بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله أوقاتكم بكل خير. قد ينشغل الإنسان في حياته في أوقات مختلفة من السَّنَة ومن عمره ولكن أن ينشغل بشيءٍ آخر سوى الله سبحانه وتعالى والعمل الصالح في أوقات معينة ومخصصة من السنة إختصّها الله سبحانه وتعالى بخصائص عديدة وفضائل كثيرة واصطفاها من بين الأيام والليالي فتلك فعلاً خسارة فادحة، خسارة من أعمارنا، خسارة بكل المقاييس والموازين، خسارة لا يمكن أن تلحق الإنسان خسارة في حياته وآخرته أكبر منها، تلك هي خسارة أجمل أيام الدنيا، الأيام العشر من ذي الحجة التي أقسم بها الله عز وجل فقال (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) الفجر) هذه الأيام العظيمة إصطفاها لله سبحانه وتعالى من بين كل الأيام والليالي وجعل السباق فيها مفتوحاً للجميع لكل خلقه للمزايدة والتزايد والسباق والتنافس في الخيرات والأعمال الصالحات التي تقرِّبهم إلى الله سبحانه وتعالى، يُقبِلُ فيها الإنسان العاقل الذي يدرك قيمة هذه الأيام وعَظَمَة الدقائق التي تمرّ فيها بل والثواني يُدرِك فيها تماماً أن الحسنات تتضاعف وأن الأعمال الصالحة فيها من صدقة وصيام وإقبال على الخير وما شابه أعمال لا يمكن أن يتغافل عنها نتيجة لإنشغاله بأمور أخرى يمكن على أقلّ تقدير أن يتم تأجيلها لما بعد هذه الأيام العشر. ما هو الأهمّ من السباق في مثل هذه الأيام؟! كل ما بين أيدينا من إهتمامات أخرى سوى الإهتمام بأعمال الخير المختلفة يمكن أن تؤجَّل، يمكن أن تنسحب إلى أوقات أخرى غير هذه الأيام، ولكن أن لا أغتنم فرصة هذه الأيام وأن أضيّعها فيما لا طائل من ورائه، أضيّعها في جلسات اللهو، في جلسات العبث، في جلسات قتل الوقت بدون فائدة في جلسات الكلام الفارغ الذي لا قيمة ولا فائدة من ورائه، تلك هي الخسارة الحقيقية!.
بقي أن نلتفت إلى أمر آخر مهمّ، الأمر الذي يدور عليه البرنامج برنامجنا هذا (قلبي مشغول بمن؟) الأعمال الصالحة على فضائلها وعلى كل ما فيها من منْزِلةٍ عظيمةٍ وقُرْبٍ من الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن تُقبَل من قلبٍ ساهٍ، من قلب غير مُقبِلٍ على الله بكلّيته، لا يمكن أن تُقبَل من قلبٍ قد جاء بأشخاص وإهتمامات متعددة حتى وهو يعمل العمل الصالح، بمعنى آخر أحتاج وأنا أُقبِل على الله بالعمل الصالح من أضحية، من صدقات، من صيام، من دعاء، من كثرة في الصلاة، في النوافل، أحتاج أن أقدّم دعوة لقلبي أن يعود من وديان الدنيا المتشعّبة أن يعود إليّ من جديد، أن يعود إلى خالقه، أن يعود إلى رازقه، أن يعود إلى من بيده الأمر وحده سبحانه لا شريك له، أن يعود إلى خالقه مهما كان قد أسرف على نفسه في الأيام الخالية، مهما كان قد نال من الخطايا ومن المعاصي ومن الذنوب والآثام كَبُرَت أو صَغُرَت عليه أن يتراجع، عليه أن يُسْرِع بالتوبة إلى الله عز وجل توبةً نصوحة، عليه أن لا توقفه الذنوب مهما تكاثرت عن الرجوع إلى الله سبحانه عن رحلة التوبة، عليه في أثناء رحلة التوبة كذلك أن يستحضر أهمية ردّ حقوق الآخرين، ردّ الحقوق إلى أصحابها. عليه أن يستحضر صورة عظيمة صورة إنسان قد شَحَذَ كل همّته كل الهمّة وكل النشاط لأجل أن يدخل إلى مضمار السباق. أترون في يوم من الأيام أحد المتسابقين يمكن أن يدخل في سباق وقد حمل على كاهله وعلى عاتقه أكياساً محمّلة بالحجارة على سبيل المثال؟! أو بأي شيءٍ ثقيل؟! لا يمكن أن يحدث! وإلا لقيل عنه أنه مجنون قطعاً. كيف بنا نحن اليوم ونحن ندخل إلى مضمار السباق في الطاعات في هذه الأيام العشر وقد حملتُ على ظهري وعلى كتفي ذنوب الآخرين، حقوق الآخرين التي تهاونت فيها، الإسراف على نفسي في عدم ردّ حقوق الآخرين إليهم، ردّ الجميل إلى أصحابه، المكآفأة بالمعروف، الدعاء لمن قد أسأت إليه بكلمة غير مقصودة، المحاولة في أن أستغفر للجميع، المحاولة في أن أتصدّق على جموع المسلمين من عرفت منهم ومن لم أعرف من خلال دعوة صادقة، إستغفارٍ يخرج من قلبٍ مؤمنٍ متوكّلٍ راغبٍ مُحِبٍّ للخير مُحِبٍّ للعطاء مُحِبٍّ للخير لكل البشر، قلب يستطيع أن يتخلّص من شُحّ النفس، قلب لديه القدرة على أن يدعو للآخرين بالخير والعطاء حتى وإن لم يكن هناك سابق معرفة أو صِلَة قرابة تجمع بينه وبينهم. هذا القلب هو الذي نحتاج إلى إعادته في هذه الأيام العشر، بدون هذا النوع من القلوب الصافية المُحِبّة المُضحّية المتخلِّصة من شُحّ النفوس وبُخلِها، الأعمال تبقى مجرّد أشكال، كل العبادات على كثرتها ووفرتها تبقى مجرد شكل، الذي يغيّر في شكل هذه العبادات ويحوّلها إلى شيء حقيقي له قيمة وله منزلة عند الله يرتقي إلى منزلة عظيمة من الأجر ومن الثواب والجزاء عند الله سبحانه هو ذلك الإخلاص وذلك القلب الذي يُقبِل على هذه الأعمال العظيمة. هذا القلب لا يمكن أن يعود إلى خالقه بهذه النفسية المُفعَمة بالخير دون أن يكون هناك إلتجاء وعودة حقيقية وتضرّع لخالقه سبحانه وتعالى.
نسأل الله سبحانه في هذه الساعة المباركة من هذا اليوم المبارك يوم الجمعة وفي هذه الأيام العطرة أن يرزقنا قلوباً راجعةً تائبةً نائبةً إليه. نسأله أن يردّنا إليه ردّاً جميلاً ونسأله سبحانه أن يُصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان، نسأله أن لا يدع لمسلمٍ ذنباً إلا غفره ولا توبةً إلا تقبّلها ولا عاصياً منهم إلا ردّه إليه ردّاً جميلاً ولا مريضاً منهم إلا شفاه وعافاه وألبَسَه ثوب العافية وثوب الخير والصلاح ولا فقيراً إلا أغناه ولا صاحبَ حاجةٍ إلا أعطاه حاجته وسؤله إنه هو الغني الحميد سبحانه. نسأله سبحانه أن يغفر لأمواتنا وأموات المسلمين وأن يرحمنا جميعاً رحمة واسعة وأن ينزّل علينا في هذه الأيام العظيمة الرحمات والبركات والمغفرة والعطاء الواسع إنه وليّ ذلك والقادر عليه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)