بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لو تأملنا في حقيقة الدنيا، لو تأملنا في الحكمة وراء هذا الخلق العظيم الذي خلقه الله سبحانه لوجدنا الإجابة على ذلك في العديد من آيات الكتاب العظيم، واحدة من تلك الإجابات ما جاء في قوله عز وجل في أول سورة الملك (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١﴾ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴿٢﴾ الملك). ودعونا نتوقف عند قوله عز وجل (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) يا ترى كيف نحسن العمل؟ وهل إحسان العمل يقتضي الزيادة فيه؟ هل إحسان العمل يُكتفى فيه الزيادة في الطاعة أو في الفعل أو في النوافل أو ما شابه؟ أم أن ثمة أمر آخر يتعلق بإحسان العمل؟ لو بحثنا عن ذلك لوجدنا أن الأمر الذي يتوقف عليه حسن العمل عند الله عز وجل إنما هو الإخلاص بمعنى تخليص العمل من كل ما يشوبه وتقديم العمل بين يدي الله عز وجل خالصاً لوجهه. وعرّف العلماء الإخلاص بتعريفات متعددة ولكن مجمل هذه التعريفات تدور حول أن الإخلاص أن لا تطلب على عملك شاهدًا إلا الله ولا تنتظر مجازيًا سواه، صدق النية والتوجه لله سبحانه وتعالى، إرادة وجه الله عز وجل في كل شيء، عدم التصنّع للناس أو انتظار المحمدة منهم أو طلب أموال أو تعظيم أو ثناء أو محبة وإنما إرادة وجه الله عز وجل فيما نقوم به من عمل. المسألة لا تدور حول حجم العمل، فهب أنك تصدقت بمال المسألة لا تدور حول كمية المال الذي تصدقت به ولا الذي أنفقت إنما مدار القبول عند الله عز وجل أن آتي بالعمل خالصًا لوجهه. وتأملوا قوله عز وجل (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٢﴾ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٦٣﴾ الأنعام) لله رب العالمين لا شريك له، عملي الذي أقوم به لله وحده لا أنتظر منه جزاء من البشر وإنما هو خالصًا لله وحده. ويستوقفني ذلك الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رجل يسأله: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ يريد الأمرين مع بعض، يريد الأجر ويريد الذكر، يريد الثناء من الناس، يريد أن يقال عنه لشجاع جريء لا يخاف الموت، فماذا له؟ فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا شيء له، أعادها ثلاث مرات ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا وابتُغي به وجهه. ولذلك كان العديد من الصالحين يتحرّجون حتى من أن يعرف بهم أقاربهم بما يقومون به من عبادات وصدقات ومساعدة للمحتاجين وتفريج كروبهم وهمومهم. ولنا نحن اليوم ونحن نرى في حياتنا الكثير من المظاهر التي اختفت فيها هذه العملة، الإخلاص سر بين العبد وربه لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا أحد يطّلع عليه، سرٌ بين الإنسان وربه. لا أستطيع أن أصف إنسانًا وأقول: هذا فلان مخلص في عمله. ولكن ماذا خسرنا اليوم حين لم يعد موضوع الإخلاص في نفس الأهمية التي كان عليها في عهد النبوة على سبيل المثال؟ هناك ضعف في الهمة، هناك خمول في تحصيل الأعمال والإقبال عليها، هناك شعور في بعض الأحيان بشيء من العجز والإحباط وضيق في الصدر، الإنسان قد يعمل العمل في ظاهر العمل أنه عمل صالح ولكن الإشكالية أنه لا يجد لذلك العمل ثمرة في حياته من راحة، من طمأنينة، من سعة في الصدر، وهنا عليه أن يراجع نفسه في قضية الإخلاص هنا عليه تمامًا أن ينتبه هل بالفعل هناك إخلاص في هذا العمل الذي اقوم به أم أن العمل قد داخله شيء آخر؟ ولكن لنا أن نتساءل: ماذا لو قلّ الإخلاص في نفسي وفي قلبي في العمل الذي اقوم به حتى وإن كان العمل صالحًا، نحن نتكلم عن الأعمال الصالحة ماذا حين يقل فيها الإخلاص كيف نعالجه؟ أعظم معالجة لهذه القضية أن نتوقف طويلًا عند حقيقة الدنيا ونتعرف عليه وندرك كم هي ضيئلة ونتعرف على الناس وعلى أن هؤلاء البشر الذين قد نعمل لهم ألف حساب لأجل ثناء أو محمدة أو ما شابه إنما هم بشر مثلنا لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا لا يملكون لأنفسهم موتًأ ولا حياة ولا نشورًا لا يملكون جزاء لأنفسهم فكيف يمكن أن يجازونا بما نفعل؟!. إذا وقفنا عند هذه الحقائق طويلًا وشعرنا بأهميتها وأدركنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي بيده كل شيء، هو الذي يجازي بالإحسان إحسانًا هو صاحب الفضل والإنعام هو الذي يمكن أن يقبل من عباده الدرهم والدينار ويضاعفه أضعافًأ كثيرة، هو الذي يقبل الصدقة من عباده، هو الذي يقبل التوبة، هو الذي يقبل إدخال الفرح والسرور على المساكين والمحتاجين، هو الذي لا ينظر إلى حجم العمل الذي نقوم به ولا إلى عدد الدنانير التي نتصدق بها ولكن ينظر إلى تلك القلوب التي باشرت هذه الأعمال الصغير منها والكبير. فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى صورة العمل وإنما ينظر إلى القلب وموقع العمل فيه والتوجه فيه نحو الله سبحانه. هذه المعاني حين تبدأ في التعزيز في قلبي وفي نفسي وحياتي يتغير معنى تقديم العمل، لا يعد الإنسان بالفعل يرى الناس حال مزاولته لعمل من الأعمال لا يرى لعمله أحد مستحق للتوجه به ونحوه إلا الله سبحانه وتعالى، وهنا يتحقق معنى الإخلاص ويجد الإنسان ثمرة لذلك الإخلاص: حلاوة في العمل، طمأنينة في النفس، سعة في الرزق، غقبال على الطاعات وعمل فتور وتكاسل عنها، توفيق في الخير والعمل الصالح، فتح أبواب الرزق والرزق لا ينحصر في مال ولا في ولد ولا في صحة، من أعظم أنواع الرزق أن يرزقك الله طاعة ربما أنت لم تسعَ إليها، أن يفتح لك باب خير ربما أنت ما وقفت ولا قمت بالسعي لأجله أو لفتحه ولكنه فتح أمامك، كل هذه الدلائل والعلامات علامات على قبول العمل من الله سبحانه وتعالى، ثمرات لذلك الإخلاص الذي نحتاج اليوم أن نعتني به أشد الاعتناء.
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)