تدبر آية: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ

تفريغ سمر الأرناؤوط – موقع إسلاميات حصريًا

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والآه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تكلمنا في لقاءات سابقة عن عدم التلبّس بالسكوت أو الصمت، اللوذ بالصمت أسوأ قرار أن يتخذه إنسان أن يلوذ بالصمت في موضع ينبغي أن يتكلم فيه حين يرى الحقائق أمام عينيه تُنتهك ولكنه يسكت، يؤثر السلامة يؤثر عدم تحدث الناس عنه بشيء يسوء، يؤثر أشياء كثيرة، هناك عشرات المبررات لنا حين نتخذ قرار الصمت والسكوت ونحن نرى المنكر ونرى الأخطاء وتكلمنا كذلك أننا أحيانًا لا ندرك أبدًا أننا بسكوتنا وصمتنا وسلبيتنا قد أعطينا شرعية لتلك المنكرات والأخطاء، ووقفنا عند آيات في كتاب الله تبين أن ذلك أبشع ما يمكن أن يقوم به أفراد المجتمع أن يصبح العرف السائد أن يسكت الأفراد بعضهم عن أخطاء بعض، أن لا يُنكر أحد منهم على الطرف الآخر ما يقوم به من قبيح فعل أو من قبيح قول أو فحش أو ما شابه. وذلك لا يعني أبدًا أن يكون الإنسان فظًا أو غليظًا في أسلوبه وكلماته وطريقته، أبدًا، القرآن العظيم يعلّمنا على سلوك أحسن الطرق والوسائل أفضل الطرق في سبيل توصيل المعلومة وتبيان الخطأ وإنكار المنكر وتعريف المعروف والسير عليه ولكن قطعًا القرآن يجعل من الصمت أسوأ قرار في مثل هذه المواقف,

إننا في المجتمع نعيش في سفينة واحدة، نبحر في سفينة واحدة، المجتمعس سفينة وهذه السفينة تسير بنا جميعًا ومن حق المجتمع ككل أن يمنع وأن يحمي أفراده من السقوط في الرذائل أو في الأخطاء والمنكرات هذه الحماية لا تعني وصاية من أحد على أحد ولكن هذه الوصاية تعني تكافل، تعني تعاون تعني تعاضد فالمخطئ منا وكلٌ منا معرّض للخطأ بحاجة إلى إنسان يأخذ بيده، بحاجة إلى إنسان يعيده من جديد إلى جادة الصواب ولكننا حين نؤثر الصمت ونؤثر السلبية ونؤثر السكوت في الموضع الذي ينبغي أن نمد فيه يد العون والمساعدة بكلمة حانية بكلمة طيبة بتبيان حق أو ما شابه، حين نفعل كل هذه الأمور إنما في واقع الأمر ندفع بذلك المخطئ إلى القاع ندفع به لكي يصل إلى قاع الخطأ، إلى العمق. الإنسان معرّض للخطأ ولكن ربي سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بيّن لنا أن أعظم ما يمكن أن نفعله مع بعضنا البعض في أسرة في بيت في مجتمع أن نمسك بأيدي بعضنا البعض أن نتعاون فيما بيننا لننتشل بعضنا من ذلك الخطأ ولكن أن نترك المخطئ حتى ينهار ويقع في مزيد من الأخطاء ثم يسقط في القاع فلا يجد بطبيعة من يمدّ له يدًا حتى يغرق. هذا السلوك هو النتيجة المترتبة على السكوت، النتيجة المترتبة على السلبية، النتيجة التي زينت لنا أنفسنا في بعض الأحيان بالقول بأنك لا ينبغي أن تتدخل في شؤون الآخرين، تحافظ على شعور الآخرين، لا تك قاضيًا على الناس! من قال هذا بهذا؟! من قال أني حين أساعد الآخرين من قال حين أوضح الحقيقة وأوضح الطريقة بأسلوب مهذب لطيف من قال أن ذلك تدخل؟! من قال أن المجتمع يعيش دون أن يكون هناك تكافل بين أفراده؟! من قال أن التكافل الاجتماعي في المجتمع ينحصر في بضعة دراهم أو دنانير يدفعها الذي لا يحتاج، الغني إلى من يحتاج أو من هو أقل منه، من قال هذا؟! الجانب الأعظم في التكافل الاجتماعي هو ذلك الجانب الإنساني الذي يصحّح ويرشّد، الجانب الذي يعيش الأفراد فيه وكأنهم أسرة واحدة كما أراد لها القرآن. بل إن القرآن خاطب البشرية كل البشرية على أنها أسرة واحدة ما يهمّ الشرق يهمّ الغرب وما يهمّ الغرب يهمّ الشرق لأنه أراد أن ينظر الإنسان العاقل إلى بني البشر على أنهم أسرة واحدة.

يا ترى متى نخرج عن ذلك الصمت السلبي الذي أوقعنا في مزيد من الأخطاء الذي وسّع دائرة الفساد، وسع دائرة الخطأ في حياتنا الذي فتح الباب على مصراعية أمام الشباب، أمام الفئات المختلفة في المجتمع لمزاولة أخطاء سكتنا عنها وأعطينا لها بذلك شرعية.

تدبروا في سورة غافر يقول الله عز وجلّ (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) [غافر: 28] تأملوا رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، يستر إيمانه هذا في السابق كان يستر إيمانه وذلك نتيجة لظروف معينة نتيجة لسطوة فرعون ولم يكن من الحكمة أن يُظهر ذلك الإيمان. ولكن متى خرج ذلك المؤمن عن صمته؟ متى كسر حاجز الصمت؟ متى أظهر إيمانه بالله؟ حين كانت هناك جريمة على وشك أن تقع هذه الجريمة جريمة قتل موسى والتعرّض له من قبَل قومه أخرجت ذلك المؤمن الذي لم يذكر القرآن اسمه ولكن ليس المجال وجال ذكر أسماء ولا تفاخر بهذه المواضع، التركيز في القرآن العظيم على الفعل وليس على من قام بالفعل. كان يكتم إيمانه فخرج عن صمته وقال (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ). المسألة أننا دائمًا وأبدًا في كل وقت بحاجة إلى أولئك الأشخاص الذين يأخذون على عاتقهم مسؤولية توضيح الأخطاء، مسؤولية التنبيه على الغلط وهم بذلك حين يقومون بتلك المهمة لا يقومون بها بعين الذبابة بمعنى تلك العين التي تبحث عن المساوئ والعيوب لكي تقف عليها إطلاقًا ولكنهم يفعلون ذلك بعين الطبيب المداوي الذي يبحث عن موضع الألم ويحاول أن يبحث عن أسبابه ومسبباته ثم بعد ذلك يصف الدواء بكل حكمة وحنان وشعور بالمسؤولية لا يعيّر أحدا بخطئه فذاك مُعابٌ لا شد فيه وإنما يعالج الأخطاء ينظر في الجروح والقروح، ينظر في تلك المواضع يطهّرها ينظّفها، يمتد بيده الحانية إلى كل موضع منها يُخرج المتقيّح، يُخرج الذي لا ينبغي أن يدخل في تلك الجروح ثم بعد ذلك يبدأ فيخيط شيئا فشيئا في تلك الأماكن لتلتئم الجروح ولكن حين تلتئم الجروح يحتاج العاقل منا أن يجعل تلك الجروح مطهّرة ليس فيها أي دنس قد أخرج منها كل صديد وقبيح يمكن أن يؤذيها في المستقبل لو أننا قمنا بخياطة ولمّ الجرح على ما فيه من مساوئ وعيوب. نحتاج جميعا اليوم إلى وقفة جادة مع النفس نكتشف فيها جروحنا نكتشف فيها أخطاءنا نحاول أن ننظر إلى تلك الأخطاء بعين الطبيب نحاول أن ننظر إلى أخطاء أنفسنا أولًا ولكننا قطعًا ونحن نباشر كل تلك الأعمال والمراجعات لا ينبغي أبدًا أن يكون الصمت أو السكوت على الأخطاء حلًا أو احتمالية حلّ لما نمر به من أخطاء وعيوب. نتعاون فيما بيننا نتراحم فيما بيننا وتصحيح الأخطاء لبعضنا البعض إنما هو من باب التراحم والتآلف والتكامل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *