الحلقة الخامسة: (من الآية السابعةِ والعشرين إلى الثَّامِنَةِ والثلاثين)
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقفنا في تدبرنا في سورة الشورى المباركة عند تلك الآيات العظيمة التي جاءت تبين كيف أن أبواب التوبة مفتوحة للعباد، تلك الأبواب التي يأتي ذكرها في كتاب الله عز وجل بعد مواقف يوم الحشر والقيامة؛ ليعطي الإنسان فرصة ليتفكر ويتدبر في أمره، ويتبين أن العمر محدود، وأن فترة التوبة محدودة بفترة بقائه على الأرض ودخول وبقاء الروح في جسده، هذه الفترة المحدودة ينبغي أن يستفيد منها العاقل، وينبغي أن ينظر إليها نظرة تأمل وتفكر في حاله تعيد للإنسان الحسابات، ليضع تلك الحساباتِ المختلفةَ في سائر تصرفاته وحياته على الوجه الذي أراد الله أن تُوضع فيه، وإذا بالآيات العظيمة بعدها تنتقل مرة جديدة إلى قضية بسط الرزق، والتوسع فيه، فيقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: 27]، ولنا أن نسأل ونحن في السورة المباركة وفي تدبرها، لماذا تذكر قضية الرزق وبسط الرزق في هذه السورة كثيرًا؟ لماذا ربي (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) ذكرها في هذه السورة المباركة في أكثر من موضع؟ ومع أكثر من موقف: ﴿اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيز﴾ [الشورى: 19] ثم ستأتي بعدها الآيات في بسط الرزق، فهذه السورة المباركة كما ذكرنا في مقاصدها ومعانيها ومحاورها أنها تقدم أساليب المعالجة لإشكالية الطغيان والبغي والظلم والعدوان، وهذه المنظومة التي يعاني منها الإنسان فردًا أو مجتمعًا أو أمة عبر العصور المختلفة وواحدة من أكثر العقبات في طريق الدعوة إلى الحق والإسلام.
والصراع بين الحق والباطل والصراع بين الخير والشر وبين الفساد والصلاح يقوم في أساسه على معالجة قضية الظلم والطغيان والبغي والعدوان، ونحن إذا تدبرنا وتأملنا كما يقدم لنا القرآن العظيم هذه الآيات لوجدنا أن البسط بالرزق والتوسع في الأرزاق المادية بشكل خاص هو واحد من أكثر العوامل والأسباب التي تجعل كثيرًا من الناس ينساقون في الطغيان والبغي والعدوان، ذاك أن هؤلاء يتوهمون أن ما يفتح الله لهم به من أرزاق مادية من مال، وصحة في البدن، وتكاثر في الأرزاق والأموال والتجارة والبيوت والقصور وما شابه إنما هذا يعني أنهم تمكنوا في الأرض، ويبدأ الإنسان في عملية الغفلة عن الله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) وعن المهمة التي لأجلها خُلِقَ على هذه الأرض، هذه الإشكالية تزداد عمقًا وضراوة حين يكون الإنسان غير مؤمن بالله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى)، ولذلك القرآن العظيم عن قارون: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ [القصص: من الآية 76]، كيف حصل أنه بغى عليهم؟ بما فتح الله عليه من الأموال، وبما فتح الله عليه من التوسع والبسط في الرزق الذي هو محض ابتلاء، والقرآن في سورة الشورى حين يعرض قضية بسط الرزق وتقدير الرزق يريد من الإنسان ألا يقف عند الظاهر (ظاهر الأمر في عملية بسط الرزق وتقديره) ولا ينتبه إلى ما بعد ذلك من عمق الابتلاء والامتحان للإنسان في هذه الإشكالية الْخَطِرَةِ، ذاك أن واحدًا من أعظم أسباب البغي والظلم والعدوان بسط الرزق، وإن الله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) قد يبسط الرزق لبعض الأشخاص فيستخدمون ما أنعم الله به عليهم في البغي والظلم والعدوان، ومن هنا قال (جَلَّ شَأْنُهُ): ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: 27]، بمعنًى آخر: إن القرآن يضع أيدينا هنا على هذه الإشكاليَّةِ الْخَطِرَةِ وتشخيص هذه الإشكالية، فالله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) لم يبسط الرزق للناس بشكل كامل، ولو بسط لهم الرزق لبغوا في الأرض، ولكن على الرغم من أنه (جَلَّ شَأْنُهُ): ﴿يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ﴾ إنه (رغم هذا كله) ترى من عباده من يبغي في الأرض بغير الحق ﴿إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ خبير بما يصلحهم وخبير بنوازعهم ونقاط ضعفهم وقوتهم، وبصير بما يفعلون لو بسط الرزق أو قدر الرزق عليهم، وأنت ترى أن أحوال الناس في بسط الرزق وتقديره متباينة، ومختلفة، تتراوح وليست على وتيرة واحدة، فبعض الناس حين يُبْسَطُ له في الرزق، ينشغل، ويلتهى، ويبتعد كثيرًا عن الله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) إلى حد الوقوع في الظلم والاعتداء على الآخرين والاغترار بما آتاه الله من فضله، وبعض الناس تراه حين يُقْدَرُ عليه الرزق وَيُقَلَّلُ، تراه يكون إنسانًا من الصالحين الطيبين الساعين في الخير، والله خبيرٌ بصيرٌ بعباده، فالعباد يتفاوتون، وبعض الناس حين يُبْسَطُ له في الرزق تراه سائرًا في الخيرات، ومِعْطَاءً كأنه الريح، الريح التي تجود بكل ما لديها؛ لمنفعة الآخرين، فالناس ليسوا سواءً، والله بصير خبير بعباده، وفي ذات الوقت، ربي عز وجل هنا في هذه الآية المباركة يضع الأمور على حقائقها أمامنا، حتى لا تغتر إن بسط عليك الرزق، وإن قَدَرَ عليك في رزق فلا تَبْتَـئِسْ ولا تحزن، واعلم أن كل شيء بيد الله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى)، وأن الله خبير بصير بما يصلح لك، فأنت تسعى بجوراحك، وتعمل عقلك، وتسعى لأجل الكسب الحلال الطيب الذي ليس هو غاية لوجودك على هذه الأرض، فنحن ما خلقنا على الأرض لنكون جباة أموال ولا خزائن بنوك، فالمال وسيلة، وليس غاية.
فإذا عشت للمال باعتبار أنه غاية فقدت إنسانيتك وبدت عملية البغي في الأرض، وإذا أدركت بأن المال وسيلة وليس غاية، استعملت ذلك المال فيما يصلح معاشك وحياتك وسخرته لما خلقك الله له من قيام بالمهم على هذه الأرض، وتدبروا في الربط، ما بين بسط الرزق والتقدير وإنزال الغيث، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى: 28] فما العلاقة بين الرزق والمال والغيث؟
الغيث جزء من الرزق، والغيث هو الماء الذي ينزل من السماء فينشر الحياة في مُخْتَلِفِ أرجاءِ المعمورة، ويأتي على الأرض الجامدة فينبت بقدرة الله فيها من كل زوج بهيج، ويجعل للإنسان فيها أسباب العيش والحياة، وما يستعمله الإنسان اليوم على سبيل المثال، وما توصل إليه من إنشاء السدود على المياه وما شابه حين تفيض مياه الأنهار؛ هذه كلها من أسباب الحياة، فالله سبحانه الذي ينزل الغيث في مكانٍ دون مكان وفي زمان دون آخر، اعلم أنه هو الذي يبسط الرزق عليك ويقدر، ونحن لا نعيش في قضية بسط الرزق في حياتنا كأفراد على مستوًى واحدٍ؛ فأنت قد تكون في شبابك (على سبيل المثال) قدر عليك في رزقك، ثم بعد ذلك بعد سنوات من العمل والجهد بأمر الله يبسط لك في الرزق، وقد يكون العكس، يبسط لك في شبابك يقدر عليك بعد ذلك في شيخوختك، الأمر بيد الله سبحانه، مع الأخذ بالأسباب، ولكن عليك ألا تصبح تلك الإشكالية من الأمور التي تقض عليك مضجعك، وتنشر في جنبات نفسك وروحك اليأس وتثبطك عن القيام بما أمرك الله أن تقوم به؛ لِأَنَّ المال ليس بغاية، وتدبروا في الربط ما بين الرزق بشكل عام في الإنسان والحياة الإنسانية وما بين الغيث الذي هو جزء من ذلك الرزق، وانظر في التفاوت في نزول الغيث بعدما قنطوا. وفي كثير من الأمم، وكثير من المجتمعات إلى يومنا هذا لا ينزل الغيث لفترات طويلة، ويصلي الإنسان، ويصلي الناس صلاة الاستسقاء لأجل أن ينزل الغيث، ثم ينزل الله برحمته، بعدما قنطوا.
ما دخل ضرب هذا المثل وهذه القضية في هذا الموضع بالذات من السورة؟ لا تصل إلى مرحلة اليأس والقنوط، والقنوط يناقض حقيقة الإيمان، ويناقض حقيقة سيرك على هذه الأرض، وبمعنًى آخر: مهما جفت عليك وقدرت عليك الأقوات، والأرزاق، لسبب ما، وحلت عليك الإشكاليات والمصاعب والمصائب وربما الأوجاع والأمراض فاجعل طاقة الأمل مفتوحة في قلبك ونفسك؛ لِأَنَّ الله هو الولي الحميد، وتدبروا في ختام هذه الآية قال تعالى: ﴿وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى: من الآية 28] لماذا الاسمان من أسماء الله الحسنة؟ الولي الذي يتولى شئون حياتك، ويصرفها في الضراء وفي السراء، وفي الشدة وفي الرخاء، وفي المرض وفي الصحة، وفي كل وقت وفي كل زمان، فحين تتخذه وليًّا، فالله يتولى شئون حياتك، فلا تبتـئس. لا يأس مع الإيمان بأن الله ولي لك يتولى شئون حياتك ويصرفها، ويقلبها، ويقلك من الرخاء إلى شدة، ومن الشدة إلى الرخاء، ومن الصحة إلى شيء من المرض، ومن المرض إلى الصحة، أحوال الإنسان ليست ثابتة على وتيرة واحدة!
اللهُ الحميدُ (سُبْحَانَهُ جَلَّ شَأْنُهُ) له مطلق الحمد والثناء وإليه يرجع الحمد والثناء، ويشكر لعباده؛ لِأَنَّهُ هو الشكور، ولو كان ما يقدمونه من شكر اتجاه ما أنعم به عليهم قليل، ولكنه الشكور الذي يقبل من عباده القليل. هذه الآية العظيمة والربط بين الآيتين يجدد في الإنسان روح الأمل، ولماذا نحن بحاجة إلى روح الأمل؟ حتى نسعى في الأرض إلى آخر نفس من أنفاسنا، بينما إذا استبدَّ بك اليأس من كل جانب وسكن القنوط قلبك، فقل لي ماذا وكيف ستعمل؟ كيف ستعمل في هذه الحياة؟
ثمة أمر آخر: إن هذه السورة تعالج إشكاليَّةً خَطِرَةً في الفرد والمجتمع، إشكالية الطغيان، والاستكبار والاستعلاء على الناس، وهذه الإشكالة قد تكون طويلة المدى، وقد تأخذ معالجة هذه الإشكالة سنوات طويلة جِدًّا، فإذا استبدَّ اليأس والقنوط بنفوس البشر، كيف سيستمرون في مواجهة الشر والفساد؟ كيف سيوقفون مدى البغي والطغيان والظلم إذا استبدَّ القنوط بهم؟
إياك أن يتسلل القنوط إلى قلبك أو اليأس، كن مُفْعَمًا بالإيمان بالله والحياة، وكن مُدْرِكًا أن الله سبحانه ينشر رحمته، وتدبروا في دقة اللفظة والمفردة ﴿يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ ولا أحد يمسك رحمته سبحانه (جَلَّ شَأْنُهُ) حين يريد نشرها إذا أرادك بخير فلا ممسك له، وإن أرادك بشيء آخر فلا ممسك لذلك، إذن: لمن تتوجه؟ للولي الذي ينبغي أن يتولى شئون حياتك: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: 29] أنتم تجادلون؛ لِأَنَّــنَا ذكرنا ونذكر دومًا وبعد سنوات من نزول القرآن والسور المكية، ما زال القوم يجادلون في يوم الحساب، الله الذي يجمع كل شيء ويجمع كل دابة خلقها وبثها، قادر على جمع البشر الذين انتشروا في الأرض بعد موتهم، هذا الوصف في القرآن ما بين آيات الكون وآيات الكتاب وآيات النفس والمجتمع، تريد أن تعزز بالإنسان القدرة على الربط بين الآيات المختلفة، والخروج من تلك الآيات بمفاهيم وحقائق تُصْلِحُ للإنسان معاشه على هذه الأرض: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ في السماء والأرض، والإنسان لم يتوصل بعلمه المحدود إلا لأشياء بسيطة مِمَّا خلق الله في السماوات والأرض، قال تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ لماذا؟ ﴿جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [آل عمران: من الآية 9] حتى تستوعب وتفهم، أن يوم الجمع الذي هو يوم القيامة أهون على الله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) من كل ما يجادل فيه هؤلاء القوم ممن أنكروا البعث، وإنكار البعث والجدلية في إنكار البعث قضية خَطِرَةٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الإنسان إذا أنكر واستبعد يوم البعث، ويوم الحساب عاث في الأرض فسادًا وعلوًّا وطغيانًا، وما ذاك الفساد الذي نراه قد تراكم على الأمم والشعوب في القديم وفي الحديث إلا من ثمرات ذلك الاستنكار والإنكار والاستبعاد ووقوع يوم الجزاء والحساب، ذاك الذي يجعل الإنسان يستبد ويطغى، ويظن أن ما مكنه الله فيه من أسباب مادية لا أحد يمتلك أن يتنزعها منه، والله قادر على كل شيء قدير، من هنا قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [الشورى: 30، 31] تدبروا في القرآن كيف يربط، ويعلم الإنسان كيف يوظف ويشغل عقله لأجل أن يربط بين المرئيات والظواهر المختلفة من حوله!
الله قادر على جمع كل شيء خلقه، ثم تنتقل الآيات لتحمل الإنسان مسئولية الفساد الموجود في الأرض، ما خلق الله في السماوات والأرض واضح، والله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) قادر على جمعه ويسيره كيف ما يشاء، وأنت ترى حين تنظر في الكون كيف أن هذا الخلق وهذا الكون يمشي بتوازنٍ واتساقٍ فريد من نوعه ولا يحصل فيه شيء من اختلال إلا حين يتدخل الإنسان بفساد رأيه، وقلة حكمته، وسوء توظيفه واستعماله لما سخر الله له، ومن هنا جاء تحميل الإنسان المسؤلية: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30] وهذا كذلك يلتقي مع آيات أخر في سورة الروم وغيرها من سور القرآن: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: من الآية 41]، ﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ الله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) يعفو عن كثير، إذن: لا تسأل حين ترى الظلم قد استشرى، وترى الناس يعانون من ثمرات ذلك الظلم والعدوان وتقول متعجبًا مستغربًا: كيف يرضى الله لعباده الظلم؟
الله لا يرضى لعباده الظلم، ولا يرضى الكفر، ولا يرضى البغي، ولذلك أنزل الكتب، وأرسل الرسل الذين هم صفوة الخلق ينهون الناس عن الفساد في الأرض، ويأمرون الناس بالمعروف وبالعدل والإحسان، هو الذي قال: ﴿اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ﴾ [الشورى: من الآية 17] إذن: كيف حصل هذا الفساد الذي نراه؟ كيف نرى اليوم أننا نعيش في تراكمات وظلمات من الفساد؟ استشرى الفساد واستفحل حتى اتسع الخرق على الراقع! كيف حصل هذا؟ هذا لم يحصل هكذا، هذا لم يحصل بدون كسب الناس، هذا لم يحصل بدون سعي من الناس في الفساد، بدون سكوت من الناس وأصحاب الحق عن الفساد الذين يرونه قد استشرى ويبقون دائمًا مكتوفي الأيدي مسلوبي الإرادة؛ وهذا أمر لا يقبل به القرآن، ومن هنا قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: من الآية 30]، وليس ثمة تعارض بين هذه الآية العظيمة وبين قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: من الآية 22] كل واحدة منهما تكمل الأخرى، كل شيء يحدث بعلم الله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى)، ولكن، من جانب الابتلاء والاختبار أن الله الذي وهبنا العقول لنفكر بها أمرنا بالعدل والإحسان ونهانا عن الظلم والعدوان والبغي والمنكر والفساد، وقال: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: من الآية 56]، وأعطى للإنسان حيزًا من حرية الاختيار كجزء من الابتلاء، فحين يرى الإنسان نتائج عمله وفساده الذي سكت عنه، وبعض الناس قد يحتج ويقول لك: “أنا ما شاركت في الفساد” أنت سكت عن الفساد، أنت كنت ترى المنكرات وتسكت، وتلوذ بالصمت، وكنت ترى الحق وهو يُنْتَهَكُ، فماذا فعلت لنصرته؟ ماذا فعلت بما مكنك الله؟
الله لا يطالبك بما لم يمكنك فيه، ولكن بما مكنك وبما أعطاك، ماذا فعلت لأجل أن تنصر الحق؟ ماذا فعلت لأجل أن توقف الفساد؟ إذا قلت لا شيء، إذن: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: من الآية 30]، وما نراه اليوم من معاناة للبشر على المستوى العالمي، على مُخْتَلِفِ المجتمعات، والأفراد، والأمم؛ فهذه معاناة البشرية من جراء أي شيء؟ من جراء ما يحصل من فساد مختلف، وليست المسألة كما يصغرها أو يقللها ويبسطها ويسطحها بعض الناس ويقولون: عقوبة إلهية فقط، وانتهى الموضوع!
ليست القضية هكذا! ولا ينبغي أن يقدم الدين والإيمان بالله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) وكأن الله (جَلَّ شَأْنُهُ) رب منتقم يريد أن ينتقم من عباده الذين خلقهم؛ لِأَنَّهُمْ خالفوا أمره، ما هكذا ينبغي أن يكون عرض الدين، فهذا أسلوب غير صحيح في عرض الدين، الله يربي العباد، يربيهم لأجل أن يعودوا إليه، لأجل أن يعودوا إلى الطريق الصحيح، وأنا وأنت بوصفنا آباء ومربين وأمهات آباء (ولله المثل الأعلى) أنت أحيانًا تمنع شيئًا عن ابنك أو لا تعطه ما يريد؛ لأجل أي شيء؟ لِأَنَّكَ تريد أن تنتقم منه؟ إطلاقًا! إنما تريده أن يتربى، تريده أن يدرك، وتريده أن ينشأ عاقلًا، متفهمًا لمآلات الأمور التي يقوم بها ويفعلها؛ فهذه هي التربية، وهذه ليست انتقامًا، وهذا ليس المنظور الذي ينبغي أن يقدم للإنسان عن الله سبحانه، وطبيعة العلاقة بين الله عز وجل وبين خلقه، فهو الولي الحميد بدليل أنه قال (جَلَّ شَأْنُهُ): ﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾، لماذا يعفو عن كثير؟ لِأَنَّهُ لو آخذ الله الناس بما كسبوا، ليس فقط عجل لهم العذاب، بل ما ترك على ظهرها من دابة، ولكن يؤخرهم لأجل مسمى، ويعطيهم الفرصة تلو الأخرى؛ لأجل أي شيء؟ علهم يثوبون إلى رشدهم.
ولنا أن نتخيل لو أن الله (جَلَّ شَأْنُهُ) ما أراد أن يربيَ عباده، لماذا بعد كل هذه السنوات في مكة والقرآن ينزل مرة بعد مرة بخطاب اللطف والنداء المحبب والدعوة: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [الشورى: من الآية 15].
هذا هو ما نجده في نفس النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) نبي الرحمة الذي أرسل رحمة للعالمين، قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [الشورى: 31] أنتم لستم بمعجزين في الأرض، إياكم أن تستقلوا بما مكنكم الله فيه! وهذا واضح في واقعنا الذي نعيش فيه، فبعض البشر وصل بهم البغي والطغيان إلى أنهم أصبحوا يقولونها سواء قالوها جهرًا أو علانية أو ما صرحوا بها: “أنا ربكم الأعلى” كما قالها فرعون من قبل، تعالى الله عما يقولونه علوًّا كبيرًا، لماذا قال فرعون: “أنا ربكم الأعلى”؟ طغيان، واستبداد، وبغي، وفساد، لأجل أي شيء؟
لأجل ما مكنه الله فيه من أسباب القوة، فظن بأن لن نقدر عليه، والله يقول لهؤلاء: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: من الآية 31] ذهبتم غربًا وذهبتم شرقًا وذهبتم فضاءً، وجوًّا، أينما ذهبتم فلستم بمعجزين في الأرض، لا أنتم وما توصلتم إليه من علوم ولا تقنيات، ولا اختراعات، ولا كشوفات، أنتم لستم بمعجزين في الأرض!
الله قادر على أن يأخذكم، والله قادر على كل شيء، لماذا هذا التذكير المستمر في هذه الآيات؟ حتى يدرك الإنسان أنكم ما لكم من دون الله من ولي ولا نصير حتى تسقط عنك الولاءات الموهومة من البشر، حتى لا يبقى لك وليٌّ إلا الولي الحميد، وحتى لا تستنصر إلا بالله الولي الحميد وحتى لا تلجأ إلا إليه، وحتى لا تضيع عمرك هباءً وأنت تبحث عن سراب وراء ولاءات موهومة، واستنصارٍ ببشرٍ من بني جنسك لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا ولا شفاءً من مرض ولا غيره.
تدبروا في عمق هذه الآيات وتدبروا في الربط المتواصل ما بين آية في النفس، لفهم النفس؛ لِأَنَّ الإنسان إذا ما فهم نفسه، أنى له أن يفهم مهمته؟ أنى له أن يقوم بعمله على الأرض؟ ما بين آيات في النفس وآيات في الكون مبسوطة مبثوثة أمام عينيك، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾ [الشورى: 32]، لماذا الجوار في البحر كالأعلم؟ السفن، وحركة السفن، هل أنت الذي تسيطر عليها؟ قال تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ﴾ [الشورى: من الآية 33]؛ لِأَنَّ الريح لست أنت الذي تتحكم فيها، هو الذي يسير الريح، هذه الريح: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ﴾ [يونس: من الآية 22] من الذي يجري بالريح الطيبة ويأتي بالريح العاصف!
أنت مكنك الله أن تصنع أفضل وأعرق وأعظم السفن والبواخر ذات الحمولات الثقيلة، وتسير في البحر وفي المحيطات وما شاء الله أن يمكنك فيه، صحيح، ولكن عليك أن تفهم، كيف سارت هذه السفن؟ من الذي أعطاك المواد الخام لتصنعها؟ من الذي أعطاك القدرة العقلية على أن تفكر وتصنع؟ من الذي أعطاك الأيدي لكي تسهم في مهارتها وصنعتها؟ من الذي أنزل إليك كل هذا؟ من الذي خلق؟ من الذي سخر؟ لا تذهب بعيدًا وتتوه بعقلك، وتطغى بقدراتك العلمية، وتظن أنك لست بمعجز في الأرض، والشاهد والحياة والواقع يتكلم كثيرًا، التايتنك وغير التايتنك من سفن عظيمة وعملاقة، طغى الإنسان بصناعتها حين صنعها، وكان يتباهى ويتفاخر بصناعتها، بعيدًا عن أي شيء، بعيدًا عما قاله (جَلَّ شَأْنُهُ): ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [الشورى: من الآية 33]؛ لِأَنَّ هذه من آيات الله، فإذا أنت ما أدركت أنها من آيات الله بغيت في الأرض وتجاوزت الحدود وكان الظلم وكان الطغيان وكان الاعتداء وكان ما كان من الإنسان، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [الشورى: من الآية 33] لماذا ذكر الصبر والشكر هنا؟ هذه الآيات الإنسان لا يراها دفعة واحدة ومرة واحدة، الصبر في السراء وفي الضراء، والشكر كذلك في السراء وفي الضراء، حتى حين تنزل بك المصيبة أو ينزل بك ما لم تتوقع من بلاء أو اختبار أو ما شابه، فلن تخرج عن إرادة الله وحكمته (جَلَّ شَأْنُهُ)، الصبر والشكر، قال تعالى: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 34] وتدبروا في الربط، في آيتين في موضعين في سورة الشورى، تحميل الإنسان مسئولية عمله: ﴿يُوبِقْهُنَّ﴾ قال: ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾، وتدبروا في الربط بين الآية: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: من الآية 30] من جملة ما يصاب به الإنسان، أن تبقى السفن رواكد على ظهره، وتدبر في حال العالم اليوم كيف السفن العملاقة أصبحت رواكد على ظهره، ليس هنالك حركة للبواخر اليوم، والعالم يعيش في أزمة فيروس كورونا، من الذي أسكنها؟ من الذي جعلها لا تتحرك؟ هل يستطيع الإنسان اليوم أن يحركها؟ هو لا يريد أن يحركها، هذا من البلاء بما كسبوا مسئولية الإنسان، يوجد فرق شاسع بين أن يتحمل الإنسان مسئولية أعماله السيئة، وبين أن يستشعر فقط قضية عقوبة وجلد إلى آخره، يوجد فرق شاسع بينهما!
إنك حين تنظر في الواقع وتدرسه على اعتبار أنه مجال تتبصر من خلاله بمآلات فعلك الذي فعلته، كأفراد وشعوب وأمم، وتراجع نفسك وتحاسب نفسك ستدرك تمامًا أن هناك إشكالياتٍ خَطِرَةً (اليوم على سبيل المثال) مع انتشار هذا الوباء وفيروس كورونا، فمنظمة الصحة العالمية وغيرها من منظمات قالت بصريح العبارة: “كشفت لنا هذه الأزمة عن قصور في النظام الصحي العالمي” السؤال الذي يطرح نفسه: هل فقط كشفت لك هذه الأزمة عن قصور في نظام الصحة العالمية فحسب؟ لا تستطيع أنت بنفسك وعقلك أن تتوصل أن ثمة قصور في جوانب أخرى في النظام العالمي؟ في الجوانب الإنسانية في هذا النظام العالمي؟ في مراجعة الظلم الذي انتشر واستفحل شره؟ في شيء مهم لا بُدَّ أن يراجع، هذا ما يعلمنا القرآن!
القرآن لا يصل بالقدرات العقلية عند سقف محدود لا يجعلها تربط بين ما تراه وبين ما لا تراه، لا! لِأَنَّ القرآن يفتح لك آفاقًا عالية من السقف، سقف الربط بين الآيات المبثوثة في الكون وفي حركة المجتمعات والإنسان على هذه الأرض! يجعلك تتبصر ويجعلك أكثر وعيًا، ولذلك خسر العالم كله حين ابتعد المسلمون وأهملوا هذا الكتاب العظيم، كيف أهملوه؟ ليس فقط بترك تلاوته، وإنما بترك إعمال العقل فيه والتفكر والتدبر فيه، حتى يستنبطوا، حتى يقدموا مسوغات، وقراءات مختلفة، لِمُخْتَلِفِ الظواهر ويتحملوا بكل شجاعة نتيجة أعمالهم وسلوكياتهم ويشدوا العزم على ضرورة المراجعة واستدراك ما فات، وهذه إشكاليةٌ خَطِرَةٌ جِدًّا لا بُدَّ أن يُنْتَبَهَ إليها، وتدبروا في الربط، قال تعالى: ﴿وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: من الآية 34] مرة أخرى، لماذا؟ لِأَنَّهُ لو (سُبْحَانَهُ جَلَّ شَأْنُهُ) جعل الناس يحاسبون وتصدر نتائج أفعالهم والفساد الذين يقومون به بكل المستويات ما ترك على ظهرها من دابة؛ لانتهت الحياة على وجه الأرض! ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى، وانتهت ليست قضية انتقام، ولكن الفساد الحاصل كفيل بالقضاء على الحياة الإنسانية، والتلوث العالمي الحاصل في البحر وفي الماء وفي السماء وفي الأرض وفي الهواء، والفساد، والطغيان، وإساءة استعمال ما سخر الله للإنسان من مقدرات، هذه كلها ماذا تسميها؟ لها نتائج، الله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) حين حرم (على سبيل المثال) بعض الأطعمة وبعض الأشربة وبعض الأمور، لأجل أي شيء؟ حتى لا تنتهي الحياة الإنسانية على الأرض، حتى لا تفسد، حتى لا يحدث فيها كوارث!
تدبروا في الآية التي جاءت بعدها، قال تعالى: ﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ﴾ [الشورى: 35] الذين يجادلون (الذين يظنون) أنهم معجزون في الأرض، والله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) يقول في الآيات التي قبلها: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: من الآية 31] دعهم يعلموا، دعهم يتفطنوا ويتفكروا حين يروا ضعفهم وعجزهم وقلة حيلتهم أمام ما يحصل والعالم كله اليوم يقف على قدم واحدة مكتوف الأيدي (لو صح التعبير) قليل الحيلة عاجزًا لا يعرف ماذا يفعل! يحاول وهذا مطلوب منه ولكن لا بد أن يفهم ويستخلص ما بعد ذلك، أنه ليس بمعجز في الأرض، وأن هذه الإمكانيات المادية الضخمة المهولة، لن تأخر ولن تقدم ما يريده الله (جَلَّ شَأْنُهُ)، وأنه عليه أن يعود إلى فطرته التي طمسها بتلك التخبطات، وتلك العقائد الفسادة والتأويلات المنحرفة، قال تعالى: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الشورى: 36] تدبروا في الربط حتى نفهم؛ لِأَنَّ القرآن يربط: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، لماذا يقول لي القرآن: ﴿فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؟ حتى لا أطغى، ما عندك وما مكنك الله فيه هذا متاع لك في الحياة الدنيا، ولكن ما عند الله خير وأبقى، قضية في غاية الأهمية، أن تفهم أن ما عندك ينفد وما عند الله باق.
لماذا هذه الآية في هذا الموضع؟ حتى تقيم التوازن في حياتك وحتى تدرك أن ما عندك مهما زاد فهو متاع الحياة الدنيا، وأن الإنسان لو حيزت له الدنيا من أطرافها وجمعت له وقدمت له على طبق من ذهب أو فضة فهو متاع الحياة الدنيا، سيتركه، وما الذي سيبقى؟ ﴿وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾، حتى لا تصبح الدنيا غاية لك، وتدبروا في الربط بين هذه الآية والآية العظيمة: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى: 20]، ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الشورى: من الآية 36] هذا مكنك الله فيه، فماذا ستفعل فيه؟ ستجعل منه لما عند الله سبحانه؟ أم ستجعل هذه الدنيا المحدودة القصيرة، قصيرة الأجل والأمد غاية حياتك وأملك وعملك؟ هل ستعيش طول العمر لها؟ ولا تعرف غيرها؟ أم تتحرر من هذه النظرة الدنيوية الضيقة المحدودة لتتسع لأفق آخر؟ ﴿وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الشورى: من الآية 36] تريد أن تستبقي على شيء من متاع الحياة الدنيا؟ رحله عن الله، كيف ترحله عن الله؟ عطاءً وعملًا وفعلًا وإعمارًا وإصلاحًا، استعمل ما مكنك الله فيه فيما يرضيه! الله الذي مكنك وليس أنت، لستم بمعجزين في الأرض ﴿وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ وإذا أردت أن تستبقي على شيء من متاع الحياة الدنيا فأعظم وسيلة أنك ترحله للآخرة: ﴿وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ ولكن لمن؟ ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[الشورى: من الآية 36] ولكن لماذا فقط للذين آمنوا؟ لِأَنَّ الذين آمنوا أدركوا أن الحياة الدنيا قصيرة، وأنها محدودة وما فيها من إمكانيات محدود جِدًّا ولو زادت تلك الإمكانيات، فماذا فعلوا؟ أرادوا حرث الآخرة، فزاد الله لهم في حرثهم! صنعوا، وأصلحوا، وعمروا، وما تركوا فسادًا إلا وأصلحوه، وما تركوا خرابًا إلا وحاولوا أن يعمروه إقرارًا للحق ونهيًا عن الفساد والمنكر، قال تعالى: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ لماذا؟ لِأَنَّ الإنسان لا يستطيع أن يستأصل من نفسه الشح دون وجود التوكل على الله، ودون الإيمان واليقين بأن ما أنفقتم من شيء فالله يُخْلِفُهُ، والإنسان كيف يتخلص من الشح؟ ينفق ويعطي ويعمر من ماله الذي أعطاه الله سبحانه، كيف؟
لا يمكن أن يتحرر من دون التوكل على الله، والثقة بأن الله الذي رزقه هذا المال وهو أخرجه بالخير والعطاء والنماء، قادر على أن يُخْلِفَ عليه بأضعاف ذلك المال: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أنفق، وأعط، وَقَدِّمْ، وَابْذُلْ من مالك ونفسك وحياتك ووقتك لأجل أي شيء؟ لأجل الرب الذي لا يضيع عنده ولو مثقال ذرة.
تدبروا في هذا الربط الجميل، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [الشورى: 37] لماذا يجتنبون كبائر الإثم والفواحش؟ رَكَزَتْ في قلبهم عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، وتدبروا في دقة المفردة ﴿يَجْتَنِبُونَ﴾، لا يقاربونها، ويتجنبونها، ويجعلون بينهم وبينها وقاية، وحقيقة الإنسان المؤمن أنه كلما زاد صلاحًا وإصلاحًا -نَفَرَ وابتعد عن كبائر الإثم والفواحش، قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ ليست الإشكالية أن تغفرَ وتعفوَ وتصفحَ حين يكون مزاجك رائقًا، وحين يكون الإنسان مزاجه رائقًا فهذا شيء طبيعي فهو يغفر ويعفو ويتبسم ويصفح وكل شيء، ولكن الإشكالية حين يغضب، ولماذا النص على هذه الحالة الإنسانية العادية؟ كلنا نمر بها في نوع من أنواع الترقي، في نوع من أنواع السمو في النفس البشرية، سمو يلتقي بإيمان المؤمن الذي يكظم الغيظ لأجل ما عند الله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى)، ترك الغضب؛ لأجل ما وعد الله به من الحسنى، لماذا النص هنا عن الغضب؟ لِأَنَّ ساعة الغضب هي تلك الساعة التي من الممكن أن يقع الإنسان فيها في البغي والظلم والعدوان، والاعتداء على من أغضبه، أو تسبب في إغضابه، كثير من الناس اليوم حين يصابون بشدة الغضب يظلمون ويتعدون، والله لا يريد ظلمًا، بل يريدك أبعد ما تكون عن الظلم والبغي، فلذلك ثمة ترابط بين الظلم وبين الغضب، فالإنسان حين يغضب من الممكن أن يظلم ومن الممكن أن يقول كلمة لا تليق به ولا بإيمانه، وانظر إلى الناس حين يغضب بعضهم من بعضٍ فماذا يقولون بعضُهم عن بعضٍ؟ وكيف يتصرفون؟ وماذا يصدر منهم من أعمال وأقوال؟
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الشورى: 38] استجابوا لربهم حين غضبوا فغفروا، فمن الممكن أنك تغضب وتسكت ولكن تغضب وتغفر! هذه درجة أرقى وأعلى وأسمى ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: من الآية 26] هذا ما يحدثنا القرآن عنه، ليست مغفرة الضعفاء، ولا أصحاب الشخصية الضعيفة المهزوزة، ولكن الشخصية القوية التي تستطيع أن تتحكم في انفعالاتها فحتى إذا ما غضبت تغفر وتعفو وتصفح وتتجاوز، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ﴾ الرب الذي أمر بالعفو عند المقدرة ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ إقامة الصلاة هنا تبرز، لماذا إقامة الصلاة؟ استجابة لأمر الله، لعظمة مكانة الصلاة في نفس الإنسان، لماذا الصلاة وإقامة الصلاة؟ الصلاة هي عمود الدين، والصلاة هي التي تقيم التوازن في حياة الإنسان وتحققه، والصلاة هي التي تعيد الأمور إلى نصابها في حياة المجتمع، قال تعالى: ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾؛ لِأَنَّ إقامة الصلاة هي التي تجسد هذه المعاني العظيمة في حياة المجتمع، الفرد والمجتمع على حدٍّ سواء، هي التي تعزز بناء القيم في المجتمع، المجتمع والفرد الذي لا يقيم الصلاة ولا يعمل للصلاة حسابًا أنى له أن يعمل لهذه القيم العظيمة! أنى له أن يعظم هذه الأوامر!
إقامة الصلاة جزء لا يتجزأ من منظومة بناء الأخلاق والقيم، فالصلاة هي التي تحقق القيم الإنسانية، والصلاة هي التي تجعل الناس أكثر تسامحًا وعفوًا ورحمةً، وهل نحن بحاجة إلى الصفح والتعاون والرحمة؟ نحن أحوج ما نكون في بناء وإقامة المجتمعات إلى التراحم فيما بيننا وإلى العفو والصفح وإلى التجاوز عن عثرات الآخرين، وإلى الصفح عن زلاتهم؛ لِأَنَّـنَا إن لم يتفهم بعضنا بعضًا فكيف سنتعايش؟ وكيف نحقق هذه القيم العظيمة في واقعنا إن لم نُعْلِ من قيمة التسامح فيما بيننا؟ وما الذي يمكن أن يشجع الناس أن يتصافحوا فيما بينهم؟ ويصفح بعضهم عن بعض إلا ما وعد الله من عظيم المغفرة والتوبة والرحمة والجزاء الدنيوي والأخروي؟ ولذلك ربي (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) قال: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران: من الآية 134] من أعظم الأعمال التي تقربك إلى الله، أنت لا تستطيع أن تكظم غيظًا من دون أن تدرك وتحاول أن تستحضر أن ما عند الله خير وأبقى، تستطيع أن ترد السيئة بعشر سيئات ومئة ألف سيئة، والكلمة بِعَشْرِ أمثالها، ولكنك تفعو وتتسامح وتكظم الغيظ، لأجل أي شيء؟ لأجل أنك تستحضر أن ما عند الله خير وأبقى، هذه الحقيقة التي تجعل الإيمان ليس مجرد لباس أو قناع أو شكل دون أن يكون له ما يوازيه من القيم والأخلاق والمثل والمبادئ الإنسانية التي بها يتعايش الناس، من هنا قال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: من الآية 38] ما دخل الشورى بالقضية؟ الشورى مهمة في إقامة مختلف مجالات الحياة وليس فقط السياسية، أنت تحتاج إلى الشورى والتشاور مع الآخرين في إدارة أسرتك، وفي إدارة حياتك، وفي إدارة مؤسساتك الخاصة والعامة، وفي إدراة اقتصادك في كل جوانب الحياة المختلفة، فأنت بحاجة إلى الشورى، ولن تستطيع أن تقيم الشورى على الأسس والدعائم الدستورية في حياتك من دون أن يكون ثمة استجابة واقعية عملية في واقع الناس وحياتهم!
يوجد ترابط فريد من نوعه ما بين العبادة وبين العمل، ما بين العبادة والصلاة وما بين القيم الإنسانية، ما بين الإيمان بالبعث والإيمان بالحساب والقيام بما أمر الله به! أمرك الله أن تقوم في الدنيا صلاحًا وعطاءً وعلمًا وعملًا وإصلاحًا وخيرًا.
وتدبروا في الترابط وعدم الازدواجية: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الشورى: 38] وليس الأمر كما تجده في بعض المجتمعات المسلمة أنهم يقيمون الصلاة، ولكنهم لا يعرفون شيئًا يسمى الشورى! لا في حياتهم الأسرية ولا في حياتهم الاجتماعية ولا الاقتصادية ولا أي شيء، فما الذي يقابل الشورى؟ الاستبداد بالرأي الذي جاء الإسلام ليقلعه من جذوره، الإسلام لا يقبل الاستبداد بالرأي، والقرآن لا يقبل الاستبداد بالرأي؛ لِأَنَّ الاستبداد بالرأي يكرس مبدأ الطغيان والفساد، والاعتداء والبغي على الآخرين، فما تراه في حياة بعض المجتمعات المسلمة من أنهم يقيمون الصلاة، ولكنهم مستبدون، لا يسمعون رأيًا لزوجة، ولا لأم، ولا لأهل، ولا لأبناء، وإذا كان أحدهم رئيسًا أو مديرًا في عمله أو مؤسسته، فهو لا يسمع لموظفين ولا لإداريين ولا لأحد، يرى نفسه ولا يرى أحدًا آخر، فهو مستبد!
القرآن يعالج إشكاليَّةَ الاستبداد، وحال كثير من المسلمين اليوم مما يؤسف له؛ لِأَنَّهُمْ يقتطعون الجزء الأول من الآية فيستشهدون بقوله (جَلَّ شَأْنُهُ): ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى﴾ ويترك ما قبلها وما بعدها، والقرآن لم ينزل لأجل أن يكون شواهد على ما نفعل وشواهد لما نفعل، القرآن نزل لأجل أن يقيم الحق والعدل بالميزان، ولن تقيم الحق والعدل بالتعضية (بعملية القص من هنا واللصق هناك) ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ [الحجر: 91] فأنت لا ينبغي لك أن تقرأ القرآن عضين (مُقَسَّمًا مُجَزَّأً مُنْفَصِلًا) بطريقة غير لائقة، بل ينبغي لك أن تقرأ القرآن كلًّا متكاملًا، فقبل أن تقول: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى﴾، تقرأ ما قبلها: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ وما قبلها: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [الشورى: 37]؛ لِأَنَّكَ على سبيل المثال في محيط العمل، وفي محيط المؤسسات، وفي محيط الأسرة، قد يعرض لك من يغضبك، ويصير في مواقف غضب، ماذا تفعل إذا غضبت؟ تترك الشورى وتتخلى عنها؟ وتقول: إن هؤلاء لا يستحقون أن أشاورهم؟ وربك يأمر بالشورى، وقال: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ وأثنى على عباده المؤمنين أنهم يتشاورون فيما بينهم، لماذا الشورى؟ تحررك من الاستبداد بالرأي، وتحررك من تضخم الـ “أنا” في قلبك وحياتك، وتجعلك حرًّا، وتجعلك إنسانًا لديك أفق واسع في التفكير، منفتح على آراء الآخرين، تشاور هذا، وتأخذ برأي ذاك، والنتيجة أنه لن يحصل العدوان والظغيان والبغي إلا في غيبوبة الشورى، وقد غابت الشورى كثيرًا عن حياتنا الأسرية، فترى الزوج على سبيل المثال رأيه لا ينزل الأرض أبدًا وكلمته لا تنزل الأرض، حتى شاعت فيما نتعارف عليه في أمثالنا الشعبية، فنقول: “فلان كلمته ما تنزل الأرض أبدًا” لماذا لا تنزل الأرض؟ من هو حتى كلمته لا تنزل الأرض؟
فتأتي إلى المؤسسات ترى أيضًا مديرين ومسئولين وأشخاصًا في موضع القرار يستبدون بآرائهم والقرآن يقول: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ فأنت حين تشاور تكون أكثر تبصرًا في مآلات أفعالك وتصرفاتك، شيء عظيم أن تتشاور مع الناس، وشيء عظيم أن تسمع لآرائهم، وشيء عظيم أن تتفهم ما يقومون به، وشيء عظيم أن يتسع صدرك وعقلك وقلبك وفهمك لسماع آراء الآخرين؛ حتى تتخلص من الأنانية والشح وتضخم الـ “أنا” في نفسك؛ لِأَنَّ الإنسان متى يصبح متضخم الـ “أنا”؟ ومتى يكون مستبدًّا؟ ومتى يكون طاغيًا؟ حين تتضخم الـ “أنا” ويعتقد أنه يعرف الحق، وهو دومًا على حق، وكل الآخرين على الباطل من حوله، قال تعالى: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الشورى: من الآية 38]، وتدبروا في قوله: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: من الآية 38] جاءت بين عبادة الصلاة وعبادة الزكاة والصدقات، وهذا دليل على أي شيء؟ على قيمة الشورى في حياة المؤمنين، قيمة الشورى في حياة الفرد والمجتمع!
كل هذا فيه دلالة على أهمية الشورى، ودلالة على قيمتها وعظمتها، ودلالة على ما فيها من معانٍ كبيرة عظيمة جليلة تتسع لكل شيء! يا لها من معانٍ عظيمة يُؤَسِّسُها القرآن في هذه الآية المباركة، الآية التي جاءت تخلص الإنسان من إشكالية دوخت وتدوخ العالم بأسره، إشكالية الاستبداد بالرأي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.