تفريغ سمر الأرناؤوط – موقع إسلاميات حصريًا
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كم تؤلمني تلك السطحية بكل مظاهرها التي بتنا نتعامل معها في بعض الأحيان مع كتاب الله عز وجلّ! لفت انتباهي جدًا عشرات القصص الصور هذه كتب عليها لفظ الجلالة وهذه كتب عليها أستغفر الله وأخرى كتب عليها جزء من آية قرآنية وسرعان ما تتناولها كل وسائل التواصل الاجتماعي وتقدم الأمر وكأن القضية فيها إعجاز حقيقي وعظيم جدًا يمكن أن يجدد الإيمان في نفوسنا. استغرب من ذلك كله، هل نحن اليوم بعد كل تلك السنوات والقرون لا نزال بحاجة لمعجزة تجدد فينا الإيمان غير كتاب الله عز وجلّ؟! ألم يطلب كفار قريش من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بمعجزة حسية الواحدة تلو الآخرى؟! ولكن القرآن أوضح من البداية أن عصر المعجزات الحسية انتهى وأن العصر الذي أُنزل فيه القرآن الرسالة الخالدة إلى أن تنتهي الحياة على هذه الأرض كفى به معجزة للبشر. ثم هذا الانصراف عن تاب الله عز وجلّ والبحث عن معجزات حسية نراها بأعيننا لتجدد فينا الإيمان، ألا ينبهنا إلى حجم الفجوة التي باتت تفصل بيننا وبين هذا الكتاب العظيم؟ ألا ينبهنا إلى حال تلك الجفوة التي أصبحت بيننا حتى ما عادت تحركنا الكثير من آياته وسوره فتجدد فينا الإيمان؟! ثم إن الإنسان إذا لم تحييه آيات الكتاب فيا ترى ماذا عساه يحييه ويحيي القلب ويحرّك الوجدان والفؤاد؟!. أتأمل في كتاب الله عز وجلّ وأجد هذه الآية العظيمة في سورة الحشر (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٢١﴾) هذه الآية التي وقف عندها المفسرون قديمًا وحديثًا، وقف عندها ابن عباس رضي الله عنهما مؤكدًأ أن هذه الآية تبين علو قدر القرآن وكيف أن الجبال على قساوتها وغلظتها وطبيعتها التي خلقت عليها من القسوة والصلابة لو أنها قد أوتيت المدارك والمسامع التي أعطيت للإنسان فنزلت عليها آيات الكتاب لجعلت من تلك الجبال ذرات رمل وحبات رمل فُتات! فما بال الناس – هكذا يقول ابن كثير في تفسير – ما بال الناس لا تلين قلوبهم لذكر الله والجبل على قسوته وغلظته لو وضعت فيه المسامع والمدارك لجعلت منه كما قال القرآن العظيم خاشعًا متصدعًا من خشية الله؟!. ومع ذلك حتى هذه الآية العظيمة أصبح البعض منا –كما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي – يستعمل هذه الآية للقرآءة وللتلاوة للعلاج من الحصوات في الكُلى،- أنا لا أناقش هنا أبدًا مسألة قدرة القرآن العظيمة على معالجة الأمراض الحسية والمعنوية، هذا القرآن معجز وشفاء للناس – ولكني أتساءل عن مناهجنا في التعامل مع هذا الكتاب. هذه الآية العظيمة في سياق سورة الحشر التي كنا قد وقفنا منذ زمن عند تدبرها وقلنا كيف أنها تكلمت عن قضية عظيمة إجلاء بني النضير، إجلاء اليهود وبينت كيف أن هذا الإجلاء وتلك النهاية هي نهاية محتومة لكل أمة لا تحسن التعامل مع كتابها الذي شرفها الله بأن تكون فعلًا أمة كتاب واليهود لم يحسنوا التعامل مع كتابهم التوراة الذي أنزلها الله سبحانه وتعالى ووصفها أن فيها نور ورحمة و لمن يؤمن بها. ولكن أهل الكتاب حين لم يحسنوا التعامل مع كتبهم التي أنزلها الله عليهم عانوا ما عانوا وقاسوا ولا يزالون يقاسون ما يعانوه في حياتهم فكيف بنا والتناسب واضح بين الآية والآيات التي تتحدث عن علاقة اليهود بكتبهم وهذه الآية التي جاءت في سياق التنبيه للأمة التي نزل عليها القرآن أولًا أن لا تتعامل مع كتابها العظيم كما تعاملت الأمم السابقة مع كتبها، أن تحسن التعامل مع القرآن، أن تحسن نقل رسالته وقيمه العظيمة لكل الأمم حتى يتمكن البشر من العيش في ظلاله والشعور بالأمن والاستقرار في تطبيق آياته وتشريعاته وأحكامه. هذا الإنسان الذي شرّفه الله بأن وضع فيه وسائل الإدراك والفهم والإحساس والتلقي كيف له أن يصون تلك الوسائل ويسكتها وينتقل إلى الحالة التي قد وصلنا إليها ويتخبط ويبحث عن معجزة حسية هنا أو هناك وبين أيدينا هذا الكتاب المعجز في كل كلمة منه وفي كل حرف منه. حين أرى هذه الحالة من التخبط أتعجب وأقول في نفسي كيف لم يدرك المسلمون بعد أن لهذا القرآن قدرة عجيبة على تحريك الجبال جبال الجهل والوهم والضلال والحرب والخوف والضياع التي باتت تسيطر وتخيم على عالمنا اليوم؟! كيف؟! كيف أصبح البعض منا يعتقد أن قدرة القرآن أنها لا تتجاوز سوى تفتيت حصوات هنا وهناك؟ ألأجل هذا نزل القرآن؟! أهكذا نتعامل مع القرآن؟! أهكذا ننظر إلى هذا الكتاب العظيم المعجز؟! أهكذا يكون التعامل مع هذا القرآن وقدراته الهائلة؟! ربي سبحانه وتعالى أنزله لأجل أن نتفقه ونتفكر ونتدبر ونتدارس في معانيه العظيمة ونحوّل تلك المعاني والمقاصد إلى واقع نعيشه، واقع يراه العالم باسره العالم الذي بات بحاجة إلى رسالة حقيقية والرسالة لن تأتي عبر نبي جديد ولا قرآن ولا كتاب جديد، القرآن باقي والنبي صلى الله عليه وسلم الله عز وجلّ ختم الله به الأنبياء فلا رسالة بعد رسالته ولا كتاب بعد هذا القرآن، ولكن علينا نحن من نفهم هذه المعاني وهذه الرسالة أن نقوم بإيصال الأمانة على الوجه الذي ينبغي أن توصل إليه وعليه، نقوم بإيصالها للعالم من خلال إحسان التعامل مع هذا الكتاب والكفّ عن حالة التخبط والسطحية في التعامل مع آياته. لنا وقفة أخرى بإذن الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قلبي مشغول بمن – الموسم 2 – الحلقة 3 – د. رقية العلواني