بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حديثي معكم اليوم كما تعودنا دائماً من القلب إلى القلب، أحدثكم وكأني أنظر إليكم وأنتم تستمعون إليّ بكلماتي عبر كل البحار والمحيطات والمسافات المتباعدة التي تفصل بيننا لكن ثمة شيء آخر قرّب بيننا ذاك هو ما اجتمعنا عليه: ذِكْر الله، محبة الله، التعرف على ما نُصلِح به قلوبنا وما يمكن أن يؤدي إلى أي خلل في تلك القلوب.
خلال اليومين الماضيين كنت أتأمل في الكثير من التعليقات التي كانت ترد منكم جميعاً على مختلف الأمور على مواقعكم وصفحاتكم على الفايسبوك وعلى الإيميل وعلى أشياء متعددة استنتجت من خلال تلك الكلمات والمشاعر أن هناك مشاعر متضاربة بدأت تدخل إلى أعماق نفوسنا، هناك شعور مختلط يخلط بين الغضب وبين الألم وبين الحزن وبين اليأس وبين أحياناً حتى درجة القنوط من التغيير الإيجابي الذي يمكن أن يُحدِثه الله سبحانه وتعالى في حياتنا. رأيت بعض التعليقات تستشهد بآيات (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (11) الرعد) ولكن لم تكن تلك الآية في وقت الاستشهاد بها في سبيل تغيير وعزم وتصميم على تغيير إيجابي في حياتنا بقدر ما كانت تحمل مشاعر الاستبطاء في التغيير أن يا رب نحن تغيرنا وبدأنا نغيّر في حياتنا وحاولنا الكثير فأين ما وعدت به؟! سواء كان هناك تصريح أو لم يكن، غيِّر بحالنا، لِمَ نرى هذا الظلم وهذا القتل وهذا السفك للدماء غير ، غير المفسَّر أحداث متسارعة في كل أربع وعشرين ساعة أو حتى أقل في كل بلد من بلداننا العربية على وجه الخصوص، فلِمَ كل هذا التسارع ؟ولم كل هذه التغيرات؟ ولم كل ما نحن فيه؟! حتى استشعرت مدى الاحساس بالدوامة التي نعيش فيها جميعاً. ومن هنا قررت أن أتحدث إليكم عبر أحاديث مختلفة نتحاور فيها عن تلك المشاعر نحاول أن نتكلم معاً وكأننا نُحدِّث أنفسنا ولكن بصوت مرتفع. لِمَ نطالب الله سبحانه وتعالى ونستعجل التغيير الذي يمكن أن يحدث ونحن فعلاً لم نتغير ربما التغيير الذي تطلبه منا هذه الآية؟! لم الاستعجال أصلاً منذ البداية؟ لم التساؤل والحيرة والرغبة في أن يتغير الحال بأسرع ما يمكن أن يكون لمجرد أننا قد تغيرنا أو رفعنا أصواتنا عالياً نطالب بحق أو أو أو ؟! لم كل هذا الاستعجال؟! أليس هو المطلوب مني أنا ابتداء لكي أعرف ماذا أقوم بأي شيء أليس المطلوب أن أقرأ رسائل ربي؟! تلك الرسائل التي يرسلها الله سبحانه وتعالى لتجيب على كل مشاعري المتضاربة وعلى كل أحوالنا وعلى كل ما نمر به من أزمات؟ هل قرأت بالفعل قراءة تريد الإجابة على حيرتي وتساؤلاتي؟ أم قرأت قرآءة عابرة؟ ما هي حالي مع تلك الرسائل التي يرسلها الله سبحانه وتعالى إليّ عبر كتابه الكريم وأين موقع تلك الرسائل في ذاكرتي وفي مخيلتي وفي الواقع الذي أنا أعيش فيه؟! دعونا نجيب عن هذه واحدة واحدة:
أما التساؤل الأول فنحن كبشر وكعبيد وكخلق لله سبحانه وتعالى ينبغي أولاً أن أستذكر دائماً طبيعة العهد الذي بيني وبين ربي سبحانه بيني وبينه عهد أخذ ربي مني العهد على أن أعبده على أن أوحده على أن لا أشرك به شيئاً على أن أطبق منهجه في واقع حياتي دون بالضرورة أن يكون لذلك دائماً ثمار كالتي أنا أرسمها في مخيلتي فالثمار والنتائج وعواقب الأمور هي بيد الله سبحانه وتعالى أولاً وأخيراً. هو سبحانه من يحدد النتائج المرجوة هذا دوري أنا، دوري كبشر دوري كفرد وكأفراد ضمن مجتمع أن نقوم بأدوارنا التي حددها وطلبها مني سبحانه دون شعور مني بتفضل مني على الله سبحانه أوومنة أنا حين أعود إلى كتاب الله حين أعود إلى صلاتي أنا حين أخشع في صلاتي أنا حين أفعل ما أفعل مما أمرني الله سبحانه وتعالى به هذا ليس منة ولا تفضل مني (قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات) إذن علي أن أصحِّح هذا أولاً.
الأمر الآخر النتائج ليست هي دائماً كما نحن البشر نستعجل بها ونصورها النتائج ليست هي ما أنا أحدده أو أرسمه في نفسي، ربي سبحانه وتعالى له في كل شيء حكمة أنا مطلوب مني أن أقوم بشيء عليّ أن اقوم به. الاهتمام الشديد بما نحن فيه والاستماع الكثير المتواصل لنشرات الأخبار على مدى ساعات متواصلة من النهار حتى لا تكاد أسماعنا تسمع شيئاً آخر سوى الأخبار هذا لن يجدي شيئاً لن يجدي نفعاً! نعم عليّ أن أهتم بأحوال المسلمين وأن أتعرف على كل ما يهم وكل ما يحدث في بلداننا وفي مجتمعاتنا سواء كانت قريبة منا أو بعيدة فالكل قريب في ميزان إيماننا بالله وفي ميزان إيماننا بمبادئنا وفي ميزان إنسانيتنا الكل قريب ليس هناك قريب وبعيد المسافات تلغى ولكن هذا لا يعني في نفس الوقت أن أستمع إلى نشرات الأخبار والتحليلات السياسية وما يطرق عليها وما يطرأ عليها أكثر من استماعي لرسائل ربي. عليّ دائماً أن أعود إلى القرآن العودة ليست التي نتصورها نحن عودة مجرد تلاوة أو قرآءة الآيات فقط، لا، عودة المتحيّر الذي يريد أن يعرف الإجابة من ربه عز وجل، عودة القلب المضطرب الذي تراكمت عليه التساؤلات وجاء يستهدي جاء يطلب الهداية من كلمات ربه من رسائل الله عز وجل ستجد فيها الإجابة ستجد فيها الطمأنينة التي تبحث عنها بعد كل الاضطراب الذي نعيشه. ثم اليأس والقنوط الذي يعتبر من الكبائر هذه من أخطر الأمور أنا لا أتساءل ولو حتى مجرد تساؤل في نفسي يا ربي أنا تغيرت لم لم تغير حالي؟ لا، هذا التساؤل غير مشروع ولا ينبغي أن يصل بي الأمر والحال في ما أراه في واقع المسلمين اليوم من قتل من تضارب في الأقوال من اختلاف على المواقف من عدم الشعور بوحدة المسلمين والتألم لآلآمهم صحيح هذا واقع مؤلم واقع محزن لكن هذا الواقع المؤلم لا أغيره بالياس لا أغيره بالقنوط لا أغيره بزعزعة الثقة بالله سبحانه وتعالى لا أغيره من خلال إساءة الظن بربي عز وجل، نعم (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (11) الرعد) ولكن نحن لم نتغير بعد التغير الكافي. ولنا أن نتساءل إذا أردنا أن نكون بالفعل على مستوى الصدق والشفافية والصراحة مع أنفسنا علينا أن ننطر إلى أنفسنا إلى دواخلنا إلى سرائرنا أولاً، السرائر قضية مهمة سنتطرق إليها في يوم من الأيام (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) الطارق) هل بلغت السريرة عندي وباطني وداخلي من النزاهة والنظافة ما يدعو إليه القرآن العظيم؟! ما دعاني وأمرني به ربي عز وجل؟! هل وصلت إلى مرحلة القلب السليم؟ هل وضعت من أولوياتي في هذا العام أن أصل إلة قلب سليم معافى يحب كل البشر ويكره السوء للآخرين كما يكرهه لنفسه؟! هل وصلت إلى هذا القلب الخالي من الحقد والحسد والنزاع والخصام واللدد في الخصومة والطعن في الناس؟ هل وضعت من أولوياتي أن أتغير وأجاهد نفسي في سبيل هذا الإطار؟! هذا عنصر مهم من عناصر التغيير، هل فعلاً أدخلته في حسابي؟ ماذا فعلت على المستوى الأخلاقي مستوى التعامل مع الأُسَر؟ أين التغيير في أُسرنا؟ أين التغيير في تعاملنا مع أهلنا؟ مع والدينا؟ أين التغيير في تعاملنا مع أزواجنا؟ أين التغيير في وظائفنا؟ أين التغيير في إخلاصنا في العمل؟ أين التغيير في عدم تضييع الوقت فيما لا طائل من ورائه؟ أين التغيير في مجتمعاتنا؟ وهل التغيير قصية يمكن أن تحدث بين يوم وليلة؟! أليس عامل الوقت والزمن والتأني أليس له ميزان؟ ألسنا نضع ميزان التوقيت في كل شيء؟! أنا أريد اليوم على سبيل المثال أن أسافر إلى منطقة بعيدة إلى أوروبا إلى أميركا، إلأى أي مكان يفصل بيني وبينه مسافة بعيدة جداً هل أستطيع أن أصل في ثانية أم أني سأستغرق ربما ساعات تطول وتقصر على حسب المسافة؟! عنصر الزمن عنصر الزمن عنصر أساسي ورئيس في عملية التغيير ولذلك ربي عز وجل في الرسائل التي يرسلها إليّ عبر كتابه الكريم في أكثر من موضع (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ (37) الأنبياء) أنا لا ينبغي أن أستعجل النتائج بل ينبغي أن يكون هناك دائماً لديّ خطة عمل لا تغفل جانب الزمن وعنصر الزمن، أنا مطلوب مني أن أسعى (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) النجم) أنت لا تُطالَب بالنتائج وإن كان ينبغي لي أن أهتم بهذه النتائج الايجابية ولكن قد تمر الأيام وتنقضي الأعوام وينقضي عمري وعمرك ولم نرى بعد ثمرة إيجابية لعمل أو تغيير قد قمنا به، قد لا نحصد شيئاً ربما سوى أننا ويكفي ذلك حصاداً أننا قد استجبنا لأمر الله في التغيير الايجابي في أنفسنا في واقعنا في أولادنا في بيوتنا في أسرنا ونعِم بها من نتيجة هذه نعمة عظيمة هذه نتيجة عظيمة أن أتغير وأن ربي سبحانه وتعالى سيسألني عن عملي.
فرجاء رجاء اتروا عنكم الياس والاحباط اتركوا المشاعر السلبية التي تنزل بالانسان لتجعل منه كومة من الحطام لا يستطيع أن يحرك ساكناً فيها كفانا نوماً شبعنا من النوم شبعنا من الغفوة شبعنا من عدم الاندماج في عناصر ايجابية وفي تغييرات إيجابية، كفى! كفى يأساً كفى احباطاً ومهما حدث ويحدث علينا دائماً أن تكون الصورة واضحة أمام أعيننا نستهدي بكتاب الله، نستهدي بآيات الكتاب العظيم، نصلي ونسلم على حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم نستذكر من سيرته ومواقفه العطرة تلك المواقف التي تعرّض وهو نبي مرسل يوحى إليه الوحي وأحب الخلق إلى الله عز وجل نستوحي ونستذكر من سيرته العطرة خاصة وأننا اليوم يوم جمعة نستذكر كيف كان يفعل؟ كيف كان حينما تأتي الأزمات وتتصارع عليه الهموم والآلآم والأحزان وهو محاصر في شعب أبي طالب وهو فار من الطائف وقد لاقى ما لاقى وهو مهاجر من بلده ووطنه مكة إلى المدينة كيف كان الأمل لا يفارق ناظريه ولا قلبه أبداً. كيف كان يقول لصاحبه إن الله معنا ونحن لا بد أن نقولها اليوم لا تحزنوا إن الله معكم. لا تهتم بالنتائج بقدر اهتمامك أنت بدورك كفرد وكإنسان في الاصلاح، لا تهتم وتنظر دائماً إلى النتائج والثمار وتبقى علنك معلقة بالثمرة وأنت لم تسعى إلى الاهتمام بتلك الشجرة التي ينبغي أن تنغرس في الأرض وتهتم وتعتني بها بالماء سقيا وبإزالة كل أنواع الأشياء التي يمكن أن تعيق نموها. اهتم دائماً بهذا اهتم بالدور الذي ينبغي أن تقوم به ولا تدعل أبداً رياح اليأس أو الاحباط اليأس من رحمة الله عز وجل أو الشعور بالاحباط تهب على قلبك ومشاعرك وإيمانك وثقتك بالله عز وجل فالله غالب على أمره والله عند حسن ظن عبده به فأحسنوا الظن بالله سبحانه وعودوا إلى الله توبة واستغفاراً ولا تيأس فإن الله سبحانه يحب العبد اللحوح الذي يديم طرق الباب على مولاه سبحانه وتعالى ليفتح له باب التوبة وباب الرحمة وباب المغفرة وباب العفو وباب الدعاء بالاستجابة أن يرفع الله سبحانه عنا البلاء وأن يكشف البلاء والضر عن المسلمين وأن يداوي جروحهم وأن يهدي ضالّهم وأن يردّ من ابتعد منهم عن دينه إلى صوابه وأن يعيد الحق إلى نصابه وأن يهدي قلوبنا جميعاً بهداية وبنور كتابه العظيم.
هذه المشاعر وخاصة في هذا اليوم العظيم الذي تفتح فيه أبوبا السماء وتستجاب فيه الدعوات قُم وتوضأ واركع بين يدي خالقك ركعتين قم وأقبل على الله عز وجل بقلب صادق مخلص وارم بهمومك عند عتبات بابه وكن على ثقة دائماً وأبداً أن انتظار الفرج من العبادة. انتظارنا للنتائج الإيجابية وأملنا بالله سبحانه وتعالى من أعظم أنواع العبادات دائماً وأبداً. اجعل الحزن حزناً إيجابياً وليس حزناً سلبياً بمعنى حزناً وألماً يدفعني إلى المزيد من العطاء إلى المزيد من العمل إلى المزيد من الاستغفار إلى المزيد من إحسان النية والرجوع إلى الله عز وجل ولا تكن أحزاننا أحزاناً سلبية تدفع بنا إلى الكسل وإلى الهوان وإلى الاحباط وإلى الشعور بتزعزع الثقة بالله سبحانه وتعالى بل الثقة بالله لا ينبغي أن تكون محط تساؤل أبداً في قلوبنا ولا في عقولنا كما أن توحيد الله عز وجل لا ينبغي أن يكون محط تساؤل فكما نقول لا إله إلا الله علينا دائماً أن نقول بأن الله غالبٌ على أمره وأن نصره قريب وأن رحمته قريبة من المحسنين المهم أن نسأله ونعمل على أن نكون من المحسنين حتى تشملنا الآية العظيمة (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (56) الأعراف).
أسال الله لي ولكم في هذا اليوم العظيم الرحمة والسكينة والطمأنينة والأمن والإيمان وتفريج الكُرَب وأن لا يدع فينا مكروباً إلا فرّج عنه ولا مهموماً إلا نفّس عنه ولا صاحب حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضاها ويسرها له وأعانه عليها برحمة منه وفضل وأن يعيدنا إليه عوداً حميداً ويردنا إليه رداً جميلاً وأن يجعلنا له كما يحب هو ويرضى فإنه سبحانه لنا كما نحب ونرضى. نلقاكم في لقاء آخر تصبحون على أمل وخير.
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)