تدبر آية: كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ

تفريغ سمر الأرناؤوط – موقع إسلاميات حصريًا

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والآه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يقول الله عز وجلّ في سياق الحديث عن الكفار من بني إسرائيل وهو يصف أقبح الصفات التي اتصفوا بها وطبعًا القرآن العظيم حين يحدثنا عن هذا وحين يحدثنا عن الأمم السابقة إنما يأتي بها لسياق أخذ الدروس والعبر، في سياق التعلّم، في سياق عدم الوقوع التي وقع بها السابقون لأن العاقل هو الذي يتعظ بغيره ويتعلم من عثرات غيره، يتعلم من الأخطاء ويحاول أن يتدارك تلك الأخطاء فلا يكررها في حياته وقد علم مآلآت تلك الأفعال والأخطاء

القرآن العظيم في سورة المائدة هذه الآية الكريمة التي يقول فيها (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) والقرآن العظيم في هذه الآية يحدد صفة شاعت وانتشرت بين تلك الأقوام، شاعت في المجتمع ما أصبحت مجرد عمل فردي فالقرآن يستعمل في مواضع أخرى كلمة (ينهون) ولكن هنا قال (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) واصفًا ذلك الفعل عدم التناهي (لا يتناهون) وعدم التناهي هنا يوضح لنا من سياق الكلام أنه الذي ينبغي أن يكون أن يصبح إنكار الخطأ وعدم إعطاء الشرعية للأخطاء لما قبّحه الإسلام، لما يقبّحه وينكره العقل السليم الصافي الرشيد النقي الذي يتدبر في عواقب الأمور ويربط بين تلك المآلآت بما جاء في كتاب الله عز وجلّ حين لا يصبح ذلك تفاعلًا في المجتمع حين يرى أفراد المجتمع البعض منهم وهو يزاول أعمالًا مشينة قبيحة لا يقبل بها الشرع أنكرها الشرع العظيم زجر عنها نهى عنها هذه الأفعال حين يكتفي الإنسان المسلم الإنسان الذي يقرأ كتاب الله تعالى الإنسان الذي يعي تمامًا ما معنى رسالته على هذه الأرض يرى الأخطاء يرى القبائح يرى المنكرات من فحش في القول من فحش في الفعل من تصرفات دنيئة من مخالفات صريحة لشرع الله ولكنه يأبى إلا أن يلوذ بالصمت مبررًا لنفسه عشرات التبريرات وما أكثر التبريرات في حياتنا! التبرير هو عبارة عن حالة نفسية يحاول فيها الإنسان أن يتخلص من كل تلك الإزعاجات النفسية التي يشعر بها يتخلص من تلك التبعة التي يحس بها نفسيا الألم وخز الضمير الذي يشعر به حين يسكت عن خطأ حين يسكت عن قبيح. هذا الفعل الإنساني حين ينتشر بين أفراد المجتمع ويصبح المجال كل المجال (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) يفعل أحدهم المنكر يفعل القبيح يفعل الجريمة التي زجر القرآن عنها بأبشع الأوصاف ورغم كل ذلك يعودون فيتشاركون ويتقاسمون معه كل تفاصيل الحياة يجالسونه في مجالسهم ربما يستقبلونه في بيوتهم وربما يرحبون به كذلك، بمرور الوقت والزمن المخطئ يشعر أن هؤلاء يعطونه ويمنحونه شرعية سلبها الله سبحانه وتعالى منه. المخطئ نحن حين نرى في حياتنا من يخطئ في حياتنا وكل ابن آدم خطاء ولكن هناك فرق شائع بين من يخطئ ويتستر على خطئه على فعلته وبين من يخطئ ويجاهر بذلك الخطأ وربما في بعض الأحيان حتى يتفاخر به، هذا النوع من التصرفات هو الذي نعى القرآن العظيم نعى على من يحاول أن يعطي شرعية لتلك التصرفات، كيف كيف يعطي شرعية وهو فقط التزم بالسكوت؟! القرآن يعلّمني أني حين لا أوضح لذلك المخطئ الخطأ حين لا أبيّن حين لا أجعل هذا الإنسان المخطئ أنا في حقيقة الأمر أنا حين أوضح له الخطأ إنما آخذ بيده أحاول مساعدته، المخطئ فينا ليس إنسانًا منبوذًا كما يُهيأ للبعض أنك إذا أنكرت الخطأ على صاحبك كأنك نبذته، لا، المسألة ليست بهذا الشكل، المسألة أني بالعكس تماما حين أوضح له الخطأ إنما آخذ بيده إنما أحاول أن أريه أشياء ما رآها من قبل أحاول أن أوضح له العواقب، أسلك أحسن السبل والطرق والوسائل لأجل أن أبين له مدى الخطأ لكن أن أتركه وأتعامل معه وكأنه لم يخطئ وأغض النظر عن تصرفاته وربما تكون تلك التصرفات قبائح، منكرات، هذه كارثةّ ولن يتوقف أثر هذه الكارثة على الشخص  فحسب وإنما قطعا سيمتد إلى أطراف متنوعة متعددة.

شاع على سبيل المثال للأسف الشديد في بعض المجتمعات ما يطلق عليه البعض الجنس الثالث أو مسميات مختلفة أصبح وجودهم لا نقول أنه شائع جدًا والفضل لله لا تزال بعض المجتمعات فينا لديها ذلك الحس والوعي الإيماني والخوف من الله عز وجلّ ولكننا في نفس الوقت نرى أن ذلك الانفتاح والانبساط في العالم بأسره تجاه هذه القضية الأخلاقية تجاه هذا الإنحراف الأخلاقي قد بدأ يتغير شيئا فشيئا بل كثير من التشريعات العالمية بدأت تعتبر أن تلك الصفات المنحرفة وتلك الأمراض الخطيرة إنما هي ليست بقبائح وليست بجرائم بل هي شكل من اشكال الترابط بين شخصين، شكل من اشكال الأسرة إن صح التعبير هذا في بعض التشريعات العالمية و لكن ذلك لا يغير من حقيقة الأمر الله سبحانه وتعالى بل جميع الشرائع السماوية وصفت ذلك الفعل الشنيع بأنه جريمة أخلاقية. نحن حديثنا اليوم ليس عن هذه القضية ربما نتحدث عنها في مرات قادمة ولكن الحديث هنا عن كيفية تقبل المجتمع لوجود هذا الأمر، البعض منا أصبح يعطي شرعية لهذا الفعل دون أن يتنبه يتعامل مع هذه الأطراف  وكأن الأمر مقبول في حين أن الأمر منحرف وشاذ وقد يتساءل قائل: ماذا نفعل بهم؟ ننبذهم؟ لا نتعامل معهم؟ من قال إن الأمر إما أبيض وإما أسود؟ القرآن يقدم منهجية في التعامل مع الإنحرافات والأخطاء تلك المنهجية التي سار عليها لوط عليه السلام في التعامل مع قومه توضيح الأمور عدم السماح بإعطاء أي شرعية لذلك الأمر.

وثمّة أمر نغفل عنه تمامًا أننا حين نتقبل الأخطاء والانحرافات إنما نعطيها شرعية تتكلم بصمت لأبنائنا ولشبابنا ولبناتنا أن ذلك الفعل يمكن أن يكون مقبولًا منهم. ربما لم نشعر بضخامة الأمر، ربما لم ننتبه إلى جسامة الجريمة، ربما لم ندرك تمامًا ما مدى الآثار السلبية الفظيعة المترتبة على ذلك الفعل، فعل السكوت، السكوت السلبي الذي بات فعلًا يقتل المجتمعات يقتل الحسّ والوعي بالمظاهر المختلفة، ربما لم نعي ذلك. ولكن القرآن العظيم في هذه الآية يؤكد أن من أكثر الأعمال شناعة أن لا يتناهى أفراد المجتمع عن المنكر فيما بينهم بأحسن الأساليب بأجمل الطرق ولكن في ذات الوقت لا يمكن أن يكون السكوت هو الحلّ بل السكوت هو الداء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *