قلبي مشغول بمن: الحلقة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

توقفنا في اللقاء السابق عند الإجابة الحقيقية التي يجب أن نواجه أنفسنا بها إنشغال القلوب بمساحات هائلة من الدنيا إنشغلنا بالدنيا كثيراً وهذا الإنشغال كما ذكرنا في المرة السابقة ربما لأننا بالفعل نجهل أو نتجاهل ونتغافل عن حقيقة الدنيا. تلك الحقيقة التي نراها أمام أعيننا ليل نهار لا تحتاج إلى دليل ولا تحتاج إلى برهان نحن ندرك جميعاً حقيقة الدنيا ولكننا ننسى أو نتغافل. هذا التغافل وهذا الجهل بحقيقة الدنيا والتجاهل لحقيقتها وتجاهل أننا هنا ضيوف مجرد عابري سبيل سنترك ونرحل إلى مرحلة أخرى هذا التجاهل يُضعف في القلب تماماً يضعف القلب عن السير لله سبحانه وتعإلى يدخل القلب في حالة فراغ أوفي حالة من الوهن يهيأ للقلب أنه قد مُلِئ ولكنه علي وجه الحقيقة فارغ خاوي لا شيء فيه يعنى مجرد عملية إنتفاخ وهمي غير حقيقي النتيجة التي تترتب عليها أن قلوبنا تعاني من الكثير من الأمراض .

ولكن الليلة سنتحدث عن أمر آخر، الليلة نريد أن نوجه لقلوبنا سؤالاً آخر. هذا السؤال من هم الأشخاص الذين احتلوا مساحات في قلبي؟ لماذا هذا السؤال؟ لأن القضية خطيرة. كلنا يعلم أن القلب حين ينشغل بمن يحب يُشغل به ليل نهار، أن القلب حين ينشغل بأحد من الناس ويحب هذا الشخص سيتوجه بإرضائه، سيصبح بشكل أو بآخر أسيراً لهذا الشخص، يحاول إرضاءه بأي طريقة من الطرق، يحاول ان ينشغل به ويُشغَل به حتى لو حاول ألا ينشغل به. ولذلك ينبغي علينا بل يجب علينا أن نصارح قلوبنا يا قلب بمن قد شُغِلت؟ وهذا السؤال فيه شئ من الحساسية، الحساسية التي تحتاج أن نصارح أنفسنا فيها وخاصة مع معاشر الشباب من الفتيان والفتيات. كلنا يعلم أن هذا العصر قد جاء فيه وظهر فيه بشكل كبير وواسع شيء إسمه الحب، هكذا الإسم هو الحب أو العاطفة أو أسماء متعددة كلها تدور في فضاء الحب. ما هو هذا الحب؟ هل هو كإسمه فعلاً شيء جميل؟ ومن منا لا يحب الحب؟ ومن منا لا يقدر قيمة الحب؟ أليس بالحب تعمر الأراضي؟ أليس بالحب تعمر هذه الأرض؟ أليس بالحب ينمو الطفل الصغير؟ أليس بحب الأم لوليدها تحنو عليه وتربيه وتعطيه من جسدها لأجل أن يتغذى وينمو ويكبر؟ أليس هذا هو الحب؟ أكيد هذا جزء من الحب .

الحب أنواع، أما النوع الذي تعمر به الأرض أما النوع الذي تزهو به الحياة فهو النوع الذي أوجده الله فطرة في نفوس الخلق ودعا إليه وجعله فضيلة من أعظم الفضائل التي يتسم بها الإنسان. بل أوجده كذلك بمقادير مختلفة حتى في نفوس الكائنات والمخلوقات المختلفة فالأم تحنوعلى صغيرها سواء كانت من بني الحيوان أو من بني الإنسان أو من بني الطير كلها أمم أمثالنا. هذا الحب لا نزاع فيه اللهم إلا في حالة إذا ما شغل القلب وإنشغل القلب به عن محبة الله عز وجل. بمعنى أن يصبح الأولاد هم الهم الأكبر والوحيد في حياة الأم أو الأب فالله سبحانه وتعالى حذّر من ذلك وقال (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ (15) التغابن) إختبار أنشغل بأولادي أحب أولادي أقدم لهم كل ما ينبغي أن أقدم لهم ولكن هذا لا يعني أبداً أن أبقى دائماً في هذا الحيّز وفي هذا الإطار دون أن أعمل لآخرتي دون أن أجعل هؤلاء الأولاد مطية يصلون بي ويرتقون بي إلى مراحل ودرجات عليا في الآخرة. علي أن أتحكم في عواطفي علي أن أدرك أنهم أمانات علي أن أدرك أنهم إلتزامات أنهم تكاليف علي أن أقوم بها أعباء لا بد أن أقوم بها على أتم وجه وأكمل وجه وبالتالي لا أقع أسيراً من جديد لأى نوع من أنواع هذا الحب حتى وإن كان في أصله مباحاً مشروعاً أو وجباً. هذه نقطة ، ولكن الحب الذي نريد أن نطرق بابه اليوم وفي الحلقات القادمة هو الحب السائد بين الشباب والشابات، الحب الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام الحب الذي تتحدث عنه الفضائيات والمسلسلات والأفلام والمجلات والدنيا بأسرها حتى أن الناس ما عاد لهم شغل يشتغلون به سوى ما يسمونه ويطلقون عليه الحب، فما هوالحب؟

الحب الذي يتحدثون عنه بهذه الصورة هو ميل هو فطرة ميل جعله الله سبحانه وتعالى بين الشاب والشابة لأجل أى شيء؟ لأجل غاية عظمى لأجل أن يكون هناك أسرة لأجل أن يفتح بيت، بيت قائم على أساس المودة أساس الرحمة أساس الصدق أساس الخير والمعروف الذي أراد الله أن تنشأ به الأسرة وأن تعمر به الأرض والحياة وتستمر به الحياة وتنجب به الذرية ويحدث به التكاثر والإعمار والإستخلاف على هذه الأرض. ولكن هذا الميل الفطري الذي جعله الله سبحانه وتعالى فطرة في نفس الشاب والشابة جعل له إطاراً واحداً جعله ضمن إطار لا ينبغي أن يحيد عنه ولا أن يخرج عنه ذاك الإطار هو الزواج. بمعنى آخر أن هذا الميل الفطري بين الشاب والشابة لا ينبغي أن يأتي من النافذة عليه دائماً أن يطرق الأبواب، الأبواب الصحيحة. عليه أن يدخل البيوت من أبوابها وليس من نوافذها المغلقة والموصدة أمامه. هذا هو الإطار الشرعى الذي وضعه الله سبحانه وتعالى الذي خلق الشاب والشابة الذي خلقنا جميعاً الذي قال (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُواللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك) أي إنحدار أي حيد عن هذا الطريق الصح أى خروج عن هذا الإطار سيوقع الإنسان في مشاكل جمّة. سنقف على تلك المشاكل سنداوي تلك الجروح سوية إن شاء الله في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تفريغ موقع اسلاميات حصرياً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *