بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اليوم أريد أن أشارككم في موقف حدث معي خلال الأسبوع الماضي. الموقف كان في خلال جلسة تضم عدداً من النساء كنت أجلس على طاولة كانت امرأة تشاركني فيها ومعنا مجموعة أخرى من النساء وكانت هناك شابة طموحة طالبة تدرس في إحدى الكليات، دارت الأحاديث بيننا طويلاً وما لفت انتباهي كثيراً طموح الشابة والآمال العريضة التي كانت ترسمها لمستقبلها كانت تأمل أن تنتهي من دراستها وتجد عملاً وتفعل وتفعل حتى لكأني وأنا أستمع إليها وأنا في غاية السعادة حتى كأني أرى أن العمر بأكمله لا يكفي لتحقيق كل هذه الآمال المرجوّة ولكني تمنيت لها الخير والتوفيق والسعادة في تحقيق آمالها وما تطمح إليه. فوجئت قبل أيام قليلة – أي بعد تلك الجلسة بأيام معدودة – أن هذه الفتاة قد توفيت في حادث سيارة، حادث مفاجئ، الموت يحدث كل يوم وكلنا نؤمن بأن الموت حقّ كما أن الحياة التي نحياها هي حقّ لم يستوقفني ذلك، الذي استوقفني هو الشعور وإحساس الإنسان متجسِّداً في تلك الشابة على وجه التحديد ربما لأن الحديث قد دار بيني وبينها طويلاً حول تلك الآمال، هذا هو ما شدّني واستوقفني في المسألة أكثر ما يكون. كيف يبني الإنسان آمالاً عريضة؟ طول الأمل! كيف يبني تلك الآمال وفجأة يأتي القدر ويأتي الأجل المحتوم الذي لا يؤخِّره ربي ساعة من ليل أو نهار ويوقف ويضع حدّاً لكل تلك الآمال المرجوّة، وما معنى الحياة التي نعيش فيها نحن اليوم إن كانت من نؤمِّل فيها من أحلام ومن طموحات، أحلام ربما نتمنى أن تتحول إلى حقائق وواقع نعيش فيه، ما فائدة كل ذلك؟! إذا كان الموت قد يأتي في أية لحظة وينتهب ويختلس منا كل تلك الآمال؟! هنا استوقفني قول الله عزّ وجلّ (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك) العمل الذي نقوم به يبتدئ بداية من الإرادة والعزيمة والنية والصدق مع الله عز وجل فيما أنوي أن أقوم به، قد أُحقِّق ما نويت وقد لا يُمهِلني الأجل إلى أن أحقق ما نويت، المهم أن يكون لديّ تخطيط، المهم أن يكون لدي آمالاً عريضة، المهم أن يكون لي هدف في الحياة، المهم أن أَصْدُقَ في النيّة التي لا يطّلع عليها أحد إلا الله سبحانه وتعالى الذي سألقاه غداً أو بعد غد، الذي سألقاه وسأقف بين يديه فيسألني عن أعمالي ويسألني عن طموحاتي، سيسألني عما حقّقت وعما لم أتمكن من تحقيقه هل كنت بالفعل قد نويت العمل لأجل ذلك الطموح ولأجل ذلك الأمل ولأجل أن أحقق ذلك الحلم الذي أريد أن يتحقق النفع فيه للبشر وللناس من حولي. هذه المعاني تجعل الحياة الدنيا التي نعيش فيها على قصرها على محدودية المدة التي نقضيها فيها لها قيمة لها معنى، تجعل البصمة التي سأتركها سأخلّفها من ورائي من بعدي بعد ساعات ربما تجعل لها قيمة حقيقة. الحياة والدنيا لم تُخلّق لأجل أن ننشغل بها عن الرحلة القادمة وهي رحلة الموت. الحياة الدنيا خلقها الله عزّ وجلّ لتكون مزرعة، لتكون محطّ للآمال وللطموحات ما تحقق منها وما لم يتحقق كما ذكرنا قبل قليل. تلك الشابة الرائعة التي قد رأيت رحمها الله ورحم الله جميع المسلمين والمسلمين الأحياء منهم والأموات تلك الشابة الرائعة كان لديها طموحات الذي يوصلها ويقربها إلى الله عز وجل وينفعها بعد انتقالها من هذه الحياة المحطة القصيرة إلى رحلة الموت هو قيمة الطموح والأمل صلة الطموح وما أفعله في هذه الحياة لله عز وجل، ماذا نويت أن أفعل وأنا في بدايات حياتي أو في منتصف العمر أو في أي مرحلة عمرية، الحياة لا تنتهي بالشباب كما أنها لا تقف عند حدٍّ معين، الحياة تستمر وبقدر ما أمتلك من طموح ومن أمل ومن رغبة في تحقيق شيءٍ إيجابي وترك بصمة إيجابية حقيقية من ورائي بقدر ما يكون لدي نصيب من الشباب. الشباب لا يتوقف عند مرحلة عمرية، الشباب يتوقف وينضب عندما لا تكون هناك همّة، عندما يخلو القلب وتخلو النفس من طموح ومن أمل حقيقي وليس مجرد طول الأمل الفارغ الذي يؤمِّل أن يعيش ويعيش ويفعل ويفعل دون أن يكون لتلك الأفعال هدف، دون أن يكون لها ارتباط بالمحطة القادمة، ماذا قدّمت لحياتي؟؟ ولذا الله عز وجل في أكثر من آية يقول (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ (18) الحشر) المحطة القادمة ربما تكون قريبة جداً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يطيل أعمارنا فيما يحب ويرضى، أن يطيل الأيام في هذه الدنيا لأجل الازدياد من الطاعات، لأجل ترك وبذر الخير أينما كنّا. المؤمن كالغيث، المؤمن الذي يؤمن برسالته في الحياة، المؤمن الذي يُدرك بأن الحياة ليست مجرد قضاء وقت الحياة ليست مجرد فترة محدودة أقضيها بأي شكل من الأشكال ثم أنتهي منها، الحياة أريد لها أن تكون مزرعة حقيقة للآخرة أن تكون مقدّمة لما بعدها أن أزرع فيها كل ما أتمكن من زرع أن أبذر فيها الخير ربما لا يسعفني الوقت ولا يمهلني الأجل أن أنظر ثمرة هذا البذر أو هذا العمل ولكن المهم أن أنوي بجدّ وبصدق وبإخلاص وأبدأ برمي البذور وزرع الخير أينما كُنت وحيثما وقفت دونما خوفٍ أو وجلٍ من مستقبل قد لا يمهلني فيه الأجل لتحقيق هذه الأعمال وهذه الطموحات فالأجر عند الله محفوظ.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل أعمالنا ونراكم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.