قلبي مشغول بمن: الحلقة الثانية عشر(ماذا بعد رمضان؟)

بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية أود أن أشكركم جميعاً على التفاعل الرائع الذي أبديتموه مع حلقات برنامجنا وأود أن أنوّه برسالتين وصلتني إستوقفتني كثيراً.

* الرسالة الأولى كانت تتضمن توصيفاً لأحد المصلين الذي ذهب اليوم ثاني أيام عيد الفطر المبارك أعاده الله علينا جميعاً بالخير والبركات وعلى المسلمين في كل مكان، هذا المصلي ذهب ليصلي اليوم في المسجد فكتب التأملات والخواطر التي خطرت بباله وهو يقف بين بعض المصلين الذين لم يكملوا حتى الصف الواحد! في نفس المسجد كان يصلي قبل أيام – أيام رمضان – كانت جموع المصلين محتشدة بشكل كبير في هذا المسجد، ترى ما الذي حدث؟ ما الذي غيّر الأمر بين يوم وليلة؟ كتب خواطراً تنقل مشاعر من الأسى أو الحزن أو الإستغراب والدهشة والتعجب. هذا الموقف الذي ربما يمر بكثيرين منا يؤكد على حقيقة هذه الحقيقة أحياناً تشي بطبيعة العلاقة التي باتت بيننا وبين الله عز وجل نوّهنا إليها في الحلقة السابقة حين قلنا أننا لا نريد أن تكون علاقتنا بالله عز وجل علاقة موسمية، لا نريد أن تكون العبادة عبادة موسمية تنحصر في رمضان فقط هذه الحقيقة لكي تتغير في الواقع الذي نعيش نحتاج بالفعل أن نعيد الأمور إلى نصابها.

نحن في علاقاتنا الشخصية وعلاقاتنا اليومية لا نقبل حتى بالصداقات المؤقتة لا نقبل أن تكون علاقتنا بالآخرين علاقة مؤقتة بل نسمي وننتقد من يقوم بهذه الأمور ويقف هذه المواقف من العلاقات أنه إنسان صاحب مصالح وصاحب منفعة مؤقتة، فما بالنا في كثير من الأحيان نقع في مثل هذه التصرفات ومع من؟! مع خالقنا سبحانه وتعالى. لماذا تقوم العلاقة بيننا وبينه على موسم؟ لماذا تقوم فقط على أيام معدودة هي أيام الشهر الكريم الذي انصرم؟ لماذا لا تستمر هذه العلاقة كيف لي وأنا أتعبد الله سبحانه وتعالى أن يغيب عن خاطري وعن بالي أنه عز وجل قد أخبر عن نفسه سبحانه أنه يتنزل في كل ليلة وهذا في كل العام لا ينحصر في رمضان فحسب. كل ليلة من الثلث الأخير من الليل يتنزل سبحانه بما يليق بجلاله يسأل عن من يستغفره ليغفر له، يسأل عن من يطلبه ويسأله ليستجيب له ويجيب دعوته، أين نحن من كل هذا الخير؟ وأين أثر رمضان والأيام التي إنصرمت بالطاعات إن لم تظهر بعد رمضان، أين نحن من كل هذه العلاقات؟!.

* الرسالة الثانية التي إستوقفتني كذلك رسالة تصف أيضاً حالة مشابهة حالة إحدى الفتيات تقول عن نفسها هي تشكو من نفسها، تقول لا أدري لماذا على الرغم من أننا في ثاني أيام العيد أيام الفطر إلا أنني ومنذ أن إنتهى رمضان لم أتفطن إلى الإقتراب من كتاب الله عز وجل آلمني هذا الموقف، هي تقول عن نفسها آلمتني هذه العلاقة وقلت لماذا أنا كنت في رمضان حريصة كل الحرص على ألا تفوت ساعة من ليل أو نهار إلا وأنا أتصفح وأتلو كتاب الله عز وجل؟ لماذا خفتت العلاقة؟! لماذا خفت ذلك التعلق بكتاب الله سبحانه؟! الكتاب هو الكتاب لم يتغير.

هذان الموقفان يبرران بالفعل ما نمر به نحن كأشخاص إن لم نتيقظ وننتبه لما نحن فيه. نحتاج إلى إعادة النظر في علاقتنا بالله نحتاج أن نفهم أنفسنا أكثر فأكثر نحتاج أن نتفهم أن الحاجة لله عز وجل لا تنقطع وأن باب التوبة وباب الطاعة وباب الثواب وباب الجزاء لا ينحصر في أزمان معينة وأن الله سبحانه حين إختار وإصطفى من الأزمان ومن الأماكن ما شرّفه كرمضان على سبيل المثال إنما إختاره لأجل أن يدرّبنا على حلاوة الطاعة. كيف بي بعد أن ذقت وجربت لذة مناجاة الله عز وجل أن أتخلى عنها بهذه البساطة وبهذه السرعة؟! كيف لي أن أبرر مهما كانت قوة تلك المبررات كيف لي أن أبرر هذا الموقف؟! كيف لي أن أقول أني قد شغلت بزيارات الأقارب والأحباب ويوم العيد عن الله سبحانه؟!

الصلاة التى كنت أقف وأصلى ركعات عديدة وفي جوف الليل والقيام كيف لي الأن حتى صلاة الفريضة أعود إلى عمليات النقر كنقر الديك والإستعجال في صلاتي والإنشغال عن الله سبحانه وأنا أقف أمامه! كيف لي أن أعود إلى حياتي السابقة؟ ما الذي يمكن أن يصحح هذه العلاقات في حياتنا؟ ما الذي يمكن أن يجعل من العام بأسره وبأكمله عاماً من الطاعات؟ عاماً من الأعمال الصالحة؟ كيف لي أن أتخلص من هذه الحالة الغريبة جداً في واقعنا؟ طبعاً أعظم خطوة في عملية التخلص ومعالجة ما نحن فيه أن أتيقظ أن أنتبه. التنبه أو حالة اليقظة هذه تحتاج إلى مراجعة تحتاج إلى وقفة مع الذات تحتاج أن أتساءل عن هذه العلاقة بيني وبين الله سبحانه وتعالى أحتاج أن أقف مع نفسي لماذا أنا هكذا؟ لماذا رمضان يحرك فيّ كل العواطف والمشاعر فاتجه لله سبحانه وتعالى دون أدنى سؤال، ولماذا بعد رمضان أحتاج إلى خطوات واسعة لكي أتقرب لله سبحانه وتعالى؟ لماذا لا تبقى حالة القرب من الله عز وجل حالة -لا أقول متواصلة دائماً لأننا ربما سنصل لدرجة الملائكة وهذا لا يتحقق- ولكن على الأقل علاقة طيبة علاقة مستمرة. نعم قد تخفت في بعض الحالات أو في بعض الثواني والدقائق ولكن الأساس الذي تقوم عليه العلاقة أساس قوي أساس لا يتغير أساس لا يتبدل نحتاج إلى أن نستيقظ مما نحن فيه، وهذه اليقظة نحتاج إليها خاصة ونحن لا زلنا في أيام العيد وبدايات شهر شوال المبارك.
نلقاكم في حلقة قادمة بإذن الله، بإنتظار رسائلكم وتواصلكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *