بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله العظيم في هذا اليوم المبارك في هذه الساعة الطيبة المباركة من يوم الجمعة، لكل من يسمعنا ومن لا يسمعنا، لكل من نعرف ومن لا نعرف أن يُغدِق عليه من رحمته ومغفرته وأن يفتح له أبواب رزقه الواسعة وأن يرحمه برحمته التي وسعت كل شيء وأن لا يدع له في هذا المقام ذنبًا إلا غفره ولا كربًا إلا فرّجه ولا شيئاً من دنياه أو آخرته إلا أصلحه وأن يردّنا جميعنا إليه ردّاً جميلاً غير مخزي ولا فاضح وأن يثبتنا على الحق.
ما رأيكم بكل هذه الدعوات؟ وما هو الشعور الذي نتاب الواحد منّا وهو يسمع بأذنيه من يدعو له بكل هذا الدعاء الرائع الجميل الذي لا يمكن أن يخرج إلا من قلب مُحبّ قلب يود الخير والحب لكل الناس، هذا هو موضوع حديثنا لهذا اليوم “الدعاء بظهر الغيب” الذي هو صنوان الأخوّة والمحبة في الله. لا تصلح الأخوة ولا المحبة في الله بدون وجود الدعاء بظهر الغيب أن تدعو لأخيك المسلم بكل خير وحين تدعو لأخيك بظهر الغيب كما نعلم وكما جاء في الأحاديث الصحيحة أن عند رأس المسلم حين يدعو لأخيه بظهر الغيب ملكٌ موكل بأن يقول له آمين ولك بِمِثِل. ومن الطرائف أن بعض الإخوة والأخوات إذا أرادوا أن تتحقق لهم دعوة – والله سبحانه وتعالى يجيب الدعاء – إذا أرادوا أن تتحقق لهم دعوة يدعون بها لإخوتهم بظهر الغيب حتى تُستجاب الدعوة لأن الملك سيقول “آمين ولك بمثل”. الشاه في الموضوع أن الدعاء بظهر الغيب يولِّد الإيمان العظيم، الإيمان الذي لا يتحقق كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حتى يُحِبّ الواحد منا لأخيه ما يُحِبّ لنفسه ولكي يتحقق هذا الشعور الإيماني الرائع المتدفق في قلوب المؤمنين المنعكس على سلوكهم وأخلاقهم لا بد من آليات ووسائل لتحققه ومن أعظم هذه الوسائل أن تدعو للناس طريقة سهلة ميسرة رائعة، طريقة تستطيع من خلالها أن تمتصّ كل جوانب ورواسب بعض الشحناء والبغضاء التي يمكن أن تتولد أو الحسد أو ما شابه من أفعال لا يمكن أن تتولد في القلب إلا حين يخلو من محبة الله عز وجل والثقة به والإيمان والاطمئنان واليقين لحكمه أما أن تتحول إلى إنسان يتمنى الخير للآخرين فهذا يتولد من خلال كثرة دعائك للآخرين كما ذكرت لمن عرفت ومن لم تعرف. ودعوني أضرب لكم مثالاً بسيطاً: كلنا نراقب نشرات الأخبار كل يوم على سبيل المثال وكلنا نعلم بأنها تحمل الكثير من الأخبار السيئة أكثر بكثير مما تحمل من أخبار طيبة مع الأسف الشديد، ماذا لو أنك وأنت تراقب شاشة التلفزيون كلما رأيت شيئاً، رأيت فيضانًا في منطقة، رأيت حربًا في منطقة، رأيت ضربًا دعوت لهؤلاء الناس، طبعاً لا تعرفهم، دعوت لهم بالخير: إكشف الضر عنهم، يا رب ارحمهم، اللهم إنهم ضعفاء فقوهم، اكشف عنهم الضرّ يا رب العالمين، فرّج كروبهم داوي جرحاهم، إرحم موتاهم، هذا النوع من أنواع الدعاء إن اعتدت عليه سيأخذ بكل الأشياء المترسّبة التي جاءت في قول الله عز وجل حين قال (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) التغابن) بهذه الوسائل العلمية، ماذا لو أنك جعلت لنفسك حظاً لا يمكن أن تنساه ولاخوتك من المؤمنين من الأحياء ومن الأموات ماذا لو جعلت لهم حظاً ونصيباً من دعائك دعاء صادق بمنتهى الصدق بمنتهى الاحساس بمنتهى العزم والرغبة أن يتحقق هذا الدعاء وعلى قدر ما يكون في قلبك وصدرك من محبة وصدق ورجاء تحقق الدعوة لاخوتك من المؤمنين بقدر ما يحقق الله سبحانه وتعالى لك ما تتمنى وأكثر من ذلك. يحضرني موقف ذكرته لي إحدى الصديقات قال لي ذات يوم -وهي لديها مشاكل في إطار الحياة الزوجية كما نعلم الحياة ممكن أن يحدث فيها- ولكن هي كان عندها كثير من المشاكل يومياً وبشكل دائم هناك خلافات ونزاعات بينها وبين زوجها، تقول: ذات يوم بدأت ألاحظ أن المشاكل بدأت تقل، أنا لم أتغير – هي بدأت تقول عن نفسها – وهو لم يتغير ولكن هناك شيء من السكينة قد بدأت تحلّ في بيتنا وفي منزلنا. تقول فانتبهت بدأت أحاول أن أل هذا اللغز أفكر ماذا حصل فإذا بي أجد امرأة أحسبها من الصالحات انتقلت إلى المبنى الذي نسكن فيه وقد كانت تسكن مقابل هذه الأخت، تقول فذات يوم وكان يجمعنا لقاء حاولت أن ألحّ عليها بالسؤال ما هي الأعمال التي تقومين بها؟ ما هي الممارسات؟ ما هي كذا؟ فإذا بهذه المرأة تسألني ما أخبارك؟ ما أحوالك؟ وإن شاء الله تكوني بخيروإن شاء الله تكون الأُسرة مستقرة إن شاء الله الأحوال الزوجية مستقرة، تقول فشعرت أن المرأة تعرف شيئاً بحكم الجيرة، تقول لما سألتها وألححت عليها بالسؤال أجابتني بمنتهى الصدق والصراحة، قالت: يا أختي أنا منذ أن تحولت وانتقلت إلى المنزل الجديد وأنا أسمع في كثير من الأحيان أصوات الخلاف والنزاع بينك وبين زوجك وتعلو الأصوات وترتفع وربما لا تشعرون أن الجار يمكن أن يسمع، تنتقل الأصوات بشكل واضح، تقول هذه المرأة الجارة الجديدة: ولكني كلما كنت أسمع الأصوات وهي ترتفع بالشقاق والنزاع والخلاف أرفع يدي بالدعاء بمنتهى الصدق وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يُصلح فيما بينكم وأن يؤلِّف فيما بينكم وأن يقرِّب بين قلبيكما وأن يزرع الحب والعطف والمودة والرحمة والسكينة ما بينكما. تقول هذه المرأة فبدأت أشعر بالفعل بأن الكلمات التي كان تقولها هذه المرأة تدخل في أعماق قلبي، أنا شعرت بها في حياتي، شعرت بها بعظمة السكينة التي بدأت تدخل إلى بيتنا من جديد بعد أن غابت عنه.
الدعاء بظهر الغيب، بدل أن أقول ما هذا النوع من الجيران الذين قد غاب عنهم خلق الحياء؟! لا يعرفون لجارٍ حرمة ولا ولا ولا… ادعوا لهم بظهر الغيب دعوة صادقة بالخير، لا ندري ما مديات الخير الذي لا يمكن أن يقف فقط عند حدود أخيك أو جارك أو أحد من الناس، سيصل إليك وليس إليك فقط سيصل إلى العالم من خلال الدعاء بظهر الغيب، عبادة من أروع العبادات، عبادة صفّ القلب، عبادة تقرّبك من ربك سبحانه، عبادة تحبِّب فيك وتحببك إلى حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم فما كان عليه الصلاة والسلام يحب شيئاً كالأخوة، كالمحبة بين الناس كالعطف بين الناس كنشر هذه المعاني الرائعة التي آن لها أن تعود إلى حياتنا.
اليوم يوم جمعة تعالوا نتفق وتعاهد أن ندعوا لبعضنا البعض بظهر الغيب. أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينزل علينا جميعاً من رحمته وأن يغفر لنا جميعاً في هذا اليوم المبارك وأن يقبل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يقرّبنا إليه وأن يفرّج همومكم وغمومكم ويُصلِح ذات بيننا ويؤلف بين قلوبنا ويرزقنا منه رزقاً حلالاً طيباً حسناً مباركاً فيه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)