تفريغ سمر الأرناؤوط – موقع إسلاميات حصريًا
بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ربنا يتساءل الكثيرون منا يا تُرى ما الحكمة فيما نتعرض له من مواقف في حياتنا من أحداث تمر بنا، من تجارب، من آلآم، من أحزان، من هموم، من مكدّرات، من ابتلاءات أحيانًا في المال أحيانًا في الجسد أحيانًا في الأهل أحيانًا فيمن نحب، يا ترى لم نتعرض لكل هذا؟ وربما أول كلمة تخطر على البلاء كلمة “الابتلاء” أن الدنيا دار ابتلاء، دار امتحان. ولكن السؤال الذي يبقى دائمًا يدخل في أذهاننا وأحيانًا كثيرة لا نستطيع أن نتوصل إلى إجابة له: لماذا الابتلاء في الأصل؟ ولماذا الاختبار في الأصل؟ وكلنا نؤمن كمسلمين بأن الله سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة، يعلم السر وأخفى وأنه علام الغيوب فهو يعلم بنا مسبقًا وبأننا سننجح أو لا ننجح في تلك الابتلاءات، يعلم في سابق علمه سبحانه وتعالى من منا الذي يستطيع أن يصبر ويتعرض لذلك الامتحان والبلاء ولكنه لا يضعف ومن منا قد يتعرض لأقل من تلك المواقف والصعوبات ولكنه كذلك ربما يضعف وربما ينهار في إيمانه أو في علاقته مع الله عز وجلّ، فلِمَ الابتلاء؟ واقع الأمر أن كثيرًا مما يدور في أذهاننا يرتبط بطبيعة الإجابات الأولية التي ينبغي لنا دائمًأ أن نستحضرها في علاقتنا مع الله سبحانه في فهمنا للحياة التي نحن نعيش فيها الآن. ربي سبحانه وتعالى بيّن لنا ومنذ أن خلقنا أن هذه الحياة بطبيعتها لا يمكن أن تصفو لبشر وأن وجود الأكدار والمنغّصات فيها قضية أساسية قضية لا تخرج عن طبيعتها، طبيعة الدنيا هي هكذا!. شيء مشابه تقريبًا لما يحدث لنا حين نقدّم على وظيفة أو طلب عمل فيأتي توصيف في نفس الفقرة التي يأتي فيها الإعلان عن الوظيفة والتقدم للوظيفة ثم وصف المهام التي يقوم بها الشخص من خلال وظيفته. المهام التي أوكلت إلينا ونحن على هذه الأرض ربي سبحانه وتعالى بينها واضحة جدًا في كتابه الكريم، ربي عز وجلّ بيّن لنا بأن فعلًا طبيعة الدنيا أنها لا يمكن أن تسير على وتيرة واحدة، إن صفت يومًا تكدّرت أيام، إن علا فيها الإنسان يومًا ربما يأتي يوم آخر بشكل ثان تمامًأ يختلف عن الأول! تقلّب الأحوال فيها من طبيعتها، تغيّر الأمور، المداولة فيها بين الناس والتفاوت في الأدوار شيء طبيعي من طبيعتها ومن شكلها وبالتالي لا مجال لأن يتساءل العاقل المدرك لطبيعة الدنيا عن الحكمة من وراء تلك الابتلاءات ولمَ نبتلى ولمَ نُمتحن؟ يقول الله عز وجلّ (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ). إذن سواء أكان الامتحان أو الابتلاء في أمر نحبه ونرى في ظاهره أنه خير أو زيادة أو انفتاح في شيء معين، في مجال ما من مال أو رزق أو أولاد أو ما شابه وكذلك في حالة النقص في صحة أو في مال أو في ولد أو فيمن نحب، إقبال أو إدبار الدنيا، كل هذه الأحوال هي لا تخرج عن طبيعة الدنبا أبدًا الزيادة كما النقصان، الصحة كما المرض كلاهما ابتلاء، كلاهما اختبار كلاهما امتحان وفي كلتا الحالتين لا تخرج الدنيا عن طبيعتها التي وصف ربي سبحانه وتعالى فيها ولكن ليست الإشكالية أن نُبتلى. أخطر إشكالية أن نُبتلى وأن نُمتحن في أمور متعددة ونحن طول الوقت نُمتَحن، كل أيام الدنيا وإلى أن نخرج منها نحن في امتحانات متعددة لا نضع الأقلام فيها أبدًا، كل ما هنالك أننا لا ندرك وأننا نقدم ذاك الامتحان أننا بالفعل في قاعة امتحان كبير جدًا اسمها الدنيا والحياة، وقته هو ذلك العمر الذي حدده وكتبه ربي عز وجلّ لنا، سيقال لنا في يوم من الأيام: انتهى الوقت وتحفظ الإجابات وتُكتب كل تلك الإجابات وقد كُتبت ودوّنت وربي سبحانه وتعالى قد حفظها في كتاب مبين حين يوفّي لنا الأعمال ويوفّي لنا الجزاء. إذن ليست الإشكالية في الامتحان وليست في طبيعة الأسئلة ولكن الإشكالية الأكبر في كيفية الإجابة عن تلك الأسئلة إذا ما أدركت أن كل ما أمر أنا فيه وكل ما أمر به من أحداث إنما هو عبارة عن أسئلة في أوراق امتحان، واستقر في قلبي وفي نفسي أن هذه هي طبيعة الدنيا استطعت أن أتعامل مع كل تلك الامتحانات بنفسية مختلفة لا بنفسية مضطربة قلقة لا تدرك الحكمة من وراء كل تلك الأحداث، نفسية هادئة مستقرة تتعامل مع الابتلاء لترى كيف يمكن أن تحصّل أحسن إجابة على ذلك السؤال، لا تقف أبدًا عند: لِمَ السؤال؟ السؤال قضية مفروغ منها، لا بد أن تُسأل. فلا يسأل الطالب حين يدخل الامتحان لِمَ أنا أُسأل؟ وليس كذلك من العقل ولا من الحكمة في شيء ولن يعود على الإنسان بمصلحة أن يبقى واقفًا متجمدا في مكانه يتساءل لم الأسئلة صعبة ولم جاءت طبيعتها بهذا الغموض أو عدم الوضوح كل ذلك لا يجدي نفعًا ولا يأتي بخير ولا يقدم إضافة حقيقية لطبيعة الإجابة التي قد طولبنا بها، إنما ما يقدم فعلًا الإضافة لحقيقية هو التعقل والتبصر والنظر في كيفية تقديم الإجابة بأتم ووجه بأحسن ما يمكن. هذا النوع من التفكير يعدل تمامًا طريقة التعامل مع الابتلاءات والامتحانات المختلفة التي نتعرض لها، لا تصبح المسألة الانغماس والإفراط في تفاصيل السؤال أو ما نتعرض له في مواقف مختلفة في حياتنا ولكن كيف يمكنني أن أحوّل ذلك الموقف لإضافة نوعية في عملي في علاقتي مع الله عز وجلّ سواء أكان ذلك الموقف يروق لي أو جاء على هواي أو ما تحبه وترغب فيه نفسي أو لم يكن كذلك، تبقى فقط الإجابة والتفكير السليم هو الذي يهديني لأحسن إجابة، لأكثر ما يمكن أن يقربني إلى الله عز وجلّ لتصبح بعد ذلك كل الإجابات مختلف المواقف، مختلف الصعوبات، الصحة، المرض، المال، نقص المال، ضائقة مالية، إشكاليات في تربية أولاد، إشكاليات في العمل، إشكاليات مع الأهل كل الأشكال المتنوعة التي كلنا نشترك في نهاية الأمر كبشر في مواجهتها نقصانًا أو زيادة كلها تصبح مواد للإجابة على تلك الأسئلة، مواد تقرّبنا إلى الله سبحانه وتعالى. وقطعًا حين نُدرك هذه الحكمة ونضعها دومًا في أذهاننا تستقر النفوس، تهدأ العقول وتبدأ بالفعل تبحث عن كيفية الإجابة ولا تدور في حلقة مفرغة حول الحكمة من وضع الأسئلة.