تدبر سورة البقرة – 5- د. رقية العلواني
تفريغ سمر الأرناؤوط لموقع إسلاميات حصريًا
انتهى الجزء الثاني من سورة البقرة بقول الله عز وجل (تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿٢٥٢﴾) أنت يا محمد صلوات الله وسلامه عليه من المرسلين وجئت بآيات أُنزلت بالحق بشرائع بأوامر بتعاليم بنواهي ولم تكن في ذلك بدعًا من الرسل وإنا جئت لتتمم الرسالات فكانت البداية الأولى في الجزء الثالث من سورة البقرة (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) الآيات من جاء بها هم الرسل، الرسائل والتعاليم والشرائع جاء بها الرسل، الرسل هم حَمَلة هذه الأوامر هم حملة المنهج الرباني للخلق، هم أولئك الذين ائتمنهم الله عز وجل ليبلغوا الرسالة وقد فعلوا والتفاوت فيما بينهم إنما هو مبني على حكمة الله عز وجل وكيفية تصريفه للأمور وفق مشيئته سبحانه وتعالى وعلمه المطلق بالأمور. ولذا جاءت الآية الأولى في الجزء الثالث لتبين أن تلك الرسالات ما كان لها ولا يمكن أن تكون بؤرة للصراع ولا للاختلاف ولا للاقتتال ولا للنزاع بين الناس وإنما ما حدث من اقتتال ونزاع بعد ذلك إنما جاء من قبل بعض أتباع أولئك الأنبياء الذين لم يحملوا تلك الأمانة على وجهها الحقيقي الذين لم يقوموا بأعباء تلك الرسالات السماوية ولذا قال ربي عز وجل (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد الأنبياء (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ) والرسائل الواضحة والآيات البينة في الكتب السماوية التي دعت الناس إلى توحيد الله عز وجل والتعاون على الخير والبر والتقوى ولكن اختلفوا (وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) إذن ما بقي أتباع تلك الرسالات على ما كان عليه الحال من قبل الرسل الذين جاؤا بالبينات والكتب المساوية، تفرقوا والذي فّرقهم الإيمان والكفر فمن سار على الإيمان سار على نهج الأنبياء والرسالات السابقة ومن تخلف عن ذلك كفر برسالات الأنبياء وهنا بدأ الصراع (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴿٢٥٣﴾) فما من شيء يحدث في هذا الكون إلا بمشيئة الله وما من أمر يحدث أبدًا خارج عن إرادته سبحانه وعن مشيئته لكن الإنسان فردًا كان أو جماعة أو شعبًا ما كان له أن يحتج على فعله بمشيئة الله سبحانه فليس له أن يقول لو شاء الله ما اقتتلت مع أخي الإنسان، لو شاء الله ما وقع لي النزاع ولا الصراع، فلا يحتج بمشيئته لأنه كإنسان نسبي محدود العلم لا يمكن له أن يعرف ما هي مشيئة الله عز وجل وإنما هو مخير في اختياره وفعله، هو مخير أن يختار الإيمان أو الكفر هو مخير أن يختار المنهج الذي يتعامل فيه مع الناس حين يختلف معهم، الاقتتال منهجية ما كان لها أن تحث بين الناس لو أن الناس قد اختاروا طريق الإيمان لو أن الناس قد قاموا بتنفيذ المنهج الرباني والتعاليم الربانية في واقع الحياة لو أنهم ساروا على منهج الأنبياء والرسل ما كان لذلك النزاع ولا لذاك الصراع أن يحدث. الصراع حدث من قبيل مخالفة المنهج الرباني في الواقع الإنسان فكان أمرًا طبيعيًا أن يحدث ذلك النزاع. ثم تنتقل الآيات مباشرة بعد ذلك لمخاطبة المؤمنين والجزء الثالث من سورة البقرة بأسره يتحدث عن المعاملات المالية ولكنه لا يخرج في حديثه عن المعاملات المالية عن منهج الإيمان، يصب في الإيمان فالإيمان بالله سبحانه وتعالى وتبيّن وحدة الاعتقاد والتصور في الشعور وتمثلها هي التي تعكس صدق وأمانة الإنسان في تعاملاته المالية. الجزء الثالث يتحدث كثيرًا عن تلك الأمانات وتلك التعاملات ويبدأ بذلك الخطاب المُحبَّب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٢٥٤﴾) الأمر بالإنفاق، لا يمكن للإيمان بالله سبحانه وتعالى أن يكون له صدى في قلب المؤمن وفي حياته دون أن يوثِّق ذلك الإيمان بالتصرفات، بالسلوك. والإنفاق وبذل المال الذي قد رزقك الله سبحانه وتعالى إياه وسائر المواهب وسائر القدرات وسائر القوى التي قد وهبك الله سبحانه وتعالى وأعطاك إنما هو من قبيل تصديق الإيمان بالفعل. الإيمان شعور، الإيمان اعتقاد أول ما يبدأ ويستقر في القلب ولكن ذلك الاعتقاد لا بد أن ينفّذ في الواقع، لا بد أن يتحول إلى سلوك، إلى أفعال، إلى أعمال ولذا جاءت الآية عامة (أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم (254)) قد يرزقك الله علمًا، قد يرزقك الله قوة في الجسد، قد يرزقك الله عز وجل قوة في المقال، قد يرزقك الله سبحانه وتعالى قوة في منصب أو جاه، قد يعطيك الله موهبة معينة لا يمتلكها أحدٌ سواك. عليك أولًا أن تستحضر أن كل ما لديك هو ليس من قبيل نفسك وإنما هو من قبيل رزق الله سبحانه وتعالى لك. والإنسان حين يستشعر أنه لا يمتلك شيئاً وأن الملك كله لله وأن الرزق كله لله وأن كل ما في يديك إنما هو من قبيل استخلاف الله عز وجل لذلك الإنسان حينها تبدأ تستقر مشاعر التواضع في سويداء قلبك. حينها يبدأ فعلًأ بتكريس مفهوم البذل والعطاء حينها يتخلص من الشحّ. الآيات في سورة البقرة في الجزء الثالث وضعت منظومة الإنفاق بشكلها العام بكل أنواع الإنفاق، حددت معالم تلك المنظومة وبدأت بالآية الأولى لتبين أن الإنفاق لا يمكن أن يؤتي ثماره دون أن تستشعر أيها الإنسان أن كل ما أنت فيه إنما هو من الله عز وجل وأن تردّ الفضل لمالكه الحقيقي وليس لك أنت وأن يكون حاضرًا في ذهنك كذلك أن الزمن والمدة المعطاة لك فترة محدودة فعليك أن تستفيق عليك أن لا تسوّف عليك عندما تأتيك الفرصة للبذل والعطاء أن لا تسوّفها أن لا تؤخرها لأنك لا تملك الساعة التي لم تأتي بعد في حياتك (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ) استبق الخيرات استبق الأعمال استبق البذل والعطاء استبق القدرة التي تمتلكها فأنت الآن تملك قوة في الجسد على سبيل المثال ولكن ربما بعد ايام تتحول تلك القوة إلى ضعف فربي عز وجل سيسألك حينها ماذا فعلت بالقوة التي قد مُلّكت حين كنت تملكها لأنها قد أُخذت عنك. هذه المعاني العظيمة تشكل الدستور الأول في منظومة الإنفاق تشكل المعالم الأساسية. ثم تنتقل الآيات بعد ذلك إلى أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي هذه الآية العظيمة التي جاءت لتكمل على ما جاءت به الآية الأولى، الآية الأولى أيقظت في نفس الإنسان أنك لا تملك شيئًا وأن الملك الحقيقي لله الواحد القهار وإذا بىية الكرسي تبدأ بلفظ الجلالة (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) عليك أن تتعرف من هو الرب الذي تبذل وتعطي وتقدّم لأجله وفي سبيله، تعرّف على الله، آية الكرسي تعرّف الإنسان على خالقه عز وجل بسرد صفاته سبحانه وتعالى صفات الله سبحانه وتعالى فتبدأ بلفظ الجلالة (الله) ثم تأتي على قوله عز وجل (لاَ إِلَـهَ إِلاَّ) تلك الشهادة التي لا يمكن أن تصح الأعمال ولا تُرفع ولا تقبل بدونها (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) شهادة التوحيد التي قامت بها السموات والأرض شهادة التوحيد التي يصلح بها أمر الأرض والسماء شهادة التوحيد التي جاء بها الأنبياء شهادة التوحيد التي هي دعوة الأنبياء من قبل والنبي صلى الله عليه وسلم من بعد، شهادة التوحيد التي قامت على أساسها كل الشرائع السماوية، شهادة التوحيد التي قامت على أساسها كل الأوامر والنواهي دعامة المنهج الرباني الذي أمر به عز وجل أن ينفّذ في واقع الحياة لا يستقيم أمر ولا نهي بدون تحقق تلك الشهادة شهادة التوحيد (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) لا يمكن أن يستقيم إنفاق ولا بذل ولا عطاء ولا منع بدون أن يتحقق في قلبك وفي واقعك أن لا إله إلا الله لا مصرِّف للأمور إلا الله لا مدبّر في الكون إلا الله لا رازق إلا الله لا واهب إلا هو لا أحد يعطي ويصرّف ويتصرف في الكون إلا هو سبحانه وتعالى. (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وجاءت بتلك الصفتين صفة الحياة المطلقة الدائمة ولذا جاء في الحديث “توكلت على الحيّ الذي لا يموت” الحياة صفة من صفات الله عز وجل حياة مطقة حياة دائمة، كل الأحياء على وجه هذه الأرض يموتون وهو سبحانه الباقي الذي لا يموت، كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه، (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) القائم على تصريف كل شيء من أصغر شيء في الكون إلى أكبر أمر فيه ما تسقط من ورقة على شجرة إلا يعلمها ولا تتحرك نسمة هواء في هذا الكون إلا وهو المحرّك الأول لها سبحانه لا يتحرك شيء في الكون إلا بعلمه إلا بإذنه إلا بمشيئته وإرادته سبحانه وتعالى قيّوم قائم على كل نفس بما كسبت، قائم على كل شيء، ملك متصرف في مملكته كأعظم ما يكون التصرف ملكًا ومنعًا وعطاءً وتصريفًا وتقديرا وأخذًا هذا التصرف العظيم لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى. وهنا تبدأ تتضح معالم ومقاصد أن تكون هذه الآية هي أعظم آية في كتاب الله، لماذا هي أعظم آية؟ لا يمكن أن يستقيم لي شيء دون أن تستقر تلك المعاني وإيماني بتلك الصفات الربانية في أعماق قلبي ونفسي وتتحول إلى حقيقة واقعة في شعوري وفي عملي حين أستشعر دومًا أن الله هو القائم بتصريف الأمور أن الله هو المدبّر لكل شيء في مملكته، ما هو الشعور الذي يحدث في نفسي أنا كإنسان ما هو التوجه الذي يحدث بعد ذلك حين تستقر تلك الحقيقة في أعماق قلبي؟ أبدأ استشعر بضعفي أنا كإنسان أمام قوة الله المطلقة سبحانه وتعالى أبدأ أستشعر بأنه لا أحد يستحق أن أتوجه إليه بالإيمان والاستسلام والخضوع والانقياد إلا الله الملك الحي القيوم، لا أحد يستحق الانقياد والخضوع. إذا كان لا أحد حيّ سوى الله سبحانه وتعالى وإذا كان لا قيوم سواه سبحانه وتعالى فلِمَ أوجه قلبي أو أخضع في تصرفاتي وأعمالي لأحد سواه؟ كيف أخضع لبشر يموتون وعندي الله سبحانه وتعالى الحيّ الذي لا يموت؟ لا تستقيم تلك المعاني. عندما تستقر مشاعر الإيمان والاعتقاد في قلبي بهذه الصفات استقرارًا حقيقًا كما تبنيه آية الكرسي بهذه الكلمات حين تستقر يبدأ القلب يخضع وينقاد ويستسلم لأوامر الله سبحانه وتعالى، يبدأ يسلِّم زمام أمره وقياد حياته في الصغيرة والكبيرة في الأمر وفي النهي في السلم وفي الحرب وفي الأسرة وفي الاقتصاد للخالق الحي القيوم الذي لا تستقيم الأمور إلا بإذنه. (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) الملك الحقيقي الملك الشمولي الملك الدائم (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) تخيّل كل ما في السموات وما في الأرض أحياء أشخاص أناس نباتات جمادات أشياء ما في شيء في الأرض ولا في السماء ولا من أحد إلا وهو ملك خالص لله سبحانه وتعالى حين تستقر هذه المعاني في قلبي هل يمكن أن يتبقى شيء في قلبي وفي تصوري يدين لأحد سوى الله سبحانه وتعالى؟ كل شيء له هو كل أحد أمره بيده سبحانه وتعالى فلا تبدأ هناك توجهات شركية ولا توجهات ندّية ولا توجهات مصطنعة أن البشر يملكون شيئًا من دون الله سبحانه وتعالى. حينها لا يمكن لقلبي أن يدين لأحد من البشر لا يمكن أن يخضع ويتوجه بالانقياد لحكم أحد من البشر من دون الله سبحانه وتعالى. (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) الشفاعة التي كان يزعم المشركون أنهم لا يعبدون من دون الله شيئًا إلا ليقرّبهم إلى الله زلفى نفاها ربي سبحانه وتعالى عن أحد (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) لا شفاعة إلا بإذنه سبحانه وتعالى فطالما أن لا شفاعة إلا بإذنه لمن أتوجه إلا له سبحانه وكيف أتوجه لأحد من دونه سبحانه وتعالى؟! ثم تأتي الآية على علمه سبحانه وتعالى العلم المطلق لتُدخل ذلك الإنسان في عملية مراقبة مستمرة دائمة لخلجات مشاعره لخواطره لما يدور في نفسه لكل صغيرة كبيرة فالله مطّلع عليها (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) علم مطلق، اطلاع مطلق على كل شيء في هذا الكون وعلى كل أمر وصغيرة وكبيرة ودقيقة في مشاعر البشر ومشاعر الناس. فطالما أن الأمر كذلك لي أنا البشر أن أتصرف في بعض الأحيان وأنا معتقد بأني بعيد عن علم الله ومراقبته سبحانه وتعالى وهو الذي يعلم كل شيء في هذا الكون؟! يعلم ما كان وما يكون، يعلم كل صغيرة وكبيرة ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء لا في سرّ ولا في علانية. (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) آية الكرسي العظيمة في كل مقطع من مقاطعها تبني في نفسي علاقة ودعامة لعلاقة مع الله عز وجل علاقة مبنية على قمة الإيمان بقدرته سبحانه وتعالى بسلطته المطلقة (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) الرب العظيم الذي تعرّف إلى خلقه في هذه الآية العظيمة أعظم آية في كتاب الله، بصفاته بقدره بعلمه بكل معرفته سبحانه وتعالى وقدرته المطلقة على خلقه هذا الرب العظيم كيف لي بعد ذلك أن لا أؤمن له ولا أستسلم له عز وجل؟! كيف يمكن لي بعد ذلك أن لا أؤمن برب بهذه الصفات العظيمة بهذه الأسماء الحسنى بهذه المواصفات، كيف؟! ولذا جاءت الآية التي تليها لتقرر أن الإيمان والاعتقاد لا يمكن أن يُبنى إلا على الحرية، لا يمكن أن يُبنى على الإكراه، لا يمكن أن يُساق الناس بالسلاسل للإيمان بالله عز وجل الإيمان مبناه الحرية في الاعتقاد، أنت حرٌ بعد ذلك. ربي سبحانه وتعالى عرّف خلقه به عز وجل من خلال هذه الآية العظيمة آية الكرسي ومن خلال آيات القرآن ومن خلال الآيات المبثوثة في الكون لك أنت يا إنسان بعد ذلك أن تختار وأنت حرٌ في اختيارك، بين أن تؤمن به سبحانه بعد أن تبين لك الرشد والهداية من الغيّ والظلم والبعد والغواية أو أن تكفر ولكن تأكد دائمًا أنك حين تختار وأنك حين تكون لك الحرية في الاختيار أنت مسؤول عن ذلك الاختيار (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) قمة حقوق الإنسان جاءت في هذه الآية العظيمة، حرية الاعتقاد لك أن تختار ما تشاء (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) تبين بعد أن أوضح الله سبحانه وتعالى كل تلك الايات العظيمة. وتأملوا معي كيف جاءت الآية (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ) طاغوت كل ما طغى وتجاوز وزاد عن الحد فهو طاغوت وتتنوع وتختلف وتتعدد أشكال الطواغيت في العالم وكيف تنشأ ظاهرة الطواغيت في العالم؟ حين يتصور الإنسان واهمًا أن أيّ أحد أو أيّ شيء في هذا الكون له مساحة أكثر من المساحة التي ينبغي أن تكون له، حين يعتقد متوهمًا أن أحدًا يمتلك شيئًا من دون الله سبحانه وتعالى، هنا يبرز الطاغوت. الطاغوت قد يكون شخصًا وقد يكون شيئًا كل ما يتجاوز الحدّ كل ما يتجاوز معالم المنهج الرباني الذي وضعه الله عز وجل له (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا (229)) يتحول إلى طاغوت، الإنسان المتجبر المتسلّط يتحول إلى طاغون حين يظن واهمًا أنه يمتلك السيطرة على مقدرات الناس والتحكم في حياتهم كما ستأتي الآية التالية في قصة الذي حاجّ إبراهيم في ربه، هذا طغى، هذا شكل من أشكال الطواغيت، اعتقد أنه يمتلك قدرة دون قدرة الله عز وجل اعتقد أنه يمتلك شيئًا وهو لا يمتلك فكل إنسان وكل شيء ظنّ متوهمًا أن له شيء من الأمر من قبل أو من بعد من دون الله فقد طغى ولذلك القرآن يحدثنا عن فرعون فيقول إنه طغى، زاد، ظغى حين تصور أشياءً ليست من اختصاصه وظنّ واهمًا أنها له. فمن يكفر بالطاغوت لا بد أن يؤمن بشيء آخر مقابل هذا الكفر، لا يمكن أن يكفر الإنسان ولا يؤمن بشيء مقابل ذلك الكفر، من يكفر بالطاغوت سيؤمن بالله ومن يؤمن بالله فقد استمسك وتأملوا في هذه الكلمة العظيمة ليس مسك وإنما استمسك، طلب التمسك بقوة وشدة بالعروة الوثقى، والعروة الوثقى على قول أغلب العلماء والمفسرين قول “لا إله إلا الله” كلمة التوحيد الخالدة، كلمة التوحيد التي قامت بها السموات والأرض، كلمة التوحيد التي جاء بها الرسل، كلمة التوحيد التي عليها صلاح العالم في الدنيا والآخرة، كلمة التوحيد التي لا يصلح العمل إلا بها. (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سميع يسمع كل صغيرة وكبيرة يسمع خواطر نفسك التي تحدثك بها دون أن تنطق بها، عليم بكل شيء، عليم بما يختلج في القلب من إيمان واعتقاد أو نفاق وكفر لا قدّر الله، عليم بكل شيء فصحح جوانب الاعتقاد في قلبك. تدبروا كيف أن آية الكرسي والآية التي تليها تبني الإيمان ولذا هي أعظم آية في كتاب الله تبني الإيمان تبني الاعتقاد على نور وبصيرة تبنيه على إيمانك بأن الله سميع عليم فراقب الله عز وجل فهو يسمعك وراقب الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة لأنه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ولا في شعور ولا في باطن ولا في ظاهر. أما وقد استقرت هذه الحقائق في قلب المؤمن، أما وقد رقى طلك الإنسان المؤمن بإيمانه وكفر بالطاغوت وآمن بالله واستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام ولا انقطاع لها، أما وأن هذه الحالة قد حدثت واستقرت في نفس الإنسان المؤمن فالله ولي الذين آمنوا (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ) تأملوا الربط بين الآيات عظيم، بعد الآية الأولى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النتيجة المترتبة (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ) ولك أن تتخيل واترك العنان لخيالك وأنت تتصور ماذا يحدث حين يصبح الله سبحانه وتعالى وليًّا لك، حين يتولى الله سبحانه وتعالى تدبير شؤونك وأمورك صغيرها وكبيرها؟ ماذا يحدث حين يتولى الله عز وجل تصريف أمورك المالية والاقتصادية والاجتماعية والأسرية وكل شيء في حياتك ماذا يحدث؟ ومن هو الله سبحانه وتعالى؟ الله عز وجل الذي عرّف خلقه به في آية الكرسي فقال (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) ماذا يحدث حين يتولى أمور حياتك ربك سبحانه وتعالى؟ الرب الذي له كل شيء، ماذا يحدث؟ إذن الآية التي سبقتها كانت هي الشرط لولاية الله لأمورك، لا يمكن أن يتولى الله عز وجل أمور حياتك وآخرتك دون أن تكفر بالطغوت وتؤمن بالله وتستمسك بالعروة الوثقى شهادة التوحيد اعتقادًا وقولًا وفعلًا وسلوكًا لأن كلمة التوحيد ليست مجرد كلمة باللسان، ليست أن أقول لا إله إلا الله فحسب، هي أشهد أن لا إله إلا الله ومعنى (اشهد) أن أحقق تلك الشهادة حضورًا في واقعي في تصرفاتي في أمري وفي نهيي في كل صغيرة وكبيرة في كل شيء في حياتي يشهد أن لا إله إلا الله، أنا أشهد أن لا إله إلا الله حين أعطي حين أسامح حين أعفو حين أتعامل مع الصغير مع الكبير تصرفاتي تصبح انعكاسًا لشهادة أن لا إله إلا الله بحيث أن كل تصرّف من تصرفاتي يقول وينطق أن لا إله إلا الله، يقول أن هذا الإنسان يشهد أن لا ربّ سوى الله عز وجل، أن الله سميع عليم بكل شيء، انعكاس أخلاقي وتعاملي انعكاس لتلك الشهادة العظيمة أصبحت ليست مجرد كلمة ولذلك من قال لا إله إلا الله موقنًا بها دخل الجنة، لأن تلك الكلمة ما عادت مجرد كلمة وإنما عادت عمل يحرك كل ذلك الإنسان يحرك كل كيانه يحرك كل خواطره ومشاعره وسلوكياته وتعامله وتصرفاته وبذلك استحق أن يكون الله سبحانه وتعالى وليًا لهذا الإنسان (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ) يتولى أمور حياتهم شؤونهم صغيرها وكبيرها. الله سبحانه وتعالى حين تولى أمر نبيه كان في الغار مع صاحبه (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا (40) التوبة) الله حين يتولى أمر العبد فلا عليه ما فاته من الدني فالله وليه حاميه وكافيه ورازقه. ولنا هنا أن نتخيل العلاقة بين أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي والرقية الشرعية التي تجعل الإنسان يشعر أنه متحصن، أنه في حصن، أنه في حماية وفي كفاية من رب العباد، كيف؟ تلك المعاني حينما تستقر في القلب يصبح الله عز وجل وليًا لك يصبح الله سبحانه وتعالى كافيك (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ (36) الزمر) من تخاف حين يكون الله عز وجل وليك؟! هل هناك أحدٌ في الكون يخيفك والله وليك؟! هل هناك أحد في الكون يستطيع أن يصل إليك والله وليك؟! هل أحد في الكون يستطيع أن يأخذ منك شيئًا والله وليك؟! (يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ) أيّ ظلمات؟ ظلمات الطاغوت، الطاغوت بطبيعته يُدخل الإنسان في ظلمات الشبهات، ظلمات الشهوات، ظلات الأهواء، ظلمات المصالح الشخصية المتعددة الغريبة التي تتنوع في كل وقت وفي كل زمان وفي كل مكان (يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ) وتأملوا الكلمة يُخرجهم هو الذي يقوم بإخراجهم وليس هم، أنت لا تخرج بنفسك، الله هو الذي يخرجك من الظلمات، الله هو الذي يخلّصك، الله هو الذي ينجّيك، الله هو الذي يُنقذك فقد أصبح وليًا لك سبحانه (يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ) نور الإيمان نور اليقين نور التوحيد نور العطاء نور اليقين بالله سبحانه وتعالى نور العمل الصالح الطيب، النور الذي يأتي في هذا القرآن العظيم، الله سبحانه وصف هذا القرآن بأنه نور، وصف آيات القرآن بأنها نور ولكن هذا النور لا ينتفع به كل مؤمن وإنما ينتفع به المؤمن الذي كفر بالطاغوت وآمن بالله، الذي استقرت في سويداء قلبه كلمة التوحيد هو الذي ينتفع بالنور وليس أيّ أحد من البشر. في المقابل (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) وتأملوا الكلمة (أولياء) جاءت بالجمع لأن الطاغوت ليس واحدًا الطاغوت متعدد، ه اشكال وأنواع وأصناف، هذا الطاغوت هو الذي يتولى تصريف حياة الكافر ولك أن تتخيل حياة إنسان أولياؤه هم الطواغيت، حياة الضنك، حياة الشقاء، حياة الحرمان، حياة العذاب، وتأملوا في الكلمة (يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) يصبح هذا الإنسان عبدًأ لذاك الطاغوت يتحكم في حياته يخضع له، يدين له، وهنا تظهر معنى آثار أن يسير الإنسان على المناهج الشيطانية دون منهج الله عز وجل يتحكم فيه شيطان الشهوة، شيطان الشبهات، شياطين الإعلام السيئة، شياطين الكفر، شياطين الضلال، شياطين الأفكار المنحرفة، الشياطين كُثُر والطواغيت كُثُر وهذا الإنسان أصبح مشتتًا ممزّقًا تتمزقه الأهواء والطواغيت يخرجونه قسرًا لأنه خضع لهم، لأنه دان لهم، لأنه أخضع حياته لمنهجهم، لقوانينهم، لتشريعاتهم من دون الله فكانت النتيجة أن خرج من نور التوحيد والإيمان إلى ظلمات الجهل والكفر والطغيان، إلى تلك الظلمات المتعددة المتنوعة مختلفة في أشكالها وصورها ولكنها في النهاية كلها ظلمات، كلها لا نور فيها، كلها ظلام، كلها تخبّط، كلها جهل، حياة هذا النوع من البشر نار في الدنيا قبل أن تكون النار في الآخرة (أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) هذا النوع من البشر الذي يتولاه الطاغوت يعيش في شقاء يعيش في نكد يعيش في تعاسة لا يدري ماذا يرضي؟ أيرضي شهوات هذا الإنسان أم يركض وراء نزواته أم يركض وراء سلطان أحد من البشر أم يرضي من؟ لا يدري أين يُرضي ولا من يُرضي، لا يدري أين يتوجه؟ لا يدري بأي قانون ولا بأي تشريع يدين أو يخضع بعكس المؤمن الذي لا يرى له مشرّعًا سوى الله عز وجل ولا منهجًا سوى المنهج الذي جاء في هذا القرآن العظيم، هذا هو الفارق هذه الآيات الثلاث العظيمة تشكل عظمة الاعتقاد الذي بنته سورة البقرة، تشكل قمة الاعتقاد والتصور الذي أرادت سورة البقرة أن تبنيه في نفس المؤمن تلك الايات العظيمة التي تبني كل الأعمال على الأرض الصلبة الراسخة من التوحيد واليقين بالله عز وجل ولذا كان من المناسب أن تنتقل الآيات إلى موقف إبراهيم وذاك الرجل الذي أنكر وجود الله عز وجل، الطاغوت، شكل من أشكال الطاغوت تقدمه الآيات، نموذج حيّ لطاغوت علا في الأرض وأفسد فيها بظلمه بكفره بإنكاره لوجود الله عز وجل وقدرته وصفاته العظيمة التي جاءت في آية الكرسي. هذه الآيات التي تتحدث عن الاعتقاد تبدأ بقوله عز وجل (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ) رجل امتنّ الله عليه بالملك وهو ليس بملك مطلق قطعًا، الملك المطلق لله الواحد القهار ولكن الله خوّله نعمة التصرّف في مكان معين، ملّكه نعمة التصرّف لوقت معين محدود، جزئي، ولكنه لم يفهم تلك المعادلة الصعبة وتصور حقيقة أنه يمتلك ملكًا حقيقيًا ذلك المكان، اعتقد أنه الملك من دون الله وتأملوا في اختيار نوع الحجة التي كان يقدمها لإبراهيم (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) وتأملوا الربط في قوله عز وجل (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) و (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) ربي سبحانه وتعالى هو الوحيد القادر على الإحياء والإماتة فإذا بهذا الطاغوت المتجبر المتكبر يقول واهمًا جاهلًا (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) أنا إن قلت للحارس الآن وأعطيته الأمر بقتلك سيقتلك وبذلك أكون قد أمرت بالإماتة وأحيي بمعنى إن لم أصدر الأمر فأصبح هذا الإنسان حيًا، جهل مطلق! تصور خاطئ! وتأملوا الربط بين هذا الموقف العملي لذلك الطاغوت وبين الآية التي سبقتها بقوله عز وجل (أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) نور الحقيقة نور الواقع. نور الواقع أن لا أحد يملك القدرة على الإحياء والإماتة إلا الله ولكن هذا الرجل المتجبر ما رأى تلك الحقيقة ما رأى ذلك النور لأنه قد أُخرج من نور الحقيقة والواقع إلى ظلمات الكفر والجهل فما رأى تلك الحقيقة وظنّ أنه يحيي ويميت. (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ) نوع من أنواع التعامل الرائع، هذه فيها لفتة عظيمة حين ترى أن الطرف الذي أمامك لا يرتقي إلى المستوى الذي أنت فيه حاول أن تخاطبه على قدر عقله، (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) وهنا لم يتمكن من المحاجّة أكثر من ذلك (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) وبقي على كفره (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ولنا أن نتساءل في دقة التعبير القرآن (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لِمَ لم يكتب الله الهداية لهؤلاء الظالمين؟ لأنهم لم يكونوا أهلًا ولا محلًا لتلك الهداية بظلمهم، الظالم ما عاد أهلًا ولا محلًا للهداية لأنه كفر، لأنه ظلم نفسه، أما لو أنه آمن لكان محلًا لهداية الله أما وأنه قد كفر فإن كفره وقع باختياره لأنه لا إكراه في الدين، الكفر قد وقع باختياره، الكفر قرار اختياري فكان مستحقًا للضلال وللغواية والبعد عن الله عز وجل بحكم اختياره وبحكم قراره أما وأن الإيمان قرار اختياري فالهداية نتيجة مترتبة وثمرة طبيعية لاختيارك الذي قمت به بأمر الله وهو الإيمان. ثم تقدم الآيات العظيمة صورة أخرى لذلك الإنسان الذي يمر على الآيات في الكون دون أن يتفطن إليها في حين أن المؤمن الفطن العاقل مطلوب منه ومطالب أن يقرأ الآيات المبثوثة في الكون، أن لا يمر عليها هكذا دون أن تحرك فيه سواعد وشواغل الإيمان، دون أن تحرك فيه بذور الإيمان والعودة والرجوع لخالقه سبحانه وتعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) وتأملوا هذه الآيات تتكلم عن الحياة والموت، عن الإحياء والإماتة والتناسب واضح بين آية الكرسي التي جاء فيها قوله عز وجل (الحيّ القيّوم) وبين هذه الآيات التي تتحدث عن مظاهر إحيائه سبحانه وتعالى لكل شيء في هذا الكون مظاهر حقيقية تدل على أن الله حيّ قيوم، هذه المظاهر يراها كل الناس مظاهر مفتوحة، مظاهر مشتركة، مظاهر يمر عليها المؤمن والكافر ولكن المؤمن يمر عليها فتحرك الإيمان في قلبه فتحييه من جديد وتخرجه من الظلمات إلى النور أما الكافر فيمر على الآيات فتزيده تلك الآيات كفرًا وظلمًا وظلمة لأنه استحب الكفر على الإيمان. (فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) قادر على كل شيء (قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ) انظر إلى قدرة الله عز وجل في الزمن (فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ) أشياء حسية أمام عينيك (لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم تتغير على الرغم من مرور تلك الفترة الزمينة، من الذي يحرّك السبب ويوقف السبب؟ الشيء الطبيعي أن هذا الطعام سينتهي تمامًا ويتحلل بمرور تلك الفترة الزمنية من الذي أوقف قانون التحلل؟ من الذي يحرّك قانون التحلل؟ الذي بيده الأسباب مسبب الأسباب سبحانه وتعالى فلا يبق التفاتك إلى الأسباب وتعلقك بالأسباب دون مسبب الأسباب. تأملوا كيف تصنع هذه الآيات الإيمان في قلبي، تصنع اليقين ترتقي بالإيمان واليقين في قلبي، توجّه قلبي دائمًا إلى التعلق بمسبب السباب دون النظر إلى الأسباب لأن هذه القضية مهمة جدًا في كل التصرفات والسلوكيات بما فيها قضايا المعاملات المالية التي ستأتي في الجزء الثالث من سورة البقرة. لا بد أن يرسخ اليقين في قلبك والإيمان بمسبب الأسباب، المال على سبيل المثال الذي سيأتي ذكره بعد قليل أسباب ولكن من مسبِّب تلك الأسباب؟ الله عز وجل (فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تأملوا في كلمة (كيف) الكيفية. مثال حسي مثال مادي أمام الأعين أمام البصائر أمام القلوب التي تستطيع أن تنتفع بالآيات وبالهدى فتأتي الآيات فتزيد منسوب الإيمان واليقين فيها. ثم تنتقل في نفس السياق في نفس الإطار إطار بناء اليقين بالله عز وجل هذه الآيات بأسرها تبني الإيمان واليقين تؤكده ترسخه في نفس الإنسان حتى لا يحيد ولا يزيغ عنه أبدًا. وتواصل الآيات في قصة إبراهيم عليه السلام وفي سؤاله عن كيفية إحياء الموتى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى) لتكرّس نواحي اليقين بآيات وصفات الله عز وجل آياته وقدرته على الإحياء والإماتة (وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)) وقبلها (أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)). (وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) العلم هنا ليس مجرد المعرفة أو العلم بالشيء المقابل بالجهل وإنما العلم هنا هو العلم اليقيني الذي يستقر في القلب فيحرك دوافع العمل والسلوك العلم الذي صنعته تلك الآيات في بدايات الجزء الثالث لتكرّس هذه المعاني من جديد لتصبح تلك المعاني حقيقة ثابتة راسخة في قلب المؤمن لا يتغير عنها ولا يحيد عنها لا في تصرفاته ولا في سلوكه فتأتي السلوكيات والأفعال مصداقًا لتلك الحقيقة الراسخة من اليقين والإيمان. ولذا تأملوا معي ذلك الترابط والتناسب العجيب الذي جاء يتحدث عن المعاملات المالية، ما دخل المعاملات المالية بعد الحديث عن الإيمان واليقين وصفات الله عز وجل وقدرته على الإحياء والإماتة وأنه حيّ قيوم؟ هذه الآيات انعكاس فعليّ عمليّ لتلك الحقائق الراسخة التي بُنيت في الآيات السابقة (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ) الآن حين تنفق وحين تعطي وتقدم ما لديك في سبيل الله أنت لا تنفق بعملية آلية، أنت تنفق بناء على حقيقة راسخة على يقين، اليقين بأن المال الذي تملك إنما من ملّكك إياه هو الله سبحانه وتعالى، أن المال سبب ومسبب الأسباب هو الذي أمرك بالبذل والعطاء فحين تبذل السبب في سبيل مسبب الأسباب سيجعل مسبب السباب لك أسبابًا لإغنائك وإثرائك وإبدالك وإعطائك ومجازاتك، يقين. ما اصبحت منظومة الإنفاق في سبيل الله غير مفهومة، لا، مبنية على يقين مبنية على أن ما اقدمه وما ابذله في سبيل الله سيعود عليّ بأضعاف مضاعفة لأن الذي سأبذل في سبيله هو الذي يمتلكها وهو القادر على مضاعفتها وهو القادر على محقها وإزالتها وهو المسبب الأساس الذي وهب وأعطى. تأملوا في صدى الإيمان واليقين حين يظهر في السلوك (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) مضاعفة الأجر والثواب لأن بيده أسباب كل شيء هو الله سبحانه وتعالى واسع عليم، صفات. إيماني بصفاة الله عز وجل انعكست على بذلي انعكست على عطائي انعكست على قدرتي على التخلص من الشح والوقاية منه باليقين، استلت من قلبي جذور الشح وتصور أن ما في يدي من مال هو ملك لي وأني حين أُنفق وحين أُعطي إنما ينقص مالي، المال لا ينقص بالصدقة، المال لا ينقص، المال يضاعف أضعافًا مضاعفة على قدر ما في قلبك من اليقين بأن الله سيضاعف، على قدر ما بقلبك من اليقين بأن الله قادر وأنه سيضاعف. وتأملوا في كيفية رسم معالم منهج ومنظومة الإنفاق في سورة البقرة، لا يكفي فقط أن تعطي مالًا أو تنفق مما لديك، لا، هناك آداب روحية، هناك أخلاقيات، هناك مشاعر ينبغي أن تًصقل وتسمو وترتقي، الإنفاق ليس لأجل الفقير وحسب الإنفاق أولًا وابتداءً لأجلك أنت يا من تبذل وتعطي وتقدّم. الإنفاق يأخذ من نفسك شوائبها وكدرها، الإنفاق يبرئ نفسك (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) سبيل الرب الذي آمنوا به (ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) عيب على الإنسان الذي يؤمن أن المال مال الله عز وجل وأن العطاء من عنده أن يُتبع ما ينفق بالمنّ على أحد وإظهار المنّة على ذاك الفقير أو ذاك الذي أُعطي المال، هذا لا يصح على المؤمن الذي عمُر قلبه بالإيمان واليقين بالله واستشعر حقًا وصدقًا أن المال ليس مالًا له وليس ملكًا خالصًا له وأن الملك الحقيقي لله الواحد القهار المال ليس لك، المال لله وإنما أنت قد خولك ربي بالتصرف فيه فانظر كيف تتصرف فيه، تأملوا هذه المعاني العظيمة (ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى) لأنه لا يليق بالمؤمن الذي قد استقر اليقين في قلبه أن يمن على أحد من الناس. عليك أن تشكر الله سبحانه وتعالى وتقدّم له الامتنان أن وضع في طريقك من تستطيع أنت أن توصل له الخير والعطاء الذي في يدك، هذا الفقير، هذا المحتاج، هذه الأصناف من البشر الذين هم أمامك الآن وفي طريقك وربي عز وجل هو الذي وضعهم في طريقك هم نعمة تستحق الشكر منك للخالق سبحانه وتعالى الذي جعل يدك أنت هي التي تمتد بالعطاء ولم يجعل يدك هي التي تمتد بالأخذ فمن هو المنّان ومن هو المعطي ومن هو الواهب على وجه الحقيقة أنت المخلوق الضعيف أم الله الواحد القهار الذي بيده كل شيء؟؟ ثم تستمر الآيات في نفس المنظومة لتهذّب نفس المؤمن وتجعل الفعل والسلوك مرآءة صادقة تعكس صفاء الإيمان ونقاوة اليقين الذي قد استقرّ في قلبك (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) لا يخالج فكرك أبدًا ولا يخالج مشاعرك في لحظة من اللحظات أنك حين تنفق أنت صاحب الفضل والعطاء أبدًا، فالقول المعروف والكلمة الطيبة صدقة (وقولوا للناس حُسنا) هذا ما بنته تعاليم المنهج الرباني في سورة البقرة (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى) العطاء ليس في حجمه المادي، العطاء ليس في الحجم الذي تعطيه، العطاء الحقيقي في حجم الأثر الحسن والفعل الذي يتركه ذلك العطاء فهب أنك أعطيت أحدًا من الناس ألف دينار ولكنك تركت في نفسه أثرًا سيئًا بكلمة جارحة أو بمنّ أو أذى ويأتي شخص آخر فيعطي دينارًا واحدًا بكلمة حسنة بوجه طلق سمح بشوش يُدخل السرور على نفس ذلك المحتاج، ايهما أحسن؟ ايهما أجدى نفعًا؟ أيهما أطيب أثرًا؟ الأمور بغاياتها ومقاصدها في شرع الله، في المنهج الرباني الأمور بمقاصدها وليس بجزئياتها وبالتالي الإنفاق ليس بحجم الإنفاق الذي تنفق الإنفاق كمنظومة تُبنى في قلبك وفي نفسك بحجم الأثر الحسن الذي تتركه وعليك أن تستحضر هذه المعاني العظيمة حين تنفق. كما أن عليك أن تستحضر أن الله غني عن تلك الصدقة فهي لا تصل إليه سبحانه وتعالى، الله هو الغني وأنتم الفقراء، إذن المحتاج إلى الصدقة أنا وأنت فالله هو الغني الحليم. وتستمر الآيات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى) وتأتي بالأمثال الواقعية الحقيقية، المنّ والأذى يُبطل الصدقة، يبطل معنى الصدقة، لا تعد الصدقة لها اثر حتى وإن كانت القيمة المادية لتلك الصدقة كبيرة، الأشياء ليس بقيمتها المادية بل بقيمتها المعنوية التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون فيها. وتستمر الآيات بعد ذلك ليأتي التوجيد من جديد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ) أخرِج أحسن ما لديك لأن من أعطاك أحسن ما لديك هو الله سبحانه وتعالى وبقدر يقينك بتلك الحقيقة بقدر ما ستُخرج وتُنفق، لا يمكن للبخيل أن يكون قد وصل اليقين بالله عنده إلى مرحلة أو درجة ويبقى على بخله، مستحيل! اليقين كلما زاد في قلبك كلما ازداد بذلك وعطاؤك وسخاؤك، لا يستقيم الإيمان والبخل أبدًا، لا يستقيم الإيمان والشحّ والشحّ هو البخل إنما هو اتهام لارادة الله وقدرته سبحانه على أن يعطيك على أن يزيدك حين تنفقك، اتهام وسوء أدب مع الله سبحانه وتعالى ولذا تأملوا الآية التي تليها (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) يعدكم الفقر ويصور لك أنك حين تنفق إنما يقل المال وينقص وواقع الأمر أنك حين تنفق يُنفق عليك وأنك حينما تخرج الصدقات من مالك إنما يزداد ذلك المال وينمو ويربو، هذه هي الحقيقة وأن عطاء الله عز وجل لا نهاية له وأن عطاء الله عز وجل لا ينحصر في الأشياء المادية، في الألف والألفين، إنما هو عطاء بكل أشكاله وصوره، الحكمة من عطائه سبحانه، أن تفعل وتتصرف بالطريقة الصحيحة في الموقف المناسب هذا من عطاء الله عز وجل الحكمة من عطائه، الحكمة لا تشترى بالأموال، الحكمة تشترى بيقينك بالله عز وجل بقدرتك بسخائك بإخرج الشح من قلبك ومن نفسك لتصبح إنسانًا معطاء فالمؤمن كالغيث يعطي سخيّ لأنه موقن ويقينه قد وصل بما في يد الله عز وجل أكثر من يقينه بما في يده هو، هذا هو الإيمان الذي تصنعه سورة البقرة، هذا هو الإنفاق الذي تصنعه سورة البقرة. وتستمر الآيات (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ) الصدقة سواء كانت سرّا حين يقتضي الأمر السر أو علانية حين يقتضي الأمر الإعلان وتشجيع الآخرين على البذل والعطاء في كل الأحوال أنت تبذل لله، صحِّح النية، صحح السرّ، أنت تبذل في سبيل الله وكلمة (في سبيل الله) لا بد أن تبقى من أعظم المعالم في منظومة الإنفاق في حياتك، إياك أن تعطي ولو فلسًا واحدًا في غير سبيل الله لأنه سيزول لأنه لا قيمة له أما حين تبذل في سبيل الله فالبذل والعطاء من أعظم الأشياء التي منّ الله سبحانه وتعالى بها عليك. ولذا جاءت الآية في قوله (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) ولذلك تستمر الآيات في هذا الجزء من سورة البقرة بإعطاء نماذج لأولئك الذين يستحقون العطاء أكثر من غيرهم أولئك الذين لا يُظهرون للناس الفقر والحاجة والعوز، أولئك الناس الذين قد علت هممهم أولئك الناس أصحاب الكرامة أصحاب الهمة العالية، المؤمن لديه همّة المؤمن لديه كرامة، المؤمن لا يقبل أن يدوس أحد على كرامته ولو بشعرة مقابل حاجة مادية، المؤمن عزيز، جاءت عزة المؤمن من إيمانه بأن الله عزيز حكيم، المؤمن عزيز، نعم قد يكون فقيرًا ولكنه فقير عزيز النفس لا يتذلل ولا يخضع لأحد لا يفتح لى نفسه أبواب المسألة “فمن فتح على نفسه باب مسألة وهو ليس في حاجة إليها فتح الله عليه أبوابًا من الفقر”. المؤمن عزيز وعزة المؤمن لا تأتي من فقره ولا من غناه المادي وإنما تأتي من يقينه بالله، تأتي من إيمانه بأن الله قادر على أن يعطيه، تأتي من إيمانه بأن الأرزاق بيد الله عز تأتي من إيمانه بأن العطاء لا يأتي من فلان ولا من علّان العطاء يأتي من الرب الذي يعطي سبحانه وتعالى، المؤمن عزيز والآيات توجه النفوس الكريمة إلى أن تبحث عن أولئك المؤمنين المتعففين الأعزة الذين لا تدفعهم الحاجة إل التذلل والخضوع لأحد، ذاك المؤمن الذي يستحق العطاء فعلًا. أولئك الأصناف من البشر الذين يستحقون العطاء وهذا المؤمن الذي ينفق سرًّا وعلانية بالليل والنهار أصبحت عملية الإنفاق عملية متواصلةتدبر سورة البقرة – 5- د. رقية العلواني