تدبر سورة الأعراف- الحلقة الثامنة –
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
وقفنا في لقائنا السابق في تدبر سورة الأعراف عند قوله تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا، هذا المثال الذي يأتي متناسباً تماماً مع ما سنأتي عليه اليوم في حديثنا عن قصص الأنبياء تلك القصص التي جاءت لتقدم المثال الذي مر به الإنسان في مسيرته على هذه الأرض وهو يصارع الباطل، الإنسان الذي يتبع ما أنزل إليه من ربه الإنسان الذي لا يتخذ من دون الله وليا الإنسان الذي لم يبتغي إلا منهج الحق له طريقاً في هذه الحياة مبيناً في تلك القصص والآيات والعبر والمواعظ النهايات والبدايات وتناسب المقدمات مع النتائج المترتبة عليها ، قصص الأنبياء مع أقوامهم ، ما لاقوه من متاعب ومشاكل في تبليغ رسالة الحق وكل ما سيأتي عليه ذكره في هذا السياق يتناسب تماماً مع قوله عز وجل والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، النفس البشرية سواء كانت فرداً أو جماعة مجتمع كالبلد الطيب كالأرض التي تكون مستعدة بعد أن ينزل عليها الغيث كما جاء في الآية التي سبقت هذه الآية كذلك، تكون مستعدة لأجل أن تنبت كل طيب من ثمرات من فاكهة من كل ما أنعم الله سبحانه وتعالى لماذا؟ لأنها أرض وتربة خصبة صالحة للزراعة ما إن ينزل عليها الغيث حتى تنبت بتلك النعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها على البشر ذلك لأنها أرض طيبة وليست خبثة وعلى عكسها تماماً الأرض الخبيثة السبخة الأرض التي لا تصلح للزراعة، مهما نزل عليها الغيث من السماء لا يغير فيها شيئاً لا يحيي فيها شيئا وربي سبحانه وتعالى في الآية التي سبقت كما ذكرنا قال وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت في الآية الأولى قال البلد الميت والآية الثانية قال البلد الطيب الموت والحياة والطيبة والخبث مواصفات كما أنها تنطبق على ما خلق الله سبحانه وتعالى كذلك تنطبق علينا نحن البشر هناك من الناس من يكون ميتاً بكفره وبعده عن منهج الله سبحانه وتعالى والكفر موت موت حقيقي موت معنوي موت لتلك الصلة الروحية التي تربط بين الإنسان وخالقه وما هي الحياة هل هي الحياة هي تلك الحياة فقط المنبثة في الجسد المكون من مادة الطين أم أن الحياة الحقيقية التي يريد القرآن أن ننتبه إليها هي حياة الروح حياة القلب ولا تكون حياة للروح ولا للقلب بدون الإيمان الكفر يميت الإنسان، الكفر يميت تلك الروح العظيمة التي كُرم وشرّف بها الإنسان ولذلك ربي عز وجل حين جاء بأوصافٍ تنطبق على تلك الأرض الأرض الميتة والبلد الطيب والخبيث والحي والميت مواصفات كذلك فينا نحن البشر، القلب الطيبـ القلب الذي هو بحاجة فعلاً إلى أن يأتي عليه الغيث من السماء غيث الوحي كلمات الوحي آيات الرسالات التي نزلت مع الأنبياء الإيمان بالله سبحانه وتعالى التوحيد فإذا بذلك الغيث غيث التوحيد يحييه من جديد فيخرج من كل عمل صالح طيب قول أو عمل بالفعل لأن الإيمان يجعل للأعمال وللأقوال معنى يجعل لها قبول عند الله سبحانه يجعل من كل كلمة أو فعل يتصرف فيه الإنسان هدف مقصد وهذا المقصد وهذا المعنى هو الذي يجعل لتلك الأعمال قيمة بعكس الإنسان الخبيث أو البلد الخبيث أو الأرض التي كما ذكرنا قبل قليل مهما ينزل عليها من الغيث ومن الماء من السماء لا يحيي فيها شيئاً لأنها ماتت، لأنها ما عادت تستقبل معاني الرحمة الموجودة في ذلك الغيث، ما وجه التناسب بين الحديث والتمهيد بهذه الآيات لما سيأتي عليه القرآن في السورة هنا من ذكر رسالات الأنبياء وما لاقوه من معاناة ومن صعوبات مع أقوام تناسب واضح جداً، رسالات التوحيد التي جاء بها الأنبياء كلمة واحدة اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، هذه الكلمة هي كالغيث ترسل ويبلغ بها النبي كل الأنبياء أقوامهم ولكن من هؤلاء القوم من يكون في نفسه شيئاً من الحياة، فتأتي عليه تلك الكلمة فتحيي فيه من جديد معاني التوجه للخالق سبحانه وتعالى، بلد طيب لديه استعداد فطري لتقبل معاني الإيمان فيثمر، يثمر عملاً صالحاً ، يثمر قولاً طيباً، يثمر تصديقاً برسالات الأنبياء، سيراً على ذلك المنهج الذي جاءوا به وبعكسه من البشر كذلك، من لا يمكن أبداً أن يتقبل تلك الرسالة، رغم أن الرسالة واحدة، الماء واحد، الغيث الذي ينزل من السماء واحد، ولكن الأرض التي تتلقى وتستقبل ذلك الغيث مختلفة، منها ما هو طيب ومنها ما هو خبيث، وكذلك البشر، هم جميعاً قد بلّغوا رسالات الأنبياء، منهم من تقبل تلك الرسالة، استقبلها، استقبلها بالإيمان والتصديق، ومنهم من ران على قلبه، فلفض تلك الرسالة، ورفضها جملة وتفصيلا، ومن هنا بدأت القصص، قصص الأنبياء، لتعطينا نموذج مثال حي لما يمكن أن يعرض للإنسان في مسيرته على هذه الأرض، وهو يصارع الباطل، وهو يريد أن يحقق الحق، متمثلاً في أولئك الصفوة من الخلق كالأنبياء، الأنبياء وابتدأ الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف بذكر نوح عليه السلام وفي الآيات في كل آية من الآيات وقصة من القصص سنجد عشرات المواقف التي تربط ليس فقط بين أولئك الأنبياء في مسيرتهم مع أقوامهم وبين ما كان يمر به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم مع قومه، وإنما مع الإنسان بشكل عام في كل زمان وفي كل مكان، بناءً على المنهج الذي يختاره أن يسير عليه في حياته، منهج الحق، منهج الخير، منهج رسالة الأنبياء، ولذلك ربي سبحانه وتعالى بدأ قوله لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه، والله سبحانه وتعالى في كل هذه القصص التي سيذكر، كان يختار من كل الأقوام رسولاً من بينهم، لماذا الرسول يكون من القوم ، من نفس القوم، من نفس العشيرة، يعرفونه، يعلمون من هو، يعلمون أين نسبه فيهم، يعلمون كل شيء عن حياته السابقة قبل أن يبلغ قبل أن تنزل عليه الرسالة، فلما كانوا يعلمون كل شيء عن حياته، كان ذلك أدعى وأولى بأن يكونوا هم أول من يصدق بتلك الرسالة، النبي كل الأنبياء، ما كان أي نبي من الأنبياء غريباً عن قومه أو عن عشيرته التي أُمر بإيصال الرسالة إليها، هو من بينهم، هو من وسط تلك المجموعة من البشر، ويعرفون عنه كل شيء، وهكذا كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، يعرفون عشيرته ويعرفون أهله ويعرفون كل تفاصيل حياته قبل البعثة، فكان الأولى والأجدر، أن يكونوا هم من يبادرون بالتصديق برسالته، ولكن واقع الحياة يختلف عن هذا الجانب، يقول الله عز وجل لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، رسالات الأنبياء لم تكن رسالة معقدة ، لم تكن رسالة قائمة على مبادئ أو أفكار فلسفية، مغرقة في التعقيد، أو في التشابك، أو في عدم القدرة على أن تقوم بإيصال المعنى مباشرة بوضوح إلى من يدعوهم، أبداً، كانت رسالة في غاية العمق، ولكنها في نفس الوقت في غاية التبسيط في غاية اليسر والسهولة، تصل وتخاطب ضمائر البشر، على مختلف التفاوت الموجود في عقول البشر وأفهام البشر، نحن نعلم أن الناس يتفاوتون في الفهم في الإدراك، في القدرة على التقبل، على التواصل، على تفهم المعاني، هذه المدارك المختلفة شيء معروف بين البشر، ولكن كل رسالات الأنبياء جاءت لتخاطب الناس عامة، وهذا أمر عظيم يدل على أن تلك الرسالة ما كانت من لدن هؤلاء الأنبياء كأشخاص بل هي من لدن الخبير العليم اللطيف الذي وسع كل شيء علما، العالم سبحانه بطبائع عباده ومستوياتهم ومداركهم، فالرسالة واضحة جاءت برسالة التوحيد، والتوحيد على الرغم من اختلاف ما دعى كل الأنبياء أقوامهم إليه، في التفاصيل، نجد أن بعض الأنبياء ركزوا على الجوانب والأمراض الاقتصادية المتفشية في أقوامهم، البعض الآخر ركز على الإنحراف الأخلاقي في السلوك، البعض الآخر إنحرافات اجتماعية، على الرغم من كل هذا الاختلاف والتباين في التفاصيل، ولكن الدعوة الأساسية الأولى هي دعوة التوحيد، لم تختلف ، لا بين كل الرسل الذين سبقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا بين رسالة نبينا الكريم، ولا بين كل ما نحن فيه من حديث التوحيد، وهذا الأمر يستدعي أن نقف عنده وأن ندرك أن رسالة التوحيد رسالة جامعة رسالة تجمع أمهات الفضائل رسالة كفيلة بأن تدفع عن البشرية كل أنواع الشعور والمفاسد المختلفة في الفرد أو المجتمع، لماذا؟ لأن الكلمة كلمة التوحيد في قوله عز وجل اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، اعبدوا ما لكم من إله غيره، توجه بالعبادة مبني على إخلاص التوجه الذي هو التوحيد لله سبحانه، هذه دعوة ليست دعوة نظرية، ليست مثل تجريدية، التوحيد في القرآن ليس مثالاً تجريدياً بعيداً عن واقع الناس، صحيح التوحيد كلمة لا إله إلا الله ، ولكن هو منهج حياة، هو منهج عمل، هو تطبيق، حين يتوجه الإنسان بالعبادة لله سبحانه وحده دون سواه، ويخلص من نفسه أدران الشرك والتوجهات المختلفة التي يأخذ عنها ومنها المنهج الذي يسير عليه في حياته دونما شك يثمر ذلك كل أشكال الصالحة، وكل الفساد الذي ظهر في كل الأمم السابقة كما سنأتي عليه، فساد اقتصادي، فساد أخلاقي، إنحرافات جنسية، كل أنواع الفساد، إنما جاءت بطريقة أو بأخرى، من فساد العقيدة والعلاقة بين الله سبحانه وتعالى وبين ذلك العبد، أفسد العلاقة مع الله، أفسدها بالشرك، أفسدها بالكفر، فحين أفسدها بالكفر، أصبح القلب والعقل يتوجه بغير الله سبحانه وتعالى، فاتخذ من دون الله ولياً، يتولى شؤون حياته، يتولى إدارة أموره، وحين أصبح الأولياء، سواء كانت منهج الآباء أو منهج الأجداد أو .. أو.. أو ، تعددت الأشكال، حين يصبح المنهج الذي يحرك الإنسان في رحلته ومسيرته على الأرض، غير منهج الحق الذي أنزل الله مع أنبيائه، لا يمكن لذلك الإنسان أن يهتدي، قطعاً ستصدر منه تلك الانحرافات التي جاء ذكرها في قصص الأنبياء، إذاً عقيدة التوحيد كانت جديرة بأن تكون هي الكلمة الأولى والوحيدة في كل القصص مع كل الأنبياء والأقوام الذين أرسلوا إليهم، والذي يُلفت كذلك النظر أن النبي ليس نبياً فظاً، أي نبي هنا نوح عليه السلام ليس نبياً فظاً في تعامله مع من يدعوهم، على الرغم من أنه يدعوهم إلى شيء فيه خير وصلاح، ويدعوهم للنزوع عن أمر فيه كل الشر من كل ما يراه منهم من شرك ومن مخالفات، ومع كل هذا فهو يبادر بإظهار التعاطف الشديد مع إنسانيتهم، ومع فطرتهم، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، الدافع الذي يدفع به لتبليغ الدعوة بعد أمر الله سبحانه، دافع إنساني، أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، هذا النبي وهؤلاء الصفوة من البشر لم تحركم دوافع شخصية ولا دوافع مصالح، ولا دوافع لتحقيق ذات أو سمعة، أو رفع اسمهم عالياً بين الأمم، إطلاقاً، رسالات الأنبياء كل الأنبياء، لم تكن الدوافع وراءها، أن يكون للإنسان ذكراً، كثير من البشر، كثير من الناس الذين يريدون أن يدخلوا إلى التاريخ من أوسع أبوابه، إنما يريدون في دعواهم في دعاويهم فيما يدعون إليه من البشر، يريدون أن يبنوا لهم مجداً، صرح من المجد، أن يذكر التاريخ أسمائهم، ولكن هؤلاء الصفوة من البشر وبما فيهم طبعاً وأولهم نبينا صلى الله عليه وسلم، ما كانت القضية بالنسبة لهم قضية بناء مجد على حساب الرسالة، أبداً، ولذلك تحيرت قريش في أمر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا له بصريح العبارة، أرادوا أن يساوموه عن الدعوة، أرادوا أن يدخلوا معه في مفاوضات، تريد ملكاً ملكناك، تريد مالاً نعطيك حتى تصبح أكثرنا مالاً، تريد سيادة وعزة سودناك، ماذا تريد؟، لأنهم حصروا كل الدوافع التي يمكن أن تدفع بالبشر لأجل أن يواجهوا أقوامهم بتلك القوة في هذه الدوافع الشخصية، الإنسان يريد أن يبني له مجداً، ممكن، أو مالاً أو شهرة، أو أو ، أو منصب، أو سلطة، الشعور بالسلطة كذلك من الدوافع، ولكن الذي لم يحسبوا له حساب، أن يكون الدافع الحقيقي هو الإيمان، وتلبية نداء الإيمان، دافع عظيم، وهو في واقع الأمر تهذيب، تهذيب لكل المصلحين والدعاة، لكل أصحاب المشاريع الخيرة البناءة في مجتمعاتنا، حدد الهدف، حدد الهدف والغاية، وعندما تقوم بتحديد هدفك من ذلك المشروع الإصلاحي الكبير، سواء كان اقتصادي أو اجتماعي أو تربوي أو تعليمي أو أسري أو إعلامي، حاول أن تجعل الهدف هدف سامي، هدف لا يرتبط بمصلحتك الشخصية، لأن كل الأهداف المرتبطة بالمصالح الشخصية إلى زوال، وكل الأهداف المرتبطة بتلك الغاية العظيمة غاية التوحيد باقية، ولذلك نحن اليوم بعد مئات آلاف السنين، كم سنة مرت على نوح عليه السلام، نحن نذكر أسماء هؤلاء الأنبياء بالكتاب، ونحن نتلو ونقرأ القرآن، من الذي مجد هؤلاء الأنبياء، من الذي بنى لهم عزاً لم يسعوا في واقع الأمر هم بذاتهم إلى بنائه، كيف أصبحت هذه الأسماء العظيمة هي الأسماء التي تُذكر ولا يذكر سواها، علماً بأننا في الآية مباشرة التي بعدها قال الملأ من قومه إن لنراك في ضلال مبين، أين الملأ، ومن هم هؤلاء الملأ، وما هي أسمائهم، سقطت، سقطت من التاريخ ما عاد لهم ذكراً، سوى أهم ملأ، أما هؤلاء الصفوة من الخلق الذين ما كان سعيهم في يوم من الأيام لأجل أن يرفعوا اسماً، أو شهرة أو منصباً أو ما شابه، خلدت ذكراهم، بقيت أسماؤهم، وأصبحت آيات تُتلى على العالمين، وقفة جديرة بأن فعلاً نتوقف عندها اليوم، المجد الحقيقي فيما يقوم به الإنسان من عمل خالص لوجه الله، أمّا كل الأعمال التي لا تكون خالصة لوجه سبحانه، زائلة، إلى فناء وإلى زوال، وفي كل القصص وفي كل الآيات مع الأنبياء، تأتينا هذه العبارة قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين، الملأ مجموعة متنفذة من الناس، لها سلطة، لها كلمة مسموعة، لها قول، بل لها حتى كذلك بسطة في المنظر وفي المكانة الاجتنماعية المرموقة تملأ العين، حين يراهم الناس لهم مكانة، ولكن المكانة الاجتماعية والسلطة وأن يكون الإنسان متنفذاً وأن يكون له فعلاً مكانة مرموقة بين الناس لا تغني عنه شيئاً، أبداً، إذا لم يوظف ما مكّنه الله سبحانه وتعالى في طاعته وفي عبادته، كل هذه الأشياء ستذهب عنه، وتدبروا معي في التناسب ربي سبحانه وتعالى في بدايات سورة الأعراف إذا رجعنا إلى البدايات قال ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون، وهنا يذكر لي الملأ، قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين، هؤلاء الملأ من الذي مكّنهم، من الذي جعل لهم معايش في الأرض، من الذي أعطى القوة والمنعة والبسطة في الجسد وفي المال وفي العلم من؟ والكلام في ذات الوقت موجه لقريش لأن أكثر الناس مواجهة لدين الحق عبر التاريخ ومنها كذلك رسالة الإسلام هم الملأ ، الفئة المتنفذة في المجتمع، تقف حاجزاً وحائلاً بين الناس وبين وصول رسالة الحق إليهم، العائق الكبير بين الأنبياء وبين تحقيق دعوة ومنهج الإصلاح، فالآية في قوله عز وجل قال الملأ من قومي كذلك قريش، قريش واجهتك كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن مصير هؤلاء لن يختلف عن مصير الأمم السابقة، سنة الله جارية في كل هذه الأمة وباقية، هذا قانون، أن ذلك التنفذ والتمكن الذي أعطاهم الله سبحانه وتعالى إذا استعمل في الكفر والعصيان والصد عن سبيل الله سبحانه وتعالى سيكون وبالاً عليهم، النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وربي عز وجل ، أولاً يخاطبه بهذا القرآن ويخاطبنا جميعاً، قال في بدايات سورة الأعراف كتاب أنزل إليك من ربك فلا يكن في صدرك حرج منه، والحرج والضيق كما ذكرنا من تلك ردود الأفعال التي كانت تأتي من القوم، ما جاء به النبي نوح عليه السلام في هذه القصة، هو الهدى، وهدى مبين، واضح ، يستجيب له العقل السليم، وترتاح إليه الفطرة السليمة مهما علاها من غبار الشرك والبعد عن الله سبحانه، ولكن القوم هؤلاء الملأ قالوا إنا لنراك في ضلال مبين، عكس تماماً تلك الرسالة، رسالة الأنبياء رسالة هدى مبين، وهؤلاء الملأ يقولون عنه أنه في ضلال مبين، تدبروا معي في هذه المعاني العظيمة، الإتهام، الإتهام بعكس ما يكون عليه النبي في قومه وفي رسالته، وتدبروا معي في الرد، قال يا قومي ليس بي ضلالة، هم اتهموه ضلال مبين، والضلال أنواع متعددة، الضلالات ليست على شكل واحد، وهذا النبي الكريم نوح عليه السلام، قال يا قومي ليس بي ولا حتى ضلالة واحدة، أنا لست فقط إني أنا لست في ضلال، ولكني بقوله ليس بي ضلالة، نفى عنه كل أشكال الضلال، الجهل، التعالي، عدم المعرفة، أشياء مختلفة، كل أشكال الضلالة، الضلال ليس على شكل واحد، ولكني رسول من رب العالمين، والآية هنا ببساطة الجواب وطبيعة النقاش الذي كان يدور بينه وبين قومه، وبين الملأ، يبين لنا حقيقة مهمة جداً، أن الإنسان في تعامله أصحاب المشاريع الخيرة الإصلاحية، ينبغي أن يتعاملوا مع الناس على قدر عقولهم فعلاً، وأن لا يكونوا بعيدين عن مستوى الفهم ولا حتى التعاطي الذي يتعاطونه مع أقوامهم المختلفين في مداركهم ومفاهمهم وعقولهم، كلمات موجزة ليس بي ضلالة، ولكني رسول من رب العالمين، ما هي وظيفة الرسول فقط أبلغكم، كل الرسل جاؤوا بدعوة البلاغ، وبمهمة البلاغ، الرسالة في حد ذاتها، مفهومها ومنطوقها، أنا ليس لي فيها شيء، هذا ما أراد أن يقوله هذا النبي الكريم، وكل الأنبياء، محتوى الرسالة ليس للنبي فيه دخل أبداً، فقط التبليغ، أبلغكم رسالات ربي، ولكن هذا البلاغ لا ينفك عن النصح، وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون، والنصح أن يتحرى الإنسان أفضل شيء ليقدمه للآخرين، والنصح لا يمكن أن يكون من طرف غير محب، النصح فن نحن نفتقده في كثير من الأحيان، أذكر أني في يوم من الأيام وقفت على كتاب باللغة الإنجليزية، اسمه The art of Advice ، فن النصيحة، يتكلم عن الآداب وعن الطرق وعن الوسائل وعن ما يمكن أن نطلق عليه سيكولوجية النصح، فهم نفسية المقابل الطرف الذي أنصح له، وكيف يمكنني أن أتعامل معه، ولكن في خضم ما نحن فيه ، أصبحت النصيحة في زماننا وصعرنا، ثقيلة على النفس، لا تنجذب إليه النفوس، لأن أصبح هناك خلط في المفاهيم، هنا النبي الكريم نوح عليه السلام أوضح في هذا الخطاب مع قومه أن دوره دور مبلغ، ولكن هذا البلاغ قائم على النصح، قائم على محبة الخير له، قائم على محبة أن يقدم لهم أفضل ما يمكن، ولذلك هو يبلغهم ويقدمه لهم، وهذا لفتة جميلة جداً في باب النصيحة، مهم جداً أن الإنسان حين ينصح يؤكد للطرف الآخر ليس فقط بالكلمات بالتصرف، ويمهد له بأن الدافع الأساسي والأصلي وراء تلك النصيحة إنما هو للمحبة والخوف، وهو في بداية الأمر قال أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، ناصح، ولذلك هذه المفاهيم وإشاعة تلك المفاهيم وبنائها مع قضايا النصح والتناصح، نحن نحتاج إليها اليوم، هذا لنجدد مفاهيم النصيحة في حياتنا، لكي لا تصبح النصيحة فعلاً عبئاً على الناصح وكذلك شعوراً بأنها ثقيلة وغير مقبولة من قبل المنصوح، نحتاج أن نشيع هذه المفاهيم فيما بيننا، في المقابل يحتاج كذلك الإنسان أن يتواضع الإنسان الناصح، ونحن في حديثنا وتدبرنا لهذه الآيات لنا أن نتخيل، نحن في مجتمعنا، قوم نوح هذا مجتمع، مجتمع فيه ناصح وفيه الملأ، فيه فئةع فئة الملأ، وهذه الفئة بطبيعة الحال كما ذكرنا قبل قليل متنفذة متمكنة تقوم بتزييف الحقائق وتزويرها، لدرجة أنها تقول عن الحق أنه ضلال مبين، والفئة الأخرى هي فئة الناصح، الناصح الأمين، الذي يريد أن يوصّل رسالة حقيقية، رسالة قائمة على الصدق وليست على التزييف أو التزوير، والذي يلفت النظر كل مجتمع قديماً وحديثاً، لا يخلو من هاتين الفئتين، أبداً، أفراد أو جماعات، فئة الملأ الذين يقومون بالمداهنة على حساب مصلحة الناس، المصلحة العامة، ويصدون عن سبيل الله، والفئة الأخرى فئة الناصحين، لماذا بعض الناس لا يقبل على الناصحين ويقبل على هؤلاء الملأ، لأن الملأ يتخيرون الكلمات والأوصاف والأمور التي يزيفون بها الحقائق، فتظهر الحقيقة بغير ما هي عليه، تزييف أسلوب من أساليب إبليس، إبليس حتى حين جاء إلى آدم عليه السلام وإلى زوجه، قاسمهما إني لكما لمن الناصحين، وتدبروا معي، نحن قلنا ونقول في أكثر من مرة، آيات الكتاب العظيم التناسب فيما بينها عجيب، بالكلمة بالآية بالمقاصد بكل شيء، في بداية سورة الأعراف ربي عز وجل حكى عن إبليس فقال وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين، والآن ربي سبحانه وتعالى يذكر في كل قصص الأنبياء وأنصح لكم ، أناصح أمين، ولكن الفارق بين ما قاله إبليس بلسانه من النصح والدعاة كذباً وزوراً لآدم وبين ما يقوله هؤلاء الأنبياء حقيقة لأقوامهم فارق شاسع، إبليس إدعّى مجرد إدعاء أنه بل أقسم على هذا الادعاء، وهذا ما جعل آدم عليه السلام، يظن بأنه طالما أنه أقسم كيف يقسم بالله إذاً وهو كاذب، فبهذا الطريقة استطاع أن ينفذ إلى ما يريد إبليس، ولكن النصيحة في واقع الأمر ليست إدعاء، ليست مجرد كلمات، ليس كل من قال لك أنا أنصح لك، وأنا ناصح، فقد نصح، إذاً ما الأمر، الأمر أن تحكم أنت عقلك في فحوى ومحتوى هذه الرسالة التي يقول عنها أنها نصيحة، هذا هو الكلام تنظر في مقدماتها وعواقبها ونتائجها، هذا المفتاح هذا صمام الأمان، الذي يُنجي وينجّي الإنسان فعلاً من الوقوع في هذه الإشكالية الخطيرة، كثير من البشر اليوم قد يدعي أنه ينصح لك، فكيف تعرف من ينصح لك حقيقة ممن لا يفعل، أن تنظر في محتوى النصيحة، وتنظر في مقدماتها وتنظر في نتائجها، وتوازن بين الأمور، ولذلك هو أوضح تلك الرسالة، فقال أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم، لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون، انظروا في هذا المعنى الذي جاء في رسالته، التي ما كان دوره فيها إلا دور المبلّغ، وكيف تحدث النجاة، تقوى ثم تنزل بعد ذلك الرحمة، لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون، وتذكروا معي أن سورة الأعراف من أكثر السور التي اعتنت بجانب التقوى، ولباس التقوى ذلك خير، التقوى التي تجلب للإنسان الرحمة، نحن لا نريد إلا رحمة الله سبحانه وتعالى، نحن أحوج ما نكون إلى رحمته، بل حتى من يكفر به ويجحد بآياته، هو بحاجة إلى رحمته، هو لا ينفك عن رحمته، ولكنها رحمة الربوبية، باعتباره أنه سبحانه رب لكل البشر كافرهم ومؤمنهم، ولكن رحمة الألوهية، هذه رحمة خاصة لعباده الذين آمنوا واتقوا، ولذلك كانت النتيجة مباشرة، وتدبروا معي في الآيات، فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك، النتيجة التكذيب العام بالرسالة، وأعطانا النتيجة مباشرة، وهذا أيضاً مناسب تماماً لما يخاطب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، النبي صلوات الله وسلامه عليه، عاش فترة طويلة من الزمن، بل ومات عليه الصلاة والسلام ولم يرى كل النتائج المترتبة على تكذيب قومه، ولكن ربي سبحانه وتعالى هنا في الآيات، أعطانا النتيجة مباشرة، النتيجة محسومة، ما من إنسان يكذب بمنهج الأنبياء والرسل، بالمنهج الذي أنزله الله سبحانه وتعالى فتكون عاقبته خيراً، أبداً، سواء رأينا تلك العاقبة في حياتنا أم لم نرى، فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك، وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوماً عمين، باختصار شديد قوم عمين، الحقائق كانت موجودة أمام أعينهم، ولكن الإشكالية في كثير من الأحيان ليست في وجود الحقيقة أو عدمها، الإشكالية في قدرة الإنسان على أن يبصر تلك الحقائق أو يتجاهل وجودها، وهذا إشكالية خطيرة، الحقيقة والإيمان بالله سبحانه وتعالى موجود، ولكن موجود لمن، من الذي يراه، يراه أولئك الذين استطاعوا أن يبصروا الحقائق، ويعجزون عن رؤية هؤلائك من؟ العمين، الذين لا يرون، لا يرون ليس لأن ليس لديهم حاسة الإدراك أو البصر أو الرؤية، لأ، ليست لديهم القدرة على الإبصار، قد يكون الإنسان لديه قدرة على الرؤية بالجارحة بالعين، ولكنها غير كافية لأن تجعل تلك الصورة التي يراها في الحق في الواقع تدخل إلى نفسه فتصبح حقيقة وهذه إشكالية التكذيب بالأنبياء، لذلك ربي سبحانه وتعالى قال في أكثر من مرة فكذبوه، كذبوا بآياتنا ، لماذا التكذيب وكذب، لأن الأمر كان صادقاً وواقعاً وحقيقةً، والكذب بمعنى أن يأتي الإنسان بشيء مغاير للواقع وللحقيقة وللصدق، وهذا بالضبط ما قام به هؤلاء، ربما يكون ممن قد اتبع نوح عليه السلام وآمنوا برسالته من الفقراء ليسوا من الملأ، القرآن لم يذكر عنهم هنا شيء في هذا الآية في هذي السياق، فقط قال وأنجيناه والذين معه ولكن المسألة ليست مسألة مكانة ولا تنفذ في المجتمع، المسألة في النتيجة العاقبة، ما هي العاقبة، فأنجيناه والذين معه، وهؤلاء القوم الذين كانوا قد تنفذوا في مجتمعاتهم، النتيجة وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا، المصائر، مصائرنا نحن كبشر، لا ترتبط بمكانتنا لا الاجتماعية ولا المادية ولا السياسية ولا أي شيء، ترتبط بأعمالنا، ترتبط بما نقدمه من عمل، ترتبط بما نخرجه، والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا، المسألة ليس مسألة ما مكنني الله سبحانه فيه، أبداً، السؤال والمسألة المهمة ماذا سينتج بعد ذلك من نتائج لما مكنني الله سبحانه وتعالى فيه، وهذا أمر عظيم جداً ، عظيم جداً في التناسب بين هذه القصة قصة نوح عليه السلام التي ابتدأها وبما بدأ به سبحانه وتعالى في سورة الأعراف، قصة تبين مسيرة الإنسان، تبين المحطات التي يمر بها الإنسان في حياته ونتائج الوقوف فيها أولاً بأول ثم إن هذا السرد السريع المقصود في الآيات يبين كذلك أن الحياة للأمم والأفراد مهما طالت فهي محدودة قصيرة، وأن المسألة ليست في الفترة التي يقضيها البشر، وإنما المسألة الحقيقية في العمل الذي يقومون به ويخلفونه ورائهم.