السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله صباحكم بكل خير. كنا قد وقفنا في اللقاء السابق عند التعرف على الله سبحانه وتعالى من خلال النظر في الكون والتأمل في آياته وبخاصة السماء فالنظر إلى السماء ورحابة السماء تشدنا إليها، تعرّفنا على هذا الخلق العظيم الذي صنعه الله سبحانه وتعالى فأحسن خلقه وصناعته. كما أن النظر إليها يشدنا من عالم الأرض من التمسك الشديد بها والتكالب عليها والنزاع والصراع حول ضيقها ودروبها المتعددة.
اليوم نواصل الحديث، اليوم حديثنا عن التعرف على الله سبحانه وتعالى من خلال كلامه من خلال الإستماع وزيادة السماع والتعلق بكلماته سبحانه. اليوم نحن البشر لو تعلّقنا بأحد من الناس كما قلنا في بداية الحلقات أو حتى لا نزال نحب أحداً من البشر من الناس كم من المرات أقرأ وأستمع إلى كلمات قد كتبها هذا الشخص؟ كم مرة أحتاج لكي أحفظ ما قاله أو ما كتبه لي الكلمات تحفظ في قلبي تحفظ في صدري لا أحتاج حتى أن أحتفظ بها في ذاكرتي لأنها قد رسمت ونقشت على صفحات قلبي الذي تعلق بهذا الشخص، ولله المثل الأعلى. هذا الحب وهذا التعلق بالكلمات بمن أحب نحتاج أن نوجهه الوجهة الصحيحة أحتاج أن أوجهه إلى خالقي سبحانه، إلى ما يقوله لي. ربي عز وجل خاطبنا ويخاطب عباده لأنه يحبهم يتواصل الحديث معهم يتواصل كلامه سبحانه معنا من خلال القرآن العظيم. كل ما هنالك أن علاقتي مع القرآن تحتاج إلى تصحيح تحتاج إلى تعديل تحتاج إلى حب تحتاج إلى تعلّق. وهنا يحضرني موقف ذكرته لي إحدى الأخوات ذات يوم تقول في يوم من الأيام توفي عنها زوجها وترك لها بنات وإذا بأهل الزوج وإخوة الزوج عوضاً عن أن يكونوا السند والمعين للأم وللبنات أخذوا كل شيء منهم، الزوج كان قد ترك خيراً كثيراً كثير من الأموال والثروة ولكن أهل الزوج قاموا بالسيطرة على كل هذه الثروة وبطريقة شرعية من خلال محاكم الدنيا. تقول الأم بعد أن طرقت كل أبواب المحاكم أدركت بأن الأمر قد إنتهى، أخذوا كل شيء. وفي يوم من الأيام والحزن قد سيطر على كل مشاعري وعواطفي والهمّ قد ركبني من رأسي إلى قدميّ لا أدري ماذا أفعل بالبنات لا أدري كيف أربيهن لا أدري لا أدري… تقول وقفت أصلي وإذا بي أردد الكلمات وأنا شاردة الذهن والهموم على رأسي ولا أكاد أفكر بأي كلمة حتى أتقوّلها أو أرددها ولكني فجأة وقفت عند قول الله سبحانه وتعالى (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4) الفاتحة) -هذه الآية في سورة الفاتحة التي نكررها مرات ومرات في اليوم والليلة تقول- لا شعورياً بدات أكرر الكلمة (مالك يوم الدين) (مالك يوم الدين) وإذا بهذه الكلمات الثلاث تعالج حتى حالة المرارة التي كنت أستشعر بها وأتذوقها في أعماق قلبي، نزعت من قلبي حال التشفي والرغبة في الإنتقام من أهل زوجي أشعرتني بان هناك عدالة لا تعرف أبداً أي شيء من أنواع الظلم أو الإمتهان أو الضعف. هذه العدالة التي لا تنقاد أبداً لمناصب الأشخاص ولا لجاههم لا تحابي أحداً، عدالة الله سبحانه وتعالى، عدالته المطلقة. تقول إستشعرت بمعاني العدالة شعرت بأن الله سبحانه وتعالى المالك ليوم الدين والحساب والجزاء سيأخذ حقي. شعرت بنوع من الراحة والسكينة أن حقي لم يذهب هدراً أن الظلم ربي سبحانه وتعالى سيرفعه عني. تقول بدأت بالإحساس بالطمأنينة بالسكينة ثم بدأت أدعو والدموع تنهمر من عيني وكأن تلك الدموع التي إنسكبت من عيوني كانت تغسل كل ما علق في قلبي من رغبات ومن أحاسيس مريرة من التشفي والإنتقام والإحساس بالظلم ومرارة الظلم كل هذا ذهب عني. وبدأت أدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء المضطر (يا رزاق يا من بيدك ملكوت السماوات والأرض إفتح لي أرزقني هب لي من لدنك رحمة أنظر إليّ بعطفك ورحمتك وحنانك ومَنِّك). تقول إنتهيت من الصلاة وقررت أن أعود وأبحث عن عمل وبدأت بالفعل المرأة تبحث عن العمل وسنكمل قصة تلك المرأة في المرة القادمة. ولكن ما أريد أن نتوقف عنده بجد تلك القراءة التي غيّرت المشاعر والعواطف، تلك التلاوة لكلام الله سبحانه وتعالى وإستشعار أن هذا الكلام أنا من أخاطَب به هو ما نحتاج إليه اليوم.
أنا حين أمر بأيّ موقف من المواقف، من منّا على سبيل المثال لم يشعر في يوم من الأيام بظلم قد وقع عليه من قريب أو من بعيد في مجال عمل في مجال أسرة في مجال من يتعامل معهم في أي نوع من أنواع المجالات الخاصة أو العامة؟ من منّا شعر بذلك أو لم تمر به مواقف فعلاً يشعر بها بهذه المعاني؟ يا ترى أي نوع من أنواع الكلمات أنا أحتاج أن أخاطَب بها وأنا في تلك المواقف، أي موقف أمر به في حياتي مهما كان صغيراً أو بسيطاً. أنا أحتاج من يخاطبني في ذلك الموقف ومن أعظم ومن أقرب ومن أحنّ ومن أكثر عطفاً وحناناً ومناً وفضلاً وقرباً من الله سبحانه وتعالى أختاره لكي يخاطبني أنا؟ أنا العبد الضعيف. رب العالمين الذي بيده مفاتيح كل شيء الذي بيده تصريف الأمور كل الأمور الذي يقلّب الأمر بين الليل والنهار الذي يغير الأمور ما بين طرفة عين وإنتباهتها، من أحقّ منه أن يخاطبني سبحانه وتعالى؟
نحتاج اليوم في واقعنا الذي نعيش فيه أن نجعل لكلام ربنا مساحة أكبر في قلوبنا، مساحة أكبر في عقولنا. أحتاج أن أسرح في كلام الله سبحانه وتعالى أحتاج أن أستحضر الكلمات بحبّ، بودّ، أحتاج أن أعيش الكلمة والأية واردد الآية وأفتح قلبي على مصراعيه لتنسكب تلك الكلمات في قلبي لتحفظها هذه الكلمات تُحفظ في ذاكرتي في عقلي في مشاعري لتكون لها كل التأثيرات الإيجابية في حياتي في نفسي، كل الإنعكاسات الإيجابية في سلوكي في تعاملي كما حدث مع هذه الأخت التي سنكمل قصتها بإذن الله في اللقاء القادم. أترككم في رعاية الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)