بسم الله الرحمن الرحيم، أسعد الله أوقاتكم بكل خير. حديثنا اليوم عن مرضٍ قد يشغل قلب الإنسان شُغلاً عظيماً فينشغل بهذا المرض عن كل ما يُصلِحُ حالَهُ في الدنيا والآخرة ذاك هو مرض الحقد. الحقد غالباً ما يصيب الإنسان نتيجة لموقفٍ صعب أو شديد قد مرّ به في السابق في الماضي، ولكن هذا الإنسان لا يستطيع أن يتخلّص من أعباء وأثقال الموقف الذي قد مرّ به بصعوبته، بآلامه، بأحزانه، ربما يكون قد وقع عليه ظلم معين من شخص ما، المهم أنه يبدأ في بداية الأمر باجترار الماضي بكل ما فيه، باعادة تكرار وإعادة الشريط مرة أخرى مرة بعد مرة من الموقف الذي قد مرّ به فيزداد غيظاً وألماً وحزناً. وقد يتحول هذا الحزن السلبي وهذا الغيظ الذي لم يُشفى بعد إلى مرضٍ هو مرض الحقد. هذا المرض يصدُّ الإنسان عن كلّ خير، يبدأ ينظر الإنسان إلى كل من حوله بنظرة شك، نظرة إرتياب، عدم إرتياح، عدم القدرة على تنفيذ قول الله عز وجل (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (34) فصلت) عدم القدرة على التعامل مع الناس بالخير، بالعطاء، بالرحمة ويبقى الماضي دائماً حاضراً أمام عينيّ هذا الشخص لا يكاد أن يتحرر منه أبداً، يصبح أسيراً لهذا الموقف يصبح عبداً لتجلّيات ذلك الموقف الشديد أو الصعب، فتتحول دائرة الإهتمام في حياته من الإهتمام بما يُرضي الله عز وجل وإشغال قلبه بما يُصلِحه إلى الإنشغال بذلك الشخص الذي وقع منه الغيظ أو الألم أو المُصاب. ولنا أن نتأمل موقفين:
Ø الموقف الأول موقف يصور حالة هذا الإنسان صاحب الغيظ والكَمَد والحقد في قضية هند بنت عُتبة قبل إسلامها هند تعرضت لموقف صعب كانت تعتقد حسب نظرتها آنذاك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد إعتدوا وظلموا ظلماً شديداً لأهلها وأقاربها وأحبابها وبالتالي تحوّل ذلك الموقف الذي عاشته مرة بعد مرة إلى ألم، إلى غيّ، إلى حقد. الحقد الدفين الذي كان في قلبها آنذاك ما كان لها أن يسمح بأي شيء من التفكير السليم أو محاولة إعادة النظر في الموضوع أو في الموقف بوجهة نظر مغايرة غير التي كانت تراها، بمعنى آخر أن الحقد قد تحوّل إلى عملية غشاوة حقيقية، غطاء لم تعد ترى إلا ذلك الموقف والرغبة في الإنتقام والتشفّي والغيظ والحِقد. لم تتمكن من التخلص من ذلك الغيظ ربما حتى بعد قتل حمزة رضي الله عنه وأرضاه سيد الشهداء الإنتقام لم يمكّنها من التخلص من ألآم الحقد وأثقاله وأحزانه بقي القلب مثقلاً بالهموم، بالأحزان حتى بعد أن لاكَت كبِد حمزة رضي الله عنه وأرضاه لم تتخلص من تلك الآلآم والأحزان إلا بعد إسلامها وتسليم قلبها بين يدي الله عز وجل إذعاناً وإنقياداً واستسلاماً لأمره سبحانه.
Ø الموقف الآخر هو موقف النبي صلى الله عليه وسلم موقفه العظيم يوم فتح مكة، تجلّى ذلك الموقف بالقلب المؤمن القادر على أن يتخلص من كل آلآم الماضي، من كل تجلياته وأحزانه، مهما أساء إليه الآخرون لم يكن يحمل الحقد أبداً. بالعكس كانت إساءة الأخرين واعتداء الأخرين عملية تحويل لمزيد من الرغبة في العطاء والإصلاح وهذا هو المؤمن.
الإنسان صاحب الحِقد وصاحب الغيظ لا يستطيع أن يعيش بسلام، لا يستطيع أن ينظر في حاله هو، تحولت كل دوائر الإهتمام في حياته إلى الآخرين إلى من يحمل عليهم الحقد أو الغيظ. والمؤمن صاحب القلب العظيم لا يمكن أن يكون بهذه المواصفات الغيظ والحقد من أكثر ما يُشغِل قلب الإنسان وخاصة في الحياة المعاصرة التي نعيش. أحياناً الإنسان يحمل بعض الحقد والغيظ لأناس ربما لا يعرفهم فإذا كان هو في ضيق من العيش على سبيل المثال تراه يحمل أنواعاً من الحقد على من قد سبقه بنجاحات مختلفة سواء كان في المال أو في الوظائف أو في المناصب أو غيرها في أرزاق الدنيا المختلفة. الحقد فيه خلل، يشي بخلل في التوحيد خلل في الإيمان خلل بأن الله سبحانه وتعالى مقسم الأرزاق هذا لا ينافي الأخذ بالأسباب. المؤمن عليه دائماً وأبداً أن لا يكون متواكلاً، يأخذ بكل الأسباب المتاحة المشروعة التي شرعها الله عز وجل ولكنه بعد ذلك وقبل ذلك وفي أثناء ذلك يسلِّم الأمر للواحد الخالق سبحانه مقسِّم الأرزاق الذي قال (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا (34) الزخرف) الأرزاق هي قسمة من قسم الله تعالى في الدنيا هو مقسِّم الأرزاق عليه دائماً أن يستحضر فكرة أن الناس حتى وإن إختلفت حظوظهم في الدنيا في نهاية المطاف هم يقتربون من بعضهم البعض بكمية الأحزان أو الأفراح، لا تهتم كثيراً إلى المظاهر، لا تنظر كثيراً إلى مظاهر الناس ولكن هناك كمية معينة من الحزن والألم يتقاسمها الفقير والغني الوضيع، الذليل وصاحب المنصب الرفيع أو صاحب الحسب والنسب والعزيز في قومه الكل شركاء وتلك هي قِسْمَةُ الله. أما الغيظ والحقد والحسد، فادفع بالتي هي أحسن، المنهج القرآني العظيم الذي أوضح للإنسان كيف يتعامل مع من أساء إليه. ردوا الإساءة دون إعتداء ردوا الحقوق لا أحد يطلب منا كمؤمنين ومسلمين أن نكون ضعفاء أو أن نكون عرضةً دائماً للنيل منّا بسبب أو بدون سبب فالمؤمن عزيز، عزيز بطاعته لله عزيز بمحبته لله سبحانه، عزيز بإيمانه بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. ولكن هذا الشعور وهذا الإحساس والرغبة في الأخذ ورد الحقوق لأصحابها وللنفس كذلك يكون بدون إعتداء يكون ضمن ما شرّعه الله عز وجل دون أن يتحول ذلك الإحساس إلى حقدٍ دفين أو إلى أمرٍ يحول بيننا وبين التقرب لله عز وجل، فما من عمل يحول ويبعد بالإنسان عن ربه سبحانه كأمراض القلوب وخاصة مرض الحقد أو الحسد. صفِّي القلب لله الواحد الأحد، فوِّض أمرك فيمن إعتدى عليك أو أساء إليك لله الواحد الأحد فهو يأخذ الحقوق ويردُّها إلى أصحابها وهو سبحانه وحده القادر على أن ينقّي القلوب من كل حقدٍ وحسد. الأعمال العظيمة لا تقبل خاصة كموسم الحج الذي أطل علينا ومواسم الأيام العشر الأول من ذي الحجة تلك الأيام العظيمة أجمل أيام الدنيا -التي ربما إن شاء الله سيكون لنا حديث عنها خلال الأسبوع المقبل- هذه الأيام وهذه الأعمال والطاعات لا تقبل من قلبٍ قد مليء سواداً ودخاناً من الحقد والحسد على الآخرين بل تقبل من قلبٍ نقيٍّ طاهرٍ صافي. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يطهِّر قلوبنا ويخلّصها من كل حقد ومن كل ما يحول بيننا وبينه إنه سميع مجيب الدعاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.