تدبر آية: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلنا يحب البيوت العالية المرتفعة خاصة تلك الرفيعة في مكانتها، في علوّها، ولكن القرآن العظيم يقدم لي نوعًا من أنواع العلو ربما لم ننتبه إليه كثيرًا. تأملوا قول اللهعز وجل في سورة النور (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ﴿٣٦﴾رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴿٣٧﴾ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿٣٨﴾) بيوت تُرفع، غالبية المفسرين على أن المقصود بتلك البيوت التي أذِن الله لها أن تُرفع ليست المساجد فحسب إنما هي لكل البيوت. البيت الذي يريد أن أهله أن يُرفع فعلًأ هو ذلك البيت الذي لا ترى فيه إلا ساجدًا أو راكعًا أو ذاكرًا أو مسبِّحًا أو مستغفرًا لله بقلبه أو بلسانه أو بعمله. هكذا تُرفع البيوت، هكذا ترتفع البيوت بمنزلتها ولذلك البيوت المرتفعة العالية التي رُفعت بذكر الله عز وجل ينظر إليها أهل السماء كما ينظر أهل الأرض إلى النجوم، لها نور، لها خاصية إشعاع بفضل ذلك الذكر والتلاوة لكتاب الله فيجنباتها. البيوت لا ترتفع بأعمدة الرخام ولا تزدان بالزينة والزخارف والديكورات والمبالغة في تزيين الأسقف والقبب ووضع أشياء مختلفة خارجة عن طبيعة البيت لمجرد أن نزيّن الشكل أو الظاهر فيها. البيوت لكي ترتفع حقًا وفعلًا وواقعًا ترتفع بذكر الله، ترتفع بتلاوة كتاب الله، بتدارس أبناء ذلك البيت لآيات الكتاب العظيم، تراهم يدرسونه بينهم، تراهم يعقدون جلسات صغيرة، أب، أم، مع الأبناء ومع البنات، يتدراسونه فيها بينهم، يتفقون فيما بينهم على موعد لأجل الحفظ والتسميع، يذكّر بعضهم البعض بأوقات الصلاة ما إن يرتفع الأذان حتى تراهم يهرعون إلى مكان الصلاة، يصلّون جماعة ويصلون فرادًا ويذكرون الله قيامًا وقعودًا ويذكِّر بعضهم البعض. هكذا ترتفع البيوت.
بيوت اليوم في كثير من الأحيان الملفت للنظر فيها أن أصحابها أصبحوا يفرّون منها لا يفرّون إليها على الرغم من كل تلك الزخارف والجماليات الموجودة فيها، لا تراهم في البيوت كثيرًا. أبناء اليوم، الشباب تراهم يخرجون في الخارج كثيرًا جدًا تارة في الأسواق وتارة مع الأصحاب،أين البيوت التي تجمع هؤلاء الأبناء؟ أين البيوت التي تكون فيها السكينة وتكون فيها الراحة وتكون فيها الطمأنينة حتى أن الأبناء والأسرة والأب والأم لا يكادون يخرجون منها حتى يشتاقون للعودة إليها؟ أين تلك البيوت؟! ولماذا كل هذه الفخامة في بعض البيوت ولا نجد هذه المواصفات من الطمأنينة والسكينة؟! لماذا كل هذه الوسائل التي جعلت شكل الأشياء أجمل وأحلى صورة ولكن في واقع الأمر المخبر لا يأتي بذلك الجمال ولا يتسق مع مع ذاك الجمال، أين النقطة المفقودة في بيوتنا؟! تأملوا في هذه الآية العظيمة (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) يا رب لمَ أنت لهذه البيوت أن تُرفع؟ الأمر له بإذنه، لا يُطاع سبحانه إلا بإذنه، لماذا أذن الله سبحانه وتعالى لتلك البيوت أن تُرفع؟
تأملوا الآية التي تليها مباشرة (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴿٣٧﴾) هنا مفتاح الإجابة. هذه البيوت فيها أناس لم تأخذهم الدنيا بعيدًا، لا التجارة ولا البيع ولا كل وسائل العيش الموجودة في واقعنا ومجتمعاتنا لم تأخذهم بعيدًا عن الله، ذكر الله في قلوبهم، في نفوسهم أنفاس الحياة التي تدخل وتخرج تنبض وتتعطر بذكره سبحانه. كل مشاغل الحياة العادية اليومية التي ربما أخذت الكثيرين منا معها لم تأخذ هؤلاء القوم، ما شغلتهم عن الصلاة! البعض منا الآن في هذه الأيام يسمع الصلاة، يسمع الأذان ولكن يسوّف ويؤخّر في أوقات الصلاة وتأديتها إلى أن يفوت الوقت، لماذا؟! لماذا أخذت منا الدنيا كل هذا الحيز والمساحة من اهتمامنا؟!لماذا لم نعد نضع الأمور في نصابها الذي ينبغي أن توضع فيها؟! لماذا ما عاد ذكر الله عز وجل رقم واحد في حياتنا؟! لماذا غيرنا الأمور؟! لماذا بدّلنا في مواقع الأشياء التي ما كان لها أن تبدّل؟!هل هذه الأسباب هي التي جعلت لبعض بيوتنا ما جعلت من شيء من الوحشة وعدم الأنس فيها؟! هل فقد في بيوتنا ملمح الأنس والطمأنينة بسبب ربما هذه الأشياء؟! هذه أمور لا بد أن نتوقف عندها. البيوت التي فعلًأ يُذكر فيها اسم الله لها شكل خاص طعم خاص مذاق خاص لا يدركه ولا يعرفه أبدًا إلا من كان يعيش في تلك البيوت يرى فيها شيئًا من السكينة، والسكينة لا ترتبط بفخامة البناء يمكن أن يكون البيت متواضعًاجدًأ في غاية البساطة ولكنه له حظ عظيم من الرفعة والمكانة عند الله سبحانه وتعالى ينظر إليه أهل السماء بنوره بالإشراق الذي فيه من ذكر الله عز وجل من تلاوة كتابه عز وجل من الوقوف بين يديه آناء الليل وأطراف النهار فلنحيي بيوتنا من جديد بهذا الذكر العظيم لنعطِّر أرجاء بيوتنا بتلك الرائحة الزكية من ذكر الله عز وجل وتلاوة آياته. هذه الأشياء غير المادية المعنوية هي التي تنير البيوت فعلًا هي التي ترتفع بالبيوت هي التي تجعل بيوتنا اليوم فيها شيء من الرحابة فيها شيء من السعة البيت لا يتسع فقط بحجم الحجرات التي فيه ولا بحجم البناء ولا بالأعمدة التي فيه البيت يتسع بأهله بنفوس أهله وما من شيء تتسع به النفس وينشرح به الصدر كذكر الله عز وجل وتلاوة آياته العظيمة. ولك أن تتخيل وأنت تستمع إلى ما نتخاطب به الآن، نحن نتدارس كتاب الله عز وجل، تأمل في أعماق قلبك ألا تتلمس مواطن الصفاء؟ ألا تشعر بارتياح؟ ألا تحسّ بتلك الطمأنينة والسكينة؟ هذه ثمرة التدارس في كتاب الله عز وجل، هذه ثمرة لا تباع ولا تشترى ولا بكنوز الدنيا كلها! هذه تؤخذ من هذا الكتاب العظيم كلما ازددت قربًا منه وذكرًا لله عز وجل اطمأنت نفسك، استراحت الروح التي تبحث عن غذائها في عالم مليء بالماديات والحسيات أرواحنا تعبت، أنفسنا تعبت، آن لها أن ترتاح ولا راحة لها أبدًا بعيدًا عن كتاب الله عز وجل (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴿٢٨﴾ الرعد).
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *