تدبر سورة البقرة – 4- د. رقية العلواني
تفريغ سمر الأرناؤوط لموقع إسلاميات حصريًا
وتواصل التشريعات والأوامر والنواهي ظهورها في سورة البقرة ولكنها أوامر ونواهي مبنية على محبة الله عز وجل مبنية على الإيمان والاعتقاد بأن الصلاح والخير في اتباع المنهج الرباني وتؤسس الآية منذ البداية في قوله عز وجل (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (177)) تؤسس التشريع ليس على شكل المظهر ولا الهيئة الخارجية وإن كان ذلك جزء منها ولكن الأصل في كل التشريعات الأصل في كل الأوامر والنواهي أن تقوم على الصدق مع الله أن تقوم على التقوى أن تحقق التقوى ولذلك كلمة لعلكم تتقون، هم المتقون، تقوى، يتقون، تتأكد في سورة البقرة في عديد من التشريعات والأوامر لماذا؟ الغرض الأساس من تلك التشريعات الوصول إلى الهداية التي لا يمكن أن يكون محلها إلا قلب يتقي الله إلا قلب يعشق تقوى الله عز وجل ويتمثل تلك التقوى في تحولاته وفي تصرفاته وفي سلوكه (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) الاعتقاد، التصور لا يمكن أن تبنى أيّ أوامر أو تشريعات بعيدًا عن الاعتقاد بعيدًا عن التصور إيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ثم تنعكس تلك المشاعر والاعتقادات والتصورات والإيمان في السلوك وفي الواقع (وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) الآية تتحدث عن صدق الآية تتحدث عن تقوى الآية تتحدث عن تصرفات وسلوكيات وانعكاس لعلاقة الصدق مع الله سبحانه وتعالى والتقوى فيه. ثم تتنقل الآيات بعد ذلك وتتحول إلى مقصد الحفاظ على النفس كلياً ضرورة من ضروريات التشريع في الواقع الحفاظ على النفس ولذلك جاء التشريع بقوله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى (178)) القصاص وتأملوا معي عدالة الإسلام وتشريعاته (الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) هناك مشاحة للعفو (فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ). ثم تنتقل الآيات فتبيّن (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)) القصاص في القتل وقتل القاتل العمد إنما هو شرع لأجل حياة المجتمع والحفاظ على المجتمع، العقوبات والحدود في الإسلام بنظامها التشريعي الذي جاء في سورة البقرة ما جاء ليزهق أرواح الناس ما جاء لأجل أن يقيد الناس في تصرفاتهم ولا في أعمالهم ولا أن يُحدث هذا النوع من القيد في حياة البشر وإنما جاء ليحررهم جاء ليخلصهم فالقاتل العمد حين يقتل وحين يُقتل إنما تحافظ به على أرواح الأبرياء في المجتمع، الردع في العقوبة، العقوبة حين لا تكون رادعة ولا تكون صارمة يحدث تسيب في المجتمع يحدث انهيار في منظومة الأمن الذي جاء الشرع لتحقيقه في حياة الناس، ولذلك ما أعظم التعبير في قوله (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) العقوبة الرادعة هي التي تضمن للمجتمع استقراره وأمنه وحياته. ثم تنتقل الآيات من تشريع الحفاظ على النفس إلى تشريع الحفاظ على الأموال في كل أشكالها وصورها (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)) الحفاظ على المال الحفاظ على الوصية في الأموال هذا التشريع وهذه الأوامر الربانية تدخل في كل جزئيات حياتك لا تدع لك شيئًا إلا ولكن تدخل فيه لتنظمه ولتحقق فيه مقاصد الأمن والرخاء والسعادة التي جاءت بها تشريعات الإسلام. ثم إن في كل هذه التشريعات تشريعات الحفاظ على النفس وعلى المال التقوى قضية حاضرة والتذكير بالتقوى قضية حاضرة وإقامة النواهي والأوامر على قصد العلاقة ما بين الإنسان وربه عز وجل وتأملوا في ختام الآية (فَمَنْ بَدَّلَهُ) أي أحدث تبديلًا في الوصية (بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)) إذاً المراقبة مراقبة ذاتية، القرآن وسورة البقرة تصنع في جهاز مراقبة ذاتي يقوم على استحضار على أن الله يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء، على استحضار أن الله سبحانه وتعالى يعلم السر كما يعلم العلانية، يعلم ما أضمر في نفسي وما أظهره للآخرين وعلى ذلك عليّ أن أراقب الله في سري وفي علانيتي. ثم تنتقل بعد ذلك الآيات للحديث عن عبادة الصوم العظيمة ولنا أن نتساءل كيف تأتي التشريعات بالحديث عن القصاص وعن المال وعن الوصية ثم تأتي بالحديث عن الصوم التشريعات كما ذكرنا والعبادات في سورة البقرة وفي القرآن العظيم بشكل عام تأتي لكي تهذب النفوس ما من عبادة من صلاة وصيام ولا زكاة إلا ولها مقاصد تربوية مقاصد تربي الفرد تربي الفرد وإرادة الفرد على أن يكون أكثر قدرة على تحقيق الأوامر والمنهج الرباني في واقع الحياة الصوم يقوي الإرادة ويقوي التقوى الصوم يصل الإنسان بخالقه الصوم يصفّي ويخلص النفس من شوائبها ولذا ربي عز وجل يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (183)) لماذا؟ (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأجدر بحالة الصيام وبعبادة الصيام حين يقوم بها الإنسان على أتم وجه أن تصل بالإنسان إلى مرحلة التقوى أن تترقى بحالة التقوى الضرورية التي لا يمكن أن يقام للمجتمع دور ولا للفرد بدون هذه التقوى فالتقوى ضمانة، التقوى سياج للتشريعات الإلهية التقوى سياج المنهج الرباني وكيفية تنفيذه في واقع الحياة فهذه التقوى ليست مجرد حالة نفسية بعيدة عن الواقع التقوى تُخلق في القلب، قلب يؤمن بالله قلب يرى آيات الله عز وجل ثم أن هذا القلب ينفعل مع الجوارح لتحقيق المنهج الرباني والسير عليه والانقياد لأمره والخضوع لما جاء فيه. تتوالى الآيات في الحديث عن الصوم والله سبحانه وتعالى يؤكد قوله (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (185)) وأن الغرض من فرض الصيام ليس تعذيب الجسم ولا الشعور بالجوع بالنسبة للبطن أو الحاجات المادية للإنسان بعيدًا عن التقوى فالأصل في التشريع التيسير وليس التعسير (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ولكن هذه المعاني التي جاءت في الصوم إنما جاءت لتحقق معاني التقوى. وهذا الصوم العظيم وهذه العبادة العظيمة التي يحتفي بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في كل عام إنما جاءت احتفاء بالمنهج الرباني احتفاءً بالقرآن العظيم تشريفاً لذلك القرآن الذي أنزله الله في شهر رمضان (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ) من جديد الحديث عن الهدى (وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (185)) وكأن عبادة الصيام إنما جاءت تشريفاً لذلك المنهج الرباني الذي أنزله ربي سبحانه وتعالى تشريف الزمان لأجل شرف هذا القرآن وعلو منزلته وعلو مكانة المنهج الرباني الذي أنزله الله سبحانه وتعالى. ثم أن شكر الله على نعمة المنهج الرباني حاضرة في سورة البقرة (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تشكرون الخالق الذي شرّع تشكرون الخالق أنزل المنهج وجعل عبادة الصيام عبادة وفريضة علينا عندما يستحضر الإنسان أن الشكر حاضر في قلبه على العبادة يستشعر أن الأوامر ليست عبئاً الأوامر ليست قيودًا النواهي ليست كبحًا لجماح حريته بقدر ما هي فتح لحريته وإشعار له بقيمة المنهج وأنه نعمة تستحق الشكر من قبل الله عز وجل. وتنتقل الآيات في سورة البقرة من الحديث عن الصوم إلى الحديث عن الدعاء إلى الحديث عن الجوانب الروحانية سورة البقرة سورة عظيمة يتنقل فيها المؤمن من تشريع إلى تشريع وما بين التشريعات يأتي الحديث عن العبادات يأتي الحديث عن الجوانب الروحية الضرورية لأجل إقامة وتنفيذ الشرائع والأوامر والنواهي (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) استجابة للمنهج (وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)) الحديث ما انقطع عن المنهج ولكنه وظف الدعاء الذي هو علاقة بين العبد وربه الدعاء استجابة العبد لنداء ربه (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) هذه العلاقة بينك وبين الله عز وجل علاقة قائمة على استشعارك بأنه سبحانه قريب بقربه بما يليق بجلاله سبحانه منك، بسماعه لدعواتك بسماعه لمناجاتك بسماعك همومك وأحزانك وما يشغل فكرك، الله قريب. هذه العلاقة العظيمة بين العبد وربه علاقة تستدعي منك الاستجابة تستدعي منك أن كلما حزبك أمر لجأت إلى الدعاء لجأت إلى الرب القريب الذي يجيب الدعاء ويسمع النداء وما عليك أنت كعبد إلا أن تستجيب لتنفيذ أمره سبحانه وفي هذه الاستجابة وهذا الإيمان الرشاد الهداية الخير الصلاح. ثم تنتقل الآيات العظيمة لتدخل وتُدخِل التقوى في أدق العلاقات الإنسانية ما بين الزوج وزوجته التقوى حاضرة حتى في هذه الجزئيات، العناية بالتقوى في أدق تفاصيلها، وتختم الآية في الحديث عن العلاقة الزوجية لتبين حدود تلك العلاقة فتقول (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)) ولِمَ وضعت الحدود؟ لم وضعت الخطوط الحمراء في حياة الناس؟ ابتلاء واختبار وامتحان لإرادة الإنسان الذي يتمرن على تقوية إرادته أمام الشهوات والوقوف أمام الخطوط الحمراء دون تجاوزها من خلال العبادة. فمن تعلّم واعتاد على الوقوف عند حدود الله مع نفسه وفي علاقته مع زوجته قطعاً هو الإنسان المؤهل للحفاظ على تلك الحدود في تعامله مع الآخرين. الإنسان القادر على أن يكبح جماح الشهوة ولا يتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها له الخالق سبحانه وتعالى وفي ذلك كل الخير كل العطاء كل الصلاح. الحدود وُجِدت والخطوط الحمراء لتحقيق الأمن ولتحقيق حرية الإنسان في أبهى صورها تجعل الإنسان إنسانًا حراً إنسانًا قادرًا على أن يتجاوز الشهوات إنسان لا تقوده شهواته وإنما يقوده المنهج الرباني والحدود التي جاءت في ذلك المنهج وما أعظمها من حرية، نتاج الحرية لا تتوج إلا بالوقوف عند الحدود. وتنتقل الآيات من الحديث عن تلك العلاقة والحدود إلى الحديث عن أموال الناس فكما ذكرنا قبل قليل الإنسان الذي لا يستطيع أن يمارس كلمة (لا) في حياته الخاصة ويقف عند حدود الله لا يمكن له أن يمارسها في المجتمع لا يمكن له أن لا تمتد يده إلى الحرام حين يرى الحرام أما الإنسان القادر على عدم تجاوز الخطوط الحمراء ومراعاة حدود الله سبحانه وتعالى هو الإنسان القادر على أن لا يأخذ شيئًا ليس له بحق لا يأكل أموال الناس بالباطل لا يأكل الأموال التي لا تخصه لا يأكل فريقًا من أموال الناس بالإثم وهو عالم لحرمتها، تلك حدود الله لا يتجاوز الحدود. وتنتقل الآيات بعد ذلك من الحديث عن المال إلى الحديث عن حرمة البيوت وتأملوا كيف يمكن للمجتمع أن يعيش وما نوع الحالة الأمنية التي يعيش فيها مجتمع أفراده مصانون بسياج من التقوى، أجهزة الأمن والمراقبة فيه أجهزة ذاتية كل فرد من الأفراد الذين يعيشون في ذلك المجتمع عليه رقيب من ذاته ومن نفسه لا يخشى إلا الله عز وجل ولذا ربي يقول (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)) التقوى الحاضرة التقوى جهاز مراقبة في سورة البقرة التقوى حصانة التقوى الفردية حين تنتعش في النفوس تصبح حصانة للمجتمع حصانة للفرد حصانة للأمة يأمن فيها الإنسان على نفسه على نفسه على بيته ولذلك العصور التي كانت تطبق فيها تلك التعليمات الربانية كان الناس يبيتون وأبواب البيوت مفتوحة لا يخافون شيئًا إلا الحيوانات التي تدخل عليهم في بيوتهم، لا يخافون من البشر، لماذا؟ لأن البشر الذي تعلّم الخوف من الله لا يُخاف منه على شيء ولا على أحد. تنتقل الآيات بعد ذلك بانتقاله عجيبة متناسقة إلى قضية القتال (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (190)) مجدداً في سبيل الله لا في سبيل منصب ولا في سبيل استيلاء على ثروات شعوب ولا استعمار ولكن في سبيل الله وحده (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) وهنا لنا عدة وقفات: الوقفة الأولى أن الأمر بالقتال جاء بمعنى الحفاظ على مكتسبات الشعوب والمجتمعات هذه واحدة. الأمر الآخر أن الأمر بالقتال جاء بعد سلسلة من الأوامر والتوجيهات الشخصية التي دخلت في حياة الفرد التي دخلت في أدق العلاقة الخاصة بين الزوجين وفي المال وفي العطاء وفي حرمة البيوت ثم انتقلت إلى القتال، لماذا؟ المجتمع الذي لا يستطيع أفراده أن يحافظوا على حدود الله وتشريعاته وقوانينه في حياتهم الخاصة وفي أموالهم وفي سلوكهم مع الآخرين فيما بينهم هم أفراد في غاية العجز عن الدفاع عن الوطن وحمايته. الشخص الذي يدافع عن وطنه وعن حقوقه لا بد له من مواصفات وتلك المواصفات تأتي على رأسها التقوى والوقوف عند حدود الله، فمن يراعي حدود الله سبحانه وتعالى ويتقيه في أدق العلاقات الإنسانية هو الإنسان القادر على حماية وطنه القادر على الدفاع عن وطنه القادر على حماية مكتسباته فقد حمى المجتمع بكل أفراده من نفسه وبالتالي هو أقدر على أن يحميه من غيره أما إن كان عاجزاً عن أن يحمي المجتمع من نفسه وطغيان شهواته فامتدت يده على سبيل المثال إلى الحرام فأكل أموال الناس هذا إنسان عاجز عن الدفاع عن وطنه عاجز عن حماية حقوق غيره لأنه فشل في الامتحان لم يتمكن من حماية الآخرين من ظلم نفسه فأنّى له أن يتمكن من حماية الآخرين من ظلم الآخرين واعتدائهم؟! وحتى في القتال لا تفارق القوى ومنظومة التقوى التعاليم الإنسانية التعاليم التي جاءت من الرب سبحانه وتعالى في سورة البقرة عدم الاعتداء (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) العدوان بكل صوره على الآخرين وعلى الأموال وحرمات الأنفس قضية محسومة قضية منهي عنها قضية محرّمة في دين الله ومنهجه لا يمكن أن يبررها أن دين الشخص الآخر الذي يُعتدى عليه يختلف عن ديني لا يمكن أن يبررها شيء على الإطلاق فالاعتداء محرّم (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). وتنتقل الآيات في الحديث عن تفاصيل القتال في الحديث عن آداب وتشريعات القتال ولم شُرِّع القتال كحماية عن النفس كحماية لمكتسبات الأمة لتختم أيضاً بهذه الآية بقوله عز وجل (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (194)) المثلية في رد الحقوق والدفاع عن النفس لا يحق لك أن تدافع عن نفسك بعدوان أكثر مما قد وقع عليك، تخيل عدالة التشريعات الإلهية، تخيل السياج والحصن الحصين الذي وضعته هذه التشريعات العظيمة. ولكن يا ترى ما الذي يحقق عدم الظلم ويحقق العدالة حتى في الحروب معروف تمامًا في التشريعات الإنسانية أن الحروب يحدث فيها سفك واعتداء ومصائب وانتهاكات لحقوق الإنسان ما الذي يضمن أنه حتى في واقع القتال والحروب يبقى الإنسان على أرقى درجات النزاهة والحصانة وعدم الاعتداء على الآخرين؟ تأملوا في قوله عز وجل (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) التقوى هي الضمان الوحيد وهي الحصن الحصين لمراعاة حقوق الإنسان وممارسة الإنسان لحماية حقوق غيره من نفسه وأمام نفسه. هذا القرآن العظيم ينتقل بعد ذلك من قضية الجهاد بالنفس وبذل النفس والتضحية والدفاع عن المكتسبات المجتمعية إلى قضية الإنفاق (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) من بذل النفس إلى بذل المال والبذل في سورة البقرة حاضر في مختلف الآيات والتشريعات كما سنأتي عليه في الجزء الثالث على سبيل المثال، لماذا؟ الإنسان الذي استطاع أن يتغلب على قضية النفس وأن يبذل نفسه وروحه في سبيل الله هو أقدر على أن يبذل ماله ولن يكون ولن يصل تلك المرحلة من البذل والتضحية إلا حين يستحضر أن ما من شيء فيه لنفسه، كله لله (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)) وبالتالي ترخص الروح ويرخص المال في أيّ سبيل؟ في سبيل الله (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)) لا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة من خلال الشح والبخل وعدم الرغبة في البذل والتضحية والعطاء. وهنا تحضرنا الصور المتعددة التي جاءت عن بني إسرائيل، بنو إسرائيل الذين كانوا ليسوا على مقدرة من البذل والعطاء ولذلك في آيات القرآن العظيم ربي عز وجل تأتي الآيات بالحدث عن شح النفس (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر) الشح لا بد أن أتخلص من الشح أتحرر من البخل أتحرر من عدم الرغبة في العطاء، ما الذي يحررني؟ الإنفاق وسورة البقرة تقدم أشكالًا متعددة للإنفاق إنفاق الروح والنفس وبذل هذه النفس في سبيل الله وإنفاق المال للتخلص من الشحّ. ثم تنتقل الآيات بعد ذلك إلى الحديث عن مدرسة جديدة تعاليم جديدة مدرسة عبادية فيها من العبادات والشعائر والبذل والتضحية ما يربي ويقوي الإرادة في نفس الإنسان، عبادة الحج، مدرسة الحج والعمرة. تلك المدرسة التي جمعت أشكالًا متعددة من الإنفاق فيها بذل للنفس وذلك لِما يترتب على تشريعات الحج وواجباته من متاعب ومن مشاقّ ينتقل الحاج من عرفة وبعد ذلك إلى منى والخ هذه التنقلات المختلفة من مكان إلى مكان ومن شعيرة إلى شعيرة فيها إجهاد للنفس ولكن النفس التي تربيها سورة البقرة نفسٌ تعلمت أن تجاهد شهواتها تعلمت أن تعلو وتسمو فوق متاعبها أن تضحي أن تبذل نفس قوية الإرادة تبذل تتعب ولكنها حين تبذل وتتعب إنما تفعل ذلك لأجل غاية عظيمة (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ (196)) الإخلاص في العبادة. ثم تأتي تفاصيل قضية الحج في الإحصار وفي دفع الكفارة وما شابه في الحج من تفاصيل متعددة وتختم الآية بقوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)) الحج مدرسة يتخرج فيه الإنسان قادر على العطاء والبذل وقادر على تجاوز شحّ النفس إنسان محصّن بالتقوى إنسان زادت عنده التقوى ولذلك تستمر الآيات في الحديث عن مدرسة الحج (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)) الحج مدرسة كبرى يتعلم فيها الإنسان الصبر والتضحية يتعلم أنه لن يُرفع عمله ولن يُقبل إلا حين يكون خالياً من الرفث والفسوق والجدال والسُباب يتعلم كيف ينزّه الإنسان لسانه وكيف ينزّه عينه فلا تقع على حرام يتعلم كيف يتجاوز ويغضّ الطرف عن عثرات الآخرين يتعلم كيف يكون إنساناً حقيقياً متسامحاً يبذل الخير للآخرين يتعلم كيف يعفو وكيف يصفح، إنسان جديد إنسان تصنعه تلك المدرسة الربانية الموجودة في الحج. الحج ليس مجرد شعيرة الحج ليس مجرد عبادة، من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع وعاد من حجه كيوم ولدته أمه صفحة بيضاء نقية من الذي نقاه؟ نقاه الصبر نقته تلك التعاليم الربانية المقصودة في الحج، الحج فيه زحمة كبير فيه احتكاك بين البشر بشكل واضح لماذا؟ لأنه رسالة عالمية أراد ربنا عز وجل أن يبتغي الناس من فضله وكيف يبتغون من فضله؟ يجتمعون يتعلمون من بعضهم البعض يتسامحون يخطئون ويصيبون ويغفر بعضهم لبعض الحج مدرسة للتقوى ولذلك جاء الحديث عن التقوى (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) ولن يزداد الإنسان في تقواه إلا حين يتجاوز الشحّ الموجود في نفسه يتجاوز الأنانية يتخلص من الأشياء التي تحول بينه وبين أنانيته يتعلم كيف يصفح لا يمكن أن تسامح إلا حين يزداد رصيد التقوى في قلبك، لا يمكن أن يقوم أحد من الناس بدفعك في الحج والعمرة نتيجة للزحام الشديد وتعفو عنه وتسامحه وتبتسم في وجهه وتدعو له بالمغفرة إلا حين يكون رصيدك من التقوى عالياً مرتفعاً. وكيف ترتفع أسهمك في التقوى إلا حين تتربى على عين تلك التشريعات الإلهية. ثم إن ثمرة ذلك الحج والخروج من الحج المبرور الصلاح والإصلاح ولذلك جاء الحديث بعد آيات الحج عن قول الله عز وجل (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)) الإنسان الذي تخرج في مدرسة الحج إنسان لا يمكن أن يقبل بمنهج الفساد والإفساد إنسان صلح سرّه فانعكس ذلك الصلاح على علانيته إنسان ليس عنده ازدواجية ولا نفاق في التعامل مع الآخرين إنسان ليس هناك ثمة تناقض بين التقوى التي يحملها في قلبه والمنهج الذي يسير عليه في الحياة على الإطلاق. ليس هناك تناقض بين قوله وفعله كتلك الصورة التي تنقلها الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)) ثمّة تناقض وازدواجية يقول شيئاً ويبطن شيئاً آخر، الإنسان الذي تصنعه مدرسة الحج وتعاليم المنهج الرباني وتصوغه التقوى إنسان سرّه خيرٌ من علانيته، وكيف يصل الإنسان إلى مرحلة يكون السر عنده خير من العلانية؟ حين تبرز التقوى، حين تأتي التقوى فتبدأ تبدد ظلمات النفس وأنانيتها ولذلك جاءت بالصورة الناصعة (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)) إنسان استطاع أن يتخلّص من شُحّ النفس واستطاع أن يتجاوز الفساد، كيف تجاوز الفساد؟ ببساطة شديدة يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، باع نفسه لله عز وجل تخلص من شح نفسه. ما من فساد يقع في الأرض إلا كان حب النفس والأنانية له أثر فيه لا يمكن أن يحدث الفساد إلا حين يتصور الإنسان بوهم أنه يحب ذاته وأنانيته، يحاول أن يؤثر نفسه على الآخرين فيأتي الفساد من هنا. أما الإنسان الذي تصنعه سورة البقرة فهو إنسان باع نفسه لله أخضع نفسه لله عز وجل يحب الله أكثر من أي شيء آخر، أكثر من نفسه فيخضع لمنهجه وينقاد لتعاليمه. هذا الإنسان هو القادر على أن يحقق السلم في الحياة هو الإنسان القادر على أن يقدم السلم الأهلي ويمارسه السلم العالمي الذي يفتقر إليه عالمنا المعاصر اليوم، عالمنا المعاصر اليوم يبكي دماً من فقدان السلم كيف يتحقق السلم؟ لا يمكن أن يحقق السلم أفراد لا يعيشون سلامًا مع أنفسهم ومع ذواتهم لا يمكن. تعاليم سورة البقرة والمنهج الرباني في سورة البقرة يحقق السلم الداخلي، الأمن الداخلي، الأفراد القادرون على تحقيق السلم الداخلي مع أنفسهم والتصالح مع ذواتهم من خلال اتباع منهج الله هم أولئك الذين يستطيعون أن يحققوا السلم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)) من جديد الحديث عن خطوات الشيطان، الفرقة والنزاع والقتال والحروب والصراعات بين البشر التي نشهدها في عالمنا اليوم لا يمكن أن تكون من قبيل تطبيق منهج رباني لا يرضى لعباده إلا الخير والإيمان والصلاح! لا يمكن إلا أن تكون من قبيل تطبيق وتنفيذ مناهج شيطانية بشرية وضعية ما استطاعت أن تتحرر من شُحّ أنفسها، هذه الصراعات لا يمكن أن تكون خارج هذا الإطار. ولذلك جاء الأمر في الدخول في السلم، هذا الدخول في السلم الذي يحقق للعالم ما تصبو إليه والثبات على ذلك والتحذير من الزلل والوقوع في الخطأ نتيجة عدم حساب الخطوات بشكل صحيح واتباع المناهج الشيطانية ولنا هنا أن نتخيل ما يأتي به الثبات من ثمن ومن تضحيات بالأنفس وبالأموال ولذلك يأتي الحديث في سياق وفي خضم الكلام عن التعاليم البشرية والحديث عن السلام في ذكر بني إسرائيل من جديد (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)) الحديث عن الأمم السابقة عن بني إسرائيل تبديل النعمة، أيّ نعمة؟ نعمة السلام نعمة الأمان نعمة إتباع المنهج أنت حين تستبدل ذلك المنهج بشيء آخر أنت (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ (61)) حين تبيع المنهج الرباني وتشتري المناهج الشيطانية يا ترى كيف ستكون النتيجة؟! ما الذي ستحققه؟! (فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). ولذلك الآية تبدأ بالحديث عن الناس (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) لكي يتفرقوا؟ أبدًا! (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)) إذاً الأصل في الأديان والكتب السماوية أنها توحد وتجمع لا أنها تفرق وتشتت أما الاختلاف (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) وظلماً وعدواناً أما المؤمن فالله يهديه (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) منهج الأنبياء واحد السير على الكتب والمنهج الرباني وتنفيذ المنهج في واقع الحياة. ولكن تنفيذ ذلك المنهج لا يمكن أن يأتي بدون تضحيات، لا يمكن أن يأتي بدون ثبات، الثبات على المنهج الرباني الذي جاء به كل الأنبياء والكتب السابقة لا بد أن يدفع له ثمن وهذا الثمن هو التضحية ولذا جاءت الآية العظيمة في قوله عز وجل (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)) الثبات على الحق يحتاج إلى تضحية يحتاج إلى نفوس تعلم بأن الحق له وثمن والثمن غالي وهي مستعدة لأن تدفع ذلك الثمن ولذلك جاء الحديث مباشرة عن الإنفاق بالمال بعد بذل النفس جاء الحديث عن المال (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)) التضحية، البذل، العطاء في سبيل الله واتباع المنهج الذي يأمرك. ثم بعد الحديث عن الإنفاق بالمال يأتي (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)) نفوس مستعدة أن تضحي بالمال وتضحي بالأرواح لأجل أن تنفذ المنهج الرباني في واقع الحياة. والآية واضحة في قوله عز وجل (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) أنا في اتباعي للمنهج الرباني قد أسير على خطوات أو على أوامر وتعاليم وأنا أرى أني أكره هذه التعاليم، فيها عبء، لا أحد مهما يكن يحب أن يضحي بنفسه بهذه البساطة، أغلى شيء على الإنسان الروح، نفسه التي بين جنبيه كيف يضحي بها؟!! (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) وهنا إشارة واضحة إلى واقعية التشريعات الإلهية فالتشريعات الإلهية ليست مثالية التشريعات الإلهية صادرة من رب يعرف ما يحبه البشر وما يكرهه، يعرف خلجات نفسك يعرف ما تحدّث به نفسك وأنت بينك وبين نفسك يعرف سبحانه وتعالى، سميع عليم، يعلم أن النفوس لا تحب القتل لا تحب أن تُقتَل، لا تحب الموت بطبيعتها (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) ولكن تأملوا في النتيجة (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) القاعدة أنك تخرج مما تهواه وتحبّه نفسك إلى ما يحبّه الله ورسوله، وتخرج عما تكرهه نفسك إلى ما يكرهه الله ورسوله، تخرج عن نفسك تماماً، تتخلى عن نفسك، تنصاع لمنهج ربك عز وجل، مؤمناً بأن الله قد يفرض عليك شيئاً أنت تراه شراً وهو خير، هذا المنهج الرباني، المنهج الرباني يطلب منك أن تخرج من داعية هواك ونفسك. ثم تأتي الآيات وتتحدث عن الجهاد وتتحدث عن المسجد الحرام وتتحدث عن الفتنة وتتحدث عن تعليمات وأوامر لتؤكد الحقيقة النهائية (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)) أنت كإنسان مؤمن تسير على منهج ربك هذا المنهج يتطلب منك تضحيات، يتطلب منك في بعض الأحيان أن تهجر وطناً أنت تحبه وتعشق ترابه، هل أنت مستعد أن تضحي؟ هل أنت مستعد أن تترك الوطن؟ هل أنت مستعد أن تغادر العشيرة والأقارب أم غير مستعد؟ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم والمجتمع الأول الذي صنعته آيات سورة البقرة هَجَر الوطن هَجَر مكة وهو يحبها ويعشق ترابها لماذا هجرها؟ لأنه يحب الله أكثر، يحب مكة ولكنه يحب الله أكثر، يحب المال والأهل والأقارب والعشيرة وعنده عواطف ومشاعر ولكنه يحب الله أكثر. وهذا هو الذي تريده مني آيات سورة البقرة أن يكون حب الله وتعاليمه وتنفيذ منهجه أحب إليّ مما أحب ومما أرغب فيه. ثم تنتقل الآيات إلى نوع جديد من الهجرة، الآية الأولى تحدثت عن هجرة المكان (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الآية التي بعدها مباشرة في تشريع تحريم الخمر تتحدث عن نوع آخر من الهجرة هجرة الحرام هجرة شيء تألفه النفس وتعتاد عليه في بعض الأحيان لأن الآيات نزلت على الناس وكان العرب يعشقون ويحبون الخمر حباً جماً كيف يهجرها وهو يحبها؟! كيف يهجر شيء اعتاد عليه؟! (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)) وتدبروا معي كما ذكرنا قبل قليل الآيات والتشريعات واقعية ليست مثالية، الخمر والميسر فيها منافع للناس، منافع جزئية نسبية ولكن إثمهما أكبر من نفعهما ومن هنا جاء التحريم من عند الله عز وجل. إذاً التعليمات والتشريعات هنا توازن لديّ بين المفاسد والمصالح وتعطينا قاعدة عظيمة الأمر قد يحرّم فيه جزء من المنفعة ولكن المضرّة التي فيه والمفسدة تتغلب على منفعته فيأتي التشريع بتحريمه وينصاع المؤمن الذي يعلم أن الله يبين له الآيات (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ). وتنتقل الآيات العظيمة في تناسب عجيب، الخمر والميسر فيها إهدار للمال للثروة المادية فردية وجماعية وإذا أردنا أن نتعرف على حجم الثروة المهدرة في الخمر وفي الميسر وفي القمار وما شابه فما علينا إلا أن نلقي نظرة سريعة على إحصائيات العالم في ذلك لنجد أن ما ينفقه العالم على هذه الأشياء بالمليارات! أموال مهولة تهدر في أي شيء؟! في أشياء حرّمها الله عز وجل. ولنا أن نتساءل ونحن نتكلم عن واقعية التشريع نحن قلنا منذ البداية أن التشريعات الإلهية فيها صلاح للبشر في الدنيا وفي الآخرة، ربي سبحانه وتعالى حرّم الخمر والميسر حرّم إهدار المال الثروة البشرية ثروة عظيمة لِمَ تهدر تلك الأموال فيما لا طائل من ورائه؟! ولذلك ختم بقوله (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) تفكّر في المال الذي تهدره تفكّر في المال الذي تنفقه لأجل أن يُسلب منك عقلك في الخمر والكحول وفي الميسر وما فيها من إهدار لعلاقات إنسانية وإضاعة للمال وللعمل وللجهد وما شابه. في المقابل هناك صورة أخرى ما هي الصورة التي يقدّمها وما هو البديل الذي تقدمه التشريعات الربانية؟ المال، المال الذي يستعمل في الإنفاق في وجه من وجه الخير في الإنفاق على اليتامى المال الذي يكون فيه الإنسان وصيًا على اليتيم كيف يراقب الله عز وجل فيه؟ الآيات جاءت في قوله عز وجل (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (220)) عليك أن تراعي الله عز وجل في النفقة التي تنفقها على اليتيم الذي بين يدك عليك أن تراعي الله في كل هذه الجزئيات وتحافظ عليها في جزئياتها. ثم تنتقل بعد ذلك التعليمات والتشريعات إلى الزواج الذي يعكس صورة من صور إيمانك واعتقادك وتقواك، الزواج ليس قضية أوتوماتيكية جسدية مادية بحتة، القرآن لا ينظر إلى الزواج على أنه علاقة جسدية ينظر إلى الزواج على أنه علاقة روحية تربط بين اثنين ولأن تلك العلاقة علاقة مادية وروحية وجسدية ومعنوية وفكرية وثقافية لا بد أن تقام على تناغم وانسجام في المشاعر والاعتقاد. من هنا حرّم التشريع الإسلامي والتشريع القرآني الزواج ما بين المشرك والمؤمن لذلك التناقض الواضح والتنافر الواضح بين الإيمان والكفر. الزواج ليس علاقة مادية، الزواج ليس علاقة أبدان بل علاقة أرواح علاقة عقول، علاقة أفكار، انظر إلى السمو في التشريعات الربانية. من هنا جاء التحريم وجاء المنع لا بد أن يكون ثمة اتفاق وانسجام وتناغم بين الزوج والزوجة وأنّى أن يحقق هذا التناغم والتوافق وهناك اختلاف جذري في الاعتقاد وفي الشعور إيمان وكفر؟! أنّى أن يحدث توافق وانسجام بين الأمرين؟! ثم تنتقل بعد ذلك الآيات من الحديث عن الزواج في إطاره العام إلى الحديث من جديد عن تفاصيل دقيقة في العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة لتدخل التقوى في تلك الجزئيات فتطهرها فتنقّيها فتخلّصها فتجعلها علاقة لا ينظر إليها القرآن على أنها نجس أو علاقة يشمئز القرآن منها، لا، بل علاقة مصانة بسياج من التقوى والطهر والعفاف في أبهى وأحلى صور (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)) من جديد التقوى حاضرة حتى في العلاقة الخاصة، التقوى حالة تصبح جزءًا من الإنسان المؤمن التقوى تصقله وتصقل مشاعره وتصرفاته وسلوكه لا تنبثق من فراغ بل من إيمان من قلب متحفّز من قلب يستشعر مراقبة الله له في كل صغيرة وكبيرة (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) راقب الله عز وجل في كل تصرفات حياتك، جهاز مراقبة ذاتي كامل، حصانة كاملة. ثم تنتقل الآيات بعد ذلك إلى تفاصيل وإجراءات في العلاقة الزوجية، العلاقة بين الزوجين، علاقة الطلاق وعلاقة النفور التي قد تحدث والإيلاء، علاقة ما يحدث بين الأزواج في العلاقات الأسرية قد يحدث في بعض الأحيان نفور بين الزوجين (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)) يا تُرى حين يحدث نفور بين الزوجين أين معالم المنهج الرباني؟ ما الذي يتحكم في الوضع هنا؟ حين يحدث النفور والبغضاء والكراهية لا ينبغي أن تتحكم المشاعر النفسية السلبية البشرية في الحكم على تلك العلاقة، لماذا؟ لأن الذي يحكم العلاقة حتى في حالة النفور هو المنهج الرباني والتعاليم البشرية أنت لا تحكمك أهواؤك ولا تُحكم بأهواء من قبل نفسك، أبداً، أنت محكوم بالمنهج عليك أن تراعي الله سواء كرهت أم أحببت عليك أن تراعي الله عز وجل. ثم تنتقل الآيات للحديث عن الطلاق وللحديث عن عدّة المطلقة وتأملوا كيف تكون التقوى حاضرة في كل هذه الجزئيات يقول ربي عز وجل (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ (228)) ما دخل الإيمان بالله في مراعاة المعتدّة لعدّتها والفترة التي تعتد فيها؟ الإيمان قضية فاعلة، الإيمان ما وقر في قلبك وصدقته أعمالك وسلوكياتك وأفعالك وتصرفاتك. الإيمان قضية حاضرة تصدّقه الأعمال والتصرفات والممارسات ولذلك تأمل في قوله (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) ووالله لو أن البيوت الأسرية ولو أن العلاقات بين الزوجين والعلاقات الأسرية أقيمت على دعائم المنهج المصان بتقوى الله عز وجل لما كان بنا تلك الحاجة إلى أن نقف طوابير وصفوف على أبواب المحاكم الشرعية! لما كان هناك حاجة لحلّ كل تلك النزاعات والفوضى العارمة التي تسود في أسرنا وفي بيوتنا! ما سادت تلك الفوضى والعداوة والكراهية وضياع الحقوق وعدم الإمساك بمعروف ولا التسريح بإحسان إلا حين غابت معالم المنهج الرباني في قلوبنا وفي سلوكياتنا، وتأملوا كيف ختمت الآية بقوله (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحدود في العلاقات الأسرية بين الزوجين من الذي وضعها؟ لم تضعها أنت ولم يضعها أحد من البشر الذي وضعها الرب سبحانه وتعالى فعلى قدر ما أنت تتقيه وتحبه عليك أن تراعي الحدود الذي وضعها، هذه حدود الله عز وجل وهذه ثمرة مراعاة حدود الله عز وجل التي يبينها لقوم يعلمون. ولذلك ربي عز وجل حين يتحدث عن الصورة المشوّهة التي تأتي جراء مخالفة التعليمات الربانية يقول (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا)لا تمسك المرأة وتمنع طلاق المرأة لأجل أن تضر بها كما يحدث في مجتمعات كثيرة جداً الرجل يمسك المرأة لا محبة في عشرتها ولا بقاءً عليها ولكن للإضرار بها وتأملوا كيف تأتي التعاليم الربانية (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) وتختم بقوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تقوى الله عز وجل. من الذي يمنعك من الوقوع في ظلم المرأة التي تحت يدك؟ الطلاق بيد الرجل، من الذي يمنعك من الوقوع في الظلم؟ الله الذي شرّع، الله الذي جعل الطلاق بيدك، الله الذي أحلّها لك، الله الذي وضع لك كل هذه التعاليم هو الذي يمنع ولذلك الآيات كلها تنتهي بالحديث عن التقوى (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)) تدبر سورة البقرة – 4- د. رقية العلواني