بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اليوم استوقفني جزء من آية في سورة آل عمران، الآيات التي تحدثت عن غزوة أحد وكلنا يعلم أن غزوة أحد وما حدث فيها كان من المواقف الصعبة جدا على المسلمين وتلك المواقف أراد القرآن من خلالها ومن خلال التعامل مع تلك الأحداث أن نتعلم منها درسًا بل دروسًا في حياتنا وتعاملاتنا. يقول الله عز وجل (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) آل عمران). استوقفني الجزء (قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) عشرات الأحداث والصعوبات والمصائب والنتائج السلبية تحدث في واقعنا اليوم كأفراد ومجتمعات ودول ونتساءل “أنى هذا” ولننا في كثير من الأحيان لا نقف على ما وقفت عنده الآية (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) صحيح كل ما في هذا الكون لا يخرج عن إذن الله سبحانه وتعالى وإرادته ومشيئته ولكن هذا لا يلغي الإرادة الإنسانية ولا الكسب الإنساني ولا العمل وإلا لم يكن هناك معنى لمحاسبة الإنسان ومسؤولية الإنسان عن أفعاله، ما يحدث في واقعنا كمجتمعات ودول وأفراد في غالب الأحيان إنما هو من عند أنفسكم فيما يتعلق بالمسؤولية الفردية.
استوقفني هذا الجزء من الآية لأننا في كثير من الأحيان حين تحدث إخفاقات في حياتنا لا نعزوها إلى أنفسنا ولا نعزو هذه الإخفاقات إلى مسؤوليتنا الفردية ولا نقف مع ذواتنا وقفة مراجعة ومحاسبة أنا ماذا فعلت فخرجت وتوصلت إلى هذه النتيجة السلبية؟ أو هذه النتيجة غير المرضية؟! ما الذي قادني إلى الإخفاق؟ ما الذي ينبغي أن أتعلمه وما الذي ينبغي أن أتجنبه في حياتي لكي لا تتكرر التجربة، لكي لا تتكرر الإخفاقات التي تحدث، لكي لا تعاود المصائب الكرة بعد الكرة في حياتنا ومجتمعاتنا. مقولة “التاريخ يعيد نفسه” هذه مقولة ينبغي أن نتوقف عن سردها بتلك العفوية الساذجة التي ما أصابتنا إلا في المزيد من المصائب. التاريخ لا ينبغي أن يعيد نفسه حين يتعلم الإنسان من ذلك التاريخ ومن أحداثه، الناريخ لن يعيد نفسه حين يقف المؤمن مع آيات الكتاب ويتعلم منها الدروس ويأخذ العبر ويتعلم أن لا يعيد التجربة الفاشلة مرة بعد مرة وإلا صار التاريخ، كل التاريخ مهزلة في حياة الأمم والشعوب! الشعوب والأفراد الذين لا يتعلمون من تاريخهم ولا من ماضيهم هم شعوب فعلًا يستحق الواحد منهم أن يعيد التاريخ عليه نفسه مرات ومرات ففي الإعادة إفادة كما يقال، وكثرة التكرار يمكن أن تعلّم الإنسان الذي لا يتعلم – لا أريد أن استخدم الكلمة في الأمثال السائدة- هذه الإخفاقات ينبغي أن نتوقف عندها. بعض الطلبة على سبيل المثال تسقط منهم الكلمات ليس سهوًا وإنما بطريقة عفوية لما يتعلمونه من واقعهم ومجتمعاتهم وأسرهم، حين يفشل في امتحان ما أو يحصل على درجة قليلة أو على أداء غير جيد، أول كلمة يقولها: أمي وأبي قالوا لي وعمي وخالي: أصابوك بعين! أيّ عين تلك التي نتحدث عنها؟! وهل كل العيون فقط تصيب عالمنا العربي والإسلامي تحديدًا؟ تصيبنا كأفراد ومجتمعات وشعوب ودول؟! ما بال تلك العين لا تصيب إلا نحن؟! أيّ عين تلك التي أصبحنا نرد إليها الإخفاقات والفشل واليأس الذي بات يسيطر علينا من الداخل ويهزمنا من الداخل لا من الخارج. (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) هو من عند نفسي التي ينبغي أن تتعلم الدرس وتقف وتسأل وتحاسب وتكتب بالورقة والقلم لماذا حدث ما حدث؟ ليس لأجل أن أجترّ الماضي وأبكي عليه وأندب حظي! فالمسألة ليست فيها حظ، الحظ في القرآن هو العمل، الحظ لا يمكن أن يكون عملية صدفة وربط للأحداث بدون شواهد.، هذا لا يمكن أن يكون. ما نريد أن نستخلصه اليوم ونحن في هذا اليوم يوم الجمعة ونحن ما يفصل بيننا وبين رمضان إلا ايامًا معدودة سرعان ما تأتي علينا هذه الأيام وتذهب ويأتي فيها رمضان نسأل لله تعالى أن يبلغنا رمضان على خير وبركة على خطوات جديدة نحاسب فيها أنفسنا نتعلم فيها من ماضينا، نتعلم فيها من إخفاقاتنا. ليس العيب أن نفشل ليس العيب أن نخوض تجربة وتجربتين وأكثر ولا يحالفنا النجاح ولكن العيب كل العيب أن لا نتعلم من كل تلك التجارب الفاشلة التي نمر منها. العيب كل العيب أن لا نخرج من التجربة الفاشلة أصلب عودًا وأصفى ذهنًا وأسرع إدراكًا وأكثر فهمًا وعمقًا ما أصابنا وما يصيبنا وأكثر توقعًا وإدراكًا وحذرا في الأيام المستقبلية في الخطوات التي نخطوها، في القرارات التي ينبغي أن نتخذها في حياتنا، علينا أن نتعلم من أخطائنا كما يعلمنا القرآن في كل تلك المواقف التي يعرضها لنا.
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)