تدبر آية – (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والآه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في كتاب الله عز وجلّ ذكر لعبادات متعددة الصدقة الصلاة الزكاة الحج الصدق، أخلاق متنوعة ولكن ملفت للنظر أن هناك عبادة واحدة من العبادات، واحدة ووحيدة جاء ذكرها مقرونا بالكثرة، عبادة واحدة، كل العبادات الأخرى لم يأتي معها ذكر للكثرة إلا هذه العبادة. هذه العبادة التي أمر الله سبحانه وتعالى بها الأنبياء فقال مخاطبًا لزكريا (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) [آل عمران: 41] وقال عن موسى عليه السلام (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴿٣٣﴾ وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴿٣٤﴾ طه) وقال ممتدحًا لبيوت الله (وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) [الحج: 40] وقال عن المؤمنين (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) [الشعراء: 227] وقال كذلك في مدح المؤمنين (لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21] وقال في سورة الأحزاب بعد أن عدد جملة من صفات المؤمنين الصادقينوالصادقات المنفقين والمنفقات، كل هذه الأصناف والعبادات قال في واحدة منها كثيرًا حين قال (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)) ثم قال في الأحزاب في نفس السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)) وقال في الجمعة (وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 10]  هذه العبادة التي يغفل عنها الكثيرون منا، التي لا تحتاج إلى مال كما هو الحال في الصدفات ولا تحتاج إلى جهد بدني كما في الصيام أو في الحج ولا تحتاج إلى قيام ولا إلى ركوع ولا إلى سجود ولكنها تحتاج إلى شيء آخر تحتاج إلى صدق مع الله عز وجلّ في النية تحتاج إلى استحضار عظمة الله عز وجلّ وتكبيره وتقديسه وتعظيمه بما يليق بجلاله الأمر الذي يترتب عليه التوفيق من الله عز وجلّ فالرب سبحانه ملك الملوك لا يأذن إلا لمن يشاء بذكره لأنه إذا ذكره الواحد منا  ذكره الله سبحانه وتعالى هذا شرف عظيم، مكانة عظيمة لا يمكن أن تعطى لأيّ إنسان أن يذكره الله سبحانه وتعالى فإن ذكره في نفسه ذكره الله في نفسه وإن ذكره في خلق أو في ملأ أو في جمع من الناس ذكره الله في جمع خير من ذلك الجمع. لنا أن نتساءل يا ترى هذه العبادة الوحيدة التي اختص الله سبحانه وتعالى الذكر بها بالكثرة ولم يأت ذكر الكثرة في عبادة أخرى على الإطلاق في كتاب الله عز وجلّ إلا الذكر، الذكر فيه الكثرة. يا ترى كيف نتعرض لأن نكون من هؤلاء؟ كيف نصبح من هؤلاء الذين اختصهم الله بتوفيقه؟ وفّقهم لطاعته، أيّدهم بذكره أذِن لهم بأن يذكروه، كيف نرقى إلى هذا المستوى؟ كيف نرقى للوصول إلى هذه المنزلة العظيمة؟ يحتاح الإنسان منا فعلًا أن يبدأ بتعظيم الله عز وجلّ تعظيم الله في نفسه، المهابة والخوف والتقديس لله عز وجلّ عمل من أعمال القلوب، صحيح كلنا يحب الله، صحيح كلنا يقول الله أكبر صحيح كلنا يقدس الله عز وجلّ وندرك تمامًا بأن الله عز وجلّ في حياتنا أكبر من كل شيء ومن كل أحد ولكن لا يكفي المعرفة والإدراك، العمل الإيماني، العمل القلبي مهم جدًا في عملية الصلة وفي عملية ذكر الله عز وجلّ، هذه العبادة العظيمة يمكن أن يقوم بها الإنسان حتى وهو في صمته في سكوته في خضوعه لله سبحانه وتعالى آناء الليل وأطراف النهار. ولنا أن نتخيل يا ترى كم من الأوقات والساعات والدقائق تمر علينا وربما لا نذكر فيها اسم الله سبحانه وتعالى إلا قليلًا على الرغم من أن الله تعالى قد  جعل ذكره قليلًا صفة من صفات النفاق وعاب على المنافقين أنهم يغفلون عن ذكره ولا يذكرونه إلا قليلًا. ورغم ذلك تمر الساعات والدقائق واللحظات من أعمارنا ولا نكاد نذكر الله سبحانه وتعالى ربما إلا في صلاة حين يحين وقت الصلاة في حين أن المطلوب من هذه العبادة العظيمة أن نذكر الله عز وجلّ ذكرًا كثيرًا، ذكرًا بالقلب وباللسان وبالجوارح حتى يصبح الإنسان ذاكرًا لربه مخبتًا منيبًا خاشعًا له سبحانه. ولكي سصل إلى هذه المرحلة يحتاج الإنسان المؤمن أن الذكر الذي هو أنفع شيء له في هذه الدنيا هو ذكر الله عز وجلّ يحتاج أن يبدأ فعلًا بترتيب سلم الأولويات في حياته حتى وهو يزاول عمله يبقى ذكر الله عز وجلّ في قلبه في نفسه في وجدانه وهذه المرحلة لا يصل إليها الإنسان وقد اشتغل القلب واللسان والذهن بأشخاص أُخر أو بأشياء أخرى، يوميات الحياة، جزئيات الحياة البسيطة التي لا ينبغي أبدا أن تحتل تلك المكانة الواسعة في قلوبنا وأذهاننا، نعم نعمل، نحن نقوم بأعمالنا، نزاول مختلف الأعمال ولكن يبقى القلب معلقًا بالله سبحانه وتعالى ذاكرًا له لا يبدأ بعمل أو يمسك بورقة أو يفتح بابًا أو يُغلق آخر إلا وذكر الله واسم الله على قلبه قبل لسانه، يستذكر دائمًا في قلبه هذا الذكر العظيم وعادة الإنسان وبطبيعته مما هو ملاحظ لا يذكر إلا من يحب ولا يكثر إلا من ذكر من يحب أو من يهتم بشأنه على الأقل ولذلك ترانا حين نحب ونقترب من شخص أو يقترب من قلوبنا يصبح ذكر هذا الشخص على قلوبنا وفي أذهاننا وعلى ألسنتنا دون تحكم منا. فمتى يا ترى يحين الوقت الذي يصبح ذكر الله عز وجلّ في قلوبنا أولى من ذكر أيّ أحد؟ متى إلا إذا كان ذلك الذكر فعلا وذلك الحب العظيم لله سبحانه قد احتل المكانة التي ينبغي أن يحتلها في قلوبنا وعقولنا وأفكارنا ومن ذا الذي يستحق تلك المكانة التي تليق بجلاله سواه سبحانه فهو المنعم المتفضل بالإحسان والعطف والإكرام والرحمة والمنّة. ثم إن الله سبحانه وتعالى بعد ذلك كله ورغم غناه عنا ةفقرنا إليه إلا أننا حين نذكره يذكرنا ويزيد لنا في الخير والإنعام والعطاء. تلك العبادة العظيمة ينبغي أن تعود إلى قلوبنا من جديد نحتاج إلى تجديدها نحتاج إلى إحيائها في قلوبنا وفي نفوسنا، نحتاج أن نتعلم كيف نحب الله عز وجلّ حبًا حقيقيًا يخالج قلوبنا ويبدأ بالتغلغل في أعماق نفوسنا حتى يطرأ ذلك الذكر على الألسن إراديًا ولا إراديًا. هذه العبادة العظيمة التي مع الأسف الشديد شيئًا فشيئًا  بدأ يخفت نورها في حياتنا نتيجة لعشرات الأشياء صغائر الأمور التي بدأنا فعلًا نشتغل بها آن لنا أن تخشع قلوبنا لذكر الله وما نزل من الحق وعندها فقط لن تحلو لنا الحياة ولن يصفو لنا الوقت إلا بذكره سبحانه وتعالى ذكرًا كثيرًا وإذا فتح الله للعبد باب الذكر فقد فتح له سبحانه برحمته خيرًا كثيرًا عميمًا وتوفيقًا. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا بذكره. تدبر آية – (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) [آل عمران: 41] – د. رقية العلواني

تفريغ سمر الأرناؤوط – موقع إسلاميات حصريًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *