سم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لا زلنا في الحديث عن كل ما يمكن أن يقربنا إلى الله عز وجل من وسائل، كل ما يمكن أن يعزز محبته سبحانه وتعالى في قلوبنا كل ما يمكن أن يجعل حب الله عز وجل أحبّ إلينا من كل شيء آخر.
اليوم حديثنا عن مسألة قد لا ينتبه الكثيرون منا إليها، مسألة التعرف على الطبيعة، التعرف على آيات الله سبحانه وتعالى في الكون من حولنا. طبيعة الحياة المعاصرة التي نعيش اليوم بكل ما أسبغته علينا من وسائل ورفاهية من وسائل حتى في شكل البناء الذي نسكن أو نعيش فيه حتى أماكن العمل التي نتواجد فيها لساعات طويلة، كل هذه الأمور فرضت علينا أنماطاً من الحياة المعاصرة باتت تفصل بيننا وبين الطبيعة، تفصل بيننا وبين الكون. هناك سقوف صناعية هناك جدران إسمنتية ساهمت في فصل كل واحد منا عن الطبيعة عن التواصل مع السماء عن التواصل المباشر مع الطبيعة والأشجار والزهور والورود وإستماع أصوات الطيور الجميلة إلى آخر ذلك من مظاهر.
هذه المسألة أو النقطة التي قد يظن البعض منا أنها مسألة بسيطة لا تستحق حتى أن تُذكر بحكم أننا قد ألِفْنا عدم التواصل مع الطبيعة أو قلة التواصل مع الطبيعة. هذه المسألة في غاية الأهمية ولكي ندرك مدى أهمية هذه المسألة علينا أن نعود للوراء إلى بدايات البعثة النبوية إلى بدايات التواصل بين الأرض والسماء في بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، أول ما بدأ به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من تواصل كان عبارة عن تواصل مع الطبيعة كان نتيجة لقضائه فترات طويلة جداً في غار حراء. ماذا كان يفعل؟ التأمل النظر في السماء النظر في كتاب الكون المفتوح المنبسط أمام عينيه، قراءة الكون ذلك الكتاب العظيم الذي أوجده الله سبحانه وتعالى. هذا الكتاب العظيم لا يحتاج في قراءته إلى أن يتخرج الإنسان في جامعة أو حتى في مدرسة أو في معهد أو يتعلم الحروف الأبجدية كى يعرف كيف يقرأ ويطلع على هذا الكتاب، كل الناس يمكنهم أن يقوموا به. بل الأكثر من هذا نجد أن الإنسان كلما إزداد تواصله مع الطبيعة كلما إزداد إيمانه الفطري، قربه من الله عز وجل، كيف؟ لو إنتبهنا إلى الفلاح البسيط المتواضع المتواجد في مختلف الأرياف والقرى الموجودة في بلداننا العربية المختلفة أو حتى غير العربية سنجد أن طبيعة العمل الذي يقوم به تواصل مع الأرض مع التراب البذر سقيا الماء يخفض رأسه ويرتفع إلى فوق فيرى السماء أمام عينيه مباشرة، كل هذه التصرفات تجعل الإنسان أكثر صفاءً أكثر نقاوةً أكثر قرباً وتواصلاً مع هذا الكون أكثر شفافية أكثر روحانية أكثر شاعرية حتى، هذه الأمور نحتاج اليوم أن نعيدها إلى حياتنا من جديد. حياتي المعاصرة التي نعيش فيها اليوم بحكم أشياء كثيرة متعددة كالتي ذكرنا من الجدران والسقوف وطبيعة العمل وسرعة الحياة وعدم وجود الوقت الكافي للخروج للطبيعة جعلتنا نعيش حياة أقرب إلى الجفاف أقرب إلى الشيء الصناعي كالبلاستيك تماماً قد يكون المنظر من الأمام أو من بعيد منظر جميل ولكن حين نقترب منه لا نجد فيه حياة لا نجد فيه روح وقد يقول قائل يعني معنى ذلك أن أترك عملي وأترك اشغالي وأخرج إلى الطبيعة أو أخرج إلى غار أو أخرج إلى كذا؟ أبداً على الإطلاق، كل ما هو مطلوب منا أن نعود إلى الطبيعة من جديد أنا حتى لو كنت أعيش في عمارة أو في بناية عالية متعددة الطوابق على سبيل المثال أستطيع أن أنظر من النافذة إلى السماء أستطيع أن أتأمل في الكون خاصة لحظات الشروق ولحظات الغروب النظر إلى السماء يعيد إلى قلبي وإلى حياتي سعة السماء يخلصني من ذلك التكبل الشديد والتمسك الشديد بالأرض ليست الأرض فقط وأهل الأرض هم عالمي أنا كإنسان عالمي متواصل مع السماء عالمي متواصل مع الكون أحتاج أن أعيد الإتصال. أذكر أني ذات يوم طرحت سؤالاً بسيطاً على بعض الطلبة عندي في الجامعة قلت لهم متى كانت آخر مرة نظرتم فيها إلى السماء؟ والله ما توقعت أي إجابة توقعت على سبيل المثال ان يقول أحدهم مثلاً الأسبوع الماضي قبل يومين هكذا ولكني فوجئت أن البعض منهم يضحك ويقول منذ شهور ومالي وللسماء؟! أنا شغلي في الأرض خليني أخلص من الأرض أولاً ثم ألجأ أو أن أنظر إلى السماء! هذا النوع من التباعد والقطيعة بيننا وبين التواصل مع الطبيعة قضية في غاية الخطورة لها آثار سلبية على أنفسنا على نفسياتنا نحن اليوم أنا أحتاج أن أتصالح مع نفسي هذه المصالحة مع الذات أحتاج فيها للنظر إلى السماء للنظر إلى الطبيعة حتى إن لم تتوافر الوسائل الطبيعية من حولي كزهور أو حدائق أو أشجار أو ما شابه ذلك وإن كان هذا مستبعد فلا أقل من أن أنظر إلى السماء كل يوم خمس دقائق عشر دقائق حسب ما يتسع له الوقت ولكن أنظر نظراً حقيقياً أنظر إلى سعتها أتأمل في صناعتها أتأمل في ذلك الإبداع العظيم. آيات القرآن التي تدعوا دعوة متواصلة ودائمة ومستمرة للنظر في السماء لم تأتي هكذا بدون سبب. واحدة من أهم وأبرز أسبابها هو تقوية العلاقة بالله سبحانه وتعالى من خلال النظر في صنعه وخلقته. ليس ذلك فحسب هناك نوع من أنواع الإيجاد للمصالحة مع النفس نوع من أنواع العلاج النفسي لمتاعبنا المتواصلة التي نجمت في كثير من الحيان عن إنغماسنا في عالم الأرض عن الشد الواقع بنا إلى الأرض دائماً دون النظر إلى السماء. وما أعظم قول الله سبحانه وتعالى حين يقول لنبيه في سورة الملك (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُو عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُو الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {2} الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ {3} الملك) دعوة متواصلة (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُو حَسِيرٌ {4} الملك).
اليوم نحتاج أن ننظر إلى الطبيعة وأن ننظر إلى السماء وأن ننظر إلى دقة هذا الخلق العظيم ونقول من أعماق قلوبنا سبحان الذي خلق سبحان الذي أبدع! هذه الخطوات مهمة لتعزيز المحبة محبة الله في قلوبنا. نلقاكم في لقاء قريب بإذن الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته