تدبر سورة المائدة: الحلقة الثالثة

تفريغ الأخ الفاضل هيثم العريان لموقع إسلاميات حصريًا

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وقفنا في ‏لقائنا السابق في تدبر سورة المائدة عند تلك الصورة التي وقعت في بني اسرائيل، وهي نموذج يشكل واقعا لنقد ميثاقهم ‏وعقدهم مع الله سبحانه وتعالى، وكانت تلك السورة سورة مُعبّرة ربي عز وجل أمرهم على لسان نبيه موسى عليه ‏السلام أن يدخلوا أرضًا فيها مفسدين ليزيلوا معالم الفساد فيها، على اعتبار أنهم قد دخلوا في عقد الايمان مع الله سبحانه ‏وتعالى، وعقد الايمان يفرض التزامات على الانسان المؤمن، واحدة من أهم تلك الالتزامات أن يكون عنصرًا فاعلاً في ‏ازالة الانحرافات والفساد، أن لا يكون انسانًا سلبيًا يرى الفساد ويرى المفسدين ويرى الظَلَمة ويقف مكتوف الأيدي لا ‏يفعل شيئا.‏ فبنو إسرائيل أًمروا بأن يدخلوا الأرض المقدسة لأجل أن يزيلوا ويسهموا في ازالة تلك المعالم الفاسدة التي جاء بها ‏أولئك الجبارين الذين كانوا يقطنون فيها، ولكن بني إسرائيل لم ينظروا الى ذلك الأمر الرباني ولم ينظروا الى مدى ‏التزامهم بميثاقهم مع الله سبحانه وتعالى، ذلك الميثاق الذي قال الله سبحانه وتعالى عنه في آيات سابقة أنه أخذ منهم ‏الميثاق، فبموجب ذلك الميثاق عليهم أن يقوموا بذلك الالتزام. وبدأ بنو إسرائيل يبررون لأنفسهم ما وقع فيهم من ‏مخالفة لذلك الأمر الالهي بقولهم (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا) نقضوا الميثاق، لم ‏يوفوا بالالتزام بإزالة الفساد، لم يدركوا ان معنى الالتزام أمام الله سبحانه وتعالى أن يكون الانسان فعلًا مستعدًا مدركًا ‏للمخاطر التي يمكن ان يواجها في حياته وفي موقفه، ولكن تلك المخاطر والعقبات لا ينبغي أبدًا أن تقف حاجزًا أمام ‏ازالته لذلك الفساد أمام طاعته واستجابته لذلك الامر الرباني ولذلك ربي قال عن الرجلين (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ ‏أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) هنا يظهر حقيقة التوكل على ‏الله سبحانه وتعالى: أن التوكل يدفع بالإنسان المؤمن الى الاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى مهما كانت النتائج، ولكن ‏تلك الاستجابة هي ليست استجابة غير محسوبة لا تنظر في مآلات الفعل، تنظر في مآلات الفعل ولكنها تدرك في ‏نفس الوقت أن الله سبحانه وتعالى لن يتركها تواجه ذك الموقف دون مساندة دون أن يثبتها طالما أنها وفّت بذلك العقد. ‏هذه المعاني بأجمعها لم يتوصل اليها بنو اسرائيل وأصروا على موقفهم الذي كان يشكل أنموذجًا حقيقيًا لنقض العقد، ‏أنموذج التخاذل أنموذج التكاسل أنموذج الانسحاب والانهزامية. الأمر الذي أدّى ودفع بموسى عليه السلام -وهنا نجد ‏في سورة المائدة – هكذا التدبر يعلمنا نماذج من القواعد المختلفة التي يمكن للإنسان أن يربط فيها بين ما يجده ويقرأه في ‏كتاب الله عز وجل وبين ما يجده في واقعه.‏

‏أنموذج موسى عليه السلام مع أخيه هارون (قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) أدرك موسى عليه السلام وهنا نجد النموذج لموسى عليه السلام ومعه الأخ.‏

والنموذج التي تقدمه بعد آيات معدودة سورة المائدة أنموذج لأولاد آدم – ابني آدم- وكيف كان التعامل فيما بينهما، هناك ‏اختلاف شاسع بين الأنموذجين وسبب الاختلاف مدى التزام كل طرف بعقد الايمان مع الله سبحانه وتعالى، موسى عليه ‏السلام مع هارون عليه السلام وقفا موقفًا واحدًا، موقف من يلتزم بالعقد والميثاق مع الله سبحانه وتعالى الذي يفرض ‏عليه التزامًا معينًا (قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) فكانت العقوبة الالهية لهم في الدنيا ‏المعجّلة عقوبة طبيعية تتناسب تماماً مع طبيعة الجرم الذي اقترفوه، التيه، الاخراج من تلك الأرض، أصبحت محرمة ‏عليهم لأن الانسان الذي لا يدافع عن حق مشروع أمره الله سبحانه وتعالى بالحفاظ عليه وبالقيام بواجبه تجاهه، فربي ‏سبحانه وتعالى يعاقبه بأن يحرمه من ذلك الشيء، وتدبروا معي لأن هذا التدبر هو الذي يعلمنا كيف نواجه المواقف ‏التي نتعرض إليها في حياتنا، أحيانا ممكن أن الانسان يتعرض لعشرات المواقف التي يتهيأ أو يُهيأ له فيها أن الانهزام أو ‏الانسحاب من الموقف حلّ القضية، الحقيقة أن أسلوب الانسحاب والتراجع والتخاذل والانهزامية هذا ليس بأسلوب ‏يريده القرآن ولا يصنعه لا مع فرد ولا مع جماعة.‏

القرآن كتاب يعلم الانسان أن يكون إنساناً فاعلًا في الحياة، إنسانًا إيجابيًا انسانًا له مواقف معينة مع طبيعة الحوادث ‏التي تواجهه، إذا واجه فسادًا لا ينبغي أن ينسحب منه مواجهته مهما كانت المآلات في الأفعال، يخطط، يفهم، يدرك ‏يدرس الموقف من كل الجوانب ولكنه لا ينسحب، فالإنسحابية ليست صفة للمؤمنين أبدا، وسورة المائدة كما سنأتي ‏عليها بعد قليل تعلمنا نماذج من الإقبال والإقدام على الاعمال المختلفة وأداء الالتزامات والوفاء بالعقود مع الله سبحانه ‏وتعالى.‏

ثم مباشرة تنتقل السورة العظيمة سورة المائدة الى تقديم سورة أخرى شكل من أشكال نقض الميثاق، شكل فردي هنا ‏ليس بشكل جماعي، الشكل الجماعي كما سنأتي عليه نماذج لمواقف جماعية كما في بني اسرائيل، ولكن الأنموذج الذي ‏تقدمه الآيات هنا أنموذج وقع في أسرة، وقع بين فردين وقع بين أخوين، والقرآن حين يعرض لذلك الموقف بين أولاد ‏ادم، انما يعلمنا كذلك من جملة الأشياء التي نتعلمها أن الانسان حين ينقض الميثاق أو العقد على المستوى الفردي ‏أو الشخصي، فلا يعني ذلك أبدًا أن ذلك النقض لا يؤثر في بنية المجتمع ولا في صلاحه، بعض الأشخاص  يقول – وستأتي ‏الآيات كذلك- أنا حتى لو انسحبت من موقف معين ماذا سأستطيع أن أفعل؟ لن يؤثر ذلك شيئا أنا مجرد شخص ‏مجرد فرد! سورة المائدة ترد على هذه القضية، تؤكد لنا أن الانسان مسؤول عن أفعاله مسؤولية مباشرة، وأن كل ما ‏يفعله من صلاح أو فساد له تأثير مباشر على المجتمع بل على الانسانية، ما يقوم به الانسان من التزام بالعقد مع الله ‏وبالإيمان والتزاماته، أو نقض ذلك العقد عقد الايمان في كلتا الحالتين هنالك أثار جانبية كبيرة جدًا لا يعاني منها ‏الفرد لوحده وإنما يعاني منها المجتمع، ولذلك كان وقف الفساد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء لا يتجزأ من ‏الالتزام بعقد الايمان مع الله سبحانه وتعالى، تدبروا معي (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ‏الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) موقف ربما يمر به الانسان أحيانًا دون أن ينتبه، قد لا تصل القضايا الى القتل ‏ولكن تصل الى مستويات عالية من الحدّة. أولاد آدم كلاهما أُمر بالتزام معين: تقديم القربان طاعة لله سبحانه وتعالى، ‏والطاعة أو الأمر الالهي لا بد أن يقوم به المؤمن وفق أكثر الأشياء التي يمكن والمستويات التي يمكن أن يقدمها من ‏الإحسان والإتقان، وربي عز وجل قال في سورة الملك وفي سور أخرى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) فالإنسان مطلوب ‏منه في كل عمل يقدّمه، أن يقدمه لله سبحانه وتعالى صغيرًا كان أو كبيرًا، أن يتحرى جوانب الاحسان فيه إخلاص ‏النية لله سبحانه وتعالى والصدق الذي هو واحد من مقاصد سورة المائدة (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) ليس هناك ‏التزام بمواثيق ووفاء بعقود دون ان يكون هناك صدق، والصدق أول ما يبدأ يبدأ في النيّة وفي القلب ثم يظهر على ‏الأقوال والجوارح والأعمال المختلفة، فهذا الالتزام بالعقد والطاعة والاستجابة للأمر، والأمر الذي حدد ووجه ‏لأولاد أدم عليه السلام كان يقتضي منهما الاخلاص والصدق في النية: التقوى، الأمر الذي يدفع بكل واحد منهما الى ‏يبحث عن أفضل المستويات والإمكانيات في تقديم العمل، هذا قربان فعلى الانسان حين يقدم لله سبحانه وتعالى هذا ‏القربان أو الأضحية أو ما شابه عليه أن يبحث عن أفضل الأشياء، وكذلك الأمر في الزكاة وكذلك في الصدقة (لَنْ تَنَالُوا ‏الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) هناك درجات في الانفاق، صحيح ربي سبحانه وتعالى ما أراد أن يكلف الانسان بشيء إلا ‏في حدود إمكانياته وطاقته، فينفق من أوسط ماله حتى لا يصبح هناك نوع من أنواع الضرر، ولكن الايمان درجات ومنازل ‏ومراتب والأعمال مراتب، فإذا ما حاول الانسان أن ينفق من أفضل ما عنده أفضل ممتلكاته أفضل شيء من أمواله، قطعًا هذه الدرجة لا يمكن أن تتساوى مع درجة أخرى أو تتكافئ من إنسان يبحث عن أقل شيء لأجل أن ينفقه، أقل ‏المستويات، الفرق شاسع بينهما! ولذلك في سورة الحج ربي سبحانه وتعالى وقف بنا عند هذه القضية (يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) ‏الأضاحي القرابين الصدقات الطاعات ربي سبحانه وتعالى لا يصله منها شيء، هو الخالق الغني الحميد، نحن الفقراء الى ‏رحمته وقبول أعمالنا منه سبحانه أن نصل الى مرحلة القبول، هنا  علينا أن نتحرى التقوى في الأعمال، ‏وتحري التقوى يقتضي منا الصدق والاخلاص وتقديم الأفضل في كل ما نمتلك.‏

هذه المعادلة البسيطة ما حدثت بين أولاد آدم واحد منهما لم يقدم أفضل ما عنده والآخر تحرى الأفضل فقدمه فكانت ‏النتيجة أن الله عز وجل تقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ذلك القربان. الطرف الذي لم يتقبل منه لم ينظر الى ‏الإشكالية التي حصلت في فعله لم يرجع الى نفسه لم يراجع نفسه وحساباته المختلفة فيتوصل من خلال تلك المراجعة ‏أنه قد أخطأ، والواجب من الإنسان حين يخطئ أن يتراجع ويتوب ويصحح الخطأ حتى تقبل منه التوبة، فعوضًا عن أن ‏يتراجع ويتوب ويستغفر لذنبه ويبحث في موطن الخلل الذي جعل ذلك القربان غير مقبول عند الله سبحانه وتعالى، ‏ترك كل هذا ونظر الى أخيه فقال (لَأَقْتُلَنَّكَ)‏. وهذه قضية خطيرة جدًا تحدث في بعض الأحيان بين الناس في التنافس في مجالات العمل والأسرة والمجتمع ‏والمجالات المختلفة. الانسان حين يرى شخصًا أفضل منه في أي مجال أو في أي ناحية من نواحي الحياة المطلوب منه لا أن ‏يتوجه اليه بالحسد والرغبة في إسقاط ذلك الانسان والتوهم أنه يمكن أن يرتقي من خلال إسقاطه، بل عليه أن يتوجه ‏الى نقاط الضعف في عمله ونقاط القوة في عمل الآخر فيستفيد منها، وهنا تأتي القضية التي دعت اليها سورة المائدة ‏في أوائل السورة حين أمرنا الله سبحانه وتعالى بقوله (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) تشكيل فريق ‏عمل. وتدبروا معي نحن قلنا هنالك نماذج مختلفة للأخوّة، موسى وهارون عليهما السلام، وأولاد أدم، موسى وهارون ‏جمع بينهما الحق والعقد، عقد الإيمان والوفاء به ولذلك اجتمعا على أي شيء؟؟ على التعاون والإيمان والبر بالمعروف ‏والنهي عن المنكر، بينما أولاد آدم حين نقض واحد منهما العقد كان السبيل والتفرق والتمزق والصراع الموهوم المفتعل، ‏صراع شيء يفتعله الانسان هو غير موجود في واقع الأمر، ولكن يصور للإنسان أو يهيأ له أنه سيفوز من خلال ‏صراعه مع الآخر، الآخر الذي نجح في عمل لم ينجح هو فيه، هو فشل في ذلك القربان، فشل في الامتحان، فعوضًا ان ‏يتعاون مع أخيه لإيجاد مواطن الخلل فيتعاون معه على البر والتقوى ولا يتعاون بطبيعة الحال على الإثم والعدوان، ‏تصور أن قتل والتخلص من الطرف الآخر -من أخيه- سيحل الإشكالية تماماً، وهي قضية ندرك تمام خطورتها ليس ‏فقط على الفرد كما جاء في هذه القصة وإنما خطورتها على المجتمع بأسره وعلى الأسرة، وهذه القضية الخطيرة نبهنا ‏القرآن إليها كذلك في سورة يوسف، تدبر القرآن يعلمنا كيفية الربط بين القصص وبين الآيات وبين الأحداث وبين ‏السور المختلفة. سورة يوسف في قصة يوسف عليه السلام مع أخوته الموقف مشابه، الأخوة تصوروا أن إزاحة ‏يوسف عليه السلام من الطريق سيجعل الأمور أسهل الى محبة والى طريق قلب أبيهم من أن يتعاونوا مع يوسف على أمر ‏معين! وهذه نقطة خطيرة جدًا نقطة عانى منها هنا ابن آدم (قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) أتخلص منك. وللأسف الشديد ونحن نتعلم من ‏تدبرنا لكتاب الله سبحانه عدد مهول من المشاريع الناجحة اجتماعية وسياسية واقتصادية وتربوية سقطت وحطّمت ‏من جذورها بسبب هذه القضية، القضية الخطيرة أن الإنسان يتوهم أن إزاحة الطرف الناجح من طريقه سيحقق له ‏نجاحًا أو فوزًا أو انتصارًا، وهذا خطأ بالمئة مئة هذا لا يحقق الا مزيد من الفشل، عشرات مئات من المشاريع ومن ‏القضايا المؤسسية في مجتمعاتنا وبلداننا تسقط بسبب عدم القدرة على التعاون وعدم القدرة على تشكيل فريق عمل، ‏والقرآن في هذه السورة العظيمة وفي سورة يوسف ينبه الى أهمية تشكيل فرق العمل (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا ‏عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) لماذا؟ التعاون على البر والتقوى ينجح المشاريع، ينجح قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‏ينجح محاصرة الفساد والمفسدين وإقامة العدل والخير والإصلاح ولا يأتي المجتمع والفرد إلا بكل خير، التكاتف، ‏التعاون تدبروا في واقعنا في عشرات المشاريع المختلفة التي أزاح رؤوس أو مدراء أو أشخاص أصحابهم الناجحين ‏من طريقهم عوضًا عن أن يتعاونوا معهم خشية أن يأتي ذلك الطرف الناجح فيحل محله أو يأخذ مكانه أو يستولي على ‏منصبه، وبذلك تضيع المؤسسة ويضيع المشروع وتنتهي القضية بأسرها لأجل ذلك التنافس، التنافس غير المشروع ‏المذموم، القرآن يقدم لنا مصطلحًا للتنافس المشروع (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) ولكن التنافس الشريف المحمود الذي ‏يدفع الى التعاون على البر والتقوى ولا يدفع الى الصراع ولا إلى الخصام ولا إلى الشقاق ولا إلى شق الصف والوحدة وبالتالي القضاء ‏على الطرف الأخر، لا، هذا ليس بتنافس شريف لا يؤدي إلا الى الخراب الذي ويقع في قصة ابني آدم. في المقابل ‏الطرف الثاني ماذا قال له؟؟ (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) لماذا؟ (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) ‏تدبروا معي عقد الايمان كيف يفرض على الانسان المؤمن التزامات (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) أنت تواجهني ‏بالصراع والقتل وهذه التصفية ولكني لن أفعل مثل فعلك لماذا؟ لأن الايمان يفرض علي التزامات مختلفة، هنا القضية ‏ليست قضية انهزامية هنا ليست قضية صراع تدبروا معي هو قال (ئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي) ليس هناك بعد قضية ‏دفاع عن النفس هو لم يكن ابن آدم إنسانًا انهزاميًا أو منسحبًا، لا، ولكن هو حاول كل جهده كل ما يستطيع أن يقوم به ‏لأجل أن يتخلص من لحظة الصراع أو النزاع مع أخيه، الاقتتال، لا يصح للإنسان ان يتقاتل مع أخيه أبدًا فقال هذه ‏المقولة العظيمة (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) أخاف أن أحدث نزاع واقتتال لمجرد أنك أنت لديك تلك الرغبة، ووقف ‏ذلك الموقف الذي حاول من خلاله أن يثني الأخ عن عزمه على القتل (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ‏النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ). ولكن قضية نقض العقد والحسد الذي كان قد سيطر على نفسية أخيه حالت هنا أن يثني الأخ عن ‏القيام بعملية القتل (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) تدبروا معي التصفية للطرف الآخر الناجح لا يمكن ‏أن تأتي على الفرد بصلاح، خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين!. وتدبروا معي كل أشكال التنافسات غير ‏المشروعة المنافسات في واقعنا في أسرنا في مؤسساتنا لا تأتي بخير على أصحابها، الحل هو التعاون، تدبروا معي في ‏الآية (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الآية التي بعدها (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) خسارة وندم، والندم يقابله خطوة كان لا بد لابن آدم ‏أن يقوم بها، الابن القاتل  بدل أن يفكر بعملية القتل والتصفية: التوبة قبل فوات الأوان تصحيح الخطأ، الندم بعد أن ‏يحدث الجرم ويفوت الأوان لأن التوبة لها أوان ووقت، ولذلك أمرنا أن نبادر بالتوبة وتصحيح الأخطاء طالما أن ‏أنفاس الحياة تدخل وتخرج – وهذه نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى – علينا أن نبادر بالتوبة وتصحيح الأخطاء كلها ‏، أخطاء فردية أو مجتمعية أو على مستوى المؤسسي -كل الأخطاء- بادر بالتوبة، التوبة ليست مجرد تصحيح للعلاقة ‏بينك وبين الله سبحانه وتعالى بل هذا جزء والجزء الآخر ما يتعلق بنفسك وحقوق الأخرين تصحيح تغيير المسار، وهذا ما ‏فشل به ابن آدم فكانت النتيجة خسارة وندم، وهي عاقبة واضحة لكل إنسان ينقض الميثاق مع الله سبحانه وتعالى. ‏وتدبروا معي قلنا في بداية تدبرنا لقصة ابني آدم، الخطأ الفردي يعود فيه الإنسان بالندامة والخسارة على نفسه وأسرته ‏ومجتمعه والانسانية بأسرها، نحن في سفينة واحدة كما شبهها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث، سفينة ‏المجتمع وسفينة الإنسانية وسفينة العالم، أخطاؤنا وسلبياتنا وسوء تصرفاتنا في بعض الأحيان إنما هي خروق في ‏تلك السفينة، خروق نحدثها وكل خرق في تلك السفينة هو قطعًا يصب في عملية إغراقها عاجلًا أو آجلًا، المطلوب ‏منا في حياتنا أن نسد تلك الخروق أن نقوم بعملية الإصلاح.‏

تدبروا معي الآية التي تليها بعد قصة أولاد آدم (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ) -تدبروا معي-(أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ‏أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) الذي يقتل نفسًا كأنما يقتل الناس جميعًا، كل البشرية (ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ ‏جَمِيعًا) لماذا يا رب؟ تدبروا معي في الآية، آية سورة المائدة عرضت لنا أشكالًا من نقض المواثيق والعقود، وأعظم عقد ‏بدأت به في بدايتها عقد الدين، عقد الايمان. ثم جاءت هذه القصة لتبين أن الحفاظ على النفس يأتي بالمرتبة التي تليها، ‏حفاظ على الدين، على الايمان ثم الحفاظ على النفس البشرية. فإذا إنسان قتل إنسانًا نفسًا واحدة فكأنما قتل الناس جميعا ، لأن المسألة ليس مسألة عدد، المسالة هي مسألة اعتداء الإنسان على تلك الروح وحق الحياة الذي وهبه الله لإنسان ‏آخر، فالذي وهب حق الحياة هو فقط سبحانه الذي يحدد كيف يؤخذ ذلك الحق، لا ينبغي لإنسان أن يعتدي عليه أبدا ‏بغير نفس أو فساد في الأرض، وتدبروا في اختيار الكلمة قتل النفس فساد في الأرض، كل قطرة دم تسفك بغير حق ‏فساد في الأرض وفساد في الأرض لا يعاني منه فقط القاتل، أبدًا، يعاني منه جموع البشر وليس فقط القاتل، وقد يتساءل ‏الإنسان في هذا لماذا يعاني منه كل البشر؟؟؟ ربي عز وجل في سورة البقرة – هكذا التدبر يعلمنا الربط- قال (وَلَكُمْ فِي ‏الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) حياة ونحن نعلم بأن القصاص أن يُقتل الانسان المجرم القاتل بسبب قتله لغيره ‏فكيف يكون القصاص هنا حياة؟؟؟ حياة للمجتمع، حياة لعشرات الأرواح البريئة التي ستُحمى من خلال تنفيذ ‏القصاص على المجرم القاتل الذي سفك الدم، ولذلك اليوم البشرية الأغلبية الصامتة على سفك الدماء على الاعتداء على ‏الأرواح البريئة قتل الأطفال قتل الأبرياء قتل النساء قتل الرجال قتل المستضعفين، هذا الصمت العالمي سيدفع ثمنه ‏جموع البشرية أجيال من البشرية لماذا؟ لأن هذا فساد في الأرض لا ينبغي أن يسكت عنه! ما المطلوب؟ المطلوب أن ‏يوقف الفساد وأن يكون الجزاء الرادع لعملية الفساد والقتل وسفك الدماء قوي شديد يتناسب مع ذلك الجرم، جرم ‏الإفساد والاعتداء على البشرية تدبروا معي (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ) عظمة التعبير القرآني العظيم في هذه الآية عظيم (أَوْ ‏فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) فما بالك بمن يقتل في كل ساعة عشرات وربما مئات أمام صمت مطبق يكاد ‏يقترب من حد الموت أكثر منه الى حد الصمت؟؟! تدبروا معي في نهاية الآية قال (وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ) البينات ‏والكتب والرسالات والشرائع التي جاءت تؤكد هذه الحقيقة، والحقيقة هذه في حرمة القتل قتل النفس البشرية لا تختلف ‏بين شريعة موسى وشريعة محمد عليهم السلام ولا شريعة عيسى، كل الأنبياء جاءوا بهذه الشريعة: تحريم قتل النفس ‏والاعتداء عليها. تدبروا معي ثم قال (ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) وتدبروا التناسب والترابط بين الآيات ‏قال (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا ‏مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) هذه الآية آية حد الحرابة لماذا جاءت هنا؟ – ولذلك تسمى ‏الحرابة جزاء الذين يحاربون الله ورسوله – السؤال الذي يطرح نفسه على المتدبر هنا كيف يحارب الانسان الله ورسوله؟ ‏هل يستطيع أحد أن يحارب بالله ورسوله؟!! كيف تكون محاربة الله ورسوله؟؟ تكون من خلال محاربة المنهج ومنازلته، ‏محاربة القيم والمبادئ التي جاء بها الرسل والأنبياء ربي عز وجل شرّع، أمر، قال منذ بداية السور ة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ‏النفس البشرية حرمة النفس والحفاظ عليها هذا عقد بين الله وبين خلقه عليهم جميعًا أن يوفوا به بصيانته والحفاظ عليه والأخذ بقوة على كل من تطوع له نفسه أن يعتدي على تلك النفس البشرية ولذلك قال (يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ‏الْأَرْضِ فَسَادًا) منازلة القيم ونقض المواثيق والعقود والاعتداء على النفس البشرية هو مصب ومحط وبدايات الفساد في ‏الأرض، هو البدايات مع الدين عقد الايمان بيننا وبين الله عز وجل وشكل من أشكاله وخطواته المتتابعة قضية قتل ‏النفوس قتل النفس البشرية والاعتداء عليها. وقد يسأل سائل ولكن العقوبة شديدة ! أكيد، هذه العقوبة شديدة (يُقَتَّلُوا أَوْ ‏يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ) عقوبة شديدة تتناسب تمامًا مع طبيعة الجُرم الذي أحدثوه مع طبيعة الخرق ‏الواسع الذي أحدثوه في اغراق سفينة البشرية والمجتمع، الفساد حيت ينتشر وحين ترخص الدماء تصبح الدماء ‏رخيصة فما الذي يعيد الأمور الى نصابها بعد ذلك؟! حين يعتاد الناس على رؤية الدماء المسفوكة في الأرض دماء ‏البشر ما الذي يحيي بعد ذلك النفوس؟ هذا خرق لكل المعالم الانسانية والقيم والمبادئ التي جاءت بها كل الديانات ‏والشرائع، ولذلك جاء القرآن عظيما في إعجازه في هذه الآية (يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) بمحاربتهم ومنازلة رسالته ‏ومنهجه وأوامره وتشريعاته بتحريم قتل النفس البشرية والاعتداء عليها، المطلوب ايقاف الفساد والمفسدين وهذا عقد ‏جديد يفرض على بقية أفراد المجتمع أفراد المجتمع الانساني الأسرة الانسانية الكبيرة، أنا لدي عدد من المفسدين عدد ‏ممكن أن يكون محدودًا خمسة، عشرة، مئة، ألف، آلآف ولكن الاشكالية الخطيرة حين يترك هؤلاء المفسدون بالاستمرار ‏في افسادهم في الأرض، اليوم نحن ننظر الى البشرية هل نتوقع أن معظم نفوس العالم البشر اليوم يقبلون بسفك الدماء ‏البريئة؟! أبدًا! شعوب العالم أفراد العالم نحن وأنا وأنتم والناس أغلب الناس أيرضون بسفك الدماء؟ أيعجبهم مناظر تلك ‏الأجساد والأشلاء المقطعة التي يرونها على شاشات التلفزة ليل نهار؟ أبدًا! أبدًا! إذن من الذي يحصل؟ الذي يحصل أن ‏القلة المفسدة في الأرض التي تعيث في الأرض فسادًا ما أوقفت عند حدها، وهذا هو يأمر به القران. هذا عقد جديد ‏التزام جديد أن يكون المجتمع الانساني على قدر المسؤولية، المجتمع العالمي على قدر الشعور بالمسؤولية فيوقف ‏الفساد والمفسدين، هذه مسؤولية الجميع فاذا فشل فيها الناس كانت العقوبة عقوبة عامة كما سنأتي عليها. والعقوبة ليس ‏بالضرورة فقط قضية قتل، لا، عقوبة المعاناة، المعاناة من شرور المفسدين، العالم اليوم كل العالم في الشرق وفي الغرب ‏يعاني من الفساد والمفسدين، يعاني من أولئك الذين يقتلون ويسفكون ويهجّرون ويقطّعون، ولكن جزء من أسباب تلك ‏المعاناة هو ذلك الصمت، تلك السلبية البشعة التي لا ينبغي للإنسان المؤمن الذي يدخل في عقد مع مع الله سبحانه وتعالى أن ‏يقوم بها، كسلبية بني إسرائيل التي أخبرنا بها القران في السورة قبل قليل (إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ) إذن لن ندخل ما داموا ‏فيها، هذا كلام سلبي، موقف سلبي لا يتناسب مع الايمان، لا يتناسب مع التزام الإنسان بإيمانه أمام الله سبحانه وتعالى.

تدبروا معي في ذلك الترابط العجيب بين الآيات (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) باب التوبة مفتوح باب التوبة الذي لا يغلق طالما أن ‏هناك أنفاس في الحياة، باب التوبة الذي شرع وفتح أيضًا لأجل إنقاذ المجتمع وإنقاذ الانسانية من نار ‏المفسدين في الأرض، الإنسان إذا يئس من رحمة الله عاث وزاد فسادًا وإفسادًا في الأرض، فربي عز وجل رحمة ‏بنفس هذا الإنسان ورحمة بالمجتمع فتح باب التوبة، اقبلوا التوبة من الضالين، افتحوا لهم أبواب الرجوع والتراجع المواقف ‏السلبية الفظيعة لأجل أي شيء؟ لأجل انقاذ ما تبقى ما يمكن أن ينقذ. ولكن تدبروا معي في الآية التي بعدها قال (يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) اتقوا الله ما العلاقة بين الكلام قبل قليل عن الفساد ‏والتقوى وابتغوا اليه الوسيلة؟؟ أعظم طريق ووسيلة للتقرب الى الله عز وجل أن يكون الإنسان الصالح المؤمن عنصرًا ‏فاعلا إيجابيا في ايقاف الفساد والمفسدين بكل ما أوتي من إمكانيات ومن قوة بحسب الإمكانيات التي بين يديه حتى ولو ‏كانت تلك الامكانيات ممكن أن تكون في مستوى أن يرى شيئا في قارعة الطريق يؤذي الناس فيقوم بإزالتها. لماذا ‏اماطة الأذى عن الطريق صدقة؟ لأنها عملية، خطوة في وقف شكل من أشكال الفساد، رمي النفايات أو القاذورات في ‏قارعة الطريق أو في طريق الناس ذلك المنظر أو المظهر غير الحضاري غير اللائق فساد في حقيقته فحتى لو كان ‏المؤمن يفعل هذا الفعل المحدود هذا يعتبر صدقة وتقرب لله عز وجل، لأن المطلوب مني بموجب العقد والاتفاق بيني وبين الله ‏سبحانه وتعالى أني لا أفسد في الأرض قال (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ ‏نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ذكرت الملائكة من الإفساد في الأرض (يسفك الدماء) رغم أن أشكال الفساد كثيرة متنوعة لا ‏تقف عند حد، ولكن ذكروا سفك الدماء لأنه واحد من أبشع أشكال الفساد، فمساهمة الانسان المؤمن بكلمة بقول، بفعل، ‏بكل ما لديه من إمكانية لأجل أن يوقف الفساد إنما هو ابتغاء الوسيلة في التقرب لله سبحانه وتعالى ولذلك قال (وَجَاهِدُوا فِي ‏سَبِيلِهِ) جهاد بالكلمة جهاد بالتوعية جهاد بالفعل، كل الأشكال المختلفة المهم أن تسهم في إيقاف الفساد المهم أن لا تقف موقفًا ‏سلبًيا المهم أن لا تعتقد ولو في قرارة نفسك أن الحياد أو الموقف الحيادي هو موقف إيجابي، لا عليك ان لا تقف ولا تأخذ موقف الحياد عليك أن تنكر المنكر وأن تعرف المعروف، أنكر المنكر، إنكارك للمنكر مساهمة في إيقافه مساهمة في ‏وقفه عند حده ولكن الصمت والسكوت انما هو بطريقة أو بأخرى إسهام في نشر ذلك المنكر والفساد وهو بلاء أصيبت به البشرية في عصرنا الحاضر بلاء بشع ستعاني منه وتعاني منه هي اليوم الكثير من ‏الأمراض والويلات ولذلك ربي سبحانه وتعالى جاء في الآية وتدبروا معي الترابط (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي ‏الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ما دخل يوم القيامة والافتداء بالكلام عن ‏هذه القضية؟ الترابط والتناسب واضح علينا أن نجاهد في سبيل الحفاظ على ذلك العقد والحفاظ على النفس البشرية ووقف الفساد ‏بكل ما أوتينا من قوة بالكلمة وبالمال وبكل الأشكال، أن نبذل الكثير وأن نبذل كل ما نستطيع أن نبذل لإيقاف الفساد في ‏الأرض, اليوم يقبل منك القليل، الله سبحانه وتعالى يقبل منك اليوم القليل ربي عز وجل يقبل القليل من الصدقة ان ‏صحّت معه النية، المسألة ليست مسألة كمية الجهد الذي تبذله المسألة هو نوعيه الجهد الذي تبذله وفق إمكانياتك في ‏طبيعة الحال بحسب إمكانيات الانسان، ولذلك ربي عز وجل يحدثنا في كتابه كثيرا (مكنّاكم لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ) آيات متنوعة ‏متعددة في كتاب الله عز وجل تتحدث عن الامكانيات ؟ لماذا؟ لأن ما يطلب مني من عمل وما يفترض مني أن أقوم به يتناسب ‏مع أوجه الإمكانيات التي وهبني الله سبحانه وتعالى إياها، فاليوم يقبل منك القليل وغدا يوم القيامة لا يقبل من الإنسان ولو كان له ما في ‏الأرض جميعا ومثله معه لأن الوقت انتهى، الوقت قصير محدود العمل له زمن محدود، ولذلك ابن ادم حين قتل ووقع ‏منه فعل القتل أصبح من النادمين ولكن الندم ما عاد ينفع لأنه فات أوانه، وكذلك هذه القضية وكذلك هذه القضية قضية ‏الفدية اليوم يقبل منك ما تقدمه من عمل ما تقدمه من مال حتى ولو كان قليل وغدا لا يقبل منك لأن الزمن انتهى، وزمن ‏الاختبار والابتلاء انتهى وهذا الربط الواضح بين الدنيا والأخرة مباشرة يوم القيامة القرآن يبين لنا هنا وواضح هذا ‏المعنى، مستفاد منه أن عملية ووقت وزمن الاختبار في الدنيا زمن محدود، ابذل ما تستطيع قبل ان يفوت ‏الأوان لتوقف الفساد والمفسدين.‏

ثم انتقلت الآيات بعد ذلك لشكل اخر من أشكال الفساد، الاعتداء على الأموال الاعتداء على الدين الاعتداء على النفس ‏قال (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ) وأيضًا من النقاط التي تذكر لماذا قطع الأيدي؟! سارق ‏سرق مبلغا بسيطا ربع دينار أو شيء بسيط تقطع اليد، القرآن في تشريعاته والحدود التي يفرضها لا ينظر الى حجم ‏الفعل أو حجم الفاسد ينظر الى ما يترتب عليك، قلنا قبل قليل (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ ‏جَمِيعًا) هو قتل نفس ولكن لأن الاعتداء على النفس وقع وعلى الروح البشرية الإنسانية، الحياة الانسانية التي هي ‏مكرمة مصانة محرّمة في ذاتها فكأنما قتل كل البشرية، ولكن هو على وجه الحقيقة لم يقتل كل البشر هو قتل واحد، ‏السارق نفس القضية المبلغ ممكن ان يكون بسيط محدود اذا لماذا تقطه يده أنه سرق هذا المبلغ البسيط؟! اعتداء على ‏أموال الناس القضية هي قضية الاعتداء نقض العقد، لأن الانسان في عقد مع الله سبحانه وتعالى ان يحافظ على ماله ‏وأموال الآخرين من أن تنتهك، أموال الاخرين لها حرمة كما أنك لا تقبل أن يعتدى على مالك عليك كذلك أن تحافظ في ‏صيانة أموال الناس، أموال الناس محرّمة لا يجوز أن يعتدى عليها فقضية قطع اليد هنا ليس لأجل المبلغ هنا بقدر ما هي ‏قضية الاعتداء على حرمة المال، أموال الناس وأعراض الناس وأنفس الناس مصانة، ومرة أخرى نقول حين لا تطبق ‏هذه الأشياء يا ترى ما الذي سوف يحدث؟ كل الانسانية تعاني من ويلات الاعتداء على الأموال الان في كل يوم لأن ‏الفساد والمفسدين ما أوقفوا عند حدهم ولم يؤخذ على أيديهم من قبل المجتمع الإنساني، كانت النتيجة أن الإنسانية، كل الانسانية تعاني ‏من جرائم هؤلاء حتى لو كان عددهم بسيط أو محدود، إشكالية خطيرة جدًا. وتدبروا معي في الآية قال (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ ‏مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) وأيضًا فتح باب التوبة عند قضية السرقة، التوبة التي تقدمها سورة المائدة هنا توبة ليست فقط توبة لأجل صلاح الفرد توبة شرعت للحفاظ على المجتمع، المجتمع يُسعَد ويتخلص من الآلام حين يكون هناك أصناف من ‏المجرمين التائبين أجرم، أخطأ، تاب، إذن ما المطلوب من المجتمع ؟ المطلوب أن يساعد في إصلاحه ولذلك هناك ‏مؤسسات “إصلاحيات” تعبير جميل جدا لأنه ينبغي أن تكون الاصلاحيات وأن تحاول الاسهام في إصلاح ‏العناصر الفاسدة في المجتمع بكل الطرق، طرق التوعية طرق محاولات التأهيل من جديد إعادة التأهيل النفسي ‏الأخلاقي الديني كل الأشكال، المجتمع بحاجة الى هذه المؤسسات ولذلك قال (مَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ ‏عَلَيْهِ) التوبة مطلوبة وهذا تنبيه واضح في سورة المائدة تشريع هذا للمجتمع أن يقيم مؤسسات لأجل إصلاح المفسدين ‏والمجرمين، لإيقاف حدود الشرور فيهم، المجتمع أنت لا تستطيع أن تتأكد أن المجتمع مئة في المئة أصبح صالحًا، لا بد أن ‏يبقى به عناصر فاسدة مفسدة ما المطلوب من المجتمع؟؟ المطلوب أن يسهم في إصلاح هذه العناصر حتى لا تأتي ‏بالفساد على بقية أفراد المجتمع.‏

ثم قال بعدها (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) تدبروا لماذا التذكير المستمر في سورة المائدة بعد كل مقطع تقريبًا من مقاطع السورة بأن ‏الله له ملك السماوات والأرض؟ ليعطي من جديد ويذكّر الانسان بحق امتلاك التشريع حق الوفاء بالعقد، عقد الايمان والميثاق بينه وبين الله عز وجل، ربي هو المالك المتصرف، والآيات التي جاءت آيات تشريعات من يحق له أن يشرع غير المالك الذي يملك؟! هو الذي له ملك السماوات والأرض فطالما أنه له ملك السماوات والارض هو الذي يحق له أن ‏يشرع سبحانه! وهذا واضح في هذه الآيات. ثم تنتقل الآيات (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا ‏آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) تدبروا معي، عاد الحديث في هذا المقطع من السورة الى أولئك الذين يجعلون من عقد الايمان عقد شكلي صوري قولي باللسان، أن يقول الانسان أشهد أن لا إله إلا الله ولكن الأفعال بما فيها القلوب لم يتحقق فيها معنى ‏الإيمان الحقيقي، ما هو معنى الإيمان الحقيقي؟ الالتزام عقد والمطلوب الوفاء بالعقد وبموجب ذلك العقد أن تصبح العلاقة ‏مع الله سبحانه وتعالى ذكر باللسان واطمئنان بالقلب وفعل بالجوارح سلوك، واقع يتغير بناء على ذلك الالتزام وذلك العقد. ثم ‏قدم نموذجًا كذلك من بني اسرائيل (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا) وتدبروا في الآية عظمة القران حتى في عدالة التعبير ليس كل الذين هادوا ولكن “منهم” (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) شكل من ‏أشكال الإيمان الصوري البغيض الشكلي الذي لا يغيّر واقعًا ولا يصلح فسادًا ولا ينكر منكرًا ولا يعرّف معروفًا، ما ‏قيمته؟! (سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين) يدركون أن هذا ليس بالحق يدركون أنك أنت يا محمد عليه الصلاة ‏والسلام ورسالة الإسلام والقرآن حق ومع ذلك هم يناصرون من؟ يناصرون أولئك الذين لا يؤمنون برسالتك من ‏الكفار الذين يناقضون القرآن العظيم رغم علمهم أين الصواب وأين الخطأ أين الكذب وأين الصدق، لكنهم ارتضوا منهجًا ‏مغايرًا فما أغنى عنهم ذلك الإيمان الشكلي الصوري، ولذلك ربي عز وجل قال (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) ‏كيف تكون طهارة القلب؟ بتخليصه من كل أشكال وشوائب الانحرافات والكذب، الازدواجية والنفاق، يؤمن بشيء ‏ويقول شيئا آخر، يدرك أن الحق في جانب معين ولكنه مع ذلك لا يلتزم تجاه ذلك الحق، إشكالية خطيرة جدًا! تدبروا ‏معي في أوصافهم قال (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) مرة ثانية والآية تنبه على خطورة الاستماع للكذب، الكذب للأسف الشديد تلك ‏العملة التي باتت عملة رائجة الآن، هي عملة مزيفة، تدبروا معي سورة المائدة من مقاصدها العظيمة الصدق (هَذَا يَوْمُ ‏يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) ليس هناك وفاء بدون صدق، الصدق يناقض الكذب (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) صفة مذمومة ‏جدا أن يطيل الانسان الاستماع إلى الكذب رغم أنه يعلم بأنه كذب، ونحن في عصرنا وزماننا هذا كم من الأكاذيب نسمعها ‏ونمررها ونلتزم بالصمت حيال تلك الأكاذيب؟! إشكالية خطيرة جدًا جدًا شكل من أشكال الفساد الذي ينبغي أن يوقف، ‏وللأسف الشديد ذكرنا في مرات سابقة أثناء تدبرنا أن الكذب اليوم ما عاد كلمة فردية يقولها فرد لآخر وانتهى ‏الموضوع، الكذب الآن أصبح على إشكاليات لأنه أصبح عاليما، كذبة واضحة ممكن يقولها إنسان فرد فتنتشر كانتشار ‏النار في الهشيم، انتشار عالمي وسائل تواصل المختلفة وهناك من يسمع، هل من يسمع للكذب كذلك يشارك فيه؟ ‏الذي يبدو أنه مشارك فيه لأنه بصمته وسكوته عن ذلك الكذب إنما هو يساهم في الترويج له بطريقة أو أخرى، إذن ما ‏المطلوب؟ المطلوب إيقاف الكذب، توضيح الحق، بيان الحق هذا عقد هذا من الالتزامات المختلفة، الالتزامات أمام الله ‏سبحانه وتعالى أن يكون الإنسان صادقًا مع نفسه صادقًا مع ربه صادقًا مع الاخرين ناشرًا للصدق مؤيدًا له داعيًا له وبعكسه سيكون ‏الكذب، ونتيجة لترويج تلك العملة الزائفة عملة الكذب أصبحوا أكّالون للسحت الحرام وتدبروا معي نحن ذكرنا في بدايات ‏سورة المائدة الله سبحانه وتعالى في موضعين من آياتها وفي مواضع أخرى بطريقة غير مباشرة تكلم عن (أُحِلَّ لَكُمُ ‏الطَّيِّبَاتُ) عن الطعام الأكل الحسي الواضح، وهنا ربي عز وجل يحدثنا عن الطيّبات المعنوية والحرام المعنوي. حرّمت ‏علينا في بداية السورة (الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ) الى آخره وحرم علينا شيء آخر معنوي وهو السحت المال ‏الحرام من الرشوة من الخيانة من الاختلاس من شهادات الزور من الربا من أشكال متنوعة، الذي يلفت النظر وعلينا أن ننتبه إليه أن بعض المسلمين في زماننا البعض منا نتيجة لرواج الازدواجية والإيمان الشكلي المنقوص في حياة الكثيرين منا أصبح يحذر حذرًا شديدًا من الأكل الحرام، لا يأكل إلا ما قد كتب عليه وختم عليه بأنه حلال، علينا أن ‏نحافظ عليه وغالبية المسلمين إن لم نقل الغالبية العظمى من المسلمين في واقع الأمر لا يمكن أن يفكر على سبيل المثال في تناول لحم ‏الخنزير أو الاقتراب منه مجرد اقتراب، في حين أنه رغم هذا الحرص الشديد الذي ينبغي أن يكون من عدم الاقتراب ‏من الحرام أو لحم الخنزير أو ما شابه إلا أنه لا نجد في نفسه ذات الورع عندما يتعلق الأمر بالحرام المعنوي الأكل المعنوي ‏اكل اموال الناس بالباطل الاختلاس رشوة، ممكن أن يكون أكل اموال اليتامى، موارد الحرام كثيرة المال الحرام ولكن ‏هذا الورع لا يشبه هذا! وأحيانا نجد ورعًا شديدًا جدًا في ما يتعلق بالجانب الحسي في الحرص الشديد على تناول الطعام ‏الحلال والتأكد من كل هذا، وهو أمر رائع ينبغي أن نحافظ عليه، يشكّل هوية الانسان المؤمن ولكن في ذات الوقت علينا أن لا ‏يكون لدينا تلك الازدواجية التي حدثتنا سورة المائدة عن بعض أشكالها في جانب الذي أشعر أنه لا يمس أو يؤثر ‏علي بشكل واضح أحرص أشد الحرص على الأكل الحلال، ولكن الجوانب التي يمكن أن يكون لها تأثير على مدخولي ‏المادي لا، ممكن أن لا أوجهها بنفس الطريقة، هذه الازدواجية لا يقبل بها القرآن ولذلك الآيات الوحيدة التي جاءت في ‏الحديث عن هذه القضية (أكالون للسحت) هي في هذه السورة العظيمة سورة المائدة سورة العقود سورة الكلام عن المباحات والأكل الطيب ‏والتحذير من الوقوع في المحرمات فكما تحذر من الوقوع فيها، عليك أن تحذر كذلك من الوقوع في المال الحرام. وربما ‏هناك بعض الأشياء التي قد لا ينتبه إليها بعض الناس، وهي ما يتعلق بساعات العمل ربما تكلمنا عنها في لقاءات ‏سابقة تتعلق بالتدبر في كتاب الله عز وجل العمل أمانة والانسان حين يتقاضى أجرًا معينًا ماديًا مرتبًا تجاه أيّ عمل ‏من الاعمال في مؤسسة في مدرسة في شركة في عمل في القطاع الخاص في العمل العام لا يفرق الأمر لا يختلف، لا ‏بد أن نراعي جانب الأمانة بمعنى أنت تعطى هذا المال أو الأجر المادي مقابل عمل تقوم به عليك أن تقوم به وفق ما ‏يرضى الله عز وجل وفق ما أمر الله عز وجل من أداء الأمانات والقيام بالحقوق والواجبات، ولا يغرّك أن الاخرين ‏من حولك لا يهتمون ولا يعملون ولا يفعلون ويضيعون الوقت، نحن نحاسب أفرادًا، نحاسب على أعمالنا وتصرفاتنا ‏نحن لا نحاسب على تصرفات الآخرين ولا على سلوكياتهم أنت تحاسب على عملك أنت وهذه إشكالية خطيرة، ‏والبعض منا للأسف الشديد لا ينظر إلى هذا المدخول الدخل الذي يأتي إليه في كل شهر الأجر المادي المرتب مقابل هذا ‏العمل لا ينظر إلى أنه إن لم يقم بالعمل، فالمال فيه شيء على الاقل شبهة من حرام، لا ينظر الى هذه القضية بهذا الشكل أبدًا، ‏هناك تساهل شديد في هذا الجانب لا يليق مع جانب التحذير الذي يحذرنا فيه القرآن من الوقوع في هذه الاشكاليات. القرآن يعلمنا أن نتوخى الحذر الحلال يعلمنا الورع يعلمنا أن نبحث عن اللقمة الحلال فنحصل عليها لنا ولمن نعول. وفي نفس الوقت حتى في صدقاتنا ربي عز وجل لا يقبل إلا الطيب فلماذا أُدخل على نفسي وأسرتي وأولادي وأهلي ‏شبهة من المال الحرام بتصرفات لا ينبغي أن أقوم بها؟ فكلمة (أكالون للسحت) كلمة شاملة لمفردات ممكن ان تكون ‏كثيرة جدًا متنوعة تختلف باختلاف الزمن والبيئة، الجامع بينها أنها حرام إما في الحصول عليها إما في طريقة الكسب ‏غير المشروع إما لذاتها إما لأشياء ارتبطت بها علينا أن نحاول أن نتقي لأنفسنا من ذلك الحرام بقدر ما نستطيع. ثم ‏تدبروا معي كيف جاء بعد ذلك (إِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) جاء بعض اليهود الى النبي صلى الله عليه وسلم ‏في المدينة لكي يحكم بينهم وهم عندهم الأحكام كلها كاملة في التوراة ولكن لماذا جاءوا اليك؟ جاؤوا إليه ليس لأجل أن ‏ينفذوا الأوامر والأحكام، جاؤوا اليه لأجل أن يبحثوا عن الرخص والتسهيلات، شيء أسهل، شيء يوافق أهواء النفوس ‏في بعض الأحيان، وهذا أيضا مدلف خطير يحذرنا منه القرآن في سؤالي عن الحكم الشرعي لأي قضية تعرض لي في ‏حياتي علي أنا أن أتأكد من نفسي من نيتي في الصدق، أسأل عن الحكم لأجل الرخص والأسهل والأيسر أم لأجل ما يقربني الى الله أكثر؟ أبحث عن شيء أخرج منه، رخصة لكي أتخلص من الحكم الشرعي أم أبحث عن ما يمكن أن ‏يقربني الى الله سبحانه وتعالى؟ قضية في غاية الأهمية والمطلوب في كل الأحوال سواء كان مع يهود أو مع غيرهم (وَإِنْ حَكَمْتَ ‏فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) القسط، العدل، الميزان، إعطاء كل ذي حق حقه الذي يستحق فعلًا. ثم تدبروا معي في قوله عز وجل ‏ليبين ويؤكد لنا حقيقة أن القرآن العظيم لا ينبغي أن ننظر اليه بنظرة تجزيئية نظرة تجزئ تأخذ منه ما يروق لها وتترك ‏منه ما لا يروق لهواها أو ما لا يوافق هواها أو يخالف مزاجها، لا، (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ ‏يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) الأحكام موجودة لماذا أعرضوا عنها؟ لأنهم يبحثون في الأحكام عن ما يوافق ‏أهواءهم ويتركون ما يخالفها، مزلق خطير جدًا للأسف كذلك هو موجود في زماننا نبحث عن الأشياء التي تطيب لنا ‏نرتاح إليها أما الاشياء التي تخالف هوانا وتخالف الشيء الذي نريد لا تروق لنا لأي سبب من الأسباب، في ذلك ‏الوقت يكون الأمر مختلف تولّي أو إعراض، هذا أمر خطير! نفى صفة الإيمان قال (وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) إذن ما الايمان ‏؟الايمان أن يصبح هواك تبعًا لما جاء به الله ورسوله تدبروا معي الإيمان أن يصبح هواي ومزاجي وفق ما جاء به الله ‏سبحانه وتعالى وليس من قبيل تفسي لأن المشرّع هو الله وليس هوى النفس. وتدبروا معي في الآيات وفي الربط ‏يعرض القرآن نماذج وينوع في الصورة مواقف لبني اسرائيل في التعامل مع الكتاب مع التوراة في سياق التحذير من ‏الوقوع في تلك المزالق الخطيرة ونقض المواثيق والعقود والالتزامات مع الله (إنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ) وتدبروا ‏معي في وصف القرآن: التوراة فيها هدى ونور القرآن العظيم حفظ لتلك الكتب السماوية ما جاء فيها من أحكام قال فيها ‏هدى ونور ولكن ما الذي كان ينبغي أن يحدث؟ (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ) العلماء الذين يكون لديهم هذا الإلمام بأحكام التوراة عليهم أن يحكموا بها (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) طلب منهم أن ‏يحفظوا لا يحفظوا كلمات وحروف فحسب، لا، يحفظوه في واقعهم، يحفظوه بتطبيق أحكامه والسير على منهجه ‏وجزئياته في حياتهم في تعاملهم في أخلاقهم في أدائهم للأمانات في سلوكهم مع زوجاتهم مع أسرهم مع أقاربهم مع ‏مجتمعهم، الحفاظ على الكتاب لا يكون إلا من خلال ذلك التنفيذ في الواقع والتطبيق. ولذلك القرآن العظيم قال في سورة البقرة (وَمِنْهُمْ ‏أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) فالقرآن والتعامل مع الكتب والشرائع السماوية ينبغي أن يكون وفق ‏العقد والالتزام –استحفظوا على عقد- أن يكون هناك تطبيق وتدبروا معي قال (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ‏ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) ما دخل خشية الناس؟ أعظم عائق يقف بين الإنسان وبين تطبيق منهج الله وشريعته في واقع الحياة الجري وراء أهواء الناس وتلبية رغباتهم وحظوظهم وما يرغبون وما يقولون. ‏ تدبروا إعجاز لفظ القرآني (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) هل الآيات تباع وتشترى؟ هي ليست للبيع والشراء إذن ‏لماذا القرآن يعبر في أكثر من موضع في آياته بهذه اللفظة: (يشترون بآيات الله ثمنا قليلا)؟ لماذا؟إلأن الانسان حين يبيع ‏هذه القيم والمبادئ في سبيل عرض من عرض الدنياوالزائلة الفانية إنما هو على وجه الحقيقة يبيع ويشتري، حين ‏يخالف أمرا من أوامر الله عز وجل لإرضاء فلان من الناس أو لإرضاء شخص معين قوي أو ضعيف صاحب ‏منصب أو ليس كذلك رئيس أو مرؤوس أو ما شابه هذا ما نسميه إلا أنه يشتري بآيات الله ثمنا قليلا؟! يرضي الناس ‏ولكنه يسخط الله سبحانه وتعالى، هذا بيع وشراء، الدين لا يُتاجر به، وفي الآية تحذير شديد لأولئك الذين حمِّلوا أمانة ‏تعليم الناس العلماء علماء الدين الأحبار الربانيون علماء الدين في كل الأديان والشرائع وفي هذا الدين الاسلام، من أي ‏شيء لا تبيع وتشتري بأحكام الله سبحانه وتعالى بمعنى آخر لا تشهد إلا بالحق، لكن أن تشهد لأجل أن تحصل على ‏منصب أو مال أو بيت أو تحصل على أي شيء من عروض الدنيا الزائفة هذا شراء وبيع (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) ‏تدبروا عظمة التناسب في كلمات القران! الكلام عن الحكم ثم جاء بخشية الناس وجاء بالشراء بآيات الله ثمنًا قليلا لماذا؟ لأن هذين السببين أعظم الاسباب وراء عدم الحكم بما أنزل الله الخوف من الناس والبيع والشراء بآيات الله سبحانه ‏وتعالى المتاجر بها لأجل عروض الدنيا الزائفة الزائلة الفانية التي لا قيمة لها، ما قيمة أن يبيع الانسان دينه حتى لو حيزت ‏له الدنيا بأسرها؟؟ ما قيمة هذا؟ ما قيمة أن يخسر الانسان دينه؟ ما قيمة أن يخسر التزامه أمام الله عز وجل؟! تدبروا ‏معي في الآيات ولذلك قال وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) لماذا؟ لأن الإيمان عقد ليس كلمة تقال باللسان، إنما ‏تطبيق وتحكيم لأمر الله ومنهجه سواء خالف ما أريد أم لم يخاف سواء جاء وفق ما يرغب ويحبه الناس أو لا يرغبون ‏فيه، أوامر الله وتشريعاته لا تخضع لأهواء وأمزجة الناس، قضية خطيرة جدًا! وتدبروا معي قال (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ ‏النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) من جديد إلى أن قال (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) لماذا هنا بالتحديد؟ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ‏تشريع الحفاظ على هذه القيم التي جاء بها الانبياء وكما ذكرنا هي في التوراة كما هي في الإنجيل كما هي في القرآن ‏هذه القيم الشرائع العظيمة التي جاء بها كل الأنبياء وتدبروا معي (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ‏التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ‏فِيهِ) إذن هي شرائع جاءت بهذه الأوامر العظيمة الربانية، والتركيز واضح على قضية الحفاظ على النفس البشرية وكأننا ‏حين نقرأ هذه الآيات العظيمة نقرأ الواقع الذي نعيشه اليوم الواقع الذي تعيشه البشرية اليوم سفك الدماء لا يقبل به ولا ‏تقبل به ولا شريعة من الشرائع السماوية، فليحكم العقلاء من أهل كل دين من هذه الأديان من أهل التوراة ومن أهل ‏الانجيل ومن أهل القرآن بحرمة سفك الدماء، ولا يكفي أن يحكموا فقط باللسان عليهم أن يجدوا كل الطرق لأجل أن ‏يطبقوا ذلك الحكم ولذلك قال (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) تأكيد مرة بعد مرة، ظلمٌ أن يؤمن الانسان ‏بإله مالك الملك له ملك السماوات والأرض ولكنه لا ينفذ ما أمر به هذا الإله الخالق البارئ المصور الرحمن الرحيم لا ‏ينفذ ما يؤمر به في واقعه ويجد له مشرّعًا آخر!! ولن تكون هناك شريعة أخرى إلا شريعة الهوى ولذلك جاءت الآيات ‏فتدبروا معي (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ‏عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) تدبروا معي شريعة الهوى، هما شريعتان: إما شريعة الله وإما شريعة الهوى.

ثم قال (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ ‏شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) بعض التفاصيل تختلف ما بين أحكام التوراة وما بين الانجيل وما بين القرآن ولكن أصول الشرائع واحدة وهذا القرآن ‏جاء ليهيمن ويحكم وتختم بها الرسالات السماوية. قال (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) إذن لمَ الاختلاف؟ ليس لأنه هو سبحانه يريد منك أن تختلفوا، لا ؟ ولكن لو ربي أراد ألا يختبركم ويجعل الجميع أمة واحدة (أن لو يشاء اللّه لهدى ‏الناس جميعا) ولكن ربي عز وجل أراد أن يسند ويعطي الانسان القدرة على الاختيار ليختبره فيها لأنه لو لم يعطى حرية ‏الاختيار يختبر ويبتلى في أيّ شيء؟! (وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) تدبروا معي هنا السباق الذي تكلمنا ‏عنه تكلمنا قبل آيات في قصة ابني آدم عن قضية الصراع والتنافس وقلنا أن هناك تنافس مذموم وهناك تنافس محمود ‏هنا سباق، سباق بأيّ شيء؟ بالخيرات، فيما آتاكم، بحسب إمكانياتك أنت لا تحاسب إلا على امكانياتك أنت فإذا كانت ‏إمكانياتك محدودة ربي سبحانه وتعالى يحاسبك على قدر هذه الإمكانيات، فربي سبحانه وتعالى لا يحاسب على سبيل ‏المثال الفقير على إنفاقه كما يحاسب المليونير أو الغني الذي يمتلك الاموال الطائلة، لا، حساب مختلف هذا آتاه مال ‏فكيف ينفقه وهذا ربي سبحانه وتعالى قدّر عليه رزقه فكيف يكون التعامل فيما آتاكم؟

ثم تدبروا معي قال (إِلَى اللَّهِ ‏مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) والآيات هنا تحدثنا عن اختلاف في الأديان كذلك اختلاف حاصل يهود ‏نصارى مسلمين ولكن ما المطلوب؟ المطلوب أن يعمل الانسان وفق ما يفرض عليه إيمانه ذلك الالتزام والعمل ‏(فاستبقوا الخيرات) ولكن من الذي سوف ينبأنا بهذه الاختلافات؟ (فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). ثم تؤكد الآيات مرة ‏اخرى القرآن ليس فيه تكرار القرآن فيه تأكيد قال (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) مرة أخرى تدبروا معي ‏مرتين الآية التي قبلها قال (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) هذه المرة قال (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ ‏أَهْوَاءَهُمْ) شريعة الهوى، اتباع الهوى أخطر شيء على النفوس البشرية، أخطر شيء على الفرد أن يتبع الإنسان شريعة ‏هواه، هوى نفسه! ابن آدم لو أنه ما اتبع هوى نفسه فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من النادمين، نفسه سولت له ‏زينت له الباطل حسد غيرة تصور توهم أنه إن أزاح الأخ عن الطريق هذا الأخ الصالح سيتقبل الله منه العمل وسيصبح ‏من بعده صالحًا إلى اخره، نفس القضية التي وقع فيها كذلك إخوة يوسف نفس القضية التي يقع فيها الكثير من الذي ‏يحكم بإزاحة الاخرين من الطريق عوضًا عن التعاون على البر والتقوى؟ من؟ هوى النفس. أما شريعة الله سبحانه ‏وتعالى والحكم بما أنزل الله فهو يقتضي أن نتعاون جميعًا على البر والتقوى وأن لا نتعاون على الإثم والعدوان، فارق ‏شاسع!! شريعة الله تعزز التعاون على البر والخير والتقوى وجمع الناس على كلمة واحدة جمع القلوب وإحداث التآلف ‏بينها، بينما شريعة الهوى تفرّق بين القلوب فما نراه من فرقة في مجتمعاتنا وفي العالم وفي أسرنا أحيانًا إنما جاء ذلك من ‏شرعة الهوى ولو حُكّمت وحكّمنا شرع الله في نفوسنا وأسرنا وحياتنا لما تفرقت قلوبنا، القلوب تتفرق حين تحكمها ‏الأهواء تحكم فيها الأهواء ولكنها تجتمع حين تحكم فيها شريعة الله. ثم بعد ذلك ربي عز وجل يقول في الآية (وَإِنَّ كَثِيرًا ‏مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) عجيب! الكثرة، قلنا في مرات سابقة الكثرة لا تعني أبدًا الصحة، الكثرة في القرآن غالبًا ما تأتي في ‏سياق الذم وإن كثيرًا من الناس لفاسقون فلا تتبع الأكثرية المسألة ليست أكثرية وأقلية، المسلمون في مكة كانوا أقلية ‏والأغلبية كانت لكفار قريش من كان على حق ومن كان على باطل؟ الأكثرية أم الأقلية؟! إذن المسألة ليست أكثرية وأقلية ‏لا، المسألة ليست عدد، المسألة مسألة المبدأ، المسألة مسألة الحق، والحق لا يُعرف بكثرة من يتبعه ويسير خلفه، الحق ‏يُعرف بنفسه يعرف بقيمه يُعرف بذاته، ولذلك كل الأنبياء ما كان أتباع الانبياء هم الأكثرية، معظم أتباع الرسل ‏والأنبياء كانوا أقلية ما كانوا أكثرية، الملأ كانوا من غير أتباع الأنبياء غالبًا ولكن ذلك لم يغير من واقع أن الحق حق وأن الباطل باطل، لا يتغير ولا يحل واحدًا منهما مكان الاخر بكثرة أو قلة، الأتباع، قضية خطيرة جدا لأننا ‏وللأسف الشديد في كثير من الأحيان في مجتمعاتنا ننساق وراء أغلبية الناس. لذلك النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أن ‏الانسان لا ينبغي أن يكون إمعة إن أحسن الناس أحسن وان اساؤوا اساء لأنه يمشي وراء الناس، القران لا يريد من ‏الإنسان المؤمن أن يمشي وراء الناس يريد إنسانا يمشي أمام الناس. القرآن أعظم كتاب يصنع الانسان القيادي ‏والانسان القيادي هو من أبرز صفاته ذلك الإنسان لا يسير وراء أهواء الناس ولا وراء ما يقولون ولا وراء ما ‏يرغبون لأنه لديه ميزان دقيق ميزان ما أنزل الله سبحانه وتعالى، ماذا يريد الله منا؟ ما الذي يرضي ربي عز وجل ‏عني وليس الجري وراء ما يرضي الناس ولذلك القرآن العظيم اعتبر ذلك حكم جاهلية (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ ‏مِنَ اللَّهِ حُكْمًا) ولكن لمن؟؟ ( لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) تحولت قضية الإيمان في قلوبهم إلى يقين يعيشونه ويرونه ويشعرون به حكم ‏الجاهلية لماذا الكلام عن الجاهلية؟ الجاهلية كانت تحركهم أهواؤهم، عدد الناس الكثرة بينما القرآن أيضا في سورة ‏البقرة قال (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) المسألة ليست الكثرة والقلة المسألة هي مسألة القضية التي لأجلها ‏يقوم القلة أو الكثرة ولذلك ربي عز وجل في آيات أخرى قال (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا) قضية ‏خطيرة قضية الكثرة والقلة لماذا جاء ذكرها بالذات في هذا السياق في سياق الحديث عن الحكم؟ لأننا في كثير من الأحيان ننجر ‏وننساق وراء الأكثرية ونتأثر يقولها كذلك نتأثر بما يقول الآخرون وأحيانًا نتعرض لإشكالية وتحدي خطير في أنفسنا ‏قد يصل بنا الى حد تغيير المبادئ والقيم والقناعات لأجل إرضاء الأكثرية وإرضاء الناس، لا تكن إمعة! إذن ماذا يكون ‏الإنسان؟ يكون نفسه تلك النفس المؤمنة التي لا يضرها من ضل إذا كانت هي على حق وهداية، تدبروا معي في المعنى، معنى ‏عظيم! ولذلك وفي نفس السياق ربي عز وجل يحدثنا عن قضية الولاية الدخول في ولاءات في شراكات في اتحادات قضية ‏خطيرة جدًا. الإنسان بطبيعته البشرية وخاصة الجماعات البشرية لا يستطيع أن يعيش فردًا بمفرده الحياة الإنسانية لا ‏تستقيم بالفرد فقط إذن كيف تستقيم؟ بالتعاون على البر والتقوى. ولكن ربي عز وجل أراد أن يكون الولاء والاتحاد وهذه ‏الولاءات المختلفة لأنها منبثقة من عقد الإيمان تكون ضمن الإطار الذي حدده القرآن ولذلك قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا ‏الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ) قضية الولاية هنا قضية خطيرة لماذا؟ لأنها تتعلق بأحكام الدين بالشرائع، الكلام هنا محدد قضايا ‏محددة الولاء يفرض عليك التزامًا تجاه الطرف الآخر كثير من الناس يخلط بين الآيات، الآيات لا تتحدث عن البر ‏وعن القسط لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالعدل وأمر بالقسط وأمر نبيه قبل كم آية صلى الله عليه وسلم فقال (فَاحْكُمْ ‏بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) عن اليهود، ربي عز وجل لا ينهانا عن أن نبر ونقسط إليهم، أبدًا، هذا مطلوب (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ ‏صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) قضية مفروغ منها، إذن الحديث عن أي شيء؟ الحديث عن ‏قضية الولاءات لأن الولاية التزام يفرض على الإنسان أن يخضع في أحكامه وتشريعاته وهو أراد من للمؤمن بأن لا ‏يخضع في تحكيم أحكامه وشرعه إلا لله  سبحانه وتعالى تدبروا معي الآية ولذلك قال (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) باتباع أحكام وتشريعات ثم بعد ذلك جاء بصورة المنافقين أصحاب النفسيات الضعيفة أصحاب الوجوه ‏المتعددة (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ) نفاق! تدبروا معي (يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) أصحاب القلوب ‏المريضة التي لم يخالجها الإيمان الحقيقي واليقين، التي تعتقد بأن النصر مرهون بدخولها في ولاءات للشرق أو للغرب ‏لهذا أو لذاك، التي لا ترى أن الولاء لله سبحانه وتعالى ينقذها من كل شيء، لا، لذلك قالوا (نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) فيدخل في ولاء مع من يخالف أمر الله وشرع الله سبحانه وتعالى بسبب الخوف على المصالح العاجلة التي جاء القرآن فقال (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ). تدبروا معي الكلام واضح في هذه الآية ‏العظيمة هذه الآيات هذا المقطع في سورة المائدة تتكلم عن شيء لا ينفك عن قضية الحكم، الآيات السابقة تكلمت عن ‏الحكم بما أنزل الله وتحكيم شرع الله ومنهجه في هذه الحياة، ومباشرة في هذا المقطع تكلمت عن الولاء لأنهما لا ينفكان عن بعضهما ‏البعض الولاء ولاؤك لله يفرض عليك أن تحكم شرعه وولاؤك لغيره ودينونتك وخضوعك لغيره سبحانه سيفرض ‏عليك أن تحكم شرائعه ومناهجه وهو ما لا يريده الله سبحانه وتعالى لأنه ازدواجية! تدبروا معي في هذه الآيات ولذلك مباشرة في هذه الآيات قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) خطاب (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ‏الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ) تدبروا في الآية القوم الذين في قلوبهم مرض يخشون ‏الناس ولكن الذين يحبون الله ويوالونه قلبًا وقالبًا لا يخافون لومة لائم (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) ‏إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) فالولاية ضمن هذا الإطار أصبحت مرتبطة بهذا الإطار أصبحت عقد الولاية ولذلك أصبحت القضية فيه ردّة هنا لماذا؟ لأن الولاء والموالاة تفرض على الإنسان أن يحكّم شريعة ويتبع أوامر وينفذ أوامر من يواليه يريد أن يكون الانسان في ولائه إنما لله سبحانه وتعالى وذلك جاء بقضية المحبة هنا (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) والآية عظيمة ربي عز وجل إذا أحبّ عبدًا حبّب إليه إتباع أمره ونهيه، حبّب اليه اتباع أمره والوقوف عند ‏نواهيه وعدم الاعتداء على ما جاء به في شريعته سبحانه ثم ذلك الوصف العظيم (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ليبيّن هوية الانسان المؤمن.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *