تدبر آية – (وكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)

بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ملفت للنظر جدًا ما نقرؤه في سورة الكهف في قوله تعالى في ذلك الحوار بين الرجل الصالح وبين موسى عليه السلام حين يقول له (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴿٦٨﴾) هذه القضية: الصبر على ما لم نحط به خبرا وعلما ومعرفة وإدراكًا بحكم بشريتنا قضية في غاية الأهمية، قضية تعترضنا في كثير من الأشياء التي نمر بها في حياتنا، المشاريع التي يتأخر النجاح فيها المشاريع المعطلة في حياتنا سواء مشاريع على المستوى العملي أو المستوى العائلي أو الاجتماعي والأسري والمادي كل المشاريع التي في بعض الأحيان لا نرى لها ثمرة أو نتيجة. كل الأمنيات التي لم تتحقق لنا بعد كل القضايا التي نتمنى أن تقع اليوم قبل الغد، كل الأشياء التي نعتقد أنها أنفع وأصلح وأحسن بالنسبة لنا ونريد أن تحدث الساعة وليس بعد ساعة، كل تلك الأمور القرآن العظيم يعلمنا من خلال هذه القصة (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴿٦٨﴾) يعلمنا بالمقابل أن ما هو مطلوب مني كبشر بعد أن أجتهد وأقوم بالعمل الذي ينبغي أن اقوم به أن أصبر أن أعطي الأمور المختلفة في حياتي الزمن، حقيقة الزمن الذي لا يمكن أن يحدث إلا من خلال الصبر، وأني أدرك وأنا أصبر وأنتظر أن هناك أشياء في الحياة أنا لم أحط بها علمًا بحكم بشريتي بحكم إنسانيتي بحكم علمي القاصر المحدود فنحن لا نعلم المخفي من الأمور، نحن لا نعلم إلا شيئا مما ظهر نعلم ظاهرًا من الأشياء وهناك عشرات الأشياء مخفية عنا في علم الغيب عند الله سبحانه، هناك كثير من المواقف في حياتنا ربما ونحن نمر بها نحرص عليها وعلى وقوعها أشد الحرص ونتمنى في قرارة أنفسنا أن تحدث الآن ولا تحدث بعد يوم أو يومين ولكن الله سبحانه يشاء أمرًا آخر فتؤخر تلك الأمنيات المستعجلة ولا تحدث تلك الأماني التي كنا نتمناها وربما نتأثر وربما نحزن لذلك وربما حتى نشعر بالسخط والضجر والسأم أن ذلك لم يحدث ولكن بعد فترة من الزمن قد تطول وقد تقصر ندرك تمامًا أن الخير كل الخير في أن تلك المشاريع التي حرصنا عليها لم تحدث ولم تقع. هذه الإشكاليات نحن نحتاج أن نستحضرها ونحن نمر في الحياة بقضايا متعددة ربما تأخر في مواعيد زواج، ربما تعطل في تحقيق أمنية عزيزة غالية على أنفسنا. كل أولئك الذين تتعطل أمنياتهم كل أولئك الذين يبحثون عن الوقت والساعة التي يرون فيها أحلامهم واقعًا على الأرض كل تلك الأمور تحتاج منا إلى صبر تحتاج منا أن ندرك أن هناك فسحة من الوقت وفسحة من الزمن ومجال للفعل الإلهي الذي لا يمكن أبدا أن يحدث شيء في الكون إلا بأمره وإرادته سبحانه. عندها فقط لا يستبد بنا اليأس حين تتعطل الأمنيات لا يأخذنا الملل وطول الانتظار بعيدًا عن التفاؤل والإيجابية والعمل الدؤوب عندما لا يحدث ما نتمناه رغم كل سعينا وحرصنا على أن يحدث. فهناك الكثير من الأشياء لم نخبرها ولم نعلمها ولم نحط بها علمًا، كثيرمن الأمور من المشاريع التي تتعطل ربما الخير في أنها قد تعطلت ربما الخير في أنها لم تشغل في تلك اللحظة التي تمنيناها لأن هناك نقص في جهة معينة لم نستكمله وربي سبحانه من لطفه ورحمته بنا وخبره وعلمه بنا سبحانه وتعالى أراد لنا أن تُعطل وأن لا تتم في الوقت الذي حددنا لنا وإنما في الوقت الذي حدده هو سبحانه وتعالى لنستكمل النقص لنتخلص من جوانب ضعف موجودة في تلك المشاريع. وحين ننظر إلى طبيعة العلاقة بيننا وبين الله سبحانه أنها علاقة الخبير العليم بعباده وخلقه يربيهم ويعلمهم ويؤدبهم ويزكيهم، عندها فقط ستتغير الأمور وستتغير النظرة التي نستقبل بها أحداث الحياة ولذا ربي سبحانه وتعالى يقول (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴿١٤﴾ الملك) خبير بنا سبحانه خبير بأن كثيرًا من الأمنيات لو حدثت في الوقت أو بالشكل الذي أردناه يمكن أن تؤدي إلى اشياء غير جيدة في حياتنا على المستقبل القريب وربما حتى المستقبل البعيد. نحتاج إلى جرعة من الطمأنينة والثقة بأمر الله سبحانه وتعالى خاصة في حياتنا المعاصرة التي تتسم بعامل السرعة الشديدة فنحن في بعض الأحيان يصل بنا الأمر كمن يرمي البذرة في الأرض ويتوقع أن يحصد الثمار بعد أسبوع واسبوعين هذا لا يمكن أن يحدث! كل شيء في الكون حتى تلك البذرة التي نبذرها في الأرض تحتاج إلى عناية وإلى رعاية وإلى سقي وإلى ماء وإلى ظروف معينة لكي تنبت وحين تنبت في نفس الوقت تأخذ مراحل حتى تكبر حتى تصل إلى مرحلة حتى تكون شجرة حتى تحمل بعد ذلك ثمرة وحتى الثمرة ربي سبحانه وتعالى لا يجعلها من أول تكوّنها صالحة لأن تُجنى أو تقطف، هناك مدة زمنية، أنا إن استعجلت في قطف تلك الثمرة لا يمكن أن أحصد منها شيئًا حتى في الطعم سيكون الطعم مرًّا كالعلقم لأني بالفعل استعجلت وحصدت الثمرة قبل أوان نضجها، قبل اكتمال نضجها! أنّى لي أن أتعلم أن أطبق هذه الجزئيات والقوانين الموجودة أمامي في الكون وفي الطبيعة على حياتي ونفسي على ترك الاستعجال في بعض الأمور والتأني بها، إعطاء عامل الزمن، عامل الوقت حتى في التعامل مع الأشخاص حتى في التعامل مع الأبناء حتى في إحساننا للناس نحن حين نفعل ونقوم ونصنع ونبذل جهدًا لا تتوقع أنك ستجني الثمرة غدًا أو بعد غد وربما قد يطول الأمد! ولا يجني الإنسان الثمرة فعلًا في الوقت الذي هو يتوقع أن يجني فيه الثمرة، لماذا؟ لأن الله خبير بالوقت الذي يمكن أن تجنى فيه الثمار ربما ربي سبحانه أراد لك شيئا آخر أراد لك وقتا آخر تستفيد منها بشكل أفضل. فإذا بنيت العلاقة بيننا وبين الله عز وجلّ على تلك الثقة على تلك الطمأنينة على إدراك أننا في نهاية الأمر بشر فينا قصور فينا محدودية فينا قصر نظر بحكم بشريتنا فينا نوع من أنواع الاستعجال الذي تكلم عنه القرآن الإنسان خلق من عجل ولكن هذه العجلة ينبغي أن أراعيها وأن أهذبها وأشذبها إلى أن تستقر حياتي وفق جانب التأني وعدم الاستعجال في الأمور والحكم على الأمور ببداياتها بإدراك أن الله سبحانه وتعالى قد أحاط بكل شيء خبرة وعلمًا ومعرفة ورحمة كذلك بنا فالله هو الرب الرؤوف الرحيم فكل شيء سيأتي بأوانه كل ما علينا أن نبذل الجهد ونسعى ونفوض الأمر لله سبحانه. نلقاكم بإذن الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.تدبر آية – (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴿٦٨﴾ الكهف) – د. رقية العلواني

تفريغ سمر الأرناؤوط – موقع إسلاميات حصريًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *