السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اليوم أريد أن أشارككم موقفاً حدث معي شخصياً كانت تجلس إلى جانبي ولكني كنت في مكان آخر بعيدة بذهني تماماً وشاردة عن كل ما تقوله وترويه من قصص وحكايات. أوقفتني كلماتها حين قالت لي مبتسمة يا ترى قلبك مشغول بمن؟ كذلك أنا إبتسمت ولكن إبتسامتي كانت من نوع آخر، إبتسامة الألم والحزن والحسرة وكأن كل هموم الدنيا قد جمعت ووضعت في قلبي في تلك اللحظات. قلت لها قلبي مشغول بالمسلمين، قلبي مشغول بحال العالم اليوم، قلبي يكاد يتمزق إرباً إرباً في كل ناحية من نواحي هذا العالم وبخاصة العالم الإسلامي، قلبي يتمزّق حين أرى الدماء الزكية وهي تسيل، قلبي يتمزق حين أرى تلك الوحدة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون بين قلوب المسلمين تتمزق وتتلاشى وكأنها مجرد شعار لم يعد له من الواقع أيُّ شيء يُذكَر. قلبي يتمزق وأنا أرى صفوف المصلّين تجتمع على أداء صلاة أو فرض معين ولكنها سرعان ما تتفرق وتتشتت في وديان الحياة على أبسط الأشياء وربما أتفهها! قلبي يتمزق حين أستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم وكانت الآلام والأحزان والحسرة تعصر قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم وهو يقول “يوشك أن تداعى الأمم عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها- قال من حوله: أمِنْ قلة نحن يا رسول الله؟ – قال: بل أنتم غثاء كغثاء السيل” المسألة ليست مسألة عدد ولكن مسألة نوع ولكن يغلب علينا في حياتنا كما قال عليه الصلاة والسلام (الوَهَن) حب الدنيا الشديد وكراهية الموت، التعلّق والإلتفات إلى الدنيا وجعل الدنيا هي كل الغايات وكل الآمال وكل الطموحات ونسيان الموت. نعلم أنه حقّ ولكننا لا نستحضره ذلك الإستحضار الذي يحرّك فينا المشاعر والعواطف والسلوك والمواقف. تساءلت صديقتي فقالت لي وما الذي نستطيع أن نفعل؟ ليس باليد حيلة على الإطلاق فالعين بصيرة واليد قصيرة. آهٍ من ذلك المثل الشعبي الذي سحق شعوباً بسلبيته، آهٍ من تلك الأمثال التي حطّمت كل المعنويات الإيجابية في حياة المسلمين وألغت عشرات الآيات والأحاديث والأقوال والقصص التاريخية والبطولات والمواقف الحازمة الحاسمة التي غيّرت وجه التاريخ في حِقَبٍ وفي عصور ماضية. آهٍ من تلك الأمثال التي تحوّلت إلى واقع نعيش فيه ونحن في منتهى السلبية ومنتهى الإتكالية وكأننا نسير إلى حتفِنا بأرجلنا وأقدامنا. وليت الأمر كان مجرد الحتف فالحتف محتوم والموت والأجل أمر مكتوب لا مفرّ منه ولكن أن نسير إلى مستقبل لا يحمل معه بشائر الخير هذا الأمر هو الذي ينبغي أن نتوقف عنده طويلاً. نحن كمن يسير في سفينة في عَرْض البحر كلٌ منا يثقب ثقباً بأخطائه وسلبياته وقد يقول قائل منّا هل يمكن لتلك السلبيات الشخصية أن تفعل فعلها في المجتمع وفي الأمة وفي العالم فتغير العالم إلى صفحة السواد التي نعيش ونرى من التمزق والإقتتال والحروب والدمار وغيره؟؟ نعم، إنها تلك الثقوب التي لم نعي حجمها أبداً، تلك الثقوب التي لم ندرك لحدّ الآن الخطورة الكامنة من ورائها كل واحد منا في حياته أحدث ثقباً وربما مجموعة من الثقوب ولم يدري ولم يدُر بخلده أن تلك الثقوب في نهاية الأمر إنما هي تُسهِم في إغراق السفينة والنزول بها إلى قاع البحر شيئاً فشيئاً. كل خطأ في حياتنا، كل موقف غير جاد، كل قرار غير صائب أتخذه في حياتي سواء كان على الصعيد الشخصي أو الأُسري أو العملي أو السلوكي أو المجتمعي أو الأممي إنما هو في الحقيقة ثقبٌ أُحدِثُه في سفينة المجتمع له من النتائج الكارثية ما أراه اليوم. الأخطاء المتراكمة التي لا نعود معها إلى وقفات محاسبة للنفس خاصة ونحن نودّع عاماً هجرياً ونستقبل عاماً هجرياً قادماً ماذا أعددنا له؟! ما هي تلك الوقفات التي وقفنا فيها نحاسب فيها أنفسنا حقّ المحاسبة؟! ما هي القرارات الجريئة التي إتخذتها في حياتي؟! ما هي النقاط التغييرية الحقيقية الجذرية التي أريد أن تحدث في حياتي أن يكون لها صدى أن يكون لها واقع؟!.
فبالله هذه كلمة أوجهها من أعماق قلبي المليء بالأحزان وبالحسرة على أمة أُنزل فيها القرآن، على أمة أرسل إليها خير المرسلين وخاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، الحسرة تقتلنا ونحن نتأمل واقع أمة فيها هذا الكتاب العظيم لا يزال قد حُفِظَ بحفظ من الله عز وجل قرأه ونتلوه فلا يغيّر فينا ولا يعدِّل فينا ولا يبدِّل من سلوكياتنا. السلوك والواقع والمجتمع وما يحدث فيه كأنه على عكس ما يدور في هذا القرآن وبين دفتيّ القرآن العظيم المُعجِز. سنقف بين يدي الله سنسأل عن ذلك كله، فالله الله في تنزيل آيات القرآن، الله الله في إحداث ثقب في سفينة المجتمع، الله الله في إحداث خطأ على أي مستوى من المستويات، عليّ أن أبادر بالتوبة بالإستغفار بالتراجع باتخاذ القرارات التصحيحية الجريئة وإستنقاذ ما يمكن إستنقاذه، عليّ أن أصحح مكان الثقب الذي أحدثته في سفينة المجتمع بكل ما أوتيت من قوة. عندها فقط حين نبدأ بإصلاح الثقوب التي أحدثناها في السفينة نستطيع أن نقول يا الله خذ بأيدينا لما فيه خير الإسلام والمسلمين. نلقاكم في لقاء قادم بإذن الله أستودعكم الله.
(تفريغ الأخت رحاب محمد جزاها الله خيرا)