د.رقية العلواني

جميع البحوث

مظاهر التيسير في أحكام النساء في الحجّ

مظاهر التيسير في فقه الحج

(قراءة في بعض أحكام النساء)

د. رقية طه جابر العلواني

معلومات الندوة:

  • الندوة: ندوة الحج الكبرى
  • الموضوع: التيسير في الحج في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها
  • بالإنجليزية: GRAND HAJJ CONFERENCE - FACILITATION IN HAJJ, BASED ON SHARIA TEXTS AND AIMS
  • التاريخ: ٢ - ٤ ذو الحجة ١٤٢٧هـ / ٢٣ - ٢٥ ديسمبر ٢٠٠٦ م
  • الجهة المنظمة: وزارة الحج (خدمة الحاج شرف .. أمانة.. مسؤولية)
  • البرنامج: البرنامج العلمي

اختص الله عز وجل الشريعة الإسلامية الخاتمة بسمات عديدة تؤهلها لصلاحية التطبيق في كل زمان وبيئة وتمنحها القدرة على الاستمرارية والتجدد، فكان اليسر والرفق ورفع الإصر والأغلال ونفي الخرج عن الناس وإباحة الطيبات وتحريم الخبائث. سمات أساسية ومقاصد عليا، تجلت في كافة أحكامها وفروعها لتكون رحمة للعالمين إلى يوم الدين.

وجاءت النصوص في كتاب الله مبينة تلك السمات والمقاصد الحاكمة، قال تعالى:

﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ سورة الأعراف: 157.

من هنا كان توخي المجتهد لمقصد التيسير في الفهم والتنزيل، منهجا أصيلا ينبثق من عمق فهمه لمقاصد التشريع وقيمه الحاكمة فيأتي اجتهاده منضبطا بالقراءة الواعية لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية من جهة وقراءة الواقع المعيشي والظرفية التي تكتنف تنزيله من جهة أخرى. وقد تجلى هذا المنهج الدقيق في كافة أحكام الشريعة وجزئياتها الواردة في كتاب الله أو سنة نبيه عليه الصلاة والسلام وخاصة فيما يتعلق بفقه الحج، كما ظهر منهج التيسير على الناس رفع الحرج عنهم في فقه العلماء الافذاذ من الخلفاء الراشدين ومن تلاهم. فكان فقههم فيها، أنموذجا للقراءة المقاصدية المعتمدة على كليات الشريعة المحكمة لها في فهم النصوص الجزئية وتوجيهها في واقع الحياة ومتطلباته. من هنا فقد قامت هذه الدراسة بمحاولة استقراء وتتبع لبعض النماذج الفقهية في الحج كرمي الجمار وابتداء وقته واتساع زمنه، والمبيت بمنى، وطواف الحائض، كما ألقت الضوء على بعض خصوصيات النساء فيها. وقد ظهر من خلال استقراء مختلف الآراء الفقهية في تلك المسائل، أن هؤلاء العلماء قد أبلوا بلاء حسنا في إخراج فقه يتسم بتحقيق مقاصد التشريع وتفعيلها في واقع تأدية مناسك الحج بشكل خاص. وخلصت الدراسة من ذلك إلى ضرورة تبني النهج المقاصدي وتفعيله في العصر الحاضر الذي بات يشكل تحديا متزايدا لعلماء الأمة وأهل الذكر والفكر فيها. فالواقع يشهد ظروفا ومتغيرات ومستجدات يستحيل تجاهلها، فمن زيادة مطردة في أعداد الحجيج إلى محدودية الرقعة الجغرافية – المنصوص عليها - في تأدية المناسك .. إلى غيره ذلك من عوامل، تفرض على العلماء اليوم قراءة النصوص الجزئية والأحكام المتعلقة بأداء هذه المناسك في إطار كليات التشريع ومقاصده وتحكيمها في تلك الجزئيات. كما أكدت الدراسة ضروروة تبني النهج المقاصدي لنفي تهم الجمود والتقولب وعدم القدرة على مسايرة المتغيرات والمستجدات عن أحكام الشريعة الحنيفية السمحة.

مقدمة

اختص الله عز وجل الشريعة الإسلامية الخاتمة بسمة اليسر والرفق ورفع الإصر والأغلال ونفي الحرج عن الناس وإباحة الطيبات وتحريم الخبائث، فكانت رحمة للعالمين، وتخفيفاً عن الناس أجمعين إلى يوم الدين. فرفع الحرج والتيسير مقصد حاكم من مقاصد الشريعة، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْحَبَائِتَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ سورة الأعراف: 157.

وينبثق هذا المقصد الأعلى من عالمية الإسلام وصلاحية أحكامه وقواعده لكل بيئة وزمان. فأحكام التشريع فيه لم تأت لبيئة معينة أو الزمان محدد أو فئة مخصوصة من البشر. وتبني المجتهد وتوخيه التيسير في فقهه، منهج أصيل ينبثق من فهم عميق لمقاصد التشريع وقيمه الحاكمة، واستنباط منضبط بالقراءة الواعية لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية من جهة وقراءة الواقع المعيشي والظرفية التي تكتنفه من جهة أخرى. وقد تجلى العمل بمنهج التيسير الأصيل في السنة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين والعلماء الأفذاذ من بعدهم، كما ظهرت آثار العمل به في العديد من الأحكام الفقهية في مختلف المذاهب وبخاصة في أحكام الحج. وهذه الدراسة محاولة لتأصيل مبدأ التيسير ورفع الحرج في الأحكام المتعلقة بالحج خاصة، الذي هو أساس لكل تشريع عام أو خاص فيه من خلال قراءة مقاصدية لبعض أحكام الحج وخاصة ما يتعلق بالنساء. والدراسة حين تتناول بعض الأحكام والجزئيات الفقهية التي تعد من تحليات منهجية التيسير، تقوم بردها إلى مقصد التيسير الكلي لتقرأ من خلال فهم معانيه وتفعيلها في الواقع. وتبرز أهمية هذه الدراسة في ظل الواقع الذي باتت تشهده الظرفية الزمانية والمكانية والبيئية التي تؤدى فيها شعائر ومناسك الحج، وهو واقع يفرض على علماء الامة وباحثيها المختصين، مراجعة الأحكام الفقهية وقراءة جزئياتها من خلال ردها إلى كليات الشريعة ومقاصدها العامة المبنية على رفع الحرج والتخفيف والرحمة بالناس. ولا تخفى أهمية هذا النوع من الدراسات في المساهمة في وقف ظاهرة التشتت والتضارب في بعض الفتاوى والاجتهادات المتعلقة بأداء المناسك التي قد ينجم عنها وقوع الحرج والتضييق وإلحاق الضرر والأذى بالناس على أقل تقدير.

المبحث الأول: التيسير مقصد من مقاصد التشريع

تتسم الشريعة الإسلامية بسمات عدة لعل من أبرزها صلاحية أحكامها وتكاليفها للتطبيق عبر امتداد الزمان والمكان، وقدرتها على إنتاج الأحكام التي توافق كل مرحلة من مراحل الوجود الإنساني مع عدم المساس بثوابتها التي يُحكم باستحالة قدرة الظروف على إحداث التغيير فيها أو إلغائها. وينبثق عن هذه السمة العظيمة، سمة التيسير والرفق والبعد عن التعقيد والحرج في كافة الأحكام الشرعية التي يمكن أن تجعل المكلف يتكيف مع كافة الأحكام ويؤدي تكاليفها في أي بيئة أو زمان. والشارع الحكيم ترك الأمر لأهل الاجتهاد يتباحثون بينهم عبر الامتداد الزماني حول العديد من الأمور والأحكام ... الأمر الذي ينم عن تلك المرونة التي هي من خصائص الشريعة الإسلامية، وقدرتها على مواكبة المتغيرات. ولما كان هذا الفعل الاجتهادي من علماء الأمة، أمرا مسموحا به شرعا، فإن الواقع المعاصر – الذي يشهده أداء فريضة الحج- يحتاج إلى إيجاد صيغة تتسم بالأصالة والمعاصرة، الأصالة من حيث عدم الخروج شكلا ومضمونا عن الأحكام الشرعية الثابتة في كتاب أو سنة صحيحة، و المعاصرة وهي التكيف مع الزمان الذي يفرض علينا مثل ذلك التكيف من غير تميع أو تحلل وإنما إبراز تلك السعة التي تمتاز بها الشريعة الإسلامية. إن ما يواجه المسلمين اليوم من المشكلات والظروف التي لم تواجه الناس حينذاك، و لم يكن لها وجود في تلك الأزمنة، يسوغ لعلماء الأمة وفقهاءها إعادة النظر في بعض الأحكام الفقهية المختصة بالحج، ومحاولة قراءة تلك الأحكام من خلال مقاصد التشريع في رفع العنت والحرج عن الناس ودفع الأذى دون إغفال طبيعة الواقع المعاش اليوم التي تحتم على المجتهد الإلمام بتحدياته وفقهه في سبيل تقديم رؤية وإجابة شمولية للحدث، تبرز صلاحية هذه الأحكام العظيمة للتطبيق في كل زمان وبيئة ومكان. والناظر في آراء الفقهاء والعلماء في كثير من القضايا المتعلقة بالحج كرمي الجمار ووقته، وتقديم أعمال يوم النحر ... يجد أمامه بحالا واسعا من الآراء والاجتهادات الأمر الذي يؤكد ابتناء هذه الشريعة على المرونة والتيسير شكلا ومضمونا. وهذه السمات العظيمة للشريعة أسستها عشرات النصوص الواردة صراحة في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. قال تعالى:

﴿ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ البقرة: 185

﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ الحج: 78

وروي الشيخان عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضى الله عنها، قَالَتْ:

مَا خَيْرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اختار أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَأْتُمْ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ.

وروى الشيخان كذلك عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:

يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا.

هذه السمة التي دفعت بالشاطبي إلى افتتاح موافقاته بالقول: " ونشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله الصادق الأمين المبعوث رحمة للعالمين بعثة حنيفية وشرعة بالمكلفين بها حفية ينطق بلسان التيسير بيانها ويعرف أن الرفق خاصيتها والسماح شأنها ".1 ولا تخفى آثار إبراز هذه السمات الحكيمة للشريعة الإسلامية وأحكامها في وقت تضافرت فيه جهود البعض، للنيل من قدرتها على العطاء والتجدد ومواكبة التغيرات المهولة الحاصلة في عالم اليوم. فالشارع في أحكامه لم يقصد التكليف بالشاق أو إلحاق العنت والحرج بالمكلف في المعاملات أو العبادات. والنصوص المذكورة آنفا - دلت على ذلك بل جعلت رفع الإصر والإغلال من مقاصد الرسالة الكبرى. يقول الشاطبي في هذا السياق: " الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع كقوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج وسائر ما يدل على هذا المعنى كقوله: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا، ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له، ويضع عنهم إصرهم والأغلال كانت عليهم. وقد سمى هذا الدين الحنيفية السمحة لما فيها من التسهيل والتيسير". فلو كان التشريع قاصداً للمشقة لما كان مريداً لليسر ولا التخفيف ولكن مريداً للحرج والعسر وذلك غير واقع ... فالشريعة موضوعة على قصد الرفق والتيسير.2 3 بيد أن هذا التيسير قد لا يظهر لمن يقرأ جزئيات الأحكام وفروعها دون محاولة ردّ تلك الجزئيات إلى كلياتها، فالفقه المقاصدي يقوم في الأصل على أساس الكليات التشريعية واعتمادها، ورد النصوص والأحكام الجزئية إلى تلك الكليات.4 يقول الشاطبي: " رفع الحرج مقصود للشارع في الكليات فلا تجد كلية شرعية مكلفا بها وفيها حرج كلي أو أكثري ألبتة وهو مقتضى قوله وما جعل عليكم في الدين من حرج ونحن نجد في بعض الجزئيات النوادر حرجا ومشقة ولم يشرع فيه رخصة تعريفا بأن اعتناء الشارع إنما هو منصرف إلى الكليات".5 الأمر الذي يقتضي من المجتهد، استقراء كافة الأحكام الجزئية وردها إلى كليات التشريع ومقاصده، لتبقى محكومة بطابع الرفق والتيسير والبعد عن التكلف والعنت الذي هو أبرز سمات التشريع ومقاصده قاطبة. يقول الشوكاني في تفسير قوله تعالى:

﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾

" هذا مقصد من مقاصد الرب سبحانه ومراد من مراداته في جميع أمور الدين".6 ولعل فريضة الحج من أكثر العبادات التي تتجلى فيها سمة التيسير العظيمة للتشريع، خاصة وأن الحج يضم أنواع الناس مختلف بيئاتهم وخلفياتهم ومستوياتهم في آن واحد وعلى صعيد واحد. إضافة إلى ما يقتضيه أداء الفريضة من أعمال شاقة أحيانا، تستلزم طلب المكلف التخفيف من الله عز وجل والإعانة على أدائها، وهو أمر لا يُطلب إلا في الأمور الصعبة. ولذا جاء في البحر الرائق: "الحج لما كان مما يمتد ويقع فيه العوارض والموانع وهو عبادة عظيمة تحصل بأفعال شاقة، استحب طلب التيسير والتسهيل من الله تعالى .. .. ويقول بلسانه مطابقا لجنانه اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني لأني محتاج في أداء أركانه إلى تحمل المشقة فيطلب التيسير .. و لم يؤمر بمثل هذا الدعاء في الصلاة لأن سؤال التيسير يكون في عسير لا في اليسير.."7

وأوضح ابن عابدين أن المشقة الواردة في أداء فريضة الحج بسبب وقوع التباين في الأزمنة والأمكنة المتفرقة، فكان طلب التيسير من الله لازما. كما جاء في حاشيته: " لأن أداءه في أزمنة متفرقة وأمكنة متباينة فلا يعرى عن المشقة غالبا فيسأل الله تعالى التيسير لأنه الميسر كل عسير".8 ويضاف إلى تلك المشاق ما استجد في زماننا من كثرة أعداد الحجيج والزحام وما يمكن أن يترتب على ذلك من صعوبات جمة. وهذه الكثرة من المتوقع زيادتها باستمرار، فالإسلام رسالة أريد لها أن تكون عالمية، وهذا يعني دخول الناس فيها أفواجا وأمما. من هنا كان إغفال المجتهد للمنهج المقاصدي في إصدار الفتاوى والأحكام الجزئية خاصة ما تعلق بالحج، لن يسوق إلا إلى مزيد من التضييق والحاق العنت والمشاق في أداء هذه الفريضة. كما أنه مسوق إلى وقوع تناقض وتضارب في تلك الأحكام الجزئية التي لم يتم النظر إليها باعتبار مقاصدي. وهو أمر في غاية الخطورة ليس على واقع أداء الفريضة فحسب بل على تعريض أحكام الشريعة للاتهام والنيل منها بحجة عدم القدرة على مواكبة التغيرات الزمانية!. فإقصاء البعد المقاصدي فيما يتعلق بأحكام الحج، يظهر الأحكام الفقهية والشرعية بمظهر الجمود وعدم القدرة على مسايرة الأحداث !. يقول القرافي في خطورة ذلك : " ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت وتزلزلت خواطره فيها، واضطربت وضاقت نفسه لذلك وقنطت واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانقضى العمر ولم تقض نفسها من طلب مناها. ومن ضبط الفقه بقواعده، استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات .. ".9 إن النظر في الواقع المعاش اليوم وما بات يكتنف تأدية مناسك الحج من مشاق وصعوبات لا تخفى على المجتهد المعايش لهذا الواقع المتبصر بأحواله، يؤكد ضرورة تفعيل النهج المقاصدي الكفيل بتخليص الساحة الفكرية من الأحكام المتضاربة التي باتت تشتت أذهان الكثيرين من الحجيج، نتيجة إجراء الأحكام الجزئية دون ردها إلى كليات الشريعة والنظر إليها بمنظور مقاصدها، حتى صار الكثير منها يضرب بعضه بعضا. يقول الشاطبي في ذلك: "كل أمر شاق جعل الشارع فيه للمكلف مخرجا فقصد الشارع بذلك المخرج أن يتحراه المكلف إن شاء كما جاء في الرخص شرعية المخرج من المشاق فإذا توخي المكلف الخروج من ذلك على الوجه الذي شرع له كان ممثلا لأمر الشارع أخذا بالحزم في أمره وإن لم يفعل ذلك وقع في محظورين أحدهما مخالفته لقصد الشارع كانت تلك المخالفة في واجب أو مندوب أو مباح والثاني سد أبواب التيسير عليه وفقد المخرج عن ذلك الأمر الشاق الذي طلب الخروج عنه بما لم يشرع له".10 من هنا أكد العلماء أن التخفيف في العبادات وغيرها سبعة، وأن العسر وعموم البلوى .. يؤكد أن غالب أبواب الفقه ترجع إلى قاعدة التيسير والتخفيف.11 وثمة نقطة ترتبط بأهمية التيسير في تحقيق مقاصد التشريع، ألا وهي الطبيعة العالمية له. فهذه الشريعة أريد لها أن تكون للناس كافة، كما في قوله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ سبأ: 28.

الأمر الذي يقتضي انتشارها في الأرض، وزيادة اعداد الداخلين فيها، كما قال تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾- التوبة : 33 وسورة الصف: 9.

وفي سورة الفتح:

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بالله شهيدًا﴾ الفتح: 28.

وهي امور تستلزم من العلماء اليوم النظرة المستقبلية لكيفية تأدية مناسك الحج مع هذه الزيادة المتوقع من حيث طبيعة هذا الدين. ولا تتحق هذه النظرة إلا من خلال تفعيل مقاصد التشريع في الأحكام الجزئية.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:

«أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا». فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ». ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ».12

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:

كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ. فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).13

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:

مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرِ مِمَّا يَنْسَى الْمَرْءُ وَيَجْهَلُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ قَبْلَ بَعْضٍ وَأَشْبَاهِهَا إِلَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْعَلُوا ذَلِكَ وَلَا حَرَجٌ.14

ذكر بعض العلماء أن نفي الحرج والضيق والثقل يتحقق في كل أمر اختلف الفقهاء فيه وسوغوا فيه الاجتهاد.15 يقول أبو بكر الجصاص في تفسير الآية" لما كان الحرج الضيق ونفى الله عن نفسه إرادة الحرج بنا ساغ الاستدلال بظاهره في نفي الضيق وإثبات التوسعة في كل ما اختلف فيه من أحكام السمعيات فيكون القائل بما يوجب الحرج والضيق محجوجا بظاهر هذه الآية وهو نظير قوله تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر".16 جميع العبادات والتكليفات الشرعية وضعت لمقاصد، والحج لا ينفك عن تلك العبادات، لذا من الضرورة بمكان إبراز مقاصد الحج وتأكيد أن الحج ليس مجرد أعمال تتعلق بالهيئة فحسب بل هو تحقيق لمقاصد الشرع في إيجابه على المكلف. التي من أبرز معانيها تحقيق الإخلاص لله تعالى والتقوى. قال تعالى:

﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج: 32.

وقال أيضا:

﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ الحج: 37.

وهذا يعني أن الأصل في أدائها استشعار المسلم أنه يؤدي عبادة خالصة على وجه الإيثار له تعالى على ما سواه. والأصل في العبادات التزام النصوص من حيث أن الكثير من أحكام العبادات من مقادير وشروط وكيفيات لا يمكن تعليله تعليلا عقليا كما لا يمكن تبين وجه المصلحة فيه على وجه التحديد.17 فتحديد الشارع لتلك المقادير والحدود والكيفيات إنما هو نوع من التنظيم والتقنين لسير الحياة على المستوى الفردي والجماعي، إلا أنه لا يفهم من ذلك أن التعليل يتنافى مع التعبد البتة. وعلى هذا قال العلماء أن حق الله لا يخلو منه حكم من الأحكام الشرعية بمعنى أن جانب التعبد لا يخلو منه حكم شرعي سواء ما اختص بالعبادات أو ما اختص بالمعاملات.18 التصريح برفع الحرج من الشارع في كل مناحي التشريع الإسلامي بالنصوص التي ذكرناها سلفاً ، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أهمية ورود آية رفع الحرج في سورة الحج وذلك في قوله تعالى

﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ الحج: 78

والحج من أهم موروث ملة أبينا إبراهيم.

الحج في كثير من أحكامه مبني على التخيير والتخيير أساس التيسير. الحج في كثير من أحكامه مبني على التخيير والتخيير أساس التيسير.

فالحج وقته متسع ، فهو واجب على التراخي عند بعض العلماء.19 ويشرع فيه إحرام بواحد من ثلاثة أنساك على سبيل التخيير وهي: التمتع والقرآن والإفراد. وكذلك التخيير في الفدية

(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (البقرة : 196).

وهذا التخيير مردّه التيسير ورفع الحرج.

المبحث الثالث: مظاهر التيسير في رمي الجمار

واجبات الحج هي عبارة عما يجب فعله ولا يجوز تركه إلا لعذر وإذا تركه كان عليه دم يجبر به حجه.20 ورمي الجمار يعد من واجبات الحج.21 ومن المعروف عند أهل العلم أن رمي جمرة العقبة يبدأ من فجر اليوم الأول - أي يوم النحر إلى الغروب. إلا أن عددا من الفقهاء قالوا بجواز رمي جمرة العقبة قبل الفجر. وهذا ثابت عن عطاء وطاووس وابن أبي مليكة وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد وبه قال الإمام الشافعي.22 جاء في الوسيط" ووقت رمي جمرة العقبة يدخل بمنتصف الليل ويدوم إلى غروب الشمس يوم النحر ".23 والأصل في هذا القول الأحاديث الواردة في ذلك، ومنها ما رواه البخاري عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْتُ لَا فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَتْ فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا فَقُلْتُ لَهَا يَا هَنْتَاهُ مَا أَرَانَا إِلَّا قَدْ غَلَسْنَا قَالَتْ يَا بُنَيَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِلظُّعُنِ.24 واحتج الشافعي بحديث أسماء هذا. وروى النسائي عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ عَنْ خَالَتِهَا عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ إِحْدَى نِسَائِهِ أَنْ تَنْفِرَ مِنْ جَمْعِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَتَأْتِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَتَرْمِيهَا وَتُصْبِحَ فِي مَنْزِلِهَا وَكَانَ عَطَاءٌ يَفْعَلُهُ حَتَّى مَاتَ.25 وروى مسلم في صحيحه ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ بَعَثَ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَحَرٍ مِنْ جَمْعِ فِي ثَقَلِ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ أَبَلَغَكَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ بَعَثَ بِي بِلَيْلٍ طَوِيلٍ قَالَ لَا إِلَّا كَذَلِكَ بِسَحَرٍ قُلْتُ لَهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَمَيْنَا الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَيْنَ صَلَّى الْفَجْرَ قَالَ لَا إِلَّا كَذَلِكَ.26 وقد أوضح ابن قدامة أن لرمي جمرة العقبة وقت فضيلة ووقت إجزاء، فأما وقت الفضيلة فبعد طلوع الشمس .. وأما وقت الجواز فأوله نصف الليل من ليلة النحر وبذلك قال عطاء وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد، والشعبي والشافعي.27 وذكر الطحاوي في شرحه بابا أسماه باب رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر. عن عروة أن يوم أم سلمة رضي الله عنها دار إلى يوم النحر فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة جمع أن تفيض فرمت جمرة العقبة وصلت الفجر بمكة.28 وعَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْيَوْمَ الَّذِي يَكُونُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْنِي عِنْدَهَا.29 وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةٌ ضَخْمَةً نَبِطَةً فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعِ بِلَيْلٍ فَأَذِنَ لَهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَلَيْتَنِي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تُفِيضُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ.30 وبناءا على هذه النصوص، قال هؤلاء الفقهاء بجواز رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر". وذكر البعض أنها رخصة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحاب الأعذار.31 جاء في الهداية" وقال الشافعي أوله بعد نصف الليل لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام رخص للرعاة أن يرموا ليلا".32 كما ذكر الطحاوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس ليلة المزدلفة ثم اذهب بضعفائنا ونسائنا فليصلوا الصبح بمنى وليرموا جمرة العقبة قبل أن يصيبهم دفعة الناس قال فكان عطاء يفعله بعد ما كبر وضعف.33 وقد روى البخاري عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أهله.34 وممن ذهب إلى أنه رخصة النووي، حيث أورد بابا أسماه باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليل قبل زحمة الناس واستحباب المكث لغيرهم حتى يصلوا الصبح بمزدلفة. جاء فيه حديث سودة المذكور آنفا.35 وخالف في ذلك غيرهم من الفقهاء ولم يعتبروها رخصة للضعفاء والنساء فقط. فقد جاء في المجموع:" ويدخل وقت رمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة بنصف ليلة النحر بشرط تقدم الوقوف بعرفات ".36 وقال ابن المنذر السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر لأن فاعله مخالف للسنة ومن رماها حينئذ فلا إعادة عليه إذ لا أعلم أحدا قال لا يجزئه.37 وذكر الصنعاني أن الشافعي ذهب إلى جواز الرمي من بعد نصف الليل للقادر والعاجز وقال أبو حنيفة لا يجوز حتى يطلع الفجر.38 وقال أبو حنيفة لا دم عليه، وذكرها صاحب تحقيق الخلاف تحت مسألة يجوز رمي جمرة العقبة بعد نصف الليل من ليلة النحر.39

امتداد وقت الرمي وسعته

من المعروف أن رمي الجمار يمتد إلى غروب الشمس فحسب. إلا أن الطحاوي رحمه الله ذكر تحت باب الرجل يدع رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم يرميها بعد ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم الراعي يرعى بالنهار ويرمي بالليل. أن هذا الحديث استدل به أبو حنيفة رحمه الله إلى أن فيه دلالة على أن الليل والنهار وقت واحد للرمي فقال إن ترك رجل رمي جمرة العقبة في يوم النحر ثم رماها بعد ذلك في الليلة التي بعده فلا شيء عليه، وزاد أبو حنيفة وإن لم يرمها حتى أصبح من غده رماها وعليه دم لتأخيره إياها إلى خروج وقتها وهو طلوع الفجر من يومئذ. وقال أبو يوسف ومحمد لا شيء عليه من دم أو غيره. جاء في المبسوط:" وإن ترك الرمي كله في سائر الأيام إلى آخر أيام الرمي رماها على التأليف وعليه دم في قول أبي حنيفة ولا دم عليه في قول أبي يوسف ومحمد.40 وذكر الكاساني أن من لم يرم حتى غربت الشمس فيرمي قبل طلوع الفجر من اليوم الثاني أجزأه ولا شيء عليه، كما ذكر قولين للشافعي: الأول: إذا غربت الشمس فقد فات الوقت وعليه الفدية والثاني: لا يفوت إلا في آخر أيام التشريق.41 كما أورد أدلة من قال بامتداد وقت الرمي حيث قال: " روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للرعاء أن يرموا بالليل ولا يقال إنه رخص لهم ذلك لعذر لأنا نقول ما كان لهم عذر لأنه كان يمكنهم أن يستنيب بعضهم بعضا فيأتي بالنهار فيرمي فثبت أن الإباحة كانت لعذر فيدل على الجواز مطلقا فلا يجب الدم. وقد أوضح أنه هذا الامتداد في الوقت، قول أبي يوسف ومحمد والشافعي ولا شيء على من يؤخر، إذ أن الرمي عندهم ليس بمؤقت.42 جاء في البدائع: " إن أخر الرمي فيهما إلى الليل فرمى قبل طلوع الفجر جاز ولا شيء عليه لأن الليل وقت الرمي في أيام الرمي".43 وكان مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي يقولون من نسي الرمي إلى الليل رمى ولا شيء عليه من الرعاة ومن غيرهم.44 وذكر ابن عبدالبر أن من أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل فيه قولان لمالك الأول لا شيء عليه والثاني عليه دم. ثم ذكر أن صفية امرأة ابن عمر تأخرت عن ابنة أخيها حتى أنت منى بعد ما غابت الشمس يوم النحر فرمت ولم يبلغنا أن ابن عمر أمرها بشيء. ثم ذكر أن الذي عليه أكثر العلماء أنه ليس في ذلك دم.45 وخص البعض هذا الحكم بالنساء. وذكر العسقلاني تحت باب من قدم ضعفة أهله أي من نساء وغيرهم بليل .. أن صاحب المغني قال: لا نعلم خلافا في جواز تقديم الضعفة بليل من جمع إلى منى.46 وقد استدلوا بأحاديث منها: عن عطاء قال أخبرنا ابن عباس قَالَ " قَالَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ لَيْلَة الْمُزْدَلِفَة : اذْهَبْ بِضُعَفَاتِنَا وَنِسَائِنَا فَلْيُصَلُّوا الصُّبْحَ بِمَنِّى وَلْيَرْمُوا حَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمْ دَفْعَةُ النَّاسِ.47 وذكر الشوكاني أن الأدلة تدل على أن وقت الرمي من بعد طلوع الشمس لمن كان لا رخصة له ومن كان له رخصة كالنساء وغيرهن من الضعفة جاز قبل ذلك ولكنه لا يجزىء في أول ليلة النحر إجماعاً.48 وقد استدل الفقهاء المجوزون لهذا الحكم للنساء خاصة بحديث أسماء المتفق عليه الآنف الذكر. وأكد الشوكاني أن هذا الحكم بالتبكير بالرمي قبل الفجر مختص بالنساء، فلا يصلح للتمسك به على جواز الرمي لغيرهن من هذا الوقت لورود الأدلة القاضية بخلاف ذلك، ولكنه يجوز لمن بعث معهن من الضعفة كالعبيد والصبيان أن يرمي في وقت رميهن.49 كما أورد النسائي بابا في سننه بعنوان: باب الرخصة في ذلك للنساء، جاء فيه عن عطاء بن أبي رباح قال حدثتني عائشة بنت طلحة عن خالتها عائشة أم المؤمنين ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر إحدى نسائه أن تنفر من جمع ليلة جمع فتأتي جمرة العقبة فترميها وتصبح في منزلها وكان عطاء يفعله حتى مات.50 ومما تجدر الإشارة إليه أن البخاري وغيره أخرج من حديث ابن عباس انه سأله رجل فقال رميت بعدما أمسيت فقال افعل ولا حرج.51 الأمر الذي يستدعي وقفة عند مسألة تضييق وقت الرمي في هذا العصر بالذات. وجاء في الكافي في فقه الإمام أحمد: " إن أخر رمي يوم إلى آخر أو أخر الرمي كله إلى اليوم الثالث ترك السنة ولا شيء عليه لكنه يقدم بالنية رمي الأول ثم الثاني ثم الثالث لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي فجاز تأخيره إلى آخر وقته كتأخير الوقوف بعرفة إلى الليل وإنما وجب الترتيب بالنية لأنها عبادات يجب الترتيب فيها مع فعلها في أيامها فوجب مع فعلها مجموعة ".52

وبناءا على ذلك واستخلاصاً منه يمكن أن يصدر عن هذه الندوة فتوى بتبني هذا القول الذي قال به جمع من العلماء السابقين لم يشهدوا الزحام الواقع في عصرنا هذا وما نجم عنه من سقوط أعداد من الضحايا أثناء التزاحم على رمي الجمار في وقت محدد، ظنا منهم أنه لا يجزئ عنه غيره. وبناءا على ذلك يمكننا القول بأن الأيام الأربعة من 10 إلى 13 ذي الحجة كلها أوقات وبحال لرمي الجمرات ... لأن في الرمي قبل الزوال تيسيراً كبيراً على الناس. إن مسألة توقيت رمي الجمرات بالوقت الكائن بين زوال الشمس ) وقت صلاة الظهر ) وغروب الشمس مسألة تحتاج إلى اتخاذ خطوة جادة، يتم فيها إيقاف الكوارث الناجمة عن الرمي في وقت معين محدد مضيق. ويتأكد هذا في حق النساء وكبار السن والضعفاء الذين يشكلون غالبية الضحايا. كما أن هذه المسألة لابد من النظر إليها من خلال مقاصد التشريع - التي أسلفنا الحديث عنها - ومقصد حماية النفس من الهلاك أو تعريضها للخطر، ويتأكد ذلك مع وجود هذا المتسع الهائل من أقوال الفقهاء وآراءهم المذكورة التي تبين سعة الأمر ويسر الحكم بالرمي. فالخطوة المطلوبة إنما هي في تفعيل هذه الأقوال وليس في إيجاد فتاوى جديدة أو آراء أخرى. مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة استحضار النظرة المستقبلية العالمية لرسالة وانتشار الإسلام في أرجاء المعمورة مع تحديد الأماكن التي تؤدى فيها المناسك، وهو أمر قصده الشارع لذاته، فكان لزاما على المجتهدين في هذا العصر تكييف الأحكام الجزئية بما يتلاءم مع تحقيق هذه المقاصد وتطبيقها.

المبيت بمنى

المبيت في منى واجب عند أكثر العلماء، واستدلوا بحديث عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظَّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنِّى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَيُطِيلُ الْقِيَامَ وَيَتَضَرَّعُ وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا.53 وذكر النووي أن العلماء اختلفوا هل هو واجب أم سنة وللشافعي فيه قولان أصحهما واجب وبه قال مالك وأحمد والثاني سنة وبه قال ابن عباس والحسن وأبو حنيفة فمن أوجبه أوجب الدم في تركه وإن قلنا سنة لم يجب الدم بتركه لكن يستحب.54 ومن قال أن المبيت بمنى ليس بواجب استدل بما روي عن الحسن وعن ابن عباس إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت ولأنه قد حل من حجه. فلم يجب عليه المبيت بموضع معين.55 فقد روي عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يبيت الحاج أيام منى بمكة ويأتي منى إذا أصبح ويرمي الجمار بعد الزوال في كل يوم وذكر عبد الرزاق عن الأسلمي عن داو عن عكرمة عن ابن عباس في رجل بات بمكة أيام منى قال ليس عليه شيء وعن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال لا بأس أن يبيت الرجل بمكة. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن كان يأتي منى فيرمي الجمار ثم يبيت بمكة فلا شيء عليه، فقد اعتبروا المبيت سنة.56 وذكر البخاري في صحيحه قول بعض العلماء أنه يجوز لمن هو مشغول بالاستقاء من سقاية العباس لأجل الناس، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْعَبَّاسَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنِّي مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ.57 واستدل به ابن ماجه على على جواز ترك المبيت بمنى للحاجة.58 وذكر بعضهم أن ذلك يجوز لمن له عذر شديد أيضا، فلا يجوز ترك السنة إلا بعذر ومع العذر ترتفع عنه الإساءة. ومن الأعذار الخوف على نفس أو مال أو ضياع مريض أو حصول مرض معه المبيت مشقة لا تحتمل عادة.59 إن ورود هذه الآراء واستحضارها يدفع بالمجتهدين والفقهاء المعاصرين إلى توخي سبل التيسير والنظر إلى الأمور من أبعادها المقاصدية وبما يتفق ومقاصد التشريع وحكمه وعالمية رسالته إضافة إلى طبيعة الواقع والظرفية التاريخية والبيئية المعاشة اليوم.

المبحث الرابع: الطواف في حال الحيض

ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في كثير من الأمور، وفرق بينهما في بعضها، وكانت المساواة وهي الأصل لحكمة، كما كانت التفريق رحمة بسبب ما يعرض للمرأة من أمور لا تعرض للرجل. فكانت هناك أحكام خاصة بها في العبادات، فضلا عن الأحكام العامة التي تشارك فيها الرجل. وقد اعتبر بعض العلماء الأنوثة من موجبات التخفيف في التكليفات وظهر ذلك في عدم تكليف النساء بكثير مما يجب على الرجال كالجماعة والجمعة والجهاد والجزية وتحمل العقل وغير ذلك وإباحة لبس الحرير وحلي الذهب.60 من هنا ذكر بعض العلماء تخفيف بعض أعمال الحج الشاقة عن المرأة. قال ابن عابدين أن المرأة إذا خافت الزحمة، سقط عنها واجب المبيت بمزدلفة، لكون ذلك عذرا ظاهرا في حقها يسقط به الواجب بخلاف الرجل.61 وثمة أحكام تتعلق بالنساء خاصة لما يعرض لهن من عوارض طبيعية كالحيض ونحوه. فهي أمور تقتضي ورود حكم معين فيها. ومن أبرز العلماء الذين تناولوا هذه المسألة من بعد مقاصدي ابن تيمية وابن قيم الجوزية رحمهما الله. وقد ناقش ابن تيمية رحمه الله أقوال المانعين من طواف الحائض. ويتضح من أقواله اعتباره مقاصد التشريع وأصول الأحكام ورد جزئيات التشريع إلى تلك الكليات حيث يقول:" اصول الشريعة مبينة على ان ما عجز عنه العبد من شروط العبادات يسقط عنه ..".62 ثم يؤكد أهمية النظر إلى ما يستجد من ظروف وأحوال تستلزم من المجتهد إعادة النظر في الأمور وما يمكن أن يترتب على تطبيق الحكم الفقهي من مشاق، ومن ثم مقارنة وموازنة تلك المقتضيات قبل إصدار الحكم فيها. فقد نظر رحمه الله إلى المشاق المترتبة على بقاء الحائض وانتظارها للطواف حتى تطهر، وما يمكن أن ينجم عن ذلك حيث يقول:" مما يفرق بين طواف الحائض وصلاة الحائض فانها تحتاج الى الطواف الذي هو فرض عليها مرة فى العمر وقد تكلفت السفر الطويل وحملت الابل أثقالها إلى بلد لم يكن الناس بالغيه الا بشق الأنفس فأين حاجة هذه الى الطواف من حاجتها الى الصلاة التي تستغني عنها زمن الحيض بما تفعله زمن الظهر .. ".63 ثم أظهر أبعاد فقهه المقاصدي حين أوضح أن سبب تناوله لهذه المسألة، يرجع إلى مستجدات عصره، يقول في ذلك: " ولولا ضرورة الناس واحتياجهم اليها علما وعملا لما تحشمت الكلام حيث لم أجد فيها كلاما لغيري فان الاجتهاد ثم الضرورة مما أمرنا الله به ..".64 أما ابن القيم رحمه الله فقد خصص بابا بعنوان: تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد أورد في مقدمته :" بناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعاد هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل".65 ثم أورد رحمه الله على ذلك أمثلة وخص طواف الحائض بالمثال السادس على هذه المسألة. وقد ناقش رحمه الله أقوال العلماء في هذه المسألة مبينا أن الحديث الذي استدل به المانعون من الفقهاء لطواف الحائض وهو حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه الإمام أحمد في مسنده:

" عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِسَرِفَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ يَا عَائِشَةُ فَقَالَتْ قُلْتُ يَرْجِعُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَنَا أَرْجِعُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ قَالَ وَلِمَ ذَاكَ قَالَتْ قُلْتُ إِنِّي حِضْتُ قَالَ ذَاكَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ قَالَتْ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ ثُمَّ ارْتَحَلْنَا إِلَى مِنًى ثُمَّ ارْتَحَلْنَا إِلَى عَرَفَةَ ثُمَّ وَقَفْنَا مَعَ النَّاسِ ثُمَّ وَقَفْتُ بِجَمْعٍ ثُمَّ رَمَيْتُ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَمَيْتُ الْحِمَارَ مَعَ النَّاسِ تِلْكَ الأَيَّامَ قَالَتْ ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّى نَزَلَ الْحَصْبَةَ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا نَزَلَهَا إِلَّا مِنْ أَجْلِي أَوْ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا إِلَّا مِنْ أَهْلِهَا ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ احْمِلْهَا خَلْفَكَ حَتَّى تُخْرِجَهَا مِنَ الْحَرَمِ فَوَاللَّهِ مَا قَالَ فَتَخْرِجُهَا إِلَى الْجَعِرَّانَةِ وَلَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ قَالَتْ فَانْطَلَقْنَا وَكَانَ أَدْنَى إِلَى الْحَرَمِ التَّنْعِيمُ فَأَهْلَلْتُ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَقْبَلْتُ فَأَتَيْتُ الْبَيْتَ فَطُفْتُ بِهِ وَطُفْتُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَارْتَحَلَ.66

ليس بالعام في كل الأحوال. يقول في ذلك: " فظن من ظن أن هذا حكم عام في جميع الأحوال والأزمان و لم يفرق بين حال القدرة والعجز ولا بين زمن إمكان الاحتباس لها حتى تطهر وتطوف وبين الزمن الذي لا يمكن فيه ذلك وتمسك بظاهر النص ورأى منافاة الحيض للطواف بمذكر للصلاة والصيام إذ نهى الحائض عن الجميع سواء ومنافاة الحيض لعبادة الطواف بمذكر لعبادة الصلاة.67 ثم يتجلى النظر في الأحوال وتغير الظرفية الزمانية والبيئية في فقهه رحمه الله حين يؤكد أهمية اعتبار عامل تغير الزمان والأحوال وأن من أفتى من الفقهاء باحتباس المرأة حتى تطهر ثم تطوف، أن ذلك كان ممكنا في زمنهم. يقول في هذا السياق:" كان ممكنا بل واقعا في زمنهم فأفتوا بأنها لا تطوف حتى تظهر لتمكنها من ذلك وهذا لا نزاع فيه ولا إشكال..." ثم يقول بعد مناقشة التقديرات الممكنة للمسألة : " هذه ضرورة مقتضية لدخول المسجد مع الحيض والطواف معه وليس في هذا ما يخالف قواعد الشريعة بل يوافقها كما تقدم إذ غايته سقوط الواجب أو الشرط بالعجز عنه ولا واجب في الشريعة مع عجز ولا حرام مع ضرورة .. ".68 ثم يختتم الحديث والتفصيل في المسألة كاملة بقوله : " كلام الأئمة وفتاويهم في الاشتراط والوجوب إنما هو في حال القدرة والسعة لا في حال الضرورة والعجز فالافتاء بما لا ينافي نص الشارع ولا قول الأئمة وغاية المفتى بما انه يقيد مطلق كلام الشارع بقواعد شريعته وأصولها ومطلق كلام الأئمة بقواعدهم وأصولهم فالمفتى بها موافق لأصول الشرع وقواعده ولقواعد الأئمة ".69 وثمة أمور تتضح في مسألة القول بجواز طواف الحائض يمكن إيجازها فيما يلي:

  • الإفتاء والحكم في مسائل كهذه – خاصة فيما يتعلق بواقع الحج اليوم وظرفيته– يستلزم دراسة المسائل من كافة الجوانب مع الاخذ بعين الاعتبار أن عملية تطبيقها وتنزيلها على الواقع، قد تتغير من بيئة لأخرى ومن زمن لآخر، فيكون مطلوب الفقيه أو المفتى عدم إيقاع الحرج، بما يحقق حالة اليسر ورفع الحرج ووضع الأصر والأغلال والتخفيف والرحمة التي ذكرها القرآن الكريم باعتبارها مزايا وخصائص للشرعة والمنهاج الذين جاء بهما القرآن. وطبقها العلماء المقاصديون سابقا.
  • هذا الاختلاف قد يكون سبباً للتيسير والتسهيل والتيسير مقصد من مقاصد الشريعة بنص الكتاب والسنة كما مر عن الشاطبي وغيره.
  • وبناء عليه يوجد في المذاهب كلها العدول عن القول الراجح إلى قول مرجوح لجل مصلحة ترجحت أو درء مفسدة أو دفع مشقة عرضت.

ولهذا تقرر عند المالكية تقديم القول الضعيف الذي جرى به العمل على القول الراجح في زمن من الأزمنة وكان من الأمكنة لتبدل عرف أو عروض جلب مصلحة أو درء مفسدة فيرتبط العمل بالموجب وجوداً أو عدماً كما يقول شارح التحفة . وبنوا على ذلك مئات المسائل وقال ابن عابدين كذلك بجواز الإفتاء بالضعيف للضرورة ومعنى ذلك من مقصد التيسير يرجع القول الضعيف فيتعين العمل له لعروض المشقة، فمعادلة المقصد الكلي بالنص الجزئي مؤثرة في الفتوى على مدار الأزمنة. ويقول ابن عابدين في نفس المعنى: فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله، أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولاً للزم منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير، ودفع الضرر والفساد لبقاء العالم على أتم نظام وأحسن الأحكام؛ ولهذا ترى مشايخ المذاهب خالفوا ما نص عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمانهم لقال بما قالوا به أخذاً من قواعد مذهبه . وقال أيضاً: ثم أعلم أن كثيراً من الأحكام التي نص عليها المجتهد صاحب المذهب بناء على ما كان في عرفه وزمانه قد تغيرت بتغير الأزمان بسبب فساد أهل الزمان أو عموم الضرورة.70

الخاتمة والتوصيات

تناولت هذه الدراسة مبدأ التيسير والرفق والبعد عن إلحاق العنت والمشقة بالمكلف الذي يعد من أبرز مقاصد الشريعة العليا الظاهرة في كافة تشريعاتها وجزئياتها، والتي كرستها عشرات النصوص الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة. وقد ركزت الدراسة على تجليات التيسير في أحكام الحج بشكل خاص. إذ تعد أحكام الحج من أبرز الدلائل المؤكدة لسمة التيسير في التشريع. فقد ظهرت آثار توخي مبدأ التيسير والرفق وتفعيلهما في جملة الأحكام الفقهية المتعلقة بالحج، وذلك من خلال القراءة المقاصدية التي توخاها المجتهدون والعلماء الأفذاذ الذين تعرضوا لتلك الأحكام، فردوا الجزئي إلى الكلي معتمدين على كليات الشريعة في فهم النصوص الجزئية المتعلقة به، الأمر الذي أبرز سعة الإسلام وصلاحية أحكامه ويسر تشريعاته للتطبيق في كل بيئة وزمان وحال. و قدمت الدراسة بعض النماذج الفقهية من رمي الجمار، والمبيت بمنى، وطواف الحائض التي تبرز بوضوح هذا المنهج الأصيل للعلماء والمجتهدين الذين تمكنوا من خلال إعماله، قراءة الجزئيات والأحكام الفقهية ضمن مقاصد التشريع فيها، فجاءت الجزئيات محققة لأغراض التشريع خادمة لها، مواكبة لطبيعة الواقع الذي تطبق فيه تلك الأحكام. وقد توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج والتوصيات يمكن إجمالها فيما يلي:

  • ضرورة إعادة قراءة مختلف النصوص الجزئية والأحكام الفرعية المتعلقة بالحج خاصة في ضوء مقاصد التشريع فيها والنظر إليها ضمن اعتماد كليات الشريعة وقوانينها الحاكمة التي من أبرزها التيسير والرفق والبعد عن إلحاق المشاق والعنت .
  • توخي المجتهد لإبراز سمات التيسير التي هي من أصول التشريع يعد من الضرورات التي باتت تفرضها تحديات العصر ومستجداته. فزيادة أعداد الحجاج المطردة باستمرار والخسائر البشرية التي حدثت في مواسم الحج الماضية... تستلزم إعادة قراءة النصوص والأحكام الجزئية المتعلقة بالحج في ضوء مقاصدها التي توخى المجتهدون السابقون تفعيلها.
  • خطورة صدور بعض الاجتهادات والفتاوى الفردية التي لم تتوخ إبراز عظمة التشريع المتجلية في تحقيق مقاصد التشريع وقيمه الحاكمة الصالحة لكل زمان ومكان. فجاءت بعض هذه الاجتهادات تحمل طابع إلحاق المشقة والتكلف والتعقيد والبعد عن يسر التشريع الإسلامي وسماحته .. الأمر الذي أدى في بعض الأحيان إلى اتهام الأحكام الشرعية بالتقولب البالغ حد الجمود، وعدم القدرة على مواكبة المتغيرات الراهنة... ومن ثم الإدعاء بعدم صلاحيتها لكل زمان ومكان. وهو أمر في غاية الخطورة إذ ينجم عنه تغييب المفاهيم التشريع وخصائصه الأصيلة من خلال ضرب الكليات بالجزئيات التي تتم قراءتها ضمن مقصد التيسير.
  • أهمية صدور فتوى عن هذه الندوة الموقرة بضرورة نشر أقوال وآراء العلماء والمجتهدين السابقين الذين قالوا بجواز بدء الرمي بعد منتصف ليلة النحر وامتداد وقته إلى آخر أيام التشريق، فقد باتت الحاجة ماسة إلى توعية الحجيج بذلك، لما يترتب عليها من حل أزمة التدافع الناجم في كثير من الأحيان عن فهم غالب الحجيج، لحصر وقت الرمي فيما بعد طلوع الشمس إلى الغروب. الأمر الذي أدى – كما هو معلوم- إلى وقوع أضرار وخسائر بشرية بينهم. وهو أمر يمكن تلافيه من خلال نشر الوعي بجواز الرمي – خاصة للضعفاء والنساء - في أوقات أخر كما أوضحته الدراسة.

هوامش البحث

Footnotes

  1. أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات في الشريعة، تحقيق: عبدالله دراز، دار المعرفة، بيروت، ج1، ص 325.

  2. المرجع السابق، ج 1، ص 340.

  3. المرجع السابق، ج 1، ص 340.

  4. طه جابر العلواني، مقاصد الشريعة، دار الهادي، بيروت، 2001م، ص 124.

  5. الشاطبي، مرجع سابق، ج1، ص 352.

  6. محمد بن علي الشوكاني، فتح القدير، دار الفكر، بيروت، ج 1، ص 183.

  7. زين بن إبراهيم بن محمد، البحر الرائق، دار المعرفة، بيروت، ج 1، ص 293.

  8. محمد أمين بن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، دار الفكر، بيروت، ط2، 1386هـ، ج2، ص 482.

  9. القرافي، الفروق، عالم الفكر، بيروت، ج 1، ص 2-3.

  10. الشاطبي، ج 1، ص 346.

  11. عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403هـ.

  12. انظر في ذلك: إبراهم بن محمد بن مفلح، المبدع، المكتب الإسلامي، بيروت، 1400هـ، ج3، ص 91. ابن تيمية، شرح العمدة، تحقيق: سعود العطيشان، مكتبة العبيكان، الرياض، 1413هـ، ج2، ص 246. (هذا الهامش يجمع بين إشارتين في النص الأصلي تحت رقم 12 و 16، تم دمجهما نظراً لتتابع الاقتباس). ملاحظة المحرر: النص الأصلي قد يحتوي على هوامش إضافية لم يتم ترقيمها هنا بدقة.

  13. محمد بن علي الشوكاني، فتح القدير دار الفكر، بيروت، ج 1، ص 365. (هذا الهامش قد يقابل هامش 13 في النص الأصلي).

  14. رواه مسلم في صحيحه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج 2، ص 948، حديث رقم : 1306 . ورواه البخاري في صحيحه، تحقيق: مصطفى البغا، دار ابن كثير، بيروت، 1407ه، ط3، ج 1، ص 43، حديث رقم 83. (هذا الهامش يقابل 17 في النص الأصلي).

  15. أبو بكر أحمد بن علي الجصاص، أحكام القرآن، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ، ج 2، ص 280.

  16. المرجع السابق، ج 4، ص 33.

  17. على الرغم من اتخاذ الشاطبي وجمهور غفير من العلماء منحى عدم الالتفات إلى التعليل في أحكام العبادات، إلا أن المستقرأ المستفاد من تتبع مقالاته ومقالات غيره من العلماء في بعض الأحكام العبادية، قولهم بوقوع التعليل في بعض أحكامها. أنظر على سبيل المثال: الشاطي، ج2، 24.

  18. الشاطبي، مرجع سابق، ج2، 317.

  19. أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، المستصفى، تحقيق: محمد عبد السلام الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413ه، ج1، ص 365. ابو عبدالله محمد المغربي، مواهب الجليل، دار الفكر، بيروت، ط2، 1398ه، ج2، ص 471.

  20. ابن تيمية، شرح العمدة، تحقيق: سعود العطيشان، مكتبة العبيكان، الرياض، 1413ھ، ج2، ص 276.

  21. راجع هذا القول في كل من: محي الدين بن شرف النووي، المجموع، تحقيق: محمود مطرحي، دار الفكر، بيروت، 1417ه، ج 8، ص 142. القرطبي، مرجع سابق، ج 3، ص 5.. محمد الشربيني الخطيب، الإقناع، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، بيروت، 1415هـ، ج 1، ص 257.

  22. أبو حامد الغزالي، الوسيط، تحقيق: محمد محمد تامر، دار السلام، القاهرة، 1417هـ، ج2، ص 667. (النص الأصلي أشار إلى 24، ولكن هذا يبدو أنه 25 حسب القائمة)

  23. رواه البخاري، باب الحج، من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون، حديث رقم 1567. (هذا الهامش يقابل 26 في النص الأصلي)

  24. رواه النسائي، مناسك الحج، الرخصة في ذلك للنساء، حديث رقم 3016.

  25. رواه مسلم، باب الحج، استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة، رقم 2280.

  26. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  27. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  28. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  29. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  30. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  31. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  32. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  33. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  34. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  35. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  36. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  37. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  38. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  39. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  40. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  41. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  42. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  43. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  44. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  45. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  46. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  47. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  48. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  49. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  50. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  51. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  52. (لم يحدد المصدر في القائمة المقدمة، يفترض أنه يتبع التسلسل)

  53. المغني، ج3، ص 231. (هذا الهامش يقابل 58 في القائمة الأصلية، تم تعديل الرقم للتسلسل)

  54. ابن عبدالبر، التمهيد، ج 17، ص 262. (يقابل 59)

  55. (لم يحدد المصدر، يفترض أنه 58 في القائمة الأصلية)

  56. (لم يحدد المصدر، يفترض أنه 59 في القائمة الأصلية)

  57. رواه البخاري، باب الحج، رقم 1627.

  58. انظر السندي، شرح سنن ابن ماجه، المناسك، رقم 3056.

  59. عون المعبود، مرجع سابق، المناسك رقم 1674، ج 5، ص 306. نيل الأوطار، ج5، ص 161.

  60. عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403هـ، ج1، ص 80.

  61. حاشية ابن عابدين، مرجع سابق، ج 2، ص 512.

  62. ابن تيمية، كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه، تحقيق: عبدالرحمن محمد قاسم الحنبلي، مكتبة ابن تيمية، الرياض، ج26، ص 241. (القائمة الأصلية تشير لـ 65 مرتين، هذه الأولى).

  63. المرجع السابق، ج26، ص 198.

  64. المرجع السابق، ج26، ص 241.

  65. ابن قيم الجوزية، اعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: طه عبد الرؤوف، دار الجيل، بيروت، 1973م، ج 3، ص 1.

  66. مسند أحمد، باقي مسند الأنصار، حديث رقم 25891.

  67. المرجع السابق، ج 3، ص 14.

  68. ابن قيم الجوزية، مرجع سابق، ج 3، ص 20.

  69. المرجع السابق، ج 3، ص 30.

  70. ابن عابدين، مرجع سابق، ج 3، ص 176.

مظاهر التيسير في أحكام النساء في الحجّ
تنزيل البحث ←