يُخرِج هو الله وحده لا شريك له يقول تعالى (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
وهنا نتوقف عند تلك الأسلحة التي قدمتها هذه الآية العظيمة ليس فقط لمحمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه وإنما لكل مؤمن بقضية لكل مدافع عن الحق لكل قلب تصدّى للباطل وأراد أن يزهقه أن الأسلحة الحقيقية أسلحة لم يعمل لها بنو النضير حساب، أسلحة لم يعمل لها المنافقون حساب، إنظر إلى قول الله عز وجل (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) المكان الذي لم يعملوا له حساب، بنو النضير قاموا بتجهيز كل العدة التي يحتاجون إليها كل السلحة فقد كانوا هم أهل السلام وأهل صناعة الأسلحة لكن المكان الذي لم يعملوا له حساب هو أنفسهم، قلوبهم، القلب الذي لم يكن مسلحاً بسلاح الإيمان قلب واهي قلب ضعيف قلب لا يمكن أن يقف أبداً أمام عواصف الإيمان العاتية ولذا قال ربي سبحانه وتعالى (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) الرعب الذي نُصِر به النبي صلى الله عليه وسلم وينصر به كل مؤمن. من الذي يقذف الرعب؟ من الذي يقذف الرعب في قلوب بني المنافقين والكفار وقد قذفه في قلوب بني النضير وفي قلوب المنافقين؟ من الذي قذف الرعب؟ الله الواحد الأحد المستحق للتعظيم وللتنزيه وللتسبيح سبحانه هو القادر وحده فقط على أن يقذف الرعب في قلوب كل معتد أثيم وقد فعل.
(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) خاف بنو النضير شعروا بالرعب شعروا بأن هؤلاء المسلمين الذين بدأوا بحصار حصون بني النضير سيهجمون عليهم هجمة واحدة. على الرغم من أنهم كانوا لا يمتلكون الأسلحة بل على العكس الذين كانوا يمتلكون الأسلحة كانوا هم بني النضير السلاح في أيديهم ولكن ما قيمة السلاح حين يحمله قلب ضعيف قلب لا يقوى على مواجهة الإيمان؟! ولا على مواجهة المؤمنين؟ وهنا يؤكد الله سبحانه وتعالى حقيقة واحدة بارزة للعيان في كل وقت هذه من أعظم قواعد التدبر أقرأ السورة أمر على الأحداث التي وقعت فيها السورة لكي أعتبر ولذلك جاءت ختام الآية الثانية (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) بمعنى أن تنتقل من الدرس الذي تذكره السورة وتقدمه لك إلى واقعك لتعالج واقعاً أنت تعيشه اليوم وأنت تراه بأم عينيك (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) خذوا العبرة خذوا الدرس أن القوة المادية لوحدها مع الباطل كفيلة بأن تردي أصحابها ومن قام باتباعها وتعزيزها وتكريسها إلى مهاوي الخذلان والهزيمة.
يقول الله سبحانه وتعالى في الآية الرابعة (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) حسمت قضية بني النضير، كل من اتخذ طريقاً يشاقّ فيه الله عز وجل يحادده يعلن العداء لمبادئه يعلن العداء لتعاليمه وتشريعاته التي أنزلها على أنبيائه، من باطل ومن منكر من ظلم ومن عدوان من استهتار بحقوق الآخرين كل من أراد وقام بهذا الطريق وشق له طريقاً بعيداً عن طريق الله عز وجل وتعليماته وتشريعاته فقد أعلنها حرباً ليس فقط ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وليس ضد المؤمنين ولكن من يقود المعركة هو الله سبحانه وتعالى ولذا جاء ختم الآية بقوله (فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) عقاب بنو النضير لم يكن عقاباً قد أنزله النبي صلى الله عليه وسلم بهم وإنما كان عقاباً من الله عز وجل. ماذا كان دور النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام؟
كان دورهم أنهم يقومون بما أراده وأمر به الله عز وجل وهكذا دور المؤمنين في كل مكان وزمان. آمنت بالله؟ سبّحت الله عز وجل؟ إتخذته رباً؟ عليك أن تقوم بتنفيذ أوامره في واقع الحياة، ما هي نتائج المعركة؟ لا تنظر فقط إلى النتائج، هناك أمر فوق عالم الحسّ هناك عالم آخر فوق عالم الحسّ الذي تراه فوق عالم المشاهدة الذي نراه عالم يتحكم فيه الله سبحانه وتعالى أمراً ومنعاً وعطاء وأخذاً وغلبة ونصراً هذا العالم هو الذي يستحق الله سبحانه وتعالى أن تسبحه لأجله. ولذا يقول الله عز وجل آية بعد آية في سورة الحشر (وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ (6)) إذن الذي أخرج والذي أفاء والذي أعطى والذي نصر والذي قام بكل ذلك الله سبحانه وتعالى وهذه عظمة التوحيد. عظمة التوحيد أن يستشعر المؤمن أن الله عز وجل هو الذي يدبر الأمور أن ما نراه في الواقع الذي نعيشه لا يمكن إلا أن يكون بأمر الله، قمة التوحيد.
قمة التوحيد ليس فقط أن أعلن وأن أقول أن لا إله إلا الله وإن كان ذلك جزء لا يتجزأ من الإيمان والتوحيد ولكن قمة التوحيد أن أستشعر ذلك التوحيد أن أحقق مبادئه عملاً وسلوكاً في الواقع الذي أعيش فيه مهما اختلفت الصور ومهما تباينت عندي الرؤى ولكن يبقى التوحيد دائماً حاضراً في قلبي وفعلي وسلوكي ولذا ربي عز وجل يختم الآية السادسة فيقول (وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) مؤكداً للمؤمنين في كل وقت أن النصر لا يمكن أن يتحقق إلا من عند الله، مؤكداً لهم أن الغلبة من عند الله عز وجل أن النصر بيده كل ما عليك أنت أيها المؤمن أن تحقق الإيمان في قلبك في نفسك في واقعك وفي مجتمعك وأن تحمل الراية صدقاً ويقيناً راية الدفاع عن المبادئ راية الدفاع عن تلك الحقوق راية الدفاع عن ذلك التشريع الإلهي العظيم.
ثم الله سبحانه متكفل بنصرك متكفل بأن يظهرك على من عاداك ولذا جاءت الآية التي تليها (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) هذه الآية العظيمة آية بعد آية توضح لنا جزءاً مما حدث في بني النضير، بنو النضير الذين كانوا يجمعون المال ليل نهار بنو النضير الذين كانوا يعدون العدة ويصنعون السلاح أصبح ذلك العتاد وذلك السلاح وذلك المال من نصيب فئة أخرى لم يعملوا لها حساباً وكأنهم جمعوا المال وأعدوا العدة لكي يقدموها لقمة سائغة للنبي عليه الصلاة والسلام ولهؤلاء المؤمنين. من الذي أفاء بها على هؤلاء المؤمنين المستضعفين؟ من الذي أعطى؟ من الذي أخذ من بني النضير وأعطى للمؤمنين؟ من الذي هزم بني النضير ونصر المؤمنين؟
الله سبحانه وتعالى. ويبقى العنصر المادي والقضايا المادية والفيء الذي هو قسمة من قسم الدنيا بمعنى عطاء من عطاء الدنيا يبقى أمراً مادياً لا يخرج عن حدوده في إطار القلب المؤمن والمجتمع المؤمن فالمال عند المؤمن وسيلة وليس غاية، وسيلة ليحق بها الحق ويبطل بها الباطل، هذه الوسيلة لا بد أن لا تخرج عن ذلك الإطار أبداً ولذا قال ربي عز وجل (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ) يا محمد صلى الله عليه وسلم أعطِ إن أعطيت الفقير، أعطِ من يحتاج إلى المال وأنت أيها الغني في كل عصر وزمان لا يضيق صدرك ذرعاً بذلك ولا بتلك القسمة فالمال غاية وليس وسيلة، هذا أخوك، هذا معك، الأخوة الحقيقية هي أخوة الإيمان أخوة الإنسانية أخوة الشعور بمشاعر الآخرين التعاون المساعدة التعاطف ليؤكد بذلك وتؤكد سورة الحشر على قانون عظيم من أهم قوانين النصر ألا وهو التعاون، القلوب المتصافية، القلوب التي لم تمزقها صراعات الدنيا ولا عطاءات الدنيا والتي تجسدت في صورة قدمتها سورة الحشر من خلال صورة المهاجرين والأنصار.
فالمهاجرون كما نعلم جميعاً خرجوا من ديارهم خرجوا من أموالهم بلا شيء على الإطلاق لم يخرجوا بأموال تركوا الوطن هجروا الأرض هجروا المال الولد التجارة هجروا كل شيء لأجل غاية عظيمة ذكرها الله عز وجل في سورة الحشر عندما قال (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ) لأي غاية؟ (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)) وهنا علينا أن نتوقف ونضع عشرة خطوط تحت قوله تعالى (وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) إذن لم يكن الخروج لذات ولم يكن لمصلحة مادية ولم يكن جرياً وراء الدنيا ومتاعها الزائل الذي لا قيمة له وإنما كان نصرة للحق الذي أنزله الله، نصرة للمبادئ التي أنزلها على نبيه، نصرة لهذا الدين إحقاقاً لحق وإزهاقاً لباطل. عندما تتحول الغاية إلى غاية نبيلة لا عليك أيها المؤمن ممن يعاديك، لا عليك ممن حولك، لا عليك مما تركت وعن أي شيء تنازلت إذا كانت الغاية نبيلة وصحّت عندك الغاية وكان الغاية هي الله ورسوله فلا عليك من أي شيء بعده، وهكذا فعل المهاجرون وهكذا يفعل المؤمنون في كل وقت وآن يفعلوا أي شيء يتركوا كل شيء وراء ظهورهم لأجل الله وحده طمعاً فيما عند الله متيقنين بأن الله سبحانه سيعطي لأنه لا يعطي أحد إلا الله ولا يمنع على وجه الحقيقة إلا هو سبحانه وتعالى. لم يفكر المهاجرون أبداً في تلك الأثناء بما خلفوه وراء ظهورهم من أموال وتجارة وأولاد ووطن لأن التفكير كان منصباً على شيء واحد لا غير نصرة هذا الدين ونصرة الحق الذي آمنوا به، وماذا كان الجزاء؟ أما الوطن فقد أعطاهم الله سبحانه وتعالى عوضاً عنه وأعطاهم الأرض يتبؤون منها حيثما يشاؤون نصرة لهذا الدين ونشراً لمبادئه وإحقاقاً للحق. ثم دانت بعد ذلك مكة لهم وعاد الوطن لهم ولكنه ليس وطناً ضعيفاً منهزماً منكسراً تحت أذيال الوثنية وإنما وطناً قوياً مزدهراً بقوى الإيمان والحق والعدل والتوحيد. أما المال فقد عوّضهم الغني الذي لا يخرج شيء في هذا الكون عن ملكه سبحانه أعطاهم الملك أعطاهم من خزائنه سبحانه وأفاء عليهم من أموال بني النضير وغيرهم وكأن بني النضير هؤلاء كانوا يجمعون المال لهؤلاء المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم في سبيل الله.
ثم تأتي الآية على صنف آخر من أصناف البشرية على تقديم مثال عظيم من الأمثلة التي استطاعت أن تتغلب على شح النفس وعلى طمع النفس وعلى شهوات المال والدنيا لتعلن بذلك أن الإيمان وحده هو القادر على أن يشفي النفوس من أدوائها الأنصار. الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين بكل رحابة صدر، الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين من المؤمنين بقلوبهم قبل أن يستقبلوهم في ديارهم ولذا قال كثير من المفسرين أن ما كان أحد من المهاجرين ينزل على بيت من الأنصار إلا بالقرعة من شدة ما كان يتنازع الأنصار على أخذ هؤلاء المهاجرين واستقبالهم في بيوتهم، تلك النفوس التي استطاعت أن تتغلب على الشح الطمع على الجشع على الأنانية على الأثرة لتؤثر الله ورسوله على كل شيء ولذا امتدحتهم الآية التاسعة في سورة الحشر فقالت (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ما أحوجنا اليوم في هذا العصر الذي نعيش فيه في هذا العصر الذي تكالبت فيه أدواء الشح والطمع والنزعات الفردية والأنانية أن نتخلص من هذه الأدواء أن نصبح أكثر غنى ليس بالمال وليس بالشياء المادية التي نمتلك ولكن بالنفوس التي تستطيع أن تتغلب على الجشع والطمع والأنانية، أن يكون لنا الأنصار قدوة وأسوة نسير على خطاهم ونسير على آثارهم. من الذي أعطى الأنصار وعوضهم خيراًً؟ من الذي أعطى المهاجرين وعوضهم خيراً؟ من الذي جعل البركة في التعاون والتعايش في ذلك المجتمع العظيم مجتمع المدينة؟ مجتمع المدينة التي كانت قد أدمته الصراعات والنزاعات أسبغ الله عليه نعمه ظاهرة وباطنة، أسبغ الله عليه نعمة الأمن والأمان والسلام والاستقرار التي لا تشترى بالأموال ولا تباع في الأسواق العالمية أبداً، لا تشترى إلا بالإيمان، لا تشترى إلا بالإيثار، لا تشترى إلا بالتخلص من شح النفس وأطماعها وأهوائها وشهواتها وحبها للنفس على الآخرين.
ثم تأتي الآية العاشرة لتؤكد لنا أن هذا القرآن العظيم باقٍ إلى آخر يوم، باقٍ إلى قيام الساعة (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) ما الذي يجمع بيننا وبين الأنصار والمهاجرين وقد فرقتنا تلك القرون الأزمنة؟ الجامع المشترك هو الإيمان، الدين واحد والرب واحد والكتاب واحد والمبادئ والقيم التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة باقية خالدة إلى قيام الساعة. المشترك بيننا ذلك الدعاء المشترك بين تلك الأجيال الداعية إلى الحق التي تتشارك في المصير تتشارك في المبادئ تتشارك في القيم. ثم تقدم الآيات صورة أخرى من الصور المتواجدة في المجتمعات تلك صورة المنافقين الذين قدموا لإخوانهم من بني النضير التحالفات والعهود والمواثيق أننا سنقف معكم، ضد من؟ ضد الحق، ولكن أنّى لهم ذلك؟! يقول الله عز وجل لضرب كل تحالفات الباطل في طل عصر وزمان، ألم تر يا محمد ويا مؤمنين في كل وقت وزمان (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) أخوة زائفة أخوة قامت على باطل أخوة قامت على معاداة الحق (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)) تحالفات مزيفة تحالفات الباطل في كل عصر وزمان لا يهم المؤمن كيف جاءت ومتى جاءت وكيفما جاءت لا يهم المؤمن المتيقن بنصر الله عز وجل كيف تحاك الدسائس والمؤامرات، الذي يهم أن هذه التحالفات تحالفات باطلة واهية لا قيمة لها قامت على الزيف قامت على الكذب قامت على أطماع الدنيا ونزعات الفرد دون أن تقوم على حق لا يمكن أبداً أن تقف في وجه الحق الذي خرج به النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك جاءت الآية التالية ليؤكد الله عز وجل هذه الحقيقة للمؤمنين ويطمئن بها قلوبهم (لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ (12) لَأَنتُمْ) أنتم أيها المؤمنون بإيمانكم بقوتكم بيقينكم بالله عز وجل (أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (13)) من الذي أوجد الرهبة في قلوب الكفار والمنافقين في كل وقت إزاء هؤلاء المؤمنين؟ من الذي جعل الضعفاء من المهاجرين والأنصار أشد رهبة في قلوب المنافقين واليهود من الله عز وجل؟ الله سبحانه وتعالى بقوته بعظمته بصفاته كان يدير المعركة سبحانه وتعالى. ولذا جاءت الآيات مبينة أن المعركة محسومة في كل وقت ليس فقط في وقت بني النضير، معركة الحق ومعركة الباطل لا يهم من الذي سيقف في معسكر الباطل الذي يهم أن تتحقق بالإيمان وقوانين النصر في نفسك أنت في المجتمع الذي تعيشه فيه فيمن حولك لتحقق هذا الإيمان وتجعله واقعاً. ولذا يقول الله عز وجل مبيناً للمؤمنين في كل زمان وفي كل وقت أن هؤلاء من اليهود ومن المنافقين أو من غيرهم في أي وقت وزمان كمثل الذين من قبلهم في غزوة بدر أو في غيرها (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15))، ليس هذا فقط ولكن (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)) معركة محسومة معركة الحق والباطل. ولذا تأتي الآيات التي تليها في ختام سورة الحشر لتبين للمؤمن إن أردت الأمن والإيمان الحقيقي، إن أردت الاستقرار، إن أردت تحقيق الأمن والتعايش المشترك القائم على القوة القائم على المنعة القائم على الاعتزاز بدينك ومبادئك عليك أن تتحقق في نفسك بالآيات التي جاءت في ختام سورة الحشر، لا عليك من التحالفات وهذا لا يعني عدم الأخذ بالأسباب المادية، على الإطلاق، فالإسلام دين يجمع بين المادة وبين الأمور المعنوية، يجمع بين أسباب المادة ويجمع بين الأسباب المعنوية ولكنه دائماً يؤكد على أن التركيز على الأسباب المعنوية والأخذ بها وتحقيقها في النفس والرقي بالإنسان هو مفتاح النصر في كل وقت وزمان. انظر لقول الله عز وجل وخطابه للمؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)) نداء التقوى ذلك النداء المحبب، وما معنى اتقوا الله؟ وما معنى أن يخاطب الله عز وجل ليس فقط النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وإنما يخاطب كل المؤمنين بكلمتين في التقوى في آية واحدة يبدأها بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ) ثم يقول (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) ثم يقول (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) إجعل بينك وبين الله عز وجل وقاية، إتقِ الله في كل عمل تقوم به، إتقِ الله في خلجات نفسك، إتقِ الله في الوقوف بالأسباب الحقيقية للنصر، إتقِ الله في تحقيق الحق، إتق الله في نصرة الحق الذي تؤمن به، إتق الله في تحقيق التوحيد والإيمان والتنزيه لله سبحانه، إتق الله في كل شيء، كل عمل تقوم به عليك أن تراقب الله عز وجل فيه، لا يهمك من حولك الرقابة الحقيقية للمؤمن هي رقابة النفس رقابة الذات (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) النساء) يراقب الله عز وجل في كل نفس في كل لحظة في كل عمل في كل قول في كل كلمة يعلم أنه (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق) وهكذا المؤمن على خوف على وجل على تقوى من الله عز وجل يعصمه من الوقوع في الظلم يعصمه من التنافس على الدنيا يعصمه من إهدار حقوق الآخرين يعصمه من الوقوع فيما وقع فيه بنو النضير وغير بني النضير من المنافقين حين اعتبر أن الخلاف الذي بينهم وبين المسلمين مسوغاً لإقامة المعارك والنزاع والصراع، هؤلاء النفر الذين كان يؤججون الصراع يؤججون الفتن يؤججون الحروب في كل وقت وزمان ليس لأجل نصرة حق أو مبدأ على الإطلاق بل نصرة لنزاعات فردية وما أكثر هؤلاء النفر في كل مجتمع وفي كل وقت. لهؤلاء جميعاً عليك أن تتحقق بالتقوى، السلاح الحقيقي لمواجهة مخاطر هؤلاء في كل زمان أن تتسلح بالتقوى أعظم سلاح بين كل الأسلحة ولذا جاءت الآية التي تليها يقول الله عز وجل فيها (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)) وهل يمكن للإنسان أن ينسى ربه؟! هل يمكن للمخلوق الضعيف الذي خلق من الضعف والوهن أن ينسى خالقه سبحانه؟! هل يمكن لهذا المخلوق أن يغيب عن باله الرب الخالق سبحانه وتعالى؟! هل يمكن أن يتحقق ذلك؟! للأسف الشديد ممكن، ممكن أن يقع الإنسان في حالات ضعف وفي حالات بعد عن الله عز وجل فيطرق كل الأبواب وينسى أن يطرق باب الرحمن سبحانه. يمكن أن يسأل كل الناس ويظن أن القوة عند هؤلاء أو هؤلاء وينسى أن القوة بيد الله. يمكن أن يظن في لحظة من اللحظات أن النصر والأمن والسلام والاستقرار لا يتحقق في مجتمعه إلا بالتحالفات مع قوى الغرب أو الشرق ويسنى الله عز وجل، ممكن أن يغفل عن ذكر الله بلسانه وقلبه وعمله ويمكن أن يجري على لسانه ذكر الله عز وجل وتسبيح الله ولكنه يغفل عنه في تحقيقه في الواقع يغفل عنه في تحقيق الأمانة، يغفل عنه في أداء الحقوق، يغفل عنه في التعامل مع الآخرين، يغفل عنه في إحقاق الحق وإزهاق الباطل وما أصعب وما أشد أن ينسى الإنسان ربه! وماذا يحدث إذا نسي الإنسان ربه عز وجل؟ أنساهم أنفسهم، أنساهم ما يصلح النفس، ما يصلح النفس في الجنيا والآخرة ولذلك نجد لو نظرنا إلى سورة الحشر سنجد أن المنافقين هم الذين نسوا أنفسهم في هذه السورة، الله عز وجل قدّم لنا مثالاً في سورة الحشر، كيف؟ تحالفوا مع يهود بني النضير ضد النبي صلى الله عليه وسلم نسوا الله نسوا أن الذي يدير المعركة هو الله اغتروا وسولت لهم أنفسهم أن القوة بيد بني النضير لأنهم كانوا يمتلكون القوة المادية وأن محمداً واصحابه الذين لا يمتلكون من القوة المادية ما يمتلكه بنو النضير، هم الضعفاء، نسوا الله فأنساهم أنفسهم، نسوا الله فأنساهم مصالح النفس في الدخول في تعاهد مع النبي عليه الصلاة والسلام وليس مع هؤلاء اليهود الذين أخرجهم الله من ديارهم منكسرين منهزمين لا قيمة لهم على الرغم من كل النواحي المادية التي كانوا يمتلكونها.
ثم تأتي الآية لتبين أن المؤمن حين يعيش في هذه الدنيا ليست المعركة الوحيدة هي التي يعيشها في الدنيا النتيجة الحقيقية هي التي في الآخرة (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)) قد لا يتحقق النصر لأي سبب من الأسباب في هذه الدنيا للمؤمن اختباراً امتحاناً ابتلاء من الله عز وجل ولكن النصر الحقيقي ولكن النتائج الحقيقية ستظهر حقيقة يوم القيامة (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) ذلك هو الفوز الحقيقي.
ثم تأتي الآية العظيمة لتبين علاقة الإنسان في كل عصر وزمان بهذا القرآن العظيم كيف تتجدد علاقة القوة والتذكر لله سبحانه. الآية التي قبلها حذّر الله سبحانه وتعالى من نسيان الإنسان لربه حذّر منها تحذيراً شديداً مؤكداً أنها سبب الهزيمة في كل وقت. والآن يقدم لي العلاج، يقدم لي الدواء كيف لا أستطيع أن أنسى الله عز وجل في قلبي ونفسي ولساني وسلوكي وتصرفاتي؟ كيف؟ هذا القرآن (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)) الجبل القاسي الحجر الأصم لو وضعت فيه وسائل الإدراك التي وضعت في الإنسان من قلب وإبصار وحس وسماع واستمع لهذا القرآن العظيم وأنزل هذا القرآن عليه لتشقق وتصدّع من خشية الله، لأثّرت فيه مواعظه، لأثّرت فيه الآيات الواردة فيه، لأثرت فيه الوقائع والأحداث التي جاءت في سورة الحشر وفي كل سور القرآن لتربط بالواقع الذي نعيش فيه، القرآن العظيم لم ينزل ليعبّر فقط عن أحداث تاريخية معزولة أو منفصلة عن الواقع الذي نعيش فيه، إطلاقاً، القرآن نزل ليعبر الإنسان من خلال تلك الأحداث الحقيقية من خلال تلك الوقائع التي مرت بالنبي عليه الصلاة والسلام إلى واقعه إلى مستقبله ليتفطن ليغيّر ليدرك ليصحح أوضاعاً غير صحيحة في مجتمعه في نفسه في سلوكه في علاقاته. (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ (21)) لأي شيء؟ (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)) عبادة التفكر، التفكر والربط بين ما نقرأ في القرآن وبين الواقع الذي نعيش فيه.
ثم تأتي ثلاث آيات متوالية تنزّه توحيد الإنسان تنقي هذا التوحيد العظيم وتبين في كل وقت أن المفتاح الحقيقي للنصر ليس فقط في مواجهة الآخرين النصر في النفس النصر على الذات النصر على أطماع الإنسان وشهواته ورغباته ونزعاته التي يمكن أن تصرفه عن الحق التي يمكن أن تصرفه عن الطريق الصح. هذا التنزيه وهذه التنقية للتوحيد تأتي من خلال الآيات الأخيرة في سورة الحشر يقول فيها الله عز وجل (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ (22)) من هو الله؟ الله، لا إله إلا هو، لا متصرف لا حاكم لا قوي لا غالب لا معطي لا مانع سواه (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)) ولماذا قدّم الغيب على الشهادة؟ الغيب ما غاب عن الحس ما غاب عن الشيء الذى أراه وأحسه هناك عالم، عالم الغيب الذي لم يتفطن إليه ولم يدركه اليهود من بني النضير عالم الغيب الذى غاب عن حس المنافقين لم ينتبهوا إليه ولكن المؤمن الذى آمن بالله رباً المؤمن الذي يؤمن بالغيب ومن أعظم صفات المؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب وأول صفة من صفات المؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب. عالم الغيب لا يمكن أن يغيب عن حس المؤمن وعن قلبه وعقله ولا حتى رمشة عين ولا طرفة عين لأنه يستحضر هذا الإيمان، يستحضر وعد الله عز وجل كأنه يراه أمام عينيه، يستحضر الوعد بالنصر يستحضر الإيمان واليقين بقوة الله عز وجل. هذا الدافع الحقيقي الذي يدفع به للنزول في واقع الحياة مصححاً مرشداً معلناً مبيناً مؤكداً أن الحق في نهاية الأمر هو الذي سيغلب مهما تلاطمت من حوله أمواج الباطل. يقول الله عز وجل مؤكداً هذه الحقيقة ومرسخاً للتوحيد فى قلوب المؤمنين (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ (22)) إيماننا بالغيب يعيد الأمل إلى النفوس يعيد الأمل إلى النفوس المتعطشة لإحقاق الحق أن عمر الباطل مهما طال فهو إلى زوال. (هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)) لا يخرج شيء فى هذا الكون عن حكم الله سبحانه ورحمته الرحمة التى أرسل بها النبي الكريم الرحمة التي أرسل بها هذا النبي وكل من يؤمن بمبادئه الرحمة التي نزلت على مجتمع المدينة وتنزل على أي مجتمع متعطش للأمن والإستقرار والسلام.
ثم تأتي الآية العظيمة التي بعدها مبينة صفات جديدة من صفات الكمال والجلال والجمال لله سبحانه (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ (23)) فلا ملك على وجه الحقيقة سواه ولذا ربي عز وجل يقول فى سورة الملك (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ (1)) الملك الحقيقى وليس الملك الزائف الذي قد يغتر به البعض ممن قد يهيأ له أنه إمتلك شيئاً من متاع الدنيا الزائل. لا يقف شيئاً ولا حتى ذرة من ذرات ملك الله سبحانه وتعالى (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الملك). هنا يقول الله عز وجل (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ (23)) الملك المتصرف في مملكته كيفما يشاء العادل الحق الذي لا يغلبه شيء، ثم تأتي الآية (الْقُدُّوسُ (23)) المنزه عن كل نقص سبحانه عن كل عيب عن كل ما لا يليق تسبيحاً وتنزيهاً. (السَّلَامُ (23)) سلم من كل شيء ولا يمتلك السلام ولا يشيع السلام ولا يحقق السلام إلا المؤمن السلام. ولذا إيماني ونصيبي أنا اليوم كمؤمن بهذه الصفات وتحققي بهذه الصفات في واقعي ينبغي أن ينصرف بتعبدي لله عز وجل بهذه الصفات وبهذه الأسماء. أريد السلام المؤمن دائماً إنسان يشيع السلام في نفسه وذاته في مجتمعه في أسرته في كل من حوله. المؤمن عاشق للسلام المؤمن محب للسلام، أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف جاء برسالة السلام لمجتمع المدينة الذي أدمته ونزفت منه الصراعات الدامية بين طوائفه وأعراقه كيف أشاع السلام جاء مسالماً برسالة السلام ناشراً للسلام مكرساً للسلام صانعاً للسلام على وجه الحقيقة. لم يرفع عليه الصلاة والسلام شعار السلام ولكنه حقق شعار السلام واقعاً وعملاً وسلوكاً وإحقاقاً في كل واقع كان يعيش فيه مؤكداً لكل من يتبع هذا الدين أن عليك بالسلام ولكنه ليس سلام الضعفاء القائم على تنازلات إزاء الباطل وطوائفه ولكنه سلام الأقوياء القائم على الإعتزاز بمبادئ الحق وإبطال الباطل سلام المؤمن الذي وقف في وجه بني النضير أمام الباطل أمام الغدر وأمام الخيانة. لم يرفع عليه الصلاة والسلام شعار السلام أمام الغادرين أمام الخونة ليهددوا المجتمع الآمن في المدينة بل وقف أمام الغدر والخيانة ليعلن أن السلام في إستعمال القوة لإحقاق الحق وإبطال الباطل وإزهاقه. السلام المؤمن نشر الأمن والإيمان تحققي بهذه الصفة العظيمة هذه الصفة الكريمة هذه الصفة من صفات الله عز وجل إيماني بأن الله عز وجل هو المؤمن، أنا كمؤمن اليوم عليّ أن أشيع الأمن والإيمان الأمن والسلام في كل مكان أكون فيه في كل موطئ قدم يكون لي ولكن من أي ناحية؟ بتحقيق مبادئ العدل والحق والإيمان نصرة الحق نصرة العدل رفع شعار الحق فلا أمن على وجه الحقيقة على هذه الأرض في هذه المجتمعات المعاصرة إلا من خلال إحقاق الحق ونصرة العدل وإن تكاثرت تحالفات الباطل والعدوان والكذب.
(الْمُهَيْمِنُ (23)) سبحانه المهيمن المتصرف في مملكته عطاء ومنعاً أخذاً وعطاء كل هذه المخلوقات التي تعيش في هذه الأرض كل هذه المخلوقات كل هذه المجتمعات كل هذه الأحداث لا تخرج عن هيمنته سبحانه وتعالى أبداً ولذا نصيب المؤمن ويقينه بأن الله عز وجل الرب المتصرف يعطيه الأمل يعطيه فسحة من الأمل بأن النصر آتٍ لا محالة نصر الحق نصر الفجر الذي سيأتي به الحق الذي يؤمن به فى صدره.
(الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)) يستحق التسبيح يستحق سبحانه التنزيه عن كل ما لا يليق يستحق وحده سبحانه أن ننزهه عما علق فى نفوسنا وفي قلوبنا في بعض الأحيان من صرف التوحيد إلى غير المكان الذي ينبغي أن يصرف له. المؤمن حين يغفل عن تحقيق معنى التوحيد الخالص النقي الذي لا شائبة فيه من أي شعور أو إحساس بقوة أو غلبة أو ملك أو غنى عند أحد سوى الله عز وجل. هذا التسبيح الحقيقي هذه العبادة العظيمة عليّ أن أعيدها إلى قلبي ليصبح التسبيح ليس فقط مجرد أن أقول بلساني سبحان الله ولكن أن أقول بفعلي أن أقول بقلبي سبحان الله أن أؤمن إيماناً يقينياً يعيد للإيمان قوته وجولته فى الحياة في الواقع إيماناً بأن الله هو المتصرف في ملكه بأن الله هو الذي سيحق الحق الذى أؤمن به إيماناً بأن الله سبحانه هو الذي ينصر هو الذي يعطى هو الذي يأخذ هو الذي يمنع إيماناً تسهل معه التضحيات لأجل إحقاق الحق إيماناً كإيمان المهاجرين والأنصار حين آمنوا بما عند الله أكثر من بما في أيديهم من مال أو من عشيرة أو من غنى يد. إيماناً ينزع الشح من النفوس إيماناً يعيد إلى الحياة الطعم الحقيقي الذي قد سلبت منه الحياة المعاصرة التي قد يمتلك فيها الإنسان من أسباب الغنى المادي ما تذهل عنه العقول ولكنه فقير أيّ فقر؟ فقر النفس فقر القلب فقر الذات! لا ينتبهوا إلى أسباب الغنى الحقيقية أسباب الإيمان بأن ما عند الله خير بأن ما عند الله لا ينفد بأن ما عند الله باق وما عند الناس مهما علا ومهما زاد ومهما كان فهو لا يكون ولا يبقى وإنما هو إلى زوال سرعان ما ينفذ فيبقى المؤمن متيقناً بما عند الله عز وجل. ولذا ختمت سورة الحشر بذلك النداء المحبب ذلك الإعلان العظيم (يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)) ليدخل المؤمن بعد تدبره فى سورة الحشر بعد تطبيقه لهذه السورة العظيمة وربطه في الواقع الذي يعيش فيه بعد تجديده للإيمان بعد تجديده للباس التوحيد بعد جعله لهذا التوحيد توحيداً نقياً منزهاً عن كل ما يشوب ليدخل في منظومة تسبيح الكائنات فكل الكون بلا إستثناء كل ذرات الكون تسبح لخالقها تعظيماً وتنزيها وتقديساً وإعترافاً وخضوعاً لهيمنته سبحانه تنزيهاً له بكل صفات الجلال والكمال التي لا يستحق التنزيه على وجه الحقيقة إلا هو سبحانه وتعالى. هنا فقط يصبح الإنسان المؤمن المتدبر لهذا القرآن العظيم متذكراً لربه مسبِّحاً لخالقه باللسان وبالقلب وبالفعل وبالسلوك. إلى هنا تختم سورة الحشر تلك الآيات والوقائع التي مرت مع النبي صلى الله عليه وسلم مؤكدةً أن هذا الإنسان في كل زمان وفي كل مكان وفي كل وقت يبقى على تواصل مع خالقه طالما كان على إتصال حقيقي ومستمر بهذا الكتاب العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)