تدبر آية: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿١١﴾ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٢﴾ البقرة) (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿٢٠٦﴾ البقرة) نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء، من أولئك الفئة من الناس الذين حين يُراجَعون بأخطائهم أو يواجهونبمواقف قاموا بها أخطاء ربما غير مقصودة إذا بهؤلاء يتعصّبون لذواتهم وأنفسهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِفَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) التعصّب، الامتناع عن محاولة الاستماع للآخرين، الامتناع عن مجرد التفكير بأني يمكن أن أكون قد أخطأت فلِمَ لا أراجع نفسي؟
هذا الموقف له خلفيات ثقافية ونفسية واجتماعية بالفعل يمكن أن تكون هناك موانع وعوائق من مراجعة النفس، واحدة من أهم تلك العوائق أن بعضًا من هؤلاء الناس الذين لا يرغبون حتى في مجرد التفكير أني ممكن أن أكون قد أخطأت قد نُشّئوا في بيئات معينة وخاصة في محيط الأسرة والمدرسة وربما المعاهدوما شابه انتشرت فيها ثقافة أن الإنسان حين يُخطئ عليه أن يبرر ذلك الخطأ أو عليه أن يتبعه بخطأ آخر ليغطي على ذلك الخطأ، المهم أن لا يظهر أمام الآخرين أنه قد أخطأ فإذا ما واجهه أحد من الناس ممن هو أصغر منه سنً، طالب مع مدرّس، ابن أو بنت مع أمها تجد التراجع (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) التراجع عن مجرد التفكير بأني يمكن أن أكون قد أخطأت فعلًا، هذه الثقافة، هذا النوع من التصرفات والسلوكيات يكرهها القرآن، لا يقبل بها لأنه يقوم في الأساس على تصوّر وتعزيز بناء فكرة أن الأشخاص والأفراد فيما بينهم وبين بعضهم البعض يكمّل الواحد منهم الآخر، كل واحد منهم هو مرآة لأخيه فيما بينهم مشاعر من المحبة والمودة تبرر أن يكمل واحد منهم الآخر، تبرر أن يهدي الواحد منهم للآخر خطأه أو عيبه ولا يرى في ذلك منقصة وإنما يرى في ذلك استكمالًا لشيء لا بد أن يكمّل ويتمّم. هذا النوع من المشاعر للأسف الشديد في حياتنا اليوميةبدأ بالفعل يختفي ونشأ معه تعصب للذات شديد جدًا، هذا التعصب الذي لا يقبل أن يعترف بالخطأ ولا يقبل للذات أن تكون في موقع الإقرار، يتصور دائمًا أنه على حق وعلى صواب، يعتقد ويظن أن الآخرين مهما كانوا أكثر خبرة منه أو أكثر علما أو ربما أكثر رؤية في ذلك المواقف لسبب أو آخر حتى وإن كان هناك فوارق في العمر أو في الثقافة كما يحدث بعض الأحيان بين طالب ومدرّس لربما رأى ذلك الطالب خطأ ما تنبّه إليه الأستاذ أو المدرّس، صحيح هناك فارق في العمر، صحيح هناك فارق في الخبرة وفي التجربة والشهادة وكل شيء ولكن إذا استطاع ذلك الطالب أو من هو أصغر في السنّ أن يوصل تلك المعلومة بلطف وأدب وذوق رفيع فلم لا يتقبل الطرف الآخر تلك المشورة أو تلك النصيحة أو ذلك التنبيه؟!لم لا يقبل؟! لم يأخذه فعلًا موضوع التعصب بعيدًا عن كل شيء؟! لِمَ يعتقد في نفسه بأنه على حق دائمًا والطلاب باعتبار أنهم أصغر منه سنًا على خطأ؟!لِمَ يشعر بالتفوق والرفعةويشعو إذا اعترف أمام الآخرين بأنه قد أخطأ فكأنه أصبح أقل منهم شأناً؟! لم يستثقل ذلك كله؟! لِمَ سادت تلك الأجواء من التعصب للذات وثقافة التفاخر والتباهي والمزايدات في واقعنا؟ لِمَ كل هذا؟! وإلى أين سيصل بنا هذا النوع من التصرفات؟!. المدرس على سبيل المثال حين يقف أمام طلابه والخطأ واضح ولا يقبل أبدًا أن يتراجع عن ذلك الخطأ ما هي الرسالة التربوية التي يريد إيصاله لطلابه وتلاميذهوأبنائه؟!الأب الذييخطئ في حق أبنائه لكنه في حياته التربوية معهم في كل حياته لم يقل في يوم من الأيام آسف أوأعتذر لواحد من أبنائه وإن أخطأ في حقّه، هذا الأب يا ترى ما هي الرسالة التي يوصلها لأبنائه؟! الرسالة واضحة:”الاعتذار يعني ضعف الشخصية، عليك أن تتمسك برأيك وتتعصب له مهما كان حجم الخطأ في ذلك الرأي”. هذا النوع من التعامل تعامل تربوي سيء جدًا يؤجج في نفوس الناشئة ويؤجج في نفوس أفرا المجتمع الواحد عدم التراجع عن الأخطاء وعدم تصحيحها. هذا التصور المهول بأنه فعلًا تصحيح الخلل أو التراجع عنه معناه فعلًا الضعف في الشخصية معناه أني أنا قد لا أحترم نفسي بالتالي لا بد أن أقوم برد فعل عنيف يكمن في التعصب للرأي والتعصب للذات (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) العزة بالإثم،العزة الآثمة هذه ليست عزة صائبة، العزة التي يربيها القرآن في نفوس المؤمنين عزة بالحق والإيمان بالحق ليس لأني أؤمن به كشخص ولكن للحق كقيمة، العزة التي يبنيها القرآن في نفوس المؤمنين عزة مستمدة من كتاب اللهوليس من شخص وليس من فرد قد يقع في حقه الخطأ والصواب. اعتزاز الإنسان بنفسه لا يعني إطلاقًا أنه لا يتراجع عن أخطائه ولا يقوم تصحيحها. المدرّس الذي يشكر ذلك التلميذ الذي نبّهه على خطأ معين في مسألة حسابية أو ما شابه، هذا النوع من المدرّسين والأساتذة إنسان تربوي يستحق التقدير، يستحق الاحترام لأنه قامبإرسال رسائل تربوية صامتة لطلابه وتلاميذه، لأنه أشاع ثقافة وخُلُق ما يمكن أبدأ أن يشيع بين أفراد المجتمع وبين الناشئة من خلال الخطب المثالية البعيدة عن التطبيق في واقع الحياة، هو يقول لهم أن التراجع عن الخطأ أفضل بكثير من الاستمرار فيه، يقول لهم لا تثريب عليكم اليوم، يمكن أن نخطئ ويمكن أن نصحح لبعضنا البعض، يقول لهم أن العزة الحقيقية لا تكمن في التعصب للرأي وإن كان على خطأ وإنما العزة الحقيقية في الانتصار للصواب والحق وإن بدا من طفلصغير أو ممن هو أصغر مني سنّا وأقل علم وتجربة. هذه المعاني العظيمة لا تدرّس بكلمات في مدارسنا وفي بيوتنا وفي وسائل الإعلام المختلفة، هذه المعاني السامقة العظيمة، الأخلاق الراقية لا بد لنا أن نمارسها ممارسة حقيقية في حياتنا هي تُعلَّم من خلال الممارسة لا من خلال الكلمات والألفاظ.
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *