بسم الله الرحمن الرحيم
تدبُّر في سورة الرعد (الحلقة الثالثة(
وقفنا في لقائنا السابق في تدبُّرنا لسورة الرعد الكريمة عند قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِن تَعۡجَبۡ فَعَجَبٌ قَوۡلُهُمۡ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبًا أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٍ جَدِيدٍۗ﴾ من الآية 5 وقلنا فيما ذكرناه أننا لا نذهب مع اختلاف المفسِّرين في كون السورة مكية أو مدنية، بل نرجِّح مكيَّة السورة إلا آية أو آيتين سنذكرهما في حينه. إن سياق الآيات وذلك الحوار الواضح بين النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين مشركي قريش يبيِّن لنا مكية السورة الكريمة.
وآخر آية وقفنا عندها أنه بعد كلّ ما سردت هذه السورة العظيمة من آيات كونية نصبح ونمسي عليها سواء منها ما كان ثابتًا ومستقرًا كرفع السماء بلا عمد، أو كان متغيرًا صباح مساء كتقليب الليل والنهار،كلّ هذه الآيات العظيمة تدل على عظمة من خلق وأبدع وأتقن وأوجد، فكيف يتعجب هؤلاء القوم من قدرته سبحانه وتعالى على البعث وإعادة الخلق بعد الموت وقد خلق قبلًا من غير أصل وعلى غير مثال سابق، أيُّهما أشدُّ وأصعب ويحتاج إلى قدرة أكثر، سبحانه وتعالى، وجلَّ جلاله، وتعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا.
والقرآن العظيم وضَّح في سورة الرعد إشكالية هؤلاء القوم الذين لا يؤمنون على كثرتهم في بداية السورة فقال: ﴿وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن ربِّك ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ من الآية 1 لماذا لا يؤمنون؟ الآيات أوضحت، بعدما أتى بهذه الآيات الكونية في الطبيعة قال سبحانه وتعالى﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍ لِّقَوۡمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ من الآية 3 وفي الآية الرابعة قال عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍ لِّقَوۡمٍ يَعۡقِلُونَ﴾ من الآية 4 إذن إشكالية هؤلاء القوم ليست في المزيد من الآيات كما كانوا يطالبون النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم. يطالبون بالمزيد من الآيات وخاصة الآيات الحسِّية، المسألة ليست في الآيات. الآيات مبثوثة أمامهم، ولكن المسألة ما الذي يفعله ذلك الإنسان عند النظر إلى تلك الآيات؟ فإذا ما تبصر وتفكر فيها وعقل قادته إلى خالقه سبحانه وتعالى؛ لأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون إلا من عند الله العزيز العليم. أما إذا ما ألف تلك الآيات والمظاهر الكونية، وباتت لا تشكِّل عنده شيئًا، ولا تحرِّك فيه ضميرًا أو حسًا أو وجدانًا، ولا ينفعل بها نتيجة لتبلُّد الوجدان لديه، وتبلُّد كلّ وسائل الإحساس، فهؤلاء لن ينتفعوا بهذه الآيات ولا بالمزيد منها. لذلك جاء قول الله سبحانه وتعالى﴿ وَإِن تَعۡجَبۡ فَعَجَبٌ قَوۡلُهُمۡ﴾ من الآية 5 العجب فيما يقولون ويمارون، وفيما يجادلون في قدرة الله عزَّ وجلَّ على البعث بعد الموت.
ثم تنتقل الآيات بعد ذلك إلى محاجَّة مع النبيّ عليه الصلاة والسلام من نوع جديد، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِ وَقَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِمُ ٱلۡمَثُلَٰتُۗ ﴾ من الآية 6، تدبَّروا معي، تنتقل آيات سورة الرعد العظيمة من الآيات في الكون والطبيعة إلى آيات في التاريخ وفي عمق التاريخ، في القصص، كما جاء في السورة التي سبقتها في المصحف الشريف، في سورة يوسف، جاءت الآيات تحدثنا عن قصص الأقوام السابقين: ﴿وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِ﴾ من الآية 6 هؤلاء القوم يتعجلون العذاب، يتعجلون ويعتقدون بمماراتهم ومجادلاتهم في الحق أنهم قد أمنوا ذلك العقاب، وأنهم في منأًى عنه: ﴿وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِ﴾ ولماذا الاستعجال بإنزال العذاب عليهم؟ قالوا للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم إن كنت على حقٍّ فأتنا بعذاب. واقع الأمر أن هؤلاء لا يدركون أن سنَّة الله سبحانه وتعالى ماضية في الأمم والأقوام والمجتمعات على الرغم من أنه قد خلت من قبلهم المثلات أي أمم أمثالهم، أمم وأقوام عاشوا قبلهم، وهم يمرون على مساكنهم والمواطن التي عاشوا فيها، وهم يرون هذا كله ولكن ما الإشكال؟ تبلُّد الحسِّ عندهم.
ولذلك يرشدنا القرآن العظيم في كثير من آياته أن سيروا في الأرض، فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل، لماذا؟ لأن النظر في سِيَرِ الأقوام السابقة والأمم البائدة وما حل فيها من دمار أو نعيم أو من تحوُّل أو من تغيير وتبدُّل في أحوالهم، كلّ هذا مثير للتساؤل ومثير للعجب وللدراسة وللتفكر وللتبصر وللخروج بنتيجة. وتدبَّروا معي، نحن قلنا إن محور هذه السورة الكريمة ومقصدها الأساس يدور حول سنَّة التغيير والتي هي ماضية في الفرد كما هي ماضية في المجتمع. ومن سنن التغيير وقواعده التي أرستها سورة الرعد الشريفة أن لكل أمة أجلًا. فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، فإذن لم الاستعجال؟
من كان يدرك أن الله سبحانه وتعالى قد جعل لكل أمة ولكل مجتمع وفرد أجلًا وعمرًا لا يتخطاه ولا يتجاوزه قدر ساعة فلا يمكن أبدًا أن يستعجل، لماذا؟ لأن كلّ شيء عند الله عزَّ وجلَّ بمقدار. فكما أن الأفراد يعيشون أجلهم الذي كتبه الله لهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون، فكذلك الأمم والمجتمعات، فلم يستعجلك كفار قريش بالسيئة قبل الحسنة؟ إنها الغفلة والإعراض، الإعراض عن تلك القوانين العظيمة والتي هي أصلًا موجودة في تواريخ الأمم والشعوب، فالأمم والشعوب والمجتمعات التي عتت عن أمر ربها جاءها أمر الله جلَّ وعلا بياتًا أو نهارًا، ولكن في واقع الأمر أن هذه الأمم المتبلِّدة الإحساس لا تقرأ ولا تفهم ولا تفكر ولا تتبصر.
وتأتيني سورة الرعد الكريمة بسنَّة جديدة ماضية في التغيير، في تغيير الأمم والمجتمعات، ماضية في كشف النقاب عن سبب التأخر في حساب البشر، تأخر إنزال العقوبة أو العذاب في بعض المجتمعات رغم كفرها وظلمها وطغيانها، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنَّ ربَّك لَذُو مَغۡفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ وَإِنَّ ربَّك لَشَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ من الآية 6. إذن من السنن والقوانين أن الله سبحانه وتعالى يمهل المجتمعات، يمهل الأمم، كما يمهل الأفراد ويعطيهم الفرصة تلو الفرصة على ظلمهم، لماذا؟ ليفتح لهم سبحانه وتعالى باب المغفرة، باب التوبة، باب الرجوع والأوبة إليه جلَّ وعلا: ﴿وَإِنَّ ربَّك لَذُو مَغۡفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ﴾ معنًى عظيم جدًّا، هؤلاء القوم يستعجلونك بالسيئة وبإنزال العقوبة والعذاب عليهم وهم لا يدركون أن الله عزَّ وجلَّ يفتح لهم باب التوبة والمغفرة على ظلمهم، على عنادهم واستكبارهم وإعراضهم عن الحق، لماذا؟ لأن المغفرة صفة من صفاته سبحانه وتعالى؛ إنه ذو مغفرة للناس على ظلمهم.
ولكن ذلك الإمهال وفتح أبواب التوبة والمغفرة لعل هؤلاء يرجعون لا يعني أن ربّك عزَّ وجلَّ لا ينزل العقاب ولا ينزل العذاب ﴿وَإِنَّ ربَّك لَشَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ من الآية 6 إذن الإمهال وإعطاء الفرصة لأجل أن يتوبوا ويتراجعوا عن أخطائهم. وهذه سنَّة من السنن في التغيير. ربِّي عزَّ وجلَّ يمهل، يعطي فرصة بعد فرصة لنراجع أنفسنا، لنعيد حساباتنا من جديد، ننظر في تصرفاتنا، في سلوكياتنا لعلنا نتراجع عن تلك الأخطاء، فالله سبحانه وتعالى ذو مغفرة واسعة، حتى ولو وقع الإنسان في الظلم، يغفر لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى، ولكن إذا لم يقم الإنسان بالإفادة من تلك الفرص والاستجابة لأمر الله بالتوبة، والتراجع عن الأخطاء، وتصحيح الواقع السيِّئ، فقد عرَّض نفسه للعقوبة، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنَّ ربَّك لَشَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾
ثم تشرح الآيات كيف أن هؤلاء القوم الكافرين يتمادون في باطلهم وفي ظلمهم وفي طغيانهم، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦٓۗ﴾من الآية 7 هذا الإصرار والعناد على إنزال الآيات من عند الله عزَّ وجلَّ، آيات حسِّية يرونها بأعينهم ويبصرونها بحواسهم، ولكن الواقع أن المسألة ليست بيد النبي عليه الصلاة والسلام: ﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ ﴾ من الآية 7 . الهداية بيد الله سبحانه وتعالى، والآيات مبثوثة في الكون كله وفي النفس، ولكن هؤلاء القوم لا يفقهون، لماذا؟ إن الله عزَّ وجلَّ قال في هذا الآية الكريمة: ﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ ﴾ يؤكد سبحانه وتعالى مهمة النبيّ عليه الصلاة والسلام، يؤكد أن نبينا الكريم ليس له في هذا القرآن إلا البلاغ، وليس له في هذا الدين إلا إيصال الرسالة العظيمة، وكلّ ما يتعلق بإنزال الآيات، وكلّ ما يتعلق بإيصال هذه الآيات العظيمة، وإنزال هذا الكتاب العظيم، إنما هو بيد الله عزَّ وجلَّ كما أن الهداية بيده سبحانه وتعالى. ولكن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيما جاء به من شرع ورسالة يهدي به قومه، يهدي من حيث إنه يبلِّغ الرسالة، ولكن الهداية والإذن باتباع الرسالة والاستجابة لها أمره بيد الله وحده. يقول الله في سورة القصص﴿ إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ﴾ الآية 56.
وإذا بالآيات الكريمات تنتقل في تناسب معجز بين آياتها الشريفة فتقول﴿ ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وكلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ﴾ الآية 8 .تدبَّروا معي في هذه الآية العظيمة، أنتم تطالبون بآية وتقولون: ﴿ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦٓۗ ﴾من الآية 7 وهذا الخلق العجيب، وتلك المعجزة من تكوُّن الجنين في بطن أمه وسقوطه سواءً في عملية الإجهاض، والإسقاط قبل اكتماله ونموه وخلقه في بطن أمه، أو اكتماله في بطن أمه وولادته، أو تأخر ذلك وولادة الجنين ميتا، أو عشرات الآيات والصور المختلفة في قضية الولادة والخلق، ألا تكفي هذه الآيات العظيمة لأجل أن تتفكروا وتتبصروا فيها وتؤمنوا بهذا الكتاب؟ أليست هذه آية عظيمة من آيات الخلق، ماذا تريدون؟ تدبَّروا معي كيف تهزُّ هذه السورة الكريمة الإنسان، تهز قلبه، تهز الغافل المتمادي في الباطل لعله يعود إلى نفسه وذاته.
قال تعالى:﴿ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كلُّ أُنثَىٰ﴾من الآية 8 وليست القضية في (ما تحمل) الكشف عن جنس الجنين، وقد توصل الطب الحديث إلى التعرف على نوعه أنثى أم ذكر قبل الولادة، ولكن المسألة ليست بهذه البساطة. هذا شيء من أشياء عديدة في خلق الإنسان،﴿ ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وكلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ﴾من الآية 8 . يكشف لنا علم الأجنة عن بعض الأشياء المتعلقة بالأجنة، وإلى اليوم الطب الحديث لم يتمكن من كشف النقاب عنها، ما زالت غامضة ومازالت لم تحلَّ بعد، علمها عند من؟ عند الله عزَّ وجلَّ. هو الذي يعلم كلّ شيء عن تفاصيل هذا الجنين الذي في بطن أمه، يعلم كلّ ما يتعلق به، يعلم كلّ الصفات الجينية التي يحملها، يعلم كلّ ما يحدث له وما يعتريه وما يحصل له في بطن أمه.
﴿ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كلُّ أُنثَىٰ﴾ من الآية 8 وبعدها يقول سبحانه وتعالى:﴿وكلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ﴾من الآية 8 توقيت محدد، متى ينزل هذا الجنين؟ هل في الوقت الطبيعي لاكتماله أو بعد شهرين أو ثلاث، أو في أربعة الأشهر الأُوَل،كلّ شيء عنده سبحانه وتعالى بمقدار. حتى الجينات تقديرها عند الله عزَّ وجلَّ، إذا زاد شيئًا يؤثِّر على شيء آخر، وإذا ما نقص جين معين فإنه يؤثر على آخر، من الذي قدَّرها؟ من الذي سوَّاه؟ الله سبحانه وتعالى. ومن الذي قدر حتى كمية الماء التي تحيط بالجنين في بطن أمه، من؟ من الذي قدر كمية الأكسجين وكيف تصل إلى هذا الجنين في بطن أمه؟ من؟ أليست هذه آية وأيما آية؟ أليست هذه الآية لوحدها إذا ما تدبُّر الإنسان العاقل وتفكر فيها كفيلة بأن تقوده إلى الله سبحانه وتعالى؟ بلى بكل تأكيد.
إذن ما الإشكالية؟ الإشكالية في أن هؤلاء القوم لا يتفكرون، ولو نزلت عليهم الآية تلو الآية ما تغيَّر فيهم شيء. لماذا؟ لأن سنَّة التغيير تقتضي أن تتغير أنت من داخلك. ولذلك ستأتي علينا بعدها الآية العظيمة الفاصلة في سنَّة التغيير: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يغيِّر مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يغيِّروا مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ من الآية 11 إذن ليست الإشكالية أن يتغيَّر ما حولك وتنزل آيات جديدة، لا. الإشكالية أن تتغيَّر أنت من داخلك، وكيف يتغيَّر داخلك؟ بترك العناد، وبترك حالة التبلد في الإحساس والإبصار والسمع التي يعيشها هذا الإنسان، وبنفض غبار الغفلة التي يعيشها، والتفكر بكل تلك الآيات التي أنزلها الله عزَّ وجلَّ في النفس، في الخلق، في الكون وفي الطبيعة، يبصرها، يتفكر فيها، فإذا ما رآها بعين بصيرته قادته إلى عالِم الغيب والشهادة الكبير المتعال سبحانه وتعالى.
تدبَّروا معي، هذه السورة العظيمة، سورة الرعد، سورة توقظ الإحساس المتبلِّد، توقظ الإنسان الغافل عن هذه الآيات .وبعد هذه الآية العظيمة في النفس قال عزَّ وجلَّ: ﴿عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ٱلۡكَبِيرُ ٱلۡمُتَعَالِ﴾ الآية 9 لماذا؟ ما الصلة؟ هذه الآية العظيمة التي نراها ونبصرها أنا وأنت في كلّ حالة ولادة أو حالة إسقاط أو عشرات الحالات، إلى من تقودنا؟ إنها تقودنا إلى الإيمان بعالِم الغيب والشهادة سبحانه وتعالى الكبير المتعال. تدبَّروا معي كيف توصلك سورة الرعد العظيمة إلى الخالق جلَّ وعلا الذي أبدع وصنع وأنزل وأعطى وخلق.
هذه السورة العظيمة تجلي للإنسان ذلك الربط العظيم بين ما يراه، وبين الإيمان بالله الخالق سبحانه وتعالى. وقد ذكرنا فيما مضى أن أعظم قاعدة من قواعد التغيير في حياة الفرد أو الجماعة هي تخليص التوحيد لله سبحانه وتعالى، وتجديد العلاقة بين الإنسان وخالقه. ولا يمكن أبدًا لتلك العلاقة أن تتجدد بعيدًا عن هذا الكتاب العظيم، القرآن المجيد، وبعيدًا عن الكتاب المنظور في الكون والنفس.