قلبي مشغول بمن: الحلقة الثانية من الموسم الثاني (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ )

https://youtu.be/rFJOdMwSlsE

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تكلمنا في لقاء سابق عن الاستغفار وقلنا كيف أنه من الواجب علينا أن نتحرر من من قضية محدودية النظر في الآثار أو الثمرات العاجلة والطلبات المستعجلة التي نريد تحقيقها من خلال الاستغفار. اليوم نتكلم عن قضية أخرى أيضًا متعلقة بالاستغفار، قضية ربما يختصرها البعض أو يظن حتى عدم وجودها، يقفز عليها: لماذا أصبحنا حين نستغفر نفكر فقط فيما نريده من الله عز وجلّ؟! لماذا أصبحنا نفكر فقط في قائمة الطلبات التي نريدها؟! لماذا؟! لماذا حين نستغفر تحديدًا – والاستغفار معناه الأعم الشمل أن أطلب المغفرة، أن أطلب العفو أن أطلب الصفح، الغفران من الله عز وجلّ، الستر على الذنوب والأخطاء والمعاصي والنواقص والمحدودية التي أنا فيها، لماذا قبل أن أفكر بقائمة الطلبات التي أريدها من ربي عز وجلّ وهو قادر كريم يعطي لمن يشاء والفضل له سبحانه لماذا لم أعد أفكر فيما يطلبه هو مني حين طلب مني الاستغفار؟! حين أمرني بالاستغفار فقال في أكثر من آية في كتابه العظيم (استغفروا ربكم) بعد العبادة، قبيل العبادة، في أثناء الحياة اليومية وتعاملاتها، الاستغفار من أعظم العبادات التي كثر الأمر بها في كتاب الله عز وجلّ. لماذا لا أفكر وأتأمل وأتدبر ما الذي يطلبه مني سبحانه حين يأمرني بالاستغفار؟ ماذا يريد مني أن يتحقق في حياتي حين أقول أستغفر العظيم الله وأتوب إليه؟ تراها مجرد كلمة تقال باللسان؟ لا نشك في أن ذلك جزء من العبادة، العبادات منها ما يكون باللسان ومنها ما يكون بالجوارح ومنها ما يجمع بين ذلك كله وهذا أعلى درجات العبادة وهو المطلوب.

دعونا نتأمل حين يقول ويأمرني ربي بالاستغفار ماذا يريد مني أن أفعل قبل أن أسأل ما الذي سيعطيني من إكثار الرزق وتسريع الزواج والحصول على الوظائف وعشرات الطلبات الدنيوية التي ربما في بعض الأحيان وقفت -دون أن نشعر وبحسن نية- حائلًا بيننا وبين تحقيق ثمرة هذه العبادة العظيمة في حياتنا. الاستغفار يذكرني بأخطائي، يذكرني بمواضع التقصير فيّ، يذكّرني بضعفي ومحدوديتي وعجزي كإنسان، يذكرني بواجبي تجاه نفسي، تجاه ربي، بواجبي الذي لأجله خُلقت وربما غفلت عنه كثيرًا: تحقيق معاني الاستخلاف في الأرض، تحقيق معاني العبودية لله سبحانه وتعالى علمًا وعملًا، قولًا وفعلًا، عبادة ومعاملة، أخلاقًا وقيَمًا، زرعًا وغرسًا وانتاجًا وبناءً لا تخريبًا وتهديمًا وتحطيمًا. هذه المعاني الاستغفار ممكن يكون واحدًا من أكثر الأشياء التي تذكرني كإنسان كمؤمن يستغفر ربه حقا بماذا يتوجب علي أن أقوم به. جميل أن نطلق حملات للاستغفار بهذا الشكل لكن ألا نتفكر في واقعنا وفي أنفسنا؟ ألا نتفكر ونحن نقوم بالاستغفار قبل أن نطلب رفع وكشف الضر عنا وهو سهل على الله سبحانه وتعالى يسير عليه فهو القادر على كل شيء ولكن ألا نتفكر فيما يتطلبه ذلك الاستغفار؟! ألا يتطلب ذلك الاستغفار أن نستذكر ما فرّطنا فيه في سالف الأيام، ألا يتطلب منا أن نستذكر لمَ وصلنا إلى الحال التي نحن علينا الآن؟ ألا نتفكر لمَ وصلنا وأصبحنا ونحن أمة في جسد واحد أصبحت ممزقة مقطعة الأوصال مقطعة الأشلاء ممزقة في كل شيء وليس التمزيق مجرد تقسيم أو تقطيع شكلي وإنما التمزق الذي يؤسف له أنه أصبح تمزقًا داخليا من الداخل وليس من الخارج لم يفرضه علينا فقط من هو ليس من أبناء جلدتنا فحسب ولكنه فُرض علينا من دواخلنا حين أصبح ذلك التمزق داخليا. ألا يحرّك فيّ الاستغفار هذه المعاني ويجعلني أستذكر ما الذي دفع بي وأوصلني إلى أن نعيش تلك الازدواجية في حياتنا: نرفع أيدينا بالدعاء بأن يرفع الله ويكشف الضر عنا وعن المسلمين في كل مكان في سوريا وفي العراق وهنا وهناك والقائمة تطول. ألا نفكر ونستذكر ما الذي يمكن أنا كإنسان، ليس بعاجز، إنسان قادر ليس لأني أمتلك كل أسباب القوة ولكن ربي عز وجلّ مكني وأمرني فقال (اعملوا على مكانتكم) اعمل بما مكّنك الله سبحانه وتعالى اعمل ضمن الإمكانيات المتاحة لك. ألا يدفعني الاستذكار والدعاء إلى الشعور بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقي إزاء كل تلك الظروف التي تمر بها المجتمعات والأمم من حولنا؟! ألا يحرك بي ذلك الاستغفار مع كثرته مائة مرة وألف مرة ماذا يتوجب عليّ أن أفعل لأغير من هذه الحال؟! ألا أتوقف عن تلك السطحية في فهمي للأمور وفي فهمي للدين بشكل عام وعلاقتي مع الله أني حين أستغفر لديّ قائمة من الطلبات أطلبها من الله ليحققها لي في الوقت الذي لم أتساءل ما الذي طلبه ربي عز وجلّ مني فلم أحققه في حياتي؟! ما الذي طلب مني سبحانه وتعالى في واقعي ولم أصل إلى حتى ولو جزء ربما منه بسيط في الواقع الذي أعيش فيه؟!. كم من الطلبات ربي سبحانه وتعالى والأوامر والتكاليف أمرني بها فلم أحققها ولم أسعى في تحقيقها وليس الكارثة في ذلك فحسب، الكارثة أني لا زلت إلى اليوم لا أستشعر بأهمية أن أسعى لتحقيقها. أمرني بالسلام، أمرني بالأخوة، أمرني بالمحبة، أمرني بالعدل، أمرني بالوفاء، أمرني بالإحساس، أمرني أن أشعر بالآخرين، أتحسس لآلآمهم، أتحرك لأوجاعهم، أتضور لجوعهم حين يجوعون، أستشعر ببردهم حين يبردون، هذه المعاني طلبها ربي سبحانه وتعالى مني، يا ترى كم حققت منها؟ كم أسعى وكم يحرك فيّ الاستغفار من مشاعر لكي أسعى لتحقيقها قبل أن أقف مكتوفة الأيدي وعاجزة عن تحقيق ما أمرني الله سبحانه وتعالى به أو على الأقل عمل خطة وسعي لأجل تحقيقه. ربما يحق لنا حينها أن نقول بالفعل أن استغفارنا ربما يحتاج إلى استغفار.

تفريغ سمر الأرناؤوط – موقع إسلاميات حصريًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *