السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لا زلنا في الحديث عن كيفية تقوية العلاقة مع الله عز وجل، بناء الحب بيننا وبين الله سبحانه. حب يغيّر مجرى حياتنا يغيّر الأمزجة المعكّرة يغيّر ما تعكّر من حياتنا يغيّر المجرى الذي تسير فيه الحياة طريقة النظرة للأمور طريقة التعامل مع الأشياء والأشخاص والأحداث، هذا الحب وحده هو الكفيل بأن يغيّر ما نحن فيه.
وكنا قد وقفنا في المرة السابقة عند قصة المرأة التي فقدت كل شيء مال زوجها نتيجة لتعسف وظلم أهل الزوج وفقدت معه أشياء كثيرة وأُغلقت كل أبواب الدنيا أمامها ولكنها وجدت باباً لا يغلق أبداً باب رحمة الله سبحانه وتعالى. هذه المرأة المحرك الأساسي كان لها هو تدبرها في قول الله عز وجل (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) الفاتحة) شعرت أن ما ضاع منها من حق ليس بالمسلوب ولا بالضائع، ضاع في الدنيا وفي أروقة محاكم الدنيا ذات العدالة النسبية التي تتطرق إليها بعض الأحيان المظالم المختلفة لسبب أو لأخر. ولكن عدالة رب العالمين عدالة مطلقة وهي محققة لا محالة. تخلصت من المشاعر السلبية وبدأت بالنظر إلى الواقع والمستقبل والحاضر الذي تعيش فيه، بحثت عن العمل فوجدت العمل. إستعانت بالله فأعانها ومرّت الأيام وكبُرت البنات وكن من أفضل البنات تربية وتعليماً وخُلُقاً. بدأت تشعر بثمرة العمل بثمرة العلاقة القوية التي ربطت بينها وبين الله عز وجل علاقة الحبّ علاقة المعونة علاقة الإستعانة به علاقة طرق أبوابه كلما غُلِّقت الأبواب. علاقة الشعور والإحساس بأن الله معها هو ما نحتاج إليه اليوم، أنا لست وحدي في هذا الكون، لست وحدي في المأزق الذي أعيش فيه، لست وحدي في المشكلة التي أعاني منها أو الموقف لست وحدي من أتذوق هذه المرارة. حتى المرارة والأسى والأحزان كلها عند الله عز وجل لها ميزان، لها نتيجة، لها حكمة، لها ثمرة ربما لم أشعر لحدّ الآن بمعناها أو بمغزاها. الشاهد في الموضوع أن قضية هذه المرأة لم تتوقف عند هذا الحد ولكنها سمعت بأن أهل الزوج قد تعرضوا لمحنة شديدة مالية وصحية مصائب، كانت تفكر مع نفسها تُرى هل أذهب لزيارتهم وآخذ البنات معي أم أتوقف عن كل هذا وأنسى الموضوع؟ وأعاملهم بنفس الطريقة أو على أقل تقدير بطريقة عادية كأني لا أعرفهم ولا يعرفوني؟ خاصة وأنه لم يكن هناك تواصل بينهم على الإطلاق خلال تلك السنوات. قررت المرأة أن تقوم بما يُملي عليها القرآن (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم (34) فصلت) إتخذت هذه الآية نبراساً لحياتها وقررت أن تتجاوز مشاعر الإنتقام والتشفّي وتأخذ البنات وتذهب لزيارتهم وكان فعلاً ذلك الأمر. لم يتعرف أهل الزوج في البداية على البنات ولم يدُر بخلدهم أن البنات الصغار اللواتي قد تخلوا عنهن وهنّ في أشد الحاجة إلى الرعاية والعطف والحنان قد كبرن وأصبحن بالفعل يشار إليهن بالبنان فهذه معلمة وتلك طبيبة وتلك مهندسة لم يدُر بخلدهم هذا. تعرفوا بعد صعوبة شديدة على البنات ولكن الموقف لم يكن يتعلق بأهل الزوج وما أصابهم من مشاعر الندم والحزن والأسى و و، لا، الموقف يتعلق بالأم الشجاعة وبالبنات اللواتي إستطعن أن يتغلبن على ما كان في أنفسهن من مرارة وشعور بالرغبة في الإنتقام.
كيف تتحول المشاعر السلبية إلى مشاعر إيجابية؟ من يمتلك أن يغيّر هذه المشاعر؟ وبدلاً أن تكون تلك المشاعر مشاعر مثبِّطة مشاعر تصيب الإنسان بالإحباط والحزن وتكرار وإجترار ما قد مرّ به من مواقف ومآسي وربما تتحول إلى عقد نفسية وكآبة وأشكال متعددة من الأمراض النفسية تحولت إلى دافع إيجابي للعمل للتغيير للسلوك الحسن في واقع الحياة وطيّ صفحات الماضي عندما يكون ذلك الماضي لا مجال أبداً لأخذ أيّ عبرة منه. ما حدث معهن من تجربة قاسية كان خارج عن إرادتهن لم يكن يمتلكن شيء يغير هذا الواقع ولكنهن كنّ يمتلكن تغيير تغيير الداخل تغيير الإنسان من الداخل. هذا التغيير هو الذي يحدثه القرآن حين تصبح علاقتي مع القرآن علاقة إنسان يستمع لمن يحب. كلنا حين يمر بأزمة أو يمر بموقف ويحتاج إلى إستشارة يتصل بصديق يتصل بأحد يحدّثه ويكشف له عن ما يدور في خاطره وفي نفسه حتى لو لمجرد الدردشة فقط، لا أكثر. هذا النوع من العلاقة ولله المثل الأعلى نحن بحاجة إلى بنائها مع الله عز وجل. حين أمرّ بأيّ شيء بأيّ موقف مهما كان أحتج أن أناجي خالقي أن أعود إليه أن أستمع إليه وهو يحدّثني كيف أتصرف في حياتي؟ ماذا أفعل في الموقف الذي أنا فيه؟ كيف يجيب على التساؤل الموجود في نفسي؟ إجابة القرآن على تساؤلاتي لا يمكن أن تحدث إلا من خلال تغيير نظرتي للقرآن. القرآن ليس كتاباً فقط كتاب مقدس وبالتالي أقرأه للبركة ولأخذ الأجر والثواب وانتهى الأمر لا، القرآن كلام الله، القرآن يحتوي كلام رب العالمين لي في كل ما أمرّ فيه من مواقف مهما كانت تلك المواقف. ليست الإشكالية في القرآن الإشكالية في طبيعة علاقتي ونظرتي اليوم لهذا القرآن. عليّ أن أغيّر تلك النظرة عليّ أن أحول كلام القرآن إلى كلام يمارس ويجيب على واقعي، كلام يغيّر ما أنا فيه من سلوك وأخلاق وتصرفات. لا أحفل كثيراً بكمّ الأيات التي ينبغي أن أقرأها قي كل يوم وليلة بقدر ما أهتم تماماً ما هي الآيات التي تستوقفني وتجيب على ما أنا فيه اليوم، على ما أمرّ فيه اليوم من مواقف في تعاملي مع نفسي مع الأخرين في أيّ مجال من مجالات الحياة المختلفة. نواصل بإذن الله في المرة القادمة في كيفية بناء علاقة جديدة مع القرآن الكريم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)