تفريغ سمر الأرناؤوط لموقع إسلاميات حصريًا
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا زلنا في تدبر سورة النساء العظيمة ولكني وجدت أن هناك عددًا من آيات هذه السورة نحن فعلًا بحاجة إلى إفرادها بالتوقف والتدبر والتأمل لما أخذت تلك الآيات من مواقع في نفوسنا ومجتمعاتنا وبنيت عليها أحكام وتعاملات مع كتاب الله عز وجلّ وفي حياتنا لهذه الآيات، ولربما من أكثر الآيات مثالًا على ذلك تلك الآية التي عرفت في مجتمعاتنا بها سورة النساء فلا تكاد تُذكر سورة النساء إلا وتُذكر هذه الآية: آية التعدد. وواقع الأمر أن آية التعدد هي ليست بآية بل هي جزء من آية وهي الآية الثالثة من سورة النساء. ولكن قبل أن نبدأ بالحديث عنها نحتاج أن نستحضر عدة أمور تعكس طبيعة العلاقة التي باتت بينا وبين كتاب الله سبحانه وتعالى، العلاقة التي قلنا أنها أصبحت سطحية قائمة على الانتقائية، قائمة على التخيّر من كتاب الله عز وجلّ، قائمة على أن البعض منا وزاد هذا البعض حتى نستطيع أن نقول كثيرًا من المسلمين اليوم باتوا حين يأتون إلى كتاب الله لا يأتون إليه ليعالج مشاكلهم يسألونه لأجل أن يعالج أهواءهم ويخرجهم من حالة الهوائية التي باتت تسيطر عليهم اتباع أهواء النفوس بقدر ما أصبحوا يأتون إليه بأهوائهم لأجل أن يجدوا مبررات ومسوغات لتلك الأهواء وأحكامها وما بنيت عليه في واقعهم وسلوكياتهم والفارق شاسع بين الأمرين، فارق زاد في تلك الفجوة بيننا وبين كتاب الله، فارق واضح بيّن. القرآن العظيم جاء بآيات وتشريعاته وآدابه لا لأجل أن يبقى بين دفتي كتاب بل لأجل أن يُفهم لأجل أن يُعقل لأجل أن ينفذ ويطبق في الواقع يعالج الواقع الإنساني يعالج الواقع الاجتماعي ولهذا وعلى هذا الأساس لا ينبغي أن نغفل أن سورة النساء وكذا باقي سورة القرآن نزلت في بيئة لها سياقات معينة، في بيئة لها ظرفية معينة لكن القرآن العظيم نزل صالحا لكل وبيئة ومكان، نزل مفارقًا للزمان والمكان والتاريخ إذن فعليّ أنا حين أقرأ هذه الآيات وهي تعطيني نماذج أعالجها كأمثلة ونماذج لما كان عليه الوضع في المجتمع الجاهلي البيئة الأولى التي نزل فيها القرآن عليّ أنا كذلك حين أتعامل اليوم مع هذا الكتاب أن أنظر إلى واقعي الذي أريد تنزيل آيات وتشريعات الكتاب فيه، عليّ أن أكون ملمً بتلك السياقات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والفكرية، عليّ أن أفقه الواقع الذي أنا أعيشه اليوم والذي أريد أن أطبق فيه تشريعات وأحكام الكتاب، فقه الواقع حتى يصبح التنزيل والتطبيق لتلك الآيات مصدقا فعلا له لا شيئا آخر حتى أستطيع أن أعالج أزماتي بشكل جيد يتلاءم مع مقاصد القرآن العظيم، ولكي أصل إلى تلك المرحلة لا يمكن أن آتي إلى القرآن بنفسية الإنسان الذي تحركه أهواؤه شهواته ونزواته، إنسان جاء إلى القرآن لأجل أن يبرر ما هو فيه من أوضاع غير صائبة، من أوضاع مناقضة لمقاصد القرآن ورسالته. سورة النساء العظيمة جاءت لتحقق وتنفذ قيمًا عالمية قيمًا حين نزل القرآن ما كان العالم يدركها ولا يحيط بها علمًا ناهيك عن أن يطالب به، قيمة العدالة بكل توجيهاتها وتجلياتها في النفس ومع الزوج والزوجة والأسرة والمجتمع والدولة. هذه العدالة هي القيمة الأساس في سورة النساء وإلى جانبها قيمة المساواة والحرية، بدون المساواة والحرية لا يمكن للعدالة أن تتحقق ولذلك كل هذه الحيثيات أنا أحتاج كمتدبر في كتاب الله وأنا آتي للقرآن العظيم محاولًا أن أتفهم مقاصد آياته لكي أنزلها في واقعي وأطبقها في حياتي وسلوكي وعملي وحقًا يمكننا أن نقول: إذا أردت أن تنظر إلى موقع أيّ أمة من الأمم من الناحية الحضارية وتتساءل عن ماهية موقع هذه الأمة في مستوى التحضر فعليك أن تنظر إلى موقع الأسرة وموقع المرأة والأبناء فيها بمعنى آخر انظر إلى نسائها انظر إلى أُسرها، انظر إلى العلاقات الزوجية والأُسرية، انظر إلى الأبناء في المحيط الأُسري والاجتماعي هذا مقياس من مقاييس التحضر لا ينبغي أن نغفله ولا أن نغفل عنه.
مشكلتنا اليوم في التعامل والتي انعكست على تعاملنا مع الآية الثالثة من سورة النساء أننا نأتي تقريبًا بعكس ما أشرنا إليه إلى كتاب الله سبحانه وتعالى. لذلك اليوم كثير من المسلمين حين يذكر سورة النساء لا يذكر منها إلا ذاك الجزء المتعلق بقضية التعدد، جزء من آية فيقول (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) ويسكت وربما العديد منهم لا يعرف لا بداية الآية ولا نهايتها ناهيك عن معرفة سياق السورة ومقاصدها! هذه المعرفة السطحية ليست معرفة إنسان أو فرد يريد أن يعيش بأحكام القرآن، ليست معرفة إنسان يريد أن يخضع واقعه الفردي والأسري والاجتماعي للقرآن العظيم! وإنما هو في واقع الحال هو تصور لإنسان يريد أن يُخضع القرآن العظيم وأحكام القرآن لأهوائه ورؤاه والفرق بينهما شاسع!! ولذلك أصبحت هذه القضية ينظر إليه وكأنها إشكالية القرآن أحدثها أو صنعها وواقع الأمر أن القرآن العظيم جاء ليعالج الواقع الإنساني والأزمات المتواجدة فيه ويضع الحلول ويضع الخطوات الاستباقية لعدم الوقوع في تلك الأزمات والمشكلات.
يقول الله عز وجلّ (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴿٣﴾)
هذه الآية لكي نصل فعلًا إلى تفهم بعض المعاني أو المقاصد العظيمة فيها لتعالج المشاكل التي نكر بها في مجتمعاتنا علينا أن نتفهم سياقات النزول التي نزلت فيها الآية. الآية نزلت كما ذكرنا قبل قليل في بيئة جاهلية في بيئة امتهنت الظلم والاعتداء على الآخرين وخاصة تلك الفئات التي يمكن أن ينظر إليها ذلك المجتمع الجاهلي لأنه مجتمع قائم على الطبقية وعدم العدالة إلى أنها فئات ضعيفة ومنها فئة اليتامى. اليتامى لأنه ليس لهم ظهر ولا سند يعينهم على العيش في خضم مجتمع جاهلي كذاك الذي نزل فيه القرآن أولًا كانت حقوقهم مهضومة، لا حقوق ولا واجبات تجاه أيّ أحد منهم من قبل الآخرين وكان المعتاد وكان هذا الأمر سائدًا وسائغًا في المجتمع الجاهلي أن الرجل يلجأ للزواج باليتيمات لأن الالتزامات التي عليه لليتيمة أقل بكثير من الزواج بغيرها، غير اليتيمة لها أولياء يطالبون بمهر، يطالبون بأموال ويطالبون باشياء كثيرة، أما اليتيمة التي لا وليّ لها ولا أب ولا سند فهذه لقمة سائغة سهلة! القرآن العظيم نزل في مثل هذه البيئة فأرادت هذه الآية أن تصحح وضعا اجتماعيا قائما على الظلم والعدوان. وتدبروا في كل كلمة من كلمات الآية الثالثة، على مرتين ذكرت كلمة (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) إذن لم يحدث عدم القسط ولم يحدث عدم العدل بعد وإنما كل الذي حدث هو خوف، حالة نفسية، لم يحدث عدم القسط بعد ولكن القرآن العظيم لشدة حفاظه على قيمة العدالة أراد سبحانه وتعالى أن يربينا وأن يعلمنا أنه حتى في حالة خوفك من وقوع ظلم أو عدم قسط فعليك أن تأخذ بكل الاحترازات التي تمنع من وقوع هذا الظلم وعدم القسط. تدبروا (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) حتى وأنت في مرحلة الخوف لم تتخذ القرار ولم يقع منك فعل عدم القسط وعدم العدل ولكن القرآن يطالبك في مرحلة التهيؤ النفسي وهو الخوف أن لا تقوم بهذا العمل، يالعظمة القرآن وعظمة تشريعاته! هذا التهيؤ النفسي لا يمكن أبدًا أن يُصدر تشريعًا أو أن يصدر ذلك التشريع من بشر لأن البشر لا يعرفون بخفايا الأمور قبل أن تقع، التشريعات والقوانين الوضعية البشرية لا تعرف الأشياء أو الإشكاليات التي يمكن أن تقع قبل الوقوع في عملية تطبيق القوانين والتشريعات والأنظمة المختلفة ولكن لأن هذا القرآن وهذا التشريع نزل من عند اللطيف الخبير الخالق العالم بما كان وسيكون وعالم بخفايا النفس البشرية وطبيعتها فهو سبحانه يعلّم هذه النفس كيف تحترز للشيء قبل وقوعه، كيف تفكر بمآلآت القرارات والأفعال قبل اتخاذها. القرآن يعلم الإنسان قبل أن تتخذ القرار فكّر بمآلآت القرار والفعل فإذن وجدت أن المآلآت سلبية وخفت فعلًا وخاصة فيما يتعلق بالظلم عليك أن تجعل بينك وبين الظلم حائلًا وحاجزًا فلا تقترب منه، سدا للذريعة، هنا يأتي فعلًا سد الذريعة، بمعنى سدًا لذريعة الاعتداء على الآخرين والوقوع في ظلمهم عليك أن تتجنب الزواج باليتميات من النساء وما سوى ذلك من فئات النساء فلا بأس أن تتزوج منهن، المعنى أصبح مختلفًا.
نقطة لا فتة للنظر في إعجاز الكلمة في القرآن هنا في الآية الواحدة الآية الثالثة استعمل ربي (تقسطوا) في اليتامى وفي قضية إباحة التعدد (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) هناك فرق بين القسط والعدل، القسط هو الحظّ والنصيب في الاستعمال القرآني في القسمة (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴿٩﴾ الرحمن) نصيب محدد تمامًا. أما العدل فهو شيء عام يطلب منك القرآن حين يأمرك بالعدل أن تساوي بين الناس في الأحكام مساواة، مساواة في أشياء مختلفة سواء ما كان فيها أنصبة مقررة محددة أو لم يكن، تأملوا في سياق استعمال اللفظة. فالخشية من عدم القسط واستعمال القسط في قضية اليتامى لأن الأمر يتعلق بالأنصبة وبالحقوق المالية لليتيمة ولكن حين جاء بقوله (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) في قضية إباحة التعدد العدل هنا مساواة في مختلف الأحكام المتعلقة بالزوجتين، الإنسان يتزوج من أكثر من امرأة فإذا تزوج فعليه أن يتحرى العدل والوضع هنا مختلف.
الآيات تنهى عن الظلم بشكل عام والآية التي قبل، الآية الثانية، ثم جميع الآيات في التي في سورة النساء ونحن قلنا جاءت سورة النساء ونزلت لتحقيق قيمة العدالة ومع قيمة العدالة ولأجل أن تتحقق العدالة هناك احتياج لتحقق قيمة الحرية والمساواة بين الناس كما يقدمها القرآن ولذلك القرآن أراد أن يصحح وضع الظالم الجاهلي الذي كان واضحًا في ذلك المجتمع وفي أيّ مجتمع آخر ولكن أعطانا نموذجًا للظلم كما هو موضح في هذه الآية. والخوف هنا الذي أراد القرآن وأرادت سورة النساء أن يتولد في نفس المكلف الرجل تحديدًا خوف محمود جدًا، خوف لا بد منه، خوف يدفع بالإنسان إلى أن يقف فلا يأتي شيئا لا ينبغي أن يأتيه، خوف يولد الإحجام عما لا ينبغي أن يقوم به الإنسان في كلتا الحالتين (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) وفي نفس الآية (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) سورة النساء تولد هذا الخوف المحمود في نفس المكلَّف الذي هو كفيل بأن يقوم فعلا بحجز المكلّف عن اتخاذ قرار أو الوقوع أو الإقدام على قرار سيوقعه في ظلم اجتماعي بيّن وواضح. هذا هو الخوف الذي يحول بين الإنسان وبين الاعتداء على قيمة العدالة والفوز بمكرمة العدالة التي جاء القرآن ليجعل من الإنسان الفرد المكلف وصيًا عليها محققًا لها قائمًا بها في ذاته أولًا وفي نفسه وفي مجتمعه وفي أسرته بطبيعة الحال. هكذا القرآن يصنع العدالة، العدالة التي يصنعها القرآن ليست عدالة مزيفة ليست عدالة مكتوبة على ورق، العدالة التي تصنعها سورة النساء عدالة تُصنع في قلب الإنسان وضميره ووجدانه، تتولد مع هذا الشعور في بداية الآيات ولنا أن نتدبر لماذا جاء الحديث عن الخوف في الآية الثالثة من سورة النساء والسورة 176 آية، الآية الثالثة تتكلم عن الخوف مرتين لماذا؟ لا يمكن أن تتحقق العدالة دون الخوف من الوقوع في الظلم، كيف أصنع هذا الخوف؟ كل من يتجرأ على الوقوع في ظلم الناس والاعتداء على حقوقهم إنما يحدث ذلك في غياب من الخوف، الخوف من الله عز وجلّ ولا يمكن أن يتولد الخوف من الله واستشعار رقابته بعيدا عن الخوف الذي تحدثني عنه هذه الآية العظيمة في سورة النساء. ولذلك أخطأنا كثيرًا حين وقعنا في تلك القرآءة العضين، القرآءة الانتقائية، القرآءة التي تجتزئ الآيات من سياقها أو تأخذ جزءا من آية بعيدا عن كل شيء وأخطأنا عدة مرات في مناهج تعاملنا مع كتاب الله عز وجلّ أخطأنا حين لم نتعلم أن القرآن في هذه الآية العظيمة يعلم الإنسان رجلًأ كان أو امرأة على استشعار المسؤولية قبل اتخاذ القرارات، على النظر في القرارات ومآلآت القرارات وأثر ذلك على نفسه وأسرته ومجتمعه، هذا قرار لا بد الإنسان أن ينتبه إليه قبل أن يقوم باتخاذه أو الإقدام عليه.
للأسف الشديد هذه القضية ونتيجة لقضايا أخرى مختلفة أوقعتنا في شباك أخرى لا أدري هل سنتمكن من الخلاص منها قريبًا أم لا؟ شباك الاتفاقيات الدولية. بعض الاتفاقيات الدولية وقعت في قضية التمييز ضد المرأة وهي إشكالية موجودة في الفكر الغربي والفكر المعاصر، إشكالية عميقة وتمتد جذورها في عمق التاريخ وتحديدًا التاريخ الغربي، تاريخ النظرة للمرأة، تاريخ نظرة الكنيسة للمرأة على وجه التحديد. الشاهد في الموضوع أن عددًا من المجتمعات المسلمة وبخاصة في ما يتعلق بالجمعيات القائمة على حقوق المرأة والمنادة بالمساواة وما شابه ذهبت وراء تلك الاتفاقيات التي في بعض بنودها تنص على أن قضية التعدد والزواج بأكثر من امرأة اعتداء على حقوق المرأة ونحن نقول أن قضية تقديم الموضوع هكذا في هذه السورة العظيمة والإشارة بوضوح إلى إباحة التعدد ذكرنا سابقًا أن القرآن جاء ليعالج واقعًا إنسانيًا غير مثالي، من أكبر مزايا الواقع أنه غير مثالي، هناك طروف هناك ملابسات لبعض المكلفين رجالًأ ونساء، هناك ظروف يمر بها المجتمع بكل فئاته: حروب، أمراض، اختلافات في قضايا معينة تقتضي أن يتزوج الإنسان بامرأة أخرى ولأن القرآن ليس كتابًا جاء يتكلم على مُثُل وإنما جاء ليعالج واقعًا فلذلك أباح هذه القضية في سياق الشروط التي وضعها لأن القرآن ربط فقال (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فواحدة) وتحري الإنسان للعدل حين يكون عنده أكثر من امرأة لا يقف فقط عند قضية الحقوق المادية ما يتعلق بسكن ومبيت وما شابه، قضية تحقيق العدالة بمعنى ما يحقق الاستقرار الأُسري للمرأتين وللرجل والأولاد وللأسرة، تحقيق استقرار، حل مشكلة وليس صناعة مشكلة جديدة فإذا أدرك المكلف هذه المسؤوليات فعلًا واستطاع أن يصل فعلًا أن الزواج بثانية حل لإشكالية أو قضية هو يمر بها وتم الاتفاق فيما بين أفراد الأسرة على ذلك وأنا أقول الاتفاق ليس بمعنى موافقة أو ترحيب المرأة الأولى بقضية التعدد لأننا لا نريد أن نبتعد عن الواقعية، المرأة شيء طبيعي أنها تشعر بشعور غير مرحّب به بزواج الرجل الزوج بامرأة أخرى، شيء طبيعي. ولكن نحن لا نبحث عن قضية الموافقة وعدم الموافقة كما يقول البعض في القضايا الفقهية لا تشترط موافقة الزوجة، نحن نتكلم عن أوضاع إنسانية، نحن نتكلم عن استقرار أُسري، نتكلم عن مقاصد جاء القرآن لتحقيقها. والنظرة – في تصوري والله أعلم- أننا أيضًا خسرنا الكثير حين ربطنا جوانب الحكم الفقهي فقط بالإباحة والجواز والوجوب والتحريم ولم نهتم كثيرًا بقضية تحقيق المقاصد الشرعية للأحكام المختلفة، القضية ليست هل تشترط موافقة الزوجة الأولى أم لا تشترط، ليست حكمًا شرعيًا، القضية قضية تحقيق مقاصد الاستقرار، التفاهم في الأسرة، تحقيق نوع من التوازن في مجال لأسرة وما حرص عليه القرآن حصرًا شديدًا، أنت لا تريد أن تتزوج بامرأة ثانية أو ثالثة وتخلق لك عشرات المشاكل في البيت الأول مع الزوجة الأولى وأولاد الزوجة الأولى ولا يمكن أن تنسلخ ولا يعني الزواج بأخرى أن تنسلخ من الزوجة الأولى وأبنائها، هذا لا يريده القرآن. القرآن لا يريد أن يصنع في الحقيقة أُسرًا مفككة، القرآن يريد أن يحافظ على الأسرة واستقرار الأسرة فإن كان بإمكانك أن تقيم فعلًا وتفتح بيتًا زوجيًا من خلال الزواج بامرأة أخرى وتحقق استقرارًا فيه وتحافظ على هذا المستوى في ظروف معينة وملابسات معينة تحددها مسؤوليتك أولًأ كإنسان مكلف وأنت تنظر إلى مقاصد التشريع وتحقيق العدالة وما شابه ومدرك تمامًا لمهمتك كخليفة على الأرض إذا أدركت وأحطت بكل هذه الجوانب فذاك الوقت الأمر يختلف والأزمة تختفي. الإشكالية، واحدة من إشكاليات التعدد أن هناك خلطًا واضحًا بين التنفيذ والقيام بالأمر القرآني المتعلق بقضية إباحة التعدد وبين ما قاله القرآن وما أوجده فعلًا كحل للأزمات المختلفة، كيف؟ تصرفات بعض المسلمين ممن يتزوجون بامرأة ثانية وثالثة تصرفات اشخاص لا يليق بهم أن يقال عنهم أنهم ينفذون أوامر الله عز وجلّ أو يطبقون بالفعل هذه الآيات التي أمر الله بها سبحانه.
ثم نأتي إلى سياقات المجتمع، تصرفات بعض النساء وإذا بها تحاسب القرآن والتشريعات المتعلقة بالتعدد وتضع اللائمة عليها باعتبارها أنها السر وراء هذه التصرفات غير المسؤولة من قبل بعض الرجال وهم يلجأون إلى قضية التعدد. هل يُلام التشريع والأمر الإلهي هل يلام على تصرفات بعض الأشخاص غير المسؤولة؟! ونحن قلنا في مرات سابقة كل الأنظمة والتشريعات التي وضعها البشر بما فيها الأنظمة المرورية كأبسط مثال، التشريع يضع قانونًا مروريًا وهذا القانون إذا تعداه الإنسان فعليه عقوبة، هناك إشارة ضوئية حمراء وُضعت في الشارع، كيف تحاسب من وضع نظام الإشارة الضوئية الحمراء على ما يقوم به البعض من تجاوز الإشارة الحمراء؟! كيف:! هل المطلوب لحلّ أزمة تجاوز الإشارة الحمراء وتخطيها من قبل بعض الأشخاص، هل الحل أننا نلغي نظام الإشارة الحمراء؟! بالله عليكم هل هذا هو الحل؟! هناك أشخاص يتجاوزون الإشارة الحمراء في كل البلاد وربما تزداد النسبة في بعض المجتمعات العربية ربما، هل الحل أننا نلغي النظام بأكمله أم أن الحل أننا نفكر مع أنفسنا كيف نستطيع الترقي بتفكير الأشخاص وتوعيتهم لأجل الالتزام بهذه القوانين والأنظمة؟! أيهما أول؟ أيهما أكثر تعقلًا ومنطقية؟! ولله المثل الأعلى. ربي عز وجلّ أباح قضية التعدد لملابسات محيطة بالمكلّف، محيطة بالرجل محيطة بالمرأة محيطة بالظروف لأنه واقعي يتعامل مع واقع إنساني ويتجاوز بعض المسلمين هذا الأمر بممارسات غير صحيحة لا يقبل بها الشرع الذي جاء ليحقق العدل وينهى عن الظلم فهل الحل أننا نلغي هذا التشريع أم أن الحل أننا نفكر في كيفية الترقي بالناس والترقي بالمكلفين رجالًأ ونساء لأجل الخضوع لهذه القيم الربانية التي جاءت سورة النساء بتحقيقها؟! المشكلة أننا وقعنا في إشكالية الجري وراء الاتفاقيات الدولية التي جاء البعض منها ينص على تحريم التعدد واعتقدنا وتوهمنا أن هذا الحل الذهبي السحري سيعالج كل الأزمات التي تمر بها كل النساء في مجتمعاتنا والواقع أن هذا الأمر سيزيد المشكلات الأسرية وسيزيد من نسبة العلاقات ربما خارج نطاق الزواج حتى والدليل ما يحدث في المجتمعات الغربية.
بالنسبة للمرأة قد يكون من المألوف جدًا وليس بالغريب أنها لا تستقبل مسألة زواج الرجل بأخرى بترحاب هذا متوقع جدًا وعلى الرجل أن يتفهم هذا الموقف ولكن في نفس الوقت إذا المرأة سواء كان الرجل قد وقع في مثل هذا الظرف أم لم يقع، مرّت هي وأسرتها بمثل هذا الظرف أم لم تمر، هناك بعض الأمور لا ينبغي أن تغيب عن أذهان النساء أذهان البشر ولكن كلمتي هنا للمرأة تحديدًا: ربي عز وجلّ خلق الرجل والمرأة لأجل غاية معينة، الفترة التي سنقضيها على هذه الأرض فترة محدودة جدا وإن طالت هذه الفترة المحدودة ليس من الحكمة ولا من العقل في شيء أن أقضيها ببعض الأمور التي قطعًأ التي ستخرجني عن جادة الطريق الواضح المستقيم الذي أمرني الله سبحانه وتعالى أن أسير عليه، بمعنى آخر أن تكون المرأة أكثر إدراكًا ووعيًا لدورها الحقيقي كإنسان قبل أن تكون زوجة ربي سبحانه وتعالى أعطى للمرأة كما أعطى للرجل هذه الوظيفة، وظيفة الاستخلاف وظيفة العهد بين الإنسان رجلا وامرأة بين وخالقه عز وجلّ والوقت محدود والعمر يجري فليس من الصواب في شيء أبدًا ولا من العقل ولا من الحكمة أن يبدأ الإنسان بتضييع وقته الذي هو بالفعل رأس ماله الحقيقي في الحزن وفي الألم وفي المشاكل وأحيانًا قد يصل الأمر إلى تخريب وهدم الأسرة باسرها وفي بعض الأحيان يكون هناك أبناء وبنات هم من يعانون من ويلات الانفصال وتفكيك الأسرة، مهما يكن الموقف الذي يمر به الإنسان هو بحاجة إلى زاد الصبر الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتزود به. الصبر لأجل أن يكون الإنسان أكثر قوة وقدرة وصلابة على الاستمرار في سيره وأداء مهمته التي أراد الله سبحانه وتعالى وأمر الله بها أن تكون: المشاعر، الأحاسيس، الألم، هذه الأمور أمور مفهومة جدًا لكن ما ينبغي أن توقف المرأة عن القيام بدورها.
أمر كذلك مهم جدًا وأنا أقوله في الحقيقة على اعتبار أني امرأة وأدرك هذه المعاني وهذه المشاعر. كثير من النساء في زماننا هذا ترى أن الحياة رجل وهذا التصور تصور لو نظرنا إليه لما وجدنا أن القرآن يعززه، القرآن يعزز أن الحياة مزرعة توصلنا إلى الآخرة توصلنا إلى رضى الله عز وجلّ بمعنى آخر على المرأة والرجل – والحديث هنا في هذه الجزئية عن المرأة – أن تحدد الأولويات في حياتها، سلم الأولويات: رضى الله سبحانه وتعالى رقم واحد في حياتي. الرجل كأي بشر كأي إنسان تعرض له تغيرات حتى ممكن تكون في مشاعره، في تصرفاته، هذا أمر وارد يطرأ على البشر، لكن ما أُمرنا به نحن كخلق الله سبحانه وتعالى خلق من خلقه نساء ورجالا أن ترتبط قلوبنا وعقولنا والمعايير التي نحكم بها على أعمالنا وتصرفاتنا برضى الله سبحانه وتعالى الذي يغيّر ولا يتغير، فالمرأة إذا خرجت عن هذا التفكير المحدود المحصور وبدأت تنظر بنظرة أوسع أفقًا وأبعد ونظرت من هذه الزوايا المختلفة أعتقد أن هناك تغييرات ممكن أن تكون إيجابية كثيرة تقع في واقع الأُسر والبيوت التي تحدث فيها بعض الصعوبات أو المشاكل الناجمة عن قضية التعدد. بمعنى آخر الإنسان العاقل رجلًا كان أو امرأة قد يعرض له في طريق الحياة أي شيء لأن هذه الحياة في طبيعتها دار ابتلاء فكل ما يعرض لنا لا ينبغي أن يشكل عائقًا بالنسبة لسيرنا في هذه الحياة، الغاية واضحة، فما يعرض لي في طريقها علي أن أتعامل معه بالفعل كدرجة أستطيع أن أرتقي بها للسير خطوات في طريقي لرضى الله سبحانه وتعالى. وبهذا هناك عشرات الأمور التي يمكن أن تتحقق من خلال تغيير طبيعة نظرتي للأمور، من خلال أن يكون لديّ اهتمامات واسعة بأشياء تتعلق فعلًا بتحقيق الإنسان لذاته وقيامه بوظيفته، أما الانشغال بكثرة الصغائر والقيل والقال وفعل ولم يفعل وظلم ولم يظلم والدوران في فلك هذه التفاصيل والجزئيات وفي فلك الرجل والزوجة الثانية أو ثالثة أو ما شابه هذا لا يليق بإنسان لديه وقت محدود جدًا ومحسوب عليه بالثانية ولديه مهمة لا بد أن ينفذها على أتم وجه وأحسن طريقة ممكنة يلقى بها الله عز وجلّ.
تفريغ سمر الأرناؤوط لموقع إسلاميات حصريًا