السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إستوقفني كثيراً اليوم حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول “كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل”، إستوقفني وأنا أتصفح كلمات قالها شخص له شهرة عالمية واسعة توفي بالأمس ستيف جوبز صاحب ومؤسس شركة أبل المعروفة. هذا الرجل قال في نهاية حياته بعد أن أصيب بمرض عضال صارعه فترة من الزمن قال فيها الكثير من الحِكَم والكلمات التي يكتشفها الإنسان حين يضع نصب عينيه هذه الحقيقة الغائبة عن الإنسان عادة، حقيقة سفره، حقيقة غربته في هذه الدنيا، حقيقة إرتحاله عنها، حقيقة أنه مهما طال به الزمن على هذه الأرض فهو في النهاية مسافر، عابر سبيل. وعابر السبيل والمسافر عادة ما يتخفف من أحمال الدنيا يتخفف من الإهتمام والإنشغال المتواصل بهمومها ومتاعبها لأنه وضع نصب عينيه أن هذه الرحلة التي يمشي فيها مجرد رحلة عبور ليست مكان إستقرار ليست بالمكان الذي سأجلس فيه طويلاً إنما أنا عابر.
هذا الرجل من ضمن الكلمات التي قالها -فيما معنى الكلمات بالطبع- أن الحياة فترة قصيرة ومن أدرك أن الحياة فترة قصيرة عليه دائماً أن لا ينشغل بالإهتمام المتواصل بالمخاوف وبالهواجس وبالقلق من الفشل في رحلتها أو من خوض متاعب معينة فيها فهي في النهاية إلى زوال. من جملة ما قال أيضاً علينا أن نقلل من الإهتمام بما يقوله الآخرون عنا، بما يفكر به الآخرون، علينا أن نعيش الحياة التي نعيشها نحن وليس ما يمليه علينا الآخرون.
كل هذه المفاهيم، كل هذه المعاني حين تدبرت فيها ووقفت عندها وجدتها أقرب ما تكون إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم “كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل”. هذه المعاني العظيمة التي بجد لو أننا وقفنا عندها وقمنا بتطبيقها دون الحاجة إلى أن -لا سمح الله- يوقعنا الله في مرض أو في شدة حتى ندرك هذه المعاني، إذا وضعناها نصب أعيننا تتغير المفاهيم تخف الآلام تخفت الأحزان والمتاعب والهموم والغموم التي ركبت فوق رؤوسنا، التي حمّلناها على قلوبنا فأصبحت عبئاً وحملاً ثقيلاً لا يكاد يجعلنا نستمتع بالحياة التي نعيش فيها ذلك الإستمتاع الذي يجعل من الإنسان المؤمن إنساناً إيجابياً إنساناً قادراً على تقبّل وإستقبال مختلف الظروف التي يمرّ بها ليس من دافع الإستسلام وإنما من دافع القدرة على المواصلة، مواصلة العيش وإنهاء المهمة التي لأجلها أوجده الله على الأرض، هذه المعاني العظيمة نحتاج أن نوقظها في نفوسنا قبل فوات الأوان.
هذا الرجل ترك وراءه الملايين ترك وراءه الكثير من الماديات لم يأخذ معه شيئاً. وكذلك كل واحد فينا لن يأخذ في الرحلة أي شيء سوى العمل الصالح سوى الإنشغال المتواصل بالله سبحانه وتعالى. أحتاج مجدداً أن أبدأ بترتيب الأولويات في قلبي أن أبدأ بإشغال قلبي بما هو أهمّ. دع عنك بما يفكر به الآخرون دع عنك ما يقوله الاخرون عنك طالما أن الله سبحانه هو وجهتك الحقيقية التي لأجلها تريد أن ترضيه سبحانه. إجعل الوجهة واحدة لا تجعل الوجهات مختلفة ولا متشعبة ولا متعددة فتُتعب أعصابك وتُتعب مشاعرك وعواطفك وقلبك وأحاسيسك جرياً وراء إرضاء هذا أو إرضاء ذاك إجعل الوجهة واحدة، وجِّه وجهك وقلبك للذي فطر السماوات والأرض إجعل رضاه سبحانه هو الغاية التي لأجلها تسعى. قُل ما تؤمن به أنه الحق، إجري على قلبك ولسانك وافعالك وسلوكك ما أنت مقتنع بأنه يرضي الله سبحانه وتعالى ولا تسل عن إرضاء الآخرين فرضى الناس غاية لا تُدرَك ثم لا تحزن لنصيبك من الدنيا لا تحزن حين يقلّ ذلك النصيب لا تحزن حين تذهب منك فرصة مادية معينة، حين يذهب منك شخص من الناس لا تغضب لذلك، لا تتألم كثيراً ما فات قدّره الله وما بقي عندك فهو بحكمة الله وبرزقه ما أُخِذ منك وما زويَ عنك هو لحكمة هو لغاية من الله سبحانه. أنا كبشر تصرفاتي أفعالي حكمي على الأشياء ينقصه النظرة البعيدة ينقصه الشعور والإحساس بالحكمة الكامنة وراء ذلك الموقف أو ذلك المنع أو الفقد. إجعل ثقتك بالله عز وجل ثقتك بحُكم الله سبحانه وتعالى وبحكمته في آن واحد.
الله سبحانه وتعالى قسّم الأرزاق بيننا لا تلعب دور لا ينبغي أن تلعبه، بمعنى آخر لا تقل -ولو حتى في نفسك أو في خاطرك- لِمَ ربي أعطى فلاناً ولم يعطني؟ لمَ ربي أخذ مني ولم يأخذ من فلان؟ (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ (32) الزخرف) الله سبحانه وتعالى قسّم الأرزاق وهو عالمٌ بهذه القسمة عالمٌ بالمخلوقين عالمٌ بمن قد قسم لهم من الرزق. لا تأسف على شيء ولا تأسف على رزق قد فات فالرزاق ذو القوة المتين يعطي ويمنع، يعطي ويمنع بحكمة عظيمة. إجعل البال والقلب منشغلاً بما هو أهمّ حتى إن أعطى ربي سبحانه لأحد من البشر ومنع عني بعض الأمور في النهاية ما أعطى وما منع سيذهب إلى زوال، لن يبقى شيء على هذه الدنيا، لن يبقى أي شيء على وجه البسيطة. المال يذهب البيوت تذهب الأولاد يذهبون الأزواج يذهبون لا شيء يبقى سوى العمل الصالح وتقوى الله عز وجل. ودعونا نتصرف جميعاً وكأننا فيها غرباء وكأننا فيها بالفعل كعابري السبيل. عابر السبيل الذي لا يهتم كثيراً لما يؤخَذ منه ولما يذهب عنه، كل ما يهمه هو الرحلة القادمة محطة الإستقرار. محطة الإستقرار والرحلة القادمة لنا جميعاً ليست هذه الدنيا بل هي الدار الآخرة وتلك الدار الآخرة يجعلها الله سبحانه وتعالى خير ونعمة وصلاح للذين أمنوا وكانوا يتقون. نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)