تدبر سورة الرحمن: الحلقة الرابعة

الحلقة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مازلنا في تدبرنا في سورة الرحمن المباركة،تلك السورة التي جاءت تؤسس العلاقة القوية الصادقة بين الإنسان وخالقه (جل شأنه)،بين الإنس والجن (الثقلين) ومن خلقهما (جل شأنه)،تلك العلاقة التي بيَّنتها سور من القرآن وأيات أُخر جاء فيها النص على: {وَمَاخَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(35) هذه العلاقة القائمة على العبودية،العبودية الحقة الصادقة التي لا يصل إليها الإنسان إلا حين يتعرف على طرف من تجليات رحمته (جل شأنه)،تلك الرحمة التي تجعل من ذلك الإنسان يبني علاقة العبودية مع الله (سبحانه وتعالى) على أساس المحبة،على أساس الامتثال لأوامر الله سبحانه،فالإنسان كلما استشعر-وهذا في علاقات البشر بينهم وبين بعضهم- أن الطرف الأخر يكن له الرحمة،ويريد به الرأفة،ويريد له الخير،كلما استمسك بالعلاقة معه،كلما امتثل لما يطلب ويأمر به،ولله المثل الأعلى. الإنس والجن بحاجة إلى تلك المعرفة،وتلك العبودية أن تقام على مظاهر تجليات الرحمة،رحمة الله بعباده،من هنا جاءت هذه السورة المباركة الفريدة في افتتاحيتها بكتاب الله بقوله (جل شأنه):{ٱلرَّحۡمَٰنُ(1)}.كما أن هذه السورة المباركة جاءت بالعديد من الخصائص التي انفردت بها دون سور القرآن،واحدة من أهم تلك الخصائص أنها تبني هذه العلاقة،وهذه العلاقة لا تبنى إلا تدريجيًّا،بمعنى:لبنة لبنة،بناء العلاقة،علاقة العبودية لله (سبحانه وتعالى) على أساس المحبة والامتثال لأوامره (جل شأنه)،كلها جمعت في هذه السورة المباركة.السورة تحدثت عن أعظم ألاء الله سبحانه،تحدثت عن الألآء المختلفة التي تدل على عظيم قدرته (جل شأنه)،جميل صنعه، لطف تدبيره وحكمته في خلقه،في السماء وفي الأرض،في مصائر الأمم والشعوب،في جزاء المؤمن وجزاء الكافر،بل حتى في علامات يوم القيامة ودلائلها،وحتى في القضايا الكبرى التي لابد للإنسان العاقل أن يضعها في حسبانه {كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٍ (26)} حتى وهو يعزِّي الخلق،ويعزِّي البشرية عبر التاريخ ومستقبلها على هذه الأرض بأن كل من عليها فان جاءت ضمن تجليات رحمته (سبحانه وتعالى) من هنا انفردت هذه السورة المباركة بذكر والتذكير والتنبيه على ألآء الله (سبحانه وتعالى) في قوله (جل شأنه){فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} في نيف وثلاثين مرة في السورة،هذا مما تميزت وتفردت به هذه السورة المباركة. ثم أننا ذكرنا في مقدمتها أن هذه السورة جاءت بالحديث منذ بداياتها عن الميزان الذي هو آلة وأداة للقياس،أداة توزن بها الماديات والمحسوسات،كما توزن بها كذلك الأفكار والمعنويات والخطط الاستراتيجية والمستقبلية وتنمية الشعوب،كل صغير وكبير لابد أن يوزن ولذلك قال (جل شأنه) ممتنًّا على البشر{وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ (7 )} ذاك الميزان الذي أنا وأنت نرى جزءًا من عظمته،جزءًا من أثاره في جعل هذا الكون والحياة على هذه الأرض حياة متزنة لا تضارب فيها،ولا نزاع،ولا صراع بين كواكب،ولا نوع من أنواع التجاذب أو التنافر بأي شكل من الأشكال،هذا التوازن الفريد في خلق الطبيعة والكون لم يجيء هكذا،جاء محكمًا لأنه جاء منضبطًا بموازين وضعها الخالق (جل شأنه)،كل شيء فيه موزون أينما وجهت النظر وجدت توازنًا فريدًا في نوعه في الخلق،حتى في عدد قطرات الأمطار التي تنزل من السماء،والتي تتبخر من مياة البحار والمحيطات،وأوراق الشجر التي تسقط من الأشجار،وفي نفس الوقت بعد فترة من الزمن في الفصول المتعاقبة في خلال السنة تنبت من جديد وتزهر،كل شيء عنده بمقدار،إذن هذا التقدير الذي تكلمت عنه كذلك أيات وسور أخرى جاء بناءًا على الميزان الذي وضعه سبحانه في الكون،هذا الميزان الذي كذلك (جل شأنه) نبَّه الخليقة إلى عدم الطغيان أو الخسران فيه {أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ (8)} ونحن نعلم جميعًا أن البشرية اليوم تعاني من مشاكل كثيرة بسبب تلوثات في البيئة،بسبب ثقوب في طبقات الجو ومنها طبقة الأوزون في الغلاف الغازي،هذا الفساد نتيجة لأي شيء ومن أين جاء؟ الكون موزون،وكل شيء فيه بمقدار،من أين جاء الخلل وكيف حدثت هذه الثقوب؟ الثقوب التي في البعض منها في واقع الأمر الإنسان والبشرية إذا لم تتنبه لاتخاذ إجراءات سريعة ودقيقة للحد من المشاكل المترتبة على هذه الأزمات البيئية ممكن بشكل أو بأخر تنهار الحياة الحيوانية والإنسانية والنباتية على الأرض،تحدث فيها شروخ يصعب معالجتها فيما بعد. والعلماء يكلموننا ويحدثوننا عن الاحتباس الحراري والفيضانات والأعاصير نتيجة لتلك الاختلالات،فالقرآن حين جاء في سورة الرحمن التي تبني العلاقة على أساس تجليات الرحمة،وتتغيَّا لتلك العلاقة وتبني هذه الوسائل بناءًا على تجليات الرحمة،فمن رحمة الله على عباده أن نبّه الخلق على أهمية عدم الطغيان في الميزان،عدم مجاوزة الحد{أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ (8)} والأمر بإقامة الوزن بالقسط وعدم الخسران في الميزان،فلا مجاوزة للحد ولا خسران وإنقاص للحد،تحقيق الوسط هنا الذي هو الاعتدال والتوازن والذي لا يتحقق إلا من إقامة الوزن بالقسط.هذا الترابط في الأيات،وفي المعاني يبين لنا أن الميزان ليس فقط ميزان كوني،الميزان الكوني تكفل الله به (جل شأنه)،ولكن هذا الميزان الكوني إذا طالت جوانب منه باعتبار قانون التسخير والاستخلاف الذي سخر الله سبحانه الأرض وما فيها،وحتى مختلف أشكال الحياة التي تتصل وتصل الإنسان بالسماء والكواكب والتعرف عليها،إذا حصل فيها أي شكل من أشكال الاختلال بناءًا على تفريط الإنسان في قانون التسخير،وتجاوزه للحدود التي أمر الله بصيانتها ومراقبتها ستحدث تجاوزات الذي هو الطغيان{أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ (8)} وما يحصل من مشاكل بيئية وقف الناس على بعض منها،هذا مؤشر خطير للدلالة على وجود الطغيان في الميزان،الميزان الكوني،هذا إذا حدث في الميزان الكوني الذي أقامه الله (جل شأنه) فما بالنا بالموازين الأخرى المختلفة، الميزان الحقيقي الذي تكلمنا ووقفنا طويلًا عنده في الحلقة السابقة،الميزان الذي يزن العلاقات الاجتماعية،والعلاقات الأسرية، والاقتصادية،والسياسية،والأخذ والعطاء،والإعلام،والتعليم،والصحة.يوجد في الموازين اختلال،وخطورة،ومجاوزة للحد وطغيان في الجانب المتعلق بالميزان،وقدتم تناول العديد من الأمثلة في المرة السابقة حين تكلمنا عن نظام الأسرة والزوجية فيها،وقلنا كيف أن الفطرة التي فطر الله الناس عليها تقوم على الزوجية،وأراد المفسدون أن يحدثوا الاختلال في ذلك الميزان،فجعلوا نظام الزوجية بزعمهم وأباطيلهم وكذبهم وافتراءهم أنه نظام مرتبط بنظرة ورؤية الناس،وبالتالي ممكن أن تكون الأسرة مكونة من رجل ورجل،وامرأة وامرأة،وكل هذا الانحراف.ولنا أن نتساءل يا ترى ما هي النتائج على الطغيان في هذا الميزان؟ وأنت لا تجد طغيانًا في ميزان إلا وتجد ما يقابله من خسران في جانب أخر،كفتي الميزان التي نزن بها الأشياء المحسوسة فاكهة وشعير وحنطة وإلى أخره،لديك كفتان في الميزان لابد أن تكون واثقًا ومتأكدًا من أن تقيم الوزن بالقسط،بمعنى أن يكون هناك تعادل بين كفتي الميزان،إذا حصل أي شكل من أشكال الارتفاع في كفة واحدة سيكون على حساب الكفة الأخرى،طغيان يقابله خسران وكلاهما قطعًا يؤديان إلى الاختلال في الميزان،فماهي النتائج المترتبة على الاختلال في الميزان؟ليست فقط الكوارث البيئية،وليست فقط المجاعات،وليست فقط الكوارث الأخلاقية والأسرية التي تهدد البشرية،وممكن فعلًا أن تقود البشرية إلى حتفها،ونحن لا نتكلم عن مجتمعات معينة فحسب لا،العالم كله بات الآن غرفة في قرية،مجتمعًا في غرفة واحدة،ما يصيب الإنسان في الشرق يؤثر على الإنسان في الغرب،وما يفعله الغرب يؤثر على إنسان الشرق،العالم ليس بمعزل عن كل هذه الإشكاليات الخطيرة،كل هذه التحديات الصعبة،ولذلك من أخطر الأشياء التي سيحدثني القرآن عن بعض منها في سورة الرحمن،فمن رحمة الله بعباده أن ينبه عباده على خطورة حدوث الخلل في الميزان حتى ينتبهوا،حتى يفهموا.ثم أننا ذكرنا في المرة السابقة أن هذا الميزان ما جاء مبهمًا أو غامضًا،هذا الميزان جاءت تفاصيله في هذا الكتاب الذي نص في سورة الحديد أن الله سبحانه أنزل الكتاب بالحق،وأن أيات الكتاب بيّنات،وأنزل معه الميزان،وأنزل معه الحديد لأجل أي شيء؟ لأجل أن يؤكد أن ثمة ضمانات خلقها الله (جل شأنه) للحفاظ على التعادل في الميزان،وإقامة الوزن بالقسط الذي هو معيار ظاهر ضابط منضبط لا اختلال فيه،بمعنى أخر:أن يكون للبشرية ميزان تحتكم إليه،أن يكون للبشرية دستور ترجع إليه،تتفق عليه فيما بينها،وفي ذات الوقت ممكن أن تستعمل الحديد الذي يعبر عن رمز القوة المادية في الحفاظ على هذا الميزان وعدم العبث به من قبل العابثين والمفسدين في الأرض،ولذلك ربط بين الميزان وقضية {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} لأن الخلل في الميزان وإحداث الخلل سواء كان ذلك بتعمد أو بحسن نية وجهالة،هذا يؤدي إلى الفساد في الأرض،وأنت عليك كخليفة على هذه الأرض أن تأخذ على يد المفسدين فيها بما مكنك الله (جل شأنه) تدبروا معي في هذا الترابط العجيب. قال:{وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ}في ثلاثة مواضع على الترتيب والتوالي في السورة المباركة يأتي ذكر الميزان،وهذا ليس تكرار،فالميزان الأول الذي حدثني القرآن عنه في سورة الرحمن قال:{وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ} يختلف عن هذا الميزان الذي قال:{أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ (8)} ونحن ذكرنا بأن كل كلمة في كتاب الله حين تذكر ولو ذكرت على التوالي أو في موضعين متتاليين لها معنى جديد،وهذا يعني بالحقيقة أن هذا له تأثير،لأن كثيرًا من الناس اليوم حين تقول له:هذا مكرر لا يلتفت إلى الكلمة التي قيلت في المرة الثانية أو الثالثة باعتبار أنها ذات المعنى في المرة الأولى،هذا غير صحيح،القرآن حين يذكر هذه الكلمات والمفردات مرةً بعد مرة يولد معها معانٍ جديدة لابد أن تلتفت إلى هذه المعاني،ولابد أن تتساءل عن مقاصدها،لماذا تذكر هذه اللفظة تحديدًا في هذا الموضع ثم في ذاك الموضع،وسنأتي عليها في أيات أُخر كما سنأتي بعد ذلك على الأية {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} لنوضح هذه المعاني. ثم إذا بالأيات العظيمة تنتقل إلى الأرض،من السماء إلى الأرض،وتدبروا معي،في السماء قال:{وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا} في الأرض قال:{ وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا} الرفع يناسب السماء لأنها مرتفعة،والوضع يناسب الأرض فجاء بدقة بهذه المفردة القرآنية قال:{وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ (10)} وكلمة أنام مفردة عجيبة،من أجمل التفاسير لها ماقاله ابن عباس (رضي الله عنه) كل ما له روح،لماذا ذكر الأرض؟ الأرض مسرح الحياة،الحياة التي ستعيشها،الحياة التي ستطبق فيها الميزان،الحياة التي ستكشف فيها عن البيان الذي تعلمت،الحياة التي ينبغي أن تخضعها للقرآن الذي أنزله وعلمك إياه الخالق (جل شأنه) تدبروا في هذه المعاني العظيمة،الأرض جاء بها معرَّفة:{وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ (10)} هذه الكلمات الثلاثة دستور في واقع الحياة،هذا شكل من أشكال البيان للأطر التي ينبغي أن تقام ويقام عليها الميزان على هذه الأرض،الأرض لله وليست لفئة معينة،ولا لجنس معين،ولا لعرق،ولا لقوم دون قوم،قال:{وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ (10)} فهي لله الذي وضعها،وهذا في واقع الأمر ممكن أن يأتي على عشرات الصور،وعشرات المخالفات التي ارتكبها البشر في حق أنفسهم عندما قسموا،وقطعوا،ووزعوا،ورسموا،وخططوا،ووضعوا خطوطًا وحدودًا ماكان لها أن توضع.ربي (جل شأنه) خلق الأرض للأنام الكلمة التي حين نقول بأنها تعني كل ما له روح،نبات على شجر على حيوان على إنس على جن،كل شيء،وهذا يبين للإنسان أنك أنت لا تعيش على الأرض بمفردك،بمعنى أخر:التفت إلى نفسك وأنت تعيش على هذه الأرض التي هي ستكون شاهدة عليك،باعتبار أنها مسرح الأحداث،مسرح التطبيق للميزان،مسرح التنفيذ للميزان الذي لا ينبغي أن تطغى فيه ولاتخسر فيه،ستكون شاهدة عليك،شاهدة عليك بذراتها،بسهولها،ببحارها،بأنهارها،بكل ما فيها،فماذا فعلت؟ أفسدت أم أصلحت؟ ضيعت أم حافظت؟ تدبروا معي في كل الإشكاليات التي تعاني منها البشرية اليوم،أين الإشكالية هنا؟ الإنسان حين يطغى ويفتتن بما أتاه الله من قوة مادية وعلم،ويفتتن بما مكنه الله وفق قانون التسخير،لأن الله هو الذي سخر،الذي وضع لك هو الذي سخر لك،ولولا أن الله سخَّر الأرض للإنسان كي يمشي ويعيش ويشرب ويأكل ويسكن ويبني ويزرع،ماكان يستطيع أن يفعل شيئًا من ذلك،ولذلك عشرات الأيات في كتاب الله تحدثنا عن هذه القضية،الأرض كيف جعلها مهدًا؟ كيف شق فيها الأنهار؟ كيف أنبت فيها الزرع والحب والعصف؟ كماسيأتي عليه الآن،صحيح الإنسان وفق قانون التسخير يضع البذرة في الأرض،صحيح الإنسان ربي (جل شأنه) علمه فاستطاع أن يحرث ويعمل ويسقي ويزرع ولكنه لا ينبت ولا يضع الحياة،التي هي سر من أسرار الخلق،لا في نبتة،ولا في شجرة،ولا في زرعة،ولا في وردة،ولا في حيوان،ولا في شيء،الله الذي وضع هذه الأرض للأنام،إذن في ثلاث كلمات القرآن بيَّن لي جوانب من جوانب الميزان،وعدم الطغيان أو الخسران فيه،حتى لا نقول أو نتوهم أن الميزان غامض ولا مبهم،القرآن يبين لك،واحدة من أطر التعامل مع الميزان ووضع الميزان في الأرض أنك تفهم أن الذي وضع الأرض هو الله وليس أنت،لابقوتك،ولابملكك،ولابأسلحتك، ولا بعلمك،ولا بتقنياتك مهما بلغت وتطورت لن تتمكن من وضع الأرض،فإذاكنت لم تضع الأرض على أي أساس تضع الحدود فيها،أنت لا تملك الأرض حتى تضع حدود فيها،أنت خليفة هنا،أنت اليوم على ظهرها وغدًا في جوفها،على أي أساس تقسم؟ على أي أساس ترسم الحدود؟ على أي أساس تضع الأسلاك الشائكة لتفصل بين البشر وتحد من تنقلهم في الأرض؟على أي أساس تقيم الأسوار العالية ولا تريد هذا أن يذهب إلى هناك وذاك يذهب إلى هناك؟ ما الذي حصل حين لم يفهم الناس هذا الإطار الأول المهم؟ لأن هذا الإطار الأول فبدأ به لحياتهم على الأرض،طغوا في الميزان،ماذا حصل؟ صور من الطغيان واحدة منها على سبيل المثال أنك تجد التجمعات الهائلة عدديًا ونوعيًا،كمًا وكيفًا من البشر في بقعة معينة من الأرض تجمعوا فيها بما يسمى تكدس،إنفجار سكاني،في ذات الوقت أراضي شاسعة لا حياة فيها،هذا شكل من أشكال التجاوز والطغيان في الميزان حين لم يفهم الإنسان أن الأرض بأسرها وضعها للأنام،لأنه مصداقًا لقوله (جل شأنه):{وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ (10)} فالمعنى أنه يريد منك أن تعمر هذه الأرض،الصحراء فيها وما قد استصلحه الإنسان،وهذا يفسر لنا عشرات الأشياء التي وقفت أمامنا لا نستطيع أن نفهمها أونحلها في بعض الأحيان بسبب واحد أننا لم نفهم إطار الميزان الذي فسره القرآن.تدبروا معي في الأية التي بعدها قال:{فِيهَا فَٰكِهَةٌ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ (11) وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّيۡحَانُ (12)فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} كثير من الناس حين يأتي على هذه الأيات يبدأ يقول بأن هذه من نعم الله،وهي كذلك من نعم الله العظيمة،أن الله جعل في الأرض فاكهة،وجعل فيها حب،وجعل فيها رياحين وغيرها، ولذلك جاءت أول مرة {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} تذكيرًا وامتنانًا على الخلق بنعمه (جل شأنه) هذا الفهم يحتاج إلى توقف وإعادة نظر،كيف؟ القرآن حين يذكرنا بوجود هذه المصادر في الكون،في الخلق،في الأرض،قال:{وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ (10) فِيهَا فَٰكِهَةٌ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ (11)} هذه ليست فقط امتنان على الخلق بأن الله قد خلق هذه الأشياء إطلاقًا لا، الفاكهة والنخل لايخرج هكذا بذاته،هذا يحتاج إلى زرع،هذا يحتاج إلى استصلاح الأراضي،هذا يحتاج إلى دراسة،إلى تخطيط،ما معنى هذا الكلام؟ هذا نوع من أنواع الأمر غير المباشر والحض والحث على استصلاح الأراضي،على زراعة الأرض،والعجيب أن المسلمين في عصور نهضتهم وحضارتهم،العصور الذهبية فهموا هذه الرسالة حق الفهم فذهبوا في الأرض حتى استصلحوها،وضمن هذا الإطار نستطيع أن نفهم أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين يعد من يزرع ومن يستصلح الأرض بالأجر والثواب. من هنا نفهم هذه الأحاديث العظيمة التي جاءت في الحث والحض على الزرع والغرس.نبينا (صلى الله عليه وسلم) حين يقول:”ما من مسلم يغرس غرسًا،ولا يزرع زرعًا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة” وأيضًا:”وما سرق منه له صدقة،وما أكل السبع فهو له صدقة،وما أكلت الطير فهو له صدقة،ولا يزوره أحد إلا كان له صدقة”هذا الحديث العظيم فيه مقصد،ما هو؟ أنك تزرع،تشجيع الناس على استصلاح الأراضي،على زراعتها،الأحاديث أكثر من أن تعد في هذا المجال،نبينا (عليه الصلاة والسلام) حين يقول:”ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة” هذا يدل على أي شيء؟هذا يدل على الحض على الزراعة،إذن هذه الأيات العظيمة تقرأ مع هذه الأحاديث لأجل أن تخرج البشرية بفكرة ضرورة الاهتمام بالزراعة،الزراعة التي هي من الأسس المهمة التي ينبغي العناية بها،وهذه من الأطر التي تجعل الميزان يقام فعلًا بالقسط لأجل أن تعيش البشرية حياة كريمة على هذه الأرض،ستقول لي:كيف؟ أقول لك:انظر ماذا يحدث اليوم في كثير من بلدان العالم الإسلامي والتي حباها الرب (جل شأنه) من رحمته بعباده بأرض خصبة،ومياه عذبة،ورغم كل ذلك هذه الأماكن لا تستطيع أن تحقق حد الكفاية فيما تأكل،فتستورد شعيرها وحنطتها من هنا وهناك،تستورد خبزها الذي تأكل،أهذا لأجل إقامة الميزان؟ هذا المؤشر يعني بأن هذه الأماكن وهذه المجتمعات البشرية أقامت الميزان وحققت الوزن بالقسط؟ أم أن هذا يؤشر على أنها أخفقت في هذا؟ قطعًا أخفقت في هذا على حساب أشياء أخرى،في خسران في الميزان،في طغيان،في تجاوز،والطغيان كيف يكون؟ حين تكون معدلات الإنفاق عاليةمرتفعة في مجالات كالجوانب العسكرية وماشابه،والخسران على حساب جوانب أخرى مثل جوانب البحث،جوانب الزراعة،جوانب الصحة، جوانب التعليم،هذه فيها إشكالية خطيرة،تدبروا في القرآن كيف يبني ويؤسس،وتدبروا حين تبدو تجليات رحمة الله سبحانه بعباده وهو يجعل البشرية تفكر،تخطط،تقيم حياتها على أساس الميزان،تجعل ميزانًا لحياتها البشرية،هذه المجاعات التي تحدث في العالم الله (سبحانه وتعالى) يقول عن الأرض:{وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}(36)وثلة من المفسدين في الأرض الذين يريدون هذه الأرض إحتكارًا وميدانًا لأطماعهم،هؤلاء يقولون لك أنه ليس هناك طعام يكفي للبشرية ولذلك لابد الأنواع الأضعف والأفقر أن تنتهي وتزول،هذه بعض من النظريات التي تقال وتثار اليوم،والقرآن هو الذي يعطي الحق للناس أن يعيشوا على هذه الأرض،وأن يكون لهم قوت يكفيهم، وأن يكون لهم مأوى ومأكل ومشرب،ولا يجرون في الأرض ويلهثون وراء حفنة شعير أو كسرة خبز كما يحصل اليوم،أو قطرات من ماء نظيف.البشرية اليوم مهددة بحروب على المياة،كيف تأتي هذه الإشكاليات بل كيف جاءت؟ هذه ما حدثت بين يوم وليلة،هذه حدثت نتيجة لاختراقات عظيمة في الموازين،في الميزان الذي وضعه القرآن،هذه هي المعاني. قال:{فِيهَا فَٰكِهَةٌ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ (11)} لماذا بدأ بها القرآن؟حتى يبين للبشرية الأسس التي ينبغي أن تعتني بها في مجالات الزراعة.قال:{وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّيۡحَانُ (12)} فاكهة،حبوب،وقال:{ذُو ٱلۡعَصۡفِ} حتى يأتي بكل المعاني التي تبين وتوضح كذلك أدوات ووسائل لعمليات الزراعة في الحبوب والرياحين،إذن قضية الجمال في الكون،والجمال في الخلقة،والجمال في الزراعة،هذه قضية أساسية في القرآن،حتى نفهم ونستوعب أن القرآن جاء بمنظومة متكاملة في الجمال،لأن لما أن يتكلم القرآن عن الريحان،النبات الذي له روائح ذكية،فهناك منظومة للجمال ينبه الإنسان على الاهتمام بها،ولكن ليس الجمال المصطنع الزائف،وتكلمنا عن ذلك كثيرًا في تدبر سورة الزخرف وغيرها من سور القرآن،حتى تستوعب البشرية أشكال الجمال الذي ينبغي أن تعتنى به. البشرية حين أخفقت في الاهتمام بالزراعة باتت تشتكي اليوم وتقول بأنه ليس هناك موارد تكفي للبشر،وتحدث مجاعات بل حدثت، وعلى العكس والنقيض فوائض لدى مناطق أخرى تغرق الأنهار والبحار بما قد فاض عندهم من منتجات زراعية،لأجل أي شيء؟ جشع، طمع،إخفاق في تحقيق الميزان،ذلك الميزان الذي وصى القرآن العظيم البشرية بأن تحافظ عليه،وألا يكون تحت سلطة وإمرة المفسدين في الأرض الطاغين الذين يريدونها فسادًا،من هنا نفهم لماذا أرسل الله أنبياء لأجل أن يحققوا قضية العدالة في المكيال والميزان.انظروا ماذا يحدث في العالم اليوم،هناك ناس لا تجد كسرة الخبز،وأعداد كذلك من البشر يرمون بأطنان من الشعير والحنطة هنا وهناك،إذن القرآن حين ينبه على هذه القضايا في سياقاتها،لأن هذه القضية تحتاج إلى جمع للدراسات،ودراسة هذه الأيات العظيمة دراسة حقيقية،دراسة تطلب وتروم الكشف عن مقاصد هذه الأيات ضمن سياقاتها وقراءتها ضمن الواقع المعاصر الذي يعيشه البشر اليوم، القضية ليست فقط قضية تطفيف وإنقاص وخسران وطغيان في الميزان،قضية ما سيترتب على كل تلك الانتهاكات من مجاعات،من ويلات،من صراعات،من حروب مدمرة للإنسان.ثم انظر معي على سبيل المثال حين لا تستصلح الأراضي أو حين تترك الأراضي الزراعية تتحول إلى أراضٍ بور،فإذا أصبحت كذلك صارت لدينا مشاكل في التصحر،هذا أيضًا يهدد البشرية ويفرض عليها إشكاليات في الانفجارات والتكدسات السكانية والتجمعات في أماكن مختلفة،وهذه التجمعات في الأماكن المعينة في المدن مثلًا، وترك البوادي،وترك القرى،وترك الأرياف،والصحراء وما شابه،هناك إشكاليات خطيرة البشرية اليوم تعجز عن تفسيرها لأنها لم تدرك كل هذه القضايا،لم تدركها مبكرًا،الأمر الذي أدى إلى حدوث خلل تعاني منه البشرية بصور متنوعة ومتعددة، وأيضًا مع إشكالية نقص المياة وقلة مواردها،ومنابع الأنهار وما يترتب عليها من مشاكل وربما حروب إلاواحدة من تلك النتائج المترتبة على عدم الاهتمام بقضايا الزراعة في مراحل مبكرة،هذه الإشكاليات الخطيرة عقَّب عليها القرآن في سورة الرحمن قال:{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} هذه الأية التي سماها البعض من العلماء والمفسرين أنها تكرار،وأنها كررت في نيف وثلاثين مرة في سورة الرحمن. الإشكالية ليست فقط قضية أسلوب التكرار،لأن هذه تناولها أيضًا كثير من علماء اللغة وقالوا عن أسلوب التكرار،وفوائد التكرار، وأن ليس فيه عيب في القرآن،هذه إشكالية لها مجالات أخرى سنتحدث عنها ولكن في هذه السورة هذه الأية في كل مرة ذكرت فيها جاءت تكمل معنًى فهذا لا يقال عنه تكرار،هذا تنويع،هذا تكامل في المعاني،السورة جاءت تبني علاقة بين الخلق وخالقهم (جل شأنه)،علاقة مبنية على الرحمة،ففي كل مرة ذكرت فيها هذه الأية العظيمة التي ميزت سورة الرحمن هي تبني فيك شيء،لأنك حين تتفاعل مع هذه الأية وتفهم المراد منها فينفعل العقل،ينفعل القلب،وينطق اللسان الجارحة بهذه الكلمة،هذه تبني فيك شيئًا في العلاقة،هذه تقوي علاقة العبودية بينك وبين خالقك،هذا استفهام انكاري،هذه ليس فقط الهدف منه التذكير بالنعم كما قال بعض المفسرين فحسب لا،الألآء ليست هي النعم ونحن نؤكد هذه الحقيقة،الألآء أوسع،أشمل،هي دلائل،أيات،علامات القدرة واللطف والحكمة والتدبير والرحمة،هذه الأية وهذا المعنى لابد أن يتأكد في نفس المتلقي،هذا ينبه المتلقي،ينبه على أي شيء؟ ينبه على ضرورة الربط بين الميزان وإقامة الوزن بالقسط وبين الالتفات إلى ما أنعم الله به على خلقه وسخر لهم (أرض،فاكهة،نخل، حب ذو العصف، والريحان) مقومات الحياة على هذه الأرض،هذه من خلقة الله (جل شأنه)،إذا لم يلتفت الإنسان إلى الاهتمام بها من هنا جاء{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} في سياق الاستنكار على من لم ينتبه إلى تحقيق الوزن بهذه الأبجديات التي نصت عليها السورة المباركة صار في أدنى خلل {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ثم إن أيات أُخر وضحت {يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ}(37) الحب والفاكهة والنخل والرياحين تسقى بماء واحد،وتزرع في أرض واحدة،وإذا بها تنبت بأشكال مختلفة،وأنواع متعددة،وألوان متنوعة،ومختلفة في الطعم،أليست هذه من ألاء الله؟ أليست هذه من دلائل قدرته وعظيم صنعه وعجائب خلقته؟ فإذا كان الأمر هكذا فبأي واحدة من هذه الألآء تكذبان؟ والمقصود بالمثنى الجن والإنس،هذه معاني تبني،هذه المعاني حين تبنى في الدرجة الأولى هذه لا تشابه المعنى حين تأتي في الأية التي بعدها،معنى مختلف،فلذلك قلنا ونؤكد أن هذا ليس تكرار.كثير من المسلمين حين يتعاملون مع هذه الأية في سورة الرحمن يقول لك:مكررة فيفسرها تفسيرًا واحدًا،ويفهمها معنًى واحدًا وبالتالي لا تتحقق مقاصد الأيات وذكر هذه الأيات في نيفٍ وثلاثين مرة في السورة،كل مرة جاءت تبني فيك شيئًا،كل مرة جاءت تحقق مقصدًا يختلف عن المقصد الذي قبله،ولذلك ما أجمل كلمة ابن تيمية (رحمه الله) حين يقول:”لا يوجد في القرآن تكرار محض،بل لابد من فوائد في كل خطاب” حتى يلفت الأنظار،حتى يهتم المتلقي بهذه الأيات ويبحث،وينظر في مقصد كل أية في موضعها حققت أم لم تحقق ماتروم أن تبنيه فيّ.ماالذي تروم الأية الأولى{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ؟ تريد منك أن تقيم الميزان في الأرض،كيف تقيم الميزان؟ تريد منك أن يكون لديك كفاية في الزراعة،أن يكون لديك تحقق في التوازن بين ما ذكر الله (جل شأنه) من هذه الأصناف والأنواع،تريد منك أن تستصلح الأرض،تريد منك أن تحقق على أقل تقدير حد الكفاية بمعنى أنك تأكل ما تزرع،ولا تصل إلى ما تصل إليه اليوم من مجتمعات عاله على مجتمعات أخرى لا تجد ما تأكله إن لم تستورد من غيرها.القرآن يريد من المجتمعات البشرية أن تأكل ما تزرع،وهذا لا يحصل هكذا،هذا يقرأ ضمن الأيات والسياقات والأحاديث المختلفة التي جاءت تحث الإنسان على الزرع والغرس،تدبروا في هذه المعاني.فلو أن الإنسان كذَّب بواحدة من تلك الألآء التي لا ينبغي وهو يباشر الزرع والغرس أن ينسى أن الأرض لا تنبت من تلقاء نفسها،ولا تنبت لأنه زرع فيها وغرس،وإنما الذي وضعها للأنام،فيبقى على تواضعه،ويبقى على إيمانه بالله،ويبقى على أن يسمي قبل أن يبذر بذرة أو يزرع غرسًا:”بسم الرب الذي خلق” حتى تتحقق الصلة بينك وبين خالقك،حتى تعلم أن الكون بأسره محراب للصلاة،وأن الأرض التي تزرع ثمة علاقة بين الأرض وبين هذا الذي يزرع،تلك العلاقة التي لابد أن تتوج بمقام العبودية للخالق (جل شأنه)،وأنت اليوم لو ذهبت إلى فلاح أو مزارع وسألته:ماذا تعني الأرض بالنسبة لك؟ أجابك:تعني كل شيء،تعني حياة أجداده الذين سبقوه،تعني حياته هو،تعني الحاضر الذي يعيش،والمستقبل الذي سيعيشه أبناءه،هذه معاني صعب أن يفهمها أو يدركها إلا من يزرع،إلا من يتصل بهذه الأرض،القرآن يؤكد أهمية الاتصال العاطفي والبنائي والإنساني والزراعي مع الأرض.هذا النص في كتاب الله المتواصل الذي يؤكد حقيقة اتصالنا بالأرض {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ (55)}(38) هذا الكم العظيم من الأيات في كتاب الله الذي يؤكد أهمية الاتصال بالأرض لأجل أي شيء؟لأجل أن تفهم أنك منها،وبها تكون،وعليها تكون،وعلى أرضها وسطحها تقيم علاقة الوزن،وتقيم الوزن بالقسط،وفي جوفها وفي داخلها ستسأل عن إقامة الوزن بالقسط،ومنها ستخرج للحساب على ذلك الميزان حين توضع الموازين الحق.تدبروا في هذه المعاني العظيمة{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} بأي نعمة؟ وليس النعمة فقط أنك تأكل وتشرب منها، الألآء أشمل،الألآء أوسع،بمعنى أخر:أنت كلما بذرت،أو زرعت،أو أكلت،أو تناولت،أو أعطيت،أو غرست عليك أن تفهم طبيعة العلاقة بينك وبين الله (جل شأنه).منذ البداية القرآن في سورة الرحمن يبني هذه العلاقة،علاقة العبودية على أساس الرحمة،الرحمة التي تتجلى في كل شيء،رحمة الله بك حين تبذر بذرة،رحمة الله بك حين تخرج من تلك البذرة الصماء التي لا أثر للحياة فيها،تخرج النبتة وتبدأ صغيرة ثم تكبر وتكبر وأنت ترعاها وتراقبها بعينك التي وهبك الله إياها،تسقيها بالماء الذي شق الله لك وأجرى به الأنهار،وأنت تراقب تلك البذرة،وتسقي تلك الغرسة،وتهتم بتلك الزرعة،هذه ما عادت فقط نبتة تراقبها وتعتني بها ويكبر وينمو معها إيمانك الذي في صدرك،علاقة العبودية التي تربطك بخالقك،علاقة الإحسان التي ينبغي أن تنعكس،تدبروا معي في الأيات وفي الأحاديث التي تكلمنا فيها عن الغرس،وأن القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد لك حتى إذا سُرِق من هذه الأرض ومما غرست فلك بها صدقة،هذه علاقة إحسان للخلق،إحسان للجائع،إحسان للمحتاج،ومن هنا نفهم معنى زكاة الزروع،والثمار،وحتى الخضروات في التشريع الإسلامي.لأجل أي شيء؟لأجل أن يأخذ منك ويجتث من جذور أعماقك ونفسك أي بادرة من بوادر وبذور الشح والبخل والأنانية والتركيز على الفردية والأنا،ويتخلص منها في سياق العطاء،وفي بحبوحة الكرم والسخاء،والبذل والجود،والإحسان لغيرك من الخلق ولو كان طيرًا،ولو كان وحشًا أو سبعًا،واربط معها وقول الله (جل شأنه) في سورة الرحمن{وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ (10)} الأنام ليسوا الجن والإنس فحسب،حتى السباع والوحوش والطيور وكل ما حولنا،هذه المعاني العظيمة التي تؤسسها سورة الرحمن منذ بدايتها. ثم إذا بالأية تنتقل تذكر الإنسان بأصل خلقته،قال:{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٍ كَٱلۡفَخَّارِ (14)} لماذا القرآن جاء بعد الحديث عن الأرض والنبات بخلقة الإنسان؟ حتى لا يحدث عندك طغيان في الميزان،ولا خسران في الميزان،ما العلاقة بين كل ذلك؟ الإنسان، خاصة إذا ما ربطنا في تلك الأيات والسور التي حدثتنا عن قضية الزرع،في سورة القلم على سبيل المثال القرآن يذكر ويسرد لنا قصة قوم زرعوا،حرثوا،وغرسوا،وعملوا،وأنتج الزرع،ولكن أرادوا أن يحرموا هذا الناتج الزراعي النبات الذي أنعم الله به عليهم يحرموا منه الفقراء والمساكين {أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ(24)} فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أن الزرع انتهى،كانت النتيجة أنهم{وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30)} وانتبهوا إلى الكلمة {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)} تدبروا المعنى (طَاغِينَ) بمعنى أي شيء؟ بأنه قد حصل طغيان في الميزان،تدبروا في الربط مع أيات سورة الرحمن،إذن المسألة ليست مسألة زرع فحسب،وليست مسألة غرس فحسب،واحدة من أعظم الأشياء التي تعينك على ألا تطغى في الميزان أن تذكر دومًا وتستحضر أصل خلقتك،قال:{مِن صَلۡصَٰلٍ كَٱلۡفَخَّارِ} والقرآن مرة يأتيني ويقول:{مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} ومرة يقول لي:{ مِّن تُرَابٍ} كلها في مواضعها تُفهم:{صَلۡصَٰلٍ كَٱلۡفَخَّارِ} شبه بالفخار،لأي شيء؟ لأن الفخار أيضًا يصنع منه الإنسان أواني وأشياء، وهذا معروف صناعة الفخار،من الأشياء والصناعات التي اهتم بها الإنسان منذ القديم،تعلمها منذ القدم،هذا الفخار الذي أنت تصنع الأشياء منه تستعين بها على حياتك تذكر أنك قد خلقت منه،خلقت من شيء يشبهه،ولذلك جاء بالكاف للتشبيه،هذا الربط لأجل أن يعطيك الفكرة وأنت تصنع،وأنت تباشر العمل الصناعي،والعمل الزراعي،والغرس والبذر لا تنسى أصل خلقتك. من الذي علمك {أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ}؟ لا تطغى في زراعة،ولا تطغى في صناعة،لأن عمليات التصنيع أيضًا الإنسان ممكن أن يتسلل الغرور والافتتان بما علمه الله فيها،والقرآن يريدك أن تقيم الوزن بالقسط.قال:{مِن صَلۡصَٰلٍ كَٱلۡفَخَّارِ} قال:{وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ (15)} مارج أي شهاب من نار،أصل الخلقة،لماذا يذكر القرآن الإنس والجان بأصل الخلقة؟ حتى نفهم ونستوعب هذا الصلصال الذي هو كالفخار أنت كأنسان أقصى ما تستطيع أن تصنع منه أواني معينة،أواني فخارية،وهذا المارج الذي هو من النار ممكن أن تصنع وتستفيد منه بأشياء معينة وتدخله في صناعاتك،ولكنك لا يمكن أبدًا أن تتخيل أنك ستصنع أشياء أكبر من هذا كالإنس أو الجن من هذه المادة الخام التي أنت تستعملها.من الذي له القدرة أن يخلق إنسانًا من صلصال كالفخار وله القدرة أن يخلق الجان من مارج من نار؟ وأنت تقف قدرتك عاجزة لا تستطيع أن تفعل شيئًا من هذا،من هنا جاء بقوله:{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16)} بمعنى مختلف،بمعنى أخر:أنت مهما بلغت من العلم والفهم والتقدم والتطور والاكتشاف والاختراع لن تتمكن أبدًا أن تصنع من صلصال كالفخار إنسانًا،ولن تتمكن أن تصنع من مارج من نار جنًا،فلا الإنس يستطيع أن يخلق إنسًا ولا جنًا،ولا الجن يستطيع أن يخلق جنًا من مارج من نار.تدبروا في هذه المعاني،معنًى أخر حتى تؤسس{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}معنًى جديدًا في قلب العلاقة مع الله سبحانه،ترتقي بك،ترتقي بنا ونحن نقرأ هذه الأيات. ولا نكذِّب بشيء من ألاءك،لأجل أي شيء؟ لأجل هذه الأيات العظيمة المباركة التي تؤسس فيّ معنى جديد.نحن نعلم تمامًا أن الإنس ومنهم كفار قريش والكفار عامة وغيرهم وحتى في زماننا اليوم يعتقدون بأن الجن قادر على أن يصنع أشياء كثيرة جدًا،ممكن بالفعل ولكن بما مكنه وسخر الله له أن يفعل أشياء لا تستطيع الإنس أن تفعلها،صحيح ممكن،ولكن تدبر معي في هذه الأية العظيمة التي جاءت تبين أصل خلق الجن والإنس،لأجل أي شيء؟ لأجل أن تبين وتوضح لك عجزك،هذه الأشياء موجودة لديك، وأنت ممكن أن تستعملها،وأنت خلقت منها ولكنك عاجز دومًا وأبدًا عن أن تخلق شيئًا يماثلك أو يشابهك من جنس ما سخر الله لك،لأن الله (سبحانه وتعالى) سخر لك الصلصال الفخار وتصنع منه أواني،وسخر كذلك للجن التي هي من مارج من نار أن يستعملوا النار ويتعاملوا معها بطرق مختلفة بما سخر الله لهم،ومنها ومن أصلها من مارج خلقهم حتى يتضح للإنسان وللجان العجز الحقيقي،وأن القادر الذي لا يعجزه شيء هو الخالق (جل شأنه)،فإذا ما استقر في قلب الإنسان أن الإنس والجن عاجزون أمام قدرة الله سبحانه،نسبيون أمام مطلق قدرته وحكمته وتدبيره،استقر في قلب الإنسان أن لا أحد يملك له نفعًا ولا ضرًا من دون الله (سبحانه وتعالى)،هذه حقائق تبنى في سورة الرحمن فكل {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}تبني فيك معنًى جديدًا،هذه حين تذكر في سياقها تبني هذا المعنى العظيم،تبني معنى جديد يختلف عن الأية الأولى{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} الأولى كانت تنبهك على شيء يتعلق بالزراعة،ويتعلق بالاكتفاء الزراعي والنباتي،ويتعلق بتواضعك وإنسانيتك وإحسانك وتعاملك مع ما خلق الله بالإحسان، حتى لا يصير في طغيان ولا خسران في الميزان،حتى لا تحرم حيوانًا من أكل أو طعام،ولا كذلك تحرم النبات،حتى تحقق توازن بيئي في حياتك على الأرض،وهذه الأية التي جاءت بعدها بعد الحديث عن أصل خلقة الإنس والجن،تحقق الاستشعار بعجز الإنسان أمام قدرة الله سبحانه التي لا يعجزها شيء”أشهد أن الله على كل شيء قدير،وأن ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن،أعلم أن الله على كل شيء قدير”،وبالتالي تتخلص البشرية من ذلك الخنوع والخضوع والخوف والاستسلام لعالم الجن،تدبروا معي في هذه المعاني،في الجاهلية كانوا إذا نزلوا منزلًا في الظلام وفي الليل قالوا:نعوذ بسيد هذا الوادي،يقصدون من الجن،واليوم البشر ومنهم الكثير يدفعون ألاف من أموالهم لأجل أن يتخلصوا من مخاوف تتعلق بالجن الذي هو سبب لما هم فيه من أحوال غريبة،ويدَّعي البعض أنهم يستعينون بالجن ويعملون ويسوون كذا وكذا.انظر إلى عجز الجن الذي خلق من مارج من نار {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16)} بقدرته على الجن والإنس؟ بقدرته على أن يعمل مما ترون وهو بين أيديكم يصنع ويخلق منه إنسانًا،ويخلق منه جانًا،وأنتم أمامكم اليوم التراب والصلصال كالفخار،والنار والمارج منها،اصنعوا ما تصنعوا ستأتي التحديات في أواخر السورة،تدبروا معي في الربط،قال:{ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(16)} هذه المعاني العظيمة التي تتجدد،هذه المعاني التي تجدد علاقة العبودية بينك وبين خالقك،وإذا بالأيات تنتقل فيقول سبحانه:{رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ (17)} مادخل المشرقين والمغربين؟ والقرآن ذكر في سور أخرى:{ رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} وأيضًا{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40)}(39) إعجاز،في وقت نزول القرآن ما كان العالم ولا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا البشرية تعرف لا مشرق ولا مغرب،وتعرف أن المشارق مختلفة عن المغارب،وأن هناك على الأرض أكثر من مشرق، فالشمس تشرق في مكان وتغرب في مكان أخر على الأرض،وبحكم دورانها حول الشمس لهامشرقين ولها مغربين ولها فصول متعددة، وبحكم هذا التنوع في المشارق وفي المغارب،سواء كان المثنى وكان الجمع،هناك فصول متعاقبة،وهناك ليل ونهار،ودوران حول الشمس وحول الأرض،هذه المعلومات الدقيقة بقطع النظر عن جوانب الإعجاز أو ما يرغب البعض في الإطلاق عليه بأنه الإعجاز العلمي، وما توصل إليه وكشف عن بعض جوانبه العلم،وما يزال البعض الأخر يقف عاجزًا عن تفسيره وفهمه القرآن جاء به،ولكن لماذا غلَّفها هكذا بــ (رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ)؟ حتى تفهم.تدبروا في الترابط والوصل،فقال:{وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ (10)} وما فيها من موارد وخامات،وما فيها من أصل خلق البشرية والجن،و{رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ (17)} حتى تعلم أن عوامل تعاقب المشرق والمغرب،لأن هو كل شروق وكل غروب،هذه عوامل زمنية.لماذا ربط سبحانه ما بين خلقة الإنس والجن وعوامل الزمن المشارق والمغارب؟هذا فيها ربط بعامل الزمن،الشروق والغروب يذكر الإنسان بأيام عمره،بأيامه ولياليه،بتعاقب الليل والنهار،هذه من أعظم الأيات في كتاب الله (جل شأنه) وفي الكون،يذكرك بأي شيء؟ يذكرك بمضي الزمن،يذكرك بأية الزمن،يذكرك بهذه الألآء العظيمة والتي منها قدرة الله على أن تشرق الشمس في موضع وتغرب في موضع أخر على نفس الكرة الأرضية،على نفس الكوكب، ويأتي العلم اليوم ويكشف لنا بأن هناك بعض الكواكب لها مشارق متعددة وكذلك مغارب،أو أكثر من قمر تابع،وبقطع النظر لا نريد الدخول في هذه النظريات،ولكن نريد فقط أن نفهم جانبًا من جوانب {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16)} في هذا الموضع بعد قوله (جل شأنه):{رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ (17)} فالذي جعل المشارق والمغارب والتعدد فيها،وجعل في يومك أنت تشرق وتغرب الشمس عليك وأنت تعيش،وأنت تتفاعل مع عامل الزمن فيك،يذكرك بأي شيء؟ يذكرك بأهمية إقامة الوزن بالقسط،وعدم الطغيان أو الإخسار في الميزان،تدبروا في الربط،لأن الأيات مترابطة مع ما قبلها،ففي مفتتح السورة كلَّف البشرية بالتكليف،ما هو التكليف؟ قال:{أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ (8)وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ (9)} هذه هي التكاليف،رسالتك على الأرض أجملها في مفتتح سورة الرحمن،فرب المشرقين والمغربين لأجل أي شيء هنا؟ أن يذكرك بهذه الألآء العظيمة،القدرة العظيمة على تعاقب الليل والنهار،وتعدد المشارق والمغارب في طول الأرض وعرضها التي هي مسرح الحياة،التي على سطحها عليك أن تقيم الوزن بالقسط ولا تخسر الميزان،فتعاقب الليل والنهار فينا يذكرنا بأن لدينا وقت محدد لابد أن ننجز فيه ما كلفنا به،وأن الوقت والعناية به وضبطه من أهم التكاليف التي ينبغي مراعاتها بعدم هدر الوقت،بعض المسلمين اليوم شباب وشيوخ،نساء ورجال يحرقون لياليهم ونهارهم،أعظم ما مكنهم الله فيه وهو الزمن،عامل الزمن،يجلس ساعات منذ شروق الشمس حتى غروبها وهو جالس متسمر أمام الهاتف لا يفعل شيئًا سوى ما يطلق عليه أو يسمى الترفيه من الألعاب أو ماشابه {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ألا يحدث فيك المشرق والمغرب،وتعاقب الليل والنهار وتغير الفصول فيك أية،حين تمر عليك الأيام والشهور والسنوات وتعددها هكذا ألا تحدث فيك تغييرًا؟ألا تجدد فيك إيمانًا؟ألا تسوقك نحو الخالق الذي عليك أن تكون عبدًا حقيقيًا له؟ألا تدفع بك نحو الترقي في مقام العبودية لله حين تتجلى لك بعض المظاهر من الرحمة؟ألا تفهم؟ألا تستوعب؟ألا تحقق فيك أية؟ألا تغير فيك شيء؟شمس تشرق، وقمر ينير في السماء،وليل تظلم به الأرض،وأنت لا تتحرك ولا يتغير في حياتك شيء؟ بعض الناس حين تسأله ما أخبارك؟ يقول لك:لا جديد،لاجديد وأنت في كل نفس من أنفاس الحياة تتجدد لك مئات النعم،وتتجدد فيك ومن حولك مئات وآلاف الألآء. لاجديد؟تدبروا معي كيف القرآن يجدد علاقة العبودية بين الإنسان وخالقه (جل شأنه) الرحمن،وهذا طرف حيث أننا لا نستطيع أن نلم بكل أطراف الأية،ولا بكل مفاهيمها،ولكن بجزء منها،هذه المعاني العظيمة التي تبني بصدق تجدد العلاقة بينك وبين الله سبحانه {فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} يالها من معانٍ عظيمة تجدد في الإنسان قيمة العبودية لله سبحانه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *