بسم الله الرحمن الرحيم
تدبُّر في سورة الرعد (الحلقة الأولى)
نبدأ بحول الله عزَّ وجلَّ وقوَّته في تدبُّرنا لسورة الرعد. تلك السورة التي جاءت في ترتيب المصحف الشريف بعد سورة يوسف. تلك السورة التي لا تزيد آياتها عن أربعين آية إلا بقليل. هذه السورة التي اختلف المفسِّرون في مكان نزولها، فمنهم من ضمَّها الى السور المدنيَّة وله أدلته، ومنهم من ضمَّها إلى السور المكيَّة وله كذلك أدلته. ولكن حين التدبُّر والنظر في هذه السورة العظيمة، والنظر في آياتها لأجل استنباط عمود السورة، محور السورة، المقصد العام، الإطار العام للسورة، يميل الرأي إلى أن هذه السورة نزلت في مكة، وتحديدًا في تلك الفترة التي سبقت مرحلة الهجرة الشريفة إلى المدينة المنورة، بمعنى آخر في أواخر العهد المكيِّ.
من قال بأن السورة مدنيَّة اتكأ على قضية متعلقة بأسباب نزول بعض الآيات التي سنأتي عليها في حينها، ولكنَّ سياق الآيات يوضِّح لنا، ويجعلنا نرجِّح أن هذه السورة نزلت بمكة، ولكن قبل أن نسترسل في الحديث عن نزولها بمكة دعونا نقف قليلًا كما تعوَّدنا دائمًا أن نقف عند تلك المناسبات التي تلازم نزول الآيات. قلنا أكثر من مرَّة إن سور القرآن العظيم مترابطة حسب ترتيبها في المصحف الشريف. بمعنى آخر أن هنالك تناسبًا واضحًا بين ختام سورة يوسف وبين بدايات سورة الرعد. كما أن هنالك تناسبًا بين بدايات سورة الرعد ونهاية هذه السورة الكريمة. وإذا ما نظرنا في الآية الأخيرة في سورة يوسف وجدناها: ﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٌ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ الَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كلِّ شَيۡءٍ وَهُدًى وَرَحۡمَةً لِّقَوۡمٍ يُؤۡمِنُون﴾ آية111
أما سورة الرعد، إضافة إلى حديثها عن قضية الإفادة من الآيات والقصص والتاريخ لأولي الألباب، فهي تبدأ بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن ربِّك ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ آية١
إذن من بداية السورة نستشف التناسب بين سور القرآن العظيم، وأن الإفادة من هذا الكتاب المبين لا تكون إلا بالربط بينها، وبمعرفة أنَّ تلك القصص التي وردت فيه لا تكون إلا لقوم يؤمنون، وأن الهدى وعناصر الرحمة والشفاء فيه لا تكون إلا للذين يؤمنون به، لأولي الألباب. وسورة الرعد تأتي في أكثر من موضع لتؤكِّد هذه الحقيقة. تناسب آخر أن سورة يوسف ذكرت في أكثر من موضع أن أكثر الناس لا يؤمنون، وأن أكثر الناس لا يعلمون، وأن أكثر الناس لا يشكرون، وتأتي بدايات سورة الرعد فتقول لنا: ﴿وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ من الآية 1
ومن الحقائق التي عالجتها سورة يوسف أن الحق لا يُعرف بكثرة من يعرفه، أو بكثرة من يقول به، ولا بكثرة من يدافع عنه أو يحميه، الحق يعرف بنفسه ويعرف بذاته، فهو حقٌّ بيِّن. وسورة الرعد التي لا تزيد آياتها عن الأربعين إلا بقليل تكلَّمت عن الحق كثيرًا، بل ضربت لنا مثالًا حيًّا للحق والباطل. وابتدأت بقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن ربِّك ٱلۡحَقُّ ﴾ من الآية 1 ولكن واقع الأمر: ﴿وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾.
إذن هذا الكتاب حقٌّ، ولا يغيِّر أبدًا من وجوه الحق فيه، وأنه حقٌّ أن أكثر الناس لا يؤمنون به، تدبَّروا معي في هذا المعنى العظيم. إذن المسألة ليست بمسألة كثرة أو قلة، وهذا الكلام بطبيعته يناسب كلّ وقت، وكلّ زمان، وكلّ بيئة ولكنه قطعًا يناسب البيئة المكية التي نزل فيها هذا القرآن العظيم بشكل أوضح. ونهايات الفترة المكية تؤكِّد لنا أن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في ختام تلك الفترة ما آمن معه إلا قليل، كان هذا قبيل فترة الهجرة الشريفة والتي كانت من أصعب الفترات في عمر الرسالة، تلك الفترة التي جعلت النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ينظر فيرى بعد أكثر من عشر سنوات من الدعوة في مكة أنّه ما آمن معه إلا قليل، وأن القوم لا يزالون إلى ذلك اليوم يطالبونه بمزيد من الآيات على الرغم من أن القرآن العظيم كان يتنزل وهو في نفسه آية بينة، وفي كلامه أعظم الدلائل وأعظم المعجزات.
ولذلك كلّ هذه الإشارات تبيِّن لنا أن الرأي الأرجح أن هذه السورة مكية. كذلك هناك تناسب بين بدايات سورة الرعد وبين ختامها؛ في بدايتها قال الله سبحانه وتعالى: ﴿الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن ربّك ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ آية 1. وفي نهايتها قال عزَّ وجلَّ: ﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلًا﴾ من الآية ٤٣.
تدبَّروا معي: ﴿وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ من الآية 1 ومن عدم إيمانهم وبسبب عدم إيمانهم: ﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلًا﴾ من الآية ٤٣ فماذا نفعل؟ ويجيء قول الله في نهاية هذه السورة العظيمة: ﴿ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ ﴾من الآية 43. تناسب عظيم بين البداية وبين الختام. وعند النظر في هذه السورة العظيمة، وعند البحث في مقصدها ومحورها وعمودها نجد أن السورة تتكلم عن سنَّة التغيير، وقواعد التغيير في الفرد والمجتمع والأمة، وأن هذه السورة توصلت إلى ذلك المقصود العام من خلال عشرات الوسائل واحدة منها أنها جاءت بحشد من الآيات الكونية، الآيات المبثوثة في الطبيعة، البعض منها مستقر كرفع السماء بلا عمد، هي آية ولكنها غير متبدلة مع الوقت ومع الزمن إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى. وهنالك آيات متغيرة غير مستقرة مثل تقلب الليل والنهار على سبيل المثال، ظاهرة البرق والرعد التي سميت السورة باسمها، هذه ظاهرة طبيعية كونية، ولكنها غير مستقرة لا تحدث كلّ يوم، هي ظاهرة لا تحدث دائما. هذه الظاهرة التي تكاد تكون طارئة وغير مستقرة جاء بها القرآن العظيم وسط حشد من الآيات في سورة الرعد. ولنا أن نتساءل عن العلاقة بين سنَّة التغيير، وقواعد التغيير للأفضل في حياة الفرد والمجتمع وبين الطبيعة والآيات الكونية فنجد أنها علاقة وطيدة.
القرآن العظيم يعلِّمنا منذ البداية في سورة الرعد أن أعظم قاعدة للتغيير نحو الأفضل لا يمكن أن تكون بعيدًا عن منطلق الإيمان بالله عزَّ وجلَّ، الإيمان الخالص، الإيمان النقي، التوحيد النقي الذي يخلِّصه صاحبه أولًا بأول من كلّ ما يشوبه. وأعظم وسيلة لتجديد الإيمان وتخليص التوحيد من الشوائب ذلك التدبُّر والتأمل والنظر في تلك الآيات المبثوثة في الكون. تدبَّروا معي في هذه المعاني العظيمة والتي سنقف عليها طويلًا ونحن نتدبر في سورة الرعد، والسورة جاءت بحشد كما ذكرنا من الآيات الكونية.
الذي يلفت النظر كذلك أن سورة الرعد ربطت بين تلك الآيات الكونية وبين فعل التدبُّر والتفكر. فما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يفقهون، لا يعلمون، لا يتفكرون ولا يتدبرون. ولذلك جاء في سورة الرعد ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍ لِّقَوۡمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ من الآية ٣. والآية التي بعدها ﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍ لِّقَوۡمٍ يَعۡقِلُونَ﴾ من الآية ٤. لا يمكن أن يكون هنالك تغيير في حياة فرد أو جماعة بدون تفكر، تدبَّروا معي في هذا المعنى العظيم.
قلنا إن محور السورة الأساس هو سنَّة التغيير، وسنة التغيير ماضية ولكنها لا تحدث إلا حين تستكمل المجتمعات قواعد التغيير نحو الأفضل، الكل يطمح للتغيير نحو الأفضل، ولكن قواعد ذلك التغيير وتلك السنة الجارية الماضية في الفرد لا يمكن أن تحدث بعيدًا عن تجديد الإيمان. لماذا؟ إن الإيمان هو تلك العلاقة العظيمة التي تربط بين الإنسان وخالقه، تربط بين الإنسان والكون من حوله. والتغيير لا يمكن أن يحدث إلا بإرادة ذلك الإنسان. الإنسان الذي سخر الله عزَّ وجلَّ له هذا الكون من شمس، قمر، نجوم، سماء، أرض وماء، فإذا لم يستطع ذلك الإنسان أن يستكشف تلك القواعد والقوانين التي تغيَّر حياته نحو الأفضل، وعلى رأسها تلك العلاقة بينه وبين الله سبحانه وتعالى الخالق الرازق، تلك العلاقة التي يجب أن تكون علاقة قوية، علاقة ثابتة، علاقة غير متذبذبة وغير متزعزعة، كيف لذلك الإنسان أن يغيِّر، كيف؟ كيف له أن يتعامل مع الكون وما بثَّه له الله عزَّ وجلَّ من مسخَّرات فيه دون أن تُصحَّح العلاقة بينه وبين خالقه سبحانه وتعالى. والعلاقة بيننا وبين الله جلَّ جلاله لا تصح بعيدًا عن التوحيد. تدبَّروا في ذلك المعنى العظيم.
كذلك من موضوعات سورة الرعد التي ارتبطت بالمحور الأساسي وهو سنَّة التغيير، تلك الآيات التي جاءت تحدثنا عن أنفسنا، آيات في داخل النفس البشرية ربطها الله عزّ وجلَّ بالأمثال، ضرب لنا أمثالًا حيَّة ليخلُص بنا بذلك الربط إلى قضية الإيمان، أسلوب عظيم من أساليب القرآن. فالقرآن العظيم ينوع في الأساليب التي تجدد العلاقة بيننا وبين الله عزَّ وجلَّ. والقرآن العظيم كتاب يسوقك إلى الله سبحانه وتعالى، ولكنه حين يسوق النفس إلى خالقها يسوقها بأساليب متنوعة تتباين ما بين هزِّ الوجدان وإقامة الفطرة، وما بين تحريك العقل ليفكر ويعمل ويتفكر ويتدبّر ليصل إلى تلك الحقائق بذاته.
القرآن العظيم كتاب يعلم الإنسان كيف يجد نفسه، أحيانًا الإنسان تضيع منه نفسه في خضم دروب الحياة والتشعُّب بين تصورات ومعتقدات وأفكار وفلسفات شتَّى. كيف يجد نفسه؟ لا يجد نفسه بعيدًا عن هذا الكتاب العظيم. هذا الكتاب يعلمك أين تقف، كيف تتعلم، كيف تتعرف على نفسك حتى تعرف كيف تصل إلى خالقك عزَّ وجلَّ. إنَّه كتاب عظيم.
ثم عرجت السورة الكريمة كذلك إلى تلك الظواهر التي أشرنا من رعد، وبرق، ومطر، وغيث من السماء، وزبد يذهب جفاءً، ظواهر طبيعية محسوسة ملموسة نراها في كثير من الأحيان. ولكن ذكرنا أكثر من مرة أنَّ الإشكالية ليست في أن نرى أو لا نرى، الإشكالية في إلف ما نرى فلا يعود ذلك الشيء الذي نراه سواء كان آية أو معجزة في نظرنا مبهرًا ولا يجدد فينا إيمانًا، ولا يزرع في قلوبنا توحيدًا خالصًا، إشكالية خطيرة. ولذلك القرآن العظيم كذلك عرض الحوار مع المنكرين من المشركين وغيرهم الذين يطالبون النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالمزيد من الآيات والدلائل والمعجزات. يطالبون بالآيات، وآيات الله عزَّ وجلَّ في الكون والنفس مبثوثة ولكن: ﴿ وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمٍ لَّا يُؤۡمِنُونَ﴾ الآية 101/ سورة يونس. لا يتفكرون، لا يعقلون، لا يتبصرون، ولا ينظرون. ليست الإشكالية في الآيات ولا في وجود الآيات. الآيات موجودة، نحن في كلّ لحظة نعاين آية من آيات الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ﴾ الآية 21 / سورة الذاريات.
ليست الإشكالية في ذلك. الإشكالية في تبلُّد الحس، وفي تبلُّد الشعور، فلا تعود تلك الآيات تحرِّك الحسَّ والوجدان، وهذا ما تفعله بالضبط سورة الرعد. تحرِّك الحسَّ والوجدان وتقلب الأبصار بين تلك الآيات العظيمة سواء المستقِّر منها كرفع السماء بغير عمد، أو المتغيِّر منها كتقلُّب الليل والنهار، والبرق والرعد وغيث السماء، والزرع على الأرض. كلّ هذه الأشياء متغيرة ومتبدلة، كلّ هذه الأشياء لا يمكن أبدًا أن تُحدث أثرًا في نفوسنا إذا تبلَّد الإحساس فينا، ولكن سورة الرعد توقظ الإحساس فينا وتجدِّد الإيمان، لماذا تجدِّد الإيمان؟ تجديد الإيمان وإن كان غاية في ذاته، إلا أنَّه وسيلة لشيء أكبر، الشيء الأكبر أن يقودك ذلك الإيمان والتوحيد الخالص إلى التغيير الأفضل في حياتك وفي حياة الآخرين. وذلك لن يحدث أبدًا إلا حين يشتد التوحيد ويخلص ويقوى عود الإيمان في القلب وفي النفس. ولذلك جاءت الآية العظيمة التي كثيرًا ما نستشهد بها ونرجع إليها ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ ﴾ من الآية 11
ما الذي أحتاج أن أغيِّره في نفسي؟ سورة الرعد تكلِّمني، سورة الرعد تعالج أكبر قاعدة من قواعد التغيير. لا يمكن التغيير بدونها، قاعدة الإيمان، قاعدة التوحيد، تخليص التوحيد وتنقيته وتحريك الإيمان ليصبح فاعلًا في الواقع، أو كما يطلق عليه بعض الكتاب المعاصرين مفاعلًا حضاريًا، الإيمان في القرآن العظيم ليس إيمانًا جامدًا أو نظريًا أو شكليًا. ليس مجرَّد كلمات، جزء منها أن تشهد أن لا إله إلا الله، ولكن بمجرَّد أن تشهد بأن لا إله إلا الله تبدأ صفحة جديدة في حياتك، صفحة العمل الصالح، العمل النافع، التغيير الذي يطمح إليه الإنسان المؤمن في الإصلاح، في صلاح نفسه، وفي تقديم الصلاح لغيره.
سورة الرعد تقدِّم كلّ هذه المعاني العظيمة؛ ولذلك هذه السورة الكريمة من منتصفها تقريبًا وإلى آخرها تتحدث عن آليات ذلك الإيمان حين يفعل فعله في واقع الحياة الإنسانية؛ وفاء بالعهد، أمانة، إنصاف، إحسان إلى الآخرين. كلّ هذا تكلمت عنه هذه السورة العظيمة، وتكلمت أيضًا عن المواثيق، وعلى رأسها ذلك الميثاق الذي بين العبد وربه. هذه السورة العظيمة تكلِّمني عن عشرات القواعد التي يمكن أن تستنبَط للتغيير من خلال تلك القواعد الكبرى.
سورة الرعد لا تزيد عدد آياتها عن الأربعين إلا بقليل، ولكنها جاءت دستورًا في تغيير الحياة الإنسانية، تغيير الواقع الإنساني، ولا يمكن إحداث تغيير في واقع المجتمع، ولا في جماعة، ولا في تاريخ دولة أو أمة أو شعب من الشعوب بعيدًا عن ذلك التغيير في داخل الفرد، وهو ما عبَّرت عنه السورة بقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يغيِّر مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يغيِّروا مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ من الآية 11 هذه السورة في ذاتها معجزة، كيف يعالج القرآن العظيم قضية كقضية التغيير بكل إحداثياتها الصعبة المتعمقة في نواحٍ مختلفة من الحياة، ومن النفس البشرية من خلال هذا العدد من الآيات، إعجاز القرآن، عظمة القرآن حين يأتي بالكلمة والكلمتين وفيهما عشرات المعاني التي تعطي عشرات الرسائل للفرد وللمجتمع. سنقف بإذن الله في حلقات مقبلة على هذه القواعد وتلك السنن الماضية في التغيير في النفس وفي المجتمع.