أ. د. رقية العلواني
تفريغ د. سمر الأرناؤوط
بين أيدينا اليوم سورة من سور القرآن العظيم نزلت على الحبيب صلى الله عليه وسلم في أواخر العهد المكي وقبيل الهجرة إلى المدينة . تلك الفترة كانت حرجة بالنسبة للمسلمين ؛ فلقد عاشوها بمكة في ضعف و قلة عدد، ولكن بثبات ويقين ورسوخ على الحق الذي آمنوا به، على الرغم من كل التضحيات التي كانوا يقدمونها على مدار عشرة أعوام. في تلك الفترة الحرجة نزلت هذه السورة وعلى الرغم من نزولها في مكة إلا أنها في ترتيب المصحف جاءت بعد سورة الأحزاب التي نزلت في المدينة . ولنا أن نتساءل عن الحكمة والمعاني والمقاصد في ترتيب المصحف ما بين سورة نزلت في المدينة ، ثم تأتي بعدها سورة نزلت في مكة، هذا إن دل على شيء ، فهو يدل على أن هذا الترتيب في المصحف ليس باجتهاد أحد ، بل هو بالتوقيف. وأن هذا الترتيب في المصحف له أهداف ومقاصد لا بد للمتدبر أن يقف عندها.
قلنا في تدبرنا في سورة الأحزاب إن السورة جاءت تعالج تحديات خارجية ، وإن واحداً من نماذج تلك التحديات كان غزوة الأحزاب التي سميت السورة بأكملها باسمها. وقلنا إن تلك التحديات الخارجية لا يمكن أبدا أن تفل من عزيمة المسلمين ، مادام الداخل الإسلامي والبيت الإسلامي والمجتمع المسلم متحليا بالقوة والثبات والرسوخ على المبادئ والقيم التي جاءت برسالة القرآن. من هنا وجدنا أن سورة الأحزاب العظيمة جاءت لتؤسس بيتا مسلما قائما على قواعد القيم والمُثُل بعيدا عن أشكال المجاملات والمداهنات والمساومات لأعراف وتقاليد سائدة كان لا بد أن تتغير؛ لمناقضتها للحق الذي جاءت به هذه الرسالة العظيمة.
ثم بعد ذلك بينا أن من أعظم الوسائل لمواجهة التحديات في أي زمان ومكان ، التمسك بنهج الحبيب صلى الله عليه وسلم تمسكا يعرّف الإنسان بشخص النبي صلى الله عليه وسلم ، و بمنزلته السامقة بأهل بيته الذين تربوا على تلك المثل والقيم ، و عاشوا عليها، وقاموا بكل ما قاموا لأجل حمايتها والدفاع عنها.
ثم بيّنا أن في نهايات سورة الأحزاب العظيمة ، جاء تقرير الأمانة التي يحدثنا القرآن عنها ، و التي قد لا يدركها بعض الناس، و يعيش عمره ، وهو غير واعٍ لمسؤولية تلك الأمانة : (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملها وأشفقن منها وحملها الإنسان) . وقلنا فيما قلنا إن هذه الأمانة العظيمة ؛ وهي الخلافة على الأرض ، مِن الناس مَن يؤديها ويقوم بها على خير وجه . ومن الناس من يخون تلك الأمانة .
ومن الناس من لا يدرك فحوى هذه الأمانة ، وبالتالي لا يؤديها ولا يقوم بها، من هنا جاء التناسب العميق بين تلك السورة ونهايتها ؛ سورة الأحزاب ، وبدايات سورة سبأ العظيمة التي جاءت تحمل اسم مملكة قوية بلغت من مجالات التفوق الحضاري والمعماري والهندسي ما بلغت في وقتها. وكأنها تفوقت على كثير من أمم الأرض ، بمعنى آخر كانت قوة عظمى بكل المقاييس. ثم إن هذه المملكة أعرضت عن منهج الله ورسالات الأنبياء، فما كان لها إلا أن اختفت واندثرت معالمها التي أسستها ؛ فالأسس والقواعد التي تبنى عليها الأسر والبيوت والمجتمعات والأمم لا تكون من طوب وحجارة، قدر ما تكون من قيم ومبادئ ، وأسس ومُثُل من حق وعدل وحكمة ورحمة بين الناس. هذه القواعد التي على أساسها تقام وترفع البيوت والمجتمعات والأمم فإذا ما خلت المجتمعات والأمم من هذه القيم وتنصلت لها في سلوكياتها، فلن يكون عاقبة ذلك إلا الدمار والانهيار! .
وعلى الرغم من أن مملكة سبأ كما سنرى في تدبر سورة سبأ، أنها لم تواجه عدوا من الأعداء في ساحة معركة وما كانت نهايتها على يد أعدائها ،بل كانت كارثة طبيعية كما يسميها ويتعارف عليها الناس . إلا أن القرآن يبصرنا بأن تلك الأحداث وما يعرف بالكوارث، إنما هي في حقيقتها ناتجة عن تلك المخالفات السلوكية والقيمية في حياة الأفراد والأمم والمجتمعات.
التناسب بين نهاية سورة الأحزاب ومفتتح سورة سبأ ، مع الفارق الزمني في أن الأولى نزلت في المدينة ، وتأتي في تريب المصحف قبل الثانية التي نزلت في مكة ، وتأتي في ترتيب المصحف بعد الأولى ، هذا التناسب له معنى، أحد معانيه أن القرآن العظيم يؤسس بناء شخصية الفرد والمجتمع والأمة ، وكل سورة في كتاب الله تُسلِمك إلى السورة التي بعدها بقيمها ، ومحاورها ، ومعانيها ، ومقاصدها . سورة الأحزاب في ختامها تكلمت عن الأمانة ، و عاقبة الناس الذين لا يقومون بتلك الأمانة ولا يؤدونها إلى الله كما أمر سبحانه ، حيث يقول : (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما) . وفي مفتتح السورة العظيم ؛ سورة سبأ التي نزلت قبلها بسنوات ، يقول الله : (الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير) ، حيث افتتحت السورة العظيمة بالحمد وهي واحدة من سور أخرى ، كلها مكية افتتحت كذلك بالحمد، واحدة من تلك السور: سورة الفاتحة : (الحمد لله رب العالمين) ، و سورة الأنعام: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) ، و سورة الكهف: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا) ، و سورة فاطر: (الحمد لله فاطر السموات والأرض) ، وهذه السورة المباركة التي نحن بصددها.
هذه السورة المباركة إذا ما تأملنا في الفترة الحرجة التي نزلت فيها ، وجدنا أن هذه السورة مع أخواتها من السور التي افتتحت بالحمد تعلم المسلمين ، أن الحمد ينبغي أن يكون فضيلة متأصلة متجذرة في قلوب المؤمنين بهذا القرآن، لا تخضع لظروف صعبة أو غير صعبة، ولا تخضع لتقلبات الحياة وظروفها ومحنها ومنحها.
الحمد ينبغي أن يكون شعار المؤمن ؛ فردا ومجتمعا وأمة مهما تغيرت به الظروف والأحوال ؛ فالدنيا بطبيعتها تتغير ما بين صحة ومرض، ما بين ضعف وقوة، ما بين شدة ورخاء ، ولكن القرآن يؤسس في كل تلك السور التي نزلت في مكة على وجه خاص ، والتي كان المسلمون يواجهون فيها ظروفا صعبة أن الحمد ينبغي أن يكون شعارا لك، شعارا متأصلا ومتجذرا في أعماق القلب كتجذر الإيمان واليقين بالله، تدرك معه أنك حتى وإن تواجه محنة ، فأنت تتقلب في نعم تستحق معها أن توجه الحمد له سبحانه، فتحمده وتشكره على كل ما أنعم به من نعم ظاهرة وباطنة ، وأن ما أصابك ويصيب الإنسان من مختلف المحن والظروف ، ما هو إلا جزء يسير من ذاك الاختبار والابتلاء والمؤمن . فإذا ما تعلم من كل هذه المحن والابتلاءات ، تجذر الحمد في قلبه ، وإذا ما تجذر الحمد في قلبه عاش حياة هانئة تؤهله أن يقوم بالأمانة والخلافة على أتم وجه .
تأملوا في التناسب والترابط: نهاية سورة الأحزاب : (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) ، وعاقبة من لا يحمل الأمانة ، ثم في بداية سورة سبأ : (الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة) ؛ فذاك الحمد يؤهلك للقيام بالأمانة على أكمل وأتم وجه. أنت لا تستطيع أن تقوم بأمانة الخلافة على الأرض إعمارا وبناء وإصلاحا وخيرا وعطاء ونماء دون أن يكون قلبك حامدا لله ، ونفسك راضية قانعة بما أعطاك الله ، وروحك التي بين جنبيك قانعة مستقرة هادئة. ولا شيء يجعل الروح تستقر في الصدر وفي القلب ، كالإيمان واليقين بالله سبحانه وتعالى . الحمد يجعلك تستشعر كل هذه المعاني ، ثم إنك كلما ازددت حمدا لله ورددت بلسانك وقلبك وجوارحك الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، قياما وقعودا وعلى جنبك ، وفي كل أحوالك وظروفك، تجدد الحمد فيك وحينما يتجدد الحمد في قلب المؤمن يتجدد الإيمان ، ويتجدد معه اليقين بالله سبحانه وتعالى وحسن الظن به عز وجل . وهناك عشرات العبادات التي تمكنه من أداء الأمانة والقيام بهاعلى أتم وجه.
ثم تدبروا ، يقول الله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) ، فالرب الذي أنت تتوجه إليه بالحمد والشكر سبحانه وتعالى ، له ما في السموات وما في الأرض. وأنت كلما استحضرت هذه المعاني علمت وأدركت أن ما تمر به من ظروف صعبة تتعرض لها جرّاء تعاملك أو عدوان الآخرين عليك ، أو محن وتحديات مختلفة ، ليست بشيء في جنب الله سبحانه وتعالى ، و ليست بشيء أمام قدرته المعجزة وأمام ملكه : (له ما في السموات وما في الأرض) ، فما ينفعك إن أقبل الناس عليك ، وما يضرك إن صدّوا عنك ؟! وماذا يضرك إن كان ثمة تحديات تواجهك أو لا تواجهك، مادمت تعلي دينا وقيما وحقا أمر به الذي له ما في السموات وما في الأرض؟! إنها نعمة تستحق الحمد أنك تعبد ربا له ما في السموات وما في الأرض ، و أنك تعبد ربا له ملكوت كل شيء.
وتدبروا في الوجه الآخر للتناسب ؛ نهايات سورة الأحزاب جاء فيها عاقبة الذي لا يؤدي الأمانة ولا يدرك كنهها ، والذي يعيش حياته وهو لا يعرف معناها التي كُلف بها ، يقول المولى : (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما) ، وفي سورة سبأ يقول : (وله الحمد في الآخرة وهو الحميد الخبير) ؛ الحمد في الآخرة على أنه سبحانه ما ساوى بين المنافق الذي لم يؤدِ الأمانة ، وبين المشرك الذي لم يعرف ما هي ، وبين المؤمن الذي أفنى حياته حاملا و مؤديا لهاعلى أكمل وجه . لا يستوون أبدا عند الله! .
والله سبحانه وتعالى أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وهو العدل في حكمه وجزائه وفصله بين الخلق. من عدله وتمام حكمته ورحمته أنه ما ساوى بين هؤلاء ، فله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير. تأملوا في الربط! له الحمد على أنه ما ترك هؤلاء الذين عاثوا في الأرض فسادا دون أن يأخذهم بجريرتهم وبذنوبهم وقتلهم وسفكهم للدماء البريئة ، وله الحمد على أنه أعطى هؤلاء المؤمنين من الفضل والإحسان والجزاء ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر! له الحمد في الآخرة، وهو الحكيم في أقداره و أوامره ونواهيه.خبير بعباده فيما يعطيهم وما يمنعهم،وما يشرّع لهم وما يأمرهم به ، وما ينهاهم عنه.
هذا كان مستهلا لهذه السورة المباركة التي تدور كما ذكرنا من اسمها حول نموذج لأمة ما عرفت كيف تتعامل مع تلك التحديات التي تواجهها في حياتها ، و نفسها ، و كينونتها وصيرورتها. أمة سبأ نموذج لمجتمع ما عرف كيف يقوم بالأمانة ولا يؤديها كما ينبغي . والله سبحانه وتعالى جعل ما يحدث للعباد في حياتهم ومجتمعاتهم نتيجة لما يقومون به ؛ فما تفعله اليوم تحصده غدا أو بعد غد . صحيح أن الدنيا ليست بدار جزاء ولكن شاءت حكمة الله وقدرته ، وهو الخبير بعباده أن يعطيهم طرفا من تلك النتائج والثمار حتى يتعلموا أنهم حين يسيرون على منهج الله ولا يعدلون عنه ، سينعمون بالراحة والرخاء والهناء ، وأنهم حين يتنكرون لذلك المنهج الإلهي ويصدون ويعرضون عنه ، إنما يخرّبون مدنهم وحضارتهم بأيديهم لا بأيدي غيرهم . أمة سبأ أمة عرفت بالتفوق الحضاري والمعماري على أعلى المستويات في كل نواحي الحياة الزراعية والهندسية والغذائية ؛ أمن غذائي ، وأمن اقتصادي ، و أمن مجتمعي و سلم أهلي. كانت تتقلب في النعم ؛ نعم الله سبحانه وتعالى عليها، رخاء بكل المستويات وعلى أعلاها رفاهية ! ماذا حدث لذلك المجتمع؟ كيف انهارت تلك الحضارة على الرغم من أنها لم تواجه عدوا في الخارج ؟ عدوها كان بين جنبيها، عدوها كان ذاك الشيطان الذي زين لها أعمالها فرأت السيئة حسنة ، ورأت الضلال هدى كما ستأتي الآيات العظيمة . وستفصل الآيات كيف أن تلك الأمة القوية العظيمة في حضارتها انهارت ؛ نتيجة لقيادة فاشلة من كبراء لا يدركون معنى الأمانة ولا معنى الخلافة على الأرض ، ضيعوا أنفسهم وحضارتهم ومدينتهم وضيعوا كل شيء! القرآن العظيم يضعنا في الصورة ، فسورة سبأ نموذج لهذه الأمة حتى تكمل ما جاء في سورة الأحزاب العظيمة . إنها سورة تبني في الإنسان أشياء جديدة ومعاني جديدة. ولنا أن نتساءل : السورة تتحدث عن مملكة والمسلمون في ذلك الوقت يمرون بأصعب الأوقات في مكة ؛ من حيث قلة العدد ، والضعف في مواقعهم المختلفة، كيف هذا يكون؟ وكيف يحصل؟
القرآن العظيم كما نذكر دوما ينقل الإنسان من واقعه الذي يعيش فيه نقلة نوعية ؛ حتى لا يبقى محبوسا محجوزا في ظروفه الآنية ، وعندما ينقله يفتح له نافذة واسعة يبصر من خلالها على العالم الماضي والعالم الذي يعيش والعالم كذلك الذي يستشرفه . يتعلم من مدرسة الماضي ما يعالج به حاضره ويفهم ويدرك أن ما مر بسبأ ، وهي الأمة العظيمة يمكن أن يحدث لقريش وكفار قريش الذين لازمهم العناد أكثر من عشرة أعوام والإصرار على الكفر، وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ورميه بعشرات الاتهامات التي هو منها بريء . القرآن يخاطب المؤمنين في تلك الفترة وفي كل فترة وزمان قائلا له : لا تعش محصورا فقط في واقعك الذي أنت تعيش فيه، انتقل، القرآن يفتح أمامك مجالات وآفاقا واسعة ، آفاق تجعلك تدرك أن سنة الله ماضية ، ولا تبديل لتلك السنة . الأمم التي تتنكر للمنهج الإلهي ورسالات الأنبياء لا يمكن أبدا أن يدوم ملكها ولا يستمر عزّها، ولا يبقى لها جاه أو منعة بين الأمم. بمعنى آخر إياك أن تحادد الله ورسوله، هذه رسالة سورة سبأ .
وتدبروا في بدايات السورة التي بدئت بالحمد ونهايات السورة العظيمة وهي تحدثنا عن عاقبة الكفار، تدبروا في الربط : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) في الآخرة ماذا يحصل؟ : (وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيد) ، القرآن ينقل لنا جزءا من مآل الكفار في الآخرة الذين تنكروا لمنهج الله سبحانه وتعالى في الحياة : (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ). فلله الحمد في الآخرة أن جعل عاقبة هؤلاء الكافرين كالتي وصف في أواخر السورة، الحمد لله أنه قد حيل بين هؤلاء الذين كفروا وبين ما يشتهون، الحمد لله الذي فعل بهم ما فعل بأشياعهم من قبل . الحمد لله الذي ما ترك الظالم دون عقوبة، الحمد لله الذي أعطى المؤمن الجزاء الأوفى ، الحمد لله الذي وفّى الحساب . الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله . الحمد لله تلك الكلمة الخالدة التي يقولها المؤمنون حين يبشرون بالجنة : (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) ، الحمد لله ؛ هذه الكلمة الخالدة التي تجدد في القلب معاني الإحساس بالرضا والطمأنينة . مهما كانت ظروفك صعبة ، ومهما كانت أحوالك ، فقط قل الحمدلله، اجعل الحمد عادة عميقة في ذاتك وفي نفسك وفي حياتك . لا تنظر للأشياء بأسف، لا تنظر إلى ما فاتك ويفوتك من الدنيا بحسرة وألم ، يولد فيك مرارة تقعدك عن القيام بالأمانة التي ينبغي أن تقوم بها . الإنسان عندما يحزن ويكتئب ويتألم لأي سبب من الأسباب، فلن يعود قادرا على القيام بالأمانة على أتم وجه، على عكس ذلك حين يكون متفائلا منفتحا إيجابيا ، وينظر للحياة بنظرة حسنة ، يدرك من خلالها أن هذه طبيعة الدنيا والحياة ، سيفهم و يستعد لكل شيء لأجل أن يقوم بأداء الأمانة على أتم وجه .
تلك البداية القوية العظيمة تتناسب مع ما جاء في سورة سبأ من معان ومقاصد جمّة حملتها هذه السورة المباركة التي تغرس في نفس المؤمن كيف أن القوة لله جميعا ، وأن لله ما في السموات وما في الأرض.