تفريغ سمر الأرناؤوط – موقع إسلاميات حصريًا
بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول الله عز وجلّ في سورة الأنعام (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165) الأنعام) سبحانه الذي جعلنا خلفاء في عمران الأرض يخلف بعضنا البعض ورفع بعض الناس فوق بعض درجات وهو واضح في واقعنا درجات في العلم، درجات في المال، درجات في الجاه، درجات في المواهب، ولكن لماذا ذلك التفاوت والاختلاف والتباين؟ ليختبركم فيما آتاكم من هذه الأمور (لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) والكلام في الآية هنا (لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) واضح جدًا أن الغاية مما وهبنا الله سبحانه وتعالى الاختبار والابتلاء، إذن كل ما أوجد الله سبحانه وتعالى لي من مواهب خاصة بي أنا أنا قد تفرّدت بها بشكل أو بآخر إنما هي من قبيل الاختبار الخاص بشخصي والذي قطعًا سأحاسب عليه لأنه جاء في ختام الآية (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ) لمن عصاه لمن وظف تلك الإمكانيات والمواهب والتفاوت في الدرجات في مخالفة نهج الله سبحانه وتعالى الذي أوضحه في كتابه الكريم وفي نفس الوقت سبحانه غفور رحيم لمن وظف تلك الإمكانيات والتفاوت من مواهب ومال وجاه وعلم في تطبيق أوامر الله عز وجلّ في حياته وفي واقعه. حديثنا اليوم عن تلك المواهب، حديثنا اليوم عن الإمكانيات التي نحظى بها، هذه موضع اختبار، هذه موضع الابتلاء في حياتنا وبالتالي حتى الوظائف التي نتدرّج بها هي من قبيل الاختبار. أنا حين أعمل مدرّسًا أو أعمل موظفًا هذا شيء صحيح يبدو لي في شكله الظاهري أنه وظيفة قد وظِّفت بها من قبل الجهاز الذي أنا أعمل فيه لكن في واقع الأمر هو مسؤولية هو ابتلاء فيما آتاني الله عز وجلّ حين أرد الأمور إلى مكانها الحقيقي الصحيح. حين أكون طبيبًا مسؤولًا عن مرضى، مسؤولًا عن مجموعة من الناس هذه من الإمكانيات التي ربي سبحانه وتعالى آتاني وبالتالي أنا في موضع اختبار صباح مساء ليل نهار (لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ). حين أشتغل في سلك التعليم الذي أكدناه ونؤكده وتركيزنا على قضية التعليم لأهمية التربية والثقافة والتعليم في حياتنا، دعامة من دعائم المجتمع ولذلك القرآن في عدد كبير جدًا من الآيات الكلام حاضر عن قضية التعليم ولا تنحصر الآيات والقضايا المتعلقة بالتعليم في جهاز التعليم وحده في كتاب لله ولكن كل أشكال وأصناف التعليم بكل الأجهزة المختلفة فالمجتمع الذي أراد القرآن صناعته مجتمع ليس فيه إلا عالم ومتعلم والعالِم يبحث عن الاستزادة في التعلم والمتعلم يطمح إلى الزيادة في التعلم والتعليم. إذن لو عدنا مرة ثانية إلى قوله عز وجلّ (لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) أصبح ما يوكل لي من مهام هذا موضع اختبار، إتقاني وقيامي بالعمل لأجل أن يحقق الهدف الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون، هذا هو المحطّ، محطّ الاختبار ولو نظرنا إلى واقعنا اليوم لوجدنا أننا في كثير من الأحيان قد ابتعدنا عن هذه النظرة القرآنية العظيم، أصبحنا ننشغل فيما بيننا من التفاوت، فلان أكثر مني مالًا، فلان حصل على كذا ولم أحصل على كذا، أصبح ما يشغل الكثيرين في حياتهم ما يشغلهم هو النظرة في قضة التفاوت والاختلاف والتباين بين البشر في المواهب في العطاءت هي التي هي في المحصلة عطاءات إلهية ولكن لا ننظر أبدًا إلى مغزى تلك العطاءات. الإنسان على سبيل المثال حين يعطى العمر، العمر في حد ذاته عطاء هو رزق هو نوع من الأصناف التي تدخل في قوله (لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) فلان من الناس قد يعطيه الله عز وجلّ سبعين عامًا من العيش، من الحياة، وشخص آخر قد يعطيه ربي عشرين عامًا، هذا أعطاه سبعين وذاك أعطاه عشرين، النظرة هنا لا ينبغي أن تكون إلى التفاوت والمقياس في عدد السنوات التي أعطاها ربي سبحانه وتعالى هذا الأمر يعود لحكمته وتقديره سبحانه لكن أنا كإنسان مطلوب أن أنظر في قضية الاختبار ماذا أستطيع أن أقدم في السنوات التي أعيش فيها ولذلك من حكمته عز وجلّ أنه أخفى سنوات العمر التي سنقضيها على الأرض، لا نعرف هل سنعيش عشرين عامًا هل سنعيش أكثر أقل؟ لا نعرف، فإذا كنا لا نعفر هذه المعرفة فإذن هي داخلة في قضية الاختبار أن أفعل أقصى ما استطيع فعله ضمن الإمكانيات التي توكل إليّ وتتاح لي ولكن أستعملها في أيّ شيء؟ حدَّد الغاية فقال (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ) كل ما وهبني الله عز وجلّ من مال أو رفعة أو علو درجة أو منصب أو موهبة كل ذلك يوظف في سبيل الغاية التي ربي سبحانه وتعالى خلقني لأجلها: إعمار الأرض. إذن هي ليست مسألة محصورة في نوعية من الأعمال ربما أنت قد وُهبتَ مالًا وغيرك وهبه جاهًا، لا تنظر إلى ما ليس عندك وانظر إلى ما في يدك وتأمل في المنتوج الذي ستنتجه، المنتج، المُخرج الذي سيخرج نتيجة للك الموهبة التي أعطانا الله سبحانه وتعالى. بعض الأشخاص ربي سبحانه يعطيه إمكانيات مهولة ولكن الأعمال التي يُخرجها من ذلك لا تساوي إلا الشيء اليسير البسيط، هذا يتنافى مع هذه الغاية. حين يعطيك ربي الكثير وينعم عليك سبحانه بالكثير وكل ما أنعم الله علينا به فهو كثير لكننا نتفاوت في طبيعة النظرة إلى ما أعطانا الله عز وجلّ. ينبغي أن يكون التركيز ليس على ما أعطاني بقدر ما يكون ماذا أستطيع أن أفعل بما أعطاني الله عز وجلّ؟. وحين يتحول السؤال عند هذه النقطة: ما الذي أستطيع أن أقدّمه من خلال موقعي ومن خلال إمكانياتي يتحول المجتمع كل المجتمع إلى ساحة للإبداع والإتقان ساحة للتنافس المحمود، لا يمكن في تلك الأجواء أن يبرز الحسد كمرض اجتماعي لأن الحسد عقدة نقص، عقدة شعور بأن الآخر يمتلك شيئا أنا لا أملكه ولكن المؤمن الإنسان الذي يربيه القرآن أراد له أن يخرج من تلك النظرة المادية المحدودة إلى فضاء أوسع فضاء يحرره من دوافع الحسد والنظر إلى ما يمتلكه الاخرون، إلى التركيز على ما قد وهبني الله سبحانه وتعالى من نعم لاستخدامها ولتوظيفها في القيام بعمل الخير وعمل كل ما هو نافع يعود بالخير عليّ وعلى غيري وذلك هو محكّ الاختبار